التسميات

الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

البداوة والتحضر في الجزيرة العربية ...


البداوة والتحضر في الجزيرة العربية

أولاطبيعة السكان وحياتهم
  بالإطلالة على التقسيم الجغرافي للجزيرة العربية يلاحظ أن السكان يقطنون أربعة أماكن هي الصحراء والجبال والقرى والسواحل المحاذية للبحرولكل منطقة خصائص سكانية وثقافية معينة يمكن ملاحظتها من خلال الإنتاج الثقافي المادي أو المعنوي.
   وتعد المناطق الصحراوية هي أساس الهجرة والمنبع الأصلي للسكانوسكان تلك المناطق هم من البدو دائمي الترحال الذين ينزحون إلى مناطق الكلأ والماء، ولهم فيها منازل صيفية وشتويةوللبيئة الصحراوية تأثير في سكانها من حيث الوظائف الملائمة للصحراء ومواردها فالرعي واستخراج الألبان ونسج الصوف وغزله وقطع الأخشاب وغيرها إضافة إلى عملهم في النقل البري عن طريق القوافل من الجمال بين المناطق وخاصة التي تمر بالصحراءأما المناطق الجبلية والريفية، فهي وسط بين الصحراء والساحل ويعتمد سكانها على الزراعة في المناطق الريفية، وتعد المصدر الاقتصادي الأول لهاوللرعي في المناطق الجبلية أهمية وتعتمد هذه المناطق على العائلة وإنتاجها من الصناعات اليدوية وتوجد بعض أشكال الزراعة فوق سفوح الجبال التي يعيش عليها السكانأما المناطق الساحلية المتاخمة للبحر التي نزح إليها السكان من البادية واستقروا في مناطق على الساحل حيث تتوافر آبار المياه العذبة وقد أثروا في البيئة البحرية وتأثروا بها واستمدوا منها وظائفهم ومهنهم التي اعتمدت على الأعمال الخاصة بالبحروتجدر الإشارة إلى وجود تداخل ثقافي بين سكان المناطق الصحراوية والريفية والزراعية والجبلية والساحلية من أبناء الخليج العربي؛ فهم على المستوى الاقتصادي يتبادلون مع بعضهم البعض منتجاتهم وصناعاتهم وكان هذا التبادل يتم في معظمه قديماً عن طريق المقايضة، وهناك استعمال لبعض أنواع النقود الأجنبية على نطاق ضيق وخاصة المسكوكات الذهبية والفضيةوعلى مستوى العلاقات الاجتماعية هناك تزاوج بينهم وتعارف، ولكنه يسير وفق نمط معين يخضع للعادات والتقاليد.
  وبناء على تنوع أماكن السكن، فقد تنوعت أنماط السكان الاجتماعية في الخليج العربي حسب حرفهمويمكن تمييز صنفين عامين للسكان من حيث الاستقرار أو التنقلفهناك صنف المستقرين الذين يسكنون المدن الساحلية ويعملون في الصيد البحري واستخراج اللؤلؤ والتجارة والنقل البحري؛ وكذلك الريفيون الذين يستقرون في القرى الزراعية التي توفرت فيها مياه الري ولا سيما في الواحاتوالصنف الثاني هم المتنقلون من مكان إلى آخر ويشمل البدو الذين يطوفون الصحراء من مكان إلى آخر حيثما توفر الكلأ لقطعانهم، والصيادون الذين ليس لهم سكن محدد؛ فإن كانوا من صياد الحيوانات البرية والطيور فهم من البدو، وإن كانوا من صائدي السمك فقد يسكنون العشش أو الأكواخ على البحر وقد يعيشون في السفن نفسهاوقد تميز أتباع كل حرفة من الحرف المذكورة بخصائص معينة في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية فرضتها حياتهم اليومية وصراعهم في سبيل الوجودوفيما يلي توضيح لذلك:
1- الحضر:
  الحضري كلمة مأخوذة من الحضارة. وللحضارة معاني عدة في اللغة العربية مثل الإقامة في الأرضأي في المدن والقرىويشرحها معجم لسان العرب بقوله«والحضر خلاف البدو، والحاضر خلاف البادي، والحضارة الإقامة في الحضر»ومن تعريفات الحضارة: «هي نمط من الحياة يتميز بخطوط ألوان من التقدم والرقي»و«الحضارة هي ثمرة كل جهد يقوم به الإنسان لتحسين ظروف حياته سواء أكان المجهود المبذول للوصول الى تلك الثمرة مقصودا أم غير مقصود، وسواء أكانت الثمرة مادية أم معنوية»وهذا المفهوم للحضارة مرتبط بالتاريخ لأن التاريخ، كما سنرى هو الزمن، والثمرات الحضارية تحتاج إلى زمن لكي تطلعأي أنها جزء من التاريخ، أو نتاج للتاريخ.
  والعرب ينتمون في أصلهم إلى الصحراء ويرتبطون في القبائل، وانتقلوا للعيش في القرى في فترة متأخرة؛ ويسمى أصحاب الحضر «أهل مدر» أي ماء واستقرار، وأهل البادية يسمون «أهل وبر» أي أصحاب ماشية لها وبروقد ارتبطت بعض السمات بالحضر من سكان القرى والمدن من أبرزها الاهتمام بالنظافة بسبب توفر الماء الذي لايتيسر للبدو في الصحراء بسهولة، والتفكير بالمال بسبب استقرارهم في حين لايهتم البدوي إلا بقُوت يومه، يضاف إلى ذلك بعض الصفات الأخلاقية التي يتسم بها أغلب الحضر من صدق مع الغير أو هدوء في المزاج والسلوك أو رضا عن النفس أو غير ذلك من الصفات التي لها علاقة بالمكان المستقر الآمن كما سبق إيضاحه في فصل «علاقة الإنسان بالمكان».
  ولهذا فإن الحديث عن الحضري لا ينفصل عن الحديث عن الحضارة بمعناها البسيط المتعلق بوجود تنظيم واستقرار في الحياة إلى المعنى العام المتعلق بالإنتاج والتطوريقول ابن خلدون في وصفه الحضارة، بأنها: «طور طبيعي في حياة الشعوبتبدأ من البداوة، وتنتهي في الحضر، وأن البدو أصل الحضرولذلك تتحول إلى غاية للبداوة»ويتابع ابن خلدون الحضارة في لحظات تطورها وتحولها، ويرى أنها تجعل الشعوب يرتاحون في أحوال حياتهم.ويلاحظ أن الحضارة عند ابن خلدون تبدأ من مرحلة البداوة، ثم يتطور أهلها تدريجيا حتى يبلغوا الحضر فيصبحوا منه بالجهد والعمل.
  وتعني الحضارة كل نشاط تمارسه الأمم من أجل بلوغ ما تصبو إليهومواجهة كل ما من شأنه أن يحول دون وصول الأمم إلى أهدافها وتطلعاتهاإلا أن هذا النشاط لا يتساوى عند كل علماء الحضارة وعدم التساوي ينتج من خلال تفاوت درجات الوعي عند علماء الحضارة، لأن «الوعي ليس شيئا آخر سوى الوجود الواعي، ووجود البشر».
 فالحضارة ظاهرة إنسانية تشترك فيها كل الأمموتنشأ الحضارة في كل أمة داخل أرضها، ومن خلال تجربتها الاجتماعية، وتحت تأثير مناخها وثرواتها، وما يصاحب ذلك من تحدّيات بيئية وما تمر به من ظروف مواتية أو غير مواتية لإنتاجها وعملها الحضاري.
  والواقع أن الحضر في الجزيرة العربية ليسوا منفصلين عن البدو، ذلك أن أغلب الحضر هم من أصول بدوية توطنت مؤخرًا في المدن بعد ظهور النفط في المنطقةوسبقت الإشارة إلى علاقة هؤلاء السكان بالمدن في فصل «المكان».
2. الصيادون:
  هم المترحلون الذين يعيشون في البحار، فيتنقلون لصيد السمك، أو لجمع الإسفنج والكافيار وصيد اللؤلؤ في معظم دول الخليج العربي، وهم بذلك يشبهون الصيادين في دول أخرى مثل اليابان، وأندونيسيا، وماليزيا، والفليبين في جنوب شرقي آسياوقد يندرج تحت اسم المترحلين أو غير الثابتين، فئات أخرى من السكان مثل الغجر (النوَروالصَّلب الذين يتنقلون في الصحراء وراء القبائل العربية الأصيلة، ويعيشون من صناعات يدوية محددة، ويسمون المتنقلين(Trailers). ومنهم أيضاً المتنقلون بالقوارب في البحار (Boat Trailers)، ويجري التنقل والتجوال لفترة قصيرة أو فصلية، وأحياناً لمدة أطولوقد يجمع البدو بين صيد الأسماك والغوص عن اللؤلؤ في فصل الشتاء، ويتفرغون في الصيف لجمع التمر من نخيلهم، كما في عُمان والإمارات. وهناك صيادو الحيوانات البرية التي كانت في السابق مصدر غذاء لهم وهي في الوقت الحاضر هواية للطبقة الغنية في المجتمع.
3البدو:
تُعرّف "الموسوعة العربية العالميةالبدو بأنهم: «مجموعة من البشر يعيشون حياة الترحال، وعدم الاستقرار في مكان بعينه، ويعيشون حياتهم التقليدية في الصحراء، بحثاً عن الماء والمرعى لجمالهم وأغنامهم، ويعيشون في خيام مصنوعة من جلود وشعر حيواناتهم، ويعتمدون في غذائهم في الغالب على منتجات الألبان والتمور والأرزويقايضون اللحوم، ومنتجات الألبان مع سكان القرى المجاورة للحصول على الخناجر والأواني والبضائع المصنعة الأخرى.والبدو شديدو الاعتزاز بكرامتهم، ويعتمدون على أنفسهم إلى درجة بالغة، ويعيشون حياتهم ملتزمين بالصفات الأخلاقية، وبقيم الشجاعة والكرم، والولاء للقبيلة، وبالضيوف والغرباء، وقد تؤدي إهانة الكرامة أحياناً إلى صراعات دموية بين القبائل».
وهذا التعريف يركز على بدو الجزيرة العربية؛ لأنه أغفل جماعات من البدو تعتمد على تربية الأبقار أيضاً، مثل قبائل "البقَّارةفي السودان، حيث تمتلك قبيلتان (هما الزريقات والمسيرية)، ما يتراوح بين ثلاثة ملايين وأربعة ملايين رأس من الأبقاركما أغفل التعريف ذاته قبائل "الطوارقو"البنتوالتي تربي الماعز، لأنه يتكيف بشكل إيجابي مع المرتفعات والأوديةوهذه القبائل تعيش في بيئة جبلية في المغرب العربي (جبال الهوقار).
 والأهم في تعريف البدو هو التركيز على الخاصية الأساس التي تميز البدو من وجهة نظر علم الاجتماع، وهي الترحل وعدم الاستقرار، بغض النظر عن أنواع الماشية التي يربونها، والدور أو الأدوار الاقتصادية التي يمارسونها.وتشمل خاصية الترحال البدو في المشرق (الجزيرة العربية والعراق والشام)، كما تشملهم في شمال إفريقيا من السودان إلى موريتانيا.
والواقع أن ظروف البيئة الطبيعية في الجزيرة العربية أسهمت في خلق ظاهرة البداوة أو الترحلوهناك ثلاثة أنماط حياة القبائل البدوية في الجزيرة العربية هي:
(1) نمط القبيلة البدوية المرتحلة التي تنتقل من مكان إلى آخر طوال العام. ويشغل هذا النوع من القبائل رقعة واسعة من الأرض. وأفرادها يكادون ينصرفون كلياً إلى تربية الحيوانات بأنواعها المختلفة. ويعتمدون بشكل أكبر على الإبل، وما تدره عليهم من منتجاتهاورحلاتهم بعيدة، قد تمتد إلى آلاف الكيلومترات إذا أحوجتهم الظروف فيقطعون المسافات من أقصى جنوب السروات بقرب اليمن إلى أطراف الشمال حول حدود العراق، يساعدهم على ذلك حيوان بيئي هو الجمل بما يتصف به من قوة وصبر وتحمّل للمشاق.
(2) القبيلة التي كانت تمارس نوعاً من التنقل الفصلي بين أعالي الجبال والسهول المجاورة أو القمم العالية والمناطق الأقل ارتفاعا. وهي الحركة التي كانت تمارسها بعض القبائل الرعوية حيث تتحرك في فصل الصيف نحو الشمال وخصوصاً إلى مرتفعات منطقة رؤوس الجبال في إمارة رأس الخيمة وسلطنة عمان وجبال السروات حيث لا تزال المراعي تحتفظ بطراوتها، وفي فصل الشتاء البارد ينحدرون إلى الجهات الجنوبية الأكثر دفئاً أو السهول المجاورة كما في تهامة في جنوب غرب السعوديةوهذا النوع من القبائل يعني بتربية الماعز خاصة والأغنام والأبقار على نحو أقل.
(3) القبائل التي تأرجحت بين البداوة والاستقرار وهذا النوع من القبائل هو الذي كان يمثل الغالبية بعدد أفراده في الخليج العربي. ويسمّون الشاوية والبقّارة وهم من رعاة للشاة والأبقار، ورحلاتهم قصيرة، لأن حيواناتهم من أغنام وأبقار لا تحتمل مشاق الرحلة البعيدة، ولا تصمد للعطشوهؤلاء قد يزرعون الأرض إضافة إلى الرعي، لذا فهم ليسوا بدواً رحلاً بالمعنى الاجتماعي، إلا أنهم لم يصبحوا حضراً مستقرين، لذلك يطلق عليهم أحياناً وصف البدو (نصف الرحل). ومنهم بدو القرى النجدية وقرى جنوب السعودية.


4. الحرف والمهن والصناعات اليدوية عند البدو:
يمارس البدوي حرفا متعددة أملتها عليه الحاجة للعيش والتكيف مع البيئة ومعطياتهاوفيما يلي عرض لأبرز تلك الحرف التي يمارسها البدو رجالهم ونساؤهم:
أصناعة الخيمة: فهي أبرز الحرف والخيمة تسمى (بيت شعر الماعز). وهي أكثر الوسائل المناسبة لحياة البدو المطبوعة بعدم الاستقرار؛ فهي تتميز أولاً بخفة حملها وسهولة نصبها ورفعها، فضلاً عن أنها تصنع من نتاج الحيوانات التي يربّونها (شعر الماعز). وصناعة بيوت الشعر هي إحدى صناعات النسيج التي ظهرت وشاعت بين نساء البدو في الجزيرة العربية عامةوقد اختلفت هذه البيوت بين بوادي الجزيرة عامة، من حيث النوعية، وطريقة البناءويمكن تحديد ذلك باختلاف بيوت المنطقة الغربية لبادية الخليج العربي وتشابهها مع كل البيوت التي عرفتها بادية الجزيرة العربية عامة عن النوعية الأخرى من بيوت الشعر التي استعملتها البادية في المناطق الشرقية للإمارات وكذلك سلطنة عمان.
وأبرز تلك الاختلافات تمثلت في كون بيت الشعر في المناطق الشرقية يتكون مما يسمى بالجنوبي الومنباه والسناح والشرقي، ويتوسط العمود الذي يرفع البيت (المنباهويسمى (المعراضوالمحمار ويكون أفقياً، وتقوم أعمدة البيوت المسماه (بالمجالبرفع المعراض على اثنين من السوط. والمجال يعتبر أرفع حطب البتي الجنوبي. وما بين المجال والمساميك و(المساميكهي أعمدة صغيرة في كل أطراف البيت ما عدا الجنوب ومهمتها رفع أطراف البيت.والحطب الجنوبي المسمى بنفس الاسم بالاشتراك مع المساميك تكون عادة من الحطب الدقيق في مقاس ساعد اليد وأطوالهن متساوية.
وتتنوع البيوت الشرقية المعنية هذه بين بيت الشعر الذي يبني غالباً في الشتاء، وبيت اليواني أي الشوال وبيت السميم الذي يبني في الصيف وهو مصنوع من سعف النخيل.
وتعكس صناعة بيوت الشعر ثقافة نمط معيشي هي إحدى صناعات النسيج بين نساء البدو في الجزيرة العربية عامةوتبدأ المرحلة الأولى لصناعة هذا البيوت بتجميع الصوفثم اختيار شعر الماعز دون غيره لأنه عندما يبتل وقت المطر يتماسك ويشتد على عكس وبر الإبل أو غيره من شعور الماشية التي تتراخى عندما يصيبها الماءوقد يخلط هذا الشعر بالصوف المستخرج من شعر الخروف حتى يكتسب قواماً قوياً يجعله يقاوم الرياح والرمال وحرارة الشمس في النهار.
ولهذه البداية تفاصيلها التي تكشف عن مهارات حرفية وفنية دقيقةوبعد ذلك تأتي مرحلة الغزل بأيدي النساء البدويات الخبيرات باستخدام آلة المغزل وهو القضيب الخشبي بطول ذراع اليد وفوقه قطعة خشب دائرية تسمى الفلكة المثقوبة وهناك المسمار المعكوف المسمى بالفصمة الذي يحيط بتلك الخشبة.
وتعدد الأدوات ومهامها في إنجاز عملية النشيج من بدايتها وحتى النهاية وتمر بدورات متماثلة ومتتالية في حركة الغزل حتى تكتملوتلجأ النساء إلى استخدام طرق فنية عند نسج الشعر فقد تجتمع امرأتان إلى أربع ويثبتن في الأرض أربعة أعمدة على زوايا مستطيلة (تسمى السدىويقمن بعد ذلك بربط الصوف الطويلة التي تكون ملفوفة على هيئة كرات أو دوائر صغيرة أو كبيرة ما بين هذه الأعمدة، ثم يبدأن بالانتقال بين الخيوط ويعملن نسيجاً عن طريق مخالفة الخيوط من أسفل إلى أعلى في اتجاه أضلاع المستطيلولا تمر فترة طويلة حتى تكون الخيوط قد تحولت إلى قطع نسيجية طويلة تكون قماشاً خشناً أسود اللون أو بنياً يسمى "الفلائج". ويعتمد طول كل قطعة من هذا النسيج فضلاً عن عدد القطع المستخدمة في الخيمة الواحدة على مكانة مالك الخيمة وظروفه الاقتصاديةوأعداد قطع النسيج وأسماء كل واحد تبقى ثابتة دائماً، ويتنوع نمط التطريز الحقيقي الموجود على كل قطعة بحسب كل قبيلة وبحسب الوقت الذي استغرقته صناعة القطعة[1].
تستمر عملية حياكة أنسجة الخيمة المتنوعة نحو عام من قبل سكان المدن والقرى المحاذية للصحراء إلى جانب أفراد القبائل البدوية ذاتها على نحو واسع؛ وقد يبيع البدو هذه الخيام لغيرهم أو يقدمونها هدية. وكل امرأة بدوية فقيرة تقوم بصناعة وتجديد الأجزاء التالفة من خيمتها الخاصة ولهذا لا يذهب أحد إلى المدن لشراء مثل هذه الحوائج والمتطلبات.
ويعد "المغزل" واحداً من أبرز لوازم المرأة البدوية؛ فهو يستخدم في غزل شعر الجمال وأصواف الخراف في أوقات الفراغ. وهذه المغازل تكون دائمة الدوران حتى أثناء الحركة والترحال على ظهور الإبل. وكأن المغزال جزء من المرأة البدوية لا يفارقها. وتجري عملية الغزل بأن تصنع المرأة الصوف الذي تريد غزله في مكان قريب تحت ذراعها الأيمن أو في أعلى صدرها حيث تهيئ الصوف الجاهز للغزل بيدها اليسرى على نحو لا يتجاوز قدمين طولاً وتربطه بالنهاية السفلية من لولب المغزل ثم تدفع الصنارة (الكلابالمثبتة إلى قمة المغزل ثم ترفع بعد ذلك ركبتها اليسرى إلى الخارجوهذه الحركة تجعل المغزل يدور بسرعة حيث تمسكه المرأة على ارتفاع بيدها اليمنى بواسطة الصوف الملفوف على المغزل ذاتهوبعدما يتلقّي المغزل شداً كافياً تلفّه المرأة حول الجزء المنخفض من رأس المغزل. كما أن الشيء المهم الثاني الموجود في حجر نساء البدو هو "النولاليدوي الذي تخيط به جميع أجزاء النسيج في الخيمةوإذا كانت النساء هن المسؤولات عن نسج الخيمة فإن الرجال هم المسؤولون عن بناء الخيمة وهدمها.

بالدباغة: دباغة الجلود حرفة محلية بدوية إذ يتم الانتفاع بجلود الحيوانات بعد ذبحها فتؤخذ وتنظف ويزال عنها الشعر ثم يوضع عليها الملح وتجفف في الشمس فترة معينة ثم تؤخذ بعدها ويصنع منها قرب الماء والدلي والهبابين والنعل وغيرها بعد أن تدبغ بالقرط.
استخدم هذا البدوي جلود الحيوانات لتوفير احتياجاته من الملابس والأواني المنزلية لحفظ الماء والشرب وحفظ الطعام وأوني حفظ السمن وعسل النحل والألبان والدلو المصنوع من الجلد الذي يرفع به المياه من قيعان الآبارولم تقتصر استفادته من الناقة والمعاز والحيوانات البرية الأخرى على ألبانها ولحومها واحتياجاته في بيئته الصحراوية.
ج-صناعة القربة: وهي من الصناعات الجلدية التي تصنع من جلد الماعز أو الخروف وكذلك (الصميل) الذي يشبه القربة ولكنها تستخدم لمخض الحليب أو رجّ اللبنوهناك (السقيو(المقرصوهي صناعات متشابهة وإن اختلفت أحجامها وأشكالها، وتستخدم في صناعتها (الأرطةويسمى (العثملتلين الجلد فقط وكذلك (الصلوالذي يستخرج من كبد السماك وأيضاً (الغلفةوهي شجرة بحرية وتستخدم في إزالة الشعر عن الجلد قبل دبغه بالقرط ونفسه يستخدم لتغليظ الجلد وتطهيره من الرائحة.
ويمكن تقسيم أجزاء القربة أو الصميل إلى المؤخرة وهي من الخلف ثم الصدر وهو عند اليدين فالرقبة (رقبة الماعزوالبطن وهو بين المؤخرة والصدر ثم الظهر، والدرك المعمول من الشعر والحبال ويربط في المؤخرةوتستخدم القربة لحظ الماء والصميل لحفظ اللبن الطازج (الحليب). أما (السقيفيستخدم في صناعة الروب الحامض و(المقرصيستخدم في ترويب اللبن وهو من نصف (السقي). و(الوكايكون خيطاً من الصوف القوي يربط به فم القربة أو الصميل أي فوهتها.
د- صناعة الأحذية والعباءة: وهي من الصناعات النسيجية، ويصنعون الجوارب التي تسمى (الزرابيل) وهي أحذية جلدية مغلقة من جميع الجهات باستثناء مدخل القدم وتستخدم لدهس الحطب والعشب والسير في قمم الجبالوهناك صناعة لنوع من الأحذية يسمى (زبيرياتنسبة إلى مدينة الزبير في العراق التي قدمت منها هذه الصناعة وهناك من يسميها (المساجدياتتشبيها لها بطريقة سجود الشخص على الأرض، وهي عبارة عن حذاء تنفصل فيه الإصبع الكبرى عن بقية الأصابع بسوار نحيف، وهي ناعمة وسهلة اللبس والخلع. ومن الصناعات النسيجية صناعة (البشت) وهي العباءة التي يرتديها الرجال والوزرة وهي عبارة عن قماش يغطي الجزء السفلي من الجسد وتستخدمه النساء وفي بعض المناطق الجنوبية من الجزيرة العربية والمناطق الساحلية يستخدمه الرجالكما برع أهل المنطقة قديماً في صنع الخناجر بأحجام وأشكال مختلفة كما صنعت السيوف وتخشيب البنادق والبارود وذلك بصناعته من فحم شجر الأشخر والكبريت والملح كما صنعت أيضاً الطلقات.
ومن صناعاتهم أيضاً القداحة وهي الصلبوخ، والقراعة وهما حجران أشبه بالجرانيت والرخام وبينهما مادة كالحرير تستخرج من ثمرة الأشخر أو فتيل من القطن يوضع بينهما لإشعال النار.
5. ملابس البدوي:
لباس الرجل البدوي يشتمل على ثوب طويل مصنوع من القطن هو (الدشداشةوعلى كوفية وعقال وحذاء خشن مصنوع من الجلد. كذلك يشتمل على عباءة مصنوعة من الصوف الغليظ يطلق عليها اسم البشت، الذي يستخمه لتغطيةجسده ويخفف غلواء حرارة الشمس المحرقة وكثيراً ما يشاهد البدوي وهو يستظل تحت عباءته على دعامتين ثم يستظل تحتها وكأنه تحت خيمة متنقلة ينصبها حين يشاء وحيثما يريدأما في الشتاء فإن قطعة الصوف العريض هذه -"البشت"- تكفي فرشاً دافئاً لصاحبها وغطاء محكما يحمي من البرودة وهبوب الرياحوكان البدوي العادي يقتني عباءة واحدة ويرتديها صيفاً وشتاء وتظل معلقة على كاهله عدة سنوات دون تغيير.
كان (الخنجرمع كونه للزينة فهو آلة حرب يلبسها الغالبية، وخاصة كبار القوم في المناطق الجنوبية من السعودية مع سواها من السلاح وهي البندقية والسيف والرصاص في المحزم، وهو جلد يصنعه الصناع، له مواضع يستقر فيها الرصاص كأنه قلادة منضودة له (بازمو(بناولشده على بطن لابسه. والرصاص يتكون من أوعية مسبوكة يجعل فيها البارود ثم قطعة رصاصة ويقال لهذه الأوعية الصغيرة المغلفة على كبريت في طرفها الأعلى يقال لها (القمعة).             
أما ملابس المرأة البدوية فهي بسيطة في شكلها، طويلة القدمين وتغطي كل جسدها، وترتدي المرأة البدوية أزياء مختلفة تتكون من الكندورة (فستانوالشيلة (غطاء الرأسوالسروال. وعموماً تميل ملابس المرأة البدوية إلى الألوان الصارخة أو الزاهيةوهي على العكس من الرجل الذي يتميز ملابسه بالألوان الهادئة والأقمشة الخفيفة في الصيف الحار وملابس ثقيلة في الشتاء البارد.
والمرأة البدوية تفضل أن تلبس الملابس ذات الألوان الأحمر الفاتح أو اللون الأصفر أما كبار السن من النساء فإنهن يفضلن الألوان القاتمة والأخص اللون الأسود الذي يعتبر مثالا للمرأة الناضجةوتستخدم المرأة البدوية البرقع الذي يغطي قصبة الأنف والنصف الأسفل من الوجه؛ وتتزين بالحلي والتي هي غالباً من الخرز، وأما الذهب فهو نادر ولا يتوفر إلا عند كبار أفراد القبيلة، وبعض النسوة يستخدمن الفضة بدلاً من الذهبوتستخدم المرأة كحل العين والحناء لتخضب كفيها وقدميها للزينة؛ وفي كثير من الأحيان تجلب هذه الأمور من القرى المجاورة لها والمناطق الساحلية.
أما فيما يتعلق بملابس الأطفال فإنه ليس هناك اهتمام بها، فتجد الطفل يلعب في الخارج حافي القدمين ملابسه متواضعة.
6وسائل وأدوات البدوي الحياتية:
في داخل الخيمة هناك قطعة منفوخة من الجلد يطلق عليها اسم (القربةأو (السقيتستخدم لحفظ الماء وتبريدهيصنعها البدوي من جلد الماعز أو الأغنام ويقوم برتقها من الجانبين بخيوط دقيقة جداً حتى لا يترك المجال لتسرب المياه منها؛ ثم يترك فتحة من أحد الجوانب لنزول الماء، ويربط الجزء المفتوح وتعلق القربة بحبل يتدلى من عمود الخيمة، ويكون ارتفاعها بقدر متر لتمكين أي فرد من الأسرة من الحصول على حاجته من الماء منها. ووضع القربة في وسط الخيمة يعطيها الفرصة للتعرض لنسمات الهواء فالخيمة مفتوحة من الجانبين؛ هذا التيار الهوائي يقوم بتخفيف وتبخير الماء في سطح جلد الماعز ويساعد على تبريده، فيتحول الماء إلى البرودة فيشربه البدوي بارداًويمكن تحديد أثاث المنزل في البادية ببعض الفرش من صوف الأغنام، كما يوجد لديه المطارح وتصنع من القطن والقماش؛ كما توجد بمنزله الدلة وهي آلة تستخدم للقهوة العربية؛ وإناء غلي الماء؛ والمحماس وهو عبارة عن قرص حديدي دائري مربوط بماسك يستخدم لحمس القهوة وتحميصها؛ والنجر وهو آلة لسحق القهوة؛ والرف الذي يشبه السرير المرتفع يوضع عليه الزادكما يوجد لدى البدوي أيضاً القدور والصنوان للضيافة والمعلاق هو عبارة عن خشبة معلقة في نصف البيت توضع عليها الملابس والمطارح والأوانيوتجد (المحصينويصنع من خوص سعف النخيل لضم الأوانيو(العبيبةوتعمل من جلد الخروف الكبير وتفتح من الخلف وتستعمل وتفتح من الخلف وتستعمل لحفظ الأرز (العيسشأو البر (القمح، و(الهبانويصنع من جلد الظبي الصغير أو الثعلب أو الماعز الصغير (الصخلة). ويستخدم لحفظ التمر أو البُر؛ أما هبان جلد الثعلب فهو لحفظ القهوةبعد ذلك (الظرفويصنع من جلد الضب أو جلد الظبي الصغير جداً أو الماعز ويوضع فيه السمن، و(المورسويعمل من ساق الجمل الصغير وتستخدمه النساء في وضع ألوان تجميل الشفاه والخدود.
وهناك الدلو الجلدي والحبل المصنوع من ليف النخيل ويستخدمان في سحب الماء من البئر؛ وتثبت في وسط الدلو قطعتان خشبيتان على شكل صليب لمنع انفلاق الدلو عند الملء. والدلو الكبير أو الحوض المنصوب على أرجل خشبية يستخدم لسقاية الجمال والماشية وهناك "الراويوهو مخزن للماء أكبر حجماً من الدلو والحوض ويستخدم لجلب الماء من الآبار البعيدة. ويجد المرء المرجل أو المنصب المرجاجة ثلاثي القوائم حيث يتدلى إلى أسفله جلد الماعز المهيأ لصناعة اللبن الخاثر"، كما يستخدم هذا المرجل لتعليق الذبائح من الأغنام التي تسلخ للضيوف.
وتعتبر موارد المياه هي مفاتيح الصحراء وبوصلة الحل والترحال للقبائل البدوية كما أنها هي المسؤولة عن توزيعهم في بقاع الصحراء المترامية الأطرافوبجانب الآبار هناك الأودية والسيول والبرك التي تحتفظ بالمياه لفترة غير قصيرة في فصل الأمطاروالحقيقة أن وجود الأودية والسيول وامتدادها في الصحاري على نطاق واسع هو الذي يمكن القبيلة الرعوية من الانتشار عبر رقعة واسعة من الصحراء في فصل الشتاء والربيع بدلاً من التمركز حول الآبار أو النهيرات كما يحدث في فصل الصيف. وتفوق أهمية الأدوية والسيول في فصل الأمطار أهمية الآبار.
7رحلة الشتاء والصيف:
إن الغرض الأساسي من الهجرة الدائمة للقبيلة البدوية هو البحث عن المرعى، ولابد أن يكون البحث مستمراً لأن طاقة المرعى محدودة ولا يمكن المكوث في مرعى معين أكثر من أيام معدوداتوتحدد تحركات القبائل البدوية وهجراتها فترات سقوط الأمطار، وبالتالي توزيع المراعي في الصحراء. وفي العادة فإن الحركة الشتوية تبدأ من أواخر شهر نوفمبر ولغاية مارسأما الهجرة الصيفية أو هجرة العودة فتبدأ في أوائل يونيو؛ وتترك العشائر البدوية جوف الصحراء عائدة إلى منازلها الصيفية بالقرب من الواحات أو مراكز العيون والآبار وتمتد فترة الإقامة الصيفية من أوائل شهر يونيو حتى أوائل نوفمبر.
وعندما يحين موعد الانتقال يتم فتح الخيام حيث ترتب وتوضع مع اللوازم الثقيلة الأخرى على ظهور الجمال. وتعد الذكور من الجمال الأشد والأكثر تلاؤماً مع هذه المهمة، أما اللوازم الأخف والماء الاحتياطي فيوضع على ظهور النوق (She-Camel) ويركب أفراد الأسرة على ما تبقى من الجمال، وتكون النساء في هوادج مظللة بأنسجة صوفية أو قطنية؛ فهذه تحميهن من الشمس وأعين المتطفلين ويسير الرجال في الأمامإن عملية الارتحال في بادية الخليج العربي كانت تتبع طرقاً معينة لا تكاد تتغير، وتمر هذه الطرق في العادة بآبار المياه.
وتتجلى الصناعات الصوفية التقليدية في الأدوات التي يستعملها البدو للجمال وهي:(الخناقةشريط عريض مشغول من خيوط الصوف بأشكال هندسية ويوضع على رقبة الجملو(الخطاموهو أيضاً من أشغال الصوف اليدوية ويستعمل لشد الأمتعة والأحمال على ظهر الجملو(الشدادوهو مصنوع من الخشب على هيئة سنام الجمل ويوضع على قطعة من الصوف تسمى قطع شداد، وتثبت فوق ظهر الجمل ليوضع عليها الخرج الساحةو(الساحةوهي قطعة كبيرة من الصوف عليها رسومات ونقوش مختلفة يوضع عليها الخرجو(الخرجعبارة عن قطعة كبيرة من الصوف المنسوج لها جيبان كبيران توضع على ظهر الجمل وتتدلى من الجانبين حيث تحفظ بداخلها الأغراض.و(الشِمالويعمل مع الشداد ليمسك به ضرع الناقة، ويستخدم لحفظ الحليب للصغار ويربط بالشداد. (البنياتوهو شريط من الوصف العريض تتدلى منه شرائط أقل عرضاً وتخاط على خِرج الجمل كزينة لهو(الطرابيشوهي عبارة عن خيوط ملونة تجمع بشرائط رفيعة وتستخدم كزينة الجمل.
8تكيف إنسان الجزيرة العربية مع الطبيعة:
هؤلاء جميعاً من بدو وصيادين وغجر (نوَروصلب، وسكان البيوت والقوارب المتنقلة يشتركون في سمة أساسٍ مشتركة بينهم جميعاً، هي أنهم يتجولون متنقلين من مكان إلى آخر، وفقاً لشروط بيئية مثل الحرارة والماء، وبحثاً عن الغذاءيرى "بياجيهأن الإنسان يتكيف ويتلاءم في عيشه مع البيئة الطبيعية والاجتماعية لتلبية حاجاته الحيوية بالتمثل والمطابقة، فهو يغير البيئة لتناسبه في منحى التمثل، ويغير نفسه ليناسب البيئة في منحى المطابقةوقد يتم التلاؤم بالمنحيين معاً.
ويقوم التمثل الحضاري على محاولة الإنسان السيطرة على الطبيعة ما أمكن، وملاءمتها عن طريق الخبرة بداية، ثم عن طريق العلم والتقنية في القرون الأخيرة؛ وما بناء السدود، وشق الطرقات والأنفاق، واستحداث أنواع جديدة من الزراعات والسلالات، وتدجين الحيوانات، واختراع وسائل المواصلات الحديثة، إلا من قبيل إخضاع الطبيعة وملاءمتها للإنسان، وهذا منحى إجرائي حضاريأما منحى المطابقة فيسود في البادية، ويقوم على تغيير الإنسان نفسه، والانتقال إلى بيئة جديدة؛ فالبدوي إذا تغيرت عليه البيئة حيث يقيم، لا يلجأ إلى "التمثلأي التغيير في البيئة، بل يعمد إلى "المطابقةأي الرحيل بنفسه وأغنامه وإبله وحيواناته إلى بيئة جديدة يتلاءم معهاوالبدوي يرتحل باستمرار طلباً للماء والمرعى، متوافقاً مع الفصول والتضاريس، وتتأثر بنيته الفيزيولوجية، وغذاؤه، وكساؤه، وعاداته، وتقاليده، وقيمه بما يناسب البيئة الصحراوية في قسوتها وصفائها، وفي شحها وكرمها.
إلا أن مظاهر الحياة الحديثة قد أخذت تتسرب إلى حياة البدو، فلم يعد غريباً، أن ترى سيارة واقفة أمام بيت شَعَر في الصحراءكما أخذ البدو يستخدمون السيارات الشاحنة لنقل المواشي والأعلاف، وصاروا يستخدمون المضخات في شفط الماء من الآبارلكن على الرغم من هذا كله، لا تزال الحياة البدوية باقية في قيمها وعاداتهاوذلك لأن القيم والعادات تتغير ببطء بالغ، في حين أن الوسائل الآلية ومظاهر الحياة المادية تتغير بسرعة أكبر، لأن استخدامها يتعلق بجدوى عملية تبدو واضحة جلية، لا بقيم أخلاقية أو اجتماعية تتسم بطابع المحافظة والثبات في كثير من الأحيان.
9-التنظيم الاجتماعي عند البدو:
العشيرة البدوية: العشيرة هي وحدة التنظيم الاجتماعي في المجتمع البدوي، منها ينطلق الفرد، وإليها يعود، وتكاد تكون المؤسسة الاجتماعية الوحيدة التي تمارس ضغطاً اجتماعياً على الأفراد، فهم يفيئون إلى حماها، ويدافعون عنها، ويفتخرون بتراثها وأمجادها، يتعصبون لها، ويذوبون فيها، وهذا ما تفرضه طبيعة الحياة البدوية القائمة على التنقل والترحالولكل عشيرة شيخ يسوسها ويدبر أمورها، تنقاد له عشيرته انقياداً كاملاً، ما دام يرعى مصالح العشيرة ويحرص عليهاومصلحة العشيرة واحدة، تندغم فيها مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة، وتتحقق من خلالها.
العصبية القبلية: العصبية لغةً تعني أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته، أي أقاربه من جهة الأب والتآلب معهم على من يناوئهم ظالمين أو مظلومين، والعصبية هي وسيلة من وسائل البدوي للتكيف مع البيئة لحماية كيانه القبلي، وتراثها الذي يتناقله جيلاً بعد جيلوقد تحدث "ابن خلدونفي مقدمته عن ضرورة العصبية للبداوة.
وتتميز العصبية القبلية بأنها موحدة، شاملة، ذات قوة إلزامية قهرية ـ باعتبارها ظاهرة اجتماعية ـ تمارس قدراً كبيراً من السيطرة على أفراد القبيلة الواحدةوتؤدي العصبية القبلية إلى ترابط المجتمع البدوي في وحدة كلية يشعر فيها كل فرد بالضمانة النفسية والمادية، لكنها تعمل على عزل القبيلة عن القبائل الأخرى من النواحي الاجتماعية والنفسية والجغرافية والحيوية.
الأسرة: الأسرة البدوية هي نواة التكوين الاجتماعي عند البدو، مثلهم في ذلك مثل سائر المجتمعات البشرية، والأسرة البدوية أسرة أبوية، حيث الأب هو رئيس الأسرة، له حق الطاعة على جميع أفرادها.
 أما حقوق الأسرة ومكانتها في العشيرة ؛ فتتناسب طرداً مع ما عندها من مال ورجالويحرص البدو على إنجاب أكبر عدد ممكن من الذكور، لأن كثرة الأبناء الذكور تُعَدُّ في أعرافهم عاملاً هاماً من عوامل العز والمنعة للأسرة في العشيرة، وللعشيرة في القبيلة، وللقبيلة بين القبائل الأخرى، إلا أن ارتفاع نسبة الوفيات بين المواليد عند البدو تذهب بارتفاع نسبة الولادات، وترتفع نسبة الوفيات بسبب نقص الرعاية الصحية، وتدني المستوى الثقافي، وتخلف أساليب التوليد، وضعف العناية بالحامل، وكلها عوامل تعود إلى تدني المستوى الاقتصادي والثقافيوعلى الرغم من ذلك، فإن معدل زيادة السكان عند البدو تظل أعلى مما هي لدى السكان الآخرين في البلاد التي يعيشون فيها، ويعود ذلك إلى كبر الأسرة، وتعدد الزوجات وأنماط التفكير الفطريةووظائف الأسرة عند البدو أوسع منها لدى الأسرة عند الفلاحين في الريف، وعند الحضر في المدينة، حيث سلبت المؤسسات والبنـى الاجـتماعية كثـيراً مـن وظائف الأسرة في الريف والمدينة، فالأسرة البدوية لا تزال تقوم بوظائفها الاقتصادية والتربوية والثقافية والدينية حتى اليوم.
*المرأة: تتسم نظرة البدو إلى المرأة بالمحافظة، هذه النظرة التي تكاد تبقى حتى اليوم على ما كانت عليه قبل الإسلام، على الرغم من أن الإسلام قد شجب تلك النظرة، وأعلى من شأن المرأة، فما زال البدوي يستقبل ولادة بنت بالوجوم، وكأنها مصيبة حلت به، ويعود ذلك إلى طبيعة الحياة البدوية حيث يتميز دور الرجل، فهو الذي يحمي العشيرة، ويرد عنها الخصوم والطامعين، وهو الذي يجلب الرزق، في حين ينحصر دور المرأة في أعمال المنزل البسيطة ورعاية الأطفال، وقد تقوم بأعمال اقتصادية ثانوية مثل رعي الإبل والأغنام، وحلبهاإلا أن النساء في البادية لَسْنَ دون الرجل شهامة ومروءة، فهن يحملن القيم الأخلاقية ذاتها، يُستجار بهن فيجرن، ويكرمن الضيف عند غياب الرجال، ويتحملن ما يتحمل الرجال من أعمال ومتاعب ومشاق، وقد يشاركنهم الغزو أحياناً.
 والمرأة عند البدو رمز للشرف والكرامة، فهي محترمة مصونة، لا يجوز أن تُمَسَّ بأذًى مهما بلغت العداوة والبغضاء بين العشائروما من وصمة عار يمكن أن تلحق برجل كوصمة أن يشتم امرأة أو يهينها أو يضربها، وإذا قُتلت امرأة في خصومة بين عشيرتين، فإن ثأرها أو ديتها يماثل من أربعة أضعاف إلى ثمانية أضعاف ثأر الرجل أو ديته.
العادات والتقاليد والأخلاق: للبدو عادات وتقاليد كثيرة، أكثر من أن تحصى، انتقل بعضها بالتسلسل من الآباء إلى الأحفاد، وحوفظ عليها كما لو كان شِرْعَةً لا يصح الإخلال بها، وبعضها نشأ بحكم الضرورة القاهرة، من شظف العيش وضيقه، وقساوة البادية، ومرارة العيش فيهاوتمارس تلك الأعراف والتقاليد ضغطاً اجتماعياً على جميع الأفراد، فلا يستطيع أحد التحرر منها، وإلا فإنه يعرض نفسه للاستخفاف والازدراء، وللعقاب أحياناً، والنبذ أحياناً أخرى، وربما يضطر إلى الهرب خارج العشيرة أو القبيلةوهذا النمط المحافظ الثابت أدى إلى استمرار عادات وقيم وبقائها على ما هي عليه منذ ما قبل الإسلام حتى اليوم.
ومن أخلاق البدو، الأنفة، والعزة، والصبر، والكرم، والعفة، والوفاء، وإغاثة الملهوف، وإجارة المستجير، والإيثار، والجرأة في قول الحق، والعفو عند المقدرةوالبدو يحفظون أنسابهم ويفاخرون بها.
التكتم: يعد التكتم من الأعراف الراسخة في البيئة البدوية، وكل ما تذكره الكتب والدراسات من أرقام عن أعداد البدو لا يعدو التخمين والتقدير، ويعود ذلك إلى سببين الأول هو أن طبيعة حياة البدو القائمة على التنقل والترحال تحول دون إجراء إحصاءات دقيقة، والثاني يعود إلى تكتم البدو نحو السلطات الرسمية، والهيئات الحكومية، وخوفهم من التجنيد الإجباري، والتكاليف الضريبية، والالتزامات نحو السلطات بشكل عام، إن هم أدلوا بمعلومات إحصائية دقيقة مضبوطةوقد ظهرت هذه الحقيقة جلية عند البدو، وانتشرت بينهم أيام الحكم العثماني للبلاد العربية.
والبدو كما هو معروف يتمثلون الأخلاق الكريمة كما أشرنا، إلا أنهم، في بعض الحالات وفي ظروف ما، لا يعتبرون السرقة عملاً لاأخلاقياً، بل ينظرون إليها على أنها عمل من أعمال الرجولة، ولعلها جاءت هكذا عندهم امتداداً للغزو، ومظهراً آخر من مظاهره، والحاجة والفاقة وضيق ذات اليد الناجمة عن جدب الأرض وقلة خيراتها، وشظف العيش في البادية الصحراوية، أو شبه الصحراوية، هو ما يدفع البدوي إلى السرقة، أو التهريب أو تجارة الممنوعات كي يحافظ على بقائه.
الثأروالثأر عادة قديمة متأصلة لدى البدو، منذ ما قبل الإسلام، وقد نهى الإسلام عن الثأر، إلا أن ذاك النهي لم يبطل تلك العادة، لأن البدو يسلكون وفق أعرافهم وتقاليدهم، ووفقاً لها يُعَدُّ عدم الأخذ بالثأر جبناً، والجبن صفة ذميمة جداً عند البدو، وقد يتدخل القضاء الرسمي في حوادث القتل التي تحدث بين البدو، ويصدر فيها أحكامه ؛ إلا أن كثيرين منهم، لا يقبلون بهذه الأحكام بل يظلون ينتظرون خروج الجاني من السجن للانتقام منه أخذاً بالثأر، وقد يعمدون إلى قتل قريب من أقربائه لذات الغاية.
الفراسة: عُرف البدو منذ القديم بالفراسة، والفراسة لغة هي سلامة الحدس وصدق النظر، فتجد البدوي ينظر إلى آخر، فيعرف قبيلته وعشيرته من أول نظرة.
* قصّ الأثر: واشتهر البدو بقص الأثر، ولهم في ذلك مهارة عجيبة لا يكاد يجاريهم فيها أحد، فيكشفون كثيراً من الحوادث الغامضة عن طريق قص الأثر، وتتبع آثار الأقدام، والعلامات الأرضية لمسافات طويلة.
القضاء: عرف العرب القضاء منذ عهد الشفاهية، فقد قامت بينهم مصالح مختلفة متنوعة، أدت إلى نشوء خلافات ومنازعات بينهم، فشدوا للعدل صرحاً، وأسسوا له قواعد ثابتة، سادت بينهم سيادة القوانين المكتوبة، على الرغم من أنها كانت شفاهية غير مكتوبةوقد تكونت تلك القواعد عبر ماض طويل، وجاءت خلاصة سلسلة متصلة من التجارب والخبرات، توارثوها جيلاً بعد جيل، فارتكزت على أسس قوية، ودعائم متينة استندت إلى مكارم الأخلاق في الدرجة الأولى، واغتنت وتعمقت بالحكمة والحنكة والخبرة الحياتية المتجددة باستمرار.
وظهر الإسلام بين العرب، ليكون الحدث الأجل والأخطر والأعظم أثراً في حياتهم، فأخذوا يطبقون أحكامه الدنيوية والأخروية، في خلافاتهم ونزاعاتهم من قتل أو سرقة أو اعتداء، وفي معاملاتهم من بيع وشراء، ووصية وإرث، وزواج وطلاق... إلخوبالتالي سادت بينهم قوانين مكتوبة دقيقة التزموا بها، وطوروها لتلبي حاجاتهم المتجددة، فكان الكتاب والسنة مصدري التشريع في المرحلة الأولى، وبعد وفاة النبيوتوقف نزول القرآن الكريم، مضت الحياة في سبيلها لا تتوقف، أوجدوا مصدراً جديداً هو القياس، ثم أضافوا مصدراً آخر هو الإجماع، لما تغيرت معالم الحياة المتجددة وأحداثها بحيث لم تعد تتطابق مع الأحداث التي جرت في حياة النبي#، ولما اتسعت رقعة الدولة اتساعاً جعل إجماع الفقهاء مستحيلاً، أضافوا المصدر الأهم وهو الاجتهاد.
لكن هذا كله ارتبط بالعرب المستقرين في الحضر، أما البدو المتنقلون فقد ظلوا، في الجملة، يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم، لاسيما أن الدين الجديد لم يتغلغل في نفوس بعضهم، فظلوا يرجعون إلى تلك الأعراف والتقاليد في حل خلافاتهم ومشكلاتهم، فبقيت الأعراف والتقاليد هي القانون السائد في البادية، وقد أخذت تلك الأعراف والتقاليد تتطور إلا أن تطورها كان بطيئاً جداً، واستمر هذا التطور حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. والمسؤولية الجماعية هي محور القضاء في المجتمع البدوي، ويهدف النظام القضائي عند البدو إلى معاقبة أولئك الذين يخرجون على الإرادة الجماعية، أو يجرحون مشاعر الجماعة ؛ والعقاب وسيلة لإعادة التوازن بين أفراد الجماعة.
 ويقوم القضاء عند البدو على العرف والعادة، فليس ثمة قوانين مكتوبة، ولا خطط مرسومة، يتولاه الشيوخ، وهؤلاء إما قضاة في الخلافات التي تنشأ داخل العشيرة، أو محكّمون في المسائل التي تحدث بين العشائر المجاورة، وهم يباشرون القضاء بأنفسهم، لكنهم قد ينيبون عنهم رجالاً منهم يحكّمون بما اكتسبوا من خبرة وتجربة، وبما سمعوا من أحكام أسلافهم في وقائع مماثلةوللمحاكمات أصول، وللقضاء درجات متعارف عليها، تكاد لا تختلف من قبيلة إلى أخرى، إلا في بعض تفاصيل قليلةوهناك أحكام جزائية خاصة بالقتل، والديّة، والزنى والسرقة والذم، وأحكام أخرى تتعلق بالشفعة والميراث.
الخصائص الثقافية للبدو
يُعْنَى بالثقافة العلوم والمعارف والفنون الأدبية والفنية والموسيقيةوثقافة البدو تتعلق بالمسائل الحيوية في حياة التنقل والترحال التي يعيشونها، فهي تدور حول مواشيهم وخيامهم، والملاهي والمناهل والأنواء وتغير الفصول، يضاف إلى ذلك ما يجري بينهم من أحداث يتناقلون أخبارها، وما يتوفر للبدو من معارف في الفراسة والقيافة والكهانة والعيافة، ومعرفة الأنواء، وقص الأثر، ومواقع النجوم وتحركاتها، ليس سوى خبرات حيوية تقتضيها ظروف المعيشة، وذلك أن البداوة وما يرافقها من تنقل وعدم استقرار لا يفسح مجالاً للعلم والثقافة للنشوء والتطور، ثم التقدم والارتقاءوقد كان هذا في عهود الشفاهية والكتابية القديمة، إلا أن الأمر أخذ يتغير إلى حد بعيد، في عهد المعلومات الإلكترونية.
وفيما يلي نتناول بعض مكونات الثقافة البدوية :
اللغةتفوق البدو في نقل المشاعر عند الاتصال وجهاً لوجه، واتخذوا أسماء وصفات متميزة في اللغة للتعبير عن لغة العيون، وأسماء الخيل، والسيف، والإبل، عبروا عن ذلك بشعر فصيح أو بدويوقد لخصت الحِكَم والأمثال والحكايات خبراتهم المتراكمة في أقوال مأثورة تنتقل شفاهياً من جيل إلى جيلوقد استخدمنا "الشفاهية البدائيةبدلاً من "الأميةالتي أطلقها شعب كتابي على فئة أو قوم شفاهيين، إلا أن الشفاهية البدائية أخذت تتحول اليوم إلى"الشفاهية الثانويةفي عصر التقنيات المتقدمة.
ويتكلم البدو المعاصرون اللغة العربية العاميّة، وهي أقرب اللهجات العامية العربية إلى اللغة العربية الفصحى، ويعود ذلك إلى عزلة البدو في بواديهم، وقلة اختلاطهم بغير العرب الطارئين على الوطن العربيوالبدو يخرجون الأصوات (الحروفمخرجاً صحيحاً دقيقاً، لكن بعضاً من هذه الأصوات قد تطرأ تغيرات على مخارجها من قبيلة إلى أخرى، فقد تحول الكاف شيناً، أو تقلب الضاد ظاءً، والغين قافاً، أو العكس، أما القاف فقد تجري عليها تحويلات كثيرة، فتخرج كافاً أو جيماً، عادية أو معطشة، وقد تلفظ الجيم ياءً، وهكذا تتنوع التحويرات التي تصيب الحروف، إلا أن المفردات والعبارات الاصطلاحية التي تدل على تنوع العواطف، والأسماء، والصفات المتعلقة بالخبرة المتميزة ما زالت من خصائص غنى اللغة العربيةوقد تدخل إلى اللغة العربية مفردات أجنبية تعرّب بما يناسب والنطق العربي.
القصص: تتناول القصص التي يتداولها البدو أبطالهم التقليديين، كقصة عنترة وعبلة، وأبي زيد الهلالي وعلياء، ومعظمها ضرب من الأساطير حاكها الخيال حول أولئك الأبطالوهناك قصص تجري على ألسنة الحيوانات تتضمن مواعظ متنوعة، وحكماً مختلفة، كما يتداولون حكايات وروايات وافية تتعلق بالأنواء، والأدوار، تفتقر إلى الإثبات العلمي، وهناك قصص لتنظيم السلوك والعادات في البيئة الصحراوية.
الأمثال: الأمثال ضرب من الكلام الوجيز البليغ، يتضمن حكمة، أو خبرة، أو تجربة، يتناقله الناس، وتستخدم القياس والمماثلة على أحوال سابقةوتسود بين البدو المعاصرين آلاف من الأمثال، يستشهدون بها في الظروف المناسبة، بينها وبين كثير من أمثال العرب تشابه في اللفظ والمعنى، أو تشابه في المعنى دون اللفظ أحياناًوالأمثال لدى البدو تعكس كثيراً من صفاتهم وخصائص حياتهم ؛ وتصور جوانب البيئة التي يعيشون فيها، وبعضها يتضمن عظات، أو حكماً، ومنها ما يلخص فلسفة البدو في الحياة القائمة على الاهتمام في الحاضر، وعدم الالتفات إلى الماضي، أو التطلع إلى المستقبل، ويصاغ المثل في إيقاع متوازن لفظاً، يستند على السجع في كثير من الأحيان، وذلك كي يسهل حفظه، ويتناسب مع الثقافة الشفاهية.
الشعر: الشعر ديوان العرب، يلخص تجاربهم، لذلك قد يدرَّب البدوي على حفظ الشعر، والقياس على أوزانه لمعالجة قضايا راهنة، وفي ذلك قدر من الإبداع في الحفظويستخدم البدو فنون البلاغة في شعرهم، لاسيما التشابيه والاستعارات والكناياتويستخدم الشعر لديهم ليلخص حياة البادية، وبما أنه يعتمد على الحفظ الشفاهي، لذلك كان لابد من نظمه على إيقاع شعر منظوم، أو شعر بدوي، أو زجل إبداعي عند سكان الجبال، يطورون ألفاظه مع المحافظة على الإيقاع، وقد يترافق مع آلات موسيقية، ويغنى ليروي ما يقع بين القبائل بين حروب وخصومات تدعو إلى الفخر، ويستخدم أيضاً للمدح، والهجاء، والرثاء، والتعبير عن انفعالات تلخص اللذة، والألم، والشكوى، والحب.ويعبرون عن الحب بألفاظ عديدة تختلف باختلاف شدة الحب، ونوعه، وتميزه، مما يدل على خبرات انفعالية متميزة.
وقلة قليلة من البدو ينظمون الشعر الموزون بداهة، إلا أن كثيرين منهم يقرضون نوعاً من النظم دون الشعر الصحيح، يسمى "شعراً نبطياًفي المشرق العربي، و"شعراً ملحوناًفي بلدان المغرب العربي، ويقوم مقام الشعر الصحيح في أداء المعنى وإفادة السامع وفيه كثير من التورية والكناية والمجاز، لكنه لا يتقيد بضوابط الصرف والنحو والمعاني والبيانوللقصيدة البدوية بنيتها الخاصة، وأوزانها وقافيتها، التي قد تتفق مع الشعر الفصيح، وأوزان الخليل، وقد تختلف عن أوزان العروض المعروفة.
ولعل ما للشعر من دور في بيئة الشفاهية والحياة العامة من أهم عوامل حفظ الشعر في البادية وروايته، فالشاعر البدوي، كان ولا يزال، لسان حال قبيلته ؛ في المنازعات والخصومات، في المناظرات والمنافرات، فلا عجب إذن أن يحتل الشاعر مكاناً مرموقاً في قبيلته ؛ ذلك أن الشعراء في البادية يقومون بدور وسائل الإعلام والدعاوة في قبائلهم في مجال الاتصال الشفاهي، ولهذا يعد الشعر ديوانهم الذي يتضمن جميع أنشطة حياتهم ويعبر عنها.
يعيش المترحلون من بدو وصيادين في الغالب ثقافة الشفاهية البدائية التي تختلف عن الثقافة الكتابية والإلكترونية كما شرحها (أونغ، 1994)، فتفكيرهم يقوم على العطف بين الجمل بواو العطف، وعلى التجميع بدلاً من التحليل من أجل تقوية الذاكرة وعلى الارتجال والإطناب في التعبير لإقناع جماهير المستمعين.
ويقوم الحفظ على الإعادة والتكراروتنزع ثقافتهم إلى المخاصمة في القصص والعنف الجسدي يقابلها المدح المفرط والمشاركة الوجدانية، وحفظ سلاسل النسب.
والمفاهيم الحسية أقل تجريداً من المفاهيم الحسية لدى الكتابيين، ويلجأون إلى التسميع الفوري للحفظ، أو تحويل الكلام إلى شعر وغناء وإنشاد يرافق بحركات اليد والجسدلضبط الإيقاع والحفظ الصحيح والاحتفاظ بها.
الخصائص التربوية للبدو:
يتأثر المترحلون الشفاهيون البدائيون بخصائصهم الثقافية وبخاصة اعتمادهم على آلية الحفظ في اللغة والقصص والأمثال والشعر، وينعكس ذلك على التربية التي تحافظ على التراث الثقافي، وتنقله إلى الأجيال التالية، عن طريق الأسرة والعشيرة، والكتاتيب والمدارس القرآنية، والزوايا والمرابط، وما شابه ذلك من مؤسسات تتحول تدريجياً إلى مدارس نظامية في التعليم الأساسي يقوم عليها معلم وحيد يعلم عدة صفوف في الوقت نفسه، أو معلم صف واحد، ينتقل معهم في مواسم الانتقال، أو يتعلمون تعلماً عرضياً مستمراً في أنظمة تعليم متكاملة.
ويركز التعليم والتقويم على آلية الحفظ والاحتفاظ المناسب للكلمة المنقولة شفاهياً وسماعياً، ويسهل الإيقاع في اللفظ والحركات عمليات حفظ المعلومات والاحتفاظ بها، ونقلها بالتربية والتعليم إلى الأجيال التاليةوقد تجري الكتابة على ألواح خشبية بأحبار يسهل محوها بعد الانتهاء من الكتابة، ثم استخدام الورق والقلم بأنواعها المختلفة في التعليم والاتصال، إلا أن التعليم بأقل قدر من الورق بدأ ينتشر في أواخر القرن العشرين عن طريق الأجهزة الإلكترونية.
ويجري التدريب على المهارات الحركية، كالسباحة وركوب الخيل، والصيد بالوسائل المتوفرةوقد مكنهم دخول السيارة إلى حياتهم من التدرب الذاتي على القيادة في الصحراء، وتحسين مهاراتهم من خلال التعامل مع السيارة الحديثة، وتشغيلها، وصيانتها، وتوظيفها لأغراض الصيد والقنص، ونقل الحيواناتوتقتصر الصناعة على المنتجات الحيوانية كصناعة الألبان والأجبان، واستخلاص الزبدة والسمن، والاستفادة من صوف الأغنام ووبر الإبل وشعر الماعز في صنع الملابس والفراش والأغطية والخياموقد وظفت الحكومات المعنية البدو في أعمال الحراسة، والأمن، والشرطة، وتتبع الأثر، وقد يتبعون آثار الإنسان والحيوان والنبات ـ فطر الكمأة مثلاً ـ مما يفيدهم في الغذاء والتجارة.
ولما كان عصر المعلومات الراهن يتميز بسرعة التغير في المعلومات والتقنيات والمهن، فقد صارت تربية البدو العرضية تتسم بالتعلم الذاتي عن بعد، عن طريق أجهزة الهاتف وخاصة (الخلوي ــ النقال)، والراديو والمسجلة، والتلفزيون، والفيديو، ولذلك لابد من تعديل الأنظمة والمناهج التربوية لتلائم هذا التغير السريع في المعلومات والتقنيات، والعمل على توفير معلومات تناسب ثقافاتهم وحاجاتهم وظروف معيشتهموقد استفاد أغنياء البدو من التقنيات الحديثة، أما المحافظون منهم، فقد قاوموها لأسباب تراثية، إلا أنهم عادوا بعد ذلك عن مقاومتهم تلك، وتدربوا عليها للاستفادة منها لأنها أصبحت مظهراً من مظاهر الجاه والنفوذ، ووسيلة من وسائل الرفاهية في الحاضر والمستقبل.
إذا كانت الشفاهية (الأميةتتفشى بين البدو، والجهل يضرب أطنابه بينهم، فذلك لأنهم بسبب من نمط حياتهم، لا يرون في التعليم أداة للتغير الاجتماعي، ولذا فهم لا يبالون به، إلا بالقدر الذي يعود عليهم بمردود اقتصادي، ذلك أن الأسرة البدوية تشكل وحدة إنتاج متكاملة ؛ فالرجل يعمل، والمرأة تشاركه العمل، والأولاد يساعدون في العمل، والبنات يرعين الصغار، ويساعدن في أعمال البيت ؛ بحيث يصبح الاستغناء عن أي يد عاملة في الأسرة، لأي سبب من الأسباب، مدعاة للإخلال باقتصاد الأسرة
إلا  أن السلطة في نظر البدو شيء مهمّ جداً، وقيمة أساس، ولقد رأوا أن أساس هذه السلطة هو التعليم الذي يمكنهم أن يصبحوا أطباء، أو إداريين، أو قضاة، أو ضباطاً في الشرطة أو الجيش، أو نواباً في البرلمان، فلماذا لا يرسلون أبناءهم مثل أبناء المستقرين
وهكذا نجد حافز السلطة من أول الحوافر نحو التعليم، كما نجد حافزاً آخر لا يقل أهمية هو الدين، كما في المغرب العربي
  • لمحة تاريخية عن تعليم البدو:
أول مدرسة أنشئت لتعليم البدو، هي مدرسة العشائر، التي أنشئت في عهد السلطان العثماني عبد الحميد في (إستانبول). وكانت تلك المدرسة تستقبل أبناء العشائر، فتعمل على تربيتهم تربية عصرية، ليعملوا بعد ذلك على خدمة السلطة العثمانية، هم وعشائرهم
أما الحافز الديني، فنجده متمثلاً في (الزواياالمنتشرة بكثرة في المغرب العربيوالزاوية هي بناء مكون من مسجد ملحق به ضريح مؤسس الزاوية، وأبنية أخرى لإقامة شيخ الزاوية ومساعديه من العرفاء وطلبة العلموتسمى الزاوية باسم مؤسسيها مثل زاوية سيدي ...
هذه الزوايا منتشرة أساساً في المناطق الصحراوية والجبلية العالية النائية، ابتداء من الصحراء الليبية حتى موريتانياوالنظام في هذه الزوايا داخلي، والتعليم فيها مجاني، لأن نفقاتها تأتي من تبرعات الناس، ومن الأوقاف الملحقة بها، وهذا ما ساعد على استقطابها كثيراً من أبناء البدو، والأفارقة من جنوب الصحراء
أما نظام التعليم فيها ؛ فهو تقليدي يقوم على التلقين والحفظ، والشيخ يعتمد على الكتب والمخطوطات التي تتوفر في الزاوية، والعرفاء يساعدونهوأداة التعليم لدى الطلاب هي "اللوحة"، وهي عبارة عن لوح رقيق من الخشب يكتب الطالب ما يرغب في تعلمه عليه بالصمغ القابل للغسل، فإذا ما حفظ ما كتب على اللوحة غسلها، وعاد ليكتب شيئاً جديداً... وهكذا
وكانت الزوايا تعلم الطلاب القرآن، والحديث والتفسير والفقه، إضافة إلى علوم اللغة من نحو وصرف، فإذا أنهى الطالب دراسته فيها، عاد إلى قبيلته، ليدرّس أطفالها ما تعلمه، ويؤم مصليها، ويفقه الناس في أمور دينهم على قدر استطاعته
وقد ينتقل بعض المبرزين من طلاب الزوايا إلى الحواضر لإكمال تعليمهم، ثم إلى جامع الزيتونة في تونس، أو جامع القرويين في المغرب، وقد يصل بعضهم إلى الأزهر الشريف في القاهرة
 وقد كانت تلك الزوايا، على ما في نظامها من ضعف، مراكز إشعاع للثقافة العربية الإسلامية في المغرب العربي، وأفريقيا الإسلاميةوقد مارس شيوخها دوراً عظيماً في نشر الإسلام واللغة العربية جنوبي الصحراء ؛ يضاف إلى هذا كله أنها كانت وسيلة ملائمة جداً، لتعليم البدو وتثقيفهم، وإبقائهم على صلة وثيقة بدينهم ولغتهم، وما زالت بعض تلك الزوايا تقوم بدورها حتى اليومولعل السلطات الجزائرية قد استوحت من الزوايا ما عرف بـ "المدارس الرعوية"ضمن نطاق "الثورة الزراعيةالتي أشرنا إليها آنفاً من تجربة "الزوايا". وقد كانت المدارس الرعوية مدارس ابتدائية وإعدادية تتبع النظام الداخلي، وخصصت في حينها لأبناء البدو الرحل، إلا أن مصيرها ارتبط بمصير الثورة الزراعية، فلم تصل إلى الهدف المرسوم
تطور تعليم البدو: نالت البلدان العربية استقلالها وراحت تسعى إلى تطوير حياة شعوبها وتقدمها ؛ فأدركت أهمية نشر التعليم في البوادي، فعملت على فتح مدارس لتعليم أبناء العشائر، وكانت تلك المدارس أحد نوعين:
المدارس المستقرة: وافتتحت هذه المدارس في الحواضر القريبة من البادية التي يؤمها أبناء البادية، ومنها مدارس العشائر في سورية، حيث أنشئت خمس مدارس لأبناء العشائر في سورية، في الحسكة، والرقة، والمعرة، وتدمر، والضميروقد أُنشئت بعض هذه المدارس لتلبي حاجة عملية، كما حدث في الأردن مثلاً، إذ بدأ أول تعليم للبدو بعد إنشاء قوة البادية في الجيش العربي الأردني، وإنشاء المخافر في البادية، عام 1931، ولما كان لابد من وجود من يعرفون القراءة والكتابة، فقد كلفت قيادة الجيش بعض المعلمين بالإشراف على تعليم جنود المخافر القراءة والكتابة، وكانت تلك المدارس تعلم الجنود محو الأمية، كما تعلم أبناء البادية الموجودين في تلك المناطق
أما الضرب الثاني، فهو المدارس السيارة، وهي مدارس ترافق البدو في حلهم وترحالهم، وهي مدارس ذات معلم وحيد غالباً، وهي عبارة عن بيت من الشعر، يتلقى فيها أبناء العشائر شيئاً من المعارف الأساس في القراءة والكتابة والحساب، وكانت تلك المدارس مدارس موسمية ؛ فما إن يحل الربيع حتى يسارع الأهل إلى سحب أبنائهم من المدرسة كي يسرحوا بقطعان الماشية حتى الخريف التالي، فتعود الحياة إلى المدرسة، وهكذا كل عام
إن تعليم المترحلين متنوع وفقاً لمدى ترحلهم واستقرارهم وضغوط البيئة الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية، ومدى جاذبية حوافز التعليم من بناء ومدارس ومستوصفات للبشر وخدمات البيطرة
وتراوحت نظم تعلم الأطفال بالمدارس بين النظم التقليدية جداً، والمدارس النظامية التابعة لوزارة التربية والتعليم إلى التعلم المستمر بالتقنيات والتعليم عن بعد، الذي يشمل الكبار غالباً، ونادراً ما يتم في مدارس الصغار
أثر التقنيات الحديثة في ثقافة البدو وتربيتهم
تميز النصف الثاني من القرن العشرين بسرعة التغير في المعلومات والتقنيات، فترك ذلك أثراً بالغاً على الحياة الاقتصادية في العالم، وقد تأثر المجتمع البدوي بهذا التغير، لكن حياة البدو تأثرت بأسباب سياسية وأخرى طبيعية، إضافة إلى الأسباب التقنية، وفيما يلي نعرض هذه العوامل بإيجاز :
الأسباب السياسية: أقيمت حدود سياسية حديثة بين بعض الدول، وظل البدو يجتازونها بحثاً عن الماء والكلأ، وفقاً لقيود القبيلة، وتوزع أفرادها بين الدول المتجاورةولكن الدول أخذت تحد من تنقل البدو عبر الحدود السياسية الحديثة، وبدأت تمنعهم من تجاوز تلك الحدود بدواعي السيادة الوطنية، أو الأمن أو منع التهريب بين الدول، ولهذا انحصرت القبائل في نطاق دولة معينة، فتفرقت القبائل في المشرق العربي، مثلاً، بين سورية والعراق والأردن والسعوديةأما في المغرب، فقد كانت قبائل الطوارق تنتقل عبر الصحراء الإفريقية في اتجاهات مختلفة، إذ كانوا ينتقلون من ليبيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً، ومن الهوقار إلى النيجر ومالي جنوباً، وقد ظلوا كذلك بعد الاحتلال الفرنسي، لأن المناطق المشار إليها كانت كلها تحت الاحتلال الفرنسيأما بعد الاستقلال ؛ فقد وجد الطوارق أنفسهم موزعين بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالي، وبعد أن كانوا أحراراً (أسياد الصحراء؛ أصبح عليهم الخضوع لسلطات تلك الدول، فضعفت سيطرتهم على الصحراءوأُنشئت (إسرائيلعلى أساس عنصري، فقامت بتهجير البدو في صحراء النقب، واقتلاعهم من أرضهم التي عاشوا عليها آلاف السنين، تحت ذرائع ودواعي مختلفة، أمنية واستراتيجية حيناً، وحيناً بحجة تحضيرهم وتهيئتهم للقرن الحادي والعشرين، ليحل محلهم اليهود المهاجرون من دول أخرى، كما هاجر معظم بدو شمال فلسطين هجرة قسرية إلى الأردن وسورية ولبنان بعد عام 1948
الأسباب الطبيعية: مرت على منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى، من السودان شرقاً إلى موريتانيا غرباً، سنوات عجاف في الثمانينيات، ساد فيها جفاف متوال، عاماً بعد عام، فأتى على الزرع والضرع، وقد أهلك ذاك الجفاف مواشي كثيرة يعتمد عليها بدو تلك المناطق، بل تجاوز ذلك إلى إهلاك البشر نتيجة المجاعة والعطشوكان لذلك أثره السلبي في موريتانيا خاصة، إذ تفككت البنية الرعوية فيها، وأخذ كثير من البدو الرحل يتركون مناطقهم متجهين جنوباً إلى ضفاف نهر السنغال، حيث الزراعة والمياه، واصطدموا بالمزارعين في تلك المنطقة ؛ فنشأ عن ذلك توتر كبير بين الفئتين شمل موريتانيا كلهاوقد اتجه قسم آخر من البدو إلى الحواضر، وضربوا خيامهم حول بعض المدن أو بنوا بيوتاً مؤقتة من الصفيح والخشب، وسعف النخيل، مشكلين فيها طبقة هامشية فقيرة يطبعها سوء التلاؤم مع الأوضاع الجديدة
التقدم التقني: دخلت الحياة الحديثة بما تتضمنه من وسائل تقنية إلى حياة البدو عبر مسارب عدة، حيث إن الدول، لاسيما النَّفطية منها ـ شجعت البدو على هجر حياة التنقل والترحال عن طريق توفير وسائل الاستقرار المادية، إذ فتحت لهم مجالات واسعة للتعليم، وبالتالي وجد كثيرون منهم، من متعلمين وأشباه متعلمين، فرصاً واسعة لدخول مجزية عن طريق الانخراط في الوظائف الحكومية، وفي سلكي الجيش والشرطة، وقد تخلى كثيرون منهم عن تربية المواشي والإبل، إلا إذا كان ذلك على سبيل الهواية، فقد استخدموا السيارات والشاحنات بدل الإبل، ومهروا في قيادتها
ودخلت وسائل الاتصال الحديثة حياتهم، فاستخدموا الإذاعة والمسجلة، والفيديو والتلفزيون، والهاتف العادي والخلوي (النقال)، كما استخدموا السيارات المخصصة للمناطق الوعرة (لاندروفرليجوبوا بها الصحاري والبوادي، واستفاد المتعلمون من البدو من التقنيات التي توفرها لهم الدولة، والجامعات للتعلم المفتوح، من تقنيات سريعة التغير في المعلومات والأجهزة والبرامج، إلا أن القيم السائدة لدى البدو بقيت بطيئة التغير، بخاصة لدى الفقراء منهم، إذ ما زال هؤلاء هامشيين يعانون من شظف العيش، والفقر، والمرض، في الصحاري المشرقية والمغربية، كما بقيت سائدة ومسيطرة العادات الاجتماعية المتعلقة بالأسرة، والإنجاب، والمرأة، فالمسؤولية الجماعية للأسرة والعشيرة، أو القبيلة، وما يرافقها من عادات، كعادة الثأر، قد تؤدي إلى انتقال الأسرة أو العشيرة كلها إلى مسافات بعيدة تجنباً للثأر بسبب شيوع المسؤولية الجماعيةلكن تلك العادات أخذت تتراجع إلى حد كبير بتأثيرات التقدم التقني، وأخذت تحل محلها عادات جديدة، نتيجة استخدام التقنيات والآلات، وانتظام أعداد متزايدة من البدو في أطر منتظمة في نطاق الوظائف الحكومية، وسلك الشركات الخاصة والقوات المسلحة، وتزايد نسبة المستقرين منهم، إلا أن البدوي الذي أصبح يستخدم السيارة، والمذياع، والتلفاز، والهاتف، ظل يتعامل بحكم الموروث، مع الجمل والربابة، والشعر (النبطي)، ولا يزال الصراع لديه قائماً بين قيمه، وعاداته، وتقاليده، وتراثه، وماضيه، واعتزازه بذلك كله، وبين القيم الحديثة التي برزت نتيجة دخول المجتمعات البدوية عصر التقنيات الإلكترونيةوإذا كان من السهل التعامل مع الوسائل المادية التي جلبتها الحضارة الحديثة، واستعمالها ؛ فمن الصعوبة بمكان تبني ما يرافق هذه الوسائل من قيم وثقافة غريبة وطارئة على العقلية البدوية النمطيةولهذا يمكن الاستفادة من الأصالة والحداثة في ميدان تعليم البدو تمهيداً لنقلهم إلى مجتمع القرن الحادي والعشرينوفي الوقت ذاته يجب التأكيد على بناء استراتيجية لتعليمهم على أساس من قيمهم وعاداتهم السائدة، لأنها أصيلة لديهم، كما يجب عدم التصدي لتلك القيم والعادات مباشرة، لتغييرها، لابد أن يكون ذلك عبر تقدم تدريجي، بحيث لا يقتصر التعليم العرضي على المعلومات والمهارات، بل يتناول تدريجياً القيم والعادات، لأن تطور المعلومات والتقنيات يتسم بالسرعة الفائقة، بينما يتسم تطور القيم والعادات بالبطء الزائد، وهذه معادلة يصعب حلها في وقت قصير.

ثانياالعلاقة بين السكان
هناك نوعان من العلاقة بين الناس بحسب كونهم بدوا أو حضرًاالنوع الأول هو العلاقة التعاونية بينهم، فقد يؤجر البدوي خدماته إلى الزراع أو إلى تجار اللؤلؤ أو إلى صيادي السمكومما ييسر له القيام بتلك الأعمال امتلاك بعض رؤساء القبائل البدوية الموسرين لبساتين النخيل في القرى الزراعية والمراكب صيد اللؤلؤ أو صيد الأسماك في المدن الساحلية، وفي العادة فإن أمثال هؤلاء الملاك يستفيدون من خدمات أفراد عشائرهم. وقد يبيع على سكان القرى الأحطاب التي يجمعها من الصحراء، والواقع أن جمع الحطب من الحرف الهامة بالنسبة للبدو والفقراءكما أن هناك تعاونا يتمثل في نقل البضائع التجارية عبر الطرف الجنوبي الشرقي من الجزيرة العربيةإضافة إلى النقل الداخلي بين الخليج العربي والتي لم تقتصر على البائع والمنتجات والاحتياجات المعيشية الاستهلاكيةبل شملت نقل العائلات والأفراد وخاصة من المدن الساحلية في فصول الصيف من كل عام للاصطياف بين القرى والواحات الزراعية.
وفي العلاقة التعاونية هذه هناك نوع من المقايضة بين البدوي والحضري، تتمثل في حاجة كل منهما إلى منتجات الآخرفالبدو في حاجة إلى التمور والحبوب وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى وسكان القرى في حاجة إلى الحيوانات الحية ومنتجاته من الأصواف والجلودولهذا فإن البدوي مثلا يهب صديقه الحضري ماعزا أو نعجة في فصل الشتاء لكي يستخدمها الحضري في شرب اللبن؛ وفي المقابل فإن البدوي يحضر في فصل الصيف لأخذ نصيبه من تمر النخيل الذي يهبه إياه الحضري.
يذكر الباحث "شاكر خصباكعلى أن العلاقات بين الرحل والحضر ضمن دول الخليج العربي هي علاقات سلمية أساسها المصالح المشتركةفملاك الأراضي الزراعية الذين يقيمون في القرى في حاجة إلى أيدي عاملة لاقتطاف ثمر البلح في أوان نضجه وقت الصيف وهم يجدون في الأيدي العاملة البدوية خير معينوبالفعل فإن عدد من أفراد القبائل البدوية يهجرون وقت الصيف حياة الترحل ويتجهون إلى القرى الزراعية للعمل في جني التمركذلك فإن تجاز اللؤلؤ في المدن في حاجلة إلى عمال لصيد اللؤلؤ ومن الممكن أن يتولى ذلك أفراد القبائل البدوية لا سيما وأن فصل صيد اللؤلؤ هو فصل الصيف.
وهناك علاقة أخرى بين الطرفين تقوم على التنافس والصراع. وهي علاقة ندّية تتمثل في احتقار الحضري للبدوي ورميه بصفات سلبية كالجهل والقذارة والسلب والنهب، وفي الوقت نفسه البدوي يحتقر الحضري ويرميه بصفات أنثوية من مثل النعومة والرقة والضعفولعل الموقف السياسي الذي صرح به وزير داخلية العراق السيد "بيان جبر صولاغ" في حكومة الجعفري في أبريل 2005 خير دليل على هذا الصراع، فقد علق وزير الداخلية العراقي على تعليق سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي حول تدخل إيران في العراق قائلا: «هناك بلد بأكملها سميت باسم عائلةلا نقبل أن يعلمنا بدوي يركب الجمل الديموقراطية وحقوق الإنسان». وقد كان هذا البيان الرسمي السياسي يرتكز على عقدة العلاقة بين البدوي (السعوديوالحضري (العراقي). وهي علاقة متأصلة في الوجدان تخمد أحيانًا وتبرز عند أول احتكاك بين الطرفين.
ويمكن التمثيل لهذه العلاقة التنافسية من خلال عدة معطيات منها: الشعر الشعبي، والأمثال الشعبية، وبعض القصص القصيرة، وكتابات الرحالة العرب عن البدو.
هناك شعر شعبي يميز بين البدوي والحضري ويوضح صعوبة اجتماعهما، فيقول الأمير عبدالله بن رشيد حاكم منطقة حائل وهي آخر قلعة سقطت في يد الملك عبدالعزيز:
الحضري لا يستقر إلا في المدينة والبدوي لا يرتاح إلا في الصحراء
ثم إن البدوي لا يكفيه السكن في المدينة لكي يكون حضريًا
وقد كرهت هند بنت عتبة (زوجة الخليفة الأموي معاوية بن سفيانحياة الحاضرة وتبرمت منها، وأنشدت قصيدتها المشهورة التي تقول فيها:
إن بيتًا تخفق الرياح فيه       أحب إليّ من قصر منيف
وإن لبس عباءة وعيني قريرة         أحب إلي من لبس الملابس الشفافة
وأكل كسيرة من كسر بيتي      أحب إليّ من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل مكان      أحب إليّ من نقر الدفوف
وكلب يطرد الناس من دوني        أحب إليّ من قط أليف 
ورجل أبله من بني عمي نحيف     أحب إليّ من رجل ناعم سمين
خشونة عيشتي في البدو أشهى     إلى نفسي من العيش الظريف
فما أبغي سوى وطني بديلا         فحسبي ذاك من وطن شريف
وقد حصلت على الطلاق من معاوية بعد سماعه هذه القصيدة التي تلخص معاناة البدوي حينما يعيش حياة لم يتعود عليهاوهناك من يبرز صفات البدوي السلبية، كقول الشاعر بديوي الوقداني العتيبي الذي عاش في عصر حكمالأشراف توفي عام 1296هـ بالطائفيوجه قصيدته إلى الملك عبدالعزيز محذرًا إياه من البدو مع العلم بأنه هو نفسه بدوي، يقول:
«عبدالعزيز أيها الليث المفترس الذي يعيش في الغابة
ياهذا، ما الذي جعك تتورط مع هؤلاء البدو
إن البدو منذ عهد النبي وعصر الصحابة
لم يقل أحد بأن شخصيتهم تتطابق مع شخصيتك
ما أخبلك يامن تريد من البدو ثوابًا
لأن البدو إن رأت معك شيئًا مفيدًا فسوف تنهبك
اترك البدو، لعل الله أن يقضي عليهم
لأن مذهبهم الأخلاقي مختلف عن مذهبك
إياك أن تكون في الطرف فسوف يأخذونك غنيمة
وأحذرك أن تصاحبهم فسوف يفرّغون متاعك كله
هؤلاء، إن قدموا على مائدة الطعام فإنهم مثل الذئاب
تكاد مخالب أيديهم تزيح مخلبك وتقصيه
اعلم أن الديك يؤذن حتى لو كانت عليه الجنابة (الجماع)
واعلم أن الكلب لا يؤتمن حتى لو كان هو صاحبك
الرجل البدوي لديه من النفاق مستوى عالي
ولو تستمع إليه في بعض الأحيان جعل شعرك الأسود شائبًا (من هول المبالغة في النفاق)
ليس لدى هؤلاء البدو أخلاق كريمة وليس لأحد هيبة عندهم
وإن أردت أن تتكلم في حضرتهم، يأتي أحقرهم بكل بساطةفيكذّب كلامك ويحرجك».
والحقيقة أن هذه القصيدة تلخص سلوك البدو، ويمكن أن نقرأها على أنها ذم لهم إذا انطلقنا من رؤية سلوك الحضر أو السلوك المدني للناس، فالقصيدة تبين جشع البدوي وأنانيته وحبه لذاته، وكونه رجل حسي يكاد يكون متوحشا في سلوكه ونهمه على الحياة الماديةوتصفه بالخيانة وسوء الأخلاق في تعامله مع غيرهولكن في الوقت نفسه يمكن قراءة هذه القصيدة على أنها مدح للبدوي إذا انطلقنا من معايير البدوي نفسه الأخلاقية، فهناك عدد من البدو يفتخرون بالسرقة ويرونها مهارة فائقة تدل على الذكاء والاحتراف، ويمدحون العنف واغتصاب الأشياء بالقوة لأنها تبرز شخصية الرجل العنيف الذي يأخذ الدنيا بالقوة والغلبةويحفل الشعر العربي بقصائد تمجد العنف وقهر الآخرين، منها قول عمرو بن كلثومونشرب إن وردنا الماء صفوًا      ويشرب غيرنا كدرًا وطينا
وقول المتنبيوما نيل المطالب بالتمنّى   ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ولاتزال هذه العقلية المؤمنة بالعنف تسيطر على أذهان بعض الناس، ولهذا فمن الطبيعي أن تجد صورًا لهذا العنف عندهموهي صورة قد تبرز بشكل مباشر في المضاربات والقتل والسلب والاغتصاب، وقد تبرز بشكل غير مباشر كما في قيادة السيارة بشكل جنوني أو الرقص والغناء الصاخب أو إقامة الحفلات الصاخبة والتبذير في الأموالوقد تتخذ أشكالا سلوكية مرتبطة بالاعتقاد؛ ومن يلاحظ التعامل مع الناس بحسب انتمائهم يدرك أن هذا السلوك له علاقة بتصورات ذهنية عن القوة والضعففمثلا هناك احتقار للعمالة الأجنبية الوافدة من شرق آسيا عند كثير من الأسر الخليجية؛ وفي الوقت نفسه هناك تبجيل مبالغ فيه للخواجة الغربي القادم من أمريكا وأوروبا، يرافقه اعتقاد بأن لدى هذا الخواجة قوى خارقة تختلف عن البشر العاديين.
ومن الأمثال الشعبية التي تؤكد الصراع بين البدوي والحضري قولهم «بدو يارسول الله»، وهو تعبير يستخدم للإشارة بأن البدوي مجبول على الجهل وأنه لايمكن تغييره، ومن غير المستغرب أن يصدر منه أي سلوك غير مستقيم وفق منظور الحضريومثل آخر يقول: «قيل للبدويخذ خير قال لا تأخذه جيبي، فقيل لهخذ شر، فقالهاته وضعه في حقيبتي»؛ وكأنه المثل هذا يصور البدوي على أنه باحث عن الشر ومحب لهوهناك أمثال أخرى ضد الحضر من مثل: «الحضري ليس كلبًا وليس سلوقيًا (كلب صيد)»، وكأنه يشير إلى أن الحضري يقع في منزلة بين منزلتين، وبناء على ذلك فإن المثل يرى أن الحضري ليس رجلا شديدا وليس امرأة ناعمة ولكنه بينهما.
ومن القصص القصيرة التي تبين الصراع بين البدوي والحضري بشكل صريح ما ورد في قصص إبراهيم الناصر الحميدان (من السعودية) مثل "السيكلو"القرية". وقصص حسين علي حسين (السعودية) مثل "بئر الماء"، ومجموعة عاشق الهذّال القصية "دلاّل الحمير".
وهناك كتاب يبرزون هذا الصراع بشكل رمزي، مثل قصة (متاهةللعباس معافا، فالمتأمل للقصة يدرك أن الرموز الموجودة في القصة عديدةوالقصة تقوم على شخصية راعي غنم يكتشف فقدان عنزته العرجاء بعد أن عاد إلى بيته، فيخرج للبحث عنها في الصحراء ولا يستطيع أن يجدها، ولكنه بمساعدة شخص من خارج بيئته، يستطيع أن يصل إليها، ويجد الكلاب محيطة بها مستعدة للانقضاض عليها، فينقذها بمساعدة ضوء ذلك الشخص. وهنا إشارة إلى رعي الغنم وارتباطها بالبدوي الذي يبحث في الصحراء، حتى يأتيه شخص حضري فيرشده إليهاوكأن القصة تريد الإشارة إلى تكامل دور البدوي والحضري أو إلى دخول الحضري حياة البادية.
وفي قصة (معركة صغيرة جدالمصلح جميل، يمكن أن نفهم جانباً من جوانب العرج الذي وجد بالعنزة في القصة السابقة، وهذا الجانب يرتبط بعدم معرفة الآخر ومعرفة نواياه نحونا بشكل إجماليوالقصة تصور بدويا عربيا سافر إلى لندن، وهو قادم إليها بعجز في اللغةويتفق البدوي العربي مع شخص آخر لندني على لعب مباراة في الشطرنج، ويختلف توجه كل واحد منهما باختلاف تكوينه ووعيه الثقافي والديني، فالعربي يعتبرها مباراة للتسلية، واللندنييعتبرها انطلاقا من وعيه البرجماتي مرتبطة بالربح والخسارة، ويبرز للعربي لافتة توضح ذلك، ولكنه لعجزه اللغوي لم يفهم ذلك، ويكون مطلوبا منه أن يدفع المبلغ المتفق عليهوالصراع في الشطرنج يشير إلى الصراع بين الجانبين، وإلى وعيين مختلفين، وعي تهويمي منفتح على الآخر دون حساب الربح والخسارة، ووعي برجماتي ينطلق من زاوية المصلحة.
وفي قصة (رسالةلعبدالرحمن الدرعان نجد أنها قصة بسيطة بنائيا وتركيبيا، ولكنها من الناحية الدلالية تأخذ مدى واسعا، وخاصة إذا ارتبط ذلك بالرمز. فالقصة تحكي عن امرأة بدوية تحمل كفنها وتسير في طرقات المدينة، وتنتمي إلى أفق ثقافي مملوء -من وجهة نظرهابالخير والوفاء، وكانت تعتقد أن الناس منفتحين على بعضهم حتى أنها تعتبر كل بيوت البلدة بيوتها، وكان يمكن أن تنام في أي بيت، ولكنها تكتشف وجود الأقفال على أبواب البيوتفتتهشم تلك الصورة الزاهية في مخيلتها عن المدينة وسكانها الحضر؛ فتأنف من كل حضري وتعود قافلة إلى الصحراءوكأن البادية تمثل بالنسبة لها الأمان والفطرة والتعاون، وترمز حياة المدينة وسكانها إلى فراغ الحياة المعتمدة على المادة الحسية دون الجوهر الروحي.
وهناك حكايات شفهية، نشرت في موقع شمس الكويتي، سأعرض قصتين مختلفتين تبرزان طبيعة الصراع بين البدوي والحضري:
«كان البدوي ممن يسكنون أطراف مدينة الكويت، إذا وجد أن أهله في حاجة إلى بعض المال يذهب مباشرة إلى بعض طرق القوافل، فيجلس هناك يتربّص بالمارة، حتى يجد أحدا يعبر ومعه طعام، وغالبا يجد بعض التجار على حميرهم حاملين معه القوت. فيقوم بإيقافه وأخذ الحمار وما حمل ويخلع ثوبه ويسلبهوجرت العادة آنه حينما يعود إلى أهله يصرخ بهم من بعيدأبشروا بالخير، لقيت حضري رخمة وأخذت حمارة وزهابة وهدومه».
وهذه الحكاية يمكن أن تكون مكررة من حيث تضمنها على عناصر تؤكد على أن السلب والنهب هي من صفات البدو، والضحية دائما هو رجل حضري. وهناك مجموعة من الروايات الشفهية التي تؤكد على مضمون القصة السابقة، يرويها بعضهم عما حصل له ولأسرته من البدوومن القصص الشفهية التي سجلتها وهي تدور حول الموضوع نفسه قصتان هما:
«الطالب محمد عندنا في ثانوية السفير بالرياض كان يسرق مافي ملابس زملائه حينما يخرجون للعب الكرة خارج الصف، وكان يسرق مايجده في مختبر العلوم أو مختبر الكمبيوترذات يوم قام مدير المدرسة بتفتيش ملابس الطلاب بحثا عن مال سرق من أحد الطلاب أثناء خروجه للفسحةووجد المبلغ في جيب محمد هذاواستدعى والده للحضور إلى المدرسةوحينما حضر الأب أخبره المدير بما حصل من ابنه من سرقةفقال الأبوهل هناك مشكلة أخرى؟ فقال المديرهذه مشكلة أخلاقية كبيرةفرد الأب غاضبًاالحمد لله ماضرنا، سرقنا وأكلنا، وكل شخص يكسب من ذراعهثم غادر المدرسة».
راوي القصة معلم في المرحلة الثانوية يوضح فيها أن هذا الطالب البدوي يبتز الطلاب الحضر ويسلب أموالهم، ووالده يؤيد سلوكه هذا، وكأنه يمثل قيمة أخلاقية لديهمويروي أستاذ جامعي قصة أخرى حصلت في أحد الأحياء شرق مدينة الرياض، حينما اشتكى ابنه الصغير أن ابن الجيران البدوي قد سرق دراجته، فذهب إلى والد ذلك الطفل وسأله أن يعيد دراجة ابنه إليهفعاد الأب البدوي يتكلم مع ابنه على مسمع من الأستاذ، وقال لهيافلان بكم أشتري منك غنيمتك؟ وراح يساوم ابنه لكي يعوضه عن مكسبه (الدراجة المسروقة)، ثم دفع لابنه مبلغًا من المال وأعاد الدراجة إلى صاحبها.
وهذه القصة تؤكد ماورد في القصة السابقة من وجود قيمة أخلاقية تعزز لدى بعض أبناء البادية ممارسة سلوك معين ضد أبناء الحاضرةوالقصة الأخيرة توضح أن البدوي لا يعتبر أخذ حق غيره سرقة ولكنه يعتبره غنيمة أو مكسب حصل عليه ولهذا فإنه يمتلك ما أخذه بالقوة؛ وقد قام والد ذلك الطفل بشراء ماسرقه منه مما يؤكد أن الطفل كان يعتقد بملكية تلك الدراجة المسروقة.
ومن الحكايات الشفهية مانقله موقع شمس الكويتي على النحو التالي:

«تقدم شاب يلبس العقال المتين والشماغ الأحمر يطلب وظيفة في شركة خاصة حاملا معه شهادة بكالوريوس إدارة أعمال. وقابل المدير العام الذي قام بدورة بتقييمه عن طريق بعض الأسئلة الملتوية ومحاولة تمييز الهيئة الخارجية والاسم الأخير، فانتهت المقابلة بتبادل عبارات جميلة بين الطرفينوفور خروج ذلك الشاب قال المدير لمن حولههل صدّق هذا البدوي نفسه أنه يصلح لإدارة الأعمال؟ يعتقد أنه جنتل وهو في الحقيقة ليس أكثر من بهيمة».
يلاحظ هنا أن البدوي وهو الشاب جاء إلى مكان الحضري في المدينة وهنا نجد الحضري ينتقم بشكل غير مباشر من ذلك البدوي من خلال رفضه توظيفه لا لشيء إلا لكونه بدويا استطاع تمييزه من خلال مظهره ومن خلال اسمه الأخير الذي ينتهي غالبا باسم قبيلة من قبائل البدو.
أما ما كتب في كتب الرحالة العرب عن البدو، فقد كان للجزيرة العربية في نفوس الرّحالة العرب صورتين متمايزتينصورة براقة موغلة في القدم، وصورة مظلمة محسوسة يجسّمها الواقعالأولى مأخوذة من كتب السير والتاريخ والشعر القديم، والثانية مستقاة من التجربة والمشاهدةوقد أصبحت كلمة "بدويفي الصورة الواقعية مرادفة لكلمة اللص أو قاطع الطريق، كما  أصبحت تعبرّ عن العرق أو الجنس ولم تعد حالة من حالات التمدن البشريوكثيراً ما اختلطت كلمة "عربيبـ"أعرابي"، ولا يزال بعض العرب في سوريا ومصر يطلقون كلمة "عربيو"عربعلى البدو الرّحل.
ولعل خير ما يمثل ذلك الخوف المتأصّل في نفوس العرب من "العربما قاله أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب)، مبيناً أسباب رحلته إلى الجزيرة العربية، إذ يذكر أنه عندما سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية كان في سن الثانية عشرة من عمره، ولم يكن يعرف شيئاً عن العرب وأخبارهمغير ما كانت تُسمعه الأمهات صغارهن: (هُسْ، جاء البدوي!) والبدوي والأعرابي واحد، إذا رامت الأم "بعبعاً تخوّف به أولادها".
ومن ذلك ما أورده هيكل عن قوم يعيشون في بعض المرتفعات «لم ينزلوا السهل حياتهم، ويرون في نزوله المعرة الكبرى، فإذا احتاجوا إلى شيء مما فيه فأتباعهم وضعافهم هم الذين ينزلون...» . ويقول هيكل إن بعض المسؤولين قد اقتحموا عليهم عزلتهم فرأوا «هؤلاء القوم يعيشون في الكهوف والمغارات عيش الحيوان المفترس، ورأوا أحدهم إذا ظفر بغنيمة مما كانوا يذبحون فرّ بها إلى كهفه وأوى إليه وانبعث ينهشها كما ينهش الحيوان المفترس فريسته، وجعل يذب عنها من يحاول اقتحام الكهف عليه بأن يدفعه برجله كما يفعل الذئب أو النمر....».
ويقول هيكل أثناء زيارته لمدينة الطائف، وقد التقى بمجموعة من شعراء القبائل واستمع إلى قصائدهم يقول:« ولم أكن أطمع في أن أسمع من شعراء العرب هؤلاء شعراً عربيّاً كالذي انتهى إلينا عن الجاهلية وعن شعراء العرب أيام سلطانهم وازدهار حضارتهمفلقد طمعت في أن أسمع بالبادية حديثاً عربياً في صفاء اللغة التي درسناهافلم أسمع في الأودية ولا في أعالي الجبال من ذلك شيئاً، وإنما هي لهجات تعذر عليّ فهم بعضها... وفهمت بعضها في عسر..»ويتساءل هيكل عن تلك الأمجاد القديمة التي رأى آثارها في سدود الطائف القديمة، فكيف هوت تلك «من مرتبة الحضارة الرفيعة إلى هذه المراتب الأولى من البداوة، وكيف تعطل علمها وفنها فتحطّمت فيها كل آثار العلم والفنوكيف ذهبت لغتها العربية الصميمة الصحيحة وحلّت محلها هذه الرطانة البدوية التي لا يصل بينها وبين العربية الأولى نسب...».
ويتخذ الحضر موقفا من البدو يتقذرون فيه من رثاثة البدو وخشونتهموقد صّور لنا على الطنطاوي في كتابه (من نفحات الحرمشيئاً من ذلك، وهو عن الرحلة التي قام بها مع الوفد السوري إلى الحجاز، سنة 1935م، بمناسبة افتتاح طريق الحج البرّي للسياراتيقول في وصف ما سماه "وليمة بدوية":«.... جاءوا بالدقيق فعجنوه بهذه الأيدي القذرة، ذات الأظافر السود، وصبّوا عليه السمن النيء ومزجوه به ثم جاءوا بالعجوة فعجنوها معه، فكانت الأكلة من ثلاثة أجزاء متساويةجزء من الدقيق، وجزء من العجوة، وانضم إليها جزء مثل ذلك من الرمل الذي طار إليها، وجزء من الشعر الذي نزل من رؤوسهم ومن لحاهم فيهاوكنا نريد أن نفطر الصبح فقالوالا بل تصبرون حتى تأكلوا الحنينة، فصبرنا وصبرنا حتى اقترب الظهر ولم تنته الحنينة، ثم جاءت، فأقبلوا عليها بأيديهم يكبكبون ويرمون في حلوقهم، وجئت لآكل فلم استطيع...».
أما المازني فإنه ينتقد الشعر البدوي الذي سمعه في الحفل الذي أقيم بوادي فاطمة بحضور الأمير فيصل على هذا النحو، يقول:«...وكان بين الشعراء رجل من الكويت ـ إذا كانت ذاكرتي لم تخني ـ وشعره سخيف ولكن انشاده بديعوقد كان وهو يلقى قصيدته يغني ويمثل... وتلاه شاعر نجدي قح أعوذ بالله من إلقائه، فليته جاء قبل الكويتي، ولكنه أبى إلا أن يجئ قبل الطعام فكاد يصدنا عنه ويفتر رغبتنا فيه، ويزهدنا في الشعر والأدب العربي بل في الحياة نفسها...».



[1] وقد حضرت عملية النسيج هذه في فترة طفولتي عند جدتيثم حضرتها مؤخرًا عند قبائل شمر في شمال الجزيرة العربية، وصورتها بالفيديو ودونت تفاصيلها لهذا البحث خلال رحلتي العلمية في الفترة من (22 سبتمبر 2006 وحتى أكتوبر 2006).



أو




أو




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا