الدلائل التاريخية والأثرية لجزيرة صاى
الطالبة: فاطمة محمد عثمان أحمد خليل
قسم الآثار كلية الآداب جامعة الخرطوم
المشرف: د. يحي فضل طاهر
ملخص البحث
يقع السودان في الجزء الشمالي الشرقي من القارة الأفريقية بين دائرتي عرض 22,4 شمال خط الاستواء وخط طول 38,33 شرق، ويعد أكبر دولة في القارة الأفريقية حيث تبلغ مساحته حوالي مليون ميل مربع.
أن موقع السودان الجغرافي المتفرد والحراك البشري بأبعاده الفكرية والثقافية جعلته واحداً من أغنى دول القارة الأفريقية ثراءً في مجال التراث الأثري حيث تقف المواقع الأثرية شاهدة على تواصله الحضاري بدءاً بعصور ما قبل التاريخ وحتى الديانات السماوية (المسيحية والإسلامية).
تقع الولاية الشمالية بين دائرتي عرض 16-12درجة شمالاً وخطي طول 30-32درجة شرقاً وتتاخم حدودها دولياً جمهوريتي مصر وليبيا. شهدت هذه المنطقة عبر تاريخها الثقافي الطويل تواصلاً حضارياً منقطع النظير.
فجزيرة صاي واحدة من أهم مناطق شمال السودان التي تذخر بالعديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة منذ فترة العصور الحجرية القديمة إلى الفترة الإسلامية، متمثلة في العمائر بمختلف أنواعها(الدينية ،المدنية والجنائزية) بالإضافة إلى العادات والتقاليد الاجتماعية المتجذرة منذ القدم.
وعندما نود صياغة دراسة لموقع جزيرة صاي فلابد من الأخذ في الاعتبار للدراسة الجغرافية، والتي تضم الجغرافيا الطبيعية والبشرية، حيث نحدد من خلالها المساحة التي شملت نشاطات الإنسان القديم، ومدى انتشارها، والعوامل المساعدة على ذلك.
وقد تم التركيز في هذه الدراسة على قلعة صاي التي مرت بحقب تاريخية مختلفة، وكما تتناول الدراسة سرد لنتائج البعثات الأثارية العاملة في المنطقة؛ كل ذلك لوضع دراسة متكاملة عن موقع جزيرة صاي والتعرف على دوره في ازدهار حضارات شمال السودان.
تعريف بمنطقة الدراسة:
تقع منطقة السكوت في الولاية الشمالية وهي المنطقة الواقعة بين منطقتي حلفا والمحس وتمتد بين قرية سونكي الواقعة جنوب وادي حلفا المغمورة بمساحة مائة وعشرين كيلو متراً وبين قرية اشّمتو التي تقع على مسافة مائتين وعشرين كيلومتراً إلى الجنوب من وادي حلفا، وتقع منطقة السكوت بين خط عرض (29: 20درجة) جبل دوشة جنوباً وخط عرض (13: 21 درجة) قرية سونكي. (مُسل: 1973: 5)، (خريطة وصورة جوية رقم 1).
وتعتبر جزيرة صاي واحدة من الجذر التي تقع في منطقة السكوت حيث تعتبر ثاني أكبر جزيرة في السودان بعد جزيرة مقرات، وتبلغ مساحتها 445كلم (Geuse: 1994: 95).
ويبلغ طول الجزيرة 12كلم وعرضها 4.5كلم تقريباً، وتقع الجزيرة على بعد 180 كيلومتر على الجنوب من وادي حلفا أي في النهاية الجنوبية لشلال دال والذي يبدأ بحدود صخرية شمال عمارة (Vercoatter: 19958: 144).
معنى اسم صاي:
أطلق أسم صاي بواسطة كل من بكهارت (Buckhardt) وادنجتون (Waddington) وها نبري (Hanbury) بـ Say و Saide بواسطة لينانت بلفوند (Linat Bellefond) وبلفظ Says بواسطة كايو (Cailliaou) وبلفظSais بواسطة هوسكن (Hoskins) وهو الاسم المصري القديم للجزيرة أو المستوطنة. والذي يلفظ بـ Zah أو Zadej في النقوش المسيحية التي وجدت في الجزيرة. وبلفظ Shaye في الصيغة المروية (Ibid: 145).
وفي الأدب الشفاهي لدي أهل صاي، هنالك قصة مفادها أن صاي في أزمانها الغابرة لم تكن جزيرة، بل كانت مجرد قرية تقع على الضفة الغربية من نهر النيل، وكان يحدها من الغرب وادي منخفض، وكان الناس في الأصل يقطنون على الجانب الشرقي. وتقول الحكاية الشعبية أن أهالي صاي قرروا أن يحفروا قناة في ذلك الوادي المنخفض، تجعل من صاي جزيرة وبالفعل قاموا بالمهمة في ساعة واحدة فقط، ومن حينها أصبح اسمها جزيرة"ساعة" فتحرف الاسم ليصبح أخيراً صاي.
هذه الحكاية قد تفدي بالمرء ب.المسارعة لدحضها، وذلك لاشتمال الاسم على كلمة عربية مثل "ساعة" لكن لابد من الحذر لدى التعامل مع التراث الشفاهي وذلك لأنه يمكن أن يسافر عبر القرون، دون تغيير جوهري يستحيل معه تتبع القصة النواة (هاشم: 2006: 19).
شيخات وقرى صاي:
تنقسم صاي إلى أربعة شياخات هي: أرودين في النهاية الجنوبية للجزيرة، صيصاب في النهاية الشمالية، عدو في الجانب الشرقي، ثم موركة في الجانب الغربي. (www.sai.com ).
نماذج لبعض القرى الموجودة في المشايخ الأربعة:
- مشيخة صيصاب (Seysaab):
الكلمة بالانجليزية
|
النطق بالنوبية
|
المعنى
|
Saap
|
ساب
|
الطرف الشمالي لأي قرية
|
Koshmaagn-eskalee
|
كوشما- أسكلي
|
ساقية القطن
|
Hooja
|
هّوجا
|
أستاذ باللغة التركية
|
Yasski
|
ياسكي
|
اسم علم- وهم آخر أسرة مسيحية بصاي
|
Dalgij
|
دلقج
|
يوجد به كاتدرائية صاي
|
- مشيخة موركي (Morkee):
الكلمة بالانجليزية
|
النطق بالنوبية
|
المعنى
|
Dambo
|
دامبو
|
المنطقة المرتفعة
|
Orwiin
|
اوُرويين
|
قرية الملوك
|
Doki dawwi
|
دوكي دوّي
|
التل الكبير
|
Kaande
|
كاندي
|
نوع من النباتات
|
Kurunbus
|
كرونبس
|
اسم علم من العصر المسيحي
|
- مشيخة عدو (Ado):
الكلمة بالانجليزية
|
النطق بالنوبية
|
المعنى
|
Saayn diffi
|
ساين دُفي
|
قلعة صاي
|
Abdennebiin
|
عبد النبيين
|
حلة عبد النبي
|
Shorto
|
شوّرتو
|
حلة القسيس
|
Gorti kolod
|
قورتي كوّلد
|
السبعة شيوخ
|
- مشيخة ارودين (Aroodin):
الكلمة بالانجليزية
|
النطق بالنوبية
|
المعنى
|
Kafir
|
كفرّ
|
كان يوجد بها آثار مسيحية
|
Miirii
|
ميري
|
الأرض الحكومية
|
Taffadaagar
|
تفّا- داير
|
الحجرة المقدسة
|
Aman feg
|
امن-فق
|
خط تقسيم المياه
|
الجغرافية الطبيعية:
تقع منطقة الدراسة في نطاق المناخ الصحراوي المتميز بشهور فصلية واضحة حيث يبدأ فصل الصيف اعتباراً من منتصف أبريل وحتى نهاية سبتمبر حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة العليا خلال هذا الفصل (45Oم)، أما فصل الشتاء الذي يمتد من أكتوبر وحتى أبريل فيمتاز بالبرودة الشديدة حيث تصل درجة الحرارة الدنيا 5 درجات خلال شهري ديسمبر ويناير وترتفع ما بين 17 O-20 Oم خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، تتميز المنطقة بندرة وقلة الأمطار في فصل الخريف، حيث تسقط الأمطار قليلة أقل من مليمتر، عندما يتخطى الفاصل المداري منطقة الدراسة شمالاً. (أحمد، 2000: 22).
الطبوغرافيا:
تقع منطقة الدراسة في نطاق الصخور الأساسية حيث تظهر هذه الصخور على السطح مباشرة في شكل تلال صخرية ونجد في المنطقة جبل واحد فقط وهو جبل عدو ويقع في شرق المنطقة.
الغطاء النباتي:
تغطي المنطقة نباتات وأشجار طبيعية يستفيد منها الإنسان في حياته اليومية منها أشجار الدوم (العاج النباتي)- الحراز- السيال- السنط- الطرفا- الطلح- العشر- الطندب والصفصاف بالإضافة إلى العديد من النباتات العشبية والحشائش الموسمية.
الغطاء الحيواني:
تتميز المنطقة بوجود العديد من أنواع الحيوانات والتي تتمثل في الأبقار- الجمال- الحمير- الأغنام- الكلاب- الدجاج- الحمام- البط وبعض الطيور المهاجرة التي تأتي في مواسم مختلفة.
الجغرافية البشرية:
العمران: الريف هو البيئة الجغرافية للمحلات العمرانية ذات السمات السكانية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية المتميزة، والمجتمع الريفي هو الذي يعمل سكانه في إنتاج الطعام، كما أن العلاقات السائدة بين سكان المجتمع الريفي تختلف عن تلك السائدة بين سكان المجتمع الحضري من حيث الطبيعة والخصائص والأهداف. (الزوكة: 1991: 17).
المساكن:نجد أن معظم المنازل الموجودة في منطقة الدراسة منازل نوبية قديمة وعتيقة مبنية من الطوب اللبن، وتصميمها واحد فقط، مع اختلاف الاتجاهات، أما الأبواب والشبابيك فهي مصنوعة من الخشب (صورة رقم 1). وللمرأة النوبية دور كبير في تزيين المسكن وذلك بعمل زخارف على أرضية المسكن والحوائط.
الخدمات الاجتماعية: تتمثل في: المواصلات- الصحة- التعليم- المساجد ...إلخ.
النشاطات الاقتصادية: يعتمد سكان المنطقة على زراعة النخيل والذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد المحلي. أما المواسم الزراعية تتمثل في الموسم الشتوي- الصيفي- الدميرة، وفي كل موسم هنالك محاصيل زراعية معينة تتم زراعتها، في بحاجة إنسان المنطقة. أما نشاطاتها الاقتصادية الأخرى تتمثل في: تربية الحيوان وصيد الأسماك- التجارة وتشمل تجارة التمور؛ حيث يقوم التجار بترحيل وبيع التمور المختلفة إلى دنقلا والخرطوم والمناطق المجاورة- الصناعة فتتمثل في صناعة الفخار- المراكب الشراعية- حرفة الحدادة- البروش والسلال وغيرها من الصناعات المحلية الصغيرة.
الحياة الاجتماعية والسياسية:
ينقسم السكان بالمنطقة إلى خمسة فئات وهم: 1) المزارعون: وهم سكان المنطقة الأصليون والذين يمتلكون الأراضي الزراعية. 2) رجال الدين: هم من العرب الوافدين وغيرهم من رجال الدين الذين جاءوا من خارج المنطقة واختلطوا مع النوبيين بالتزاوج. 3) الحدادون: ولهم أدوار هامة في المجتمع النوبي حيث يقومون بصنع الآلات الزراعية إلى جانب المراكب الشراعية. 3) العرب: وجدت بعض المجموعات العربية والتي تقطن أطراف القرى في المنطقة وقد تأثروا بالثقافة النوبية وأجادوا اللغة النوبية بجانب لغتهم العربية. 5) الرقيق: قديماً في المنطقة كانوا يهتمون بكل العمليات الزراعية إلى جانب أعمال أخرى مثل رعاية الحيوانات والنظافة ... إلخ. واليوم نجد طبقة الرقيق تلاشت وأصبح لهم مكانة في المجتمع وهم يعيشون في المنطقة ويمارسون نفس العادات والتقاليد ويجيدون اللغة النوبية. ولهم منازل ولكن لا يتزاوجون مع السكان الأصليين. (إبراهيم: 2004: 128).
أما التنظيم الاجتماعي في منطقة النوبة فهو ينقسم إلى ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: مستوى الأسرة وفيه المرأة هي المسئولة عن إدارة شؤون المنزل نيابة عن الرجل وهو في الغالب غائب لجلب الرزق.
المستوى الثاني: هو الإركي (الحلال) وهو مؤسسة اجتماعية تربط بين الأسرة المختلفة ونجد مركزها المسيد. ونجد أن المرجعية والقيادة لكبار السن وذوي العقول الراجحة.
المستوى الثالث: مستوى الحكم المحلي التابع للسلطة المركزية والإقليمية ويضم مجموع القرى المجاورة ورأس هذه السلطة المركزية هو الشيخ أو العمدة. (المصدر السابق: 30). حيث كان قديماً يتربع شيخ على رأس كل مشيخة ويعتبر هو الزراع الأيمن للعمدة وكان ذلك قبل أن يتم إيقاف نظام العمودية من قبل نظام مايو في بداية السبعينات، وكان من مهام العمدة فض النزاعات وحل القضايا الاجتماعية كالورثة والطلاق... إلخ.
أما اللغة المستخدمة بموقع الدراسة فهى اللغة النوبية.
صاى عبر التاريخ:-
صاى عبر التاريخ:-
تاريخ البحث الأثري في جزيرة صاي
قبل فك رموز اللغة الهيروغليفية في مطلع القرن التاسع عشر، كان مصدر المعرفة بالحضارات القديمة في بلاد النوبة والسودان هو ما دونه الكتاب الأغريق والرومان ورجال الدين البيزنطي، وبصورة أكثر اتسعاً الكتابات العربية، والفترات التي شملتها هذه المدونات اقتصرت على الفترة المروية وما يليها المسيحية ومنها الإسلامية.
في العام 1821م أرسل محمد علي باشا جيوشه التركية على بلاد النوبة وصحب جيش الفتح عدد من المغامرين والرحالة الأوربيين الذين جذبتهم تقارير الكتاب الكلاسيكيين عن إثيوبيا ومدينة مروي الأسطورية ، وعمل الرحالة على وصف ورسم خرط ورسومات. تمثل هذه الأوصاف المصدر الوحيد لمعرفتنا ببعض الآثار التي اندثرت منذ ذلك الحين لذا انجازهم أصبح ذا قيمة لا يستعاض عنها في دراستنا الحديثة. (بونيه: 1997: 15).
ومن الرحالة الأوربيين الذين زاروا جزيرة صاي بوركهارت (Burkhardt) في العام 1913م وادينقنون (Waddigton) وهنبري (Hunbury) في العام 1820م و1821م. كما زار صاي الرحالة الفرنسي فردريك كايو(F.Cailliand) في يناير من العام 1821م ولينانت بلفوند (Linant Bellefonds) وبونومي (Bonomi) وهوسكن (Hoskins) في العام 1833م وليبسوس (Lepsins) في العام 1844م، ودينهام (Dunham) وبلاك مان(Blackman)، وكيروان (Kirwan)، قبل الحرب العالمية الثانية. وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945م زار جزيرة صاي كل من آركل (A.J. Arkell) وثابت حسن ثابت وكتبوا تقارير عن المواقع الأثرية وآثار جزيرة صاي.
بدأت البعثة الفرنسية حفرياتها في جزيرة صاي عام 1953م عندما توقفت أعمالها الأثرية في مصر نتيجة للخلاف بين مصر وفرنسا لذا لم تتمكن من إكمال حفرياتها في موقع دارا. فاتجهت أبحاثها في منطقة النوبة السودانية وتم اختيار موقع صاي والذي بدأ العمل فيه عام 1953م إلا أنه توقف مع بداية الحملة الوطنية لإنقاذ آثار النوبة حيث استأنف في العام 1969م وما تزال البعثة الفرنسية تعمل في جزيرة صاي مع الهيئة القومية للآثار والمتاحف.
صاي عبر العصور الحجرية:
تم الكشف عن المواقع الأثرية التي ترجع إلى العصر الحجري القديم بجزيرة صاي بواسطة أ.ج آركل في أربعينات القرن الماضي فقد ذكر وبالتحديد موقع على سفح جبل عدو وفي وصف نظري أكد آركل إمكانية هذا الموقع في كشف معلومات عن أصل السكان في العصر الحجري لشمالي أفريقيا. وفي السنوات اللاحقة أخذ الموقع رسمياً الرمز 8-ب-11 ولم يكن هنالك عمل ميداني تم أداءه، حتى تم إعادة اكتشافه في العام 1996م بواسطة يتم بلجيكي رافق البعثة الأثرية الفرنسية إلى صاي. ومنذ العام 1996م أجريت ستة مواسم حقلية وتم اكتشاف بقايا ثمان سكن بشرية على الأقل خلال العصر الحجري القديم وتم تحديديها حيث تتراوح في الزمن بين حوالي نصف مليون إلى100.000 سنة مضت، وبهذا قدمت دليل على أن صاي تعتبر من أقدم المستوطنات البشرية التاريخية. (Anderson: 2004: 25). صورة رقم (2) و(3)
صاي في العصر الفرعوني:
تعتبر صاي واحدة من المدن السودانية التي ازدهرت في عصر المملكة المصرية الحديثة حيث كان عصرها عصر تقدم صناعي في السودان خاصة بعد تل العمارنة، واستخدمت جزيرة صاي للتجارة ويظهر ذلك بذكر صاي باسم (شات) في المخطوطات المصرية آنذاك. (عبد الغني: 1971: 117).
ويحتل المعبد الفرعوني في صاي الذي بناه أحمس معبداً لزوجته نفرتاري موقعاً استراتيجياً حيث تطل على النيل مباشرة. صورة رقم (4). قام (جان فيركوينه) بحفرياته الرئيسية وذلك بحفر أنقاض المعبد حيث عثر على مجموعة هامة من ودائع أثاثات الأسرة الثامنة عشرة (رينولد: 2000: 105).
وظلت صاي واحدة من أهم المراكز الفرعونية في منطقة النوبة، وكما أوضح (جان فيركونيه) في العام 1986م بأن موقع صاي يعتبر الموقع الوحيد في النوبة الذي يمدنا بالوثائق التي تذكر تقريباً كل الفراعنة من الثامنة عشر إلى العشرين من الفترة الفرعونية. (Anderson: 2004: 116).
صاي في فترة ما قبل كرمة:
تعرف أهم حضارتين ما قبل كرمة باسمي المجموعة "أ" والمجموعة "ج". المجموعة "أ" تمتد هذه الثقافة جنوب الشلال الأول على حدود ملك ناصر شمال شلال دال، المجموعة "ج" قامت على أنقاض المجموعة "أ" والتى تعتبر أكثر تطوراً عن سابقتها حيث استقر أصحابها في قرى دائمة صغيرة مشيدة من الطين كما قاموا بتربية الماشية، حيث عثر على عظامها في مقابرهم. وقد امتدت هذه الثقافة من الشلال الأول شمالاً حتى الشلال الثالث. (الشيخ: 2007: 28-29). أما فترة ما قبل كرمة انحصرت في المنطقة بين الشلالين الثاني والثالث. وؤرخ لها في الفترة ما بين 3000-2500 ق.م (دفع الله: 1999: 223).
صاي في فترة حضارة كرمة:
كان لصاي أهمية قصوى في تحديد المراحل التطورية التي مرت بها حضارة كرمة، حيث قامت برجريت جراسيان (Gratien.B) في العام 1978م بوضع تصنيف عام لفخار حضارة كرمة معتمدة على مادة أثرية في جزيرة صاي واضعة بذلك تقسيماً داخلياً لحضارة كرمة. حيث تتوافق فترة كرمة القديمة مع فترة الدولة المصرية القديمة والمرحلة الانتقالية الأولى (2550-2050 ق.م) وتتزامن مرحلة كرمة الوسطى مع الدولة المصرية الوسطى، والأسر من الأسرة الحادية عشر إلى الأسرة الثالثة عشر حوالي (2050-1750 ق.م)، وتتزامن مرحلة كرمة الكلاسيكية تقريباً مع المرحلة الانتقالية الثانية والأسر من الرابعة عشر إلى السابعة عشر (1750-1570 ق.م)، ويتزامن طور أخير، ما بعد كرمة أو كرمة المتأخرة مع الفترات التي أعقبت مباشرة الاحتلال المصري لكرمة في مطلع الأسرة الثامنة عشرة المصرية (1750-1450ق.م) (Garttian: 1987: 42).
استقر سكان كرمة في المناطق التي تمتد بين الفرع الرئيسي للنيل والذي يقع في شرق الجزيرة ومقبرة كرمة الكبرى، مما يعني أن موطن كرمة كان يوجد على مساحة واسعة، حوالي 2كيلومتر طولاً، ومن 200-300متر عرضاً. (Ibid: 45).
ويذكر علي عثمان أن جزيرة صاي في فترة حضارة كرمة كانت تمثل محطة رئيسية للتجارة حيث كانت تلعب دور مهم في الخط التجاري بين مصر وكرمة التي تقع مع حدود الشلال الثالث. وربما أن صاي كانت تمثل العاصمة الثانية لكرمة (مقابلة شفاهية).
صاي في العهد النبتي و المروي (كوش):
أن اصطلاح كوش تسمية للملكة النبتية المروية. حيث تبدأ الفترة النبتية "نبتا" حوالي (850-270 ق.م) وتواصلت في الحقبة المروية "مروي" حوالي (270-350 ق.م) حيث شكلت العاصمتين المتتاليتين، ورمزين للحقبتين الرئيسيتين على مدار أكثر من ألف عام. وقد كانت حفريات الجبانات الملكية هي التي كشفت النقاب بشكل عام عن تسلسل ملوك نبتة (رينولد: 2000: 114).
بجانب كرمة والكرو والكدادة تحتوي صاي على أحد أهم جبانات الأسرة الخامسة والعشرين والفترة النبتية عامة. (هاشم: 2006: 26).
ومن خلال التنقيبات التي قامت في قلعة صاي وما جاوره من المواقع الأثرية، اكتشف موقع مروي وهو عبارة عن مبنى من الطوب اللبنّ يمثل عدد من الغرف وأعمدة حجرية، وأيضاً وجد الفخار المروي المعروف ومصابيح صغيرة ( 1958:58: Vercouter)، وإلى الجنوب الغربي من المدينة الفرعونية توجد مقابر مروية. (صورة رقم 5) ولبعضها بناء فوقي في شكل هرم، وكثير من الأغطية الهرمية الشكل ذات البروز القصير والعمودي الاسطواني قد وجدت في مروي وصاي (Derek: 1996: 110).
صاي في فترة الممالك المسيحية:
تلت فترة انقضاء الحضارة المروية حقبة غموض لم يتبين منها شيء نسبة لصمت المصادر عنها، وتجدد ذكر السودان في المصادر عندما انتشرت المسيحية خاصة في مصر. (شبيكة: 1991: 21).
قامت في بلاد النوبة ثلاث ممالك نوبية تدين بالمسيحية نوباتيا في الشمال وعاصمتها فرس، مقوريا أو (المقرة) في الوسط وعاصمتها دنقلا، علوة في الجنوب وعاصمتها (سوبا) (فانتين: 1978: 23). وقد انتشرت المسيحية عبر المذهبين اليعقوبي والملكاني- وقد انتشرت الكنائس، إلا أن مركز الإشعاع الديني محلياً انحصر في الكاتدرئيات وقد كانت هنالك ثلاثة منها في كل من فرص والثالثة في صاي ويوجد عليها أسقف وليس مجرد قسيس (هاشم: 2006: 27).
وتشير جميع كتابات المؤرخين العرب والمصادر القبطية كذلك أن بلاد النوبة (المقرة وعلوة) اتجهت زعامتها الروحية إلى الكنيسة المصرية وتضم بلاد النوبة ثلاث عشرة أسقفية (كرسيا) تابعة للكنيسة المصرية التي كانت تتولى تعيين الأساقفة وإرسالهم إليها، وكانت صاي مقراً لإحدى هذه الأسقفيات. (مسعد: 1972: 92).
أما المواقع التي تعود للفترة المسيحية في صاي فهي شاخصة إلى حد ما وقام بتسجيلها ثابت حسن ثابت في عام 1954م (Vercouter: 1958: 150).
أما عن شكل التصميم فيرى آركل أن بعض الكنائس في صاي بنيت على شكل قلاع مستطيلة من الحجر يعلوها أبراج وهي تشبه ذلك الطراز الأوروبي المعاصر الذي استخدمه الصليبيون في مصر وسوبا (Arkell: 1955: 194).
وتعرف آخر أسرة مسيحية كانت تعيش في صاي باسم (ياسكي). ثم كان أن انتهت المسيحية في جزيرة صاي متمثلة في الكاتدرائية التي لا تزال أعمدتها المنحوتة من الجرانيت الرمادي تبرز في منطقة مغطاة بكسار الطوب المحروق وقطع الفخار في الموقع المسمى دلقج (Dalgij) صورة رقم (6). (هاشم: 2006: 43-44).
صاي في فترة الفونج والتركية:
كان سقوط مملكة المقرة على يد العرب المسلمين، واعتلاء عرشها ملك مسلم سنة 1317م تمهيداً لتحول السلطة في كل أقاليم السودان الأوسط والشمالي للقبائل العربية المسلمة، وقد مرت فترة ليست بالقصيرة في قيام مملكة الفونج الإسلامية سنة 1504م، حيث تكاثر فيها العرب في إقليم علوة، ويرد وجودهم بصورة واضحة، حتى طغى على السكان الأصليين وانتشر الإسلام يوماً بعد يوم (حسن: 1972: 43).
وفي فترة السلطان سليم الثاني 1583-1586م في هذه الفترة حدث تغيير رئيسي في سياسة الحدود حيث اتبعت سياسة التقدم ومد الحدود جنوباً مستهدفين سلطة الفونج فتقدم العثمانيون عبر بطن الحجر في جزيرة صاي وجنوبها ووقعت معركة حنك الشهيرة بين الفونج والعثمانيين (10 كلم شمال الحد الجنوبي للشلال الثالث) وقد اختيرت جزيرة صاي لإقامة قلعة فيها. فوجدوا قلعة تعود إلى الفترة المسيحية المتأخرة، تحطمت جدرانها الشمالية. قام العثمانيون بإعادة بناء الحائط الشمالي وشيدت سنجوقية جديدة في منطقة الشلالين الثاني والثالث (سنجوقية المحس) والتي ألغيت بعد عام من إنشائها وأصبحت قلعة صاي من أهم الدفاعات الحدودية. ويظهر الإسلام في المنطقة بوجود مسجد متهدم لم يتم تنقيبه بعد، وأيضاً وجود القباب والمقابر الإسلامية القديمة ومثال لذلك مقبرة (عبد ربه) التي تتوسط مشيختي موركي وارودين، حيث يقوم الأهالي بزيارة المقبرة تبركاً في الأعياد والمناسبات الدينية. صورة رقم(7).
صاي في فترة الاستعمار التركي المصري 1820-1885م:
في فترة الغزو التركي المصري كانت تحكم صاي أسرة تركمانية تعرف بالوردياب، والمعروف تاريخياً أن قلعة صاي لم تتأثر البتة لا بفرق المماليك العسكرية الهاربة جنوباً في الأعوام (1810-1820م) ولا بحملة إسماعيل باشا أول قدومها (Alexander: 2000: 12).
ويبدو أن الوردياب تحصنوا بقلعة صاي وذلك بالانزواء داخل الجزيرة فلا هم خرجوا منها ولا هم سمحوا لأحد أن يدخلها، فبركهارت لم يتمكن من دخولها لأنه لم يجد معدية، كما فشل في ذلك ايضاً وادنجتون وهانبري لنفس السبب فاكتفايا بالنظر إليها من البر الشرقي وثم واصلا سيرهما إلى قرية كويكة بالضبط كما فعل بركهارت قبلهما بتسع سنوات (هاشم: 2006: 76).
ويذكر الراوى محمد علي أن إسماعيل باشا قام بحصار القلعة من الضفة الشرقية للنيل، وقام بإرسال رسول للتفاوض مع وردي باشا وذلك بأن يسلم وردي باشا كل الاموال الموجودة في خزينة القلعة، إلا أن والدة وردي باشا رفضت تسليم الخزنة، حينها قام إسماعيل باشا بقذف القلعة بالبنادق والمدفعيات، ولأنه كان يقف في الضفة الشرقية للنيل فكانت المسافة التي تفصل بينه وبين القلعة بعيدة، فقام الجيش باجتياز البحر وعملوا على ضرب القلعة فتهدم البرج الشمالي الغربي. (رواية شفاهية مسجلة).
ومنذ ذلك الوقت هدأت البلاد ولم يعد يسع فيها صوت حرب حتى كانت الفترة المهدية سنة 1885م.
صاي في الفترة المهدية:
كانت الثورة المهدية قومية شارك فيا جل أهل السودان، وكان الإمام المهدي رمزاً للقومية السودانية متقدماً على زمانه. إلا أن الدولة المهدية جاءت على عكس ذلك دولة دينية، مركزية متسلطة فكانت وبالاً على السودانيين فالثورة المهدية تمكنت من توحيد السودانيين بينما فرقتهم الدولة المهدية. وهذا ما عانى منه أهالي صاي وباقي القرى والبلدان النوبية من حكم الأنصار، وإبان الثورة هاجر أهالي صاي إلى مصر هرباً من جيش ود النجومي، وقد ارتكب الأنصار من الفظائع ما يزال يحكى عنها حتى الآن. (هاشم: 2006: 91). وعندما انهزم ود النجومي في توشكي ابتهج النوبيون وقد قال شاعرهم.
ود النجومي التي كان مصيبتنا *** الله موته في طـوشكي ياخينا (بابكر: 1955: 70)
صاي في ثورة 1924م:
لعب النوبيون دوراً كبيراً في جمعية اللواء الأبيض وثورة 1924م فعلي عبد اللطيف وسيد فرح، وتوفيق صالح جبريل، ومحي الدين جمال أبو سيف كلهم من الشريط النوبي. أما من صاي فقد شارك في تلك الأحداث اثنان: هما شاعر الوطنية الأول خليل فرح وزين العابدين عبد التام وكلاهما من صيصاب، وتحديداً من ساب. (هاشم: 2006: 101).
العمل الميداني:
قلعة صاي: خلفية تاريخية عن موقع الدراسة:
الرحالة الذين زاروا القلعة: بين عامي 1672-1673م زار بلاد النوبة في طريقه إلى سنار الرحالة التركي اوليا شلبي وقد مكث بقلعة صاي وحكى أن بها عدة مدافع وأسلحة نارية وزخائر، وذكر أن بالقلعة شيخاً للإسلام وقاضياً له اتصال بقاضي قلعة أبريم (Prokosch: 1994: 110-120).
الدراسات الأثرية السابقة عن موقع القلعة:
من خلال الحفريات عام 1955-1957م وجدوا أن القلعة بها خمس طبقات أثارية هي:
الطبقة الأولى: تعتبر الأقدم وتقع في الجزء الشمالي الغربي، وقد أُرخت إلى فترة الملك تحتمس الثالث، وهو عبارة عن غرفة مستطيلة.
الطبقة الثانية: بنيت فوق الطبقة الأولى وأُرخت إلى الفترة المروية.
الطبقة الثالثة: وجدوا أن مستوى الطبقة غير سميك وأرخت إلى فترة (Xgroup) أي ما بعد مروي.
الطبقة الرابعة: أرخت إلى الفترة المسيحية حيث وجدوا الفخار المسيحي الملون والمنقوش.
الطبقة الخامس: أرخت إلى ما بعد المسيحية وهي الفترة التركية في القرن السادس عشر الميلادي (Vercoatter: 1958: 152-162).
في العام 2004 قام ديسباقن (Despagna) بعمل خريطة تفصيلية للأبنية المتباعدة من القلعة وبهذه الخريطة تأكدوا بأن القلعة قامت على أنقاض مباني قديمة قد تعود للفترة المسيحية. (Geus: 2002: 70).
وفي حفريات 1975م تم اكتشاف امتداد لموقع القلعة شمالاً، وفي السنوات الأخيرة تم اكتشاف قطع فخارية بأحجام كبيرة ترجع للفترة المسيحية والفترة المروية وما بعد مروي والفترة المصرية، وبعض من قطع الفخار ترجع للعصور الحجرية الحديثة ولكن أكثر الفخار الموجود يرجع للفترة المسيحية بهذا اتضح أن الموقع مستقل يعود للفترة المسيحية (تقرير البعثة الفرنسية، جامعة ليل: 2007-2008م.).
اسم الموقع
|
الإحداثيات
|
الوصف
|
المهددات
|
صاي دفي
Sia Diffi
|
N O44
E O19
|
تقع في الجزء الشرقي من الجزيرة في مشيخة عدو في هضبة مرتفعة بالقرب من النيل الذي يحده من الناحية الشرقية مباشرة وهو عبارة عن قلعة ضخمة من الطوب اللبن وتبلغ مساحتها حوالي 238×140م2 ويتخذ في شكل مستطيل اتجاه شرق غرب ويطلق عليه أهل المنطقة مصطلح Diffi وهو لفظ نوبي محلي يطلق على بعض أنواع التحصينات (صورة جوية رقم 2)
|
1) وجود الموقع بالقرب من النيل يشكل مشكلة كبرى نسبة للرطوبة التي تؤثر على المباني الطينية.
2) الرياح الموسمية التي تؤدي إلى نخر المباني والتي تؤدي في النهاية إلى انهيارها.
3) الموقع غير مسور مما يعرضه للنهب والسرقات.
4) مرور الأهالي بالموقع واستخدام المواقع الأثري طريقاً للقرى المجاورة مما يهدد المواقع بإحداث التلف.
|
موقع العصر الحجري القديم
|
N O 42
E O 20
|
يقع جنوب القلعة ويبعد عن النيل حوالي 1كلم تقريباً. الموقع يوجد على السفح الجنوبي بجبل عدو وهو عبارة عن سك استيطاني حيث تم التعرف عليه خلال الحفريات التي أجريت به. ويغطي الموقع كميات كبيرة من الحجارة والأدوات الحجرية.
|
يعتبر ممر للعربات التي تربط بين مشيخة عدو ومشيخة أرودين.
|
موقع جبانة كرمة
|
N O 44
E O 19
|
يقع غرب القلعة ويبعد عن النيل حوالي 1.5كيلومتر تقريباً وهو عبارة عن جبانة كبيرة تعود لفترة كرمة مقاساته 9×9 متر تقريباً ووجدت به كميات كبيرة من شقف الفخار.(صورة رقم 8).
|
مرور العربات (التركترات)والمشاه العابرين
|
الكاتدرائية
|
N O 44
E O 19
|
يقع في شمال الجزيرة في منطقة صيصاب الموقع عبارة عن كاتدارئية تعود للفترة المسيحية وبها4 أعمدة من الجرانيت ويغطي الموقع كميات كبيرة من كسار الطوب المحروق والفخار المصنوع باليد والعجلة.
|
الحالة التي عليها الوقع غير جيدة حيث تحيط به المناطق الزراعية بطل الاتجاهات وهذا يعتبر مهدد رئيسي وبالقرب منه يوجد طريق العربات.
|
الخاتمة
من خلال الدارسة الميدانية لمواقع الأثرية تم تحليل المعثورات والموجودات الأثرية واستخدم فيها المنهج الاثاري التاريخي الوصفي. حتى تكتمل الصورة العامة للدراسة منطقة صاي.
معني صاي من خلال المخطوطات المصرية وكتاباتها القديمة وكتاباتها باللغة الهيروغليفية في مخلفات تلك الحضارة يدل علي أن المنطقة كانت تمثل مدينة مصرية هامة واكتسبت نفس السمة في الحضارات السودانية مثل حضارة كرمة، مروي، نبتة، المغرة، المسيحية، فمثلا في الحضارة المصرية القديمة كان يطلق عليها اسم شات وفي الفترة المسيحية يطلق عليها سايس وهذا يدل على أن الموقع استمر كموقع مهم عبر تلك الفترات التاريخية واستمرار الحضارة فيها والنشاط السكاني دون انقطاع.
الموقع الجغرافي لجزيرة صاي اكتسب ميزة خاصة به في شمال السودان حيث تتوسط النيل وحفته بكل الجوانب وساعدت الطبيعة الجيولوجية علي ذلك مما جعلت منه موقع استراتيجي آمن يضمن الاستقرار الدائم وهذا ماتدل عليه الآثار الموجودة في الجزيرة من المراكز الدينية ومراكز النشاط السكاني والمدافن وتعددت كل تلك الوحدات لتكون موقع اثري يشمل كل أنواع النشاطات الإنسانية القديمة مما يدل على أن هذه الجزيرة يمكننا أن نطلق عليها مركز حضاري وليس موقع اثري مفرد.
وجود معثورات تعود للعصر الحجري القديم أكد أن الموقع شهد تلك الفترة وربما كانت الثقافة الأولي للإنسان القديم أي مايطلق عليه أول إنسان في السودان (إنسان خور ابوعنجة) وتميزت فترته بمعثورات أثرية عبارة عن أدوات حجرية يعود لذلك الإنسان القديم، من خلال ما ذكر يعتقد أن جزيرة صاي شهدت الفترات الأولي لنشوء الثقافة وربما تكون أقدم من إنسان خور ابوعنجة أو معاصرة له وهذا مادلت عليه الأدوات الحجرية في الموقع ومن خلال الحفريات التى تمت بها.
في موقع جبانة كرمة وجدت بعض حفر التخزين في مساحات واسعة من الموقع، ومن خلال دراسة المقارنة وربط هذه الجبانة وحفر التخزين بما وجد في حضارة كرمة يعتبر من دلائل الاستقرار وممارسة النشاط الزراعي حين تحول الإنسان من الرعي والالتقاط.
من خلال الدراسات السابقة من تصنيف حضارة كرمة وفق ما عثر عليه في هذا الموقع حيث تعتبر الجزيرة في فترة حضارة كرمة تمثل خط الدفاع ثاني شمال الشلال الثالث وكل القري التي جاءت متقدمة من الأمام تجعل من صاي خط الدفع الثاني. نلاحظ إن أهمية الشلال الثالث كانت تكمن في حركة التجارة التي تعتبر من مميزات الجزيرة بالإضافة الي أنها كانت حاضنة للمعابد الكبري وكانت مدينة دينية هامة لكرمة ثم في عهد المملكة المصرية الحديثة وبهذا أصبحت خط دفاع أول ونقطة انطلاق للشلال الثالث.( مقابلة شفاهية ، على عثمان )
في العصر المسيحي أيضا حالف الحظ هذه الجزيرة من أن تكون موقع استيطان كما كانت عليه الحضارات السابقة وهذا ما دلت عليه موقع الكنيسة الموجود في مشيخة صيصاب وأيضا وجود الأعمدة التى عليها شكل الصليب. وهذا دليل على أن الموقع شهد العهد المسيحي وازدهر في تلك الفترة. أما الدليل الثانى فهو وجود أسماء بعض القرى ترجع للفترة المسيحية مثل حلة كسي Kissi وتعني باللغة النوبية القديمة الكنيسة واستمرت هذه القرى عبر الفترة المسيحية وحتى يومنا هذا.
يعتبر موقع القلعة مركز للمواقع الأخرى وذلك من خلال المسح الأثري والشواهد التي لوحظت من خلال الاستطلاع علي سطح الموقع، حيث شهدت حفرية 1955 ـــ 1957م وأفادت بان الموقع ذو عمق تاريخي مرت به كل الفترات الحضارية في السودان.
من خلال الطبقات الأثرية التي تم العثور عليها ابتداء من الفترة المصرية الحديثة وحتي الإسلامية. بحثت أن طبقة تمثل فترة حضارية وذلك من خلال دراسة المعثورات التي وجدت بالطبقة.
ومن خلال الاكتشافات الحديثة اتضح أن المنطقة لها امتداد تاريخي أكثر حيث وجدت بها فخار يعود للعصر الحجري الحديث وهذا يدعم بان الموقع ذو عمق تاريخي أوسع.
أما بالنسبة لتشييد القلعة يقول الراوى محمد على بأن مادة البناء جلبت من منطقة صيصاب وبالرغم من أن القلعة توجد بالقرب من النيل. حيث وجد إشارات عبارة عن وجود حفرة دائرية كبيرة في منطقة صيصاب التى استخدمت في ذلك الوقت كمكان لجلب مادة الصنع التي بنيت بها القلعة وعليه يمكن أن نقول أن مساحة الأراضي الموجودة قرب القلعة استخدمت في أغراض آخري غير البناء وربما الزراعة. وجدت ملاحظات في المواقع انه تم استخدامها في تكوين بعضها البعض مثلما وجد في القلعة من بقايا كنيسة صيصاب المتمثلة في بقايا الطوب الأحمر الذي وجدت عليه آثار خطوط مرسومة باليد. وأيضا بقايا المعبد الفرعوني الذي استخدم في بناء بعض أغراض الدولة العثمانية.
هنالك استمرارية واسعة من خلال اللغة التي استمرت من الفترات القديمة وحتي الفترات الحالية وأيضا بعض العادات والتقاليد التي ترجع للعصور القديمة وهذا يدل علي استمرار النشاط السكاني في المنطقة وامتصاص التأثيرات الخارجية العديدة.
تعاقبت نشاطات الإنسان القديم علي موقع جزيرة صاي وخلفت بصماتها في ذلك علي بقايا أطلال المواقع الأثرية الموجودة فى الجزيرة . وأيضاً تعددت ملاحظات وجود شقف الفخار بكثرة و الذي يدل علي نوع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية في تلك الفترة.
على كلٍ يمكن الاعتقاد أن الموقع هو نموذج لدراسة المواقع الأثرية بشمال السودان وذلك لشموله علي عدة فترات تاريخية في موقع واحد وتميزها من بعضها البعض بأدوات تدل على ذلك.
الدراسة التحليلية شملت عدة مناحي لدراسة موقع صاي كموقع اثري يضم موجودات مختلفة وعند دراسة وتحليل تلك المخلفات يتضح الترتيب الواضح لمجتمعات تلك الفترات، مما يدعو الي التفكير في شكل المجتمع وطبقاته من الزعيم الي بقية طبقات المجتمع، كذلك تدل بعض المعاني ذات الصلة الدينية من أن هناك اعتقادات دينية اعتنقها إنسان صاي القديم وتبدلت هذه الاعتقادات علي حسب تعاقب الفترات التاريخية في المنطقة.
شهد الاقتصاد في الجزيرة ازدهار كبير من خلال المباني الضخمة وما تميزت به الجزيرة عن طريق للتجارة والمواد المصرية الموجودة بالموقع، حيث يعتبر انه اعتمدت علي اقتصادي متنوع من الزراعة وتربية الحيوان وتوزع علي حسب طبقات المجتمع.
من خلال التحليل استخلص النتائج والتوصيات الآتية:-
النتـائج:
- القلعة توسطت جزيرة صاي في شمال السودان مهد الحضارات، وارتبطت ارتباط وثيق بمصر الفرعونية لذلك أصبحت مركز للنشاطات السكانية القديمة واستمرارها حتي الوقت الحالي.
- وجدت المواقع الأثرية في المنطقة بكثرة وتعددت فتراتها التاريخية وانتشرت في كل الاتجاهات ووجدت بها كل المكونات في الحضارة التاريخية من جبانة ومواقع دينية ومواقع نشاط سكاني.
- تعدد اللقي الأثرية علي السطح يشير الي كثرة انتشارها في باطن الأرض مما دل علي أن المنطقة ذاخرة بكم هائل من مخلفات إنسان الماضي وساعدت علي ذلك طبيعة المنطقة الجيولوجية.
- اختلاف ألوان وزخرفة الفخار وانتشاره بصورة واسعة في المواقع الأثرية دل على أن له مغزي ديني ودنيوي.
- وجود العظام بنوعيها الإنساني والحيواني إشارة الي تواجد جبانة بالمنطقة ومن ناحية أخري تشير الي نوع الاقتصاد الموجود بالمنطقة والذي كان قوامه تربية الحيوان والزراعة.
- بساطة الأدوات الحجرية دل على قدم الموقع الحجري ومعرفة إنسان المنطقة بها منذ فترات تاريخية مبكرة.
- تشير الأعمال الأثرية في المنطقة على أن هناك امتداد لموقع القلعة في جهة الشمال وأكدت ذلك بان هذه المواقع الأثرية ربما تكون لها امتدادات أوسع في المواسم القادمة.
- تعتبر جزيرة صاي من مواقع السودان المهمة التي تذخر بمحتويات أثرية لها الشأن الكبير في إكمال حلقات تاريخ السودان المفقودة.
التـوصيـات:
- الاهتمام بإجراء مسوحات أوسع ومن ثم عمل حفريات للمواقع التي لم تكتشف بعد.
- إقامة متحف خاص يضم اللقي الأثرية في المنطقة.
- الاهتمام بالإعلام عن المنطقة وإدراج الإرشاد السياحي وتوعية المواطنين بالمحافظة علي الآثار واللقي الأثرية.
- جزيرة صاي منطقة سياحية ويمكن الاستفادة منها اقتصاديا وكمصدر جذب سياحي للمنطقة عموماً.
- المواقع تحتاج للحماية من قبل المسئولين والتي تتمثل في الهيئة القومية للآثار والمتاحف ضد السرقات وأعمال النهب.
- السعي لإدراج تلك المواقع في قائمة اليونسكو وتطبيق إدارة المصادر في المواقع الأثرية في المنطقة.
- تسند تقارير عن الأعمال الأثرية السابقة في المجلات والدوريات الشهرية.
- ترميم المباني الطينية المتمثلة في القلعة باعتبارها الموقع الوحيد والمهم تاريخياً.
- تشجيع الطلاب لعمل الدراسات الاثارية في المنطقة لم تطالها يد البحث والتنقيب بعد.
- تسوير المواقع الأثرية للحفاظ عليها من تغول سائقي التركترات أصحاب الدور الكبير في إحداث أضرار بالمواقع الأثرية وظهور بقايا الإنسان.
المصادر والمراجع الأولية باللغة العربية
المصادر:
- بكهاردت، جون لويس: رحلات في بلاد النوبة، 1798ـ 1817م، القاهرة 1959م.
المراجع:
- ابوزيد،أمل عمر: الملامح العامة لتاريخ السودان القديم، دار الزهراء، الخرطوم، 1997م.
- أبوسليم، محمد إبراهيم: الساقية، الخرطوم، معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية، 1980م.
- ادامز، وليم: النوبة رواق إفريقيا
- إسماعيل، احمد علي: أسس علم السكان وتطبيقاته الجغرافية، دار الزهراء للطباعة والنشر، القاهرة، 1986م.
- الأمين، متوكل احمد: النوبة والتراث والإنسان عبر القرون، مؤسسة القرشي للإعلان والطباعة، بدون تاريخ.
- أمين، مهدي: مناخ السودان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والفنون، 1974م.
- بدر، محمد متولي: اللغة النوبية، القاهرة، 1955م.
- بدري، بابكر: تاريخ حياتي، الجزء الأول، الخرطوم، 1955.
- بونيه، شارلس: حاكم، احمد محمد علي: كرمة مملكة النوبة، الهيئة القومية للآثار والمتاحف، 1997م.
- حسن، محمد إبراهيم: الأرض والموارد والإنتاج، مؤسسة شباب الجامعة، جامعة الإسكندرية.
- حسن، يوسف فضل: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي، الخرطوم، 1972م.
- دفع الله، سامية بشير: تاريخ الحضارات السودانية القديمة من أقدم العصور وحتي قيام مملكة نبتة، الخرطوم، 1999م.
- رينولد، جاك: الآثار في السودان حضارات بلاد النوبة، منشورات ايرانس، باريس، 2000م.
- الزوكة، محمد خميس: حامد، نوال فؤاد: في جغرافية الريف، دار المعرفة الجامعية، 1991م.
- شبيكة، مكي: السودان عبر القرون، دار الجيل، بيروت، 1991م.
- شقير، نعوم: جغرافية وتاريخ السودان، بيروت، دار الثقافة، 1967م.
- شيني، مرجريت: تعريف ثابت حين ثابت، موجز لتاريخ السودان الي سنة 1500م، بدون تاريخ.
- عبدالغني، عبدالعزيز: أصول الحضارات، الدار السودانية، دار الفكر، بيروت، 1971م.
- فانيتي، الأب ـ ج: تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة والسودان الحديث، الخرطوم، 1978.
- فضل المولي، بابكر: مظاهر الحضارة في دولة الفونج الإسلامية، الطبعة الأولي، دار السداد، 2004م.
- قاسم، عون الشريف: قاموس اللهجة العامية في السودان، الطبعة الثالثة، الدار السودانية للكتب، 2003م.
- مسعد، مصطفي محمد: مجموعة الوثائق العربية الخاصة بتاريخ السودان في العصور الوسطي، مكتبة جامعة القاهرة، 1972م.
- مُسل، سيد محمد عبدالله: من حياة تراث النوبة بمنطقة السكوت، الخرطوم، معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم، 1974م.
- هاشم، محمد جلال احمد: قصة الحضارة، نسخة تحت الطبع، 2006م.
Bibliography:
- Osman, Ali The history settlement Partenns of the third cataract Region: A model for the Explanation of It’s Archaeological
Stage: paper presented at 9th international conference for Nubian Studies, Boston.
- Alexender, John.: the Othoman for tress of Jaziera Sai, Areport of the 1997, Survey and 1998 excretion.
- Anderson, Julie, B: Welsby, D.: Ancient treasures, An hibiien of recent discoveries form the Sudan national museum, 2004.
- Arkell, A.J: Ahistory of the Sudan to AD. 1821, London 1955.
- Brigitte Cartianles Culture Kerma, Essal De Classification. Lille,1987.
- Derek. A. welsby. And Julie R. Anderson. Ancient treasures. An hibiien of recent discoveries from the Sudan national museum, 2004.
- Derk. A. welsby. The kingdom of Kush- the Naptan and Merotic Euplus- the trustees brith Museum pulished by British Museum press, 1996.
- Francis Gens, (Kush- Journal of the national Corporation for antiquities and museum- volume xviii- 1998- 2002 ) Tow season in sai island. 1996-1997.
- Gerald Brown old Nubian dictionary lopani corkns scrip rum Christian rum oriental rum, 1996
- Gerald Brown, old Nubian texts from qasr ibrim vol. 111 london: Egypt, Exploration Society1991.
- Guse. F: Towseason in Sai Island, A preliminary report Kush X vi. 1994-1996.
- J. R. vail. D. sc, A. sround, M.scm and F, Ahmed M.sc, Geology of the third cataract Halfa District Northen province, Sudan Geology department University of Khartoum, March 1973.
- O cannor- D Early state Along the Nile in W.V. Davies Egypt and Africa Nubian from prchistory to islam – British Museum press and Egypt, 1993.
- prokoch, E Island derg cheinumis vollen func. Styria, 1994.
- Vercouter, John: Kush. Journal of the Sudan Antiquates Service, volume vi. 1958.
الإنترنت:
الرسائل غير المنشورة:
- إبراهيم، عبد الرحمن: الآثار العثمانية في منطقة المحس، رسالة ماجستير في الآثار، جامعة الخرطوم،2004م.
- احمد، اميمة محمد: التحولات الاقتصادية وانعكاساتها علي النواحي الاقتصادية والاجتماعية بمنطقة دنقلا، رسالة ماجستير في الجغرافيا، جامعة الخرطوم، 2000م.
- ادم، احمد حسين عبد الرحمن: الدلالات الاثارية للامتداد السياسي والديني لدولة الفونج بين الشلالين الرابع والثالث، رسالة ماجستير في الآثار، جامعة الخرطوم، 2004م.
- بابكر، عبد العظيم برعي: تاريخ مملكة النوبة الممتدة، رسالة ماجستير، جامعة الخرطوم، الآداب، 1998م.
- الشيخ، حنان هجو: إدارة المصادر الاثارية في ولاية نهر النيل، دراسة حالة موقع مروي القديمة، رسالة ماجستير في الآثار،2007م.
- عبد الله، آمال طه محمد: استخدام الأرض في محلية دنقلا، رسالة ماجستير في الجغرافيا، جامعة الخرطوم، 2004م.
- عبد المجيد، محمد احمد: الدفي وأسماء الأماكن في المحس منطقة مشكيلة، دراسة حالة، بحث مقدم لنيل درجة الدبلوم العالي في الثقافة السودانية، معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم.
التقارير والأوراق:
- محمد جلال احمد هاشم، الثقافة والتنمية في النوبة النيلية، رسالة كجبار، غير منشورة.
- تقارير الهيئة القومية للآثار والمتاحف الخاصة بحفريات البعثة الفرنسية جامعة ليل (2007 ــ 2008م).
- هيئة الارصاد الجوي- الخرطوم
المقابلات الشخصية:
- بروفسير/ علي عثمان محمد صالح، (63) سنة، استاذ مشارك بقسم الاثار- جامعة الخرطوم، تاريخ المقابلة 8/4/2008م.
- د. يحي فضل طاهر، (49) سنة، رئيس قسم الاثار بجامعة الخرطوم، تاريخ المقابلة 6/5/2008م.
- أ. الهادي حسن احمد، (53) سنة، باحث في الآثار، تاريخ المقابلة 10/3/2008م.
- أ. شرفي داؤود، (58) سنة، معلم بمرحلة الأساس، موركي، تاريخ المقابلة 17/2/2008م.
- شوقي نوري محمد شريف، (55) سنة، مزارع، ارودين، تاريخ المقابلة 16/2/2008م.
المرحوم/ محمد علي محمد، (80) سنة، صاي دفي، شريط كاسيت مسجل بتاريخ 5/10/2002م
الملاحق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق