التسميات

الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

سيناريوهات مستقبل المدينة ...


سيناريوهات مستقبل المدينة 

أ.د. بهجت رشاد 

أستاذ متمرس- جامعة بغداد 

محمد القاسم العاني 

دكتوراة هندسة معمارية - جامعة النهرين



مجلة الهندسة -  المجلد 18- العدد 6 - حزيران 2012 - ص ص 114 - 134 :

1- مستخلص البحث:

    لأجل تحديد هوية مدن المستقبل The Identity of Future Cities فأن العمارة لا تزودنا بواحدة من أهم الاحتياجات الأساسية (المأوى) فحسب، ولكنها الإثبات الملموس للماضي والحاضر بوصفها جزءاً من التواصل، وفي أحسن حالاتها هي مؤشر للمستقبل. اتفقت معظم الطروحات الخاصة بالتحولات الحضرية للقرن الحادي والعشرين على أن المدينة تغيرت من المجتمع الصناعي المهيمن خلال القرن السابق إلى نمط تهيمن فيه المعرفة والمعلومات والاتصالات، وخاصة تلك التي تتم عن بعد وتغلغلت في النسيج الحضري، والتي أفرزت تصورات عن طبيعة الهوية الحضرية لمدن المستقبل، وتركزت جهود بحوثها البديلة للمدينة المستقبلية على دور الاتصالات والمواصلات الحديثة وبنية الذكاء في تشكيل المدن الجديدة وإنهاء المدن القديمة، وهي من أبرز المشاكل التي تعاني منها مدننا الحالية ومنها بغداد على وجه التحديد. يسعى هذا البحث إلى تقديم دراسة تخطيطية تصميمية لما ينبغي أن تكون عليه مدينة بغداد كمدينة عربية إسلامية مستقبلية ويحدد أبعادها ومتطلبات مخططها الاستراتيجي. فالمدينة الحالية شكلت وفق استراتيجية مبنية على مفاهيم التقليدية. يشير البحث إلى أن هذا الأسلوب في التخطيط العمراني الذي تشهده مدينة اليوم لا يتلائم مع متطلبات مدينة الغد التي تعتمد على قاعدة عمرانية، اجتماعية، دينية، اقتصادية، معرفية. تشكل الأنشطة الإنسانية المختلفة فيها من إنتاج واستخدام المعلومات والمعرفة محركاً أساسياً في تنميتها العمرانية ومؤثرا قويا في الأساليب التي تقوم عليها وظائفها العمرانية وأساليب عيش فئاتها الاجتماعية.

   يقترح البحث إعادة النظر في المخططات الاستراتيجية التي تقوم عليها المدن (ومنها مخططات تطوبر بغداد) التي تطمح أن تكون مدناً إنسانية في حاضرها الجديد ومستقبلها القادم وذلك من خلال تبنيها لمخططات استراتيجية نابعة من الفكر الإسلامي، تملك من الديناميكية ما يؤهلها لاستيعاب سيناريوهات مستقبلية متعددة. 

Senarios of the City Future 

ABSTRACT: 

  In order to determine The Identity of Future Cities, the architecture does not provide us with one of the most basic needs (shelter), but also tangible evidence of the past and present as part of the communication, and best is an indicator of the future. Most of the narratives of the transformations of urban in twenty one century agreed that the city changed from an industrial society, the dominant over the previous century, to a pattern dominated by knowledge, information and communications, especially those that are remote and penetrated into the urban fabric, which produced the perceptions about the nature of identity, urban cities of the future, focusing Alternative research efforts of the city's future on the role of modern communications, transportation, and the structure of intelligence in the formation of new cities and an end to the old cities, this is one of the main problems faced by our cities, including present day Baghdad specifically. 

  This study aims to provide schematic design study of what should be the city of Baghdad as an Arab Islamic future and determine its dimensions and the strategic requirements. The city is formed according to the current strategy, based on traditional concepts, the research indicates that this method of urban planning today, witnessed by the city did not meet the requirements of the city of tomorrow based on physical, social, religious, economic, fundamentals. Different human activities are concerned with production and use of information and knowledge in the development of an influential architectural style and structures that underliy the functions of urban lifestyles and social groups.

  The research suggests reconsideration of strategic plans on which the cities (including schemes of Developed Baghdad), which aspires to be humanitarian cities present the new and the coming future. Through the adoption of strategic schemes steming from the Islamic thought, dynamism is poised to accommodate future multi scenarios.

2- مقدمة العمران كأسلوب حياة:

  يقال أن الرسم ثنائي الأبعاد، النحت ثلاثي الأبعاد، العمارة متعددة الأبعاد، وهكذا فمن خلال هذه الأبعاد المتعددة للعمارة فأن البحث يؤكد على الشمولية في التفكير ويناقش طروحات مستقبل المدينة العربية الإسلامية على وجه العموم ومستقبل مدينة بغداد. 

  يحاول البحث وضع إطار عملي لمنهجية دراسة استشرافية لمستقبل العمارة والتصميم الحضري في بلدان العالم العربي والإسلامي كمحاولة للمشاركة في تنظيم هذا الواقع المضطرب وبناء تصور ممنهج لما سوف ينتج عن هذا الواقع وموقع الممارسة والتنظير المعماري فيها، وتستند هذه الرؤية الاستشرافية على طلائع التوجهات المستقبلية للعمران. ومن ثم محاولة استشراف مستقبل هذه العمارة والتصميم الحضري للمدينة على ضوء الأطر الفكرية الناشئة في دراسات التنبؤ، والتي بدأت صورتها تتوضح أكثر وكذلك انعكاسها على العمارة والتصميم الحضري للمدينة فكراً وممارسة.

  صحيح أن الحضارة وكما يوضحها ابن خلدون لا تحصل إلا باستفحال واكتمال العمران لكن آثارها أوضح وأكثر بقاء حتى بعد زوال العمران، وذلك لأن آثارها ليست مادية فقط بل تشمل كل المعاني والقيم (الأخلاقية والثقافية والاجتماعية والدينية، ...الخ) فضلاً عن الكيان المادي والتقني الذي يمثله العمران ويؤكد ذلك ابن خلدون في قوله أن الأثر أخف وأقل بقاء عند زوال العمران. (ابن خلدون، 1981، ص226). فالمدينة بعمرانها تحمل أبعاد متعددة تجعل من العمارة اسلوب حياة متكامل لبني البشر، وبالتالي تملك من خاصية الربط بين الذات والموضوع ما يؤهلها لأعادة اعمار المدينة والإنسان الذي تحتويه.

  ظهر تحول واضح في استقراء المستقبل منذ بداية العقد السادس من القرن العشرين الميلادي بظهور كتاب (فن الحدس) عام 1964 م، ونشأة الجمعيات المتخصصة في دراسة المستقبل مثل جمعية المستقبل العالمية عام 1966م واتحاد دراسة مستقبليات العالم عام 1967م ونادي روما عام 1968م . وانتشرت الدراسات المستقبلية في شتى ميادين المعرفة والثقافة. غير أن هذا المدّ من الدراسات المستقبلية انحسر عن المنطقة العربية ومعظم الدول النامية، ولم تظهر العناية بهذا النوع من الدراسات إلا مؤخراً، وظلت دراسات جزئية غير قادرة على تحقيق الطموحات. ويركز البحث الحالي في التعرف على توجهات الدراسات العالمية المستقبلية العامة سعياً للوصول إلى مغازيها الإنسانية، من أجل استشراف هوية مدينة بغداد المستقبلية، من خلال:

مشكلة البحث: عدم وجود تصور واضح لهوية بغداد المستقبلية.

هدف البحث: تحديد سيناريوهات المستقبل للهوية العمرانية لمدينة بغداد.

فرضية البحث: أن بغداد مدينة ديناميكية حية تحوي على نظم متعددة تمكنها من استمرارية الحياة في المستقبل.

3- الاتجاهات الرئيسة في الدراسات المستقبلية: من الأهمية بمكان توضيح الاتجاهات الرئيسة والحديثة في دراسات علم السياسة المستقبلية لكي نربطها بالطروحات المستقبلية لمفكري عصرنا، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة إتجاهات سوف نلخصها بالاعتماد على دراسة الدكتور جمال زهران عن الاتجاهات الحديثة في الدراسات المستقبلية، يضاف لها اتجاه إسلامي خالص من خلال المنهج الاستشرافي في الإسلام.

أ- الاتجاه الأول (الاتجاه الراديكالي): ينطلق هذا الاتجاه في دراسة المستقبليات على أسس الفكر الماركسي، الذي يقوم بنقد ما يعرف لديهم بـ (علم المستقبل البرجوازي)، وتفترض كل من المثالية الهيجلية والمادية الماركسية أن التقدم البشري سنة من سنن الكون، وأن المستقبل يكون أفضل من الماضي لامحالة، أي أن البشرية مكتوب عليها التدرج نحو عالم أفضل في ميادين الاقتصاد والعلم والاجتماع والسياسة والعلاقات البشرية، أما قوانين هذا التقدم فيردها كل من الهيجليين والماركسيين الى المنطق الجدلي الذي يتحكم في الفكر البشري من جهة، والى الأحداث الكونية والاجتماعية من جهة أخرى، وباعتبار أن هذا المنطق أزلي فكان لا بد من أن يستمر التطور أو التقدم وفقاً له وإلى ما لا نهاية.

 ومن ثم فإن أصحاب الاتجاه الراديكالي يبنون نظرتهم للمستقبل على أساس فكرة التقدم، التي كرست الفلسفات المادية لا سيما الجدلية التي قدمها كل من ماركس وهيجل للتعامل مع التقدم كديانة، كما أنهم يؤسسون نظرتهم على الإيمان بالتقدم كحتمية، وبالتالي ظهور تكنولوجيا جديدة فعالة أو تنظيم اجتماعي جديد أو مختلف عن التنظيم الاجتماعي الموجود في الوقت الحاضر، يكون من شأنه احداث تغير نوعي من شأنه ألا يصبح المستقبل مجرد امتداد للحاضر بل يمثل نقيضا له. وهم يبنون تنبؤاتهم للمستقبل على أساس التحليل الابداعي، فأي شيء يمكن للعقل تصوره يمكن تحقيقه ما دام لا يخالف القوانين الطبيعية، وهم يعتمدون على أساليب بحث تتفق مع هذه النظرة، بحيث تطلق العنان لخيال الباحثين ولقدراتهم الحدسية والإبداعية مثل أسلوب دلفي، ويرفضون الأساليب التي يتبعها الليبراليون مثل تحليل النظم وبناء النماذج والأسلوب الاستقرائي والمعياري.

   وفي هذا السياق كانت هناك جهود سوفيتية سابقا ركزت على عمليات التنبؤ المرتكزة على النظرة الماركسية اللينينية، وتطورت الدراسات المستقبلية في الاتحاد السوفيتي السابق من حيث الربط بين الأخذ بالتخطيط المتوسط والطويل المدى في الدول الاشتراكية وبين تطور المستقبليات فيها. وقد طبق السوفيت ذلك في منتصف الخمسينيات وأسفرت الدراسات عن وضع برنامج شامل للتقدم العلمي والتكنولوجي، تم توزيعه على ثلاث مراحل زمنية (الأولى حتى عام 1990 والثانية حتى عام 2000 والثالثة تمتد حتى عام 2005) بإشراف لجنة مؤقتة تابعة لأكاديمية العلوم السوفيتية. وفي الجناح الآخر من التيار الراديكالي تظهر الصين التزامها بأسس الفكر الماركسي وتطبيق نهج صيني خالص، بوصفها ذات اهتمام بالغ بالدراسات المستقبلية أيضا كالسوفيت، ففي عام 1982 شكلت الصين الشعبية لجنة لإصدار تقرير عن الصين سنة 2000 وظهرت العديد من الدراسات عن علم اجتماع المستقبل وعن المجتمع ما بعد الصناعي وللآثار الاجتماعية للتقدم الأمثل، في مجال الهندسة الوراثية وثورة الإتصالات والمعلومات. وقد وجهت كثير من الانتقادات لهذا التيار، أبرزها ما قام به كارل بوبر في كتابه (عقم المذهب التاريخي)، ومن المفارقات أن التغيرات في الكتلة الشرقية ومجيء (غورباتشوف) قلب الأمور رأسا على عقب، اذ أصبح مستقبل الاشتراكية خارج دائرة اليقين وانتشرت موجة من اليأس بعد التفاؤل المفرط الذي تدعو اليه الراديكالية، وسبب اختفاء الاتحاد السوفيتي اختفاء وموت نظم بحث الدراسات المستقبلية السوفيتية. (سلوم، 2009).

ب- الاتجاه الثاني (الاتجاه الليبرالي):

  بدأ هذا الاتجاه في اميركا وفرنسا والمانيا وبريطانيا ثم تتابع في بقية دول اوروبا الغربية في اتون الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وبدأت دراساته المستقبلية لأغراض عسكرية، وكان استخدام السلاح النووي في ضرب اليابان 1945 بداية لخلق المؤسسات المهتمة بهذا المجال، فنشأ مركز الاستطلاع التكنولوجي البعيد المدى للجيش 1947، ثم تلاها انشاء مؤسسة "راند" لخدمة المصالح الأميركية وأمنها عام 1948 ثم معهد المستقبل لدراسة المشكلات المدنية 1966 بولاية كونكتكت، ثم انشاء معهد هدسون في نيويورك من قبل هرمان كاهان صاحب اسلوب السيناريوهات والمستقبل البديل ومؤلف الكتاب الشهير(عام 2000 إطار التفكير في السنوات الثلاث والثلاثين القادمة)، ثم توالى إنشاء هذه المؤسسات حتى وصلت الى 600 مؤسسة حتى عام 1967، من بينها جمعية المستقبل العالمي التي أسست عام 1966 ثم انتشرت في أوروبا. وينطلق مستقبليو هذا الاتجاه من منطلق يعزز الفكر الرأسمالي الحر بصورة مغايرة للاتجاه الراديكالي، فعالم الغد في نظرهم امتداد لعالم اليوم الذي هو بدوره امتداد لعالم الأمس واختلاف المستقبل عن الحاضر هو اختلاف في الدرجة لا في النوع، فالتغير الذي سوف يحدث في المستقبل تغير كمي لا نوعي ولهذا الاتجاه الذي يسمى أيضا الاتجاه الرأسمالي أو المحافظ أو الاتجاه الجديد، يعمه إيمان بأن دراسة المستقبل سوف تأتي في إطار التداعيات الشاملة للتطور التكنولوجي سواء كانت اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية، لدرجة هناك من يميز بين مستويين من المناهج المستقبلية (سلوم، 2009):

1. المنهج الصعب: ويغطي تنبؤات الاقتصاد والتكنولوجيا والتعليم والصناعة والسكان.

2. المنهج البسيط: ويغطي التنبؤات السياسية والثقافية.

ت- الاتجاه الثالث (الاتجاه الليبرالي الجديد):

  اتجاه نجم عن الصراع بين الاتجاهين السابقين المحكومين بالنزعة الايديولوجية المتناحرة، لذا كان لا بد من خروج اتجاه جديد له سمات مختلفة متحررة من فكرة الصراع مع الاخر في ضوء الصراع بين الشرق والغرب، كما أنه يدعو إلى أفكار جديدة في إطار ليبرالي، ويمكن النظر إليه في سياق التداخل بين الفكرة القومية والعالمية التي درج الكثير على تسميتها بالعولمة، من أهم مفكري هذا الاتجاه فوكوياما، وبهجت قرني في مقاله الذي يرد فيه على فوكوياما مؤكداً على استمرارية التاريخ، والفن توفلر المهتم بقضايا المستقبل، وبول كندي لا سيما في كتابه الاستعداد للقرن الحادي والعشرين، ولستر ثرو في كتابه مستقبل الرأسمالية، وزبغنيو بريجنسكي في كتابه رقعة الشطرنج الكبرى .(سلوم، 2009) .

ث- الاتجاه الرابع (المنهج الاستشرافي في الاسلام):

  هو منهج نابع من الفكر الإسلامي كون أن الله سبحانه وتعالى اصطفى من البشر أشخاصاً فضلهم بخطابه وفطرهم على معرفته وجعلهم وسائل بينهم وبين عباده يعرفونهم بمصالحهم ويحرضونهم على هدايتهم ويدلونهم على طريق النجاة، وكان فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق والأخبار الكائنات المغيبة عن البشر التي لا سبيل إلى معرفتها إلا من الله بوساطتهم ولا يعلمونها إلا بتعليم الله إياهم، قال صلى الله عليه وسلم (ألا وأني لا أعلم إلا ما علمني الله).

   أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالة القرآن الكريم المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الخوارق في الغالب تقع مغايرةً للوحي الذي يتلقاه النبي ويأتي بالمعجزة شاهدة بصدقه، والقرآن هو بنفسه الوحي المدعى وهو الخارق المعجز فشاهده في عينه ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه وهذا معنى قوله صلى االله عليه وسلم (ما من نبي من الأنبياء إلا وأتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحى إلي فأنا أرجو أن أكون تابعاً يوم القيامة).

  أن تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والرؤية ترتفع إليه من عالم القدرة الذي اجتمع فيه الحس والإدراك، ولم ينته إلى الرؤية والفكر بالفعل وكان ذلك أول أفق من الإنسان، فهو روحاني ويتصل بالمكونات لوجود اتصال هذا العالم في وجودها ولذلك هو النفس المدركة والمحركة، ولابد فوقها من وجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة ويتصل بها أيضاً ويكون ذاته إدراكا صرفاً وتعقلاً محضاً وهو عالم الملائكة، فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الملكية ليصير بالفعل من جنس الملائكة وقتاً من الأوقات في لمحة من اللمحات وذلك بعد أن تكمل ذاتها الروحانية بالفعل، ويكون لها اتصال بالأفق الذي بعدها شأن الموجودات المرتبة في الاتصال جهتا الاعلى والاسفل، وهي متصلة بالبدن من أسعف منها وتكتسب به المدارك الحسية التي تستعد بها للحصول على التعقل بالفعل، ومتصلة من جهة الأعلى منها بأفق الملائكة ومكتسبة به المدارك العلمية والغيبية فإن عالم الحوادث موجود في تعقلاتهم من غير زمان. (ابن خلدون، المقدمة 6 ، 1981 ).

   أما الرؤيا فحقيقتها مطالعة النفس الناطقة في ذاتها الروحانية لمحة من صور الواقعات فإنها عندما تكون روحانية تكون صور الواقعات فيها موجودة بالفعل كما هو شأن الذوات الروحانية كلها، وتصير روحانية بأن تتجرد عن المواد الجسمانية والمدارك البدنية، وقد يقع لها ذلك لمحة بسبب النوم فتقتبس بها علم ما تتطلع إليه من الأمور المستقبلية وتعود به إلى مداركها. فهذا الاستعداد حاصل لها ما دامت في البدن، ومنه خاص كالذي للأولياء، ومنه عام للبشر على العموم وهو أمر الرؤيا. وأما الذي للأنبياء فهو استعداد بالانسلاخ من البشرية إلى الملكية المحضة التي هي، أعلى الروحانيات ويخرج هذا الاستعداد فيهم متكرراً في حالات الوحي وهو عندما يعرج على المدارك البدنية ويقع فيها ما يقع من الإدراك يكون شبيهاً بحال النوم شبهاً بيناً، وإن كان حال النوم أدون منه بكثير فلأجل هذا الشبه عبر الشارع عن الرؤيا بأنها "جزء من ستة وأربعين جزاً من النبؤة" وفي رواية ثلاثة وأربعين وفي رواية سبعين. (ابن خلدون، المقدمة 6 ، 1981 ).

4- استشراف المستقبل:

   قد يكون من المناسب، بل ومن الواجب على من يخطط لمستقبل مدينته ان يكون ملما بعض الشيء بما تعارف عليه العلم الحديث اليوم بـ "استشراف المستقبل". واستشراف المستقبل ليس "الكهانة" ولا "التنجيم" وليس "اضغاث احلام"، بل هو تحليل علمي يهدف الى "توقع" ما سيحدث في المستقبل استنادا الى ما متوفر من معلومات وتحليلها ومن ثم التنبؤ بخط سير الاحداث.

  تسبق عملية وضع المخططات الستراتيجية عملية استيعاب ما يمكن ان يجري في المستقبل، فالمخططات بعيدة المدى لا توضع لتناسب الزمن الحالي وانما توضع لتناسب الزمن الذي ستنفذ به، وتنجح المخططات بعيدة المدى بقدر نجاحها في استشراف المستقبل ونجاحها في توقع ما سيحدث قبل ان يحدث.

أ- امكانية استشراف المستقبل:

   بصورة عامة يمكن استشراف حركة الحضارات من خلال ما يأتي:

(1) مقدار المعلومات التي يتم جمعها عن الموضوع.

(2) قراءة افكار العلماء والمثقفين والمفكرين والقادة.

(3) دراسة الامثلة المشابهة.

(4) معرفة خط سير الحضارات، من خلال معرفة نقاط سيرها السابقة نستطيع تشخيص النقلة التالية لحركتها.

(5) معرفة السنن الكونية، انطلاقنا من واقعنا وخصوصيتنا الاسلامية، ولا يخفى ان كتاب "صراع الحضارات" لصامؤيل هانتغتون الذي عد من اهم الدراسات الحديثة ما هو الا دراسة استشرافية اعتمدت على قراءة التاريخ والسنن الكونية للوصول الى توقعات مستقبلية.

(6) الحدس والمهارة الذاتية، في قراءة الواقع والتنبؤ بحركة المستقبل اعتمادا على ايحاءات ورموز وتراكم معلومات، لا يستطيع الشخص المعني تفسيرها لكنها تلقى في روعه ويبني عليها تصوره للاحداث المستقبلية. وان كانت هذه النقطة تحديدا خارج الحدود الموضوعية والمنهجية العلمية لكنها رغم ذلك مما لا يمكن تجاهله في حالة وضع الاحتمالات الممكنة والتي قد يحدث ما يصدقها لاحقا. وكل ذلك يعتمد على الذكاء الذاتي والاطلاع الموسع على مختلف العلوم والاختصاصات واهمها التاريخ.

  تختلف الدراسات المستقبلية حسب التخصص الذي تعمل فيه، فهنالك دراسات متخصصة في الاقتصاد واخرى في البيئة، واوسعها تلك المتخصصة في تطور ومستقبل العالم ككل ومن جميع جوانبه، وما يهمنا في هذا البحث الدراسات المستقبلية للعمارة والعمران. تحتاج الدراسات الاستشرافية عادة الى عقول جبارة وخبرات كبيرة لاجل الوصول الى نتائج مقبولة علميا، واهم دراسات الاستشراف هي تلك التي تعتمد على فريق عمل متعدد الاختصاصات او ما يسمى بـ" Multidisciplinary " لان مجالات الحياة متداخلة بطريقة لا يمكن فك الارتباط فيما بينها ولا يمكن عزل احد الجوانب بعيدا عن تاثير المجالات الاخرى. 

ب- مراحل اجراء دراسة استشرافية:

  ما ذكره Mcloughlin عن أهمية التخطيط العمراني في إدارة المدن ضمن نظرته النظامية الفيزياوية Physical Planning وما نراه أن السيطرة على أي نظام ديناميكي يسبقه التنبؤ بكيفية تطوره إذا ما ترك لوحده وما هي نتائج معظم الأنماط المشتركة معه مساهمةً في تحفيزه أو تثبيطه. وكذا يستطيع المخطط أن يسيطر على هذا النظام أن سأل ماذا يحدث إذا حدثت تغيرات؟ أن البحث ويعتقد .(Mcloughlin, 1973, P.84) السيطرة وقيادة هذه التغيرات لا تحدث عن طرق جزئية وموضعية في جزء من أجزاء النظام ولكن عبر سلسلة من المراحل في الدورة التخطيطية الواحدة باعتبار التخطيط عملية دورية Cyclic Processing.

  أما مراحل إجراء دراسة استشرافية فهي تشبه مراحل العملية التخطيطية مع وجود عمليات اضافية، وهي عملية وضع فرضيات للتنمية ومناقشتها، ومن ثم تمحيصها عن طريق سلسلة من الدراسات التحليلية. والتي تتطلب من المخطط القدرة على التحليل العقلاني لواقع الحال باطاره الاجتماعي والاقتصادي والعمراني، ودراسة التوقعات والتغيرات المستقبلية لهذا الواقع وتحليل الامكانات لوضع خطط ذات اهداف قريبة وبعيدة المدى لغرض السيطرة على التغيرات المستقبلية المتوقعة بما يضمن تنفيذ الاهداف المرسومة للخطة. ولإجراء دراسة استشرافية تمر بالمراحل الاتية:

1) مرحلة جمع المعلومات Information collective survey: في هذه المرحلة يتم استعراض واقع الحال والامكانات المتاحة والعجز، واستعراض التقنيات والنظريات المستحدثة الطويلة الأمد نسبياً.

2) مرحلة تحليل المعلومات Information analysis 

3) الأهداف وضع مرحلة :Formulation of goals 

  لن يتم الاقتصار في هذه المرحلة على التخطيط الفيزياوي ولكن يتم التطرق إلى مؤشرات التغير (استخدامات الأرض وطرق النقل من ناحية نظام المدينة وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية الحضرية من ناحية نظام المدن) وعن طريقها تحدد الأهداف ( ,Mcloughlin, 1973 .P.103 ) 

4) تحديد الاهداف الموضوعية Identification of .objectives

5) وضع البدائل ووضع الاحتمالات المتوقعة Preparation of alternative expected strategies: في هذه المرحلة يتم دراسة جميع النتائج الممكنة وسلوكيات النظام في حالات الزمن المتغير وحالات التمفصل بين النظام الفيزياوي للمدن والنظام اللا فيزياوي للانسان والتقنيات المستخدمة.

6) وضع الاحتمالات غير المتوقعة
Preparation of alternative unexpected strategies .

7) تقييم البدائل Evaluation: وهي دراسة هذه المراحل في سياق اختيار الأهداف والقيم الموضوعة في المرحلة الرابعة في ضوء حالة الدراسة المحلية (مدينة بغداد كمدينة عربية اسلامية).

8) وضع السيناريوهات Preparation of scenarios 

9) تنفيذ البديل والسيناريو الأفضل Implementation: وهو وضع المخطط الأساسي لإدارة التغير وأساسه هو دراسة تأثير الانماط الجديدة على نظام التغيرات في سياق رؤية اي انحراف للنظام عن المسار الذي وضع فيه ويستخدم بالتناظر مع المرحلة السابقة في وضع السيناريوهات وامكانية اختيار أي من السيناريوهات التي تعمل حسب المستجدات الظرفية.

10) متابعة الخطة وفحصها Monitoring and review: ويتم متابعة الخطة وفحصها من وقت لأخر وبفواصل زمنية قصيرة وطويلة حسب مستوى التفصيل الذي يعاد النظر فيه. وهذه المرحلة ضرورية عند التنفيذ لعدم معرفة مسبقة مؤكدة فيما سيحصل وتدرج هذه السياقات في توقع المتغيرات السياقية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية فيما يتم توليد حاجات جديدة ورغبات وطموحات في المجتمع وأعضائه . (Mcloughlin, 1973, PP.102-103) 

11) التغذية الاسترجاعية Feed back: وتعتبر اهم الخطوات اللازمة لمساعدة الاستراتيجية في الوصول الى اهدافها، من خلال استيعاب اي مستجدات ظرفية ترافق سير الاستراتيجية عن طريق تكتيكات طارئة، مستوعبة من خلال السيناريوهات المحتملة والمتنبأ بها مسبقا. هذه المرونة تعطي الاستراتيجية امكانية تحقيق الاهداف المطلوبة مستقبلا.

  إن قرار التبني للتخطيط يتبع ما يعرف بشروط السياق Context Conditions والتي تحدد المسارات والشروط عند اتخاذ أي قرار تخطيطي، هذه الشروط هي (مؤتمر التنمية الاقليمية لدمشق، 2007):

* التمتع Enjoyability وهو الشرط الذي يمكن نظام المدن من أمكانية إعادة هيكلة تنظيماته خصوصاً إذا كان مدعوماً بتنظيمات اقتصادية واجتماعية مناسبة تفضل التغير.

* الاستعداد للعالمية Propensity to Internationalization وهو طاقة نظام المدينة ليأخذ موقعاً تنافسياً او تعاونيا في المستوى العالمي مع تأسيس آلية تفاعلية بين العوامل الاقتصادية المختلفة.

* التدريب Training وهي إمكانية تحقيق امكانات خاصة لتصحيح استخدام التكنولوجيا الجديدة ويرتبط بالتجريب بوصفه مؤشراً لصانعي القرار والمخططين.

* التفاعلية Interactivity وهي قابلية نظام المدينة لتأسيس علاقات متبادلة مع النظم الأخرى من خدمات.

* المواءمة Compatibility وهي قابلية نظام المدن لاستيعاب التطورات واستعداده للتطور وهو الشرط الأساسي سواء لتنظيم التطورات الممكنة التي تستطيع توليدها التكنولوجيا الجديدة أو أعطاء الضرورة المعرفية لتطبيق فعال لهذه التكنولوجيا.

* الدينامية Dynamism وهي القابلية الجوهرية والأساسية لنظام المدن في التحول والتغير خلال وقت قصير جداً بالعلاقة مع القوى الخارجية والداخلية الفاعلة في النظام نفسه.

* المرونة Flexibility وتشمل قابلية النظام الأصلي لتغير هيكليته تبعاً إلى التغيرات في عناصره أو قابليته للتكيف مع التغيرات خارج سياقه الخاص.
5- الاستشراف لأجل مستقبل أفضل بدل التكهّن بالآتي:

محتويات كتاب (الاستشراف – مناهج استكشاف ، توضح: "ان الاستشراف مهارة عملية تهدف 1 المستقبل) لاستقراء التوجهات العامة في حياة البشرية. فما نقوم به يكون له التأثير المباشر في جعل إمكانات إمساكنا بمسارات حياتنا أفضل». ويضيف: «الاستشراف أو دراسة المستقبل، أصبح فعلياً واحداً من علوم الإنسان والمجتمع المعتمدة في المجتمعات الصناعية المتقدمة، يدرّس في جامعات عدّة، كما أصبح له العديد من المؤسسات ومراكز الأبحاث". (سكرية، 2008).

  يرى كورنيش "ان الاستشراف مهارة يمكن تعلمها، وتساعدنا في بلورة أهداف بعيدة المدى، وفي صوغ استراتيجيات معقولة للوصول الى تلك الأهداف". وبرأيه، فإن الاستشراف (ليس تكهناً بأحداث المستقبل، ولكن العمل لجعل هذا المستقبل أفضل، باعتبار أنه يتطور انطلاقاً من الحاضر). من النصائح المقدمة إلى مستكشفي المستقبل والتي يحاول البحث تطبيقها:

1. الاعداد بشكل جيد لما يمكن ان يواجه في المستقبل، لأن غياب الإعداد المناسب يستجلب الكوارث.

2. عدم الاستهانة بأية معلومات عند اتخاذ القرار.

3. توقع غير المتوقع فلا يعتبر حدثاً سيئاً بل فرصة عظيمة.

4. التفكير على المدى البعيد.

5. الاستفادة من التخيل بشكل مثمر.

6. التعلم من السابقين.

  كذلك التقدم التكنولوجي هو المسار الأكثر فائدة للتحليل الذي يقود الى الاستقراء. ويصوغ ستة توجهات كبرى تصوغ شكل المستقبل وهي: التقدم التكنولوجي، النمو الاقتصادي، تحسيّن الصحة، زيادة الحركة، التدهور البيئي، ضياع الثقافات التقليدية. 

   ويعتبر "أن البشر عام 2040 سيكونون أغنى منهم اليوم، لكنهم لن يكونوا أسعد". (سكرية، 2008) ولعله محق طالما ان أسباب الكوارث قائمة، مع غياب معالجتها بروح إنسانية وأخلاقية بعيداً عن سياسة الأفكار المتعصبة. في المقابل، يبشّر كورنيش ببعض الاحداث الخيّرة مثل اختفاء الحروب، والطاقة المجانية، وابتكار حبوب للسعادة، وبناء مستوطنات للبشر في الفضاء، وتعاظم عقاقير الذكاء الإنساني، واكتشاف أدوية تُجدّد الشباب، وصنع «دماغ للعالم» وهو حاسوب يبنى بصورة مشتركة بين عملاقي المعلوماتية الولايات المتحدة واليابان. والمثير أنه لا يشير الى الصين وصعودها الذي يثير الرعب في بلاده وفقاً لما يكتب هو بالذات! (سكرية، 2008).

أ- آلية التخطيط العمراني الاستشرافي:

   يهدف البحث إلى تحليل مقومات العملية التخطيطية وكل ما تستند إليه من (شروط ومبادئ وأسس) وما يترتب على هذه العملية بعد إعدادها وتنفيذها وتقييمها من تقويم وإقرار لها حتى تحقق الأهداف المرجوة منها ضمن منهجية واضحة ومحددة تمتاز بكونها أساساً علمياً، لاعملاً عشوائياً غير محسوب ولا مضمون النتائج. وإن العملية التخطيطية باعتبارها تفكيراً في المستقبل فإنها تتطلب إجراءات تسبقها وتزامنها، وتلخص في: 

1. جمع المعلومات وتوثيق الوقائع الموجودة والمزالة.

2. اتخاذ القرار.

3. التنبؤ بالمستقبل. ويتعلق التخطيط دائماً بالمستقبل، ويعتبر نظام المعلومات أساس هام للتنبؤ بهذا المستقبل فلا تخطيط بدون إحصاء. وإن عملية التخطيط كأي عملية منطقية لها مبادئ وأسس واشتراطات حتى تحقق الهدف التي وضعت من أجله.

ب- أسس عملية التخطيط الاستشرافي:

  هناك أسس جوهرية في العملية التخطيطية لابدّ من مراعاتها والتقيّد بها:

1. الالتزام: يأتي الالتزام من خلال فهم المشاركين في تنفيذ الخطّة لمكوناتها ومن الصعب تحقيق هذا الفهم دون إشراك في وضع الخطة ويترتب على تطبيق الخطة الالتزام ببرامج معينة لذلك لابدّ من أن تغطي الخطة لحقبة زمنية تكفي للوفاء بالالتزامات التي تترتب على تلك الخطة. (مؤتمر التنمية الاقليمية لدمشق، 2007)

2. المرونة: إن الخطة التي لاتسمح بإجراء تعديلات تتسم بعدم الكفاءة، ذلك أن الطبيعة المرنة للتخطيط تتمثل في مخطط حيث أن النقاط هي بدائل للخطط الأصلية بما يعطيها نسبة معينة من المرونة. وعادةً هناك نسبة متفق عليها وهي (± 10%).

3. هرمية التخطيط: يكتسب التخطيط في مستويات إدارية مختلفة أهمية خاصة، إن اهتمامات الإدارة العليا توجه أساساً للتخطيط بعيد المدى في حين ينصرف اهتمام المستويات الإدارية الأدنى في التخطيط قصير المدى.

4. التنبؤ: تعود أهمية التنبؤ في العملية التخطيطية إلى تأثير البيئة على تحقيق أهداف المنشأة ويعتمد التنبؤ بدرجة كبيرة على المعلومات المتاحة والمحتملة باعتبارها مدخلات لازمة لممارسة أساليب التنبؤ، ومثلما هو معروف أن أساليب التنبؤ عديدة أغلبها تعتمد الطرق الرياضية والإحصائية المستندة على التحليل في إطار النظريات المؤثرة في العمران. وبعد تحديد أساليب التنبؤ بشكل علمي دقيق يمكن الوصول إلى تنبؤات علمية تتصف بنسبة في الانحرافات (± 10%) مراعاة للمؤثرات غير المحسوبة والخارجة عن قدرة النموذج الذي يعتمد في عملية التنبؤ. (مؤتمر التنمية الاقليمية لدمشق، 2007)

5. التغذية الاسترجاعية: تقوم لجان المتابعة بعملية المقارنة لأداء المخطط (ضمن حقب زمنية محددة) مع الأداء المحقق لغرض تحقيق الأهداف المخططة وعند إجراء عملية المقارنة يبرز الأداء المحقق مطابق للأداء المخطط ولا توجد انحرافات ومعناه أن الخطة يتم تنفيذها بشكل سليم، او ان الأداء المحقق غير مطبق للأداء المخطط وتوجد انحرافات عن الخطة، وتبرز انحرافات إيجابية (أي أن الأداء المتحقق أكبر من الأداء المخطط). وانحرافات سلبية (أي المتحقق أقل من الأداء المخطط).

  إن وجود انحرافات في نتائج تقييم الخطة يستوجب تصحيح هذه الانحرافات إذا ما كانت في حدود (± 10%) ويتم تقويم هذه الانحرافات عن طريق اتخاذ قرارات التصحيح لإلغاء الانحرافات الاستثنائية أوتحويلها لانحرافات عادية. (مؤتمر التنمية الاقليمية لدمشق، 2007) .

ت- مناهج الدراسات المستقبلية:

  يندرج التعامل مع العمارة في المجالين الأكاديمي والمهني ويدور عادة بين اتجاهين، ماضوي وآخر مستقبلي. الاتجاه الماضوي يصبو الى تكوين فهم للعمارة ضمن إطار التاريخ والى استقراء لمعانيها ضمن إطار تجربة مضت، بالمقابل الاتجاه المستقبلي يصبو الى توظيف هذا الفهم للتكهن بأحداث تجربة جديدة، والى تحويل المعرفة التاريخية الى مبادئ نظرية تساهم تطبيقاتها في صياغة أحوال المستقبل. في الوسط يكمن الحاضر الدائم، الذي يمنح أحوال الواقع المتقلبة أستمرارية محسوسة يعيشها الفرد بعفوية متواصلة ومنها ينطلق فكره في تأرجحه الواعي بين معطيات التاريخ وتطلعات المستقبل، فالنظرية بشكل عام، والنظرية المعمارية بشكل خاص، هي نظر في أحوال الحاضر يعيننا على التكهن بأحوال المستقبل. فإذا كان التاريخ هو الماضي الحاضر فأن النظرية هي المستقبل الحاضر. (عكاش، 2001، ص92) .

  تتعدد مناهج الدراسات المستقبلية أعتمادا على تباين الطروحات والحقول المعرفية والنظرة الى مفهوم الزمن ويمكن تلخيص أهمها بما يأتي:

1. المناهج الداعية الى إستثمار حلقات الزمن في تحديد صورة المستقبل وتشمل:

• المعتمدة على الماضي في التنبؤ بالمستقبل.

• المعتمدة على الحاضر في التنبؤ بالمستقبل.

• المعتمدة على الماضي والحاضر للتنبؤ بالمستقبل.

   الاخيرة هي من أكثر المناهج شيوعاً والتي تعرِّف المستقبل بذروة ما وصل له الحاضر، ومن اوضح امثلتها نظرية فوكوياما في (نهاية التاريخ) ونظرية هنتنغتون في (صدام الحضارات) ويشكل الحاضر مصدرا مهما في خط المستقبل والتنبؤ بصورته، ولابد ان يتصف استقراء الوضع الحاضر بالواقعية والموضوعية من حيث العوامل التي أوجدته حتى لاتبنى تصورات مستقبلية على نظريات يصعب تحقيقها فمن خلال هذا الاستقراء يمكن تحديد المشاكل ذات الاعماق البعيدة والمشاكل ذات الاعماق القريبة والتي يمكن تحقيق معالجتها. فالمستقبل لايحدث في فراغ حيث تتم المعالجة وتتبلور في إطار بيئة لها مواصفاتها ونتائجها وتوقعاتها فالحاضر تبعا لوجهة النظر هذه يرتدي اشكال مستعارة من المستقبل لتحقيق اهداف التنبؤ. وبذلك فإن فهم تضاغط الزمن عامل أساسي لأدراك آلية التقدم من مرحلة الى اخرى. وبذلك تؤكد وجهة النظر التي تصب في هذا الاتجاه على دور الماقبليات في تحقيق المابعديات. وعليه فان تحديد صورة المستقبل مرهون بتوضيح وتعديل واستبيان صورة ما قبله من ماض وحاضر. (مجيد، 2009، ص 110) .

2. منهج نموذج الطفرة أو القطيعة المعرفية أو الثورة في استقراء المستقبل كنظريتي الفيلسوفين الفرنسيين باشلار وفوكو في القطيعة المعرفية او نظرية توماس كون في بنية الثورات العلمية حيث تنطلق وجهة النظر هذه من النظرة للزمن وسيره بوصفه سلسلة من الاحداث وبوصفه منقطع غير متصل فيكون الفرق بين الماضي والمستقبل فرق نوعي لاكمي. وإن التاريخ لا يتكرر أو إن الأحداث والقضايا متباينة وان فهمها والتعبير عنها منفصلان بالضرورة عن الماضي، وقد نادى فوكو "بالقطيعة المطلقة" في الكتابة التاريخية اذ فرق بين النظر الى التاريخ بأعتباره خطيا متصلا وبين النظر الى التاريخ باعتباره قائما على أساس القطائع. وما يعنيه فوكو بالانفصال هو انبثاق بعض المفاهيم المتميزة لعصر ما والمفاهيم المنبثقة نفسها لاتبرز من عدم. فيما يعارض باشلار فكرة الاستمرارية والتقدم الخطي في تاريخ العلوم ويؤكد على إن "فكرة التطور العلمي تتحقق على شكل تطبيقات مستمرة من المعرفة العادية وغير العادية وبين ماضي العلم وحاضره". ويؤكد على دور الثورات العلمية في رسم مسيرة التاريخ. (مجيد ،2009 ،ص 110 ).

3. المنهج المعتمد على الخيال والحدس والغيبيات مثل نمط روايات الخيال العلمي او السينما الافتراضية او بعض البرامج الحاسوبية التي بدأت تستخدم طريقة التنبؤ الغيبي التنجيمي.

4. منهج التحقيب والذي يعتمد على تقسيم التاريخ الى حقب زمنية متميزة حسب خصائص معينة تميز كل حقبة.

5. منهج السيناريو: وهو المنهج الذي يحاكي الطريقة التصورية السينمائية التي تعتمد على طرح بدائل محتملة (على طريقة الحبكة القصصية) لما يمكن ان يكون عليه مستقبل ظاهرة ما أنطلاقاً من تصور منطقي لأحداث الحاضر والماضي القريب المفترض والذي يعتمد على الانسيابية المنطقية لتسلسل الاحداث. 

6- سيناريوهات المستقبل:

  تختلف مراكز الدراسات في المدة الزمنية التي تضعها لدراساتها الاستشرافية، فبعضها قد تكون لمدى قريب جدا (خمس سنوات فأكثر)، والمعتدل فيها تضع دراستها لمدة عشر أو خمسة وعشرين عاما، فيما يعتمد المتطرف منها على قراءة مستقبل حقبة زمنية كاملة فتكون لقرن كامل أو حتى لألفية قادمة مثل الدراسة المعنونة "سيناريوهات الألفية الثالثة- مقتطفات من المستقبل في الألف سنة القادمة". الدراسات القريبة جدا تكون سطحية أو ذات بعد واحد لقلة الوقت المتاح لإجراء الدراسة، والدراسات البعيدة جدا تكون عامة عادة ولا تدخل في التفاصيل لطول الحقبة الزمنية التي تدرسها. وتماشيا مع الفكر الاسلامي الذي يدعو إلى الوسطية، وخير الأمور أوسطها، لذا سيعتمد البحث سينايوهاته للتنبؤ بمستقبل مدينة بغداد كمدينة عربية إسلامية لحقبة الخمسين سنة القادمة. من أجل دراسة حركة الأحداث وتغيراتها وتحولات انساقها، لتوقع مستقبل أحداثها وما يمكن من تدخلات لتصحيح نتائجها.

  من الدراسات الاستشرافية المهمة هي تلك التي صدرت عن مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي والذي جاءت تحت عنوان "خارطة المستقبل العالمي" وهذا التقرير يحاول استشراف أوضاع العالم حتى عام"2020"، (عبد الباري، 2008). وهناك قضايا عدة جديرة بالتناول مثل عرض السيناريوهات المستقبلية التى تم مراجعتها فى التراث العلمي والخاص بشأن تكنولوجيا المعلومات. حيث يوضح (يسن) فى مقالته "مجتمع الألفية الثالثة" للمجتمع قيمه وتناقضاته وآفاق تطوره التي ادت إلى حدوث تغير فى عصر المعلومات بحيث يقوم التنظيم الاجتماعى على "الشبكات التفاعلية" ويمثل ذلك الرأى أحد مجموعة تحولات مثل التحول من المجتمع الصناعى إلى المجتمع المعلوماتى، والانتقال من المركزية إلى اللامركزية وتعدد الخيارات الاجتماعية وعولمة الاقتصاد. لذلك تعتمد فكرة السيناريو على رسم وتحديد أطر يمكن تحقيقها وأخرى لا يمكن تحقيقها. (عبد الباري، 2008).

أ- استراتيجية التطوير:

  لأجل دراسة مخططات التنمية الحضرية للمدينة بغداد، والتي تمت من خلال وضع استراتيجية تطوير مكانية مستندة على البديل المفضل، أو ترابط بين بعض البدائل. هذه الاستراتيجية ستتعامل مع الأهداف والسياسات الرئيسة وتحدد الاهداف المطلوبة لتحقيق أهداف التطوير المكانية ضمن رؤية بعيدة المدى لتطوير المنطقة المشمولة بالدراسة والتطوير ومحيطها، وستشمل التوجيهات للتطوير الجديد وإعادة التأهيل والتحديث وتطوير الطرق ومرافق المجتمع ترتيبات المراحل القادمة. (مؤتمر الامارات للتخطيط العمراني، 2008) .

ب- إعداد سيناريوهات بدائل التطوير:

  هي عملية توضيحية تشمل تعريف مكونات التطوير المشتركة لكل الخيارات (العناصر الثابتة) وصياغة عدد من الافكار الاستراتيجية للتطور المستقبلي. كل بديل يستند على فكرة استراتيجية واضحة تتعلق باتجاه وشكل وهيكل التطور الحضري المستقبلي، وكل بديل تطويري يشترك في توضيح مايلي (مخطط 1):

• التطور الحضري المقترح في منطقة الدراسة والمنطقة المحيطة بها.

• تحقيق المدينة الغنسانية في المناطق السكنية وأنظمة الكثافة وتركيبة المجتمع.

• تحقيق المدينة الثقافية من خلال مفهوم المناطق المفتوحة والمناظر الطبيعية والأماكن الثقافية.

• تحقيق الكفاءة الاقتصادية في موقع وهيكل المراكز الرئيسية التجارية والصناعية والخدمية والاقتصادية.

• ترتيب شبكة الطرق المقترحة ومرافق النقل الرئيسة المرافقة لها.

• المناطق التي تتطلب إجراءات تخطيطية معينة.

• الإمكانية للتوسع بعيد المدى (ما بعد منظور التخطيط الحالي والمستقبلي). كل بديل تطويري سيحدد ويصف مع مكوناته الرئيسية ويناقش مع المضامين الشاملة على توزيع السكان والعمل. (مؤتمر الامارات للتخطيط العمراني، 2008) .

ت- تقييم سيناريوهات بدائل التطوير:

يؤخذ تقييم بدائل التطوير مع عدد من المعايير النوعية والكمية، حيث ان المعايير النوعية ستشتق من أهداف واغراض التطوير، وستأخذ بنظر الاعتبار:

• ملاءمتها مع منظور النمو الإقليمي بعيد المدى.

• درجة تقرير إمكانية التطوير وتقليل تحديدات التطوير والتاثيرات البيئية المعاكسة.

• درجة التكامل بين مناطق التطوير القائمة والمقترحة بين عناصر استعمال الأرض الرئيسة.

• درجة التكيف الاجتماعي التي تقدم مناطق تطوير مناسبة لاستيعاب مجموعات مختلفة الدخل.

• سهولة التنفيذ بضمنها المراحل واعادة توجيه السياسة والمتطلبات التشريعية.

   أما المعايير الكمية فيمكن أن تشمل إجراءات متفاوتة وتخفيف كلفة البنية التحتية الرئيسة، لأنها محددة بالطرق والخدمات العامة وكذلك عدد من المؤشرات المتعلقة بالاختناق المروري والمحددة بالدراسة الشاملة للحركة الحالية والمستقبلية للمدينة. 

  إن البدائل تحدد لها نقاط وأوزان في ضوء ادائها المقارن مقابل كل معيار. وستنشأ مصفوفة لتقييم البدائل في مقاييس ستخصص لكل معيار. البديل الناجح (المفضل) سيقترح ليشكل الاساس لاستراتيجية التطوير. (مؤتمر الامارات للتخطيط العمراني، 2008) .

ث- تقرير سيناريوهات بدائل التطور:

   في هذه المرحلة سيتم توليد وتقييم بدائل التطوير واختيار البديل الأفضل من خلال:

• أهداف وأغراض التطوير.

• مفهوم التطوير الاقتصادي – الاجتماعي.

• تصورات السكان والتشغيل.

• محددات التخطيط.

• وصف للأفكار الاستراتيجية وخيارات التطوير.

• تقييم خيارات التطوير.

• وصف الاستراتيجية التطويرية المفضلة.

• المراحل العامة للتطور المستقبلي والتوصية المتعلقة باختيار مدينة مخصصة للتطور المبكر.

  وبذلك سيتم تحليل الخطط التنموية لمدينة بغداد ودراسة الاطار العملي وفق: (مؤتمر الامارات للتخطيط العمراني، 2008)

- تحليل الموقع ضمن المحيط الجغرافي ومؤثراته.

- تحليل محيط إقليم ومنطقة المدينة الكبرى.

- دراسة واقع الفعاليات الحضرية لمركز المدينة.

- تحليل كافة مؤثرات الإطار الإقليمي وفق أسلوب (SWOT) - مكامن القوة Strength، مكامن الضعف Weakness، الفرص الممكنة Opportunities، والأخطار المحتملة Threats.

- تطبيق المؤثرات المستخلصة في تحليل التركيب الحضري الشمولي والموضعي لمنطقة الدراسة.

- الاستخلاصات النهائية.

7- الانسان وبيئته في تجارب مدينة بغداد:

  تمثل البيئة الوعاء الذي يحدث فيه الإثارة والتفاعل بينها وبين الإنسان، تؤثر فيه ويؤثر فيها هو كذلك، فالعلاقة التي تجمع الإنسان بالبيئة هي تعبير صريح عن علاقة الجزء والكل، حيث يتفاعلان معا في تكامل وتجانس من أجل الحفاظ على النسق أو النظام العام الذي بدوره يحفظهما في توازن وتناغم، يتم من خلاله صنع الحضارة المتميزة التي تنتمي إلى البيئة التي أنتجت فيها (الطبيعية كانت أو العمرانية)، وبالتالي يساهم ذلك في إحساس الفرد بالانتماء إليها وتحقيق هويته وشخصيته المتميزة، فضلا عن إن البيئة الطبيعية تمتاز بكونها بيئة متغيرة مكانيا وثابتة زمانيا، أما البيئة العمرانية (المصنعة) فهي تمتاز بكونها متغيرة زمانيا (حسب الثقافة والعادات الملازمة للحضارات والشعوب التي قد تتجدد في المجتمع الواحد)، ومتغيرة مكانيا كذلك (حسب البيئة الطبيعية المحيطة بها).

  تعبر البيئة العمرانية في العمارة والتصميم الحضري عن الطريقة التي تتشكل بها الابنية وتتجمع مع العناصر المجاورة لها. (العزاوي، 1998، ص17). مما يؤشر مشكلة في البيئة العمرانية المعاصرة تتمثل بفقدان الكثير من مقوماتها ومكوناتها الأساسية التي تحافظ على تماسكها وانسجامها متجهة بذلك إلى المزيد من التفكك والانقطاعية والتجزؤ، هذا الانفصال في البيئة العمرانية المعاصرة يمثل بداية تفكك في النسيج الحضري فيها، والتوجه إلى فصل المبنى المنفرد عن السياق العام الموجود فيه وبالتالي تجسيد لظاهرة الاغتراب الحضاري والثقافي، والتي تمثل ابرز مظاهرها حالات التجزؤ في تشكيلاتها الرئيسية وتهرؤ الفضاءات الحضرية، وظهور الازدواجية بين (القديم والجديد، التراث والمعاصرة، الماضي والمستقبل، الطبيعي والاصطناعي) مما انعكس على ازدواجية الشخصية الانسانية.

أ- المدن المبنية والمدن المصنعة:

  تخضع المدن لتحول وتغير مهم وأساسي، يشير إلى رغبة كل جيل لأن يضع نفسه على المفاصل الحرجة للتغير الفكري، وهناك على الأقل ثلاث تشكيلات حضرية متشابكة لواقع حال المدن العربية الاسلامية، ومدينة بغداد على وجه التحديد، وهي: المدينة التقليدية (بكل تنوعاتها التاريخية) التي يمكن أن تُعرف كوجود تتزامن فيه بنيتها المؤسساتية والفيزيائية مع المجتمع. ثم عاصمة أواسط القرن العشرين التي جسدت في فكرة المساحة العواصمية كوجود موضح ومعرف (بصورة أسهل من المدينة التقليدية) لكنه لا يزال مفسر بواسطة النظام الوظيفي، ومطوق بحدود الحد الخارجي لبنية المركز وهو المدينة العواصمية الكبرى، وأخيرا وجود جديد لا يزال من الصعب فهمه والسيطرة عليه وقد عرِّف بشكل متنوع (مدينة العالم، المدينة المعولمة، شبكة مفتوحة بدون أماكن مركزية)، هذه إشارة للتحولات العميقة الجارية في المناطق الحضرية حول العالم والعالم العربي والإسلامي خصوصا.

  ناقش (Alexander) بنية النسيج الحضري للمدينة من خلال تحليل البنية الحضرية للمدن من خلال مجموعة كبيرة من الدراسات. وناقش في مقالته (A City Is NotA Tree) الفرق بين المدن الطبيعية والمدن الحديثة التي صممت وفق أفكار تصميمية محددة، ولم يكن نموها طبيعيا، وأشر أهمية أن لا تحلل المدن وفق أشكالها بقدر البحث عن المبادئ الأساسية في تنظيمها وأهمية اختبار تلك العلاقات المجردة أيضا.

   استنتج ألكسندر أن هناك اختلافات عديدة بين ما سماه بالمدن الطبيعية ذاتية النشوء والتي بنيت على مراحل (كليفربول، مانهاتن،...)، والمدن الصناعية المصممة من قبل مصمم حضري (كشانديكار، نيوبرازيليا، المدن البريطانية الحديثة كملتن كينز) وقد توصل بعدها إلى أن كل مدينة مصممة تكون لها شجرة مع مرور الزمن في هيكليتها، بينما تنمو المدن الطبيعية بمرور الزمن بتلاؤمها في احتواء الأشكال بشبكة العلاقات الاجتماعية المعقدة في المجتمع. (Broadbent, 1990, p144)، وخرج بمفهوم (المدينة ليست شجرة) حيث ميز بين البنيات المختلفة للمدن بتصنيفها إلى صنفين رئيسيين:

1. الأشكال شبه الشبكية: يشمل المناطق التقليدية ذات التوجه العضوي في التصميم وتنمو بمرور الزمن.

2. البنيات الشجرية: الذي يمثل أغلبها المدن المصممة حديثا (Broadbent, 1990, p.143) .

8- الحواضر العمرانية التقليدية:

  كون البحث يتعامل بواقعية مع مشاكل المدن العربية الإسلامية فأنه سيأخذ نموذج المدن الطبيعية (المبنية)، ونموذج المدن المشتقة من حقول معرفية (المصنعة)، وبذلك يتم تقسيم المدن الى مجموعتين:

أ- المدن التقليدية (المبنية): (ذاتية النشوء التدريجي مثل مركز بغداد التأريخي) فيما يبدو ان النسيج العمراني الحضري في اية مدينة عربية تقليدية جاء وكأنه عفوي التخطيط ذو شبكة متعرجة من الشوارع والطرقات المتدرجة من المتسع إلى الأضيق انتهاء بالطرقات الخاصة غير النافذة، ودخول عوامل أخرى في إنتاج المدينة، كالعوامل الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية.

ب- المدن الحديثة (المصنعة): (المصممة مثل الأحياء الحديثة في أطراف بغداد) أن المدن الحديثة تأثرت بالنمو الحديث، وذلك عن طريق البحث عن الفضاء الموجب وتأكيد مركزية النمو الحضري من خلال خمسة مكونات أساسية في بنية النسيج الحضري وهي (المباني، ومحاور حركة المشاة، والفضاءات المفتوحة "الحدائق العامة"، وشوارع الحركة، ومواقف السيارات) من خلال التعامل مع العناصر الأساسية في بنية النسيج الحضري للمدينة بوصفها مراحل ديناميكية متداخلة، أي تأكيدها على العوامل المادية وتحييد العوامل الأخرى.

  أكد (Alexander) في تعريف بنية النسيج الحضري عن طريق تعريف محاور المشاة، إذ إن ارتباطات محاور المشاة تعرف النسيج الحضري، في حين أن اعتماد المدن الحديثة مبدأ التدرج الوظيفي في التنطيق وفي العلاقات بين أجزاء المدينة وعزل الفعاليات المختلفة أدى الى تجزئة نسيج المدينة. كما أكد فكرة المركز الحضري التي تتداخل فيه الفعاليات مقابل التدرج الفضائي إذ يظهر التكامل الشمولي في مراكز المدن التقليدية (تبني مبدأ الاستنباط)، بينما تبنى المدن الحديثة وفق أجزاء موضعية فيكون الكل مجموع من أجزاء موضعية ولا يمتلك كياناً خاصاً مميزاً (تبني مبدأ الاستقراء) (Alexander, 1987, p93).

ب- مدينة بغداد:

  تعتبر محافظة بغداد من أصغر محافظات العراق مساحة لكنها تحوي أكبر كثافة سكانية تتوزع ضمن حدود أمانة بغداد وأقضية المحافظة الأخرى، وتعتبر بغداد مدينة عواصمية Metropolitan City يقطن مركزها أكثر من خمسة ملايين نسمة. وتعتبر محوراً رئيسياً للعراق وتسيطر على الاقتصاد العراقي وتحتفظ بثروة طبيعية وثقافية هائلة. أما حدودها الداخلية Inner Zone فتمتد حوالي 35-15 كم عن المركز (ساحة التحرير) وحوالي 70-35 كم ضمن إطارها الخارجي Outer Zone (بغداد الكبرى) وبدأت هذه المدينة العواصمية المتوسطة على الشريط الطولي لنهر دجلة وأستمر الامتداد على المحور الشمالي الجنوبي محاذياً لهذا الشريط ثم توسعت إلى الجهات الشرقية والغربية (مخطط 2) (شكل 1).

  وفق مصادر وزارة التخطيط والتعاون الانمائي والتقديرات المطروحة في دراسات سابقة فان مجموع سكان بغداد قد بلغ 7.145 مليون نسمة من مجموع سكان العراق البالغ عددهم 29.682 مليون نسمة (عام 2007) ومن المتوقع ان يصل عدد سكان محافظة بغداد ما يقرب 11.444 مليون نسمة من سكان العراق المتوقع وصول عددهم ما يقرب 63.025 مليون نسمة (عام 2030) .

ت- قراءة استشرافية لمدينة بغداد المستقبلية A Prediction for Baghdad City of the Future وفق آلية برنامج SWOT لتحليل البيئة الداخلية والخارجية لمدينة بغداد، يمكن الوصول إلى النتائج الآتية:

مواطن القـوة Strength:
• توجيه سياسة الدولة لاستخدام تكنولوجيات نظم المعلومات وتطبيقاتها وتهيئة المناخ الإداري.

• توافر الدعم المالى والفنى لتطوير الكوادر البشرية.

• اهتمام المؤسسات الأجنبية المانحة والتى تقوم بالدعم والتمويل لمثل هذه المشروعات.

• تطور مناهج التعليم التخطيطى لتقبل التطور التكنولوجي.

• ممكن توفير البرمجيات وأجهزة الحاسبات الآلية التى تدعم أستخدام تكنولوجيات نظم التحليل الاستشرافي.

مواطن الضعف Weakness:

• ضعف شبكة الربط والإتصال بين المؤسسات التى تدعم المنظومة المعلوماتية.

• عدم تقبل بعض الأفراد من داخل الهيكل المؤسسى للتعامل مع التقنيات الحديثة.

• ما زالت الأجهزة ومؤسسات التخطيط العمراني ليست على وعى كامل بتقنية استشراف المستقبل وتطبيقاتها فى مجال التخطيط والتصميم العمراني.
• ضعف الهيكل المعلوماتي لقواعد البيانات الرقمية سواء المكانية او الوصفية.

• عدم وجود نوع من التوحيد القياسى سواء للمعايير البنائية، والرموز الحضرية.

• ما زال النظام العمراني لإدارة منظومات المدينة يحتاج إلى تطوير جوهرى وأسلوب متطور لتناول مشاكلها.

• لا زال الأسلوب التقليدي في إدارة عمليات التخطيط العمراني يستخدم في المؤسسات الحضرية والعمرانية.

الفـرص Opportunities:

• توفر البيانات والخرائط فى صورتها الرقمية بالرغم من عدم دقتها.

• ضرورة وجود إستراتيجة شاملة تدعم وتحسن الإندماج الإداري Organizational Integration. وذلك لتنفيذ برامج التطوير وتطبيقات نظم المعلومات العمرانية والجغرافية مثل بنك المعلومات، لأن البيانات فى مفهومها الحديث هي تجميعة مرة واحدة مع إمكانية استخدامها فى عدة مجالات لعدة مرات.

• تقليل المساحة التى تتضمنها الوحدة الإحصائية لتجميع البيانات الديموغرافية، الاقتصادية، أو العمرانية عنها.

• تطوير أداء الكوادر البشرية بالتعامل مع البرمجيات الخادمة لــ GIS والإستفادة من إمكانياتها التحليلية والوسائل المتاحة لإسترجاع المعلومات وعرضها.

المخاطر Threats:

• ندرة العمالة المدربة على صيانة الأبنية التراثية وطريق إدخالها ضمن السياق الحضري.

• تسرب الكوادر البشرية المعمارية والتخطيطية المدربة من داخل القطر إلى خارجه.

• اعتماد المخطط الكلي على أجهزة الحاسوب فى إعداد المخطط من دون دخول الإنسان بمعارفه وحواسه المتنوعة.

• الاعتماد على خرائط رقمية ذات عمومية فى المعلومات (ثنائية الأبعاد) وغياب البعد الثالث والبعد الرابع عن مخططات التنمية الحضرية، والتى تؤثر بشكل مباشر على صياغة المخطط العمراني. من خلال تحليل الـ SWOT واختبار الإطار المعرفي المطروح لقياس أبعاد هوية مدن المستقبل –وفق الأبعاد الجديدة للمدن- بتطبيق الإطار الخاص بمدن المستقبل في مدينة بغداد، تبين صفات هويتها المستقبلية وتعكس تحولاتها، ابتداء من التعرف على مستويات مختلفة تتمثل بخصائص مختلفة لها، والأنماط التي نمت، وعلى أهم الممارسات التخطيطية للمدينة التي تعد نماذج تمثل التغير في البنية الفكرية، وانتهاء بوضع نموذج لسيناريوهات افتراضية للتخطيط المستقبلي لمدينة بغداد (يمثل آلية الارتباط والتفاعل بين المؤثرات الداخلية والمؤثرات الخارجية وبين الأبعاد الجديدة لاحتمالات مستقبل المدينة).

  من المستحيل فهم القوى التي تشكل مدننا من منظور أو مقياس واحد فقط وبالتالي تأسيس هوية لها. أن فهم المدينة المعاصرة المصنعة الذي على أساسه يتم تشكيل المدينة المستقبلية وهويتها، يتطلب أن نتمسك بالتفاعلات المعقدة بين الأماكن الحضرية التي امتازت بها مدننا المبنية –كمواقع ثابتة ومستقرة تحتفظ بالحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية– وبين التقنيات الحضرية الجديدة بتدفقاتها المتنوعة الأفكار والمعلومات والخدمات، التي تنتقل بسرعة من مكان إلى آخر خلال الأماكن الحضرية بأساليب لحظية عبر الفضاء الجغرافي والسايبرتي. لذلك يمكن طرح سيناريو لمستقبل مدينة بغداد وفق رؤية المدن المصنعة (تجارب وتأثيرات الحقول العلمية والمعرفية الحديثة)، وسينايو آخر لتجربة المدن المبنية (التي نمت بهدوء وبمراحل متسلسلة بإيجابياتها وسلبياتها لتصل إلى تحقيق إنسانية الإنسان عن طريق الصح والخطأ للوصول إلى الحالة المثالية – الواقعية. 

أولا- سيناريو نموذج بغداد كمدينة تنافسية مصنعة:
  
   يمكن أن تعد بغداد في المستقبل مدينة عواصمية ومحورا رئيسا للعراق، تنمو لتكون مدينة عالمية (كما تطرح مخططات التنمية الحضرية لبغداد 2030) باعتبارها ستصبح عقدة رئيسة في الشبكات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في العالم ينافس نموذج دبي، نيويورك، هونغ كونغ، تعكس هويتها التحولات بين الثنائيات المتضادة، حاوية بؤرا تمفصلية مع العالم متمثلة بالساحات والفضاءات الذكية، ويتحقق هذا السيناريو من خلال:

1 - بنية المدينة City structure :

- التحول من منظومة التدرج الهرمي لمنظومة الشبكة. 

- الوحدة التخطيطية عبارة عن خلايا مجتمعية ذات أنوية مختلفة الوظائف مكتفية ذاتيا.

- متصل حضري عالمي.

- حجم الخلية المجتمعية يرتبط بمستوى التقدم التكنولوجي ونوعية النواة ونمط البيئة الحضرية.

2. الامتداد العمراني والنمو الحضري Urban sprawl  urban growth:–

- ظهور أنوية جديدة على أطراف المدينة تمثل نشأة خلية مجتمعية جديدة.

- اختفاء الحدود الفاصلة بين بغداد المدينة وبغداد الكبرى على غرار نموذج طوكيو ونيويورك.

3. استعمالات الأراضي :Land uses  

- استعمالات مختلطة تحقق الإكتفاء الذاتي وتقلل الحركة بين الخلايا.

- نواة الخلية المجتمعية قد تكون نشاط اقتصادي (صناعة- سياحة- تجارة)، ميناء نهري أو جوي أو محطة قطار أو مترو الانفاق، خدمة عامة (تعليمية- ثقافية- رياضية ...)

4. تركيب الهيكل العمراني Urban structure:

- أبراج شاهقة الارتفاع مختلطة الاستعمالات في مركز المدينة وفي الخلايا المجتمعية تحقق فكرة مدينة الغد.

- انخفاض ارتفاعات المباني تدريجيا مع تباعد الخلايا.

- صياغة معمارية إبداعية للمباني والعلامات المميزة على نمط ظاهرة دبي.

5. شبكات الحركة والمواصلات & Transportation :Movement Network

- استخدام أنماط حركة متنوعة تفصل بين حركة السيارات والقطارات والسابلة.

- إدخال أنماط نقل جديدة كالمترو والقطارات السريعة والكبسولة المتحركة وغيرها من التقنيات الجديدة.

6. الاتصالات Communication Network :  

- استخدام التليمانية والفضاء السايبري وبنية الذكاء في المنظومات الحضرية والاتصالية.

- توفير ساحات الخدمة التليمانية وفضاءات الواقع الافتراضي على المستوى الحضري للمدينة لخدمة المواطنين والسياح. 

7. الكثافات  السكانية Population densities :

- كثافات مرتفعة لتعظيم الاستفادة من مساحة الأرض عن طريق مباني مرتفعة.

- كثافة سكانية منخفضة في مناطق الرفاهية العالية.

8. التأثير على البيئة Environmental impact:

- استخدام الطاقة النظيفة.

- حجم المخلفات الناتجة يساوي صفر.

- استخدام العمارة الخضراء.

9. الحياة الاجتماعية Social life:

- تحول الوحدة الأولية للمجتمع من الأسرة إلى الفرد وما يمتلكه من وسائط للتعبير عن الحرية والديموقراطية.

- الحياة الاجتماعية للفرد وفق النموذج الرأسمالي.

10. إدارة المدينة  City management :

- إدارة ذاتية.

- التحول إلى الحاكمية.

- انخفاض مستوى المركزية.

- صدارة دور القطاع الخاص لإدارة الخلايا العمرانية.

- اقتصار دور الدولة في توفير البنية التحتية العامة الاستشارية لكل خلية مجتمعية.

11. البنية التحتية والطاقة Infrastructure & energy :

- وحدات محلية لمعالجة المخلفات وتدويرها لا تحتاج إلى مساحات كبيرة.

- المشكلة الأساسية بالنسبة لمدينة المستقبل في توفير المياه والطاقة النظيفة للتجمع العمراني الكبير.

- استخدام تقنيات الاستدامة في توفير الطاقة النظيفة وتدويرها على غرار المركبات الفضائية وتقنيات الوحدة السكنية لبيل كيت (مؤسس شركة مايكروسوفت).

12. المنهج التخطيطي Planning method :

- أساليب التخطيط الاستراتيجي التي تهدف إلى الحفاظ على التنافسية بين الخلايا وتحسين المنتج الحضري.

- ادخال المناهج العلمية من نظريات حضرية وعلوم تطبيقية وعلوم صرفة في عملية تصنيع مكونات المدينة المستقبلية. 

13. مركز المدينة التأريخي Historical City Center:

- إزالة النسيج والأبنية المتهرئة، وإبدالها بنماذج حضرية متطورة عمرانبا وتقنيا على غرار نموذج تطوير دبي، والإبقاء على بعض الأبنية الحفاظية ذات القيمة العمرانية الجيدة.

- تحويل المعالم والأبنية التراثية وأسلوب الحياة التقليدية إلى صور وأفلام تعرض على الواقع الافتراضي من خلال شاشات عملاقة وواجهات المباني الجديدة بتقنيات عالية.

ثانيا- سيناريو نموذج بغداد كمدينة تعاونية مبنية:

  يمكن أن تعد بغداد في المستقبل مدينة إنسانية ونموذج قابل للعيش، تنمو لتكون مدينة عالمية بصفاتها الإسلامية (كما يطرح البحث لبغداد 2050)، باعتبارها ستصبح عقدة رئيسة في الشبكات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في العالم، تعكس هويتها التحولات الديناميكية لوسطية الإسلام، حاوية بؤرا تمفصلية مع العالم متمثلة بتأريخها وتراثها وقيم سكانها وروح المكان لفضاءاتها الحضرية. لتصبح نموذج يكمل ويوازي دمشق، روما، براغ، باريس، في قابلية ترحيله إلى المستقبل، ويتحقق هذا السيناريو من خلال:

1. بنية المدينة City structure :

- استمرارية منظومة التدرج الهرمي على مستوى المدينة ومركزها وعلى مستوى القطاعات.

- الوحدة التخطيطية عبارة عن خلايا مجتمعية ذات انوية مختلفة الوظائف تكمل الواحدة الأخرى.

- متصل حضري.

- حجم الخلية المجتمعية يرتبط بمستوى تطور العلاقات الاجتماعية والتقدم التكنولوجي ونمط البيئة الحضرية.

2. الامتداد العمراني والنمو الحضري Urban :sprawl – urban growth

- ظهور أنوية جديدة على أطراف المدينة تمثل نشأة خلية مجتمعية جديدة.

- تعريف الحدود الفاصلة بين مركز بغداد وبغداد المدينة على غرار نموذج دمشق وروما وباريس.

3. استعمالات الأراضي Land uses  :

- استعمالات مختلطة تحقق الإكتفاء الذاتي وتقلل الحركة بين الخلايا.

- نواة الخلية المجتمعية تتحقق من خلال وحدة الجيرة.

4. تركيب الهيكل العمراني Urban structure:

- الإبتعاد عن الأبراج شاهقة الارتفاع، مختلطة الاستعمالات في الخلايا والاعتماد بصورة رئيسية على الارتفاعات المنخفضة والمتوسطة الارتفاع.

- ارتفاع المباني تدريجيا مع تباعد الخلايا لتحقيق المقياس الإنساني.

- صياغة معمارية ابداعية للمباني والعلامات المميزة على نمط مدينة دمشق، روما، باريس، براغ.

5. شبكات الحركة والمواصلات & Transportation :Movement Network

- استخدام نمط الحركة المتكاملة بين حركة السيارات والقطارات والسابلة.

- ادخال انماط نقل جديدة كالمترو والقطارات السريعة والكبسولة المتحركة وغيرها من التقنيات الجديدة والمبتكرة تتداخل مع السياق الحضري التقليدي.

6. الاتصالات Communication Network:

- استخدام التليمانية والفضاء السايبري وبنية الذكاء في المنظومات الحضرية والاتصالية بحيث لا تؤثر على السياق الحضري التقليدي الإنساني.

- توفير ساحات وبيازات الفضاءات الحضرية ذات النمط العربي الإسلامي على المستوى الحضري للمدينة وبتقنيات حديثة لخدمة المواطنين والزائرين والسياح.

7. الكثافات السكانية Population densities:

- كثافات مرتفعة من خلال تضام النسيج، ومتوسطة في الأماكن الأخرى.

- كثافة سكانية منخفضة متداخلة مع المساحات الخضراء.

8. التأثير على البيئة Environmental impact:

- استخدام الطاقة النظيفة.

- حجم المخلفات الناتجة يقترب من الصفر.

9. الحياة الاجتماعية Social life:

- أساس تكوين الوحدة الأولية للمجتمع هي العائلة، وأن الفرد جزء مهم له حريته واستقلاليته ولكن بما لايتعارض مع الجماعة.

- الحياة الاجتماعية للفرد وفق النموذج الإسلامي.

10. إدارة المدينة City management:

- إدارة جماعية.

- التحول إلى الشورى.

- الاعتماد على المركزبة في القرار واللامركزية للتنف - صدارة دور القطاع الخاص والقطاع التعاوني في إدارة الخلايا المجتمعية.

- الاعتماد على دور الدولة في توفير البنية التحتية العامة الاستشارية لكل خلية مجتمعية.

11. البنية التحتية والطاقة Infrastructure & energy:

- وحدات محلية لمعالجة المخلفات وتدويرها لا تحتاج إلى مساحات كبيرة. - المشكلة الاساسية بالنسبة لمدينة المستقبل في توفير المياه والطاقة النظيفة للتجمع العمراني الكبير.

- استخدام تقنيات الاستدامة في توفير الطاقة النظيفة وتدويرها على غرار الاستدامة في النسيج العربي الإسلامي التقليدي مع ادخال بعض التقنيات الحديثة.

12. المنهج التخطيطي Planning method:

- أساليب التخطيط الإسلامي الذي يهدف إلى إعادة التعاونية إلى مشهده الحضري.

- ادخال المناهج العلمية والإنسانية من نظريات حضرية وعلوم تطبيقية وعلوم صرفة في عملية بناء تدريجي لمكونات المدينة المستقبلية، وبما لا يتعارض مع خصائصها وصفاتها المميزة. 

13. مركز المدينة التأريخي Historical City Center:

- الحفاظ على النسيج والأبنية التراثية، وتطويرها لادخالها ضمن السياق الحضري للمدينة بما يحقق بيئة حضرية متطورة تلبي متطلبات إنسان قرن الحادي والعشرين على غرار نموذج باريس وروما.

- تحويل المعالم والأبنية التراثية وأسلوب الحياة التقليدية ÷لى نمط حياة جديدة وقابلة للعيش، عن طريق انعاشها بوظائف تتلائم مع نمطها وذات استمرارية لطول اليوم.

9- استنتاجات سيناريوهات مستقبل تطوير بغداد:

  عملية إعادة صياغة مستقبل مدينة بغداد عن طريق توفير إطار زمني لبناء ستراتيجيات طويلة المدى، من خلال ما تتيحه الدراسات المستقبلية من إضفاء طابع مستقبلي طويل المدى على تفكيرنا كعلامة مهمة من علامات النضج العقلي والرشادة فى اتخاذ القرارات. واننا بحاجة لتحقيق هذه الغاية إلى الدراسات الاستشرافية للمستقبل، تساعدنا على صنع مستقبل أفضل، وذلك بفضل ما تؤمنه من منافع متعددة، من أهمها ما يأتي:

1. اكتشاف المشكلات قبل وقوعها، ومن ثم التهيؤ لمواجهتها أو حتى لقطع الطريق عليها، والحيلولة دون وقوعها. وبذلك تؤدي الدراسات المستقبلية وظائف الإنذار المبكر، والاستعداد المبكر للمستقبل، والتأهل للتحكم فيه، أو في الأقل للمشاركة فى صنعه. 

2. إعادة اكتشاف أنفسنا ومواردنا وطاقاتنا، خاصة ما هو كامن منها، والذي يمكن أن يتحول بفضل العلم إلى موارد وطاقات فعلية. وهذا بدوره يساعد على اكتشاف مسارات جديدة يمكن أن تحقق لنا ما نصبوا إليه من تنمية شاملة سريعة ومتواصلة. ومن خلال عمليات الاكتشافات وإعادة الاكتشاف هذه، تسترد الأمة الساعية للتنمية الثقة بنفسها، وتستجمع قواها وتعبىء طاقاتها لمواجهة تحديات المستقبل.

3. بلورة الاختيارات الممكنة والمتاحة وترشيد عملية المفاضلة بينها. وذلك بإخضاع كل اختيار منها للدرس والفحص بقصد استطلاع ما يمكن أن يؤدى إليه من تداعيات، وما يمكن أن يسفر عنه من نتائج. ويترتب على ذلك المساعدة فى توفير قاعدة معرفية يمكن للناس أن يحددوا اختياراتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى ضوئها، وذلك بدلاً من الاكتفاء بالمجادلات الآيديولوجية والمنازعات السياسية التي تختلط فيها الأسباب بالنتائج.

  وهكذا بالنسبة لهذا المشروع العمراني المستقبلي الذي نتمنى أن يصبح هاديا لنا، فإن الدراسات المستقبلية تسهم فى ترشيد عمليات التخطيط واتخاذ القرارات من بابين:

• توفير قاعدة معلومات مستقبلية للمخطط الحضري وصانع القرار المعماري، أي توفير معلومات بشأن البدائل الممكنة وتداعيات كل منها عبر الزمن، ونتائج كل منها عند نقطة زمنية محددة فى المستقبل.

• ترشيد ما يجب أن يسبق عملية اتخاذ القرارات بشأن الخطط الحضرية والسياسات التنموية الاستراتيجية على مستوى النخبة المعمارية والجماهيرية، بقصد بلورة القضايا وبيان الاختيارات الممكنة، وما ينطوى عليه كل اختيار من مزايا أو منافع ومن أعباء أو تضحيات. إذ تؤمن التنبؤات المشروطة التى تقدمها الدراسات المستقبلية فرصاً أوسع للاتفاق أو للاختلاف على أسس واضحة. 

  تم استعراض نموذج المدن المبنية والمصنعة، والتي تعود بمرجعيات مختلفة لهذين النموذجين. فبعد أن أخذت المدينة المبنية مراحل عدة في نموها التدريجي، ملبية متطلبات الإنسان، جعلت من هذا الإنسان يقوم بنحت كتلها وفضاءاتها وأماكنها، من خلال مشاعره وأحاسيسه ومتطلباته الحياتية والروحية، فجاءت هذه المدينة كجزء لا يتجزأ من مكملات حياة الإنسان.

  أما المدن المصنعة فأنها ظهرت فجأة وبدون تهيأة مسبقة، من خلال تصنيع مكوناتها خارج البيئة التي يعيش فيها الإنسان، ونصبت أبنيتها بسرعة لم يتمكن الإنسان من استيعاب هذه التحولات السريعة، مما ولد انفصال بين الإنسان والنتاج المعماري كونه لم يلبي طموحاته النفسية والحسية ومتطلباته المادية والوظيفية.

   المدن المصنعة تتبع نمطا تخطيطيا مختلفا عن نمط المدن المبنية، حيث تبدو الشوارع وكأنها اساسية في التخطيط وتفرض نفسها على حساب المباني والكتل المحيطة، إضافة إلى أنها أحيانا كثيرة ما تتبع التقسيمات الشطرنجية والخطوط المستقيمة التي تنطلق من الميادين والساحات الكبيرة وتجري بكافة الاتجاهات والزوايا ولكن بخطوط مستقيمة. وهذا الاختلاف الرئيسي في التنظيم الكلي الهيكلي للنموذجين له انعكاسات ومفاهيم مهمة في آلية وطبيعة ادراك الحيز الفراغي أوعلاقته بالمحيط من فراغات الحركة كالشوارع والممرات والطرقات، بالإضافة إلى آلية تشكيل النسيج العمراني الحضري ككل بين النموذجين. والاختلاف الجوهري بين الثقافات المختلفة. أو بين التصميم في العمارة العربية التقليدية وبين العمارة الغربية، أنما يكمن في طبيعة التوازن بين سيطرة إحدى المجموعتين على الأخرى والأهمية التي تكتسبها ضمن التصميم.

• تتأثر صيرورة بقاء المدن (المتمثلة بالمدن التقليدية المبنية والمدن المعاصرة المصنعة) بحسب المرجعية الفكرية التي تتبناها، وتوصل البحث إلى خطورة (الاقتراب الشديد من النظريات العلمية، والإبتعاد كثيرا عن النظريات الإنسانية)، في التصميم الحضري للمدينة، وضرورة الإبتعاد عن (العملقة في العمران واستخدام ناطحات السحاب) لمستقبل مركز بغداد التأريخي، وكذلك في المجمعات السكنية.

• تختلف مؤشرات المدينة المبنية عن المدينة المصنعة، فمثلا تظهر مفردات وخصائص المدينة العربية الإسلامية في المدن المبنية بقوة، وتكاد تختفي اشتقاقات النظريات العلمية فيها، في حين تظهر النظريات العلمية في المدن المصنعة بقوة، وتكاد تختفي خصائص المدينة الإسلامية فيها. بينما تركز المدن المبنية على النظريات السلوكية للمجتمعات العربية الإسلامية، ويقل تأثير النظريات الانثروبولوجية والعلمية فيها.

• تتخذ المدن المصنعة المدينة المعلوماتية والمدينة الذكية أساس في نظرتها المستقبلية، بينما تستطيع المدن المبنية من ادخال المعلوماتية ضمن سياقها المستقبلي وتحيد الذكاء الاصطناعي، كونها تركز على ذكاء الإنسان وليس ذكاء منظومات المدينة.

• تستند المدن المصنعة على الحتمية في علاقات التنبؤ، بينما تستند المدن المبنية على الاحتمالية، وهذا واضح في طريقة تخطيطها العضوي وعنصر المفاجئة والتشويق والمفردات التي توفر احتمالات متعددة.

• تركز المدن المصنعة على دراسات النظريات كوسيلة للتنبؤ، بينما تتخذ المدن المبنية دراسات النسق، النمط، البنية، البعد الاركيولوجي للمدينة، لأزمانية المدينة كوسائل متعددة للتنبؤ بمستقبلها.

• تشترك المدن المصنعة والمبنية المختبرة باتخاذ التنبؤ الوصفي في مخططاتها التنموية الحضرية المستقبلية، ولم يظهر التنبؤ المعياري في دراساتها المستقبلية - رغم اهميته الكبيرة-.

• ظهرت خطط مدينة بغداد المستقبلية تخبطها بين النموذجين وغياب الكثير من مفردات المدن المبنية.

• تعددت المراكز في بغداد (نويات متعددة) من جهة، ووجود تجارة الجملة في مركز بغداد التأريخي من جهة أخرى جعلت المركز يموت ليلا.

• تركز التنمية الحضرية لمدينة بغداد على الاستدامة وانعاش المدينة –وهذا جيد- ولكن أن تكون من خلال الاستثمار فأن ذلك هي الخطورة الكبيرة التي تهدد مستقبل مدينة بغداد وساكنيها.

• يستنتج البحث أن مهمات التخطيط اتسعت بشكل كبير أدى إلى توسع مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه وأخرج التخطيط عن نطاقه التقليدي، فليس من المعقول أن تبقى المخططات الإنمائية والتنموية لمدينة بغداد على المناهج التقليدية نفسها وأساليبها القديمة، لأن مشاكل اليوم هي نتاج فكر وطروحات النظريات الحضرية الوضعية التي أثرت على المدينة في القرنين التاسع عشر والعشرين.

• ضرورة استفادة الخطط التنموية لمدينة بغداد من نموذج المدن الأوروبية التقليدية المبنية وخططها التطويرية لاقترابه مع مستقبل المدن العربية الإسلامية المبنية أكثر بكثير من النموذج الأمريكي الهجين والمتبنى من قبل تطوير دبي وما أفرز من مشاكل حضرية كبيرة.

مصادر البحث

• Alexander, Christopher; Anew Theory of Urban Design; Oxford University Press; N.Y., USA, 1987. 

• Broadbent, Geoffrey; Emerging Concepts in Urban Space Design; Van Nostrand Reinhold, London, 1990. 

• Mclouglin. J. B.; Urban and Regional Planning- A system Approach; Faber and Faber ltd, London, 1973. 

• ابن خلدون، عبد الرحمن: المقدمة: بيروت، دار العودة،1981. 

• سكرية، منى: الاستشراف: الحياة، 2008. • سلوم، سعد؛ افاق ستراتيجية: عصر صناعة المستقبل ستراتيجية الانعتاق من فوضى القرن الحاديوالعشرين؛ 2009

• العزاوي ،هشام عدنان؛ أثر تغيير البنية الفكرية على هيئة النسيج الحضري: أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد، كلية الهندسة، 1998.

• عكاش، سامر: الفكر المعماري الجديد في بداية القرن الجديد: الملف الثاني – حاضر العمارة بين وهمي النظرية والتاريخ: المستقبل العربي، العدد263، مركز دراسات الوحدة العربية ، لبنان، 2001.

• عبد الباري، د.وائل إسماعيل حسن: أسس مجتمع المعلومات العربي - قراءة للأبعاد المعرفية والتقنية في المجتمع العربي: 2008.

• مجيد، سمعان: مستقبل عمارة المجتمعات الاسلامية وفق مفهوم حوار الحضارات: اطروحة دكتوراة، جامعة بغداد، كلية الهندسة، قسم الهندسة المعمارية، .2009.

• جامعة دمشق: وقائع مؤتمر التنمية الإقليمية لدمشق: كلية الهندسة المعمارية، سوريا، 2007.

• جامعة عجمان: وقائع مؤتمر الامارات للتخطيط العمراني: كلية الهندسة المعمارية، الامارات، 2008. 

النص الكامل : حمله من هنا  

أو للقراءة والتحميل اضغط هنا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا