التسميات

السبت، 23 سبتمبر 2017

العاصمة المصرية القاهرة بين التوسط الجغرافي والهندسي - أ.د. فتحي محمد مصيلحي ...


العاصمة المصرية 

القاهرة بين التوسط الجغرافي والهندسي

أ.د. فتحي محمد مصيلحي


  تصنع الإحداثيات القطرية في خريطة مصر (من رفح في الشمال الشرقي إلى العوينات في الجنوب الغربي وطوله1460كم)، (ومن السلوم في الشمال الغربي إلى حلايب في الجنوب الشرقي وطوله1693كم) مركزاً هندسياً للدولة يقع بالظهير الصحراوي غرب النيل فيما بين مدينتي أسيوط والمنيا(90كم من كل منهما)، ويتباعد عن كل من الواحات الخارجة والداخلة بمسافات تتراوح بين 214-247كم من كل منهما على التوالي. كما تحدد الإحداثيات الرابطة بين المراكز الهندسية(المستقيمة- والفعلية) لساحلي البحر الأحمر (بين سفاجا والقصير) والمركز الهندسي لساحل البحر المتوسط (يتفق مع الإسكندرية) مركزاً هندسياً قريب من المركز الهندسي القطري من الجنوب الغربي. ويمتد المعمور الفيضي الشريطي الكثيف سكانيا فيما بين المحور الساحلي الشرقي(البحر الأحمر) والإحداثي الطولي الذي ينصف الدولة من الشمال للجنوب، وتنحرف العاصمة المصرية الحالية (القاهرة) عن الوسط الهندسي للدولة بما يتراوح بين312- 375 كم.

  وللتمركز في موقع الوسط الهندسي فوائد كثيرة ، فيتوقف صمود الدولة للغزو الخارجي من الدول المجاورة على عمق النطاق الأرضي للدولة الذي يقاس بين الوسط الهندسي أو الجغرافي الذي يجب أن تشغله مركز صناعة القرار السياسي(العاصمة) وحدود الدولة أو محيطها الحدودي، ويعبر عنه بنصف قطر مساحة الدولة في شكلها الدائري ، وهو في علاقة طردية مع مساحة الدولة في شكلها المندمج.

   لكن شكل المعمور المصري الشريطي (الوادي والدلتا) له مشاكله فيما يتعلق بمتطلبات الإدارة والحماية ، فالموقع الهندسي الذي يتوسط المعمور المصري لا تتوافر فيه متطلبات الحماية الطبيعية. ومن ثم ارتحلت العواصم المصرية عبر ستة آلاف عاما لتبحث عن موقع المركز الجغرافي الذي اتفق مع منطقة القاهرة الكبرى فيما بين الوادي (الصعيد) والدلتا (الوجه البحري).

  فقد كان من غير المنطقي أن تقع عاصمة مصر الموحدة عام (4200 ق.م) في قلب إقليم الوادي (الصعيد) هو أحد إقليمين للمعمور المصري متماثلين في ثقلها الاقتصادي والحضاري والبشرى مع اختلافات قليلة على مر الزمن، ولكنهما كانا متصارعين في فجر التاريخ (نهاية الدلتا والصعيد) ، هنا ظل حكم مصر يدور في سبع عواصم مصرية (منف -اللشت -أونو -الفسطاط -العسكر -القطائع - القاهرة المعزية) ، لاحظ تخلى الموحدين الأوائل في الدلتا عن عاصمتهم (عنجة) وإنشاء عاصمة سياسية لمصر الموحدة هي أونو في نهاية الدلتا مع الوادي في فجر التاريخ، ولاحظ أيضاً تسمية عاصمة مصر الموحدة في العهد الثاني للإمبراطورية (الأسرة الثالثة عشر) "إثت تاوى" بمنطقة اللشت (جنوب العياط) وتعنى تسميتها بالقابضة على الأرضين هذا فضلاً عن بناء الملك (منى) موحد الأرضين لمنف لتكون عاصمته الجديدة، لكنها ارتدت إلى الجنوب(إلى ثنى) في عهود خلفاؤه.

  فمن هذا الموقع المهم (رأس الدلتا) حكمت مصر فيما يزيد عن ألفى عاماً وأكثر من ثلاثة قرون، أي 43.2% من عمر مصر الموحدة حتى الوقت الحالي. وتفاوتت أهمية المواضع المختلفة في موقع رأس الدلتا، فقد حكمت منف مصر فيما يقرب من سُبع (14.9) جملة عمر مصر الموحدة، ولكن بقيت العاصمة في القاهرة شرق النيل رٌبع عمر تاريخ مصر الموحدة أكثر من منف في غرب النيل.

  ويلاحظ حركة العواصم في منطقة رأس الدلتا في اتجاه الشمال مع انحراف تجاه الشرق عبر الزمن. فمن منف في البدرشين إلى اللشت (جنوب العياط) إلى الفسطاط شمالاً (شرق النيل) وأخواتها (العسكر-القطائع-القاهرة المعزية)، وتوجد ثلاثة عوامل لحركة العواصم في اتجاه شمال الشرق في منطقة القاهرة الكبرى:

‌أ- انتقال رأس الدلتا من الجنوب إلى الشمال، فقد كانت نقطة التفرع في بداية عهد الأسرات عند منف (البدرشين)، أصبحت في وراق العرب في القرن الخامس ق.م، ثم شطانوف في القرن الخامس عشر الميلادي، واستقرت في موقعها الحالي في القناطر الخيرية. .

‌ب- تأثر المصريون الموحدون من الصعيد باختيار أصحاب حركة التوحيد الأولى من أهل الدلتا، عندما اختاروا أونو (عين شمس والمطرية حالياً) لكفاية متطلبات توسط مصر الموحدة، مع اختلاف مصدر حركة الوحدة، فالذين اختاروا أونو كانوا من الشمال (الدلتا) والذين اختاروا منف كانوا من الجنوب (الصعيد)، أي اختار الموحدون عاصمتهم الموحدة في نهاية إقليمهم.

‌ج- تأثر بناء العواصم الإسلامية بتوجيه الفاتحين من الجزيرة العربية فبقيت في شرق النيل بحضن تلال المقطم ورغبة أميرهم في ألا يكون بينه وبينهم ماءً كما تأثر اختيار العرب للفسطاط بوجود بابليون - مقر للقيادة العسكرية في عهد البطالمة والرومان.

‌د- لا يشذ عن حركة تبحير العاصمة إلا اختيار موقع اللشت في جنوب العياط مباشرة في عهد الأسرة الثانية عشر لسببين، أولهما اهتمامهم باستصلاح الأراضي البكر بالفيوم وخزن المياه ، والثاني يتمثل في امتداد النمو العمراني لجبانة منف على الهامش الصحراوي إلى عروض العياط تقريباً.

  هناك اعتبار هام يرتبط بمفهوم التوسط الجغرافي طرأ في الأسرة 19(عصر الرعامسة) عندما اختاروا بررعمسيو (التي ورثتها تانيس فيما بعد) بموقع صان الحجر بمحافظة الشرقية لكي تتوسط العاصمة الإمبراطورية المصرية وقتذاك.

  والارتباط كبير بين قوة الدولة وحالتها السياسية وموقع العاصمة، وتتلخص مظاهرها في النقاط التالية:-

• ظلت مصر في مرحلة القوة السياسية عندما احتفظت بوحدتها فيما يزيد قليلاً على اثنا عشر قرناً من الزمن، وعاشت ما يقرب من ستة عشر قرناً من عمرها في مرحلة الإمبراطورية، أي كانت لها أقاليم تتبعها سياسياً. وقد كانت العواصم المركزية (بمنطقة القاهرة الكبرى) قواعد الحكم فيما يزيد على نصف مرحلتي الوحدة والإمبراطورية .

• وفيما يزيد على قرنين من الزمن تفككت فيها الوحدة المصرية وسادت فيها النزعة الإقليمية والحركات الانفصالية، وكانت أغلب (82%) عواصم مصر في فترات الضعف السياسي في العواصم غير المركزية ، حتى في عهد تبعية مصر لقوى سياسية خارجية، والتي استمرت ما يقرب من تسعة عشر قرناً ، توزع حكمها من عواصم مركزية بواقع أقل من نصف (45%) فترة التبعية. وقواعد متطرفة كالإسكندرية والتي حكمت مصر في أكثر من نصف (55%) فترة التبعية .



  ومما يجدر ذكره أن العاصمة المصرية في فترة التبعية قد تأثرت بقوتين أولهما يتعلق بمصدر القوى السياسية التي تتبعها مصر وفرض سيطرة هذه القوى على النطاق الأرضي المصري من مواقع العواصم المركزية، فقد اختارت القوى البحرية (الإغريق-الرومان-البيزنطيون) الآتية من الشرق (مثل الآشوريين والفرس) اتخذوا من منف قاعدة لفرض سيطرتهم وحكمهم على مصر. وقد أكد العرب هذا الاتجاه بإنشاء عواصمهم المستجدة (الفسطاط العسكر القطائع) في عواصم متتابعة بالضفة الشرقية للقاهرة الكبرى. أما الهكسوس فرغم اتخاذهم منف قاعدة للحكم مثل الآشوريين والفرس الذين تبعوهم؛ لكن منطقة سيطرتهم شبه الدائمة كانت تقتصر على شرق الدلتا وأجزاء من مصر الوسطى في بعض الأحيان، وكانت أواريس مركزاً تقع في المدخل الشرقي الذي تدفعوا منه وسيطروا عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا