التسميات

الأحد، 23 أكتوبر 2016

المجال البيئي بالجماعة الحضرية خريبكة : وضعية المناطق الخضراء - سعيدة الزيناتي ...


المجال البيئي بالجماعة الحضرية خريبكة

وضعية المناطق الخضراء


سعيدة الزيناتي

طالبة باحثة بمختبر دينامية المخاطر والتراث

كلية الآداب والعلوم الإنسانية - بني ملال

جامعة السلطان مولاي سليمان

مقدمة :

  تعتبر قضية البيئة من القضايا العالمية التي باتت تشغل دول العالم في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد الثورة الصناعية التي انعكست سلبا على البيئة الطبيعة والكائنات الحية جراء التلوث الصناعي، هذا الأخير ساهم في ارتفاع نسبة الغازات الدفيئة في الجو وخاصة ثاني أكسيد الكربون، الشيء الذي أدى إلى حدوث تغيرات على مستوى المناخ في العالم. لذلك بادرت دول العالم بعقد المؤتمرات التي تناقش موضوع المحافظة على البيئة وذلك لأجل الحد من انبعاث الغازات الملوثة للجو. المغرب بدوره انخرط في البرامج البيئية التي سطرت من طرف المنظمات الدولية. من خلال الجهود المبذولة في حل الإشكاليات المرتبطة بالبيئة، يتبين لنا مركزية قضية البيئة على جميع المستويات سواء العالمي، العربي أو الوطني، فسلامة البيئة مرتبطة ارتباطا جدليا بسلامة الحياة البشرية وخاصة بالمجالات الحضرية التي تعرف تكتلات هامة للسكان، وباعتبارها مجالاً يعتبر النقطة الأضعف في قضية المحافظة على البيئة وخاصة فيما يتعلق بارتفاع نسبة التلوث من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من المصانع والعربات، والتلوث الحاصل من النفايات المنزلية، وتراجع المساحات الخضراء بسبب التوسع الحضري، مشاكل بيئية تعاني منها البيئة الحضرية بشكل عام. لذلك بات من الضروري إعادة النظر في البرامج و المخططات والتصاميم الحضرية التي يجب أن تراعي البعد البيئي كاستعمال النقل الجماعي لتقليل نسبة استعمال العربات الخاصة، والطاقة الكهربائية لتقليل انبعاث الغازات الملوثة. إن مدن العالم دخلت فيما يسمى بالتنافس حول صورة هذه المدينة وحول مدى مراعاتها للبيئة في مخططاتها. حضور المساحات الخضراء ضمن مخططات المدن تتجلى أهميتها في كونها تعد من المعايير الدولية للمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة، فقد وضعت الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي، وبعض من المؤسسات البلدية معايير كمية تحدد الحد الأدنى من المناطق الخضراء المطلوب توفيرها بين 12 و16م² للفرد 1 . والمغرب وضع 15م² الفرد من المساحات الخضراء في نسيج حضري ذو كثافة متوسطة، في إطار الدليل الذي أعدته وزارة الإسكان والتعمير 2 والتنمية المجالية سنة 2008، وهو ما يعرف "بدليل إعداد المخططات الحضرية الخضراء بالمغرب". لكن الواقع المغربي نجده لا يعكس تلك الصورة الإيجابية التي رسمتها المخططات الدولية و الوطنية، ولا يراعي تلك المعايير في التهيئة الحضرية، بل نجد المدن المغربية بعيدة كل البعد عن تفعيل تلك المخططات، فعلى سبيل المثال نجد مدينة الدار البيضاء يبلغ نصيب الفرد فيها من المساحات الخضراء 0.35 م² بعيدا بذلك عن معيار 10 م² لكل ساكن الذي تحدده المفتشية الجهوية للتهيئة العمرانية والبيئة والماء بالدار البيضاء كنسبة طبيعية في تجمع سكاني من حجم العاصمة الاقتصادية3 والحالة هذه تعيشها باقي المدن المغربية فالتوسع العمراني الذي عرفته المدن المغربية نتيجة للنمو الديمغرافي المتزايد، كان على حساب تراجع المساحات الخضراء والغطاء الغابوي، بل ولم يواكبه تخطيط مساحات خضراء بديلة تساهم في الحفاظ على البيئة و تلبي حاجيات الساكنة. مدينة خريبكة ليست ببعيدة عن هذا الواقع فهي تعاني إشكالية ضعف تواجد المساحات الخضراء كباقي المدن المغربية، إلا أن هذه الإشكالية تطرح بحدة في هذه المدينة نظرا لتضافر مجموعة من العوامل والأسباب.

إشكالية الدراسة :

  رغم أن نصيب الفرد من المساحات الخضراء يبلغ 4.71 م² بمدينة خريبكة4، وهو رقم لابأس به مقارنة مع مدينة الدار البيضاء، إلا أن المدينة تعرف ضعف تواجد المساحات الخضراء، الشيء الذي يثير استياء الساكنة التي تعاني باستمرار من ضعف تواجد هذه المناطق التي تعتبر فضاءات للراحة والاستجمام وأماكن للترفيه بالنسبة للأطفال والكبار،فلا يعقل لمدينة تبلغ ساكنتها 196196 ألف نسمة حسب الإحصاء العام للسكن والسكنى لسنة 2014 م 5 ، أن لا تجد فضاءات كافية ومناسبة تلبي حاجاتها من الراحة والترفيه، لا سيما و أن المدينة باتت تعرف نوعا مهما من الاستقطاب، خاصة في صفوف الطلبة وذلك بسبب تواجد الكلية المتعددة التخصصات والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، ناهيك عن المعاهد الخاصة بعلوم التكنولوجيا التطبيقية والتجارة والتسيير، هذه النوعية من الفئة الشابة التي تحتاج أكثر إلى المناطق الخضراء، ونظرا لكون المدينة عاصمة للإقليم فهي تحتضن مجموعة من المرافق الإدارية التي تجعلها تستقبل وافدين باستمرار سواء المقيمين الدائمين أو العابرين، فهي تعيش في دينامية بشكل مستمر، الشيء الذي ساهم في توسع قاعدتها السكانية. ألا يمكن أن يكون هذا التزايد السكاني المستمر بالمدينة، ووجود قاعدة شابة عريضة وساكنة فتية عاملاً قويا بوجود مزيدا من المناطق الخضراء لتلبية الحاجيات الاجتماعية والصحية والترفيهية لهذه الساكنة؟

  نظرا إلى كون مدينة خريبكة عاصمة للإقليم فإنها تتوفر على مجموعة من المندوبيات الإقليمية التي تعد عاملاً أساسياً في أهمية المدينة وإشعاعها كقطب حضري، كما يتواجد بالمدينة المجمع الشريف للفوسفاط الذي تعتبر القطب الاقتصادي الرئيس في المغرب، إضافة إلى أن المدينة تتوفر على شريحة مهمة من الفاعلين السياسيين والجمعويين، ألا يكون من الأولى أن تساهم هذه العوامل في إعداد تهيئة حضرية شاملة ومتوازنة تراعي المتغيرات وتحافظ على المكتسبات وترقى بالمدينة وصورتها لتواكب قيمتها الإدارية وإشعاعها الوطني؟

  ومن الناحية البيئية فإن المدينة تعرف باستمرار انبعاث الغبار من الأنشطة المنجمية التي تعرفها المدينة بحكم وظيفتها كمدينة منجمية، إضافة إلى احتضان المدينة لمنطقة صناعية، وفضلاً عن كون التزايد السكاني الذي عرفته المدينة ساهم في ارتفاع عدد مستعملي العربات الخاصة، سيما مع وجود التسهيلات في اقتناء السيارات بأقساط مريحة. عوامل كلها ساهمت في زيادة كمية انبعاث الغازات الملوثة. ألا يمكن أن تكون هذه العوامل ضرورة ملحة لوجود مزيد من المساحات الخضراء لتساهم في الحفاظ على البيئة من خلال وظيففتها في امتصاص الغبار والغازات الملوثة للجو، علما أن غاز ثاني أكسيد الكربون ارتفع إلى 397.9 جزيئة بالمليون سنة 2014م 6؟ 

خلاصة هذه المنجزات التي قام بها المجمع الشريف للفوسفاط، على ضخامتها وضخامة تكلفتها المالية، ورغم جودتها في الأداء، إلا أنها تبقى لا ترقى للمستوى المطلوب، وذلك لكونها جاءت متأخرة من حيث الزمن، لأن ساكنة مدينة خريبكة كانت تنتظر الأكثر من المجمع الشريف الذي يعتبر الدعامة الأولى للاقتصاد الوطني، فهي لا تزال تعاني البطالة والفقر والتهميش، والأمراض الناتجة عن الأنشطة الاستخراجية لمناجم الفوسفاط. كما أن المشاريع الاجتماعية ك Ocp Skills جاءت في سياق أحداث عرفتها المدينة وما يعرف بالثلاثاء الأسود في مارس 2011 في إطار ما يسمى بالربيع العربي، حيث انتفضت ساكنة حي البيوت التي عانت من التهميش من طرف المجمع، وذلك بالمطالبة بحقوق المتقاعدين وأبنائهم. ورغم المجهودات التي يقوم بها المجمع الشريف للفوسفاط من تمويل مشاريع كبرى بالمدينة ومن بينها المشاريع البيئية، إلا أنه لن يستطيع أن يعوض ساكنة مدينة خريبكة عن التلوث الناجم عن غبار الفوسفاط الذي يؤثر بشكل مباشر على صحتها، وصحة أجيالها المقبلة.

الاستنتاجات:

من خلال دراسة موضوع المساحات الخضراء المتواجدة بمدينة خريبكة، وبعد تحليل المعطيات التي تم التوفر عليها سواء من خلال الجهات الرسمية أو من الميدان فإنه تم استخلاص مايلي:

1. أن مدينة خريبكة مدينة منجمية تتوفر على مؤهلات طبيعية وبشرية مهمة كتوفرها على الثروة الفوسفاطية، وكونها عاصمة لإقليم خريبكة، إضافة إلى عدد الساكنة الذي عرف تزايدا مهما خلال العشر سنوات الأخيرة.

 2. أن مدينة خريبكة تعاني من إشكالية ضعف تواجد المساحات الخضراء تجلى ذلك في آراء ساكنتها التي عبرت عن امتعاضها بافتقادها لمتنفسات طبيعية ومنتزهات ترتاح فيها من أعباء الحياة العامة. 

3. أن مدينة خريبكة تتوفر على 120 مجال أخضر، ويبلغ نصيب الفرد منها 4.71م² وهو مالا ينطبق مع المعايير الدولية والوطنية التي حددته في 10 أمتار² للفرد.

4. أن المساحات الخضراء المتواجدة بمدينة خريبكة في أغلبها مرتبطة بالطرق كأشجار التصفيف، او مرتبطة بالإدارات كالحدائق المرافقة وما عدا ذلك ما هو إلا حدائق صغيرة في معظمها غير مجهزة وتفتقد للشروط المطلوبة في الحدائق، بل بالأحرى لا تتوفر فيها حتى الشروط المطلوبة في حدائق الأحياء.

5. ساهم في هذه الإشكالية عوامل طبيعية كعمق الفرشة المائية نظرا لتواجدها على سطح هضبي ولكون بنيتها الصخارية المكونة من صخور الكلس صلبة وعالية النفاذية، إضافة إلى شح مواردها المائية وتواجدها بمنطقة لا توجد بها مجاري مائية دائمة، ناهيك عن قلة التساقطات وقساوة المناخ صيفا وشتاء.

6. أنه يتم رعاية المساحات الخضراء باعتماد شبكة الري المخصصة للمدينة مم يساهم في ارتفاع التكلفة وإرهاق ميزانية الجماعة.

7. ضعف الإمكانيات المادية والبشرية المخصصة للمساحات الخضراء.

8. أن الفاعلين المحليين المسؤولين عن تسيير دواليب المدينة لم يساهمو بفعالية لحل المشاكل المرتبطة بالمساحات الخضراء رغم بعض المحاولات في الآونة الأخيرة إلا أنها لم ترق لتطلعات الساكنة.

9. ضعف فاعلية المجتمع المدني وضعف تمثيلية الجمعيات البيئية في المدينة.

10. أن المجمع الشريف للفسفاط تغيب لسنوات طوال على القيام بدوره البيئي والتنموي في المدينة ليقوم بمحاولات لم يتم الإفراج عنها ولم تستفد منها الساكنة بعد كإحداث حديقة بني عمير والمنجم الأخضر.

11. أنه لم يتم مراعاة الجانب البيئي في عملية التخطيط في حين تم التركيز فقط على ماهو عمراني حول المدينة لساحات إسمنتية أفقدتها بعدها الجمالي.

التوصيات:

  بعد البحث والدراسة بشأن المناطق الخضراء بالجماعة الحضرية خريبكة، تمت صياغة مجموعة من التوصيات:

1. مراعاة البعد البيئي في عملية التخطيط بالجماعة الحضرية لخريبكة.

2. العمل على تجاوز المعوقات والإكراهات الطبيعية التي تساهم في ضعف تواجد المساحات الخضراء بالمدينة خاصة ما يتعلق بشح الموارد المائية ، كاعتماد طريقة الري الموضعي باعتماد تقنية السقي بالتنقيط من أجل توفير الموارد المائية و تخفيض التكلفة المالية.

3. توفير مجالات خضراء بالأحياء السبعة عشر التي تفتقد إليها كحي السعادة والتقدم والمسيرة والنهضة والفتح...

4. إشراك المجتمع المدني في عملية التخطيط خاصة الجمعيات المهتمة بالبيئة، وتحفيزها من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي.

5. تنظيم حملات تحسيسية بأهمية البيئة وخاصة المجالات الخضراء؛ كمثال الحملات الخاصة بحوادث السير.

6. مناقشة إمكنية إصدار قوانين زجرية تعاقب كل من يساهم في إتلاف المساحات الخضراء المتواجدة بالمدينة على غرار المدن الأوروبية.

الهوامش :

1 - جهاد عبد الله حسن ميمة،" أسس تخطيط وتصميم المساحات الخضراء في المدن حالة دراسية مدينة غزة" بحث لنيل شهادة الباكالوريوس تخصص جغرافيا من جامعة الأزهر 2012 ص 28 .

2 - وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، مديرية التعمير، "دليل إعداد المخططات الحضرية الخضراء بالمغرب " 2008 ص 13.

3- الجريدة الإلكترونية مغرس :


4- plan urbain vert de khouribga phase 2 : rapport diagnostic et analyse, AGENCE URBAINE DE SETTAT Mai 2015.

 5 - تقرير المندوبية السامية للتخطيط حول اإلحصاء العام للسكن والسكنى لسنة 2014 .

6 - مجلة المدينة عدد 170 مارس 2016 ص: 8.

النص الكامل للبحث

حمله من هنا  أو حمله من هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا