التسميات

آخر المواضيع

الأربعاء، 9 مارس 2016

مشكلة دارفور - أسبابها ونتائجها : دراسة في الجغرافية السياسية ,,,

مشكلة دارفور - أسبابها ونتائجها

دراسة في الجغرافية السياسية

م.م.أياد عايد والي البديري - كلية الاداب / جامعة القادسية

الخلاصة :
 أصبحت مشكلة دارفور من المشاكل الجيوبولوتيكية المعقدة نظرا لتشابك العوامل التي اسهمت في التمهيد لنشوؤها من خلال تفاعلها ، وتعدد الاطراف الاقليمية والدولية الداخلة في  هذه الازمة حتى اصبح لها بعداً ( سودانياً واقليمياً ودولياً ) ، لاسيما وان هذه المشكلة لم تعد مجرد ازمة سودانية داخلية فحسب ، بل اصبحت شان دولي تبنته الكثير من المنظمات والهيئاَت الدولية مثل مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية ، وذلك لانها اكتسبت بعداً سياسيا وانسانياً خطيراً اذ قدرت الأمم المتحدة عدد اللذين تأثرو بهذه الأزمة منذ تصاعدها عام (2003) ولغاية عام (2007) بنحو (3.4) مليون نسمة ، في حين قدر عدد المشردين واللاجئين لنفس المدة نحو (2) مليون نسمة ، وهذا العدد الكبيرناتج عن اعمال القتل والتهجير القصري للسكان على اساس قبلي او عرقي ، فضلا عن اعمال السلب والاغتصاب واحراق البيوت والمزارع ، مما جعل اقليم  دارفور ( منطقة منكوبة ) من وجهة نظر اقليمية ودولية .
يعد اقليم دارفورمن اكبراقاليم السودان مساحة اذ بلغت مساحته نحو (510) الف   كم2 وهو يمثل مانسبته (20.3 % ) من مجموع مساحة السودان البالغة نحو (2505813) كم2 ، ويضم الاقليم نحو (7.150) مليون نسمة لعام 2007 .

يفتقر الاقليم الى الموارد المائية نتيجة وقوع معظم اراضيه ضمن المناخ الصحراوي ، ولكنه يضم موارد معدنية مهمة مثل النفط في حقول (المجلد وملوط ويتيلدي ) اذ يقدر احتياطي هذه الحقول من النفط الخفيف الممتاز نحو (مليار برميل ) فضلا عن معدن النحاس جنوب الاقليم وتحديدا في منطقة (حفرة النحاس ) .
يعاني اقليم دارفور من حالة صراع (قبلي)  مزمن ، لكنه تصاعد في المدة الاخيرة (2003 –2007) لياخذ شكل الصراع (العرقي) او (الاثني ) ، لاسيما وان هذا الصراع لم يكن طارئاً جديداً فهو ملازم لهذا الاقليم منذ عقود طويلة وكان على شكل نزاع  قبلي بين السكان نتيجة لموجة الجفاف التي ضربت الاقليم فسببت الشحة في المياه ومناطق الرعي ، خاصة وان حرفة الزراعة والرعي هي الحرفة السائدة في دارفور،وظهر هذا النزاع في الاصل بعد ان هاجرت مجاميع كبيرة من السكان اللذين اثر فيهم الجفاف ففقدو مسوغات البقاء وهاجرو الى اراضي يتوفر فيها الماء ، وهي من الطبيعي ملك لقبائل اخرى ساكنة فيها ، وهنا بدأ النزاع بين القبائل المهاجرة والساكنين اصحاب الاراضي .
 وبعد تدخل عدة اطراف( داخلية) مثل الحكومة المركزية من خلال تعاملها المتشدد مع هذه الازمة باعتبارها حالة من التمرد الذي يجب القضاء عليه، اضافة الى دعمها المفرط لبعض الجماعات المسلحة والداخلة في الصراع وهم (الجنجويد) ، ناهيك عن دورالاحزاب السياسية في السودان في تغذية العنف المطرد في دار فورفي ظل تنافسها السياسي ، (وخارجية) تتمثل بالدعم اللوجستي الذي تقدمه بعض الدول المجاورة للسودان خاصة التي يوجد فيها امتداد اثنوغرافي للسكان ضمن اراضيها ، ولا ننسى مالعبته الدول الغربية من دور سلبي في تكريس حالة التمزق العرقي والديني في هذا الاقليم المتنوع عرقياً ودينياً وقومياً ، وتحديدا الدور الامريكي الذي عمل على تدويل مشكلة دارفور لتحقيق اهداف استراتيجية وصور حالة الصراع في دارفور على انها ابادة جماعية للاثنية الزنجية في الاقليم .
ان اهم تطورات ازمة دارفور هو اخذها بعداً دولياً بسبب الحالة الانسانية التي يعيشها السكان مما جعل المنظمة العامة للامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ياخذ عدة قرارات كان اهمها القرار المرقم (1593) بتاريخ (29 /3/2005) والذي ينص على احالة مرتكبي الجرائم في دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية العليا ، التي اصبحت تمثل الاداة الامريكية لتنفيذ نظرية العولمة، مما جعل السودان وحكومة عمر البشير في مواجهة الراي العام العالمي وفرض عليها شيء من العزلة الدبلوماسية واثر سلبا على علاقاتها الخارجية ووزنها الدولي ، وهنا نلاحظ ان هذه المحكمة لا تحاسب الكيان الصهيوني على جرائمه اللاانسانية بحق اخواننا الفلسطينيين العزل .
تضمن البحث المشكلة التالية : هل كانت ازمة دارفور نتيجة تفاعلات داخلية محضة تتعلق بنظام الحكم في السودان ، وهل هنالك عوامل خارجية ادت الى تكريس حالة العداء العرقي والديني ، وهل ان تدويل ازمة دارفور جاء لتحقيق مصالح سياسية ودولية لقوى اقليمية ودولية تسعى لاضعاف السودان قيادةً وشعباً.
     تضمن البحث فرضية مفادها : ان للعوامل الجغرافية التي يتصف بها إقليم دارفور اثر بالغ في ابراز الصراع الداخلي الدائر فيه ، ويقصد بها :العوامل الطبيعية وخصوصا حالة الجفاف ، والعوامل البشرية وهي الصراع القبلي ، فضلا عن دور الحكومة في دعم بعض الجماعات المسلحة الجنجويد ، والعوامل الخارجية سواء كانت إقليمية ام دولية عملت على إذكاء التطرف والعنف في هذا الإقليم.
واهم ماتوصل اليه البحث :  تعد العوامل الطبيعية والبشرية من الاسباب الرئيسية التي اوجدت ارضية الصراع القبلي في الإقليم ،كما ان حالة الفراغ الأمني في الإقليم وقصور يد الدولة عن تطبيق القوانين قد سمح بظهور مجاميع مسلحة زادة من حدة الصراع ، وهناك دور مهم للعوامل الاقليمية اوالخارجية في تأجيج العداء الاثني بين المكونات البشرية للإقليم من خلال تدخلها في المشكلة وتضخيمها إعلاميا و دعم بعض أطراف الصراع على حساب الطرف الآخر. ان ما يحصل في دارفور صراع قبلي محض تطور في السنوات الأخيرة ليأخذ أبعاد مختلفة منها الصراع العرقي او الديني ، وتوصل البحث الى ان اهم الحلول التي يجب ان تطرحها حكومة عمر  البشير اذا ما أرادت ان تحل هذه الأزمة هو جعل دارفور ( اقليماً فيدرالياً ) و عطائه نصيب كبير من الثروة الطبيعية فضلاً عن فتح المجالات أمام تنمية الإقليم اقتصاديا وتطويره ثقافياً لتخليصه من حالة الجهل القبلي التي اوجدت هذه الازمة .  
المقدمة :
في الوقت الذي أعتقد فيه الكثير من المحللين والمراقبين للوضع السياسي والجغرافي للسودان ، ان التغلب على أزمة او مشكلة جنوب السودان التي طال امدها لاكثر من (20) عاما وسببت للسودان خسائر بشرية ومادية تقاسمها طرفي النزاع ( الحكومة الوطنية والجبهة الشعبية لتحرير جنوب السودان ) ، وكانت احد اهم اسباب تقويض الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في السودان ، كما انها عكرت صفو العلاقات البينية بين السودان ودول الجوار الإقليمي ، وكذلك مع المنظمات الدولية والدول الاخرى ، وقد وضعت نهاية هذه المشكلة حدا لمرحلة من النزاعات الداخلية بشان صيغة النظام السياسي وما رافق ذلك من تراكم ديون السودان وتدهور اقتصاده نتيجة نفقات الحرب ، سوف يغير الوضع السياسي والاقتصادي للسودان بعد ان حلت مشكلة الجنوب وفتحت ابواب للأستقرار سواء في داخل السودان ام في محيطه الاقليمي الذي يعاني هو الاخر من المشاكل الاثنية او الاقتصادية المعقدة  .
لكن هذا الهدوء لم يدم طويلا اذ جاءت ( أزمة دارفور) لتفجر نزاعات جديدة لا تختلف في جذورها وتطوراتها والسيناريوهات التي من المحتمل ان تذهب اليها سودانيا وأفريقيا ودوليا عن تلك النزاعات التي الفتها القارة الافريقية عموما والسودان خصوصا .
ان قارة افريقيا لم تهدأ يوما من النزاعات وصدامات التمرد والمواجهات المسلحة التي تباينت فيما بينها من حيث حدة الاشتباكات وميادينها والأسلحة المستخدمة فيها ، بل وحتى الاطراف الداخلة في هذه الصراعات ، وذلك لعدة اسباب اهمها :-
اولا :- ان هيكل توزيع القوة في النظام الدولي افضى الى هيمنة قوة واحدة تسعى الى بسط سيطرتها ونظامها السياسي والاقتصادي والحضاري على مناطق واسعة من العالم لغرض اضعاف الدول وجعلها في مركز ضعف دائم يحتاج الى دعم القوى العظمى .                                       
ثانيا :- ان هيكلة النظام الدولي الجديد استدعت من القوى السياسية تبني رؤى جديدة لاستراتيجيات الامن فجاءت الولايات المتحدة باستراتيجية ( الضربة الاستباقية) ، وشرع الاتحاد الاوربي الى بلورة مبدا الامن الاوربي وبناء قوته العسكرية وتحديد الميادين والمناطق التي يتوقع ان تهدد هذا الامن .
ثالثا : املت احداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر ، ثقافة امن تقوم على تنظير سياسي يكاد يشابه الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والراسمالي .                                                
رابعا :- ضعف المجتمع الدولي ومنظماته الدولية وخاصة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي مما افقد الدول ثقة الرجوع الى هذه المؤسسات وتصديق قراراتها بل عدتها تدور ضمن الفلك الأمريكي وقراراته السياسية اكثر مما ان تكون قانونية او دولية .                                               
خامسا : تكريس حالة التجزئة والتخندق خلف المصالح الفئوية الضيقة سواء كانت على اساس ديني او عنصري او قومي او طائفي .                                                                      
ومن هنا يظهر لنا انه لا يمكن ارجاع أزمة دارفور الى علة واحدة فهي مشابهة للنزاعات الافريقية يتداخل فيها الماضي بالحاضر والعامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، فضلا عن العامل الإقليمي والخارجي .                                                                                        
ومن المهم جدا ان نعرف ان النزاع في ﺇقيلم دارفور ليس طارئا جديدا ، لانه ظاهرة تكاد تكون ملازمة لتاريخ هذا الإقليم منذ القدم الا ان الصراع في هذه المرة ارتقى الى مستوى الأزمة التي اخذت بعدا إقليميا ودوليا حاملة في طياتها مجموعة من الاسباب التي سوف ندرسها بشكل مفصل في الصفحات القادمة ثم نعرج على اهم نتائج هذه الأزمة وما افضت اليه من تفاعلات سياسية واجتماعية وانسانية على الساحة السودانية والافريقية والدولية .                                                
مشكلة الدراسة :
تتلخص مشكلة الدراسة بمجموعة أسئلة وبالشكل الآتي :
1-  هل كانت أزمة دارفور نتيجة تفاعلات داخلية محضة تتعلق بنظام الحكم في السودان والحالة الاقتصادية التي يعيشها البلد ؟
2-      هل هنالك عوامل خارجية اقليمية ساعدت على تكريس أزمة دارفور ؟
3-  هل ان تدويل أزمة دارفور جاء لتحقيق مصالح سياسية دولية تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية لغرض اضعاف السودان بسبب موقفه المناهض للمشروع الأمريكي في الشرق الاوسط ؟
فرضية الدراسة :
كان للعوامل الجغرافية التي يتصف بها إقليم دارفور اثر بالغ في ابراز الصراع الداخلي الدائر في هذا الاقيلم ، ويقصد بالعوامل الجغرافية : العوامل الطبيعية وخصوصا ظاهرة الجفاف ، والعوامل البشرية وهي الصراع القبلي فضلا عن دور الحكومة في دعم بعض الجماعات المسلحة ، فضلا عن العوامل الخارجية سواء كانت إقليمية او دولية عملت على إذكاء التطرف والعنف في هذا الإقليم ، لتحقيق اهداف استراتيجية او مصالح داخلية وخارجية من خلال استخدام أزمة دارفور .     حدود الدراسة :
اشتملت الدراسة على حدود مكانية و زمانية ،  فالحدود المكانية  شملت ( إقليم دارفور) في موقعه الجغرافي والفلكي بين خطي طول (ْ22 – 27ْ ) شرقا و دائرتي عرض (10ْ-16ْ) شمالا ومساحته البالغـة (510) ألف كم2 وهو جزء من جمهورية السودان ، اما الحدود الزمانية فإنها تمتد من عام 1956 وهو تاريخ استقلال السودان وحتى عام 2008 . 
المبحث الأول : البنية الجغرافية ( الطبيعة والبشرية) لإقليم دارفور
اولا : المقومات الطبيعية :-
يقع إقليم دارفور فلكيا بين خطي طول (22ْ-27ْ) شرقا ودائرتي عرض (10ْ-16ْ) شمالا (1) خريطة رقم (1) ، وهذا الامتداد بين دوائر العرض اعطى هذا الإقليم تنوعا مناخيا ، فهو يمتد في مناطق تتصف بخضوعها الى  المناخ شبه الصحراوي الممطر صيفا  والمناخ الصحراوي الذي يتصف بقلة كمية امطاره وارتفاع درجة الحرارة خاصة اذا تقدمنا شمالا (2) .                                              
ويعد إقليم دارفور اكبر اقاليم السودان مساحة اذ تبلغ مساحته الكلية نحو (510) الف كم2(3)، ويمثل (2,.3% ) من مجموع مساحة السودان البالغة (2,505,813) كم2 ،ويقع جغرافيا في اقصى غرب السودان وتجاوره عدة دول منها ليبيا في الشمال الغربي ، وتشاد وأفريقيا الوسطى من جهة الغرب ، اما في داخل السودان فتحده الولاية الشمالية وولاية بحر الغزال من ناحية الجنوب .        
ومن الناحية الطبوغرافية فان إقليم دارفور عبارة عن هضبة يتراوح ارتفاعها بـين  (500-1000)م عن مستوى سطح البحر واقصى ارتفاع لها يقع في قمة جبل(مرة)اذ يبلغ نحو(3087)م وتعد هذه الهضبة الصخرية لاسيما حافاتها الغربية حدود طبيعية لجمهورية السودان مع كل من تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى (4) .                                                                                                  
وتضم هذه الهضبة كمية من الموارد المعدنية المهمة مثل النفط ، اذ توجد مجموعة من الحقول النفطية لاسيما حقول ( المجلد ، وملوط ، ويتيليدي) ويقدر احتياط النفط في هذه الحقول بمليار برميل من النفط الخفيف الممتاز (5) .                                                                                                 
كما يوجد معدن النحاس في جنوب إقليم دارفور في منطقة (حفرة النحاس) وتصدر كميات كبيرة منه الى خارج السودان (6) .                                                                                        
اما بالنسبة للموارد المائية فان هضبة دارفور فقيرة الى هذا المورد المهم نتيجة وقوع معظم اراضيها في المناخ الصحراوي الذي يتصف بقلة امطاره ، وتوجد فيها مجموعة من الاودية الموسمية اهمها ( وادي الملك ، ووادي مقدم ) ، اذ تـتجمع فيهاالمياه ويكون اتجاهها من الغرب الى الشرق وتصب في نهر النيل وروافده (7)، كما توجد فيهااحواض للمياه الجوفية اهمها حوض ( الحجر الرملي النوبي ) ورسوبيات (ام روابة) التي يقدر مخزون المياه الجوفية في هذه الاحواض بنحو ( 261,250) مليون م3 (8)

وتنتشر في إقليم دارفور النباتات الصحراوية التي تتماشى مع إقليم (النباتات الصحراوية) ، فضلا عن إقليم النباتات شبه الصحراوية ، واهم النباتات في هذا الإقليم هي ( الصبار والاشواك والسنط والطندب والهشاب) (9) .                                                                                                        
نستنتج مما تقدم ان هذه العوامل الطبيعية عملت على تعميق حالة عدم الاستقرار في إقليم دارفور ، لاسيما ان هذا الإقليم تسوده موجات من الجفاف والتصحر المتعاقبة التي ضربت انحاء واسعة من القارة الافريقية ، الامر الذي نتج عنه  اختلالات عميقة في التركيبة البشرية لسكان دارفور القت بظلالها على البيئة المحلية لهذا الإقليم ، اذ نجد ان الرعاة قد اضطروا تحت وطاءة الجفاف والتصحر الى الرحيل  بعيدا عن مناطقهم بحثا عن الكلأ والماء ، حيث ادى ذلك الى دخولهم بحدود قبائل اخرى تحترف  الزراعة  فنجم عنه وقوع العديد من الاحتكاكات ثم تطورت الى عداوات ومعارك طاحنة ومما زاد الطين بله  هو اشتراك إقليم دارفور مع دول غير عربية بحدود طويلة( تشاد وأفريقيا الوسطى ) لها اجندات خاصة تهدف فيها الى تقويض الاستقرار في السودان عموما وفي هذا الإقليم خصوصا ، لاسيما وان هناك امتدادات اثنوغرافية قبلية لسكان إقليم دارفور في داخل هذه الدول.                 

ثانيا : المقومات البشرية :-
يسكن إقليم دارفور عدد كبير من السكان بلغ في عام (2002) نحو (6,064) مليون نسمة وهم يمثلون (18,5%) من مجموعه سكان السودان البالغ عددهم (32,769) مليون نسمة (10) جدول رقم (1) .                                                                                          
ومن الجدير بالذكر ان احصاء السكان في إقليم دارفور غير دقيق بسبب عدم تمكن الفرق المختصة به من اجراء عملها بشكل دقيق نتيجة الصراع المسلح الدائر في الإقليم ، وتم الاعتماد على التقديرات التي تقوم بها الحكومة والمنظمات الدولية والإقليمية ، يقسم إقليم دارفور ادارايا الى ولايتين ،الاولى شمالية وعاصمتها مدينة (الفاشر) والثانية جنوبية وعاصمتها مدينة (نيالا) خريطة رقم (2)، وتـبلـغ الكـثافة السكانية في إقليم دارفور متذبذبه فهي (12) نسمة /كم2 في بعض المناطق ثم تنخفض الى 1 نسمة/ كم 2 في مناطق اخرى وكان لسعة مساحة الاقليم وانتشار المناطق الصحراوية في معظم اجزاءه لاسيما المناطق الشمالية ، اثرها على ذلك التذبذب.                                                   

الجدول رقم (1)
عدد السكان في إقليم دارفور للمدة (1956-2007)
مليون نسمة
السنة
1956
1973
1983
2002
2004
2005
2006
2007*
عدد السكان
1,329
2,140
3,094
6,064
6,350
6,700
7,076
7,187
 *إحصاءات الجامعة العربية للسنوات (2006-2007)
المصدر :
1-B.yongo Bure , The first Decade of Development in the Southern Sudan ( Khartoum : Institute of African and Asian studies , University of Khartoum , February , 1985  , p.12.
1- جامعة الدول العربية ، المنظمة العربية للتنمية الزراعية ، الكتاب السنوي ، للاحصاءات الزراعية ، المجلد (23) ، 2003 ، ص22 .
2- إسراء احمد جياد ، التكوين القبلي في دارفور ، الملف السياسي ،ط1، مركز الدراسات الدولية ، جامعة بغداد ، العدد 12 ،2005 ، ص39 .


ومن خلال الجدول رقم (1) نلاحظ ان عدد السكان في إقليم دارفور لا ينمو بشكل طبيعي وان حجم الزيادة لا يتناسب مع عدد السكان ، وهذا يرجع الى عدة اسباب اهمها حالة النزوح الكبير لسكان دارفور باتجاه الولايات السودانية المجاورة للإقليم مثل ولاية كردفان وبحر الغزال او حتى باتجاة دول الجوار مثل تشاد او جمهورية أفريقيا الوسطى و اوغندا ، اذ نزح ملايين السكان هربا من عمليات القتل القبلي والصراع العنصري ، فضلا عن الجوع والمرض المزري ، هذا من جانب ومن جانب اخر فان حجم الزيادة الطبيعية اخذ بالتدهور بسبب ازدياد عدد الوفيات وقلة الولادات نتيجة سوء الاحوال الصحية وقلة الادوية وتفشي الامراض الخطيرة واستفحال الجوع ، كل هذه الاسباب جعلت من السكان عرضة للموت او الهروب من هذا الإقليم المأساوي ، مما اثر على حجم السكان فيه ناهيك عن عدم وجود إحصاءات سكانية دقيقة للإقليم نظرا للوضع الامني المضطرب وحالة عدم الاستقرار فيه .                                                                                                                  
وتسكن في إقليم دارفور مجموعة من القبائل العربية والافريقية التي شكلت سايكلوجية التركيبة الاثنوغرافية لسكان هذا الإقليم ، لاسيما وان الصراع في إقليم دارفور ( صراع اثنوغرافي) بتاثير عوامل داخلية وخارجية ، واهم هذه القبائل هي ( الفور ) التي جاءت تسمية الإقليم منها و ( الزغاوة والمساليت والبقارة والزريقات ) ، وتمتد جذور بعض هذه القبائل الى دول الجوار وخاصة تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى (11) .                                                                                  
المبحث الثاني : عوامل النزاع في إقليم دارفور
من المعروف ان الاوضاع السياسية تتاثر الى حد كبير بالظروف الجغرافية السائدة في محيط المنطقة الإقليمي ، ونرى ان جزءا من مقومات الصراع في هذا الإقليم يرتبط بجغرافيته ، لاسيما في الموقع الجغرافي والتقسيم الاداري ونظام الحكم الفدرالي الذي اقر في السودان عام (1991) ، فضلا عن التعدد الاثنوغرافي لسكان الإقليم ، يضاف الى ذلك ان إقليم دارفور يحادد ثلاث دول هي (ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى) ، والحدود مع هذه الدول مفتوحة ولا توجد أي موانع طبيعية تعيق حركة الاشخاص ، فضلا عن عمليات التهريب و خاصة تهريب السلاح الى داخل الإقليم ، لاسيما وان هنالك امتداد قبلي للقبائل السودانية داخل الاراضي التشادية والليبية وجمهورية أفريقيا الوسطى ، وهذه القبائل تمارس حرفة الزراعة والرعي وتحكم نفسها من خلال النظام القبلي يقابلها ضعف سلطة الدولة واهمالها للوضع الامني ، مما سبب حالة فوضى وعدم استقرار ناتجة عن عدم وجود قوانين وتشريعات الدولة التي تسهم في استتاب الامن والاستقرار .                                         
وبالامكان تقسيم اسباب وعوامل النزاع في إقليم دارفور الى ما ياتي :-                              
اولا : العوامل الطبيعية :-
ذكرنا سابقا ان إقليم دارفور يقع بين دائرتي عرض (10ْ و16ْ) شمالا الامر الذي يقسم هذا الإقليم الى قسمين الاول يقع في نطاق السفانا الغنية ، والثاني في نطاق المناخ الجاف ، وهذان الاقاليمان المناخيان قد خلقا اجواءً من الجفاف والتصحر مما سبب قلة في الغطاء النباتي وانحسار المراعي وندرتها ، ونحن نعرف ان القبائل في دارفور تركز اهتمامها على حرفتي الرعي والزراعة ، وبالتالي حدوث حالات كثيرة من النزاعات القبلية فيما بينها .                                       
وتشير الدلائل التي توصل اليها المتتبعون لحالة الصراع في إقليم دارفور ان هناك علاقة عكسية بين معدل هطول الامطار وبين النزاعات القبلية اذ ان النزاعات والصراعات تزداد عندما تقل كمية الامطار الساقطة ، لان ذلك يسبب قلة المراعي يرافقه شحة في المياه (12) ومن ثم كثرة التنقل والاحتكاكات التي قد ينتج عنها النزاعات القبلية .                                                     
 لذلك فان العوامل الجغرافية قد أوجدت أرضية مهيأة لنشوب الصراعات القبلية  بعد موجات الجفاف التي ضربت الإقليم في اواخر السبعينات من القرن الماضي ، مما سبب اضرارا واسعة للسكان الزراعيين في هذا الإقليم ،حيث نتج عنها هجرة بعض القبائل من اراضيها المقفرة الى اراضي يتوفر فيها الكلا والماء بدون تنسيق مع القبائل الساكنة في تلك المناطق ، وقد ادى ذلك الى نزاعات بين الساكنين والقادمين .                                                                                
فضلا عن ان القبائل التي لم تهاجر من مناطقها قد اضطرها الجوع المفرط الى ممارسة حرفة طارئة على هذا الإقليم الا وهي حرفة السلب والنهب ، وخاصة على الطرق التي تمر بها قوافل التجارة او الشاحنات المحملة بالمنتجات الزراعية ، بل ازداد الامر سوءا عندما امتدت عمليات النهب والسرقة تجاه القرى او التجمعات القبلية المجاورة ، ثم انها اخذت شكلا اخر اكثر دموية يتلخص في النهب والاغتصاب والقتل والحرق لبيوت القبائل التي يطولها الغزو .                                      
مما تقدم يمكن القول ان العوامل الطبيعية قد شكلت عاملا اساسيا في اشعال فتيل الأزمة في إقليم دارفور لاسيما بعد ان غيرت هذه العوامل الكثير من ملامح الإقليم وحرمت اعدادا كبيرة من سكانه من مزاولة حرفة الزراعة والرعي لتتجه نحو الغزو والسلب والنهب من اجل الحصول على لقمة العيش التي اصبحت مغمسة بدماء الابرياء في هذا الإقليم المعدم.                                     
ثانيا : العوامل البشرية  :-
تعد العوامل البشرية من الاسباب الرئيسية والاستراتيجية في اذكاء العنف القبلي والعنصري في إقليم دارفور ، وقد تكون هذه العوامل داخلية تتمثل بالصراع القبلي الذي ذكرناه انفا او قد يكون بتاثير مباشر من الحكومة المركزية التي تغير تعاملها مع هذه الأزمة بتبدل الانظمة الحاكمة في السودان وتبدل ايدلوجيتها واستراتيجيتها اتجاه ما يواجهه السودان من مشاكل امنية واقتصادية وسياسية،منذ عام 1956 ، او قد تكون بتاثير عوامل خارجية تتمثل بتدخل حكومات ودول مجاورة للسودان ومعادية له ، سنأتي على دراستها تباعا.                                                                        

ومن المهم جدا ان نذكر ان حالة الصراع في إقليم دارفور بشكلها لم تكن آنية بل انها حدثت بفعل تراكمات لنزاعات قبلية كثيرة، و(النزاع القبلي) هوحرب تنشب بين قبيلتين او اكثر قد تبقى لعدة سنوات او قد تحل بالصلح القبلي واغلبها تنتج بسبب الصراع على الاراضي، بل شكلت في بعض منها معارك طاحنة ازهقت فيها الارواح واريقت الدماء مما كرس حالة العداء القبلي في هذا الإقليم ، واهم هذه النزاعات هي (13) :-                                                                       
1-     النزاع بين هلبة والزريقات علم 1982 ، في ولاية جنوب دارفور .
2-     النزاع بين البرتي والزيادية ضد الكبابيش عام 1983 في ولاية شمال دارفور.
3-     النزاع بين الفلاتة والقمر عام 1984 في ولاية جنوب دارفور .
4-     النزاع بين الفلاتة والمراريت عام 1986 في ولاية جنوب جنوب دارفور .
5-     النزاع بين الزريفات والدينكا عام 1986 في ولاية جنوب دارفور .
6-     النزاع بين الفور وبعض القبائل العربية 1987 في جميع ولايات دارفور .
7-     النزاع بين الزغاوة والقمر عام 1988 في ولاية شمال وغرب دارفور .
8-     النزاع بين الزغاوة والمعاليا عام 1990 في ولاية جنوب دارفور .
9-     النزاع بين التعايشة والقمر عام 1990 في ولاية جنوب دارفور .
10-   النزاع بين الزغاوة والمراريت عام 1991 في ولاية جنوب دارفور .
11-   النزاع بين الزغاوة والزريفات الشمالية عام 1999 في ولاية جنوب دارفور .
ان هذه الصراعات القبلية المتراكمة والتي زادت وتيرتها في السنوات العشرة الاخيرة عملت على اشعال الوضع في إقليم دارفور ووصوله الى حالة من الغليان اخافت المجتمع الإقليمي والدولي بل ان الامم المتحدة عدت إقليم دارفور منطقة منكوبة ويمكن ان نقسم العوامل البشرية الى عوامل فرعية كان لها اثر واضح في تكريس حالة الصراعات وهي كالآتي :-                                         

1- العوامل الامنية :-
وهي من العوامل المهمة في تاجيج الاوضاع وانفلاتها في دارفور ، وذلك ان الإقليم قد تاثر كثيرا بالاضطرابات والمشاكل السياسية التي تحولت الى اختلالات امنية كبيرة في الدول المجاورة لهذا الإقليم من الناحية الغربية ، لاسيما دول ( تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا) التي لا تفصل بينهما وبين (إقليم دارفور) أي حواجز طبيعية مما يتيح الحركة  او الانتقال عبر الحدود .                        
وكان اول ظهور لهذه العصابات المنفلتة على اثر فشل حركة تموز المسلحة التي قادها حزب الامة وكان الهدف منها اسقاط حكم (جعفر نميري ) ، وبعد فشل المحاولة هربت مجموعة من هؤلاء المسلحين ويقدر عددهم(500) مسلح ليستقروا في مدن دارفور البعيدة عن سلطة الدولة ثم اتجهوا نحو ممارسة النهب المسلح وكان الهجوم على سوق مدينة (كورو) في كانون الثاني عام 1979 العملية الاولى للنهب المسلح في دارفور (14) .                                                                            

ويعتبر السلاح المنتشر في دارفور الطاقة التي تمول الحرب الاهلية في تشاد وأفريقيا الوسطى والاضطراب الامني بين تشاد وليبيا) ، اذ كان المحاربون يدخلون في دارفور للاحتماء ومن ثم اعادة هيكلتهم والانطلاق منها ، وراحوا يبيعون اسلحتهم على السكان المحليين في دارفور من اجل الحصول على احتياجاتهم الضرورية ، وبذلك بدأت تروج تجارة الاسلحة بمختلف انواعها واشكالها في ظل غياب الاجهزة الامنية المختصة للتعامل مع هذه الأزمة وقد تزامن توفر الاسلحة بكميات كبيرة مع بداية موجات التصحر والجفاف التي ضربت المنطقة ومن ثم ظهرت نتيجة لهذه الاوضاع ظاهرة (السلب والنهب) وبروز الميليشيات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة والسلطات المسلحة ويعرف قسم منها في الوقت الحاضر باسم (ميليشيا الجنجويد ) (15) .                                                  
        كما لا ننسى ما للحكومة المركزية من دور واضح في اذكاء ظاهرة الصراع المسلح في إقليم دارفور ، وذلك من خلال دعمها المباشر لبعض القبائل العربية والقيام بتسليحها بهدف منع تغلغل عناصر حركة ( الجبهة الشعبية لتحرير السودان) التي يتزعمها جون قرنق (سابقا) ، فضلا عن حماية السكان من عمليات النهب والسطو المسلح التي يتعرضون لها من وقت لاخر على يد مسلحين حركة قرنق ، جدير بالذكر ان الحرب التي كانت تدور رحاها في جنوب السودان قبل توقيع اتفاقية السلام بين الحومة وجبهة تحرير السودان ، كانت مصدرا اخرا لتدفق السلاح الى مناطق دارفور ، ناهيك عن موقع دارفور المجاور للمناطق الداخلة في صراع الجنوب لأكثر من عشرين عاما كان في حد ذاته كفيلا بان يشيع التوتر الاضطراب في أنحاء الإقليم .                                           

ان اهمال الحكومة السودانية للوضع الامني في دارفور قد جعل هذا الإقليم مكان امن لتاسيس عصابات منظمة تقوم باعمال السلب والنهب والاغتصاب ضد السكان القرويين وبالأخص الأفارقة منهم ، أي أصحاب الأصول الزنجية خاصة بعد دعم الحكومة لميليشيا الجنجويد على ان هناك مجاميع من القبائل الزنجية تقوم باعمال عدائية مماثلة ، مما سبب ضررين بالغين ، (الاول) لحق بسكان إقليم دارفور الذين قتلوا من قبل العصابات المسلحة او شردوا الى خارج حدود الإقليم ، ونستطيع القول ان إقليم دارفور أصبح منطقة منكوبة تستدعي وقوف المجتمع الدولي والإقليمي لوقف نزيف الدم فيه ، اما الضرر (الثاني) فكان بالغا بكل المقاييس فقد لحق بحكومة السودان المركزية  بزعامة عمر البشير ، إذ يتعرض السودان عموما في الوقت الحاضر إلى عزلة سياسية واقتصادية من قبل المجتمع الدولي نتيجة تدويل أزمة دارفور واتهام حكومة السودان بشكل مباشر من قبل الامم المتحدة والمنظمات الدولية بالوقوف وراء عمليات القتل العنصري التي يتعرض لها مجتمع دارفور .                    
ان حالة الفراغ الامني في إقليم دارفور قد اوجد مناخ ملائم لقيام جماعات مسلحة او حركات على شكل منظمات كان ابرزها حركة ( العدل والمساواة ) وحركة (تحرير السودان) ، اذ تشكلت حركة العدل والمساواة بعد حركة تحرير السودان ، ولكن كلاهما في العام (2003) وهي مكونة من قبائل الزغاوة والفور والمساليت ، ويقود جناحها العسكري خليل ابراهيم من قبيلة الزغاوة واحد اتباع (حسن الترابي) وهوالذي يقود الحركة سياسيا من لندن ، اما الجناح العسكري فيتولى قيادته العميد التيجاني (سالم درو) وتتميز هذه الحركة بقوة أجندتها السياسية التي تفوق عملها العسكري ، ويتشكل الهيكل الاداري من قيادة تنفيذية ومؤتمر عام ومجلس للداخل ومجلس للخارج ، تهدف حركة العدل والمساواة الى (سودان موحد في اطار الفيدرالية) ، وتطرح رؤيتها لنظام الحكم فتقول ان ولاية الرئيس المنتخب لا تزيد على اربعة سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ، كما تدعوا الى تقسيم السودان الى سبعة اقاليم فيدرالية هي الشمال والجنوب والشرق ودارفور وكردفان والوسط والخرطوم ، وترى ان رئيس البلاد ياتي بالتناوب بين الأقاليم ، كما تطالب بمجلس شيوخ الى جانب مجلس النواب ليؤدي الى توازن في السلطة التشريعية (16) .                                                                                              
اما حركة تحرير السودان فقد نشأة هذه الحركة المسلحة في شباط (2003) وتتكون من قبائل (الزغاوة والفور والمساليت والبرتي) بشكل أساسي ومن بعض القبائل الأفريقية الاقل حجما ويتزعم هذه الحركة المحامي ( عبد الواحد نور) من قبائل الفور بينما تولى امانتها العامة المقاتل ( مني اركوي مناوي) من قبائل الزغاوة ، وقد انحصرت مطالبها في البداية في وقف هجمات ميليشيات الجنجويد وبالتنمية الاجتماعية والاقتصادية لإقليم دارفور والمشاركة في السلطة ، وعندما رفضت الحكومة السودانية التفاوض على هذه المطالب تحولت من حركة سياسية الى تنظيم عسكري واسع النطاق ، وتتصف هذه الحركة بقوة فاعليتها العسكرية بينما لا ترقى اجندتها السياسية الى المستوى نفسه اذ لم تعلن برنامجا سياسيا واضحا باستثناء فرعها في كندا الذي اصدر بيانا في نيسان عام (2003) يحدد مطلبين أساسيين وهما : الكونفيدرالية او الانفصال عن السودان (17).                                                 

وعلى الرغم من ان حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة قد اثبتت وجودهما على ارض المعركة العسكرية والسياسية ، لكن عوامل الضعف الكثيرة تقلل من فعاليتها وهذه العوامل هي :-   
1-     عدم توحد البرنامج السياسي والعسكري للحركتين .
2-  اختلاف اهداف الحركتين ، اذ تهدف حركة تحرير السودان الى نظام الكونفيدرالية او الحكم الذاتي او الانفصال ، اما حركة العدل والمساواة فانها تهدف الى سودان موحد في إطار فدرالي .
3-  اختلاف المنطق الفكري للحركتين ، اذ ان حركة تحرير السودان تؤمن بالمنهج العلماني وتطالب بفصل الدين عن السياسة على عكس حركة العدل والمساواة التي تؤمن بالمنهج الإسلامي .
4-  اختلاف المكان الجغرافي للحركتين ، اذ ان مقر حركة تحرير السودان في إقليم دارفور حصرا او تعتمد على التنظيم المسلح ، اما حركة العدل والمساواة فانها موجودة أيضا في إقليم  دارفور ولكنها تعلن عن نفسها كحركة قومية وتلوح بمد نشاطها في كل أقاليم السودان ، لاسيما العاصمة الخرطوم .
5-  الفرق في النضج السياسي ، اذ توصف حركة تحرير السودان بان لديها اجندة سياسية غير ناضجة وهيكل اداري ضعيف على عكس حركة العدل والمساواة التي تمتلك اجندة سياسية واضحة وهيكل اداري وتنظيمي مستقر (18) .

2- العوامل السياسية :
وهي من العوامل الاساسية والمكونات الرئيسية لأزمة دارفور ولو القينا نظرة على تاريخ الواقع السياسي لإقليم دارفور نجده كيان سياسي منظم منذ عهد بعيد ، اذ كانت دارفور مملكة اسلامية حرص اهلها على ارسال كساء الكعبة الشريفة كل عام وتوفير الطرق الآمنة لحجاج بيت الله الحرام القادمين من غرب أفريقيا ، الى جانب الازدهار التجاري والاقتصادي ، وكان نظام الحكم السائد في هذا الإقليم عبارة عن خليط من التعاليم الاسلامية والاعراف والتقاليد القبلية المستقاة من الواقع الزراعي القبلي في هذا الإقليم وابرز صفات هذا النظام انه وراثي ، كما انه اقر الديه والغرامة للسارق والزاني والجلد لشاربي الخمر (19) .                                                                                                 
ويمكن القول ان دارفور قد نمت خارج اطار الدولة السودانية التي بدات تتبلور بعد الاحتلال التركي – المصري ، فكانت دارفور خلال هذه الفترة بعيدة عن الدولة الناشئة ، فضلا عن انها لم تخضع للاحتلال البريطاني عام (1916) ، وخلال هذه الفترة ظهر في الإقليم  نظام (الادارة الاهلية ) الذي تم حله في عهد الرئيس السوداني جعفر نميري عام (1971) (20) .                                    
ثم قامت حكومة نميري محل (الادارة الاهلية) في الإقليم وبدات بتطبيق نظام الحكم الإقليمي الذي شابه الكثير من العيوب ومنها المنافسة على المناصب القيادية ، فضلا عن الانتخابات التي تتم على اساس قبلي محض ، ولم تتغير الامور كثيرا في عهد حكومة الانقاذ الوطني بزعامة (عمر البشير) ، لاسيما بعد اعلان نظام الحكم الفدرالي عام (1994) تبعها تكوين قوات شبه النظامية والشرطة الشعبية التي ابتعدت عن اهدافها وصارت جزءا من الصراعات الدائرة في الإقليم (21) .                                 
نستنتج من ذلك ان النزاعات القبلية قد ازدادت وتيرتها بعد قرار حل الإدارة الأهلية لاسيما في ظل ضعف سلطة الدولة في الإقليم مما ولد حالة من الفوضى والاحتقان كانت أشبه بالوقود الذي اشعل نار الفتنة في إقليم دارفور ، فضلا عن ابتعاد منطقة دارفور عن دائرة السلطة المركزية جغرافيا وسياسيا بل انها بمعزل عن  الدولة السودانية الحديثة مما أوجد لها وضع خاص سواء من الناحية الاجتماعية او الناحية السياسية ، الامر الذي لم تستوعبه الحكومات الوطنية المتعاقبة على الحكم وهذا يتضح من خلال محاولات دمج دارفور في مجتمع الدولة من خلال قرارات غير مدروسة كقرار رفض الإدارة الأهلية وغيرها من القرارات ذات الصلة باعادة تشكيل النظام السياسي دون مراعاة للظروف الخاصة بهذا الاقليم وتحديدا التركيب الاثنوغرافي والتعدد السلالي والقومي والقبلي .                         
                         
3- العوامل الخارجية :-
ان مشكلة دارفور تعد من المشاكل الجيوبولوتيكية نظرا لتشابك العوامل التي اسهمت في التمهيد لبروزها من خلال تفاعلها ، فضلا عن تعدد الاطراف الداخلية والخارجية الداخلة في هذه الأزمة ، حتى اصبح لها بعدا ( سودانيا وأفريقيا ودوليا ) .                                                    
واصبحت العوامل الخارجية جزءا مهما في حالة الصراع الدائر في دارفور،بل انها اكثر خطورة في الأزمة على الإطلاق لأنها مرتبطة بجوانب جيوبولوتيكية وجيوستراتيجية وبأطماع القوى الكبرى والصراع الدولي على النفوذ ومصالح الولايات المتحدة واستراتيجيتها الجديدة الخاصة بالشرق الاوسط .
جدير بالذكر ان هناك نوع من التنافس الدولي لغرض السيطرة على هذا الإقليم نظرا لما يتمتع به من مميزات جيوستراتيجية اهمها سعة المساحة ، اذ تبلغ مساحة هذا الإقليم نحو (510) الف كم2 وهو اكبر اقاليم السودان مساحة ، وتضم هذه المساحة موارد طبيعية استراتيجية اهمها النفط واليورانيوم والحديد الذي تصل درجة نقائه الى (80%) ، والنحاس الذي يوجد في منطقة حفرة النحاس الواقعة بالقرب من حدود دولة أفريقيا الوسطى ، يضاف الى ذلك وجود الموارد الزراعية مثل الصمغ العربي والمحاصيل الزراعية الاخرى ناهيك عن الثروة الحيوانية الكبيرة ، هذا من جانب ومن جانب اخر يعد إقليم دارفور منطقة عازلة بين النفوذين ( الفرنسي والانكليزي )لان القارة الافريقية عموما منقسمة بين هذين النفوذين (22).                                                                           
وبسبب هذه المميزات فان إقليم دارفور من المرجح ان يكون مسرحا للصراع والتنافس الإقليمي والدولي ، وبالتالي يجب ان لا نستغرب التضخيم الاعلامي الكبير لهذه الأزمة ، فضلا عن الكميات الكبيرة من السلاح والاموال التي تصل الى الإقليم من اجل تغذية حالة العنف (23) .                       
وما دمنا بصدد توضيح اثر العوامل الخارجية لاتنسى اثر الدور الأمريكي الذي انتهج سياسة مغايرة لتلك التي تبنتها ادارة بيل كلنتن اتجاه السودان ، لاسيما من خلال الدور الكبير لمحادثات السلام بين الحكومة والمتمردين في جنوب السودان تحت مظلة الايكاد والايجاد التي نتج عنها اتفاق (نيفاشا) الذي انهى مشكلة الجنوب .                                                                               
ولكن ما ان تغيرت الادارة الأمريكية بقدوم الرئيس ( جورج دبليو بوش) حتى تغير نهج هذه الادارة اتجاه بعض الدول والقضايا في العالم ومن بينها السودان ، و مع انطلاق الشرارة الاولى لمشكلة دارفور حتى تحولت سياسة ادارة بوش نحو السودان بشكل مختلف عن سابقاتها بل انها اصبحت توصف بصب الزيت على النار ، لاسيما بعد انطلاق حملة الرئيس بوش ضد الارهاب وشمول السودان بهذه لحملة واعتباره دولة راعية للإرهاب (24) .                                                      
وتشير تداعيات أزمة دارفور الى ان الادارة الأمريكية عملت على تأليب المجتمع الدولي ضد السودان مستنفرة امكاناتها الاعلامية والدبلوماسية لهذا الغرض ، بل انها قدمت الدعم المادي واللوجستي للمتمردين وهذا ما ظهر واضحا في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق (كولن باول) على هامش مؤتمر السلام في ابوجا الذي عقد في مدينة ابوجا النيجيرية بين الحكومة السودانية وزعماء حركتي ( تحرير السودان والعدل والمساواة ) في دارفور لغرض انهاء أزمة دارفور لتطبيق تجربة السلام في جنوب السودان على غرار اتفاق نيفاشا للسلام في جنوب السودان ، واستمرت هذه  القمة للمدة ( 8-15/6/2005) (25) .                                                                                   
وحسب اعتقاد الباحث فان هناك عدة اسباب وراء تحول السياسة الأمريكية تجاه السودان متخذة من أزمة دارفور مادة اعلامية لدعم مشروعها الاستراتيجي ( الشرق الاوسط الجديد ) اهمها تحقيق مصالح اقتصادية مرتبطة بالنفط لاسيما وان الولايات المتحدة لها اطماع في دول افريقية تمتلك النفط ومن بينها السودان ، وهناك اهداف اخرى استراتيجية انية تتمثل بحمى الانتخابات الأمريكية وما رافقها من شعارات دعائية توهم العالم بدفاع القيادة الأمريكية المنتخبة عن الانسانية وحقوق الشعوب في العالم كله ، لاسيما وان هنالك شريحة واسعة من المجتمع الأمريكي وهم الزنوج او السود الذين يتصورون ان أزمة دارفور عبارة عن قتل عنصري للسلالة الزنجية من قبل القبائل العربية ، مما يعني حصول ادارة بوش على اصوات ناخبين اضافية ، وكي لا ننسى ان احد اهم مرتكزات  مشروع الولايات المتحدة المعروف بـ(الشرق الاوسط الجديد ) تقوم على تفكيك الدول واعادة هيكلتها وفق الرؤيا الاستراتيجية الأمريكية .                                                                     
ولم يختلف كثيرا موقف الحكومة البريطانية برئاسة (توني بلير) لاسيما وانها الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة وهكذا الحال مع الاتحاد الأوربي الذي هدد بفرض عقوبات صارمة   على السودان وجاء ذلك على لسان (خافير سولانا) رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوربي (26) .       
وقد اخذت أزمة دارفور بعدا دوليا بعد ان دخلت الى اجندة مجلس الامن الدولي وكان قرار مجلس الامن الدولي الاول رقم (1556) الصادر في (30/7/2004) في هذه الأزمة بمثابة الاعلان الرسمي لتدويل قضية دارفور على الرغم من التعاون الذي ابدته حكومة السودان مع الاتحاد الافريقي حرصا منها على ابقاء الأزمة ضمن اطار إقليمي لاسيما بعد ان فشلت في احتوائها محليا من خلال سلسلة من المفاوضات والمحادثات التي بدات في مدينة (ابش) الحدودية في تشاد بتاريخ (3/9/2003) تكللت باتفاقية وقف اطلاق النار تحت مظلة دولة تشاد ، لكنها لم تدم طويلا اذ تم خرقها من قبل الجانبين.   
بعد ذلك جرت محادثات في (انجامينا) في (16/12/2003) طالب فيها المفاوضون (المتمردين) بحكم ذاتي لإقليم دارفور وحصة من عوائد النفط تقدر بـ(13%) والاحتفاظ بجيش تحرير السودان مما افشل المفاوضات وزاد من وتيرة المواجهات (27) .                                                             
على ان الاتفاقيات التي تلت هذه المفاوضات باءت بالفشل ، ولاسيما اتفاقية (أديس أبابا) في عام (2004) برعاية الاتحاد الافريقي تلتها قمة ابوجا عاصمة (نيجيريا) في (9/11/2004)      وذلك لعدة اسباب منها رفض الحكومة الشروط التي قدمها المتمردون او عدم الاتفاق على ديباجة الاتفاقيات .   
المبحث الثالث : النتائج والأبعاد السياسية لأزمة دارفور
من خلال دراستنا للاسباب الداخلية والخارجية التي زادت من حدة أزمة دارفور حتى انها تعدت المستوى المحلي لتاخذ بعدا دوليا تناولتها المحافل والمؤتمرات الدولية بفيض من الاهتمام قد ادى ذلك بالولايات المتحدة الأمريكية الى عرض المشكلة على مجلس الامن الدولي واعتبارها أزمة سياسية وكارثة انسانية اصبحت تهدد السلم والامن الدوليين وقد وقف كل من بريطانيا والاتحاد الأوربي  الى جانب الطرح الأمريكي بل انهم قدموا مشروع قرار يتضمن فرض عقوبات قاسية على السودان .    
وهذا التصعيد الدولي يقابله تصعيد في الوضع الداخلي لاسيما تصاعد عمل المعارضة السودانية بأطيافها المختلفة الى الحد الذي اثر على عمل الحكومة السودانية وقسمها الى ثلاث اتجاهات متباينة ، الأول قابض على السلطة يؤمن بمنطق القوة حتى النهاية ، والثاني يرى ان الحل السياسي السلمي هو الأنسب لهذه الأزمة والثالث يؤسس مواقفه على المكاسب الوقتية بسبب استعجاله المزمن ويرى مصلحته في الاستعداد للمرحلة القادمة .                                                             
نستنتج مما تقدم ان هذا الواقع الخطير ابرز لنا حقيقة مهمة وهي ان أزمة دارفور التي تعاملت معها الحكومة السودانية في بداية الأمر على إنها أزمة أمنية داخلية ، ما هي إلا جزء من الأزمة السياسية العامة في السودان ، وقد أدى ذلك إلى ردود أفعال من جانب الحكومة تمثلت في تحركاتها السياسية على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي .                                                            
وسوف ندرس اهم التأثيرات التي سببتها أزمة دارفور للحكومة السودانية وكما يلي :
1-  تاثير الأزمة في العلاقات الدولية للسودان :-
هناك عدة اطراف دولية معنية بمشكلة دارفور لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الامم المتحدة والاتحاد الأوربي ، وتتخذ هذه الجهات موقفا سلبيا من الحكومة السودانية اذ تتهمها بانتهاك حقوق الإنسان والابادة الجماعية والتطهير العرقي ضد المواطنين الزنوج من خلال دعم قبائل موالية لها لاسيما ميليشيا الجنجويد ، ومن هنا جاءت مطالب الولايات المتحدة الأمريكية المجتمع الدولي بفرض عقوبات على السودان تتراوح بين العقوبات السياسية والدبلوماسية والعسكرية اذ وصل التهديد الدولي للحكومة السودانية اقصاه عندما هدد الامين العام للامم المتحدة (كوفي عنان)  (سابقا) بالتدخل العسكري في إقليم دارفور لوضع حد للأزمة ، عندما قام المسؤولون السودانيون بتحرك واسع النطاق لغرض إقناع المجتمع الدولي بمسعى حكومتهم لحل الأزمة ومن ثم الإفلات من العقوبات والتدخل العسكري الدولي .                                                                                  
جدير بالذكر ان اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي بمشكلة دارفور تنطلق من عدة محاور استراتيجية أهمها السيطرة على الثروات الطبيعية في غرب السودان وخاصة الثروة النفطية التي كشفت عنها شركة (شيفرون) النفطية الأمريكية من خلال أبحاثها في جنوب وغرب السودان في السبعينيات ، لاسيما وان هناك تنافس استعماري بين الولايات المتحدة والدول الاوربية على الثروات الطبيعية في قارة أفريقيا عموما والسودان خصوصا ، اما المحور الاخر يتلخص في ان هذه الدول جعلت من أزمة دارفور مادة اعلامية دسمة وتصويرها على انها عملية ابادة جماعية للسكان الزنوج في هذا الجزء من العالم ، لغرض تحقيق هدفين الاول كسب الراي العام لهذه الشريحة المهمة من السكان وكسب اصواتهم من خلال الحملات الاعلامية والدعائية للانتخابات في هذه الدول لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية اما الهدف الثاني تكريس حالة العداء الفكري تجاه المسلمين من قبل العالم على اعتبار ان هؤلاء الزنوج يقتلون على يد القبائل العربية المسلمة التي تدعمها الحكومة السودانية لاسيما وان الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب قد الصقت صفة الارهاب بالمسلمين .          

علما ان هذا الامر تنفيه الحقائق والتقارير الواردة من دارفور اذ نجد ان الصراع في هذا الإقليم عبارة عن صراع قبلي تطور في الآونة الاخيرة ليصبح صراع اثني او عرقي متبادل لاسيما وان بعض القبائل الزنجية قد انتهجت هي الاخرى عمليات القتل والسلب والنهب من ابناء جلدتها او ضد ابناء القبائل العربية الساكنة في الاقليم .                                                                   

2-  تاثير الأزمة في العلاقات الإقليمية للسودان :-
نشطت الحكومة السودانية في علاقاتها مع عدة جهات إقليمية سواء كانت دول او اتحادات او هيئات إقليمية ، فقد حققت الدبلوماسية السودانية نجاحا ملحوضا في علاقاتها مع الجامعة العربية اذ استطاعت ان تقنع الانظمة العربية ان تقف الى جانبها ضد الهجمة الأمريكية الصهيونية ، والتي اتخذت من أزمة دارفور سببا لهذ الهجمة ، وهذا واضحا في اجتماع القمة العربية التي عقدت في القاهرة سنة (2004) ، وكان اهم ما جاء فيها هو دعم الحكومة السودانية ومدها بالوسائل اللوجستية ودعم تحركها الدبلوماسي لمساعدتها على اجتياز الأزمة (28) .                                                                 
غير ان هذا النجاح على المستوى الدبلوماسي ( السوداني – العربي ) لم يمتد باتجاه الدول الافريقية التي انحازت الى العنصر الافريقي في دارفور لاسيما (الاتحاد الافريقي) الذي ظل يلعب دور الوسيط بين طرفي النزاع شكليا لكنه من ناحية المضمون يتحايز دائما نحو مطالب القضايا الأفريقية الدارفورية ، وهذا ما حدث في جولة المحادثات في (ابوجا) التي انتهت في الثامن من تشرين الثاني عام (2004) ، وهكذا الحال بالنسبة لدول الجوار الجغرافي للسودان التي اصبح كل منها يتخذ موقفا نابعا من توجهاته واستراتيجياته السياسية والعسكرية في القارة الافريقية وخاصة دول تشاد و ليبيا ومصر واثيوبيا واليمن وأفريقيا الوسطى .                                                          

الأبعاد الإنسانية لأزمة دارفور
ان من اهم اسباب تدويل أزمة دارفور هو اكتنافها لنكبات انسانية تمثلت بقتل وتشريد الاف المواطنين العزل وانتشار الامراض المختلفة القاتلة بين سكان الإقليم بسبب الاهمال الصحي وعدم توفر الخدمات الطبية من قبل الدولة في هذا الإقليم ، ناهيك عن أزمة الجوع والفقر المتقع لاسيما مع تفشي ظاهرة السلب والنهب من قبل العصابات والجماعات المسلحة التي تهاجم القرى والفلاحين لتسلب كل شئ يملكونه من مزروعات وحيوانات فضلا عن اختطاف النساء واغتصابهن ، كل هذه الامور ادت الى ان تكون دارفور منطقة منكوبة تثير مشاعر الملايين من سكان العالم فضلا عن دوله ومنظماته وجمعياته .                                                                                          
لقد كانت الكارثة الإنسانية في دارفور إحدى النتائج الخطيرة لهذه ألأزمة المطردة ، وقد قدرت الامم المتحدة عدد الذين تاثروا بهذه الأزمة منذ تصاعدها عام (2003) حتى عام (2007) بنحو (3,400) مليون نسمة في حين قدر عدد المتشردين لنفس المدة نحو (1,8) مليون نسمة ، في حين قدر عدد اللاجئين السودانيين القاطنين في المعسكرات في تشاد بنحو (200) الف شخص ، وقدر برنامج الغذاء العالمي التابع للامم المتحدة ممن يتلقون مساعدات غذائية نتيجة تاثرهم بحالة عدم الاستقرار في الإقليم بنحو (2)مليون شخص (29) .                                                                                      

وتطلب هذا الوضع الانساني المتأزم تدخل العديد من الجهات الدولية والإقليمية لاسيما الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي الذي اصدر  العديد من القرارات التي وصفت إقليم دارفور بانه منطقة منكوبة وإقليم تتم فيه عمليات تطهير عرقي بين العرب والزنوج فضلا عن الاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي ومنظمات انسانية اخرى وجمعيات حقوق الانسان ، وكان عمل هذه الجمعيات والمنظمات الانسانية محفوف بالمخاطر فهي عرضة ايضا لعصابات السلب والنهب التي تجوب الإقليم وتسلب ما لديها من شحنات اغذية او ادوية .                                                                            

جدير بالذكر ان أصابع الاتهام تتوجه الى طرفين في ما يخص الجرائم التي تحدث في دارفور الطرف الاول ميلشيا الجنجويد والطرف الاخر الحكومة التي تدعم ميليشيا الجنجويد ، ومن اجل هذا اصدر مجلس الامن الدولي قراره المرقم بـ(1564) والصادر في عام (18 ايلول 2004) وهو خاص بتشكيل لجنة تقصي الحقائق في الإقليم ، وتوصل التقرير الى ان السودان يعيش حالة من الصراع العرقي خاصة في إقليم دارفور (30) .                                                                             
ومن ثم اصدر مجلس الامن الدولي قراره المرقم (1593) بتاريخ (29/3/2005) وبالاجماع ، وينص هذا القرار على احالة مرتكبي جرائم القتل والنهب والاغتصاب وحرق القرى الى المحكمة الجنائية ، وارسال قوة عسكرية قوامها (10) آلاف جندي الى المنطقة (31) .                                            
يتضح من خلال ما تقدم ان ما يجري في دارفور من صراع قبلي وعرقي وتهجير قسري للسكان وعمليات سلب ونهب  واغتصاب فضلا عن إحراق المزارع والبيوت نتج عنه نزوح مئات الآلاف من السكان  من الإقليم الى الدول المجاورة ، كل ذلك أعطى لإقليم دارفور أبعادا إنسانية جعلها تأتي في مقدمة القضايا الإنسانية التي تناقشها المنظمات والجمعيات الدولية والإقليمية .                       

الخاتمة
توصلت الدراسة الى مجموعة من الاستنتاجات اهمها :
1-  يتمتع إقليم دارفور بمميزات طبيعية منها الموقع الجغرافي المهم والذي يمثل الحد الفاصل بين الارض العربية والدول الافريقية الاخرى مثل تشاد وأفريقيا الوسطى فضلا عن ضم الإقليم لموارد طبيعية ومن اهمها النفط لاسيما في حقول ( المجلد وملوط ويتيلدي ) .
2-  ان هناك أزمة مياه يعاني منها إقليم دارفور اذ توصف هضبة دارفور بانها فقيرة بالموارد المائية السطحية فضلا عن قلة الامطار نتيجة وقوعها ضمن (المناخ الصحراوي) مما خلق حالة صراع بين قبائل دارفور على الاراضي التي فيها اعشاب ومياه تصلح للعيش او لتربية الحيوانات .
3-  يشغل الإقليم عدد كبير من السكان بلغ عام (2002) نحو (6,064) مليون نسمة ، وهم يمثلون (18,5%) من اجمالي عدد السكان في السودان ، وهي نسبة كبيرة تدل على اهمية إقليم دارفور من الناحية البشرية .
4-  تعد العوامل الطبيعية من العوامل الاساسية التي اوجدت ارضية الصراع القبلي في الإقليم ، اذ ادت ظروف الجفاف التي ضربت الإقليم الى هجرة القبائل وبالتالي نشوب الصراع بين الساكنين والمهاجرين .
5-  ان القبائل التي لم تهاجر من مناطقها قد فرض عليها الجوع والقحط ممارسة مهنة طارئة على هذا الإقليم وهي السلب والنهب للقرى و التجمعات القبلية فضلا عن قوافل التجارة والشاحنات المحملة بالمحاصيل الزراعية ، فضلا عن عمليات خطف النساء واغتصابهن .
6-  تعد العوامل البشرية من الأسباب المباشرة في تكريس العنف العرقي والقبلي في دارفور وهي تتمثل بالصراع القبلي الذي ذكرناه انفا وهي بتأثير مباشر من الحكومة من خلال تعاملها مع هذه ألأزمة دعمها لجماعات مسلحة تقوم بعمليات تطهير عرقي في الإقليم .
7-  ان حالة الفراغ الأمني في الإقليم وقصور يد الدولة عن تطبيق القوانين قد سمح بظهور مجاميع مسلحة مثل (حركة العدل والمساواة) و ( حركة تحرير السودان) اخذت بالتفاوض مع الحكومة وتضع الشروط والتعهدات على الحكومة مما عقد عملية إنهاء ألأزمة  .
8-  هناك دور مهم للعوامل الخارجية في تأجيج الصراع في الإقليم من خلال تدخل بعض الدول الإقليمية او الخارجية في المشكلة وتضخيمها إعلاميا او دعم بعض أطراف الصراع على حساب الآخر لتحقيق أهداف استراتيجية تخدم مصالحها .
9-  سعت بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها إلى تدويل أزمة دارفور وإعطائها بعدا عنصريا من خلال تصوير أزمة دارفور على إنها قتل عنصري للسلالة الزنجية السوداء .
10- ان ما يحصل في دارفور صراع قبلي محض تطور في السنوات الأخيرة ليأخذ أبعاد مختلفة منها الصراع العرقي او الديني ، علما ان هذا الصراع قد أوجد أزمة إنسانية تمثلت في قتل وتشريد الاف المواطنين العزل فضلا عن انتشار الأمراض والأوبئة واستشراء الجوع .
11- ان من اهم الحلول التي يجب ان تطرحها حكومة البشير اذا ما أرادت ان تحل أزمة دارفور هو إعطاء الإقليم حكما فيدراليا ونصيبا كبيرا من الثروة الطبيعية فضلا عن فتح المجالات أمام تطوير الإقليم اقتصاديا وتطويره ثقافيا لتخليصه من حالة الجهل القبلي الذي أدى إلى نشوب الصراعات .

قائمة الهوامش والمصادر

1- احمد ادم ، جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزاعات في دارفور : ملف السلام ، مركز دراسات الشرق الأوسط  وأفريقيا ، القاهرة ، 2003 ، ص18 .
2- عمر إبراهيم  سبيل ، مناخ السودان والظواهر الجوية المشكلة له ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الآداب جامعة بغداد ، 1996 ، ص 100 – 102.
3-  جامعة الدول العربية ، المنظمة العربية للتنمية الزراعية ، الكتاب السنوي للاحصات الزراعية ، المجلد (23) ، 2003 ، ص 22 – 23     
4- Medani Mohamed , M. ِAhmad : Development of Agriculture in the Sudan ,  University of Khartom , 1994 , p. 27.                                     
5. رضا عبد الجبار الشمري ، الاهمية الاستراتيجية للنفط العربي دراسة في الجغرافية السياسية ، اطروحة دكتوراه ، كلية الاداب ، جامعة بغداد ، 2003 ، ص39 .
6- محمد ازهر السماك وهاشم خضير الجنابي ، جغرافية الوطن العربي ، مديرية الكتب للطباعة والنشر ، جامعة         الموصل ، 1985 ، ص387 – 388 .
7- محمد رياض وكوثر عبد الرسول ، أفريقيا دراسة لمقومات القارة ، ط2 ، دار النهضة العربية للطباعة ، بيروت       ،1973 ،ص 397 .
8- محمد سلمان حسين ، الامن الغذائي العربي ودور السودان المستقبلي في حل مشكلاته ، رسالة ماجستير، المعهد       العالي للدراسات السياسية والدولية ، الجامعة المستنصرية ، 1999، ص 97.    
9- عمر إبراهيم سبيل ، مصدر سابق ، ص 98 .
10- جامعة الدول العربية  منظمة الدول العربية للتنمية الزراعية ، الكتاب السنوي للاحصات الزراعية ، مجلد (23)     ،  2003 ،ص 22 .
11- محمد جمال عرفة ، دارفور.. ماذا يجري على يسار العالم العربي ، بحث منشور على الانترنيت على الموقع :-
http : / www. Aslam online . com 9/ 5 / 2004 .
12- احمد ادم ، جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزاعات في دارفور ، مصدر سابق  ، ص18.
13-  عثمان إبراهيم عبد الله ،النزاعات في  دارفور والرؤية المستقبلية : ملف السلام ( 2) ، كانون الاول ، 2003 ، ص 4 .
14- محمود خالد الحاج وآخرون ، دارفور الحقيقة الغائبة ، المركز السوداني للخدمات الصحفية ، الخرطوم ،2004 ، ص67 .
15-  حسن عبد الحميد ، مشكلة  دارفور ( شرور النظام العالمي تتوغل شمالا) ، تقرير منشور على الموقع :-
http :/ www. Zamg .org com. 2007         .               
16- خليل إبراهيم ، جريدة الحياة ، 3/6 /2003 .
17- إبراهيم علي إبراهيم ، جدل الهامش والمركز في الصراع على السلطة في السودان ، على الموقع :-                                                                           
http :/www . sudaniet /modules .php . name .com .2005                     
18- اجلال رأفت ، أزمة  دارفور (ابعادها السياسية والثقافية ) المستقبل العربي ، العدد (312) ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2005 ، ص92 .
19-  فاطمة الامين ، دور الالية التقليدية والجهود الرسمية في النزاعات القبلية في دارفور : ملف السلام (2 ) ، كانون الاول  ، 2003 ، ص27 .
20- فاروق جاتكوث ، دور النظم الاهلية في شمال  وجنوب السودان في بناء السلام والوحدة الوطنية ، جريدة الحياة ، 25 / 9 / 2004 .
21- مؤتمر التعايش السلمي في ولاية دارفور ، السودان ، 17-22 كانون الاول ، 1997.
22- محمود خالد الحاج واخرون ، مصدر سابق ، ص77-79.
23-  فاروق احمد آدم ، اسباب ومألات التدخل الدولي في دارفور ، ورقة قدمت الى ندوة مركز دراسات الشرق الأوسط  وأفريقيا ، 2003 ، ص1 .
24-  المصدر نفسه ، ص2 .
25- أزمة دارفور ، العوامل الداخلية والخارجية ، تقرير منشور على الموقع :-
http :/ www. Sudan online . com .2005        .       
26- محمد سعيد محمد ، دارفور بين الحل السوداني والإقليمي والدولي ، جريدة الرأي العام الصادرة في ،13 /10/2004.
27- اجلال رأفت ، أزمة  دارفور ، مصدر سابق ، ص 93.
28- مقررات القمة العربية في عام (2004 ) تقرير منشور على الموقع :-
http :/ www. Al jazeera . net . com .2004.                
29- طارق الشيخ ،المنظمات الأهلية ومعركة إعادة بناء دارفور ، تقارير المراسلين ، جريدة الأهرام ، العدد43493 ، 2006، ص1     
30- هاني ارسلان ، أزمة دارفور بين الأبعاد الداخلية والتصعيد الدولي ، جامعة القاهرة ، مركز البحوث والدراسات السياسية ، 2004 ،ص91 .  
31- قرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم (1593) الخاص بدارفور تقرير منشور على الموقع :-
http :/ www. Sudan online . com .2005 .


Abstract
       Darfur Problem Causes and Result
-A study In Political Geography-
Darfur problem is regarded one of the geo-political complex problems , because of interlocking the factores that participate in the preparation to its growing durring interaction the regional and international sides that take part in this crises till it has became ( Sudanian regional and national ) dimension . So this problem isn’t represent as a Sudanian problem but it became a national matter which is adopted by many national Organizations . like National Security Council , UN , Organization for African Unity and Arab countries because it got a dangerous political and human dimension when UN counts the persons who influenced by this problem since ( 2003 to 2007 ) about ( 3 , 4 ) million persons and a counts the number of homeless and refugee inhabitance in the same period about ( 2 ) million persons . This great number is resulted from the killing and forced displacements . The robbery , extortion , burning the houses and farms all these committed against the inhabitants , So Darfur is represented as ( a stricken region ) regionally and naturally .
Darfur is represented one of the greatest areas in Sudan its surface is about ( 510 ) thousand kilometer squared this surface presents ( 20,3% ) from sudan area which is it about ( 2505813 ) kilometer squared . Darfur consist of ( 7187 ) million persons in ( 2007 ) . Darfur suffers from the ancient tribal conflict , but it is raised resently (2003-2007 ) to take the form of antecedent and tribal conflict , this struggle not to be anew and sudan rather it is found for along time in this region between the tribes because of the dryness and lucking of water and rains . This conflict began mainly after the immigration of many groups who are influnced by the dryness into another originally were possessed by settled tribes .
From this point of conflict began between the settled and emigrants tribes . Then many internal sides participated like the central government which treated with this problem strongly and hardly the government regarded this problem as a state of muting and revolt which must get ride of it or exterminate it , the government support some armed groups those are  ( JanJawid ) .External actors are represented by the logistic support which is given by some nieghbouring countries to sudan , especially those that have ethnography extension  with the inhabitants in those lands . we don’t forget the negative role which played the western forced and countries increasing the state of religion and tribal role which negotiated the problem to achieve its strategically  . The research consist of the folloing problems : was the Darfur crises aresult of a mere internal interactions with government in Sudan ? Were ther any external factors lead to increase the state of hostility between tribes ?
The research supposes : that the geographical factors played a votal role in raising the interior conflict in Darfur . They are the natural factors which a represented by the tribal conflicts in addition to the supporting of government to some armed groups  JanJawid .

External factors either they were regional or national which inflamed the extremism in this region . The research reached that the natural and human factors are the main reasons which make the suitable atmosphere fot this tribal conflict in the region , in addition the state of lacking the security and the weakness of government in applying the rules . this made the armed groups increase the state of conflict The regional and external factors has avital role in inflamed the anthological hostive between the human contents of Darfur through enlarge the information and support some sides only . Research reached the important solve that must be given by over . AlBashir's governments to make Darfur as ( a federal region ) and give it a share in natural wealth in addition to open the spaces in front of the development the regions economically and educationally in order to get ride of the tribal ignorance which is behind thesis crisis.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا