التسميات

الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

دور التقنيات الفضائية والجيومعلوماتية في الإستراتيجيات المائية: تطبيقات من المملكة العربية السعودية - مشاعل آل سـعود

دور التقنيات الفضائية والجيومعلوماتية في الإستراتيجيات المائية
تطبيقات من المملكة العربية السعودية 
مشاعل آل سـعود*
*مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والقنية، معهد بحوث الفضاء
الملتقى العلمي حول: إستراتيجية الأمن المائي العربي
24-26/1/1433هـ الموافق من: 19-21/12/2011م
 
الملخــص
  تعاني المملكة العربية السعودية من النقص الحاد في المصادر المائية المختلفة بسبب موقعها الجغرافي في المنطقة الجافة، وبقى البحث عن مصادر مائية جديدة من أهم الأطٌر التي رسمتها في سياساتها المائية. ومن هذا المنطلق تقوم الدراسات الحالية باستخدام التقنيات الفضائية المتطورة وكذلك نظم الجيومعلوماتية اللتان تلعبان دوراً رائداً في الحصول على المعطيات المطلوبة لفهم آليات ومكونات عناصر الدورة المائية بشكل دقيق. وتتمثل هذه التقنيات بشكل أساسي بالمرئيات الملتقطة من الأقمار الاصطناعية مختلفة الخصائص الطيفية والبصرية (Landsat, Aster, Ikonos...الخ) والتي يتم معالجتها بواسطة برمجيات متخصصة مثل PCI Erdas Imagine, Evni,. حيث يتم نمذجة ورسم المعطيات والبيانات في برمجيات نظم المعلومات الجغرافية (Arc-GIS). ويأتي هذا البحث ليعرض الجوانب الرئيسة لإستخدام هذه التقنيات في دراسة المياه في المملكة العربية السعودية وكذلك معرفة الجدوى منها وبالتالي اعتبار هذه التقنيات وسيلة هامة في وضع الإستراتيجيات المائية. وهناك مجموعة من التطبيقات التي سوف نعرضها في هذا البحث تبين امثلة من المملكة عن: 1) رصد مصادر مائية جوفية جديدة، 2) تحديد نطاقات الأحواض المائية ، 3) حصاد المياه السطحية ، 4) التعرف على الأراضي الرطبة، 5) التعرف على الأنماط المناخية. وسوف يتم ربط مكونات هذه التطبيقات مع الإستراتيجيات المائية المطلوبة في المملكة. وتعرض النتائج الأولية لكلً من هذه التطبيقات كيفية الحصول على المعطيات الهيدرولوجية وما يرافقها من بيانات مناخية لم يكن من السهل الحصول عليها بالطرق التقليدية، ما يبرز دور هذه التقنيات كوسيلة هامة في دراسة الموارد المائية.
كلمات مفتاحية: الشح المائي، مياه أحفورية، مرئيات فضائية، استغلال المياه، شبه الجزيرة العربية. 

  1. المقدمــــة
  المياه هي إحدى المقومات الرئيسة لحياة الإنسان، إلا أنه نرى كثيراً من الدول تعاني من النقص الحاد في الموارد المائية حتى باتت مشكلة نقص المياه تهدد العديد من المناطق في العالم. فالوطن العربي يُعتبر من المناطق الواقعة تحت خط الفقر المائي وذلك لوضعه الجغرافي في منطقة جافة إلى شبه جافة، حيث لايزيد معدل هطول الأمطار في عدة دول عربية عن 50 ملم سنوياً، وبالتالي قد لا يتعدى نصيب الفرد من المياه في هذه الدول المئة متر مكعب في السنة والذي هو أقل من حد الفقر المائي بعشرة أضعاف. وبذلك فإن هذه الدول تُعد من الخمسة عشرة دولة الأكثر فقراً في المياه في العالم، ويتزايد هذا الوضع المتردي يوماً بعد يوم خصوصاً في غياب إستراتيجيات استغلال الموارد المائية والحفاظ على الموارد المُتاحة. إن جُملة الموارد المائية في الوطن العربي حالياً هي 335 مليار متر مكعب، حيث يُقدر الطلب على المياه في العام 2030 بحوالي 430 مليار متر مكعب وبهذا تصبح الفجوة المائية حوالي 100 مليار متر مكعب.  ومع التحديات القائمة حالياً والتي من أهمها التغيرات المناخية  وكذلك النمو المتزايد في عدد السكان اصبح الوضع المائي في الوطن العربي أكثر سوءاً حيث باتت قضايا المياه من الأمور المهمة على الصعيدين المحلي والأقليمي. إضافة إلى ذلك فهناك تحديات أخرى تواجه القضايا المائية في الوطن العربي، وأهمها المياه المشتركة وتلوث مصادر المياه السطحية والجوفية. وعليه فلابد من وجود إستراتيجيات مائية منظمة بُغية الحفاظ على الموارد المائية ووضع خطط  للإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM). الا ان بناء الاسترتيجيات المائية تعتمد بشكل أساسي على المعطيات والبيانات الهيدرولوجية  والمناخية وكذلك ما يرتبط معهما من معلومات جيولوجية وجيومورفولوجية غير ان هذه المعطيات في معظمها غير كافية او غير متوفرة في الوطن العربي مما يغلق الباب لعمليات النمذجة وحساب الميزان المائي في كل دولة بشكل سليم.
  هنالك تراجع كبير ومستمر في نصيب الفرد من المياه على المستوى العالمي، والذي يعود بشكل رئيسي إلى عدم التوازن ما بين العرض والطلب على المياه، وكذلك ظهور التحديات الطبيعية والبشرية مؤخراً وبشكل ملحوظ. حيث ان هذا التراجع يظهر بشكل متفاقم في معظم المناطق الجافة وشبه الجافة. وتُعد شبه الجزيرة العربية ومعظم المنطقة العربية إحدى الأمثلة الهامة لهذا الوضع حيث إن الطلب على المياه في هذه المنطقة هو في تزايد مستمر وبالتوازي مع ارتفاع معدل النمو السكاني وظهور التغيرات المناخية وكذلك مع اختلاف أنماط الاستخدمات غيرالرشيدة للمياه. ورغم ذلك فلا تزال هناك فرصة لتحسين الوضع القائم ،كذلك هناك قابلية لزيادة العرض (التزويد بالمياه) رغم محدودية المصادر المائية. ومن المعروف أن نصيب الفرد من المياه في الدول العربية لا يتعدى الـمائة متر مكعب سنوياً وهو أقل من خط الفقر المائي بعشرة أضعاف (شكل رقم 1).
إن الحديث عن العوامل المؤثرة في الوضع المتردي للموارد المائية وما يترتب عليه في المنطقة العربية بشكل عام غير دقيق فهو يختلف من بلد لآخر ووفقاً لمعايير واعتبارات طبيعية وأخرى اقتصادية-اجتماعية (Socio-economic)، ولكن في كل الأحوال يعود النجاح أو عدمه في تخطي هذه المشكلة إلى الإستراتيجيات والتدابير المتبعة في كل دولة والتي من البديهي أن تختلف حسب المكونات الطبيعية والبشرية لكل دولة. فعلى سبيل المثال تتبع كل من الأردن،
العراق وسوريا إستراتيجيات الحصاد المائي والذي أصبح من أبرز التدابير لسد العجز المائي في هذه الدول، بينما تعتمد الامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية على إستراتيجيات تحلية مياه البحر، حيث ان مايزيد على 95% من المياه المُستخدمة هي من مياه التحلية.
شكل رقم 1: نصيب الفرد (متر مكعب سنوياً) من الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي1
 ولعل التحديات القائمة تعاني منها كل المنطقة العربية وان كانت بدرجات متفاتة نسبياً. فالنمو السكاني في المنطقة العربية لا يخضع إلى أية معايير للحد أو تنظيم معدلات النمو والتي قد تكون الأعلى عالمياً في بعض الدول العربية. إضافة إلى ذلك فإن تأثير التغيرات المناخية الذي أصبح واقعاً ملموسا ويُشكل أهم المشاكل الجيوبيئية لما ينتج عنه من تغيرات في الأنماط الديموغرافية والطبيعية المتنوعة حيث نرى الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف في تزايد مستمر في الآونة الأخيرة إذا ما تم مقارنتها مع ما كان يحدث سابقاً.
ويتبع هذه التغيرات المناخية تقلبات في النُظم المائية المختلفة. فمثلاً، إن الزيادة في معدلات درجات الحرارة في المملكة العربية السعودية سيقابله تراجع في تغذية المياه الجوفية  بحوالي 465 مليون مترمكعب سنوياً (Doll and Florke, 2005). وهذه التقلبات في الأنظمة المناخية بدأ تنعكس على الموارد المائية حالياً.
   وكي يتم وضع إستراتيجيات مائية ناجحة ولها القدرة على تجاوز الوضع القائم فلابد من تحضير مجموعة من الأدوات اللازمة لذلك كي يتم بناء هيكلية صلبة لعناصر الإستراتيجيات المطلوبة. ولعل من أهم هذه الأدوات وجود معطيات وبيانات واضحة ودقيقة عن كل المكونات المائية. فبدون توافر المعطيات الهيدرولوجية والمناخية وكذلك الإحصائيات المختلفة من عدد سكان ونسب النمو وما يتبعهما من احتياجات مائية ولكافة الاستخدامات (المنزلية، الزراعية والصناعية)، لا يمكن وضع تصور عام لبناء هيكلية للإستراتيجيات المائية وبالتالي الحفاظ على توازن الأمن المائي لأي بلد.
   وقد يكون عدم نجاح السياسات والخطط المتبعة في إدارة الموارد المائية في عدة دول نامية بسبب عدم توافر المعطيات والبيانات اللازمة لحساب الميزان المائي، وبالتالي معرفة نقاط الضعف، وعليه فإن الإسترتيجيات التي يتم وضعها قد لاتفي بالغرض المطلوب. ومن هنا فإن استخدام التقنيات الحديثة لدراسة العناصر المائية المختلفة تُعتبر من الأدوات المُجدية لاستقاء المعلومات ومن ثم القيام بعمليات التحليل المختلفة بُغية الوصول إلى وضع قواعد معلومات متكاملة لكل العناصر المائية والمكونات المرتبطة معها. وحينها يتم تحديد ما يتوجب معالجته وبأية طريقة ممكنة وعليه تُبنى إستراتيجية للمراقبة والمتابعة لحل المعضلات المائية. ومن هنا فإن التقنيات الفضائية وما يتبعها من علوم رافدة للجيومعلوماتية أصبحت من أبرز الأدوات التي تستخدم في دراسة الموارد المائية وتقييم فاعليتها.
   إن هذه التقنيات، والتي تعتمد بشكل أساسي على المشاهدات والمراقبة من الفضاء، يمكنها تغطية مناطق جغرافية كبيرة وبأسرع وقت وأقل تكلفة. حيث يمكن من خلالها المراقبة الدورية لغطاء سطح الأرض وخصوصاً منها العناصر المائية السطحية المختلفة، وكذلك فهي تمكن من التعرف على ظواهر هيدرولوجية وجيومورفولوجية يمكن من خلالها الاستدلال على أنظمة المياه الجوفية. وبطبيعة الحال فإن طرق دراسة المصادر المائية من خلال هذه التقنيات تعتمد على معالجة المرئيات الفضائية والنمذجة وتراكب المعطيات والبيانات الموضوعية المختلفة.
  ويهدف هذا البحث إلى عرض بعد تطبيقات استخدام هذه التقنيات في دراسة الموارد المائية والعمليات ذات الصلة في المملكة العربية السعودية وكيفية استثمار نتائج هذه التطبيقات لوضع إستراتيجيات الكشف عن الموارد المائية ومراقبتها وبالتالي حمايتها وكذلك طرق استغلالها.
  1. منهجية الدراسة
  تتألف الإستراتيجيات المائية من مجموعة متكاملة من العناصر التي يجب اتباعها في ادارة الموارد المائية، وهي تختلف عن السياسات من حيث إنها تكون مؤلفة من مجموعة خطط وضمن فترات زمنية محددة، بينما السياسات توضع من خلال تشريعات وقوانين ليتم العمل بها. ونرى في عدة بلدان أن الإستراتيجيات تندرج في فترات زمنية محددة (خمس أو عشر سنوات مثلاً) بينما تكون السياسات إلى فترات زمنية غير مُحددة. وقد يختلف أسلوب وأدوات تطبيق البنود حتى ضمن الإستراتيجية الواحدة، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتضمن إستراتيجية ما بنداً يتعلق بالكشف عن مصادر المياه الجوفية وكذلك بنداً آخر عن تطبيق الحصاد المائي للمياه السطحية وكلتاهما تكونان بنوداً ضمن إستراتيجية مقترحة.
  ولعله من الضروري تحديد العناصر التي تتحكم في الميزان المائي لأي منطقة كانت ليُبنى عليها الأطُر الرئيسة المطلوبة لوضع الإستراتيجيات المائية السليمة. وفي العادة يتم اتباع منهجية مُحددة للتعامل مع المكونات المطلوبة لهذا الموضوع. وهذه المكونات تتألف من دراسة المصادر المائية جوفية كانت أوسطحية وبكل ما يرتبط بهما من عمليات طبيعية، وكذلك يتم ادراج المؤثرات التي قد تنتج عنهما، بالإضافة إلى التعامل مع العنصر البشري كمتغير فاعل بالإضافة إلى المتغيرات الطبيعية الأخرى ومن أهمها التغيرات المناخية. حيث إن للتقنيات الفضائية والجيومعلوماتية دوراً بارزاً في هذا المجال ويمكنهما دعم الحصول على المعلومات المرتبطة بكل هذه المكونات حتى انه قد يتم أحياناً الاعتماد الكُلي على هذه التقنيات في دراستها. ويعرض الشكل رقم 2 ماهية استخدام هذه التقنيات في دراسة المصادر المائية والتي يتم من خلالها وضع الإستراتيجيات اللازمة. إن التقنيات الفضائية والجيومعلوماتية يمكنهما دعم الحصول على المعلومات المرتبطة بكل هذه المكونات حتى إنه قد يتم أحياناً الاعتماد الكُلي على هذه التقنيات في دراستها.
   ومن هنا فإن المنهجية التي تم اتباعها في هذه الدراسة تمت من خلال عرض حالات دراسية متعلقة بمصادر المياه وإدارتها  في المملكة العربية السعودية، وكذلك فهي تعرض مدى التفاعل مع العمليات الهيدرولوجية ذات الصلة بهذه المصادر. وهي بدورها تبرز طرق تحليل جديدة وبأساليب غير تقليدية يمكن من خلالها عرض استنتاجات للمعلومات المائية بشكل دقيق ومتكامل، بالإضافة إلى اتساع الرقع الجغرافية للمناطق التي تمت دراستها باستخدام التقنيات الحديثة. ومن الطبيعي فإن الاستنتاجات التي تم الحصول عليها تم ربطها بالأطر الإستراتيجية للمياه بُغية الوصول إلى منظومة ذات جدوى للادارة المتكاملة للمصادر المائية (IWRM). ومن الجدير ذكره أن هذه التطبيقات لا تزال حديثة وتُستخدم فيها طرق وأساليب متباينة وهي لازالت في طور البحث والتدقيق. الا ان تطبيقها قد يختلف ما بين المناطق الجغرافية المختلفة، وهذا يتوقف على مقدار توافر المصادر المائية وكذلك آلية استغلالها، إضافة إلى التوازن ما بين العرض والطلب على المياه في كل منطقة.  
 
شكل رقم 2  : المكونات الرئيسة التي تٌمكن من بناء إستراتيجية مائية من خلال استخدام التقنيات الفضائية ونظم الجيومعلوماتية.
  إن ما يعرضه هذا البحث هي حالات دراسية يمكن أن تندرج كبنود من خلال إستراتيجية مُقترحة، أي أن هذه الحالات الدراسية قد لا تؤمن الهيكلية الكاملة للإستراتيجية المائية المأمولة بل إنها تساهم في تركيبة إستراتيجية متكاملة لمنطقة جغرافية جافة مثل المملكة العربية السعودية تفتقد إلى المصادر المائية المتجددة، حيث إن معدل المياه المُستثمرة فيها هو حوالي 16.300 مليون متر مكعب سنوياً  في حين أن المياه المتاحة هي حوالي 6.445مليون متر مكعب سنوياً (الحمد، 1997).
  1. طريـقة العمــل
    1. معالجة المرئيات الفضائية
   التقنيات الفضائية تتمثل بشكل رئيسي باستخدام مرئيات الأقمار الصناعية والتي لها القدرة على المشاهدات الشمولية لمعالم الأرض من الفضاء، إلا أن إختيار نوعية المرئيات وخصوصاً في دراسة مصادر المياه وإدارتها يتطلب أولاً الأخذ بعين الاعتبار المواصفات البصرية والطيفية لها، وكذلك فإن لاختيار قدرة التمييز البصري في المرئية دوراً هاماً أيضاً. وعليه فقد تم في التطبيقات التي سيتم عرضها في هذا البحث انتقاء مرئيات للتوابع الصناعية المختلفة المواصفات مثل الـGeo-eye ،Ikonos، Aster، Modis، والصور الرادارية لمراقبة الأمطار.
  أما عملية معالجة المرئيات الفضائية فتتم باستخدام طرق مختلفة لبرمجيات متخصصة، أهمها برمجيةEnvi- 4.3 وERDAS Imagine. وهذه البرمجيات تتميز بوجود عدة تطبيقات رقمية وطيفية فيها، والتي تمكّن من الحصول على أفضل المشاهدات والتعرف على الظاهرات بدقة، وكذلك يمكن من خلالها القيام بعمليات التصنيف وحساب المقاييس الأرضية المختلفة.
ومن خلال هذه البرمجيات يمكن تطبيق مميزات عدة للحصول على أفضل المشاهدات الأرضية ومن أهما: تحسين الرؤية الطيفية (Enhancement) من خلال التمثيل البياني (شكل رقم 3)، تصنيف للأطياف، الكثافة الطيفية(Density slicing)، تدرج الألوان (Coloring)، تمييز الجوانب (Edge detection)، ودمج الموجات الطيفية (Band combination)، وإلى ما هنالك من تطبيقات رقمية وبصرية مختلفة.
2.3. استخدام نظم الجيومعلومات الجغرافية
  فمن خلال المرئيات الفضائية يتم استخلاص المعلومات، ويأتي ذلك بعد تكامل هذه التقنيات باستخدام النظم الجيومعلوماتية من خلال برمجيات نظم المعلومات الجغرافية (GIS) والتي تتفاعل بشكل وثيق مع التقنيات الفضائية، حيث يمكن بواسطتها إخراج الخرائط المختلفة وبشكل رقمي "إلكتروني"، وكذلك يتم حفظ بيانات الخرائط الموضوعية (Thematic maps) بشكل متتالي في الحاسب الآلي والذي من خلاله يمكن استعراض النماذج الأرضية المختلفة في آنٍ واحد ودمجها معاً بطرق رقمية إذا لزم الأمر. وهذا يُسهّل استنتاج أماكن المواقع المراد دراستها في المنظومات الجغرافية المختلفة وحساب أبعادها الأرضية. 
 
شكل رقم 3: التمثيل البياني للمعطيات الفضائية في برمجية ERDAS Imagine .
استخدمت في التطبيقات التي سوف نعرضها في هذا البحث برمجية Arc GIS 9.3. والتي لها القدرة على حفظ المعلومات الأرضية (Geo-spatial data) وتحديد مقاييسها وبالتالي إخراج البيانات بطرق يسهل التعاطي معها وقراءتها. ومن خلالها أيضاً يتم استنتاج المعلومات الجيومورفولوجية والهيدرولوجية المطلوبة لأي دراسة مثل تحديد نطاقات الأحواض المائية وحساب مساحاتها، وكذلك تُستنتج المجسمات الثلاثية الأبعاد (DEM)لاستخدامها لاحقاً في عدة أغراض هيدرولوجية هامة.
  1. إجراءات الدراسة ونتائجها
    1.4. رصد المصادر المائية الجوفية
  تختلف طرق الكشف عن المصادر المائية الجوفية من حيث الأساليب المستخدمة والمتوافرة، وعليه فتكون النتائج أيضاً متباينة ما بين هذه الطرق. وكما هو معلوم فإن نسبة النجاح في تحديد المكامن المائية الجوفية (غير المرئية) هي قليلة جداً وغالباً ما يتم حفر الآبار الجوفية في مواقع جغرافية خاطئة. ومع دخول التقنيات الحديثة وبعد أن أثبتت جدواها وفي العديد من المناطق (Savane et al., 1996; Sender et al., 2005; and Kumar et al., 2007)، كان لابد من اعتماد هذه التقنيات كوسيلة دالة بهذا الخصوص. وتعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على تحديد المكونات الرئيسة التي تتحكم في آلية جريان وتخزين المياه الجوفية تحت سطح الأرض.تم تطبيق هذه الطريقة على وادي عُرنة الواقع على الساحل الغربي للمملكة وبمساحة حوالي 3100 كلم2. حيث استخدمت مجموعة من المرئيات الفضائة كان أهمها  Aster و Land 7 ETM+والتي تمت معالجتهما باستخدام برمجيةErdas Imagine ذات قدرة عالية على تحليل المعلومات الأرضية من خلال مجموعة تطبيقات رقمية وطيفية، حيث تم في هذه الدراسة تحليل العوامل المؤثرة التالية:
  • الأمطار: حيث ان ارتفاع معدل الأمطار أو نقصها له دوركبير في تغذية المياه الجوفية. ومن الطبيعي فإن النقص سوف ينتج عنه شُح في منسوب المياه الجوفية وتكون الخزانات الجوفية عُرضة للاستنزاف.
  • أنواع الصخور (Lithology): ان المواصفات الليثولوجية للصخور تؤثر في تخزين المياه الجوفية من منظورين: أولهما الصخور المتكشفة على سطح الأرض وتحكمها في نفاذية المياه إلى جوف الأرض. وثانيهما، فإن المياه التي تصل الطبقات الصخرية التحت- سطحية تكون حركتها مرهونة بنوعية الصخور التي تتحرك من خلالها هذه المياه إلى أن تصل إلى الصخور الكاتمة حيت تبدأ المياه بالتجميع.
  • التكسرات الصخرية (Lineaments): وهي عبارة عن كل أنواع الكسور والتشققات الصخرية وبمختلف المقاييس والأشكال. وهي بدورها تعتبر من أهم العوامل التي تساعد في التغذية المائية السطحية-الجوفية (Recharge) ، ومن الطبيعي فإن مناطق ذات كثافة التكسرات العالية تكون ذات مأمولية مائية أكبر (Al Saud, 2008).
  • معدل الانحدار: إن هذا العامل الجيومورفولوجي ذو قدرة تحكم في سرعة جريان المياه السطحية وبالتالي التخفيف من معدل النفاذية المائية في المناطق المنحدرة والعكس صحيح.
  • الأودية المائية: كذلك فإن الأودية المائية من حيث خاصية كثافتها هي دليل على خاصية سطح الأرض من حيث تسريب المياه إلى الطبقات الصخرية تحت الأرض، لذلك فهي تستخدم كدليل للتعرف على مكامن تجميع المياه الجوفية.
  • الغطاء السطحي واستخدامات الأراضي (Land Cover/use): تلعب العناصر الطبيعية والبشرية المنتشرة على سطح الأرض دوراً في حركة المياه سطحياً وأفقياً على حدً سواء. وهي تختلف من عنصر إلى آخر،حيث إنها قد تكون في بعض الأحيان عنصراً مساعداً للتجمعات المائية الجوفية الا أنها قد تكون عنصراً مخفف لهذه العملية في أحيان أخرى.
  وبعد تحديد هذه العوامل من خلال المرئيات الفضائية المُعالجة تم إخراج المعلومات لكلًّ منها بشكل خرائط موضوعية تم وصف كل منها بالـ"الطبقة" (Layer). ومن البديهي أن يكون لكل عامل مؤثر درجة من الفاعلية (وزن) في تخزين المياه الجوفية يختلف عن العامل الآخر (شكل رقم 4). حيث كانت الخطوة اللاحقة هي دمج هذه العوامل بطريقة نُظمية (Systematic) وبدرجات تأثيرها المختلفة في نظم المعلومات الجغرافية وتحديداً برمجية (Arc View). وتُنسب منهجية هذا العمل وتوزيع الأوزان الى دراسة أصدرتها الباحثة (Al Saud, 2010). 
 
شكل رقم 4: طريقة نمذجة العوامل المؤثرة في دراسة المياه الجوفية.
 ومن خلال دمج كل هذه العوامل بالطرق الرقمية المُتبعة تم انتاج خريطة المأمولية لوجود المياه الجوفية (Groundwater potential zones) لمنطقة حوض وادي عُرنة (Al Saud, 2010). حيث تم تقسيم المنطقة إلى خمس درجات للمأمولية المائية، تبدأ من المأمولية المرتفعة جداً وتنتهي بالمأمولية الضعيفة جداً (شكل رقم 5).
   وللتأكد من صحة ودقة النتائج التي تعرضها الخريطة المُنتجة، تم القيام بعملية تقييم للواقع الهيدروجيولوجي للمنطقة من خلال الاستعانة بمجموعة من الآبار الموجودة. حيث كان المبدأ هو مقارنة مواقع الآبار ضمن مناطق المأمولية المائية (شكل رقم 5) بمختلف درجاتها حسب الخريطة، حيث تم اعتبار معدلات الضخ من هذه الآبار. وعليه فإن التقييم استند إلى درجة المطابقة ما بين معدلات ضخ الآبار والمواقع الجغرافية التي تقع فيها في الخريطة المُنتجة. حيث انتهت الدراسة إلى أن حوالي 64% من الآبار ذات معدلات الضخ المرتفعة تقع في مناطق مأمولية مائية مرتفعة إلى مرتفعة جداً حسب الخريطة المُنتجة، وهذه النتيجة مشجعة لتطبيق هذه الطريقة في أماكن أخرى وتطويرها للوصول إلى دلالات أكثر دقة وفاعلية يمكن الاعتماد عليها.
شكل رقم 5: خريطة مأمولية المياه الجوفية، كما تم استنتاجها من التقنيات الفضائية والجيومعلوماتية، ومواقع الآبار عليها.
 
    2.4. تحديد نطاقات الأحواض المائية
  إن معرفة نطاقات تمدد الأحواض المائية السطحية لايزال من الأمور الهيدرولوجية الهامة في العديد من الدراسات المائية المختلفة. وكما هو معروف حسب المفاهيم الجيومورفولوجية، فإن الأحواض المائية يتم تحديد نطاقاتها من خلال معرفة مسارات الأودية الموجودة ضمنها وبالتالي يتم تحديد نقاط الوصل ما بين المرتفعات المحيطة بهذه الأودية وروافدها المختلفة. ولعل تحديد نطاقات الأحواض المائية ذات جدوى من حيث تحديد خصائص المنطقة عبر التعرف على الأنماط الجيومترية والمورفومترية للنُظم المائية السطحية.
  وكما هو معلوم، يتم رسم الأودية المائية والأحواض الحاضنة لها بطرق التتبع (Tracing) التخطيطي المباشر من خلال الخرائط الطبوغرافية بمقايسها المختلفة. إلا أن ذلك قد يكون غير ممكن في حال عدم توافر هذه الخرائط خصوصاً للأماكن النائية والتي لم يتم مسحها طبوغرافياً بعد. إضافة إلى ذلك يتضح دائماً وجود بعض الاخطاء الجيومورفولوجية في عملية الرسم. ولهذا السبب كان التوجه العام حديثاً إلى استخدام التقنيات الفضائية والجيومعلوماتية لعمليات رسم الأودية والأحواض المائية، رغم أن الطرق المُتبعة لازالت تحتاج إلى عمليات متابعة وتطوير، إلا أن الميزات التي تحملها هذه الطرق الإلكترونية تعتبر هامة من حيث إن البيانات على الخرائط تكون رقمية وبالتالي تُسهل القيام بعمليات النمذجة والحسابات المختلفة وبشكل سريع.
   إن عملية رسم الأودية والأحواض المائية يمكن أن تتم من المرئيات الفضائية، وبطبيعة الحال فكلما زادت قدرة التمييز للمرئية زادت معها دقة الرسم. ولعل المرئيات الفضائية الستريوسكوبية ذات الخاصية التجسيمية(Stereoscopic) هي الأكثر دقة في هذا المجال مثل مرئيات الـSpot و الـ Geo-eye. وهذه المرئيات يمكن منها استخراج نماذج ارتفاعات رقمية (DEM) تمكن من إبراز معالم سطح الأرض بشكل واضح وفعّال.
ومن خلال برمجية Arc GIS 9.3 تم تطبيق طريقة نُظمية (Systematic) لرسم الأودية المائية وأحواضها وذلك بإسقاط (Projection) ما بين العناصر الرقمية للمجسمات الثلاثية الأبعاد (بفارق منسوب كونتوري متر للأبعاد الأفقية والعمودية) والتي تم رسمها من المرئيات الفضائية للتابع الصناعي Geo-eye 1، على الخرائط الكونتورية المُرقمّة (مقياس 1:50,000 & فارق خطوط كونتورية 20 متر). حيث أنه من خلال ذلك يمكن القيام بعملية التعديل والمقارنة بين مصدري المعلومات المتوافرة. ونعرض في هذه الدراسة نموذجاً للأحواض المائية والأودية التي كانت قد استخرجت بهذه الطريقة لمدينة جدة والمناطق المجاورة لها (Al Saud, 2012) (شكل رقم 6). 
    شكل رقم 6: خريطة الأحواض والأودية المائية لمدينة جدة كما تم رسمها من المرئيات الفضائية المُسقطة على الخرائط الطبوغرافية.
 
  ومن خلال هذه الخريطة التي تحتوي على كل المعطيات المتعلقة بالمنظومة المائية السطحية لمدينة جده وجوارها رقمي "إلكتروني"، أصبح بالإمكان تطبيق كل المعايير الجيومترية والمورفومترية لهذه المنظومة وبشكل دقيق من خلال استخدام برمجيات نظم المعلومات الجغرافية (مثل Arc GIS 9.3). حيث ان كل الأبعاد للأحواض والأودية المائية هي متوفرة بشكل رقمي يمكن العمل به وأخذ القياسات والعمليات الحسابية المختلفة بدقة وبشكل سريع. وكذلك أصبح بالإمكان القيام بعملية النمذجة الحسابية لمعرفة آلية الجريان السطحي للمياه وخصوصاً ما يتعلق منها بالسرعة وقدرة الاستيعاب المائي وعمليات التدفق والتجميع ضمن المواقع الجغرافية المختلفة.
    3.4. حصاد المياه السطحية
  لم يعد من المُستغرب التحدث عن الحصاد المائي في المملكة العربية السعودية، البلد الذي يقع في منطقة مُصنّفة على أنها منطقة جافة. إلا أن ذلك يدخل في اعتبارات التغيرات المناخية الحاصلة، حيث تشهد المنطقة أمطاراً وسيولاً عارمة بين الحين والآخر. ومن هنا فإن كميات المياه التي تسقط بشكل سريع (Torrential) تصل في معظم الأحيان إلى البحر أو تكون بوضع تصادمي مع المنشآت العمرانية كما هو الحال في عدة مناطق من المملكة. ومن هنا يمكن البدء بالتفكير في إقامة مشاريع لحصاد المياه السطحية بدل أن تُهدر، ولعمل ذلك فمن الضروري التعرف على المناطق التي يجب التعامل معها كمواقع لحصر وتجميع المياه من خلال إقامة السدود الإسمنتية أو قنوات التصريف في حال المواقع التي تتجمع فيها المياه بشكل طبيعي حسب خصائص الموقع الجغرافي.
  ولعله في هذا الخصوص يمكن الاستفادة وبشكل كبير من التطبيقات السالفة الذكر من خلال التحديد الرقمي لنطاقات الأحواض والأودية المائية. حيث تلعب المجسمات ثلاثية الأبعاد (DEM) هنا دوراً كبيراً في التعرف على الاماكن التي تتميز بانخفاض مستواها عن سطح الأرض وكذلك في تحديد آلية الجريان المائي ما بين أسطح التضاريس المختلفة وقدرة استيعاب الأودية للمياه المندرجة من هذه الأسطح  على سبيل المثال (شكل رقم 7). 
 
شكل رقم 7: مثال على طريقة حساب قدرة تفريغ أسطح التضاريس في الأودية من خلال المجسمات ثلاثية الأبعاد.
  ومنها يمكن القيام بعمليات حسابية وبشكل إلكتروني لمعرفة عدد الأسطح التي تفرغ حمولتها في واد معين، وبالتالي يمكن تقدير مساحة كل سطح وزاوية انحداره ليتم تطبيق نمذجة رياضية تخلص إلى حساب الحمولة المائية من الأسطح المختلفة لكل واد على حدة.
  ولا يتوقف دور التقنيات الحديثة في تحليل المعايير الجيومورفولوجية والهيدرولوجية والمورفومترية مثل رُتب الأودية ونسب الشعب والتعرج ومقاطع الأودية...الخ، بل يتعداه ليشمل التعرف المباشر من المرئيات الفضائية على المناطق التي تتجمع فيها المياه والتيالتي من خلالها يمكن معرفة الخصائص الجيومورفولوجية ذات الصلة والتراكيب الجيولوجية للمواقع المراد حصر المياه السطحية في نطاقها (شكل رقم 8).   
 
شكل رقم 8: مرئية فضائية  تبين تجمعاً مائياً بسبب ضيق وادي التصريف على أحد روافد وادي حنيفة.
    1. التعرف على الأراضي الرطبة
   الأراضي الرطبة يقصد بها المناطق التي تحتوي على نسبة من الرطوبة العالية والناتجة عن ارتفاع معدل المسامية (Porosity) بسبب الخصائص التي تحملها مكونات المواد السطحية من تُرب وصخور كاتمة تبقي على حبيباتها قدر مُعين من المياه ضمن ما ينتج عنه منطقة خصبة في العادة. وفي كثير من الأحيان تكون هذه المناطق الرطبة ممراً للمياه السطحية إلى الطبقات الجوفية، أي أنها تكون مناطق رشح مائي ذي نفاذية عالية.
  إن القياسات التي تتم من الأرض لقياس الرطوبة تحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت، حيث يتم العمل على جمع العينات وعمل الفحوصات المخبرية ولحقلية لكل موقع على حدة، ومن بعدها يتم رسم خرائط كونتورية لهذه المواقع لتُعطي تمثيلاً عاماً لكامل المنطقة المدروسة. إلا أن هذه الطرق لم تعُد كثيرة الاستخدام مع وجود تطبيقات التقنيات الفضائية والتي لها القدرة السريعة في التعرّف على الاماكن الرطبة وبأقل وقت ممكن، حيث يمكن من خلالها أيضاً تحديد درجات الحرارة لكل بقعة رطبة على سطح الأرض.
   ولهذه الغاية تُستخدم المرئيات الفضائية ذات الموجات الحرارية (مثل مرئيات التوابع الصناعية  Aster، Landsat،  و Radarsat). ويُعتمد في تحليل المرئيات الفضائية الحرارية على قياس فروقات درجات الحرارة من خلال المجسات (Sensors) الحرارية الموجود على هذه التوابع الصناعية. وبالاضافة لعمليات تطبيق الموجات الحرارية تُستخدم أيضاً الموجات ما تحت الحمراء الحرارية لنفس الغرض.
  وبطبيعة الحال فإن المناطق الرطبة تبرز درجات حرارة أقل من المناطق المحيطة بها، حيث تظهر في المرئية الفضائية بنمط ظلي داكن. ويتم تقسيم المنطقة إلى عدة مستويات يعكس كل منها مستوى حرارياً مُعيناً ولعل أهميه استخدام هذه الطرق تكمن في عمليات المراقبة للمتغيرات الحرارية، أو بمعنى آخر أنماط التغيرات في رطوبة الأرض والناتجة عن توزيع المياه السطحية الضحلة ضمن الصخور الكاتمة والترب.ومن الطبيعي ان ذلك يحتاج إلى مجموعة من المرئيات الفضائية المتسلسلة للقيام بعمليات المراقبة هذه.
  وفي معظم الأحيان يمكن القيام بعمليات ربط للخصائص الطبيعية المختلفة لسطح الأرض والمتعلقة بوجود المكونات المائية ضمن الصخور والتُرب، مثل تلك التي تتم ما بين درجات الحرارة الناتجة عن رطوبة سطح الأرض والأطياف المنبعثة منها مع دليل فروقات خصوبة الغطاء الأخضر (NDVI) والتي تظهر كمتغيرات ديناميكية يمكن تحليلها بشكل يومي من خلال المرئيات الفضائية تلغي الكلمة المكررة التي تُلتقط يومياً، مثل التوابعالصناعيةModis و NOOA (شكل رقم 9). ومن خلال هذه العمليات يمكن عمل مقارنة لهذه الخصائص مع المتغبرات المناخية مثل الأمطار  ودرجات الحرارة اليومية، حيث تُستخدم هذه الطرق في حساب الموازنة المائية للمناطق المختلفة.
    1. التعرف على الأنماط المناخية
  لم تقتصر استخدامات التقنيات الحديثة على التعرف المباشر للعناصر المائية كما هو في الحالات الدراسية السابقة بل يمكن استخدامها وبشكل فعّال في دراسة الأنماط المناخية المختلفة ومن أهمها تساقط الأمطار ومراقبة الأحوال الجوية وبشكل اقليمي مثل مراقبة الكتل الرملية المتحركة أو العواصف السريعة الدوران وإلى ما هنالك من عناصر جوية تؤثر على المصادر المائية في أي منطقة. 
 
شكل رقم 9: مرئية فضائية توضح توزيع دليل فروقات خصوبة الغطاء الأخضر (NDVI) على الساحل الشرقي للمملكة.
   ولعل لهذه التقنيات دوراً هاماً يتضح في حال عدم توافر المحطات المناخية الأرضية وتحديداً في المناطق البعيدة نسبياً أو المناطق الوعرة كما هو الحال في المملكة. وبالفعل فلقد أصبحت المرئيات الفضائية ذات جدوى في هذا الخصوص. حيث تُستخدم، على سبيل المثال، المجسات الرادارية التي لها القدرة على اختراق الغيوم، للتعرف على آلية حركة السُحب، وكثافتها وكذلك على توزيعها الجغرافي بشكل ديناميكي. وتقوم هذه المجسات المحمولة على توابع صناعية مختلفة الميزات بعمليات القياس للموجات المرتدة التي ترسلها ومن ثم تستقبلها وعلى فترة ثلاث ساعات وبشكل دوري ما يسمح للتعامل مع المرئيات المُلتقطة بالتعرف على المظاهر الوقتية (Real time).ومن المعروف ان هناك أجهزة رصد جوية توضع على الطائرات من أهم أهدافها رصد تساقط الأمطار.
  ونركز في هذه الدراسة على استخدام منظومة الـ2TRMM (مهمة الرسم المطري العالمي). حيث يتم استخدام هذه المنظومة في عدة مناطق من العالم خصوصاً منها تلك التي لاتتوافر فيها البيانات المناخية الكافية وكذلك للحصول على تغطية أرضية لمساحات كبيرة. ولقد استخدمت هذه المنظومة في دراسات عديدة قامت بها الباحثة في المملكة العربية السعودية للتعرف على الذروات المطرية خاصه تلك التي تتوزع على الساحل الغربي للمملكة، وكان قد نتج عنها أمطار وسيول عارمة خلفت وراءها فيضانات كارثية بسبب غياب أجهزة الرصد والتنبؤ، حيث يمكن من خلال هذه التقنيات استنتاج التوزيع الجغرافي للسُحب وبكثافاتها المختلفة ويتم الحصول على المعلومات من هذه المنظومة إما من خلال خرائط كونتورية دالة (شكل رقم 10)، أو من خلال رسومات بيانية او جداول تبين معدلات سقوط الأمطار يمكن الحصول عليها على فترات زمنية يومية. ولعل البيانات التي توفرها هذه التقنيات يمكن الاعتماد عليها حيث ان المقارنة التي تمت بينها وبين البيانات المأخوذة من محطات الرصد الأرضية أثبتت وجود تطابق بين المصدرين. 
    شكل رقم 10: خريطة مطرية من منظومة الـTRMM تبين توزيع الأمطار فوق مدينة جدة.
  1. المناقشة والتوصيات
   لم تعد الأدوات والأساليب التقنية التي كانت تستخدم في دراسة المصادر المائية وتقييم حجم مواردها تفي بالغرض المطلوب في وقتنا الحالي. ويعود السبب إلى سرعة المتغيرات في كل العناصر المائية ودورتها ابتداء من وجود المياه كأمطار وحتى وصولها إلى المياه الجوفية. إضافة إلى تدخل العنصر البشري في هذه المصادر بشكل أو بآخر في أغلبه ينتج عنه أوضاع سلبية. ومن خلال التحديات القائمة والمتفاقمة مع مرور الوقت أصبح الطلب على المياه في تزايد متسارع، ومن هنا وجب اتباع دراسات وبرامج علمية موثوقة تُبنى عليها خطط وإستراتيجيات مائية تهدف إلى تخفيف وطأة المشكلة والوصول إلى إدارة متكاملة لكل الموارد المائية المتاحة.
  وقد عرضت هذه الورقة بعض الحالات الدراسية من المملكة العربية السعودية والتي في مجملها تساهم في استغلال المصادر المائية بشكل سليم وتقييم وضعها الهيدرولوجي مع اعتبار كل المعايير والمتغيرات الطبيعية والبشرية. ومن هنا يمكننا توضيح ضرورة المتابعة والتطوير للدراسات البحثية التي تستخدم التقنيات الفضائية الحديثة وكذلك النظم الجيومعلوماتية. حيث ان هذه التقنيات وروافدها المختلفة أثبتت أنها قادرة على توفير البيانات وكذلك عمليات المراقبة لكل العناصر المائية. ولا يقتصر استعمال هذه التقنيات على الدول العربية الواقعة في معظمها في منطقة جافة إلى شبه جافة، بل تعدت حتى إلى الدول التي لا تشكو بشكل كبير من النقص في مواردها المائية.
   ففي الحالة الدراسية الأولى والمتعلقة بالكشف عن المناطق ذات المأمولية لوجود المياه الجوفية، يمكن استخدام هذه الطرق لاستكشاف مصادر مائية جوفية جديدة تسد بعضاً من الحاجة المطلوبة. ومن هنا يجب إدراج هذه الطرق في بنود رئيسة لإستراتيجيات مائية. ونخص بالذكر أن هذه الطرق يمكن تطبيقها في مناطق جغرافية نائية في المملكة قد تصعب فيها عمليات الاستكشاف بالطرق التقليدية. وللعلم فإن التقنيات الفضائية ساهمت في كشف خزانات جوفيه عملاقة في العديد من المناطق وحتى في المنطقة العربية، مثل تلك التي تم كشفها في دارفود بالسودان (Robinson, 2006).
   كذلك فمن الممكن استخدام هذه الطرق في المملكة لتقييم تغذية المياه الجوفية، حيث إنه من المعروف أن المياه الجوفية في المملكة هي غير متجددة، إلا أن الخصائص الهيدروجيولوجية لعدة مناطق تجعلها مواتية لتخزين هذه المياه في حال وجود الأمطار، وبما أن الأوضاع المناخية تتجه لتزايد الأمطار في المنطقة، فإنه يمكن من خلال ذلك عمل تقييم لمستويات المياه في بعض الأحواض الجوفية لمعرفة إذا ما أصبحت المياه الجوفية في المملكة في طور التجدد والتصريف.
   أما الحالة الدراسية الثانية والمتعلقة بتحديد الأودية ونطاقات الأحواض المائية وتشعباتها المختلفة، فهي أيضاً ذات أهمية خصوصاً إذا ما تمت دراسات مائية من منظور إدارة الأحواض المائية (Watershed management). وهذه التطبيقات أصبحت كثيرة في عدة دول من العالم حيث تلعب دوراً رائداً في احتساب الميزان المائي لكل حوض على حدة، لذلك فمن الأهمية أن تكون نطاقات هذه الأحواض مُحددة بطرق سليمة، وكذلك فإن وجود البيانات لهذه النُظم المائية بشكل رقمي يساعد في تطبيق الصيغ الجيومورفولوجية والهيدرولوجية المختلفة. لذلك فمن الأهمية استخدام التقنيات الفضائية والجيومعلوماتية في تحديد نطاقات الأحواض ليتم من خلالها طرح الإستراتيجيات المطلوبة خصوصاً فيما يتعلق بالحفاظ على الموارد المائية.
   وكذلك الأمر بالنسبة للحالة الدراسية الثالثة والمتعلقة بالحصاد المائي وهي مرتبطة بشكل أو بآخر بتحديد نطاقات الاحواض المائية. حيث كنا قد رأينا أن عدة مناطق في المملكة أصبحت تشهد أمطاراً تصل إلى ضعف المعدلات المعروفة. وهذا بدوره نتج عنه جريان العديد من الأودية المائية باتجاه البحر ناهيك عن عمليات الجرف للمنشآت العمرانية الواقعة في طريق هذه الأودية. ومن هنا فإن وجود إستراتيجيات لحصاد هذه المياه أصبحت ضرورة ملحة. ولعل المملكة قد دخلت فعلاً في هذه المنظومة، حيث تبين ان هناك العديد من السدود قد تم انشاؤها على الأودية المائية، والبعض الآخر لايزال في طور التنفيذ. هذا إضافة إلى التجمعات المائية في الأماكن الملائمة من النواحي الجيومورفولوجية والتي يمكنها حصد كميات كبيرة من المياه السطحية. وخير دليل على ذلك السد الاحترازي الموجود على وادي العصلا في جدة والذي حصر ما يزيد على 25 مليون متر مكعب من المياه في أمطار نوفمبر 2009م (آل سعود، b2010).
  أما التعرف على الأراضي الرطبة باستخدام المرئيات الفضائية اليومية فيمكن طرحها في إستراتيجيات مائية. حيث ان تحديد المناطق الرطبة يعطي دليلاً على الأماكن الصالحة للأنشطة الزراعية والتي فيها يمكن الاستغناء عن استخدام المياه للري، وهذا ما يتم اتباعه في عدة دول من العالم. كذلك فإن المراقبة الدورية لدليل فروقات خصوبة الغطاء الأخضر (NDVI) يمكن من خلاله استنباط التغيرات المناخية خصوصاً فيما يتعلق بظاهرتي الجفاف والتصحر. ومن خلال هذه الظواهر يمكن التنبؤ بالأوضاع المستقبلية وبالتالي طرح اجراءات عملية للتكيف (Adaptation) أو للحد من تفاقم هذه الظواهر التي أصبحت تتفاقم مؤخراً في المنطقة العربية بأسرها.
  ومن هنا أيضاً تأتي أهمية الرصد الجوي والتعرف على الأنماط المناخية، حيث إن هنالك عدة مناطق في المملكة لازالت تفتقد لمحطات رصد الأمطار خصوصاً منها المناطق الوعرة والبعيدة. ولعل لهذا الموضوع أهمية من حيث التغيرات المناخية الحاصلة. فعن طريق التقنيات الفضائية أصبح بالامكان من خلال مراقبة الكُتل المائية المتحركة بشكل سُحب والتنبؤ بمواقع تساقطها. ولعل هذه التقنيات من أهم ما يمكن الاعتماد عليه في بناء نظم التنؤ المبكرة لتفادي الكوارث الطبيعية الناتجة عن المياه. ان ما حدث في مدينة جدة خير مثال على ذلك ما يؤكد الحاجة الماسة لوجود منظومة للرصد المبكر وبالتالي يجب أن تدخل هذه الأنظمة في إستراتيجيات للحفاظ على المواطنين من خطر المياه وفي نفس الوقت للحفاظ على المياه كمورد طبيعي هام.
ومن خلال هذه الأمثلة يمكن رؤية مدى فاعلية استخدام هذه التقنيات وعليه يمكن تلخيص التوصيات التالية:
  1. انشاء قواعد معلومات متعلقة بالموارد المائية المختلفة (سطحية وجوفية) والتي يمكن ان تتم من خلال النتائج التي يتم الحصول عليها من التقنيات الفضائية والقيام بحفظها رقمياً في نظم المعلومات الجغرافية.
  2. ادراج النتائج التي يتم الحصول عليها من خلال هذه التقنيات في وضع السياسات والإستراتيجيات المائية ومن منطلق الأمن المائي.
  3. ضرورة ادخال هذه التقنيات في المؤسسات والجامعات والمراكز العلمية المتخصصة.
  4. العمل على تطوير وسائل تقنية تعمل على تحسين قدرة العاملين في المؤسسات المختلفة من خلال مفاهيم العلوم الفضائية والنظم الجيومعلوماتية.
  5. انشاء وحدات متخصصة للمراقبة واستنباط المتغيرات الطبيعية (التغيرات المناخية، الفيضانات، استخدامات الأراضي....الخ) من خلال التقنيات الفضائية المختلفة.
  • المراجع
  • آل سعود، مشاعل. تطبيق تقنيات الجيومعلوماتية في دراسة الفيضانات والسيول في منطقة جدة عام 2009 م. المجلة العربية لنظم الجيومعلوماتية. العدد 3 (1)، 2010.
  • آل سعود، مشاعل. 2012 .إدارة ضوابط الفيضانات والسيول في منطقة جدة والمناطق المجاورة. دراسة فنية متكاملة (تحت الاعداد).
  • الحمد، عبداللطيف. 1997. مصادر المياه واستخداماتها في الوطن العربي. أعمال الندوة العربية الثانية. المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والاراضي القاحلة، الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية. الكويت 8-10 مارس.
    Al Saud M (2008) Using ASTER images to analyze geologic linear features in Wadi Aurnah basin, Western Saudi Arabia. Open Remote Sensing Journal. 2008(1):17-25
    Al Saud, M. 2011. Use of Remote Sensing and GIS to Analyze Drainage System in Flood Occurrence, Jeddah - Western Saudi Coast. Under publishing as a Chapter in Book “Drainage System”. InTech Publishing.
    Al-Saud, Mashael, (2010). Mapping potential areas for groundwater storage in Wadi Aurnah Basin, Western Arabian Peninsula, using remote sensing and geographic information system techniques. Hydrogeology Journal, Vol. 18(6): 1481-1495.
    Doll, P. and Florke, M. 2005. Global-scale estimating of diffuse groundwater recharge. Frankfurt Hydrology paper 03. institute of Physical Geography, Frankfurt University.
    Kumar P, Gopinath G, Seralathan O. 2007. Application of remote sensing and GIS for the demarcation of groundwater potential areas of a river basin in Kerala, southwest coast of IndiaInt J Remote Sensing, 28(24): 5583-5601
    Robinson, C. 2006. RADARSAT-2 multi polarization data for groundwater exploration, Darfur Sudan. Radarsat-2 Symposium, September 11th -15th , 2006.
    Savane I, Goze B, Gwyn H. 1996. Etude cartographique et structurale à laide des données Landsat de la région dOdienne (Ivory Coast). In Proceeding on: 26th Int. Symp. on RS of Environment, Vancouver, BC, Canada, 25-29/3/1996: 92-97
    Sener E, Davraz A,  Ozcelik M . 2005. An integration of GIS and remote sening in groundwater investigations: A case study in Burdur, Turkey. Hydrogeology Journal, 13(5): 826-834. 
1 مصادر مختلفة
2 http://disc2.nascom.nasa.gov/Giovanni/tovas/TRMM_V6.3B42.2.shtml




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا