جامعة الدول العربية
المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
معهد البحوث والدراسات العربية
قسم البحوث والدراسات الجغرافية
الواقع وحاجات المستقبل
( دراسة في الجغرافيا التطبيقية )
رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير
من قسم البحوث والدراسات الجغرافية
إعداد
يوسف عبدالله هلال الحوسني
إشراف
الأستاذ الدكتور: عمر محمد الصادق سعود
أستاذ الجغرافيا الاقتصادية
رئيس قسم الجغرافيا
كلية الدراسات الإنسانية – جامعة الأزهر
ومعهد البحوث والدراسات العربية
القاهرة
2007
المقدمة
التخطيط الإقليمي من العلوم التي نالت اهتماماً كبيراً في الفترة الأخيرة من قبل الهيئات والمؤسسات الوطنية والعلمية ، ولم يعد التخطيط الإقليمي حكرا على المهندسين والاقتصاديين فقط ، فقد أثبت الجغرافيون جدارتهم في هذا المجال بهدف التقليل من العوامل السلبية للتخطيط ، انطلاقاً من الإمكانيات الطبيعية والبشرية في الإقليم ، لتحقيق أفضل استغلال للموارد الطبيعية والبشرية فيه. وأصبح لا يكاد يخلو فريق تخطيط من جغرافي.
وأصبح التخطيط سمة من سمات العصر الحديث ، على أساس أنه الأسلوب العلمي الأمثل الذي تستخدمه الدول المختلفة لضمان تحقيق أهدافها العمرانية والاجتماعية والاقتصادية .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : كيف نخطط ؟ والتخطيط في واقع أمره ليس إلا أسلوبا يختلف باختلاف النظام الاقتصادي والاجتماعي ، كما يختلف الهدف من التخطيط ، ورغم اختلاف موضوع التخطيط من مجتمع إلى آخر ، فإنه ضروري لتحقيق الأهداف المرسومة ، وعليه يقع العبء الأكبر في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع .
ونجد أن العديد من الدول - التي خرجت منهكة من آثار الحرب العالمية الثانية - اعتمدت أسلوب التخطيط في محاولة للنهوض باقتصادياتها من جديد وتحقيق معدلات تنميه أسرع ، ثم تبعتها معظم الدول التي حصلت على استقلالها السياسي.
والواقع أنه على الرغم من الإمكانيات الهائلة من الموارد الطبيعية والبشرية التي يمكن استغلالها وتحويلها إلى موارد اقتصادية في السلطنة عامة وفي منطقة الباطنة خاصة ، ورغم الجهود المبذولة في هذا الجانب إلا أن هناك فجوة تنموية واسعة ولا نستطيع التغلب عليها إلا باتباع خطط خاصة تعالج هذه المشاكل وتهدف إلى حلها وتذليل الصعوبات التي تواجهها ، ولعل من أهم المشاكل التي تعانيها المنطقة مشكلة المياه وسوء توزيع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية في الإقليم ، وهذا بدوره يؤدي إلى التفاوت التنموي وظهور ظاهرة التركز التنموي المعروفة في أدبيات التنمية بظاهرة الاستقطاب.
ولعب إقليم الباطنة دوراً أساسياً في تركز السكان في السلطنة وظل الإقليم يتمتع بكثافة سكانية عالية تميزه على غيرها من الأقاليم ، وكان لهذا الثقل السكاني أثره البالغ في تشكيل الحياة الاجتماعية للبلاد مما أدى إلى ارتفاع نسبة التحضر ومستوى الدخل في المنطقة من سنة إلى أخرى ، ومن ثم دور ذلك في تحول المجتمعات في منطقة الباطنة من مجتمعات منتجة إلى مجتمعات مستهلكة ، زيادة تدفق تيارات الهجرة من الريف إلى الحضر والناجمة عن قلة العمل بالريف ، وسوء التخطيط التنموي في هذه المناطق.
وفرضت إستراتيجية المكان وخصوصيته في إقليم الباطنة الوفرة النسبية في الموارد ومن أهمها المياه والأراضي الصالحة للزراعة ، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الاعتدال النسبي في المناخ في فصل الشتاء فإن إقليم الباطنة يصبح صالحاً ومهيئاً لازدهار الزراعة ، ولكن مشكلة الزحف العمراني على الأراضي الزراعية ، واستنزاف المياه الصالحة وزيادة النمو السكاني السريع مما أدى بدوره إلى تصحر سهل الباطنة.
وهكذا أصبح التخطيط الإقليمي في منطقة الباطنة حاجة ملحة لاستغلال كافة موارده الطبيعية والبشرية ، والارتفاع بمستوى معيشة السكان ويجب أن يكون التخطيط الإقليمي مرتبطاً ارتباطاً قوياً بالتخطيط المركزي حتى يسير التطور الاقتصادي والاجتماعي في طريقة المحدد ، وحتى تتركز المشروعات الاقتصادية والاجتماعية في أنسب المناطق لها لتزيد المنفعة منها.
منطقة الدراسة :
تقع منطقة الدراسة – إقليم الباطنة – في الجزء الشمالي الشرقي من سلطنة عمان كما توضحها (الخريطة رقم 1) ويحدها من الشمال خليج عمان ، ومن الجنوب منطقة الظاهرة والداخلية ، ومن الجنوب الشرقي محافظة مسقط .
وينحصر إقليم الدراسة - الباطنة - فلكياً بين دائرتي عرض ( 15 َ 23° ) و( 59 َ 24° ) شمالاً ، وبين خطي طول ( 23 َ 56° ) و (58 َ 57° ) شرقاً ،ويمتد على مسافة 270كم من الجنوب الغربي إلى الشمال الغربي ، وتبلغ مساحة الإقليم حوالي 12500كم ² ،بما يساوي 4% من مساحة السلطنة(1).
وإقليم الباطنة (2)، أحد الأقاليم الإدارية الثمانية التي تنقسم إليها السلطنة ، ومنطقة الباطنة التي تعرف باسم ( ساحل الباطنة ) تمتد كشريط ساحلي بين البحر والجبل على هيئة قوس من الشمال الغربي حتى دولة الإمارات العربية المتحدة ، والى الجنوب الشرقي حتى محافظة مسقط .(3)
وتقسّم منطقة الباطنة إدارياً إلى قسمين ويضم كل قسم ست ولايات :
والقسم الأول يطلـق عليه ( شمال الباطنة ) ويضم كل من : صحار، شناص، لوى ، صحم ، الخابورة ، السويق ، وتعتبر مدينة صحار هي المركز الإقليمي في شمال الباطنة .
القسم الثاني يطلق عليه (جنوب الباطنة ) ويضم كل من : الرستاق ، ونخل ، ووادي المعاول ، والعوابي ، والمصنعة ، وبركاء ،وتمثل مدينة الرستاق المركز الإقليمي لجنوب الباطنة. ( )
يعتبر إقليم الباطنة من أهم مناطق السلطنة جغرافياً واقتصادياً ، فإلى جانب أنه يضم أكبر عدد من الولايات ،كما أنه يمثل الجسر الحيوي البري بين السلطنة والبلدان العربية الخليجية المجاورة ، حيث يمر بها الطريق الدولي المزدوج ، فإنه يمتلك موقعا جغـرافيا بالـغ الحيـوية ، وكانت دوما نافذة بحرية عمانية ربطت عمـان بالدول الأخرى عبر النشاط البحري والتجاري العماني في الخليج والمحيط الهندي ، كما تتميز منطـقة الباطنة بإمكـانات اقتصادية تتمثل فـي أنها تضم أكبر سهول السلطنة الزراعية ( سهل الباطنة ) وتتنوع بها الخامات المعدنية التي تم البدء باستغلالها لإقامة عدة صناعات ثقيلة حيوية. ( )
وتتصف جيولوجية منطقة الـدراسة بالتمايز الجيولوجي ، والمتمثلة فـي جبـال الحجـر والتي تعـد المظـهر الرئيسي فـي الإقليم ، وتعتبر جبال الحجر الغربي المصـدر الرئيسي للتكوينات الارسابية فـي سهل الباطنة ، ونتيجة لشدة انحدارها هبطت العديد من الأودية منها مكونة مجموعة من المراوح الفيضية التي كونت السهل الساحلي في الإقليم الذي يحتوي على الخزانات المائية المهمة التي كان لها الأثر في التوسع الزراعي .
يتأثر مناخ منطقة الدراسة بعنصرين :
أولاً : وقوعه إلى الشمال من دائرة مدار السرطان أتاح له فرصة الاعتدال في فصل الشتاء ، وتشير درجات الحرارة العظمى والصغرى إلى أن أشهر مايو ويونيو ويوليو وأغسطس هي أشد شهور السنة حرارة وأن أشهر يناير وديسمبر وفبراير هي الأقل حرارة .
ثانياً: قربها من خليج عمان أتاح له فرصة الاستفادة من المؤثرات البحرية وتذبذبات كمية الأمطار من سنة لأخرى،حيث يصل متوسط المطر السنوي في الإقليم إلى 102.6ملم سنوياً ، وهذا يعود إلى وقوع المنطقة داخل النطاق الصحراوي ، كما بلغ متوسط درجات الرطوبة النسبية العظمى في الإقليم 89.4% سنويا (1).
وساعدت الطبيعة الجيولوجية لمنطقة الدراسة على وجود مصدرين للمياه في الإقليم ، هما :
المصدر الأول : المياه الجوفية قريبة العمق وتعتبر أهم مصدر للمياه في الإقليم حيث يعتمد عليها سكان الإقليم اعتماداً كلياً في الأغلب الأعم في احتياجاتهم .
المصدر الثاني : المياه السطحية المحدودة والمبعثرة في مجاري الأودية و لها أثر كبير في التجمعات الريفية في المناطق الجبلية ، ولكن في الوقت الحالي تراجعت أهمية هذا المصدر .
وبلغ عدد سكان إقليم الباطنة حسب تعداد 2003م حوالي 653505نسمة بنسبة 28% من إجمالي سكان السلطنة ، ولهذا يعتبر من أهم أقاليم السلطنة من حيث عدد السكان ، ويعيشون في مجموعة من التجمعات السكانية والبالغ عددها ( 1038 ) تجمعاً حضرياً وريفياً ويتوزعون على مساحة الإقليم البالغة 12500كم² .(2)
ويتمتع إقليم الباطنة بأهمية زراعية جعلته فـي مرتبة متقدمـة من حيث المساحات الزراعية في السلطنة ، وتقدر إنتاجية التمور فيه ( 106 ألف طن ) عام 2004، أي بنسبة 45.8% من إجمالي الإنتاج في السلطنة (1) ، وتوجد فيه أهم مشروعات الثروة الداجنة ، وتمتد فيه مساحات واسعة من الحيازات الزراعية البالغ عددها (38757 حيازة ) (2).
أسباب اختيار الموضوع :
جاء اختيار الطالب لموضوع دراسته نابعاً من اقتناعه بأن موضوع التخطيط الإقليمي في إقليم الباطنة يمكن أن يسهم في إثراء الدراسات الجغرافية التطبيقية في السلطنة .
هذا بالإضافة إلى بعض الاعتبارات والمبررات أدت إلى اختيار الموضوع هي على النحو التالي :
1. أهمية منطقة الباطنة وإمكانياتها الطبيعة والبشرية الكبيرة في السلطنة .
2. ندرة الدراسات الخاصة بإقليم الباطنة وخاصة في مجال الجغرافيا بوجه عام والتخطيط الإقليمي بوجه خاص .
3. الرغبة في تقديم عمل يسهم في النهوض بتنمية مناطق إقليم الباطنة .
4. تنسجم هذه الدراسة مع اتجاه الجغرافيين نحو الاهتمام بالدراسات التطبيقية وخاصة في التخطيط الإقليمي لإبراز أهمية التخطيط التنموي في الجغرافيا .
5. تستجيب هذه الدراسة لاهتمام قسم الجغرافيا في جامعة السلطان قابوس بضرورة تدعيم برامج القسم بالدراسات ومقررات الجغرافيا التطبيقية ومنها التخطيط الإقليمي .
مناهج الدراسة :
المنهج التاريخي : وذلك لما له من أهمية في التعرف على تطور الظاهرات الطبيعية والبشرية في منطقة الدراسة ، ويتم ذلك من خلال مقارنة الخرائط لفترات زمنية مختلفة ، وقد دعم هذا المنهج بإجراء المقابلات الشخصية مع كبار السن للتعرف على التطور العمراني في مدينة الخابورة ، مع مقارنة الإحصائيات السكانية ، والمظاهر العمرانية في مدينة الدراسة .
المنهج الوصفي : ويركز هذا المنهج على عرض عناصر الدراسة ووصفها على أساس علمي لإبراز معطيات الطبيعة وتوزيعها وعلاقته بالعناصر المؤثرة فيها ، وسيطبق هذا المنهج في دراسة الخصائص الجغرافية لمنطقة الدراسة وكفاءة تخطيط الخدمات بمنطقة الدراسة .
منهج التحليل المكاني : الذي يهتم بتوزيع الظاهرات وتحديد حجم الاختلافات المكانية بينها ، سواء كانت ظاهرات طبيعية أو بشرية والعوامل المؤثرة في منطقة الدراسة ، ويتم ذلك من خلال تحليل البيانات الإحصائية وتوزيعها على الخرائط والأشكال البسيطة لتوضيح صورة الظاهرة .
منهج التحليل الإقليمي: وفي هذا المنهج سينصب الاهتمام على دراسة تغير الظواهر السكانية من مكان إلى آخر ، وفي ذلك سيبين الطالب الاختلافات في أنماط توزيع الخدمات في الإقليم .
منهج دراسة الحالة : سيستخدم الطالب هذا المنهج في دراسة نماذج مختارة من ولايات إقليم الباطنة ومن خلال هذا المنهج ستبرز جوانب القوة وجوانب الضعف في إسهام تلك النماذج في التخطيط الإقليمي في الإقليم .
المنهج النفعي التطبيقي : الـذي يهتـم بالمشكـلات وتحديد حجمها وأسبابها وتقـديم الحلـول المقترحة لها ، وقد تم تطبيقه عند دراسة بعض اتجاهات التخطيط ووضع الحلول المقترحة لإزالة المشكلات في الإقليم .
أساليب الدراسة :
تمت معالجة البيانات التي توفرت للدراسة وفقاً للاتجاهات الحديثة والمتمثلة في أساليب التحليل الكمي في التخطيط ، ومن تلك الأساليب التي استخدمها الطالب مايلي :
الأساليب الإحصـائية والكميـة : اعتمـدت الـدراسة على برامج معـالجة الجـداول وبخـاصة البـرنامج الإحصائية SPSS , EXCEL لإمكاناته في التحليل الإحصائي للبيانات ، وإعداد الرسوم البيانية ، وتحليل المخرجات من معدلات ونسب مئوية ...... .
أساليب التمثيل الكارتوجرافي : استعان الطالب بأساليب التظليل المساحي ، والدوائر والأعمدة النسبية ، والأعمدة البيانية البسيطة والأعمدة المركبة والمنحنيات وذلك تبعا لتحليل البيانات ونتائجها ، وقام الطالب بالاعتماد على برامج رسم الخرائط باستخدام برنامج (Arc View) (GIS) ، لتحليل كافة المدخلات الإحصائية للدراسة الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية ، كما تم تحديد كافة الظاهرات الدراسية ووضع المعايير المطلوبة للرسم مثل المسافات ، والأبعاد ، والمساحات .
أساليب تحليل العلاقات و الظاهرات الجغرافية لكشف أو وصف الاختلافات المكانية بين الظاهرات من حيث توزيعها في منطقة الدراسة والبحث عن العوامل المكانية المؤثرة والمرتبطة بها والتي يمكن أن تساعد على تفسير توزيعها ، والمتمثلة قي معادلة معدل النمو ، والكثافة ، والتباعد ، والتركيز.
أدوات الدراسة :
استخدم الطالب العديد من الأدوات التي من أهمها :
الخرائط :
- خريطة مقياس رسم 1: 1.300,000 لتحديد موقع إقليم الدراسة بالنسبة للأقاليم المجاورة ، (وزارة الدفاع ، الهيئة الوطنية للمساحة ، خريطة سياحية ، مسقط، أكتوبر 2005م ) .
- خرائط مقياس رسم 1 : 400000 ، واشتملت على الخرائط الجيولوجية لولايات إقليم الدراسة والخرائط الطبوغرافية لمنطقة الدراسة . ( دائرة التخطيط ، وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه ، مسقط ، 21/5/2006م ) .
الصور الفضائية :
اعتمد الطالب على الصور الفضائية بالاشتراك في موقع Google earth.www لتغطية بعض المناطق التي لم يتوفر لها خرائط ولا صور جوية ، ومع ذلك تم الاعتماد عليه في الدراسة الميدانية لتوضيح الظاهرات الطبيعية والمعالم العمرانية لمنطقة الدراسة . ولتحديد الأماكن التي تمت دراستها وتوضيح ذلك في الدراسة . وتم رسم خريطة مدينة الخابورة بالاعتماد المباشر على الصور الفضائية والدراسة الميدانية ، لعدم وجود خريطة تغطي المدينة.
أدوات القياس المختلفة:
تم الاعتماد على بعض الأجهزة البسيطة لحساب بعض الظاهرات مثل البلانيمتر والبوصلة وبعض المقاييس الحسابية مثل طرق قياس المسافات والمساحة* ، كما استخدم الطالب حاسب شخصي لتفريغ البيانات بالإضافة لكاميرات التصوير الرقمية .
الزيارات الميدانية :
تعد الزيارة الميدانية إحدى وسائل جمع البيانات الرئيسية عن بعض الظاهرات المدروسة ، فعن طريقها تم دراسة نموذج التخطيط الحضري في مدينة الخابورة وخاصة التطور العمراني ، كما اعتمدها الطالب في دراسة التخطيط الريفي وخاصة في قرية الغيزين ، وكما تم اختيار بعض النماذج التطبيقية في الاتجاهات العامة للتخطيط مثل الطرق ، والصحة ، والسياحة ، والصناعة ..... وجمع البيانات العامة عنها ، وتفسير بعض الملاحظات الجغرافية التي تظهر في منطقة الدراسة من خلال الزيارة الميدانية .
المقابلات الشخصية :
قام الدارس بإجراء بعض المقابلات الشخصية وخاصة المقابلات التي تم إجراءها على سكان مدينة الخابورة لمعرفة مراحل تطور العمران وامتداده على فترات مختلفة ، وكذلك مع بعض المسؤولين في الدوائر الحكومية لتوضيح بعض الملاحظات المهمة المتعلقة بموضوع الدراسة .
الدراسات السابقة :
يمكن تقسيم الدراسات السابقة التي تم حصرها في مجال موضوع هذا البحث إلى المستويات الآتية :
1. الوطن العربي .
2. سلطنة عمان .
3. منطقة الدراسة .
وسيتم الأخذ بالقدر الذي يتناسب مع القرب الموضوعي والمكاني للدراسة .
1. الدراسات على مستوى الوطن العربي :
- فقد درس عبد الرحمن كماس التخطيط الإقليمي في المملكة العربية السعودية ، موضحاً وظيفة المدن في الإقليم مع التركيز على المدن الرئيسية ، وكذلك المتطلبات التنظيمية للتخطيط الإقليمي . ( Western Michigan University. Michigan .1979 ) .
- قام علي شريف عبد الوهاب بدراسة مقارنه بين التخطيط الإقليمي لصحراء النقب وتعمير شبه جزيرة سيناء لنيل درجة الماجستير ، وتطرق إلى إنجازات التخطيط الإقليمي لصحراء النقب والتخطيط الحضري والريفي في الصحراء وأهم الاتجاهات العامة للتخطيط الإقليمي في صحراء النقب . ( جامعة الزقازيق ، 1987م ) .
- كما تناولت مها سامي كامل في دراستها منهج تأثير العناصر الإقليمية بالمدن المتوسطة على توجيه النمو العمراني وقامت بدراسة النمو المساحي لعمران المدن.( جامعة القاهرة ، 2000م ).
- دراسة " تجربة التخطيط الإقليمي في مصر" للدكتور علاء سليمان الحكيم ، عرض في هذه الدراسة المشاكل القومية والإقليمية وقوانين الحكم المحلي وتقييم تجربة التخطيط الإقليمي في مصر وإبراز أثر إغفال التخطيط الإقليمي في مصر. ( معهد التخطيط القومي ، القاهرة ، 1994م ).
- دراسة إسماعيل يوسف إسماعيل لدرجة الدكتوراة بعنوان التنمية العمرانية الرأسية للقرية المصرية كمرحلة انتقالية في إستراتيجية التخطيط الإقليمي ، تناول المؤثرات والمعايير التي لها صلة بالتنمية العمرانية في القرية وملامحها العمرانية واهتم بدراسة وتحليل بعض اتجاهات التغير في القرية مثل نمط السكن في ريف المنوفية ، كما تناول مفاهيم التنمية الريفية والعمرانية للقرية بالمنوفية ، وآثارها ومراحلها.( جامعة المنوفية ، القاهرة ، 1996م ).
- كتبت راندا جلال حسين دراسة بعنوان مناهج التنمية المحلية في مصر لنيل درجة الماجستير والهدف الرئيسي للدراسة هو الخروج بالأسس التخطيطية للتنمية المحلية وهو يمثل الرؤية الشاملة لعملية التنمية . ( جامعة القاهرة ، 1996م ) .
- درس عبدوتى ولد عال التخطيط الإقليمي في موريتانيا لنيل درجة الماجستير ، وتناولت مشكلة البحث الإجابة عن مدى الاهتمام بالبعد المكاني في خطط التنمية في موريتانيا وهل التنظيم الإقليمي القائم حاليا في موريتانيا يعد مناسباً لخلق تنمية متوازنة وما هي الإجراءات الكفيلة بخلق تنمية شاملة للدولة ، واشتملت الدراسة على الاهتمام بالتنظيم الإقليمي وعلاقته بالتنمية الإقليمية والأجهزة التخطيطية المسؤولة عن التنمية واهتم بعرض المؤشرات الاقتصادية والخدمية والديموغرافية للتفاوتات الإقليمية ، وصاغ خطوطاً عريضة لإستراتيجية تنمية إقليمية على المدى البعيد . ( معهد البحوث والدراسات العربية ،القاهرة ، 1997م ).
- قام إياد محمد مصطفي شناعة بدراسة التخطيط الإقليمي بين الواقع وحاجات المستقبل في قطاع غزة لنيل درجة الماجستير ، تناولت الدراسة تطور التخطيط الإقليمي في الإقليم الفرعي بقطاع غزة وتطور التخطيط الإقليمي في مدن قطاع غزة ، ومن النتائج الرئيسية التي خرج بها الباحث وضع خطة إقليمية شاملة للخروج من واقـع اقتصاد الاحتـلال إلى واقـع اقتصاد مستقـل لإحـداث عمليات التخطيط بتطوير موارد القطاع الطبيعية والبشرية والاقتصادية . ( معهد البحوث والدراسات العربية ، القاهرة ، 2005م ) .
2. الدراسات على مستوى سلطنة عمان :
- الدراسة التي قامت بها فاطمة العبد الرزاق تحت عنوان " نماذج من العمران الحضري في سلطنة عمان " تتركز الدراسة على رصد بعض جوانب التطور العمراني في السلطنة ، وإبراز أثر العوامل الطبيعية والاقتصادية والديموغرافية على النمو الحضري ، ومدى تأثير الخطط التنموية على العمران التقليدي الموروث . (مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية ، جامعة الكويت العدد 41 ، 1985م ) .
- قام حمدي الديب بدراسة شبكة المدن العمانية مركزاً على جوانب عملية التحضر في سلطنة عمان من خلال تحليل شبكة المدن ، وركز على نمط توزيع المدن حيث عني بدراسة الموقع وأهمية ارتباطه بالعامل الاقتصادي ، ومن العوامل التي توصل إليها وكان لها شأن في أنماط التوزيع مصادر المياه ، والعامل التاريخي ، والأوضاع القبلية ، والعوامل السكانية ، والعـوامل الاقتصادية ، والنتائج التي توصل إليها التباين فـي النمط الكائن لتـوزيع المدن العمانية ما بين التوزيع المجمّع ، والتوزيع العشوائي ، والتوزيع المشتت . ( الجمعية الجغرافية الكويتية ، رسالة رقم 148 ، 1992م )
- تعد المقالة الوحيدة التي حظي بها موضوع التخطيط الإقليمي في سلطنة عمان من إعداد صالح طه حمزة بعنوان " أضواء على التخطيط الإقليمي في سلطنة عمان " وتعرض المقالة أهمية التخطيط الإقليمـي فـيما يتعلـق بتنمية الأقاليم ، وركـز علـى إستراتيجية وأهـداف التخطيط الإقليمي بالسلطنة وفقـا للخطط والبرامج التنمويـة . ( مجلة الإداري ، معهد الإدارة العامة ، مسقط ، العدد 51 ، ديسمبر 1992م )
- وقام حسين بن سعيد الحارثي بدراسة بعنوان " الهجرة في المجتمع العماني من الولايات إلى محافظة مسقط " لنيل درجة الماجستير ، تهدف الدراسة إلى التعرف على خصائص المهاجرين الريفيين ، وأهـم العوامل التي تدفع المهاجرين إلى ترك مواطنهم الأصلية والاتجاه إلى محافظة مسقط ، وطبيعة المشكلات الناجمة عن الهجرة ،وتأثير الهجرة على معدلات التنمية. ( الجامعة الأردنية ، عمان ، 1992م )
- قام أحمد عبد السلام بدراسة بعنوان " بعض الأخطار الطبيعية على الطرق البرية في شمال سلطنة عمان ، قد تم معالجة المواضيع التالية في الدراسة : الجوانب الطبيعية ، وخصائص شبكة الطرق البرية في شمال عمان ، وتصنيف الأخطار الطبيعية على الطرق البرية في شمال عمان ، وأخيراً إلقاء الباحث الضوء على وسائل الحماية المتبعة والتوصيات لتجنب الأخطـار الطبيعيـة . ( الجمعية الجغرافية الكويتية ، الكويت،رسالة رقم 247 ، 2000م ) .
- دراسة بعنوان " نموذج مقترح لتخطيط التسلسل الهرمي للتنظيم المكاني – تجربة المنطقة الوسطى / سلطنة عمان " قام بها سليمان سلامة أبو خرمة ، تهدف الدراسة إلى تجربة المنطقة الوسطى في استخدام أدوات وأساليب التخطيط الإقليمي للتعرف على المراكز التنموية ومناطقها الاستقطابية ضمن المكان المتكامل للخطط الإقليمية في سلطنة عمان لاختيار المكان الأمثل للخدمات المستقبلية . ( مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية ، جامعة الكويت ، العدد 114 ، 2004م ).
3. الدراسات على مستوى إقليم الدراسة :
- " المستوطنات الريفية في إقليم الباطنة " قام حمدي أحمد الديب بدراسة تحليل أنماط وأحجام وبناء المستوطنات الريفية في الإقليم ، ودراسة العلاقات المكانية المؤثرة في تنظيمها ، وعلاقة ذلك بما شهدته السلطنة عامة والإقليم خاصة من برامج التنمية . ( الجمعية الجغرافية الكويتية ، رسالة رقم 207 ، 1997م ) .
- وقد قام عبدالله الطرزي بدراسة شبكة طرق النقل في منطقة الباطنة وملائمته مع الموارد الحيوية ( السكان والأرض ) وحالة شبكة الطرق القائمة وما يجب أن تكون عليه ، وما خصائصها ، أطوالها ، وامتداداتها ، ومدى ارتباطها مع المحافظات والدول المجاورة ، ومدى كثافتها مقارنة بالسكان والمساحة ومدى استقامتها وانعطافها عن الاستقامة ، وعلى ضوء هذه الدراسة توصل الباحث إلى العديد من النتائج والتوصيات الايجابية والواقعية لتحسين كفاءة شبكة الطـرق فـي الإقليم . ( مجـلة دراسات الخليج والجزيرة العربية ، جامعة الكويت ، العدد92 ،1999م )
- الدراسة التي قام بها علي سعيد البلوشي بعنوان " التصحر في سهل الباطنة – سلطنة عمان " لنيل درجة الدكتوراه ، وتهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على أبعاد مشكلة التصحر وأسبابها ، ودراسة عناصر ومتغيرات مشكلـة التصحر والعـوامل الطبيعية المسـؤولة عـن المشكلة بالإضافة إلى دور التخطيط البيئي في وضع الحلول المناسبة لوقف انتشارها.( الجامعة الأردنية ، 2003 ).
أهداف الدراسة :
وجد الطالب أن أهم الأهداف التي تم التركيز عليها في موضوع الدراسة هي :
1- إجراء دراسة جغرافية متكاملة في إطار التخطيط الإقليمي لإقليم الباطنة لاستعراض منهج التخطيط المتبع وعلاقته بالتخطيط الإقليمي المستقبلي في الإقليم .
2- دراسة الإمكانات الطبيعية والبشرية والتعدينية في إقليم الباطنة .
3- رصد توزيع التجمعات الحضرية والريفية في الإقليم والتعرف على أهم خصائصه المكانية .
4- عرض للتخطيط الحضري والريفي والعمراني في الإقليم وتقديم نماذج للتعرف على طبيعة وسمات التركيب العمراني ، والخدمات المتوفرة التي تخدم السكان ومدى كفاءتها في ظل الإمكانيات المتاحة في الإقليم .
5- وضع تصور للتخطيط الإقليمي في إقليم الباطنة على أساس تنظيم العلاقات المكانية ومحيطها بما يضمن تحقيق الخدمة المرجوة للمجتمع المحلى كأنماط التجمعات الحضرية والريفية والأنظمة التي تدير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية بها .
6- إبراز اتجاهات التخطيط الإقليمي لإقليم الباطنة من وجهة نظر جغرافية .
7- رصد وتسجيل وتحليل اتجاهات التخطيط الإقليمي للنماذج التطبيقية التي تمت دارستها ، لإيجاد التوازن في الانتفاع بموارد الإقليم وخدماته .
8- اقتراح بدائل مختلفة لتخطيط الخدمات في الإقليم لتحقيق أفضل استثمار لطاقات الإقليم وخدماته دون هدر أو تبذير لتحقيق أفضل إنتاجية ممكنة للنشاطات المختلفة بأقل معوقات ومشكلات .
9- الأخذ بمبدأ التخطيط الإقليمي لتحقيق الأهداف التنموية بشكل يحقق التوازن بين الاحتياجات البشرية والإمكانيات الطبيعية المتوفرة في الإقليم .
فروض الدراسة :
يقدم التخطيط الإقليمي صورة واقعية عن الإمكانيات والموارد البشرية والطبيعية ويوظفها بشكل فعال في تحقيق التوازن المكاني داخل إقليم الباطنة .
تتوزع التجمعات السكانية الحضرية والريفية في الإقليم وفق ضوابط جغرافية معينة .
تركيز الاستثمار في عدد معين من المدن بخلق توازن تنموي بين المراكز والمدن المختلفة في الإقليم بهدف زيادة فاعلية المشاريع من خلال الاستفادة من اقتصاديات الحجم والتجاور ( الوفورات ) .
الأخذ بمعايير التخطيط الإقليمي في تقدير احتياجات التنمية باعتبار الفوارق الخاصة بكل ولاية وإمكانياتها التنموية مثل توزيع التجمعات السكانية (الحضرية والريفية ) وتوفير الخدمات الأساسية وضمان سهولة الوصول إليها.
توفير معايير التسلسل الهرمي لتوزيع ونشر خدمات البنية التحتية في الإقليم متكاملة وملائمة للتجمعات السكانية في مركز المدن والقرى باختلاف أحجامها.
صعوبات الدراسة ومعوقاتها :
اعترضت الدراسة بعض الصعوبات يمكن ابرازها على النحو التالي :
عدم توفر بعض البيانات الإحصائية الرسمية على مستوى ولايات الإقليم وعدم ملائمتها لموضوع الدراسة ، خاصة أن العديد من البيانات المتوفرة والتي يتم نشرها على مستوى السلطنة بيانات غير تفصيلية ، وكثير من البيانات يصعب الحصول عليها على مستوى الإقليم ، أما البيانات وإحصائيات البلديات في جميع ولايات الإقليم فهي غير كاملة وغير متاحة .
عدم وجود الدعم الفني من العديد من الدوائر الحكومية ، بل أن العديد من المسؤولين في هذه الجهات يعتبر البيانات المطلوبة ذات أهمية بالغة السرية والخطورة وهي في الأصل بيانات عامة ، والبعض يقول لا توجد بيانات فكيف تتم عملية التخطيط في هذه الجهات ؟؟
عدم توفر الخرائط الحديثة والصور الجوية للإقليم ، وتحفّظ الجهات وعدم استجابتها لتقديم بعض البيانات الضرورية لموضوع الدراسة ، كما أن هذه الخرائط والصور الممنوعة متاحة للبيع في داخل هذه الجهات بأسعار عالية .
امتداد منطقة الدراسة واتساعها ، ووعورة تضاريسها ، وتشتت عمرانها .
صعوبة جمع البيانات أثناء الزيارات الاستطلاعية ، والدراسة الميدانية لاستكمال البيانات الناقصة ، وإجراء المقابلات الشخصية لتوضيح جوانب الغموض في بعض البيانات .
النقص في مصادر التخطيط الإقليمي ، لحداثة اهتمام الجغرافيين بالتخطيط .
مراحل الدراسة :
إن الدراسة تسعي إلى استعراض موضوع التخطيط الإقليمي في إقليم الباطنة – دراسة في الجغرافيا التطبيقية ، ومن المراحل التي مرّت بها الدراسة تحديد نوعية مصادر البيانات والمعلومات والخرائط ذات الصلة بموضوع الدراسة والزيارات الميدانية الاستطلاعية التمهيدية للوقوف على أهمية البيانات اللازمة للبحث وتصنيفها وتخزينها وتنظيم الملاحظات الجغرافية وتوسيع الدراسات الميدانية والمقابلات الشخصية ، وإعداد خرائط الدراسة وفق نتائج التحليل والتفسير لتكوين قاعدة بيانات شاملة من المصادر المختلفة عن إقليم الدراسة ، وجاء ترتيب خطة الدراسة على النحو التالي :
تتكون الـدراسة مـن سبعـة فصـول بجانب مقـدمة الـدراسة وخاتمتها وفهرسها ، فتناول الفصل الأول التخطيط الإقليمي وأهميته مـن خـلال استعراض مفـاهيم التخطيط الإقليمي وأهميته وعـلاقته بالتخطيط القـومي ، وتوضيح التخطيط الحضري ، وعـرض الفصل الثاني الإمكانيات الطبيعية والبشرية فـي الإقليم ، واشتمل الفصل الثالث على دراسة التخطيط الحضري في الإقليم من خلال استعراض موضوع التحضر والعوامل المؤثرة فيه والتوزيع المكاني للمدن وخصائصها الحجمية ، مع التركيز على دراسة مدينة الخابورة كنموذج للتخطيط الحضري في الإقليم ، الفصل الرابع تمحور حول التخطيط الريفي في الإقليم واستعراض التجمعات القروية في الإقليم وكثافتها ، وتناول قرية الغيزين كنموذج للتخطيط الريفي في الإقليم ، وخصص الفصل الخامس لدراسة التخطيط العمراني في الإقليم متمثلة في الجهات المعنية بالسياسات التفصيلية للتخطيط والمعايير والتسلسل الهرمي وكذلك التطور العمراني والعمران الريفي والعوامل المؤثرة في النمو العمراني ، وتناول الفصل السادس الاتجاهات العامة للتخطيط والمتمثلة في القطاع الصحي والتعليمي والزراعي والصناعي والسياحي وقطاع النقل والقوى العاملة ، وأخيراً الفصل السابع وهو الفصل الختامي استعرض تحليل المشاكل التي تعوق التنمية في الإقليم ومعالجة البعد الإقليمي للخطط التنموية ، وعرض للمعوقات والحلول والبدائل للتخطيط الإقليمي في الإقليم ، وأخيراً تقديم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها الدراسة .
الفصل الأول
التخطيط الإقليمي وأهميته
مفهوم التخطيط الإقليمي :
عندما يدرك الإنسان أهمية المكان والزمان تتبادر إلى ذهنه هذه التساؤلات التي تطرح نفسها ألا وهي : ما هو التخطيط الإقليمي ؟ وما أهميته ؟ وكيف يستطيع الإنسان حيثما وجد على هذه الأرض – أن يجعل نفسه أكثر مشاركة من أجل البناء والتخطيط ؟.
أياً كان الأمر إذاً ، فحيثما يقطن الإنسان يكون راغباً في تحسين الموضع الذي يعيش فيه ، ويضع تصورات للكيفية التي ستتطور بها المتغيرات ، والعوامل المؤثرة في الأنشطة ، ومدى تحقيقها لرغبات السكان وحاجاتهم في المستقبل ، ويبدو الآن أن الطريق الكفيل بذلك والأفضل هو أن يدرك الإنسان مدى أهمية التخطيط حتى يتسنى له التعبير عن الأولويات الواجب إتباعها لتحسين المنطقة أو الإقليم بقدر الإمكان .
ومن خلال هذا الفصل سوف نعرض مفهوم التخطيط الإقليمي الذي يعتبر من العلوم الحديثة التي نالت اهتماماً ملحوظاً في الفترة الأخيرة بسبب المكانة الكبيرة التي يحتلها التخطيط في دول العالم ، باعتباره الأسلوب الأمثل لتقليص الفجوة بين الأقاليم من ناحية ، وتحقيق تنمية متوازنة بين أقاليم الدولة المختلفة من ناحية أخرى، هذا بالإضافة إلى أهمية التخطيط الإقليمي بالنسبة لهذه الدول في الاسراع بمعدلات التنمية للحاق بركب الدول المتقدمة ، والعلاقة بينه وبين التخطيط القومي .
التخطيط planning
التخطيط كلمة تعددت تعريفاتها وصياغتها ، وقد اختلفت هذه التعريفات باختلاف أشكال وأنواع التخطيط.
عرف التخطيط أنه اتخاذ قرار لما سيتم مستقبلا، وكيف سيتم ، ووقت إتمامه ، ومن سيقوم به ، فالتخطيط هو خطوات عمل معينه ومحددة ، ومركبة وفق دراسة علمية سليمة مبنية على حقائق وتقديرات مدروسة.(1)
ويقال أن التخطيط هو أسلوب علمي للتفكير سيستمر يوماً بعد يوم مع الحياة، يبدأ بوجود مشكلة تدرس ويحضر لها بدائل من الحلول،يختار احداها وينفذ ثم يقيم وهكذا، كما يقال بأن التخطيط هو تطبيق للأسس والمبادئ التي تنمو وفقا للسنن وقوانين طبيعة الأشياء ، وهو نظام ينمو وفقا لهذه القوانين الطبيعية، ويبحث عن الانسجام والتجانس، ويربط العلاقات بين الأجزاء إلى الكل والكل إلى الأجزاء،ويعطي كل جزء مكانه الحقيقي في إطار هذا النظام حسب قيمته وأهميته ووظيفته. ( )
"والتخطيط هو نشاط يهدف إلى التنظيم والتنسيق بين أنشطة الإنسان المختلفة في المكان، والاستعداد الفعلي لتوقعات أنشطة جديدة وتهيئة الظروف التي يتحقق بموجبها أكبر قدر من المنفعة"( )
ويذكر فؤاد محمد الصقار في كتابة "التخطيط الإقليمي" تعريف التخطيط على أنه أسلوب علمي يهدف إلى دراسة جميع أنواع الموارد والإمكانات المتوفرة في الدولة أو الإقليم أو المدينة أو القرية أو المؤسسة وتقرير كيفية استخدام هذه الموارد في تحقيق الأهداف وتحسين الأوضاع. ( )
كذلك تم تعريف التخطيط على أنه الأسلوب العلمي المقصود به إتباع أحسن الطرق والأساليب لاستخدام وتنمية الموارد الطبيعية والبشرية والاقتصادية والمالية، عن طريق تغيير اتجاهات الكم والكيف الموجود والمتاح في الدولة ، فإن كل ذلك يحتاج إلى تفكير علمي وقرارات موضوعية وخطة عمل تتضمن هدفا واضحا محددا مع أساليب وخطوات إجرائية سليمة. ( )
إن مفهوم التخطيط المتعارف عليه حديثا يعني رؤية المستقبل والتنبؤ به ، ومن ثم الاستعداد لمواجهة الأهداف المخطط لها تجاهه ، ورسم معالم الطريق الذي يحدد جميع القرارات والسياسات الموضوعة وكيفية تنفيذها ، مع محاولة التحكم في الأحداث الجارية والمتوقعة عن طريق إتباع سياسات مدروسة محددة أهدافها ونتائجها بعناية . وهناك من يقول بدوره أن التخطيط في معناه العام ، هو عملية جمع الحقائق وتحليلها مع ترتيب خطوط سيرها في المستقبل على ضوء العمليات المسخر لها التخطيط ، لإنجاح مقاصدها التنموية.( )
يستنتج ممـا تقـدم أن التخطيط مجال واسع ، ويمكن أن يشمل : تخطيط اقتصادي، واجتماعي ، وعمراني ، ومحلي ، وإقليمي ، وقومي ، ومهما كان نوع التخطيط أو مسماه فإنه أسلوب علمي يهدف إلى دراسة وحصر جميع أنواع الموارد الطبيعية والبشرية والاقتصادية في المكان ، والمحافظة عليها واستغلالها والتحكم فيها بهدف توسيع خيارات الفرص وتحقيق أكبر قدر من الأهداف التنموية (1)، ولذلك تصبح كلمة التخطيط عادة موجهة نحو الواقع وحاجات المستقبل .
وقبل أن نبدأ الحديث في موضوع التخطيط الإقليمي يجب أن نتعرض أولا لتعريف الإقليم Region.
الإقليم Region
إن مفهوم الإقليم يعد من المفاهيم شائعة الاستخدام في كثير من حقول المعرفة كالاقتصاد والجغرافيا والتخطيط الإقليمي والعلوم السياسية وغيرها ، ويعد الجغرافيون من أوائل من اهتموا بتحديد مفهوم الإقليم وتقسيم العالم إلى أقاليم ، حيث أن مصطلح الإقليم ذو أهمية بالغة لهم لأن علم الجغرافيا ذو ارتباط مباشر بالأقاليم ، إذ يدرس الظواهر المختلفة على سطح الأرض واختلاف هذه الظواهر من مكان لآخر.(1) كما تعني كلمة الإقليم Region منطقة معينة من الأرض تتميز عن غيرها من المناطق المجاورة.(2)
ويرى أحمد خالد علاّم "أن الإقليم عبارة عن وحدة طبيعية جغرافية اقتصادية اجتماعية يتكون من عدة أجزاء مرتبطة مع بعضها بينها تناسق وتكامل ، كل جزء فيها له مكانه حسب أهميته ، والوظيفة التي يؤديها ".
ويقول "ر.منشل R.Minshull " "أن الإقليم هو الحالة الواقعة التي يظهر عليها سطح الأرض بما في ذلك التضاريس والمناخ وكافة العوامل الطبيعية الأخرى التي تنحصر في نطاق جغرافي محدود".
ويتجه "ج.رينر G.Renner " في تعريفه للإقليم حيث يقول .." أن الأقاليم هي كيانات أصيلة بحيث يعبر كل إقليم منها عن التمايز الطبيعي والثقافي بالنسبة لجيرانه من الأقاليم ، وفي هذا التعريف يؤكد رينر على الجانب الثقافي والاختلافات الموجودة في ذلك الجانب بين الأقاليم".(3)
ويوجد هناك تعريف آخر للإقليم .." الإقليم عبارة عن رقعة من الأرض تتسم بخصائص معينة تميزها عما يجاورها من أقاليم أخرى ، والإقليم قد يكون مناخيا وفي هذه الحالة نجد رقعة الأرض تتسم بخصائص مناخية عامة تسودها وتميزها عما يجاورها من أقاليم مناخية أخرى، وقد يكون الإقليم طبيعيا أو نباتيا بصورة عامة بمعنى أن تتجانس فيه العناصر الطبيعية المختلفة من موقع جغرافي وتضاريس ومناخ وتربة ونبات وحيوان وتجعله يختلف عما يجاوره من الأقاليم الأخرى ". ( )
وخلاصة القول ، أن مفهوم الإقليم عبارة عن قطعة من الأرض لا تعني شيئا آخر خلاف ذلك إلا إذا أضيفت إليها صفة أخرى تعطي لها مفهوم آخر ، وقد يكون إقليما طبيعيا كما أن هناك تحديداً آخر لبعـض الأقاليم تتمثـل فـي الحـدود التي صنعها الإنسان نفسه وهـي حـدود سياسيه وإدارية وحـدود القبلية. ( ) ،" وبالمثل ما فعل لابلاش La Blache في فرنسا في تحديده للأقاليم الفرنسية Pays مع اهتمامه بالعامل البشري أكثر". ( )
وقد يكون الإقليم متسعا تتعدد فيه المظاهر الطبيعية ومظاهر الحياة البشرية ، وقد يكون صغيرا تتجانس فيه الظروف الطبيعية أو الظروف البشرية أو الاثنين معا.( )
كما قام العديد من المختصين بتصنيف الأقاليم إلى أنواع عديدة تبعا للغرض الذي يتم بموجبه تحديد وتصنيف الأقاليم ضمن إطار اقتصاديات الإقليم والتنمية الإقليمية ومن هذه التصنيفات:
تصنيف فريدمان Friedman حيث حدد أربعة أنواع من الأقاليم لأغراض التخطيط والتنمية الإقليمية كما يأتي :
أ. أقاليم ذات القطب Core Regions
ب. الأقاليم الانتقالية ذات النشاط الاقتصادي Upward Transitional Areas
جـ. أقاليم الثروات النائية ( الغير مستغلة ) Resource Frontier Regions
د. أقاليم التدهور الاقتصادي Down Ward – Transitional Regions
وأما البروفيسور ريتشارد سون Richardson فقد وضع تصنيفا للأقاليم يعتمد على طبيعة نشاط الإقليم وعلاقته بالعملية التخطيطية كما يلي :
أ. الأقاليم الإدارية Administrative Regions
ب. الأقاليم التخطيطية Planning Regions
جـ. أقاليم المشاكل Problem Regions . ( )
كما صمم البروفيسور جلاسون Glasson تصنيفا حديثا للأقاليم واعتمد على مستوى الدخل كمعيار أساسي لهذا التصنيف من خلال مقارنة مستويات الدخل الخاصة بكل إقليم مع الدخل القومي للسنة نفسها من جهة ، ومعدل الزيادة المتوقعة في الدخل الإقليمي مع معدل نمو الدخل القومي من جهة أخرى ، وهذه الأقاليم هي :
أ. المناطق الغنية Prosperity Areas
وهي المناطق التي لا تحتاج إلى جهود واستثمارات حكومية لغرض تطويرها .
ب. المناطق الفقيرة القابلة للتنمية Developing Distresied Areas
وهي المناطق التي تحتاج إلى إجراءات معينة لتحفيز عملية التنمية فيها .
جـ. المناطق ذات الإمكانية للتنمية Potential Distressed Areas
وهي تمثل تلك المناطق التي يحتمل أن تواجه مشاكل اقتصادية مستقبلاُ مثل الكساد وانخفاض معدل النمو ، لذلك من الضروري اتباع سياسة موحدة للتنمية تركز على عمليات إعادة البناء بالنسبة للأنشطة التي أصيبت بالتخلف .
د. المناطق الفقيرة Distressed Areas .
وهي تمثل المناطق التي تحتاج إلى إعادة بناء شامل لكل الفعاليات الاقتصادية فيها.(1)
التخطيط الإقليمي (Regional Planning)
من خـلال تعـريف لفظي التخطيط Planning والإقليم Region يمكن تعـريف التخطيط الإقليمي .
يعـرف ألدد " Alded " التخطيط الإقليمي على أنـه التخطيط الـذي يتعامل مـع المشكـلات الاجتمـاعية والاقتصـادية والسيـاسية والإدارية والثقافية والطبيعية فـي إقليم معين أو منطقة جغـرافية محددة . (2)
ويعرف الصقار التخطيط الإقليمي " بدراسة الموارد الطبيعية والبشرية المستغلة وغير المستغلة في منطقة محدودة من الأرض ... تتميز بميزات خاصة وتواجه مشاكل مختلفة ـ بهدف معرفة إمكانات هذا الإقليم والارتقاء به وبسكانه لتحقيق أهداف خاصة محددة ".(3)
وتعريف سن جوبيا Sen Gubia للتخطيط الإقليمي على أنه محاولة مدروسة لاستغال الموارد الطبيعية عن طريق التخصص الإنتاجي الإقليمي بسبب المزايا الطبيعية لكل إقليم .
أما ب. بيرلوف B. Perlof فيقول أن التخطيط الإقليمي عبارة عن محاولة لتطوير الشكل العمراني والاجتماعي للأنظمة الإنتاجية في الإقليم وذلك حتى يرتبطا بالنمو الحضري العام للدولة ، وهذا التعريف يجعل الولايات المتحدة تحدد فلسفتها بالنسبة للتخطيط الإقليمي على أنه عملية تجهيز الخطط والبرامج للمناطق البكر الغنية بمواردها الطبيعية ، وتلك التي تدهورت فيها الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في محاولة للإصلاح العمراني عن طريق الاهتمام بالإقليم من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.( )
نستنتج مما سبق أن التخطيط الإقليمي يرتبط ارتباطا وثيقا بالحكم المحلي للإقليم واللامركزية،التى تستغل وتحمي وتستثمر كافة الموارد لمصلحة سكان الإقليم والدولة مع المحافظة على سلامة هذه الموارد والعمل على تنميتها وتحسين طرق استغلالها والترشيد في وسائل استهلاكها. ( )
يحدد كل من Graham Haughton , Dare Counsell التخطيط الإقليمي على أساس عرض الموارد والمكان والأنشطة التي يراد لها أن تكون في هذا المجتمع.( )
والتخطيط الإقليمي يعتبر بمثابة أسلوب تخطيطي يبحث عن حقيقة الإقليم واكتشاف كافة إمكانياته واستغلالها بقصد تنميتها بأعلى معدل ، وبأقل تكلفة وأقصر وقت لتحقيق توزيع أمثل للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وتوزيع الموارد والخدمات على أجزاء الإقليم المختلفة. ( )
وفي ضوء ما تقدم اتضح أيضا أن مفهوم التخطيط الإقليمي يعني التنمية المتكاملة والشاملة لتوفير المناخ الطبيعي والاجتماعي والاقتصادي الملائم ، لتمكين الفرد والمجتمع من الانتفاع بإمكاناتهم بشكل كامل في الإقليم والتمتع بها .
وتعرض هذه الدراسة مفهوم التخطيط الإقليمي الذي يطرح منهجا جديدا في النظر في عملية التخطيط الإقليمي وهو منهج يتجاوز المناهج السابقة ، والمقصود بالمناهج الجديدة مجالات التخطيط الإقليمي بما يسمح بإدراج عمليات وإجراءات وقضايا لم يكن ينظر لها أنها ذات أهمية ، وربما اعتاد الفكر تجاهلها مثل قضايا البيئة الطبيعية والثقافة والقيم والحكم الجيد والإدارة السليمة لشئون المجتمع والدولة وحقوق الإنسان والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.
فعلى سبيل المثال لابد من الأخذ بطرق وأساليب التخطيط الإقليمي مراعاة النمو الذي يحافظ على الهوية الثقافية للمجتمع ، كما أنه على التخطيط الإقليمي أن يتعامل مع البيئة الطبيعية من منطلق أنها عنصر نادر يتعين التصرف فيه بحكمة لاستغلالها لرفاهية الجيل الحالي والأجيال القادمة أيضا. وكذلك بالنسبة للحكم الجيد والإدارة السليمة لشئون المجتمع والدولة فالتخطيط الإقليمي مثل السلسلة لابد من ترابط قوى بين حلقاتها فكل الهيئات الحكومية المركزية والمحلية اقتصادية أو اجتماعية ....الخ ، كلها ضرورية في العملية من أجل نجاح التخطيط الإقليمي . ( )
أما المشاركة الشعبية فإنها ضرورية حتما ، لأن التخطيط الإقليمي يهتم بأحوال الناس في مجتمعاتهم وبيئاتهم المحلية ، ولابد أن تكون هناك تلبية لاحتياجات ورغبات هؤلاء الأفراد في المجتمع ، فلا شك أن بناء أي مشروع اقتصادي له أثره على أفراد المجتمع وذلك بهدف خلق علاقة سوية بين الفرد ونشاطاته الإنتاجية والاستهلاكية .
فالتواصل بين عمليات التخطيط الإقليمي في المجتمع وبين أفراد المجتمع أمر ضروري ، لتكافل المصالح وعدالة توزيع الموارد ، والفرص بين الأفراد ، وبعبارة أخرى ينبغي على القائمين بالتخطيط الإقليمي إعطاء العمليات التخطيطية التنموية في الإقليم الأولوية في العمل ، حتى يقوم التخطيط الإقليمي على مشاركة السكان والهيئات الحكومية والمحلية في اتخاذ القرارات التخطيطية .
وبناء على تلك المقومات يمكن أن نلخص مفهوم التخطيط الإقليمي:
هو أسلوب من أساليب التخطيط الحديث الذي يأخذ بعناية البعد المكاني(1) ، بهدف توسيع مجال النظر إلى استغلال وتنمية كافة الموارد وإمكانيات الإقليم بشكل كامل ، حتى يتمكن الناس من استخدام هذه الإمكانيات في الانتفاع بها في مختلف الأنشطة الحياتية ، مع صون هذه الموارد بعدالة توزيعها الطبيعي بين الجيل الحاضر والأجيال المستقبلية لمواصلة التنمية المستدامة في الإقليم .(2)
أهمية التخطيط الإقليمي
إن للتخطيط الإقليمي أهمية خاصة لدى كل فرد ومنظمة ودولة ، حيث لا يوجد أي عمل ناجح بدون تخطيط جيد ، ولذا برزت أهمية التخطيط الإقليمي بازدياد الدور الذي تقوم به الدولة والإقليم ، وتنوع أنشطتها بشكل أكبر في عصرنا الحاضر، ويزداد الأخذ بالتخطيط بين دول العالم نظرا لأهميته في النهوض بالإقليم على نطاق الدولة .(3)
ومـن الأسباب الداعية إلى التخطيط الإقليمي وجـود ما يعـرف بتعدد وتنوع الاحتياجات بين إقليم وآخر ، فبعض الأقاليم تختلف عن غيرها ، فبعضها تتميز بثرواتها ومواردها الطبيعية المتعددة ، وفي المقابل توجد أقاليم غنية بمواردها البشرية إلا أنها تعاني من قلة الموارد الطبيعية ، وهنا يأتي التخطيط الإقليمي للمساهمة في إيجاد الربط بين هذا الإقليم وذاك عن طريق تحسين طرق المواصلات وسبلها لإيجاد التوازن الإقليمي .(1)
ويهدف التخطيط الإقليمي إلى التقليل من دور العوامل السلبية في تشكيل جغرافية المستقبل (2) ، ومن خلال وضع خطة اجتماعية اقتصادية على أساس الموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة فيه ويقوم كل إقليم من أقاليم الدولة بوضع خطته الإقليمية ، ولكنها غير منفصلة عن الخطة القومية ، تشمل مشروعات وأنشطة اقتصادية واجتماعية تساعد في تطوير جميع أقاليم الدولة ، وبالأخص الأقاليم المتخلفة منها كي تلحق بالأقاليم الأكثر تقدما ، ولهذا لا تختلف أهداف الخطة الإقليمية كثيرا عن الأهداف الرئيسية للخطة العامة للدولة ، فالهدف في الاثنين واحد وهو إحداث تنمية في المجتمع .(3)
وقد أدخل التخطيط الإقليمي في المرحلة الأولى عام 1945، عندما خفت حدة التخطيط المركزي– وقت الحرب – واستخدم في الدفاع المدني أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية. (4)
لقد ازداد الاهتمام بالتخطيط الإقليمي في عصرنا الحاضر، وازدادت الحاجة له في ظل استشراء مشاكل الفقر والبطالة والهجرة من الريف إلى المدن ، وازدياد حدة الفوارق الإقليمية على مستوى الدولة وعلى مستوى الأقاليم ، نظراً لإهمال البعد المكاني في عمليات التخطيط والتنمية الإقليمية والوطنية لفترات طويلة في الماضي حتى وقتنا الحاضر في كثير من دول العالم .
وتعود فلسفة التخطيط الإقليمي في الدول الصناعية إلى العقد الثاني من القرن العشرين، حيث ظهر العديد من المشاريع في هذا المجال في كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول غرب أوربا. ( )
إلا أن الثورة الصناعية حملت بين طياتها آثاراً جانبية ، فلقد كانت حالة هذه المدن سيئة للغاية نتيجة تركز الصناعات بها دون توجيه أو تخطيط ( )، وصاحب انتشار الصناعة انتشار الأحياء المتخلفة غير الصالحة للسكنى وهبط مستوى العمارة في مدن انجلترا وأوروبا ، ثم انتقلت العدوى نحو الولايات المتحدة على مستوى أكبر ، وانتشر نوع قبيح من الإسكان والتخطيط يعرف بالمسقط القطاري(*).Railroad Plan
كما ترتب على تركز الصناعة في المدن أن اختل التوازن الذي كان موجوداً قبل الثورة الصناعية بين المدينة والقرى المحيطة بها ، فنشأت مناطق ذات مستوى معيشة عال تركزت في هذه المدن الصناعية ومناطق ذات مستوى معيشة منخفض في القرى المحيطة بها ، مما ترتب عليه هجرة مستمرة من الريف إلى الحضر ، لكل هذه الأسباب استحال حل مشاكل المدينة بتخطيط المدينة فقط كما كان يحـدث فـي الماضي قبل الثورة الصناعية ، بل حتى يكون التخطيط فعالاً يجب أن يشمل مساحة أكبر من مساحة المدينة نفسها ، وهـي المساحة التي تقـع تحت دائرة تأثيرها (إقليم المدينة) وهي المساحة التي تقع فيها القرى والتجمعـات السكنية الأخـرى التي يهاجر أهلها منها إلـى هـذه المدينة ، وتسمى هـذه المساحة بالإقليم ويعتبر سير باتريك جددزSir Patrik Geddes هـو أول مـن نادى بفكـرة التخطيط الإقليمي.(1)
أما بالنسبة للتخطيط الإقليمي في الدول النامية :
بدأ تطبيق التخطيط الإقليمي واعتماده في الدول النامية متأخرا مقارنة بالدول الصناعية ، وقد لوحظ أن كثيرا من الدول النامية وبخاصة المستقلة حديثاً قد سارعت بعد الحرب العالمية الثانية إلى التركيز على زيادة النمو الاقتصادي كوسيلة للخروج من براثن الفقر والتخلف الذي عاشته هذه البلدان في ظل الاستعمار الأوروبي لفترات زمنية طويلة.
وتنظر الدول النامية إلى التصنيع على أنه الطريق الوحيد إلى تحقيق النمو الاقتصادي ، وفيما بعد اكتشفت الدول النامية خطأ هذا التوجه في نهاية العقد السادس من القرن العشرين ، وقد أدى إلى تغير في مفهوم التنمية حيث بدأت فكرة إعادة التوزيعRedistribution with Growth ، كذلك أصبح ينظر إلى عملية التنمية من خلال حجم مشكلات الفقر والبطالة Unemploymentوعدم المساواة أو الفوارق الإقليمية inoqualityفي مجتمع ما.(2)
وإذا نظـرنا إلـى هـذا التغير فـي مفهـوم التنمية نجـد أنه أدى إلى ظهـور استراتيجيات تنمـوية جديدة منها :
إستراتيجية إشباع الحاجات الأساسية للسكان ، وإستراتيجية الاعتماد على الذات كبديل للاعتماد على المعونات الخارجية كمصدر تمويل للمشاريع التنموية ، وهذه الاستراتيجيات التنموية الجديدة عملت على تطبيق التخطيط اللامركزي كبديل للتخطيط ، وأدى ذلك إلى زيادة الاهتمام بالتخطيط الإقليمي. ( )
وتتضح أهمية التخطيط الإقليمي فيما يلي :
التخطيط الإقليمي وسيلة لتحقيق اللامركزية الاقتصادية على المستوى القومي. ( )
التخطيط الإقليمي يقدم صورة واقعية عن الإمكانيات والموارد الطبيعية والبشرية المستغلة وغير المستغلة لكل إقليم وكيفية استخدامها وتوظيفها بشكل فعال وايجابي.
التخطيط الإقليمي يساعد على تحقيق أهداف الخطط القومية ،وقد جاء التخطيط الإقليمي من خلال المطالبة باللامركزية في التخطيط ، وضرورة إيجاد هيئات ومؤسسات تخطيط على المستوى الإقليمي والمحلي لكي تكون هذه المؤسسات قريبة من المشكلات الحقيقة على أرض الواقع. ( )
التخطيط الإقليمي يحقق التوازن الإقليمي بين أقاليم الدولة، بهدف التوزيع العادل للموارد والثروات والمشاريع بين الأقاليم المختلفة.
يعمل التخطيط الإقليمي على الحد من تفاقم المشاكل السكانية مثل مشاكل الفقر والبطالة وهجرة السكان. ( )
يهدف التخطيط الإقليمي إلى توفير الخدمات والمرافق العامة وتوزيعها في الأقاليم ، ثم مواقع المبانى العامة كالبلديات والمحاكم والمدارس وأقسام الشرطة وفرق إطفاء الحريق وتوفير الطرق وشبكات الصرف الصحي المناسبة.
يوضح التخطيط الإقليمي الخطة العامة للتوزيع الحالي والمقترح في المستقبل لاستخدام الأرض land use بين الأغراض المختلفة ، بما في ذلك مواقع وامتداد المناطق السكنية والتجارية والصناعات التحويلية والمباني العامة وغيرها من الأغراض الخاصة والعامة.( )
التخطيط الإقليمي يعمل كوسيلة تنسيق بين هيئات التخطيط المختلفة ، حيث يعتبر بمثابة حلقة وصل بين هيئات التخطيط المحلية والإقليمية وهيئات التخطيط المركزية ، لتحقيق التنسيق بين هيئات التخطيط والنشاطات والبرامج والمشاريع التنموية على المستوى المحلي والإقليمي من جهة وعلى المستوى الوطني من جهة أخرى ، لخلق مرونة في تخطيط وتنفيذ المشاريع التنموية في الإقليم . ( )
التخطيط الإقليمي يهتم بالأخذ بوسائل الثورة التكنولوجية الحديثة ، حيث وجدت الإدارة المحلية أنه لا خيار أمامها إذا كانت تريد الوسائل التكنولوجية المتطورة لتقليل نفقاتها ، والإستجابة لمطالب المواطنين في الاستفادة من الثورة التكنولوجية وتحقيق كفاءة الإدارة والأخذ بنظام الأقاليم والتخطيط الإقليمي .( )
العلاقات بين التخطيط الإقليمي والتخطيط القومي :
يتضح مفهوم التخطيط القومي على أنه«عملية تنسيق وتنظيم وحسن استخدام الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية في سائر أنحاء القطر،وتوجيهها لتحقيق أهداف المجتمع في فترة زمنية معينة». ( )
ويوضح أحمد خالد علام « أن التخطيط القومي يمكن تحقيقه على المستوى الإقليمي ، وذلك بتوزيع السكان والأنشطة داخل إطار موحد يتجاوب مع طبيعة ثروات الإقليم وإمكانياته الكامنة ومع الأهداف والسياسات العامة لخطط التنمية القومية » ، وفيه يكون التخطيط مركزيا تخضع له جميع أجزاء المجتمع موضوع التخطيط. ( )
ويعد التخطيط الإقليمي في جوهره جزءاً من التخطيط القومي ، ولا تعارض بينهما ، غير أن التخطيط القوميNational Planning مرتبط ارتباطا وثيقا بالمركزية – بينما يرتبط التخطيط الإقليمي إلى حد كبير بالحكم المحلي واللامركزية.( ) ومركزية التخطيط القومي ترتبط ارتباطا قويا بلامركزية الاقتراح والتنفيذ ، أو بعبارة أخرى فإن مركزية التخطيط يتوقف نجاحها على لامركزية التخطيط الإقليمي. ( )
وارتباط التخطيط القومي بالمركزية أمر طبيعي – ذلك لأن أهداف التخطيط القومي تنسيق وتنظيم وحسن استخدام جميع الموارد الطبيعية والبشرية في سائر أنحاء الدولة ، وتوجيه هذه الموارد لتحقيق أهداف المجتمع ككل في فترة زمنية محددة ( )، ولذلك فإن تنمية المجتمع القومي لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق تنمية وحداته الأساسية وأقاليمه المحلية ، وهذا يعني أن الجهود التي تبذل لتنمية الأقاليم والمجتمعات المحلية هي جزء أساسي من التنمية القومية ، لأن تنمية الأجزاء تؤدي إلى تنمية الكل ( )
وبصفة عـامة لا يعتبر التخطيط الإقليمـي بديلا عـن التخطيط القومي الشامل ، بل هـو أحد أبعاده ، وأداة من أدواته ، وأسلوب مساعد ومكمل له على المستوى المحلي .
ويسعى كل من التخطيط الإقليمي والتخطيط القومي إلى تحقيق هدف مشترك ، وهو إحداث تغيرات كمية ونوعية ايجابية في مؤشرات التنمية ، وإن كان التخطيط القومي يؤكد على المشروعات ذات التأثير القومي للدولة بينما يركز التخطيط الإقليمي على المشروعات ذات التأثير الإقليمي ، ولذلك فإن أهداف التخطيط القومي هي أهداف كلية قومية تشمل كل أنحاء الدولة ، أما أهداف التخطيط الإقليمي فهي أهداف جزئية إقليمية. ( )
ويرى الكثير من المخططين أن التخطيط الإقليمي - لكي يكون أداه فعالة ، ووسيلة خلاقة – يجب أن يعتبر جزءا من التخطيط القومي ، بحيث يصبح مكملا لوظيفته ضامنا لتحقيق مهمته ، مؤكدا لشموله وواقعيته ومحققا لأهدافه ورسالته. ( )
والتخطيط الإقليمي في واقع أمره سابق على التخطيط القومي ، ودراسته سابقه على دراسة التخطيط القومي ثم تتجمع هذه الدراسات الإقليمية وينسق بينها ويوفق بين ما يتعارض منها ومن ثم ترفع إلى هيئات التخطيط المركزية لتتمكن من التنسيق والتوفيق بين هذه الخطط مع بعضها البعض في خطة وطنية متكاملة واضحة الأهداف والمعالم.( )
وتعتبر مشكلة التخطيط هـي توزيع المـوارد القـومية عـلى أوجـه استخداماتها المختلفة ، وفـي الأقاليم المتنوعة ، فلا بـد مـن أن يتولاها جهاز مركزي قادر على التأكد مـن توزيع المـوارد القومية ( )، وذلك لا يأتي إلا على أساس من التوازن الجغرافي والتوازن الاقتصادي بين الأقاليم والمناطق المختلفة.
وهـذا بـدوره يتطـلب زيـادة فعـالية التخطيط الإقـليمي حـتى يتـم الاستخدام الأمـثل لمـوارد الإقـليم وإمكانياته ، الذي عن طريقه يتم تحقيق أقصى نهوض ممكن بجميع أجزاء الحيز الجغرافي للدولة ، وذلك عن طريق التعاون المشترك بين هيئات التخطيط القومية والإقليمية، بهدف مواكبة الخطط القومية مع الاحتياجات والمشكلات والخصوصيات المحلية والإقليمية في الدولة.( )
التخطيط الحضري
يؤمن غالبية المختصين في التخطيط الحضري بأن التخطيط يلتمس التأثير في المستقبل عن طريق إجراءات معينة تتخذ فـي الـوقت الحاضر ، ودرجة التأثير في المستقبل تعتمد على نوع التخطيط المتبع : فهناك التخطيط الحضري الاستراتيجي والتخطيط الشامل والتخطيط التنفيذي . ويعرف التخطيط الحضري بأنه " وضع خطة لتحقيق أهـداف المجتمع فـي ميدان وظيفي معين لمنطقة جغرافية ما في مدى زمني محدد ... ويجب أن يكون واقعيا محققا للأهداف في الوقت المناسب. ( )
قـد يصعب الوصول إلى تعريف شامل للتخطيط الحضري لما نلاقيه أحيانا مـن اهتمـام المختصين بالجـوانب التي يعالجونها فبعـض منهم يركز على الجوانب المادية التطبيقية لعمـلية التخطيط الحضـري ، ويراه آخرون بأنه تخصص جديد يعني بتوظيف واستخدام الموارد الطبيعية والبشرية بهدف الوصول إلى تكوين وتطوير بيئة حضرية مناسبة لحياة الإنسان بحيث يستطيع أن يشبع حاجاته المادية والمعنوية. ( )
يسمى تخطيط المدن أحيانا التخطيط الحضري ( Urban Planning) ويعرف بأنه " فن وعلم تنظيم استخدام الأرض وتجديد صفات ومواقع الأبنية وطرق النقل والمواصلات بشكل يضمن أعلى درجة عملية من الاقتصاد والراحة والجمال.( )
التخطيط الحضري هو إستراتيجية أو مجموعة استراتيجيات تتبعها الجهات المسؤولة لاتخاذ قرارات لتنمية وتوجيه وضبط نمو وتوسع العمران في المدينة بحيث يتاح للأنشطة والخدمات الحضرية أفضل توزيع جغرافي وللسكان أكبر فائدة. ( )
التخطيط الحضري توجيه نمو المناطق الحضرية والذي يتحقق من خلاله أهداف اجتماعية واقتصادية تتجاوز المظهر العام لاستخدام الأرض الحضرية أو طبيعة البيئة الحضرية ويتم ذلك من خلال فعاليات حكومية لأنه يحتاج إلى تطبيق أساليب خاصة في المسح والتحليل والتنبؤ.(1)
يختلف التخطيط الحضري في طبيعته وخصائصه نظرا للطبيعة الخاصة التي يتعامل معها وهي البيئة الحضرية المعقدة سريعة التطور والتبدل والتحول ومن هنا يمكن تحديد بعض هذه الخصائص في المظاهر التالية :
- مراعاة الجوانب الاجتماعية والثقافية والنفسية كمكونات أساسية في المخططات التي توضع للبيئة الحضرية وبذلك يؤكد التخطيط الحضري على الربط بين الجوانب المعمارية والسلوكية.
- التعامل مع الخصائص الطبيعية والظواهر المختلفة في المناطق الحضرية.
- معالجة المنطقة الحضرية كوحدة مترابطة في جميع مكوناتها وعناصرها مع بعضها.
- ارتباط التخطيط الحضري كغيره من أنواع التخطيط الأخرى بقرارات سياسية وإدارية ومالية والتي على ضوئها تحدد الصلاحيات والدور الذي تمارسه أجهزة التخطيط.
- يتعامل التخطيط الحضري مع بيئة غير متجانسة اجتماعياً لوجود فوارق بين السكان في العادات والتقاليد والثقافة والدين وهذا ما يجب مراعاته عند وضع المخططات الأساسية والتصاميم الحضرية.
- تحقيق توازن إقليمي بين جميع المناطق ، والمقصود بالتوازن هنا هو الميل لتوجيه استثمارات التنمية الحضرية لجميع المناطق وعلى أوسع نطاق بدلاً من حصرها في مراكز محدودة فينتج عن تركزها مشاكل عديدة. ( )
المصدر : منتدى الجغرافيون العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق