ليبيا من منظور إستراتيجي 2015 م
(يؤكد تاريخ العلم أنه لا يوجد شيء لا يقبل أن يكون موضوع معرفة، كما أن الحقيقة نسبية)
الإستراتيجية هي مصطلح يوناني Strategie وهو يعني فن الأشياء أو الخطط العامة، إن الإستراتيجية في معناها الجغرافي السياسي هي النمط الإقليمي للصراع بين القوى العالمية، وهي بهذا المعنى تتداخل مع الجيوبوليتيك مما يقود إلى دراسة مفهوم الأمن القومي، من حيث أنه مجموعة التدابير والإجراءات الخاصة بحماية المجال الإقليمي للدولة أو مجموعة دول، والمجال الإقليمي هنا قد يشمل بالإضافة إلى الأرض واعتباراتها الجيوبوليتيكية، الثروات الاقتصادية والقوى الاجتماعية السياسية داخل الدولة.
إن الوضع الاستراتيجي للدولة الليبية من واقع ما ذكر أعلاه والذي يتمحور في جوهره على الأمن القومي للدولة وهو لن يتحقق إلا بفرض حماية المجال الإقليمي للدولة وكذلك حماية المكون الاجتماعي والاقتصادي لها، وهو بلا ريب في الوقت الراهن "خارج إطار السيطرة"، و لفرض الحماية وبسط هيبة الدولة على الأرض لابد من أن تتوافر القوانين، ولفرض القوانين والالتزام بها منعاً لانتشار واستشراء الفوضى، لابد من توافر قوة تابعة للدولة، لان الحق بدون قوة هو باطل، لان السيف الذي يكون مشرعاً إلى جانبه موضوع في غمده، ولإيجاد تلك القوة لابد من وجود سلطة تنفيذية تستطيع أن تبسط نفوذها وسيطرتها على كامل تراب الدولة، لا سلطة برأسين، كلاً يدعي بسيطرته على كامل الأرض في الدولة والواقع يشي بأنه لا يسيطر حتى على النزر اليسير من الأراضي التي حول المدينة التي بها إداراته.
سوف نتناول بالدراسة والتحليل الوضع الاستراتيجي للدولة الليبية من خلال تسليط الضوء على آليات ضبط الاستقرار السياسي للدولة، ثم التعرف على ملامح التحليل الاستراتيجي للدولة الليبية، ومن ثم محاولة انتخاب أفضل البدائل المحتملة لوضع الدولة الليبية على طريق الاستقرار.
• ضبط الاستقرار السياسي وآلياته:
في الواقع أن ضرورة تفعيل ممارسات ضبط الاستقرار السياسي مطلوب ليس بالدولة الليبية فحسب، وإنما أيضاً في العديد من دول الربيع العربي وبعض الدول الإفريقية وبالضرورة أن يصاحب ذلك كثير من أوجه القصور والتجاوزات السياسية والاقتصادية وغيرها، والتي تؤثر سلباً على تجربة إنجاح بناء مستقبل الدول وتحقيق أهدافها . ولقد تسببت فترة الفراغ السياسي وعدم الاستقرار في ليبيا ما بعد 2011، إلى تجاوزات عدة تؤثر على تنفيذ اشتراطات التحول السياسي والاقتصادي في إطار التشريعات والقوانين واللوائح الدولية، وعلى الأبعاد المتنوعة للاستقرار السياسي من جهة أخرى، وهنا نحلل تلك الممارسات في إطاريها خارج وداخل منظومة الاستقرار السياسي للدولة.
ممارسات ضبط الاستقرار السياسي الليبي في إطار المحيط الدولي
• التحليل الاستراتيجي للوضع الليبي الراهن:
التحليل الاستراتيجي أو الرباعي هو أداة تستعمل في التخطيط الاستراتيجي لتقييم نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والتهديدات، وتعتبر نقاط القوة والضعف من الخصائص الداخلية للموضوع، بينما الفرص المتاحة والتهديدات فهي تترتب على الظروف الخارجية له، إذاً منهج التحليل الرباعي يرتكز على معطيات القوة والضعف والخيارات أو الإمكانيات والتهديدات، حيث عنصر القوة Strengths ويعبر عن عناصر القوة في الدولة "في حالتنا هذه" والتي تميزها عن غيرها من الدول الأخرى، وعنصر الضعف Weaknesses، ويعبر عن نقاط الضعف في الدولة، ثم يأتي عنصر الفرص أو الخيارات Opportunities، وأخيراً يأتي عنصر التهديدات Threats وهي الاضطرابات أو العقبات التي قد تصادف الدولة، ويتم استخدام التحليل الرباعي في تقييم العوامل الداخلية والأوضاع الخارجية التي تواجهها الدول وهو يساعد على اتخاذ القرارات على أساس منطقي دون الاعتماد على مجرد الحدس، ولنجاح التحليل يشترط، الواقعية في تحليل الوضع الراهن للتنبؤ بالوضع المستقبلي، والواقعية في تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف، وبساطة التحليل والبعد عن التعقيد، وبمحاولة تطبيقه على واقع وتوجهات مستقبل الوضع السياسي والاقتصادي للدولة الليبية، أمكن تحديد عوامل التكيف والتأثير الداخلية والخارجية لمعطيات الواقع مع توقعات المستقبل، كما يظهر فيما يلي:
التحليل الاستراتيجي للوضع الليبي 2015
• بدائل الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة الليبية:
إن أحدث الأساليب العالمية والمستندة إلى مفهوم الوفاق والوئام المجتمعي التي تتناول الاستقرار العام للدول تركز على دراسة البدائل المطروحة قياساً إلى مدى تحقيقها لأهداف المجتمع المحلي والمجتمع الدولي. وهو ما سنعتمده بهذه الدراسة، وسيكون التحليل باستخدام مصفوفة تحقيق الأهداف Goal Achievement Matrix وهي إحدى التقنيات الفنية لعملية التخطيط، وتعطي تصوراً عن إمكانية تحقيق الأهداف الرئيسة - عبر مجموعة من الأهداف الثانوية لكل هدف رئيس - لاستيعاب عملية الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة بصورة متوازنة وتحافظ على استمرارية وحدتها وفاعليتها في محيطها، مع ضرورة الانتباه والتذكير بتحفظات عدة على هذا الأسلوب وسلبياته باحتمال تعرض الأوزان المعتمدة لكل هدف في هذه الحالة إلى اعتبارات ذاتية.
لقد صنف الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الليبي الراهن 2015، بأنه وضع غير مستقر بل صنف من قبل البعض بأنه كارثي، ووصف بالوضع المقلق ليس على مواطني الدولة الليبية فحسب بل على دول الجوار والمجتمع الدولي برمته، ونستعرض في أدناه البدائل المحتملة والتي قد تفضي إلى وضع الدولة في حالة استقرار:
- البديل الأول/ التوصل إلى أتفاق بين الكيانات والأشخاص المتصدرة للمشهد السياسي بالدولة في المنظور القريب.
- البديل الثاني/ التمترس خلف السلاح ومحاولة بسط السيطرة من أحد الأطراف في الساحة السياسية.
- البديل الثالث/ تدخل أطراف دولية وإقليمية في الشأن الليبي وفض النزاع.
- البديل الرابع/ الاستمرار على نسق الوضع الراهن والتعويل على عامل الزمن لحل المشكل السياسي للدولة والذي قد يفضي إلى تقسيم الدولة.
- البديل الخامس/ بروز تكتل أو ائتلاف سياسي أو اجتماعي جديد داخل الدولة الليبية ومحاولة إزاحة كل الأطراف المتنازعة.
مصفوفة تحقيق الأهداف (GAM) لبدائل الوضع الليبي
مما سبق يتضح بأن تبني البديل الأول والمتمثل في ضرورة سرعة التوصل من قبل النخب والجماعات المتصدرة للمشهد السياسي الليبي الحالي هو البديل الذي يتماشى مع مطالب المجتمع الدولي ورغبات وآمال مواطني الدولة الليبية وهو الضامن لاستقرار الوطن والخروج به من الوضع الحالي بأقل الخسائر، وهو حل ممكن تحقيقه، شريطة أن يتنازل كل طرف من المتنازعين عن بعض ما يتمسك به، من أجل الوطن، على أن يدرك الجميع بأن الحصول على 100% من المطالب والمكاسب في الحوار هو من رابع المستحيلات، وإن الوضع الاستراتيجي للدولة الليبية في هذه المرحلة يحق لنا أن نطلق عليه أو نصنفه "وضع النقطة الحرجة"، لأنه وضع مفتوح على كل الاحتمالات، حفظ الله ليبيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر:
• إبراهيم محمد الهنقاري، حديث صريح عن "الحل السياسي" للازمة الليبية، موقع ليبيا المستقبل الاليكتروني، 11-4-2015.
• الجغرافية السياسية، أبوالعلاء عبدالمنعم الزوي، إدارة الكتاب والنشر، طرابلس، 2008.
• المدخل في علم السياسة، موريس دوفرجيه، دار النور، بيروت، 1991 .
• العلاقات الدولية، تريفور تيلر، وزارة الثقافة، دمشق، 1989.
• Budget Division – State of Washington USA (2012) Strategic Plan Guidelines.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق