استراتيجيات تكيف الرعاة مع الجفاف في معتمدية
الدويم
ولاية النيل الأبيض - السودان
.أ. د. السيد
البشرى محمد أحمد – جامعة الخرطوم
د. عمــــر
حيــاتي – جامعة الأمام محمد بن سعود.
د. محمد
أبوالحسن القاسم – جامعة الأمام المهدي.
تم
نشرها بالعدد التاسع للمجلة العلمية – جامعة الزعيم الأزهري ( السودان ) أكتوبر 2010م.
ملخص:
يهدف
هذا البحث لدراسة استراتيجيات تكيف الرعاة مع الجفاف في معتمدية الدويم في ولاية
النيل الأبيض. ويفترض البحث وجود علاقة عكسية بين معدلات الأمطار واستراتيجيات التكيف
مع الجفاف. وتنبع أهميته من تعقبه للاستراتيجيات التي أبتدعها الرعاة نتيجة تكرار
موجات الجفاف في المناطق الجافة وشبه الجافة باعتبار أن منطقة الدراسة جزء منها. استخدم
البحث المنهج الاستقرائي، والأسلوب الوصفي التحليلي، وأعتمد في جمع المعلومات على
الملاحظة والمقابلة والاستبيان. توصل البحث لأهمية الثروة الحيوانية بالنسبة لسكان
المنطقة، وأكد على وجود علاقة مباشرة بين كمية الأمطار واستراتيجيات التكيف. وأن
أهم الاستراتيجيات المتبعة من قبل الرعاة تتمثل في تغير حركة التنقل مع الحيوانات
في فترات الجفاف، وشراء وتخزين الأعلاف وتخزينها، وبيع جزء من القطيع لتوفير المال
اللازم لتغطية المنصرفات المعيشية وتحديد حجم القطيع وتخفيف حمولة المرعى. وللتكيف
مع ضعف الموارد المالية فقد اعتمد الرعاة على التحويلات المالية الواردة لهم من
ذويهم من المغتربين والتجار، وتفضيل الزواج من الأقارب, وزيادة المواليد، والتعاون
في الأعمال الخيرية.
: Abstract
This research aims to studying the coping strategies in relation to drought
practiced by the animal herders in El dwaim locality, White Nile State .
It's hypothesized that there is a reverse relation between average rainfall and
coping strategies in relation to drought. The research derives its importance
from tracing the strategies devoted by animal herders to cop with frequent
drought in arid and semi arid lands, which the study area is considered part of
it. Inductive approach and the descriptive analytic methods were used.
Observation, interviews, and questionnaire were the main tools of data collection. The
research results show the importance of the animals for the people of the area,
and there is a direct relation between the average rainfall and coping
strategies. The main strategies created by animal herders are: (i) changing
animal movements in the arid periods, buying and storing fodders, selling part
of the herd in order to face the daily family expenses, determining the herd
number, and minimizing the pasture's capacity. (ii) To cope with insufficient
financial resources they depend on the money transferred by their relatives
abroad and merchants, preferring marriage to relativess, increasing mortality,
and cooperating in voluntary activities.
مقدمة:
يصنف
الجفاف ضمن الكوارث الطبيعية التي تهدد حياة النبات والحيوان والإنسان, خاصة في
المناطق الحافة وشبه الجافة. ويرتبط حدوثه عادة بنقص معدلات الأمطار وتذبذبها
وازدياد معدلات التبخر والنتح, الذي ينعكس بطبيعة الحال على التربة التي تتعرض
لحالات التدهور والتعرية بفعل الرياح التي تنشط عندما يحل الجفاف. وتؤدي زيادة
حدته لإخلال النظام البيئي، وازدياد تدهور الإنتاجية الزراعية ومن ثم اضطراب الأمن
الغذائي (محسوب وأرباب، 2000). نبهت العديد من المنظمات الدولية والوكالات التابعة
للأمم المتحدة, خاصةً المتخصصة في مجال المياه, إلى أن الماء هو مشكلة القرن
الحادي والعشرين، وأن النظم الإيكولوجية عامة وأمن الإنسان الغذائي خاصة معرضة
كلها للخطر, ما لم تتم إدارة الموارد المائية بفعالية أكبر مما في الماضي (أبو سمور،
1999م). عُزز هذا التنبيه بمؤتمرات عديدة منها مؤتمر دبلن عام 1992م, وريودي
جانيرو عام 1992م.
ظهرت
محاولات الإنسان الأولى واجتهاداته للتكيّف مع بيئته والتعايش مع مخاطرها، وابتداع
استراتيجيات للتخفيف من حدة آثارها، للمرة الأولى في مدوّنة حمو رابي (1950 ق.م) التي
حوت ابتكارات الحضارة البابلية في ارتفاع منسوب نهري دجلة والفرات والتنبؤ
بفيضاناتها من أجل درء آثارها. أما التاريخ الحديث للأبعاد الفكرية لاستراتيجيات
التكيف مع الجفاف وتطورها وأنواعها في إطار علاقة الإنسان بالبيئة فيرجع لمقال
نشره هوايت (White) عام 1945م يتصل
بمغزى الاهتمام بهندسة ضبط الفيضانات في الولايات المتحدة عوضاً عن إجراءات واسعة المدى لدرء أخطارها. تبين أهمية
ذلك المقال فيما بعد، وطبقت دراسات على شاكلتها لتشمل عشرة كوارث خلال عقد
السبعينات من القرن العشرين، في ستة وعشرين موقعاً في بلدان مختلفة تحت رعاية
الجمعية الجغرافية الدولية، شملت الجفاف والانزلاقات الأرضية والتعرية الساحلية
والموجات الثلجية والزلازل والبراكين والهريكين (محسوب وأرباب، 2000م).
يعاني
السودان, كغيره من بقية دول العالم, من العديد من المشكلات البيئية، سيما الجفاف, إذ
يعد واحداً من أكثر ثلاث دول أفريقية تعرضاً له (Curtis, 1988). شهد السودان خلال التاريخ موجات من الجفاف كان
أشدها عام 1889. ويعتبر منتصف ستينات القرن العشرين بداية فترة الجفاف الأخيرة
التي تميزت بأثرها العميق على تدهور النظام البيئي بأكمله، وساعد ذلك في ازدياد
الآثار السلبية لجفاف عام 1984م
(Ibrahim, 1987). تكيفاً مع هذه الأوضاع ومواجهةً لأزمات نقص الغذاء وكوارث
المجاعات فقد ابتدع الإنسان ومارس العديد من الوسائل والاستراتيجيات في معظم مناحي
حياته خاصة تلك المرتبطة بوسائل الإنتاج الأولي (الرعي والزراعة).
تعرضت
معتمدية الدويم, في ولاية النيل الأبيض بالسودان, بحكم موقعها في النطاق الجاف
لكوارث جفاف متكررة أدت لخسائر كبيرة في اقتصادها الريفي خلال العقود الماضية, أخطرها
وأشدها أثراً تلك التي حدثت عام 1984م, ويعد الرعاة التقليديين أكثر المتأثرين بها.
منهج
البحث:
يهدف
هذا البحث لدراسة استراتيجيات تكيف الرعاة مع الجفاف في معتمدية الدويم. ومجيباً
على السؤال: ما الاستراتيجيات التي ينتهجها الرعاة للتكيف مع ظروف الجفاف ؟. ويفترض
البحث وجود علاقة عكسية بين معدلات الأمطار واستراتيجيات التكيف مع الجفاف.
تنبع
أهمية هذا البحث من توخيه لتعقب الاستراتيجيات الاجتماعية والاقتصادية التي ابتدعت
نتيجة تكرارا موجات الجفاف في المناطق الجافة وشبه الجافة باعتبار أن منطقة
الدراسة جزء منها، الأمر الذي يجعل من هذا البحث وغيره, في هذا المجال, مطية
لإرساء أسس السلام والتنمية في السودان. بالإضافة إلى ذلك, فإن معتمدية الدويم قد
تعرضت مرات عديدة لكارثة جفاف، ولكنها لم تنل البحث الكافي بالقدر الذي حظيت به
مناطق أخرى من السودان تعاني من ذات المشكلة (دارفور، كردفان، البحر الأحمر). ومما
يزيد من أهمية البحث أن النيل الأبيض, باعتباره مصدراً دائماً للمياه, يخترق
المنطقة من الجنوب للشمال، مما أوجد نظاماً بيئياً يختلف نسبياً عن المناطق الجافة
وشبه الجافة الأخرى في السودان، الشيء الذي ربما أحدث تغييراً واختلافاً مهماً في
استراتيجيات التكيف مع الجفاف.
يقوم
هذا البحث على المنهج الاستقرائي والذي استخدم في العمل الميداني لجميع الجزئيات
بغية الوصول للكليات والتعميمات, وعلى المنهج الاستدلال الذي استخدم في الاستفادة
من الأدبيات في بلورة مشكلة البحث وتحديد الأهداف والفروض. هذا إلى جانب استخدام
الأسلوبين الوصفي والتحليلي. أعتمد في جمع المعلومات على وسائل أولية شملت
الملاحظة المقابلات الجماعية والفردية شبه المنظمة والاستبيان الذي صمم لجمع
معلومات ذات طابع كمي تتصل بالاستراتيجيات التقليدية التي يستخدمها الرعاة في
الجوانب الاجتماعية و الاقتصادية والبيئية.
أُعتمد
البحث على العينة العشوائية البسيطة, وتم تقسيم المنطقة إلى وحدات وفقاً للتقسيم
الكائن أصلاً والبالغة خمس وحدات إدارية (الدويم, شبشة، أم رمته، الوحدة، التضامن).
استثنيت وحدة الدويم باعتبارها المركز الحضري الرئيس في المنطقة ويعتمد سكانها على
مصادر دخل متعددة. بلغ العدد الكلي لمجتمع للدراسة في الوحدات الأربع 44897 أسرة. واعتماداً
على الجداول الإحصائية التي وضعها
آركن
(Arkin, 1974) وعلى خطأً مسموحا به (الدقة) في حدود ±5% ومستوى ثقة في تعمم
النتائج لا يقل عن ± 95% فقد بلغ حجم العينة المختارة من مجتمع البحث 215 أسرة. ولتحديد
قرى العينة تم رسم خريطة لوحدات المعتمدية حدت عليها مواقع كافة القرى, وقسمت
الخريطة إلى 17 مربعاً تتفق مع خطوط الطول ودوائر العرض, وتم اختيار ستة مربعات
عشوائية. ومن كل مربع تم اختيار قريتين عشوائياً. ليبلغ عدد القرى المختارة
اعتماداً على العينة المساحية 12 قرية. ومن ثم تم حصر عدد الأسر في كل قرية, وتم
إجراء العمل الميداني على عينة عشوائية من الأسر.
الدراسات
السابقة:
تزايد
الاهتمام بالكوارث والمشكلات البيئية، خاصة خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين
وأوائل القرن الحالي، وعلى وجهه التحديد بعد كارثة الجفاف التي أصابت حزام الساحل
الأفريقي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. تمثل ذلك في عقدت المؤتمرات
العالمية، وإجراء دراسات وأبحاث تناولت الكارثة وآثارها واستراتيجيات التكيف معها
ووسائل إدارتها.
فعلى
الصعيد العالمي أبرزت كثير من الدراسات مثل دراسة دوانز وآخرون ( Downs & others,1990) عن "الاقتصاد
السياسي للفقر والمجاعات في أفريقيا" و دراسة قرين (Green, 1989) عن "التدهور والتنمية الريفية في الصحراء
وشبه الصحراء الأفريقية" ودراسة مانجر (Mangere, 1998) عن "التكيف الإنساني في الأراضي الجافة في
شرق إفريقيا" ودراسة نيبال ووبر
(Nipal & Weber, 1995) عن "إدارة الموارد الهشة وحل الصراعات في
الدول النامية" أن هنالك علاقة بين الجفاف وإنتاج الغذاء, وبالتالي إما أن
يتوفر أمن غذائي أو أن تحدث فترات نقص غذاء أو مجاعات في البيئات ذات النظم
الإيكولوجية التي لها قابلية التعرض للجفاف والمتسمة بالفقر والعوز والتهميش
السياسي. كما أكدت على دور المعرفة التقليدية في بناء استراتيجيات فردية كانت أم
جماعية ناجحة تتصدى بها مخاطر الجفاف. منها ما يتصل بنظم ملكية الأرض والموارد
وتوزيع العمل وتبادل المعرفة والمعلومات داخل المجتمع المحلي والمحافظة على
التوازن الإيكولوجي. وتوصي هذه الدراسات بضرورة الدعم الخارجي لهذه المجموعات.
أشار
مورتمور (Mortimore,
1989) في إطار علاقة الإنسان بالبيئات الجافة وشبه الجافة إلى عدم
ثبات النظم البشرية فيها, وجاء بمفهوم مرونة تكيف النظام البشري (Resilience) الذي يميِّز بين
حالتين من السلوك البشري: تسود الحالة الأولى في فترات الرخاء ومساندة الظروف
البيئية عمليات إنتاج الغذاء، فلا يحتاج الإنسان فيها إلى استخدام أنواع متعددة من
الاستراتيجيات. أما الثانية فتسود في فترات الشدة والأزمات الطارئة، فيحاول
الإنسان التكيف مع هذه الظروف بتوظيف كل مخزونه من الخبرات المتوارثة
واستراتيجياته المتعددة، وهذا ما يعكس درجة مرونة سلوك الإنسان للتكيف.
وفي
أطار تكيف الإنسان مع البيئة فقد تبنى هوايت (White, 1978) نموذج الإيكولوجيا البشرية (Human Ecology Approach) قوانين تنظم
الصراع والمنافسة على الموارد. فيرى هذا المنهج أن نظاماً من الأحداث الطبيعية
يوجد جنباً إلى جنب مع نظام الاستخدام الإنساني. وبينما يؤدي الاستخدام الإيجابي
إلى موارد، فأن الاستخدام السلبي يتحول إلى كارثة. كما اهتم النموذج بالسلوك قبل
وأثناء وبعد الكارثة (أنظر شكل رقم 1)، في إطار التفاعل والتكيف. ذلك لأن المخاطر
والكوارث الطبيعية ما هي إلا جزء من هذا التفاعل والتكيّف نتيجة استخدام الناس
للموارد الطبيعية .
إن
نموذج الإيكولوجيا البشرية يدعو إلى ضرورة التوازن بين الكثافة السكانية والموارد
المتاحة وضرورة دراسة السلوك أثناء الكارثة وإدارتها والتعامل معها بالحيطة والحذر.
بينما يؤكد منهج الإيكولوجيا السياسية على ضرورة إدخال البعد الاجتماعي الاقتصادي،
ومفهوم الهامشية
(Marginalization) وقابلية التعرض للكوارث (Vulnerability), من بعدي المكان والآليات, اللذان يؤديان في
المدى البعيد إلى تدمير البيئة وحدوث الكوارث. ويؤكد البنك الدولي على أن الكوارث
تعتبر مقياس حقيقي لقدرة المجتمعات المتأثرة بتنظيماتها الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية للتكيف مع بيئتها بمعطياتها المختلفة وتجاوز صعوباتها المفاجئة (World Bank, 1991).
وعلى
الصعيد الإقليمي فقد درس شامبل
(Campbell, 1979) "أهمية الاستراتيجيات التقليدية في أوساط
المجتمعات الأفريقية", ودرس يوسف (1998م) "استراتيجيات البقاء في
الأراضي الجافة الأثيوبية, ودرس بريمان وسيسوكو (Bremam & Sissoko, 1998) "تكثيف الزراعة
في الساحل الأفريقي", و درس مورتمور وآدمز (Mortimore & Adams, 1999) "تكيف الفلاحين: الكوارث
والتغير في حزام الساحل". توصلت هذه الدراسات إلى أن هنالك خمسة أبعاد لفهم
إدارة الموارد وتكرار كوارث المجاعات هي: الأمطار والجفاف, والإمداد الغذائي, وإدارة
المخزون الغذائي, والتدهور البيئي, واستراتيجيات التكيف المحلية . وأن أهم
الاستراتيجيات المتبعة تتمثل في تنظيم استخدام الأرض بين المزارعين والرعاة, وتنويع
القطيع، والتنقل بين المراعي في الفصلين الجاف والمطير، واللجوء للأشجار لغذاء
الحيوانات، والمساعدات المتبادلة لإعادة بناء القطيع في حالة فقدانه. كما أكدت على
فشل إستراتيجية الهجرة من الريف إلى المراكز الحضرية في نطاق الساحل الأفريقي لحل
مشكلة الجفاف ونقص الغذاء. والتي أفرزت العديد من السلبيات على المجتمع الحضري
والريفي على حد سواء، تمثلت في عدم عودة المهاجرين إلى الريف مرة أخرى، ومن ثم
التخلي عن مزاولة حرفتي الزراعة والرعي حتى لو تحسنت الظروف المناخية، إضافة إلى
تشكيل عبء وضغط كبير على قطاع الخدمات في المراكز الحضرية في ظل تردي الأوضاع
المالية والخدمية، ونسبةً لعدم وجود فرص العمل الكافية في المراكز الحضرية.
وعلى
الصعيد المحلي تناولت عدة دراسات الرعي في السودان: مجتمعاته, أبعاده الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية, استراتيجيات التكيف مع الجفاف. منها هارسون (Harrison, 1955), الدسوقي (1968م),
أحمد (1976م), هالز
(Hales, 1976), عجيمي
(Egemi, 1994م), حياتي (1994م), الشيخ (2002م), الفكي (Al- Faki, 2006) التي ربط معظمها
بين الجفاف وإنتاج الغذاء، وما يتبع ذلك من نقص في الغذاء ومجاعات. كما ركزت على
الوسائل والاستراتيجيات الداخلية التقليدية التي يمارسها السكان المحليين
والاستراتيجيات الخارجية (العون الإغاثي) للتكيف مع الجفاف وتجاوز كوارث نقص
الغذاء والمجاعات الناجمة عنه. وتوصلت إلى أن: مرونة حركة الرعاة, الاستلاف، بيع
أدوات الإنتاج، وبيع الحيوانات غير المنتجة لشراء الحاجيات الأساسية, وتقوية
القدرات القتالية والتنافسية للاستحواذ على أكبر قدر من الموارد الشحيحة أكثر
الاستراتيجيات استخداما. وإن تكرار المجاعات مرده " بجانب الجفاف" انهيار
الاستراتيجيات التقليدية، وعمليات التهميش. وتنبأ بعضها بتقلص حرفة الرعي, وتوالي
المجاعات طالما أن بعض الأنظمة الرعوية في السودان ليست لديها القدرة على إنتاج
الغذاء ولا شرائه ولا إمكانية الحصول عليه. وأوصت بضرورة العمل بسياسة الرعي المتنقل ،كإستراتيجية مهمة
للتكيف مع ظروف الجفاف, وممارسة إستراتيجية الزراعة مع الرعي المتنقل.
أيكولوجية
منطقة الدراسة:
تتوسط
معتمدية الدويم الواقعة شمالي ولاية النيل الأبيض السودان , وتمتد على الضفة
الغربية للنيل الأبيض بين خطي طول 30-31 ْو 45 - 32 ْْ شرقاً, وبين دائرتي عرض 36
- 13 ْ و 56 - 14 ْ شمالاً
(Davies, 1986)، وتبلغ مساحتها 38816 كيلومتراً مربعاً. وتحدها من الشمال معتمدية
القطينة ومن الجنوب معتمدية كوستي ومن الشرق نهر النيل الأبيض ومن الغرب ولاية
شمال كردفان (أنظر شكل رقم 2). وتضم المعتمدية خمس وحدات إدارية هي: الدويم،
الوحدة، التضامن، شبشه، أم رمته. يعد القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني
الركيزة الأساسية للبناء الاقتصادي، والحرفة الرئيسة التي يعتمد عليها معظم سكان
المنطقة.
يتصف
مناخ منطقة الدراسة بالقارية , ويتسم بالجفاف والتقلبات المناخية الحادة في كثير
من الأحيان باعتبارها جزء من إقليم الساحل الأفريقي (African Sahelian Zone) الذي يشكل
حزاماً مناخياً ونباتياً يمتد جنوب الصحراء الكبرى مباشرةً له قابلية التعرض
للجفاف والمجاعات (Vulnerable to
drought and famine) ((Le Houerou, 1989) (Plan,1991 تتراوح درجات
الحرارة في منطقة الدراسة في الشهور الحارة بين (35 ْم - 38 ْْم)، أما في الشهور
المعتدلة فتتراوح بين (16مْ – 23 ْم)(مصلحة الأرصاد الجوي، 2006م). وتتذبذب معدلات
الأمطار زمانا ومكانا . ويتجلي ذلك زمانا في عدم استقرار بداية الفصل المطير
ونهايته, واختلاف الفترة الزمنية بين عاصفة مطيرة وأخرى, وتعاقب سنوات والرخاء
والقحط (boom and bust
years). يتراوح متوسط كمية الأمطار بين 150 مليمتراً في الجهات
الشمالية إلى 250 مليمتراً في الجهات الجنوبية، ليبلغ المتوسط السنوي لإمدادات
المنطقة من مياه الأمطار 15000 مليون متراً مكعباً. وتشير متوسطات كمية الأمطار في
المنطقة للتناقص الملحوظ خلال الحقب الأخيرة , ففي خلال الفترة بين (1921 – 1950) بلغ
متوسط المطر 330 مليمتراً، ثم تناقص ليبلغ خلال الفترة بين (1960– 1995م) 248
مليمتراً، ولم يتجاوز خلال الفترة بين (1962 – 2000م) 196 مليمتراً (أنظر شكل رقم 3).
ويتمثل التذبذب مكانا في اختلاف توزيع المطر خلال الفصل المطير من مكان لآخر.
تبين
هذه المتوسطات الاتجاه نحو ظروف أكثر جفافاً وتذبذباً بدرجةٍ لا تسمح ببلوغ الحد
المناسب للاستخدام الزراعي والرعوي, الشيء الذي دعا لاستحداث استراتيجيات مناسبة
للتكيف مع هذه الظروف.
اعتبر
كثير من الباحثين والعلماء أن الجفاف ظاهرة مناخية تنتج عن نقص الأمطار أو ارتفاع
درجات الحرارة وزيادة التبخر، كما ذهب بعضهم إلى تفسير الظاهرة بشرياً. ويعرّف ( والطون
, 1976م) الجفاف بأنه محصلة العلاقة بين المطر والحرارة والبخر، مؤكد على أنه لا
يمكن الاعتماد على عنصر واحد من هذه العناصر لتفسير ظاهرة الجفاف (والطون، 1976م).
ويَعتبِر هير ( Hare, 1983) أن الجفاف ظاهرة
مناخية طبيعية مؤقتة تحدث بسبب التفاوت الواضح في معدل التساقط السنوي وتوزيعه
الجغرافي.
صنّف
كثير من الباحثين الجفاف إلى أنواع متعددة كلٍ حسب اهتمامه وحاجته للأمطار، ولقد
أوضح كارتر (Carter,1964) أنه يمكن تمييز
ثلاثة أنواع للجفاف هي:
(i) الجفاف المترولوجي
(Meteorological Drought): وهو الحالة التي ينخفض فيها متوسط الأمطار
بنسبة 25 % عن متوسط الأمطار على مدى
طويل, (ii) الجفاف الهيدرولوجي (Hydrological Drought): وهو الذي ينقص
فيه الماء عن سد احتياجات المجتمع الاستهلاكية والإنتاجية مما يعوق العديد من
النشاطات البشرية بنجاح,
(iii) الجفاف الزراعي "التربي" (Edaphic Drought):هو نتاج للجفاف
المترولوجي والهيدرولوجي في منطقة معينة، وفيه تقل رطوبة التربة بحيث لا تصبح
قادرة على نمو المحاصيل الزراعية ويترتب عليه نقص الإنتاج.
تتكون
المنطقة جيولوجيا من صخور قاعدية وتكوينات حجر رملي النوبي ورسوبيات أم روابه
ومجموعة رسوبيات سطحية. وتتميز بتربة جافة, وطبوغرافية مستوية السطح تقريبا،
تتخللها كتل جبلية قاعدية وكثبان رملية (توم، 1976, دياب، 1998م). تفتقر أجزاء
كبيرة منها للمياه الجوفية لعدم وجود الأحواض الحاملة للمياه، وترتفع نسبة الملوحة
في مياه المناطق التي تتمتع بها (الهيئة القومية للمياه، 2006م). الغطاء النباتي
في المنطقة خفيف ومفتوح يتكون من حشائش وشجيرات متفرقة تزيد كثافتها باتجاه
الأودية والمنخفضات ( 2004,Seed
Ahmed)، تصل إلى نحو 35 نوعاً، أهما أشجار الأكاسيا (Acacia) والشجيرات القصيرة، والشوكية، وتتميز الأشجار
بأوراقها الرفيعة والثنائية، أما النباتات الموسمية فتتمثل في الحشائش الفقيرة
التي يقل ارتفاعها عن المتر الواحد
(Lebon
, 1965).
أدى
تكرار الجفاف المنعكس في تذبذب متوسطات معدلات الأمطار بالدرجة التي لا تسمح ببلوغ
الحد المناسب للاستخدام الزراعي والرعوي, والنقص في الموارد المائية الجوفية، وضيق
الأراضي الزراعية الخصبة، وانتشار الآفات والأوبئة، والمراعي غير الكافية
والمتدنية الإنتاجية، للضغط على الموارد والبيئة وتدني الإنتاج الزراعي والرعوي, الذي
انعكس بدوره في تدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية و المعيشية. دعا كل ذلك
لاستحداث استراتيجيات مناسبة للتكيف مع هذه الظروف. إذ برزت ظواهر عدة كالعمالة
الموسمية والهامشية في المدن، والتسرب الدراسي وعمل الأطفال والهجرة الداخلية
والخارجية (ديوان الحكم الاتحادي، 1999م).
السكان
والنشاط البشري:
يبلغ
عدد سكان معتمدية الدويم 384650 نسمة في عام 2005 , منهم 72.2 % ريفيون ، وتبلغ
الكثافة لسكانية خمسة أشخاص للكيلومتر المربع الواحد، وتعد من الكثافات السكانية
المنخفضة, ويبلغ معدل النمو الطبيعي في المعتمدية 2.58, ومتوسط أفراد الأسرة 6.1, (التعداد
السكاني لعام 1993م).
أفادت
نتائج العمل الميداني لهذا البحث أن 63 % من أعمار عينة البحث تنحصر في الفئتين (30
وأقل من 45 سنة) و (45 واقل من 60 سنة)، مما يؤكد أن الأعمار ما تزال محافظة على
خصائص المجتمعات الريفية. بينما تقل نسبة الشباب البالغين كأرباب أسر إذ لم تتجاوز
نسبتهم 11 %، وربما يعزى ذلك إلى تأخر سن الزواج بسبب الصعوبات الاقتصادية الناجمة
عن تدهور قطاعي الزراعة والرعي بسبب الجفاف، إضافةً إلى الأعباء الاجتماعية
الملاقاة على عاتق الشباب في ظل سيادة نظام الأسر الممتدة.
وإن
كانت معدلات الهجرة والخصوبة بالإضافة إلى الوفيات تؤثر على تركيب السكان في مختلف
فئات العمر، فإن الهجرة تعد العامل الأكثر أثراً في فئات العمر الوسطى (قوة العمل)
لعينة البحث والبالغة 74.1 % ، وهذا يفسر درجة المرونة العالية لهذه الفئة
ومقدرتها الفائقة للتحولات الاقتصادية، والتي تمثلت في الهجرة للعمالة الموسمية
بالمشاريع الزراعية في الجزيرة وغيرها، والعمل في مختلف القطاعات بالمدن كالتجارة
وأيدي عاملة وحرفيين وغيرها، بجانب ظاهرة الهجرة الخارجية، ويأتي ذلك في إطار تبني
استراتيجيات جديدة للتكيف مع ظروف الجفاف.
بلغت
نسبة المتزوجين 94.9 %. ويعزي 90 % من عينة البحث الاستقرار في الحالة الاجتماعية
على أساس الأفضلية في الزواج من الأقارب الذي يجعل الطرفين أكثر تحملاً للظروف
المعيشية القاسية المتأثرة بالجفاف. يساعد على ذلك العيش في أسر ممتدة مما يقلل من
أعباء معيشة الزيجات الجديدة, ويحقق الترابط الأسري ويحافظ على الأنساب القبلية. ومن
ناحية أخرى, يرى 95.9 % من نفس العينة أن ازدياد أفراد الأسرة يوفر أيدي عاملة
لأغراض الرعي ويساعد على زيادة الإنتاج .
ترتفع
نسبة الأمية إلى 56 %، بينما لم تتجاوز نسبة الذين تلقوا تعليماً على مستوى
المتوسط والثانوي 10.7 %، ويمكن فهم ذلك ضمن إطار الحاجة الماسة لقوة العمل، من
خلال استيعاب كافة الأيدي العاملة المتاحة في الرعي والزراعة، إضافةً لتحول
الكثيرين للعمالة الموسمية التي أصبحت جزءً من استراتيجياتهم للتكيف مع الجفاف،
ومن ثم تواجه أبنائهم مشكلات التنقل من منطقة تعليمية لأخرى.
تشير
نتائج البحث إلى أن الطابع العام للتركيب المهني لعينة البحث يتسم بممارسة الفرد
الواحد لأكثر من مهنة، فبجانب الزراعة التي تمثل الحرفة الرئيسة للسكان ويعمل بها 52.3
% من عينة البحث. يأتي الرعي وتربية الحيوان كحرفة ثانية يعمل بها 38 % منهم, إضافة
إلى التجّار الذين بلغت نسبتهم 2.8 %، ولعل اللجوء لممارسة إستراتيجية العمل في
أكثر من مهنة يعود لأسباب عديدة أهمها ضعف العائد المادي للزراعة والرعي الذي لا
يفي الحاجات الأساسية والمنصرفات اليومية للأسرة وذلك حسب رأي 94 % من عينة البحث.
يشمل
التركيب القبلي لعينة البحث قبائل متعددة تأتي في مقدمتها الكواهلة بنسبة 28.7 %،
والكبابيش (20.4 %)، والشويحات (19 %)، والشنابلة (13.4 %)، والجعليين (8.8 %)، و
الدويح (7.9 %)، كما توجد مجموعات قبلية صغيرة أخرى لا تتجاوز نسبتها 1.8 %. ساعد
تنوع القبائل المتوطنة في المنطقة بما لديها من تنوع ثقافي في تنوع وتطور
استراتيجيات التكيف مع الجفاف.
يتصف
الدخل السنوي بشكل عام بأنه متدني, حيث يتراوح دخل 43.5 % منهم بين (ألف وأقل من 3
آلاف جنيه)، وأن 43.1 % منهم لا يصل دخلهم سبع آلاف من الجنيهات، أما الذين يبلغ
دخلهم السبع ألف جنيه فأكثر لم تتجاوز نسبتهم 13.4 %. هذا الضعف في مستوى الدخل
السنوي يعني الحاجة الماسة لتبني واستحداث المزيد من استراتيجيات للتكيف مع هذا
الوضع. ساعد على ذلك تقارب نسب المجموعات القبلية في المنطقة، كما عززه نمط حياة
الترحال حيث يتوفر المرعى.
تلعب
الموارد المتاحة كالتربة ووفرة المياه دوراً مهماً في تعدد استراتيجيات التكيف مع
الجفاف عبر النشاط البشري خاصة في قنوات الإنتاج الأولي (الزراعة والرعي). ففي
الجهات الشمالية من منطقة الدراسة يمارس السكان إستراتيجية الزراعة الثنائية حيث
يزرعون أراضي الفوز خلال موسم الأمطار، وعند انحسار النهر وظهور الجزر والجروف
يزرعون الخضر والحبوب، وهذه الإستراتيجية ساعدت السكان كثيراً في إنتاج الغذاء. أما
في الأجزاء الغربية والجنوبية الغربية فيمارس السكان إستراتيجية الجمع بين الزراعة
المطرية في أراضي القوز وممارسة الحرف الأخرى والتي من أهمها الرعي وتربية
الحيوان، العمالة الموسمية، التجارة، العمالة اليومية، الهجرة الداخلية والخارجية.
لعل أهم
مؤشر للعيش في ظروف بيئية غير آمنة في منطقة الدراسة يتصل بتربية الحيوان, إذ أن
تنقل الرعاة من مكان لآخر طلبا للمرعى داخل وخارج معتمدية الدويم, بل خارج ولاية
النيل الأبيض نفسها, لخير شاهد على ذلك. ورغم تأثر الحيوان بموجات الجفاف
المتكررة، خاصةً بعد جفاف منتصف ثمانينات القرن المنصرم إلا أنه مازال يشكل جزءً
مهماً من حياة الناس باعتباره مكوناً مهماً في النظم الاقتصادية والاجتماعية في
منطقة الدراسة .
استراتيجيات
تكيف الرعاة مع الجفاف في معتمدية الدويم:
إن
ابتداع الأفراد والأسر والجماعات البشرية وسائلاً للتكيف مع الكوارث المختلفة يبدأ
في التكّون أثناء حدوث الكارثة, ويظهر ذلك في شكل استراتيجيات هي في الأصل استغلال
لخبرات متراكمة في شتى ميادين الحياة. وبهذا الفهم تصبح استراتيجيات التكيف هي
طريقة الحياة نفسها, أي طريقة الإنسان وتفاعله مع المعطيات البيئية المحيطة به. بمعنى
أن استراتيجيات التكيّف تتمثل في شتى أساليب التعامل وأشكال السلوك الإنساني
للاستفادة القصوى من سلبيات وايجابيات الواقع الذي يعيشون فيه، مستعينين في ذلك
على إدراكهم المعرفي الكامل للبيئة المحيطة بهم, واستغلال ما بها من موارد في إطار
الوسائل التكنولوجية المحيطة وقوانينهم الاجتماعية (حياتي, 1994م). و يعرف مكتب
التنسيق وتقديم إعانات الكوارث التابع للأمم المتحدة، استراتيجيات تكيف الإنسان مع
البيئة بأنها "قدرة الإنسان على البقاء والاستمرار جنباً إلى جنب مع الكوارث
وضيق الموارد الطبيعية"
(UNDDRC, 1986) .
سجلت
الكتابات التاريخية في العديد من السنوات الجافة التي شهدتها مناطق من دول حزام
الساحل الأفريقي, منها جفاف الأعوام 650، و 657، و 1074. وفي القرن الماضي تمثلت
الفترات الجافة في نصفه الأول من 1912م إلى 1915م، ومن 1939 إلى 1955م. بينما شهد
نصفه الثاني فترة جافة أخرى في الفترة من 1968م إلى 1973م، أدت إلى خسائر بشرية
قدرت بموت 100000 نسمة إلى جانب ملايين المتضررين والنازحين، وقدرت خسائر الثروة
الحيوانية بالملايين أيضاً، فقد خسرت دولة مالي بين 50 % إلى 80 % من حيواناتها،
ووصلت الخسارة في النيجر إلى 80 %، وفي تشاد إلى 90 %، كما انخفضت الإنتاجية
الزراعية انخفاضاً حاداً، وذلك بنسبة تصل إلى 35 % م(Patel, 1992).
إن
ظاهرة الجفاف ليست بالجديدة في السودان فقد تعرض بحكم موقعه في حزام الساحل
الإفريقي لعدة كوارث جفاف أدت لنقص في الغذاء وحدوث مجاعات، أشدها أثرا ما حدث عام
1889م, والفترة من 1970م حتى 1980م, وعام 1984م (Ibrahim, 1987). فقد تأثرت بهذه الموجات مناطق عديدة في السودان
منها دارفور وكردفان وأواسط وشرق السودان، وأفرز ذلك تغيرات أساسية في الإنتاج
الأولي (الزراعة والرعي)، البيع والشراء، تنوع الدخل، التغير في دور المرأة، هجرة
العمالة، وتغير نظم استهلاك الغذاء. ففي دار فور أدى لفقدان 50 % من الثروة
الحيوانية، وتلف المحاصيل الزراعية وتعرية التربة، وحدوث مجاعات ووفيات ونزوح
وهجرة بشرية حيث اتجه نحو مليون نسمة بحيواناتهم نحو موارد المياه جنوباً مما أدى
لصدامات حول المرعى وحقوق المياه، واتجه مئات الآلاف نحو الخرطوم. وفي شرق السودان
تأثر نحو نصف المليون شخص من قبائل البجا، وفي الإقليم الشمالي تأثر به نحو 180
ألف نسمه معظمهم من البدو (عبد العال، 1995م).
ابتدع
إنسان المناطق الجافة في السودان على المدى الطويل العديد من الاستراتيجيات في
الرعي وتربية الحيوان لمواجهة الجفاف. وتعتبر حركة الرعاة وتتغير المسارات في
السنوات الأكثر جفافاً إلى المناطق التي تتوفر فيها المياه والحشائش الإستراتيجية
الأساسية للتكيف مع الجفاف. فحركة وتنقل الكبابيش, على سبيل المثال, في الظروف
العادية كانت تتجه نحو الشمال مع بداية موسم الأمطار، ثم العودة مباشرةً لمناطقهم
بعد انتهائه للاستفادة من المراعي القريبة وبقايا الحقول بعد حصادها، إلا أن جفاف 1984
فرض عليهم وعلى غيرهم في دارفور وكردفان التحرك جنوباً لبيئات أكثر مطراً حتى
وصلوا إلى مناطق بحر العرب، التي تقطنها قبائل ذات خلافات قبلية حادة معهم. وتحوّل
بعض هؤلاء البدو من الرعي إلى زراعة بعض المحاصيل الاكتفائية بغرض الاستهلاك
الذاتي، أو الانتقال للعمل في المشاريع الزراعية، بعد فقدانهم لأعداد ضخمة من
قطعانهم( (Patel, 1992.
ومن
الاستراتيجيات التي أصبحت أكثر استخداماً إستراتيجية بيع الحيوان والتخلص من
الأنواع الأقل أهميةً وتحملاً، فلقد تزايد بيع الكبابيش للأبقار بشكل ملحوظ منذ
بداية الثمانينات من القرن الماضي، وتكون حركة البيع أكبر عندما تتدني إنتاجية
الحبوب الغذائية. ويوضح (
(Cutler, 1986 أن الرعاة الهدندوة في جبال البحر الأحمر اضطروا لتخفيض
قطعانهم رغم عدم رغبتهم في ذلك، وكان التخلص من الضأن أولاً ثم الماعز والإبقاء
على الجمال لأهميتها للنقل والتجارة، وهذه إستراتيجية لا يلجأ لها الهدندوة إلا
بعد استنفاذ جميع الخيارات الأخرى. نتج عن إستراتيجية بيع الحيوان تحول اقتصادي
مهم حيث أصبحت تربية المواشي بقصد التجارة نشاطاً بارزاً في كردفان وفي جبال البحر
الأحمر ( Oxfam ,1991).
كما
رصدت بعض الدراسات التي أجريت على قبيلتي الزغاوة والبرتي العديد من الاستراتيجيات
منها: التحول السريع من القطاع الرعوي إلى القطاع التجاري, والهجرة للعمل, و تنويع
مصادر الاقتصاد الريفي التقليدي بامتهان الأفراد مهن أخرى بجانب الرعي وتربية
الحيوان, و تبادل الماشية بالذرة أو المنتجات الرعوية بالمنتجات الزراعية, وتلقي
المساعدات من المهاجرين من أبناء القبائل.
تعد
منطقة الدراسة من مناطق السودان الغنية بالثروة الحيوانية، حيث تتوفر المقومات
الأساسية لحرفة الرعي وتربية الحيوان، لتشكل مع الزراعة أهم الحرف لسكان المنطقة،
يربى الضأن والماعز في معظم مناطق المعتمدية, أما الأبقار فتربى في الجهات الشرقية
منها، حيث مناطق الزراعة المروية الغنية بالمياه السطحية بالقرب من مجرى النيل
الأبيض. بينما تتركز تربية الإبل في المناطق الغربية والجنوبية الغربية الأكثر
جفافاً. بالمعتمدية مستشفى بيطري واحد وخمس وحدات بيطرية. وتشتهر المعتمدية بأسواق
الماشية الكبيرة يؤمها التجار من بقاع السودان المختلفة. كما تشتهر المنطقة بصناعة
الأجبان .
أثر
الجفاف على ملكية الحيوان:
تشير
نتائج هذا البحث إلى أن معدلات الأمطار بمنطقة الدراسة قد بلغت أدنى مستوياتها في
العام 1984م بمتوسط سنوي 4.3 ملم . صاحب ذلك خسائر فادحة في قطاع الرعي والثروة
الحيوانية، ففي الفترة 1983/ 1985م تأثر 69.5% من عينة الدراسة أما بفقدان كل
حيواناتهم أو جزء منها. وأسفر ذلك عن تحولات كبيرة في ملكية الحيوان وفي بناء
استراتيجيات جديدة للتكيف مع تلك الأوضاع.كما شهد العامان 1990 و2000م تراجعاً
نسبياً في معدلات الأمطار
بلغ 12.1 ملم، و 16.2 ملم على التوالي، حيث فقد 3.5% من سكان منطقة الدراسة جزءًا
كبيراً من حيواناتهم, كما بلغت نسبة الذين فقدوا حيواناتهم في الفترة "2004- 2006"
16.5%
كما
تشير نتائج البحث أيضاً إلى أن نسبة السكان الذين كانوا يمتلكون حيوانات قد بلغت 92.6%
حتى العام 1983م، وبتعاقب موجات الجفاف منذ ذلك العام أخذت هذه النسبة في التراجع
لتصل إلى 86.6% في العام 2006م، أي أن نسبة الذين فقدوا حيواناتهم كلياً ومن ثم
تغيرت أنماط حياتهم قد بلغت 6 % من مالكي الحيوانات، فضلاً عن تأثر معظم مالكي
الحيوانات بالفقدان الجزئي لأعداد متفاوتة من حيواناتهم. ومن ذلك يتضح الأثر
العميق للجفاف على امتلاك الثروة الحيوانية. أما أعداد الحيوانات المفقودة بسبب
كارثة الجفاف فتشير النتائج إلى أن 93 % ممن كانوا يمتلكون حيوانات قد فقدوا جزءًا
منها وبدرجاتٍ متفاوتة من حيث العدد والنوع, (أنظر جدول رقم 1).
يشير
الجدول رقم (1) إلى أن الماعز أكثر الحيوانات نفوقاً حيث بلغت نسبة المتأثرين
بفقدان الماعز 94.7 %. كما يلاحظ تباين الأعداد النافقة منه، حيث فقد 41.5 % من
ملاك الحيوانات نسبة عالية من الفقدان تجاوزت الثلاثين رأساً، بينما بلغت خسائر
البعض خمسة أو ستة رؤوس. ولا يعزى ذلك لعدم قدرة الماعز للتكيف، وإنما لكثرة
أعداده وانتشار تربيته في المنطقة بسبب ملائمتة للظروف الجافة.
يأتي
الضأن في المرتبة الثانية من حيث أعداد الحيوانات النافقة، حيث بلغت نسبة الذين
فقدوا بعض قطعانهم 90.1 % من الملاك. كما يُلاحظ الارتفاع الواضح وسط ملاك الضأن
الذين فقدوا أعداداً كبيرة (30 فأكثر) حيث بلغت نسبتهم 63.7 %، مع ملاحظة التقارب
في نسب الفقدان للفئات الأخرى. ويعزي كثير من الرعاة ذلك الارتفاع لظروف الجفاف
القاسية. أما بالنسبة للأبقار فإن نسبة الملاك المتضررين قد بلغت 68.8 %، وهي نسبة
عالية ومؤثرة، وذلك للأهمية الاقتصادية لهذا الحيوان، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار
ارتفاع نسبة الذين فقدوا أعداداً كبيرة تجاوزت الثلاثين رأساً 40.4%
جدول
رقم (1) نسب الذين فقدوا حيواناتهم حسب النوع والعدد
نوع
الحيوان
جمال
أبقار
ماعز
ضأن
حمير
أخرى
عدد الملاك الذين فقدوا حيوانات 57 109 163 154 129 4
27 58 17 11 48 23 عدد
الملاك الذين
لم يتأثروا
31 187 171 174 157 80 جملة مالكي الحيوانات
نسبة
الفقدان 71.2 % 68.8% 94.7% 90.1% 69% 12.9%
81.1% 31.2% 9.9 % 5.3% 31.2% 28.8 % نسبة الذين لم يتأثروا
نسب
أعداد الفقدان
100%
1 وأقل من 10
94.9% 10.4% 21.9% 24.8% 70.2%
10 وأقل من 20
5.1% 13.6% 20.8% 18.3% 12.3%
20 وأقل من 30
12.3% 15.5% 16.5% 7%
30 فأكثر
63.7% 41.5% 40.4% 10.5%
المصدر :
العمل الميداني ، 2006 م .
لا
يختلف الحال كثيراً بالنسبة للجمال التي تكتسب أهمية كبرى لملاكها لارتفاع أسعارها
ودورها في التنقل وجلب الماء، فقد بلغت نسبة الذين فقدوا جزء من جمالهم 71.2 %،
وتركزت هذه النسبة بشكل أكبر في الفئة الأولى (أقل من 10) حيث بلغت 70.2%. بلغت
نسبة الملاك الذين فقدوا الحمير 69 %، الشيء الذي أثر سلباً على الأنشطة
الاقتصادية الأخرى، ذلك لاستخدامها في النقل والحركة، ونلاحظ قلة الأعداد المفقودة
من هذا النوع من الحيوان. كذلك الحال في بقية الحيوانات الأخرى والتي من أهمها
الخيل, فقد بلغت نسبة الفقدان في المستوى الأول (1 وأقل من10) 12.9%.
ومقارنة
بمناطق مشابهة في كلٍ من كردفان ودارفور والبحر الأحمر أشار باتيل (Patel ,1992) إلى أن حجم
القطيع في كردفان انخفض إلى 23 % في عام 1988 مقارنة بعام 1983، وكان ازدياد معدل
الفقدان ملحوظاً لدى الكبابيش, وكانت الأبقار هي الأكثر تأثراً حيث تأثر الرعاة
بفقدها بنسبة 100 %، بينما تأثر 90 % من الرعاة من فقد الماعز والجمال والحمير
بنسب متفاوتة. وفي دارفور أدى الجفاف لخفض القطعان المتنقلة للزغاوة بنسبة 39 %،
وبنسبة 75% للقطعان المستقرة
(Dewaal , 1989). وفي جبال البحر الأحمر تأثرت قطعان البجا، حيث انخفضت أعداد
الجمال إلى نصف العدد قبل جفاف 1984، أما الأبقار فقد تناقصت نسبها بشكل كبير بلغت
10 % مما كانت عليه في عام 1975
(Oxfam, 1990).
أهمية
الثروة الحيوانية في منطقة الدراسة:
أشارت
نتائج البحث إلى أن تربية الحيوان وحرفة الرعي في منطقة الدراسة تحقق الكثير من
الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للسكان، إذ تسهم بشكلٍ مباشر في تحقيق الأمن
الغذائي، وتوفير فرص العمل، وهي وسيلة من الوسائل الحيوية للنقل، إضافة إلى أنها
تحقق مظهراً اجتماعياً مميزاً. يعتقد 82.9 % من عينة البحث أن فوائدها اقتصادية
فقط, ويعتقد 14.3% منهم يجمع بين فوائد الاقتصادية والاجتماعية. بينما يرى 6 % فقط
منهم أن ملاك القطعان الكبيرة يتمتعون بمكانة اجتماعية رفيعة, وإن امتلاك الحيوان
مدعاة للفخر والقوة, إذ أن التنقل معها ومجابهة الصعاب وتحمل مشقة الأسفار
وحمايتها من اللصوص وقطّاع الطرق لا يقوم به إلا الشجعان من الرجال. كما يعضد وجود
الحيوان استمرارية بعض القيم الاجتماعية إذ تذبح إكراما للضيف وفي المناسبات
الاجتماعية.
وتستغل
الثروة الحيوانية اقتصادياً في جوانب عديدة فهي بجانب أنها توفر مهنة للرعاة فإن
الألبان ومنتجاتها تعد من أهم مكونات الوجبات الغذائية. كما تسهم في تحريك
الاقتصاد المحلي، إذ أن منطقة الدراسة تشتهر بأسواق الماشية التي يقبل عليها
التجار والمستهلكين من مناطق مختلفة من السودان. علاوة على ذلك تعتبر صناعة
الأجبان علامة مميزة لمنطقة الدراسة فبجانب الصنّاع الذين يمتلكون معامل الأجبان
هنالك العمالة الفنية، بالإضافة لتجار هذه السلعة. كما يعد العائد المالي من بيع
الحيوان ومنتجات الألبان من الاستراتيجيات المهمة للتكيف مع الجفاف في المنطقة إذ
يساعد هذا العائد في شراء الأعلاف في وقت الجفاف.
وعلى
صعيد آخر، تعد الحمير والجمال والخيل من وسائل النقل المهمة للرعاة، فهي بجانب
انها تنقلهم من مرعى لآخر يحملون عليها أدوات صناعة الأجبان, وتشكل أيضاً وسيلة
التنقل الأولى بين القرى المتجاورة، وبهذا تساعد في التواصل الاجتماعي بين سكان
تلك المناطق في الأفراح والأتراح.
استراتيجيات
الرعاة للتكيف مع الجفاف:
يمارس جميع
ملاك الثروة الحيوانية أنواعاً مختلفة من استراتيجيات التكيف مع ظروف الجفاف. تتمثل
أهم الاستراتيجيات للتكيف مع الجفاف في التنقل بالحيوانات، شراء وتخزين الأعلاف،
وبيع الحيوان. وإن قرابة نصف الرعاة (49.7 %) لا يكتفون بممارسة إستراتيجية واحدة
ويرجع ذلك لضمان بقاء حيواناتهم ولتقليل نسبة المخاطرة ولسهولة إمكانية تطبيق أكثر
من إستراتيجية في وقت واحد (جدول رقم 2).
جدول (2)
استراتيجيات تكيف الرعاة مع الجفاف
نوع
الإستراتيجية %
التنقل
9.1
شراء
وتخزين الأعلاف
28.9
بيع
الحيوانات
12.3
كل ما
ذكر
49.7
المجموع
100
المصدر:
العمل الميداني 2006م.
أولاً: التنقل
بالحيوان:
لقد
سبقت الإشارة إلى أن شح الموارد المائية وفقر المراعي في الصيف قد ساعد في
استمرارية إستراتيجية التنقل من مرعى لآخر طلبا للمرعى داخل وخارج معتمدية الدويم,
بل خارج ولاية النيل الأبيض نفسها. فقبل جفاف عام 1984 كانت حركة الرعاة تتجه
شمالا حتى حدود ولاية الخرطوم وغربا حتى مراعى أواسط وشمال وغرب كردفان وجنوبا حتى
تخوم ولاية الوحدة - أعالي النيل – (الصعيد) وشرقا إلى مشروع الجزيرة (أنظر شكل
رقم 4). أما بعده فقد أثر الجفاف سلبا على الثروة الحيوانية,. فقد أشار 68.9 % ممن
كانوا يمتلكون حيوانات في تلك الفترة من عينة البحث أن طول فترة الجفاف بجانب
ضراوته كانت سبباً مباشراً في فشل بعض هذه الاستراتيجيات، وأكد 21.3 % منهم أن قلة
الإمكانات هي السبب المباشر في الخسائر التي صحبت جفاف ذاك العام، وذهب 5.3 % إلى
أن قدوم النازحين بحيواناتهم من مناطق أخرى ككردفان وغيرها قد زاد من حمولة المرعى
وزاد من أسعار الأعلاف. بينما أشار 4.5 % منهم إلى أن الجفاف قد عم كل المناطق مما
قلل فرص الانتقال وزاد من ثمَ عدد الحيوانات النافقة. وهذه الأخيرة قد انعكست
سلباً على إستراتيجيات التنقل بالحيوانات من مكان لأخر.
أشارت
نتائج البحث إلى أن 90.9 % من الرعاة وملاك الحيوانات ذات العدد القليل لا
يستخدمون إستراتيجية التنقل بحيواناتهم لمناطق بعيدة ولكنهم يمارسون إستراتيجية
تنوع الحيوان المملوك, وإستراتيجية الحراك الدائم والمكثف حول المراعي القريبة من
القرى ومناطق وفرة المياه الشيء الذي انعكس سلباً على الحشائش والغطاء النباتي. وإن
هذه النسبة العالية يمكن ردها لقلة أعداد الحيوانات المملوكة وترك بعض الرعاة مهنة
الرعي وتحولوا إلى مهن أخرى هامشية في أسواق المدن القريبة.
أما
البقية, والبالغة نسبتهم 9.1 %, فإنهم يستخدمون إستراتيجية التنقل بحيواناتهم داخل
وخارج حدود المعتمدية. وحتى هذه النسبة القليلة التي تمارس إستراتيجية التنقل فإن
حركتها تتم لمناطق قريبة وفي أوقات محدودة. فقد أثبتت نتائج البحث أن 43.9 % من
الرعاة المتنقلين يتجهون في فصل الصيف عندما يقل الماء والكلأ في مناطقهم لولاية
الجزيرة، وجنوبا ينتقل 49.1 % منهم إلى الصعيد (جنوبي المنطقة) والجهات الغربية
لولاية شمال كردفان ذات المراعي الغنية, و 3.5 % (أنظر جدول رقم 3 والأشكال رقم 5
, 6 ) منهم ينتقلون إلى الباجا (نباتات الأراضي الرملية) وسهل النيل الأبيض خلال
فصلي الشتاء والخريف، وتعد من أهم المناطق الرعوية خاصة ًخلال فترة الخريف نسبة
لتوفر مياه الشرب والمرعى الجيد، وخلو المنطقة من الأمراض التي تصيب الحيوانات (مرض
الذبابة) والوحل. ومن أهم الحشائش المتوافرة بمنطقة الباجا حشائش البنو (Eragrostis tremula)، التمام (Pannieum turgidum)، والنص (Aristida spp)، والحسكنيت (Cenchrus spp). ولا تقتصر حركة
الرعاة على المرعى فقط بل تشمل كثير من المنافع الاقتصادية والتجارية كأسواق
الماشية التي يقصدها التجار من مختلف المناطق.
جدول
رقم (3): أوقات ومناطق التنقل ونسبة المتنقلين من الرعاة.
زمن
الانتقال
منطقة
الانتقال
%
الصيف
الجزيرة
43.9
الشتاء
الباجا
3.5
الخريف
الباجا
3.5
المحل
والجفاف
الصعيد
49.1
المصدر :
العمل الميداني ، 2006
يعتبر
توفر مصادر المياه، والرعاية البيطرية ووفرة المراعي من أهم العوامل التي تتحكم في
مسارات حركة وتنقل الرعاة لمسافات بعيدة واتجاهاتها, وتوثر من ثم في إنهاك المرعى
والتصحر. فيسقي 41.1 % من الرعاة حيواناتهم من الآبار، و 29.4 % من مياه النيل
الأبيض، ويستغل 11.8% مياه الحفائر التي تتجمع فيها مياه الأمطار، ويعتمد 11.8% منهم
على الخزانات التي يجلب لها الماء من مصادر أخرى عن طريق السيارات. وتشكل الخيران
والأودية مصدراً زراعياً ومائياً يرده 5.9 %, بجانب مصادر مائية أخرى (أنظر جدول
رقم 4)
جدول
رقم (4): مصادر الماء في مناطق انتقال الرعاة.
المصدر
%
بئر
41.1
النيل
29.4
حفير
11.8
رهد أو
وادي
5.9
خزان
11.8
المجموع
100
المصدر:
العمل الميداني 2006م.
إن
الاعتماد على الآبار يوفر مصدر ماء دائم، بينما يكون اللجوء إلى النهر في حالات
محددة عند الجفاف أو المحل، ويفسر بعض الرعاة عدم الاعتماد على مياه النهر بسبب
انتشار بعض الأمراض مثل (مرض الضبان) لوجود الظروف المناسبة.
ويؤثر
توزيع الوحدات البيطرية على حركة الرعاة، حيث أصبح شراء الدواء جزءاً من
الاستراتيجيات المصاحبة للتنقل مع الحيوانات، فالانتقال إلى مناطق نائية في الصعيد
والجزيرة أدى إلى الاختلاط مع رعاة كردفان الذين يمارسون نفس إستراتيجية الانتقال
بالحيوانات (Patel, 1992). لقد نتج عن ذلك
الاختلاط ظهور بعض الأمراض التي لم تكن معروفة في منطقة الدراسة. أوضحت نتائج
البحث أن 34.5 % من الرعاة ينالون الرعاية البيطرية من مستشفى الدويم البيطري، و29.8
% يقصدون الوحدة البيطرية بالشقيق التي تمثل سوقاً ضخماً للماشية، ومعبراً مهماً
للحيوانات القادمة من دارفور وكردفان والمتجهة ناحية الخرطوم، وتهتم الوحدة
البيطرية بمدينة شبشة بخدمة 18.7 %، بينما تهتم الوحدة البيطرية في جبرة بتقديم
الخدمات البيطرية إلى 15.8 % منهم، إضافة إلى 1.2 تخدمهم الوحدة البيطرية أم جر (أنظر
جدول رقم 5).
جدول
رقم (5): الوحدات البيطرية ومراجعيها بمنطقة الدراسة.
الوحدة
البيطرية
%
الدويم
34.5
شبشه
18.7
أم جر
1.2
الشقيق
29.8
جبره
15.8
المصدر :
العمل الميداني 2006م
ثانياُ شراء وتخزين الأعلاف:
وضّحت
نتائج البحث أن 28.9 % من الرعاة يلجئون إلى إستراتيجية شراء وتخزين الأعلاف على
رغم ضعف مواردهم المالية، وضعف قدراتهم التخزينية, وعدم قابلية بعض الأعلاف
للتخزين. يتم التغلب على مشكلة ضعف الموارد المالية باستخدام إستراتيجية أخرى
تتعلق بتوفير المال كبيع جزء من القطيع, وبيع الألبان ومنجاتها (الجبن والسمن), والتحويلات
المالية الواردة للرعاة من ذويهم من المغتربين والتجار وغيرهم من أبناء الأسرة
والتي يتمتع بها 63.5 % منهم، ومن المنظمات الطوعية. ولقد أكدت نتائج البحث أن 11.8
% من الرعاة يبيعون الألبان في الأسواق أو للأصحاب معامل الأجبان, خاصة وأن 3.2 % منهم
يمتلكون معاملا الأجبان تحقق عائدات ماليه جيدة. ويتم شراء الأعلاف عادة في صورتين:
الأولى تتمثل في شراء مخلفات المحاصيل الزراعية (الذرة, الدخن, الخضروات) بعد
حصادها, لتستخدم باعتبارها مراعى خصبةً أو تخزينها باعتبارها علف يمكن استخدامه وقت
الحاجة. ولقد ساعدت زراعة الجروف على الشواطئ الغربية للنيل الأبيض وجزره على
توفير أعلاف في الفصل الجاف قبل فصل الخريف مما زاد من أهميتها. والثانية تتمثل في
شراء الأعلاف النباتية الجافة مباشرة من الأسواق وتخزينها.
أما
ملاك الأعداد القليلة من الحيوانات (5-10) وتربيتها داخل منازلهم, فإنهم يعتمدون
بصورة كبيرة على بقايا محصلاتهم المطرية وشراء الأعلاف المصنعة مثل الأمباز،
ونخالة القمح (الردَّه) وغيرهما. وإنهم مجبرون لاستخدام هذه الإستراتيجية ذلك لأنه
من غير المجدي الانتقال بعدد قليل من الحيوانات إلى مراعٍ نائية, هذا إلى جانب
أنهم بحاجة للاحتفاظ بها بالقرب منهم لما تقوم به من دور كبير في توفير أمنهم
الغذائي بما تنتجه من الألبان.
ثالثاً: بيع الحيوانات:
يقوم 12.3
% من عينة البحث بإتباع إستراتيجية بيع جزء من القطيع من أجل توفير المال اللازم
لشراء مستلزمات الأسر من ناحية, ولتوفير الأعلاف لما يمتلكونه من حيوانات وتحديد
حجم القطيع لتخفيف حمولة المرعى من ناحية أخرى. وتعد عملية اختيار الوقت المناسب
لبيع الحيوانات عاملاً حيوياً ومؤثراً لنجاح هذه الاستراتيجيات. أشارت المقابلات
الجماعية إلى أن معظم الذين يمارسون إستراتيجية البيع أكدوا على أن هنالك فترتان
تتم خلالها عملية البيع: الأولى ترتبط زمانا بفصل الخريف وتشير دلائلها لوضع
إيجابي للرعاة وملاك الحيوانات, ويكون الهدف الأول من البيع توفير أعلى قدر من
المال. ولا يكون البائع مرغما على البيع بقدر ما أنه متعزز متمنع رغم عرض بعض
حيواناته للبيع. ويعزى ذلك لتوفر المرعى, وقلة الحاجة لشراء أعلاف جافة, وتحسن صحة
الحيوان, وارتفاع عائدات أسعار الحليب والخضر لمن يمارس منهم الزراعة, وزيادة
أعداد القطيع بسبب استخدام الرعاة إستراتيجية تخصيب الإناث في وقت يتزامن فيه
توالدها مع فصل الخريف. هذا إلى جانب زيادة القوة الشرائية لبعض الحيوانات كالضأن
والماعز لتزامن بعض المناسبات كأعياد الفطر والأضحى, إذ تعتبر المنطقة مورداً
للضان لبعض المدن السودانية (الدويم , القطينة, أمدرمان). أما الثانية فتشير كل
دلائلها لوضع سلبي للرعاة والملاك, وهي ترتبط زمانا بفترة الصيف وقبيل فصل الخريف.
وهي فترة صعبة, وتكون عصيبة إن لازمها جفاف, وتتسم ببعد المراعي وشح مياه الشرب
للحيوان لقلة المناطق التي تتمتع بالمياه الجوفية والتي يقل عطاءها وانحسار
منسوبها, وترتفع فيها أسعار الأعلاف, وتتدهور فيها صحة الحيوان, ويقل إنتاجها من
الألبان. ونسبة للحاجة الملحة لتوفير المال لتسيير ميزانية الأسر وشراء الأعلاف
الجافة لغذاء الحيوان يلجأ الرعاة لبيع جزء من حيواناتهم. ونسبة لزيادة العرض وقلة
الطلب ينقلب الميزان التجاري سلبا على أسعار الحيوانات فتنخفض أسعار الحيوانات
وترتفع في ذات الوقت أسعار الحبوب (الذرة والقمح) يضطر الرعاة والملاك لبيع
حيواناتهم بأسعار زهيدة، للتكيف مع هذه الظروف القاسية، وحل الضائقات المالية
والمعيشية الملحة التي تصاحب تلك الفترات، ويكون الحيوان فيها عبئاً ثقيلاً يخاف
مالكوه من هلاكه، فيصبح الخلاص منه أفضل من البقاء عليه.
أشارت
المقابلات الجماعية مع كبار السن من الرعاة بمنطقة الدراسة قد أجبروا على بيع
كميات كبيرة من الحيوانات بأسعار زهيدة إبان كارثة جفاف 1984م لهزالها نسبة لفقر
المرعى من ناحية ولصعوبة الحصول على الأعلاف الجافة وانعدام المال اللازم لشرائها
من ناحية أخرى. أما في السنوات الثلاث الأخيرة فقد تباينت أعداد الحيوانات المباعة
من عام لأخر ومن منطقة لأخرى. فقد أشار المسح الميداني إلى أن نسبة الذين باعوا أقل
من عشرة حيوانات عام 2006 كانت 39.1 %, ويرجع ارتفاع هذه النسبة لإحجام الرعاة عن
البيع إلا في نطاق ضيق تحسباً لتحسن الظروف المناخية وهطول الأمطار وتحسن صحة
الحيوان وزيادة أسعاره. ولكن لم يحدث ذلك مما زاد من قابليتهم للتأثر أكثر بمخاطر
الجفاف ونفوق بعض حيواناتهم ومن ثم الجوع ونقص الغذاء. أما الرعاة الذين مارسوا
إستراتيجية الخروج من الجفاف بأقل خسائر ممكنة فقد باعوا من 10 إلى أكثر من 20
رأساً, أي ما يعادل حوالي ثلث أو نصف قطعانهم, وتراوحت نسبتهم حوالي 60 %. وعلى
الرغم من أنهم باعوا بأسعار تقل بحوالي 40 % من أسعار السوق في الظروف العادية إلا
أنهم قد نجحوا في إستراتيجيتهم ولم يخسروا الكثير (أنظر جدول رقم 6)
جدول (6):
يوضح أعداد الحيوانات التي بيعت في العام 2006م.
عدد
الحيوانات
النسبة
1 وأقل من 10 39.1
10 وأقل من 20 34.8
20 فأكثر 26.1
المجموع 100
المصدر :
العمل الميداني، 2006م.
الاستراتيجيات
في الجانب الاجتماعي:
على
الرغم من إشارة بعض النظريات في كوارث الجفاف إلى ضعف الترابط الاجتماعي والأسري
وانهيار بعض القيم في المراحل الأخيرة من الكارثة (الكارثة البنائية - Faggi,1993) إلا أن ذلك لم
يحدث في منطقة الدراسة. فقد أثبتت نتائج البحث أن هنالك ترابط أسرى واجتماعي يظهر
في جوانب عدة أهمها:
- تمسك غالبية
السكان (89.8 %) بالزواج من الأقارب، ذلك لاعتقادهم أن صلة القرابة بين الزوجين
إلى جانب أنها تحافظ على القبيلة والأصل فإنها تساعد في تحمل ظروف المعيشة القاسية,
إذ تقدر الزوجة الظروف التي يمر بها الزوج.
- يتعاون 85 % من
الرعاة في الأعمال الخيرية, سواء كان ذلك بالجهد أو المال أو الزمن. ويتمثل ذلك في
التكاتف من أجل حماية قطعانهم من اللصوص وتعقبهم, وفي التنقل في جماعات بحثاً عن
الماء والكلأ خلال فترات الجفاف كجزء من الحماية الاجتماعية لأنفسهم وحيواناتهم, خاصة
بعد أن قلت أعداد الحيوانات لدى بعض الرعاة.
- تشير نتائج
الدراسة بشكل عام إلى أنه كلما زادت موجات الجفاف وساءت الظروف المعيشية الحال زاد
التعاون بين الرعاة.
خاتمة:
أوضحت
نتائج البحث أهمية الثروة الحيوانية لسكان معتمدية الدويم، وأكدت على أن هنالك
علاقة مباشرة بين كمية الأمطار وتوزيعها ومهنة الرعي والإنتاج الحيواني. فقد ثبت
من العرض السابق أن التذبذب والنقص الكبير في معدلات الأمطار في بعض السنوات أدى
لفقدان أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية، الشيء الذي أدى لأن يستحدث الرعاة العديد
من الاستراتيجيات, التي تستخدم مجتمعة أو منفصلة, بغية الإبقاء على حيواناتهم, أهمها:
- التنقل مع
الحيوانات بحثاً عن الماء والمرعى الجيد، حيث ينتقلون إلى مناطق مختلفة, فقبل جفاف
عام 1984 كانت حركة الرعاة تتجه شمالا حتى حدود ولاية الخرطوم وغربا حتى مراعى
أواسط وشمال وغرب كردفان وجنوبا حتى تخوم ولاية الوحدة - أعالي النيل – (الصعيد) وشرقا
إلى مشروع الجزيرة. أما بعده فقد أشارت نتائج البحث إلى أن 90.9 % من الرعاة وملاك
الحيوانات ذات العدد القليل لا يستخدمون إستراتيجية التنقل بحيواناتهم لمناطق بعيدة
ولكنهم يمارسون إستراتيجية تنوع الحيوان المملوك, وإستراتيجية الحراك الدائم
والمكثف حول المراعي القريبة من القرى ومناطق وفرة المياه.
- شراء وتخزين
الأعلاف لأوقات الجفاف، وهي في الغالب مخلفات زراعية (الدخن والذرة، قشر البطيخ)،
إضافةً لشراء الأعلاف الجاهزة مثل الأمُباز والردة وغيرها.
-بيع جزء من
القطيع لتوفير المال اللازم لشراء الأعلاف وتغطية المنصرفات، خاصة وأن منطقة
الدراسة اشتهرت بأسواق الماشية من ناحية, ولتحديد حجم القطيع لتخفيف حمولة المرعى
من ناحية أخرى.
- أوضحت نتائج
البحث أن موجات الجفاف قد أفرزت عدداً من الاستراتيجيات الاجتماعية تتمثل في
استفادة الرعاة من التحويلات المالية الواردة لهم من ذويهم من المغتربين والتجار, وتفضيل
الزواج من الأقارب,ة و زيادة المواليد، لزيادة الأيدي العاملة في الرعي والزراعة, والتعاون
والتكاتف بين السكان في الأعمال الخيرية للتكيف مع ظروف الجفاف وضعف الموارد
المالية.
المراجع
العربية:
-1أبوسمور، حسن و
الخطيب، حامد ( 1999), جغرافية الموارد المائية، دار صفاء للنشر والتوزيع، الطبعة
الأولى، عمان.
-2 دياب، مغاوري
شحاته (1998), مستقبل المياه في العالم العربي، الطبعة الأولى، الدار العربية
للنشر، القاهرة.
-3والطون، كنيث (1976),
المناطق الجافة, ترجمة شاهين، علي عبد الوهاب، منشأة المعارف، الإسكندرية.
-4عبد العال، أحمد
(1995), الأخطار البيئية وهجرة السكان بالسودان، كلية الآداب، جامعة المينيا.
-5محسوب، محمد
صبري وأرباب، محمد إبراهيم (2000), الأخطار والكوارث الطبيعية الحدث والمواجهة،
معالجة جغرافية، دار الفكر العربي، القاهرة.
-6 الشيخ ، عبد
العزيز الأمين (2002), الهشاشة والفقر في المجتمعات الريفية: دراسة حالة محافظة
بارا، رسالة دكتوارة غير منشورة، جامعة الخرطوم ، الخرطوم.
-7حياتي، عمر أحمد
المصطفى (1994), استراتيجيات التكيّف التقليدية مع ظروف نقص الغذاء: دراسة حالة
الهدندوة بشرق السودان, رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الخرطوم.
-8الدسوقي، كمال (1968),
مجتمع الرعاة في رفاعة شرق، تحليل سيكو انثربولوجي، مجلة جامعة أم درمان
الإسلامية، العدد الأول، الخرطوم.
-9 ديوان الحكم
الاتحادي (1999), الموسوعة الولائية للتخطيط والتنمية، ولاية النيل الأبيض،
الصندوق القومي لدعم الولايات، الخرطوم.
-10 توم، برير محمد (1976),
مديرية النيل الأبيض، مجلة بخت الرضا، العدد 28, ص 85 - 93.
-11 مانجر، لايف (1998)
التكيف الإنساني بالأراضي الجافة بشرق أفريقيا، مأزق المفاهيم والتساؤلات، في عبد
الغفار محمد أحمد وحسن عبد العاطي "محرران " إدارة الندرة : التكيف
الإنساني في الأراضي الجافة لشرق أفريقيا، ترجمة صلاح أوثارو وآخرين، مركز البحوث
العربية، القاهرة.
المراجع الأجنبية :
1. Ahmed, F. A., (1976), A Note on the Daily
Water Consumption by Western Sudanese Cattle on Intensive Feeding, in: The
Sudan Journal of Veterinary Science and Animal
Husbandry. Vol.13.
2. Al-Faki, E., (2006), The Response to
Drought Coping Strategies in Semi
Arid Areas Case of Northern Darfor Rural Population in West Sudan, un published
Ph.D. thesis, University of Khartoum.
3. Breman, H., Sissoko, K., (Eds.), (1998),
Intensification agricole au Sahel Karthala, Paris.
4. Campell, J., (1979), The Importance of
Tradition Coping Strategies Among Some African Societies, in: Geojournal,
Vol. 20.
5. Cartor, G.F. (1964) Man and the Land, U.S.A
.
6. Curtis, D., Hubbard, M., & Sheepherd,
A., (eds), (1988), Preventing Famine: Policies and Prospect for
Africa, London.
7. Cutler, P., (1986) The Response to Drought
of Beja Famine Refugees in Sudan. Disaster, Vol. 10.
8. Davies, H., (1986), Rural Development in
White Nile Province, United Nations University of
Tokyo, Japan.
9. Dewaal, A., (1989), Emergency Foods Security in Western Sudan, What is it for Intermediate Technology
Publication, London.
10. Egemi, O., (1994) The Political Ecology of
Subsistence Crisis in Red Sea Hills, Sudan, un published Ph.D. thesis,
University of Bergen .
11. Faggi, P., (1993), Desertification and
Society: A question of Territory, Geojournal, Vol. 31.
12. Green, R., (1989), Degradation of Rural Development: Development
Degradation, Change and Peasant in Sub-Saharan Africa. IDS , Vol. 265, Sussex,
UK.
13. Hales, J., (1976), The Cultivation Cattle
Complex in Western Darfur, Agricultural System, Vol. 5.
14. Hare, F., (1983), Climate and
Desertification, World Climate Programme, UNEP, Vol. 44.
15. Harrison, M., (1955), Report on the
Grazing Survey of the Sudan, Khartoum.
16. Hayati, O., (1998), The Vulnerability of
Hadandaw System and Role of NGOS in its Sustainable
Development, un published Ph.D.
thesis, Padova University, Italy.
17. Ibrahim, F., (1987), The Problem of
Desertification in Republic of the Sudan, with Special Reference to Northern Darfour Province, Research Council Monograph
No.8, Khartoum.
18. Lebon, J., (1965), Land Use in Sudan,
World Land Use Survey,
No. 4, Geographical Publications, London.
19. Le Heurou، H., (1989) The Grazing Land Ecosystems of the
African Sahel – Springer Verlag, Berlin, Heidbag New York.
20. Mortimore, M., & Adams, W., (1999),
Farmer Adaptation: Change and Crisis in the Sahel, in Global Environmental
Change, Vol. 11.
21. Nepal, S., & Weber, K., (1995), Managing Resource and Resolving Confects: National Parks and
Local People Interaction, in: Journal of Sustainable Development and World
Ecology.
22. Oxfam, (1990), Integrated Livestock Survey
of Red Sea Province, Sudan Environment Reaserch Group Oxfam Limited.
23. Oxfam, (1991), Rapid Assessment and Nutrition Survey in Umm Kaddada Rural Council Report,
Oxfam, Sudan.
24. Patel, M., (1992), Traditional Coping
Mechanisms and Strategies in Relation to Food Crisis in Sudan, Unicef, Country Office, Khartoum, Sudan.
25- Plan
International/ Sudan( A ): ( 1996 )
Environmental Impact Assessment Water Supply Project، Ed deuim Province، Ed deuim، Sudan.
26- Seed Ahmed, A., (2004), The Main
Ecological Component of the Management of Dry Land Natural Frosts, un published
Ph.D. thesis, Sudan Science and Technology
University.
27- Trilsbach. A., (1986), Agriculturl West of
the White Nile, in: Davies, H., (1986) Rural Development in White Nile
Province, The United Nations, University of Tokyo, Japan.
28- United Nation Office of Disaster Relief Coordination, (UNDDRC), (1986), Disaster
Prevention and Mitigation, Vo1. 12.
29- White, D., (1978) The Role of Government
in Planning for Drought: Where Do We Go from Here?, in: Donald A., Wilhite D.,
and William E. (eds), London.
30- World Bank, (1991), Food Aid in Africa: An Agenda for
the 1990s, A joint Study by World Bank Program, Washington, D.C. and Rome.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق