التسميات

الأحد، 5 نوفمبر 2017

مشاريع المياه التركية وأثرها على سوريا والعراق - بقلم: رعد خالد تغوج ...


مشاريع المياه التركية وأثرها على سوريا والعراق

مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط  - دراسات - أبريل 29, 2015


بقلم: رعد خالد تغوج - باحث وإعلامي أردني

مُختصر الدراسة

  أدتْ السياسة التركية المائية في العقدين الأخيرين إلى التأثير على البيئة الأمنية المُحيطة، وخصوصاً دُول المجرى والمصب (سوريا والعراق) ، مما كلف تلك الدُول خسائر فادحة ، اقتصاديا وبيئياً وزراعياً، ولم تتراجع تركيا عن ذلك رغم القوانين الدولية الصارمة التي تمنع دُول المنبع باحتكار المياه وتحويلها إلى سلعة سياسية بغرض الابتزاز، وقامتْ تركيا بإنشاء مشاريع مائية مُستدامة في جنوب شرق الأناضول ، مما زاد حدة التوتر بين الدول المُتصارعة، ومما كاد يُؤدي إلى نزوع حرب إقليمية لولا تحول دُول المجرى والمصب إلى دُول فاشلة نتيجة الربيع العربي.

الباب الأول : مصادر المياه في دُول النزاع

أولاً : مصادر المياه في تركيا

  تقع تركيا في إقليم مُتنوع جغرافياً ومَناخياً ، حيثُ تبلغُ مُتوسط درجات الحرارة ما مقدارهُ ( 18- 20) درجة مئوية في مناطق الساحل الجنوبي ، بينما تنخفض إلى (14-15) درجة على الساحل الغربيّ ، و تتراوح بين (4 – 19) درجة مئوية في الأقاليم الداخلية ، بحسبِ المسافة بين البحر والإرتفاع ، بينما يبلغُ هطولُ الأمطار ما مقدارهُ (593) ملم في السنة.

  وهُنالكَ 26 حوض مائي في تركيا ، وفيها أيضاً أكثر مِنْ 120 بُحيرة طبيعية و579 بُحيرة صناعية ، وتُقدر الموارد المائية المُتجددة إجمالياً بنحو 227 كيلومتر مُكعب في السنة ، منها حوالي 186 كيلومتر مُكعب مياه سطحية ، وحوالي 69 كيلومتر مُكعب من المياه الجوفية ، بينما المزيج من المياه الجوفية والسطحية يصلُ حوالي 28 كيلومتر مكعب .

  تقعُ مُعظم الأنهار داخل تركيا ، وهي لذلك تُعتبر دولة منبع ، بيدَّ أنَّ هنالك مياه تتدفق إلى الأراضي التركية مِنْ الخارج تُقدر بحوالي 4.7 كيلومتر في السنة ، مِنها 0.6 كيلومتر مُكعب تأتي مِنْ نهر “تونكا” في بلغاريا ، وحوالي 1.2 كيلومتر مُكعب تتدفق مِنْ نهر “العاصي” الآتي مِن سوريا ، وهُنالكَ أيضاً نهر “مريتش” الذي ينبعُ مِنْ بلغاريا ، ويقعُ على الحدود بين تركيا واليونان ، ويصلُ تدفقهُ إلى الأراضي التركية ما مقدارهُ 2.9 كيلومتر في السنة تقريباً. [1]

   بينما تُقدرُ المياه المُتجددة التي تخرجُ مِنْ الأراضي التركية بحوالي 43.74 كيلومتر مُكعب في السنة، تذهبُ مِهنا 28.1 كيلومتر مكعب إلى سوريا ، وحوالي 21.33 كيلومتر مُكعب إلى العراق، وتذهبُ 4.31 كيلومتر مُكعب إلى جورجيا .

  ونهر الفرات هو مِنْ أعظم الأنهر في تركيا ، حيثُ ينبعُ مِنْ المُرتفعات الجبلية (مرتفعات أرضروم) التي تقع بين بحيرة “وآن” و”البحر الأسود” جنوب شرق تركيا ، ويبلغُ طُول النهر في الدول الثلاث التي يمُرُ بها (تركيا وسوريا والعراق) حوالي 2940كم ، حصةُ تركيا مِنْ هذه المياه تبلغُ (1176) كم ، وحصة سوريا (604) كم ، بينما يمرُ في العراق بمسافة تُقدر بحوالي (1160) كم ، وتبلغُ مساحة حوض نهر الفرات حوالي (444000) كيلومتر مُربع.[2]

  ويستمدُ نهر الفرات مواردهُ المائية من مصدرين رئيسيين هما : مرداصو ، الذي يصل طوله 60كم تقريباً ، وفرات صو ، وطولهُ حوالي 40كم ، ويسيرُ هذان الرافدان في اتجاه الجنوب الغربي حتى يلتقيا إلى الشمال من مدينة كيبان التركية ليكونا معاً نهر الفرات الذي يأخذُ في الإنحدار جنوباً نحو الأراضي السورية حيثُ يدخلها عند مدينة جرابلس ، ثم يأخذُ النهرُ بعد ذلك في السير في اتجاه جنوبي شرقي مخترقاً الأراضي السورية حتى يصل إلى الأراضي العراقية عند مدينة القائم. (العجيلي ، 2012 ، ص258)

 وتُزودُ تركيا بحوالي 90 % من إجمالي التدفق السنوي لنهر الفرات، بينما ينبع الشطر الباقي في سوريا ، ولا يضاف إليه أي نسبة في الجزء السفلي من مجرى النهر في العراق. وتساهم تركيا بنسبة 38 % مُباشرة في المجرى الرئيسي لنهر دجلة ونسبة 11 % غيرها في روافده التي تنضم إلى المجرى الرئيسي للنهر في الجزء السفلي منه في العراق . “وبوجه عام تتباين الجداول والأنهار تباينا كبيرا من حيث تدفقها من موسم إلى موسم ومن عام إلى آخر. فعلى سبيل المثال، تراوح التدفق السنوي لنهر الفرات عند الحدود مع الجمهورية العربية السورية بين 15.3 كيلومتر مكعب عام 1961 و 42.7 كيلومتر مكعب عام1963 “.

  أما بالنسبة للسُدود في تركيا فقد وصلَ عدد السدود إلى 579 سداً تمَّ إنشاؤها لأغراض إمدادات المياه والري وتوليد الطاقة المائية والتحكم في الفيضانات ، ومُعظم هذه السُدود شيدتْ من أنواع السدود الصخرية أو الترابية ، وتبلغُ القدرة التخزينية الإجمالية للسدود الكبيرة (208 سداً تقريباً) حوالي 157 كيلومتراً مُكعباً تقريباً ، بينما تصلُ القدرة الإجمالية للسدود كاملة حوالي 651 كيلومتراً مكعباً، يُضافُ إلى ذلك أنَّ هُنالكَ 210 سداً تقريباً قيد الإنشاء في مشاريع مائية تسعى تركيا إلى تشييدها قريباً.

  ويُعدُ سد أتاتورك على نهر الفرات في القسم الجنوبي الشرقي من البلاد، واحداً مِنْ أكبر عشرة سدود عالمياً ، وتبلغُ قدرته التخزينية حوالي 48.7 كيلومتر مكعب ، وقد بدأتْ أعمال تعبئة الخزان في السد سنة 1990 وانتهت في سنة 1992 ، وتبلغ مساحة سطح الخزان 817 كيلومتراً مُربع ، وتُحملُ المياه المأخوذة مِنْ سد أتاتورك إلى سهل حران من خلال نظام “سانليورفا” ، وهو أكبر نظام قنوات في العالم مِنْ حيثُ طولهُ ومُعدلُ التدفق فيه ، وتمرُ المياه في أنابين بطول 26.4 كم ومُحيط 7.62 أمتار ويُقدرُ التدفق فيها بحوالي 238 متر مُكعب في الثانية ، وهو ثلث تدفق نهر الفرات. 2015);

  إذنْ تشتركُ تركيا مع العراق وسوريا بنهري دجلة والفرات ، وبعض روافدهما الرئيسية والفرعية ، وقدْ كانَ لهذه الشراكة نصيبٌ كبير في نشوء النزاعات والتوترات بين كلّ الأطراف ، التي يُحاول كلُّ طرف نسبة المياه لهُ بُحججٍ مُختلفة : أما قانونية مثلّ ما فعلتْ تركيا عندما قالتْ بأنَّ مياه النهرين وطنية وليستْ دُولية ، أو تاريخية مثل ما فعلتْ العراق عن طريق اللجوء إلى حُجة “الحق التاريخي المُكتسب” ، أو سياسية وتقنية كما تفعلُ سوريا .

ثانياً : مصادر المياه في سوريا

  تتفاوتُ تضاريس المياه في سوريا طِبقاً لموقع الإقليم الجغرافيّ وقربهُ أو بُعدهُ عنْ المرتفعات والمناطق الساحلية والمُنخفضة ، ومِنْ مصادر المياه التقليدية في سوريا مياه الأمطار ، حيثُ يُقدرُ هطول الأمطار داخل البلاد بنحو 7.1 كيلومتر مُكعب في السنة ، بينما تُقدرُ موارد المياه السطحية المتجددة الداخلية بنحو 4.3 كيلومتر مُكعب في السنة ، وتبلغ نسبة المياه الجوفية بنحو 4.8 كيلومتر في السنة .

 وهُنالكَ سبعة أحواض هيدروغرافية رئيسية في البلاد ، هي : الجزيرة ، وحلب ، والبادية ، وحوران أو اليرموك ، ودمشق ، والعاصي ، والساحل. اه . وتختلفُ مُعدلاتُ سقوط الأمطار وهطولها في هذه الأحواض ، كما يُعدُ تساقط الأمطار هو الموردُ الرئيسِ لتغذية هذهِ الأحواض. 2015);

  ومِنْ مصادر المياه في سوريا الأنهار ، فمنْ أصل 16 نهراً ورافداً رئيسياً في البلاد ، هُنالكَ ستة أنهار دولية تشتركُ فيها سوريا مع دُولٍ أخرى ، وهذه الأنهار هي :

1- نهر الفرات ، وهو أكبر الأنهار في سوريا ، ويأتي مِنْ تركيا ماراً في سوريا ويصبُ في العراق ، ويبلغُ طولهُ الكليّ حوالي 2.330 كم ، منها 680 كم داخل الأراضي السورية ، مما يجعله مصدراً رئيسياً للمياه في البلاد.

2- نهر عفرين ، ويقعُ في الشمال الغربي من البلاد ، وينبعُ من تركيا ويمرُ عبر الأراضي السورية عائداً بعدها إلى تركيا.

3- نهر العاصي ، الذي يقعُ في غرب سوريا ، ويأتي من لبنان ماراً بسوريا وينتهي في تركيا.

4- نهر اليرموك ، ويقعُ في جنوب غرب البلاد ، وينبعُ في سوريا والأردن ، ويُشكلُ الخطَ الحدوديّ بين البلدين ، ويصبُ في نهر الأردن .

5- النهر الكبير الذي ينبعُ في سوريا ولبنان ، ويُشكلُ الخط الحدودي بين البلدين.

6- نهر دجلة الذي يُشكل الخط الحدودي بين سوريا وتركيا .

  إذنْ تُعتبرُ الأنهار في سوريا مصدراً رئيسياً بالإضافة إلى موارد المياه السطحية الأخرى التي تشملُ الأنهار والينابيع والخزانات المائية الطبيعية أو الإصطناعية ، وقدْ جرى العُرفُ على تقسيم الأنهار في سوريا إلى ثلاثة أقسام : قسم ينبعُ مِن خارج سوريا ويمرُ فيها أو تنتهي إليها مثل نهر الفرات ودجلة والعاصي والعديد من الأنهار الصغيرة الأخرى ، والقسم الثاني ينبعُ مِنْ سوريا ويصبُ خارجها مثل نهر اليرموك ونهر بانياس وغيرها ، أما القسم الأخير فينبعُ مِنْ سوريا وينتهي إليها ، أيّ أنها أنهار داخلية ، مثل نهر الخابور والنهر الكبير الشمالي ونهر برى ونهر السن وغيرها. (خدام ، 2001 ، 144)

  وبالإضافة إلى الأنهار ومياه الأمطار قامتْ سوريا ببناء السدود كمشاريع تنموية مُستدامة، حيثُ بلغَ عدد السدود 166 سداً ، تبلغُ سعتُها التخزينية الإجمالية حوالي 19.7 كيلومتر مُكعب، وأكبر هذه السدود هو سد الطبقة الذي يقعُ على نهر الفرات (بالقرب من الرقة) ، ويُشكل بحيرة الأسد المشهورة ، التي تبلغُ سعتها التخزينية 14.1 كيلومتر مُكعب ، وتقعُ مُعظم السدود بالقرب من حمص وحماة في غربي البلاد.

  وتُعاني سوريا – كما العراق – مِنْ نفس الآزمة المائية الحيوية ، حيثُ تقعُ أهم مصادرها المائية خارج أراضيها وحُدودها الجغرافية ، مِما يجعلُ السياسة المائية السورية محكومةٌ بإعتباراتٍ خارجية ، وخصوصاً مِنْ قِبل الجانب التركيّ .

ثالثاً : مصادر المياه في العراق

  يقعُ العراق في منطقة قاريّة مناخياً ، حيثُ يسودُ المناخُ شبهُ الإستوائيّ وشبهُ القاحل في مُعظم مناطق البلاد ، في حين يسودُ المناخ المتوسطي المناطق الشمالية الجبلية من البلاد ، ويُقدرُ متوسط هطول الأمطار السنوي بحوالي 216 مليمتر ، ويتراوح ما بين 1200 مليمتر في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد ، وأقل من 100 مليمتر في أكثر من 60% من باقي البلاد (جنوباً) .

  هذا يعني أن مصادر المياه المُعتمدة على هطول الأمطار وتساقطها في العراق شحيحة جداً، كذلكَ تُعتبرُ موارد المياه الجوفية ضعيفة أيضاً ، رغمَ أنَّ “الدراسات الجيولوجية قد بينتْ انتشار الطبقات الحاملة للمياه الجوفية ، من صخور رملية وكلسية ، خصوصاً في مناطق السهل الرسوبي ، حيثُ تقوم الزراعة منذ أقدم العصور ، وتقدر كمية المياه الجوفية المتاحة للإستعمال في العراق بنحو ملياري متر مكعب” . (خدام ، 2001 ،ص 178)

  وتُعتبرُ المياه السطحية ، والأنهار خصوصاً هي الموردُ الأهم للعراق ، حيثُ يقعُ على الأراضي العراقية أهم نهرين كبيرين ، هما نهري دجلة والفرات ، وهما نهرين عابرين للحدود ( أنهر دُولية) ، ينبعانِ من تركيا ، ويعبرُ نهر الفرات نحو 1000 كيلومتر داخل الأراضي العراقية ، بينما نهر دجلة يمر بنحو 1300 كيلومتر داخل الأراضي العراقية أيضاً ، مما يُشكلُ أهمية إستراتيجية للأمن المائي والغذائي العراقي .

  تقعُ المنطقة التابعة لحوض نهر دجلة في العراق على مساحة 253,000 كيلومتر مُربع، أي ما يعادل 54 % من مجموع مساحة حوض النهر، ويقدّرُ متوسط الجريان السطحي السنوي بحوالي 21.33 كيلومتر مُكعب لدى دخوله إلى الأراضي العراقية، كما تقعُ جميع روافد نهر دجلة على ضفته اليسرى ، ومِنْ هذه الروافد الحيوية :

– (الزاب الكبير) الذي ينبع في تركيا ، يُولّد هذا النهر 13.18 كيلومتراً مكعباً من المياه لدى التقائه بنهر دجلة ، وتقعُ 62 % من المساحة الإجمالية لحوض هذا النهر البالغة 25,810 كيلومتر مربع في العراق.

– (الزاب الأصغر) الذي ينبع في جمهورية إيران الإسلامية والمُجهزُ بسد دوكان (6.8 كيلو متر مكعب) يولّد حوض النهر البالغة مساحته 21,475 كيلومتراً مربعاً ) يوجد 74% منها في الأراضي العراقية( حوالي 7.17 كيلومتر مكعب ومنها 5.07 كيلومتر مكعب من العائد السنوي الآمن بعد بناء سد دوكان.

– (نهر العُظيم) الذي يشغلُ مسافة 13,000 كيلومتر مُربع كلها داخل الأراضي العراقية يُولد حوالي 0.79 كيلومتر مكعب حين يلتقي بنهر دجلة، وهو عبارة عن نهر متقطع مُعرّض للسيول العارمة.

– (نهر ديالى) الذي ينبع في جمهورية إيران الإسلامية، ويمتد على مسافة 31،896 كيلومتراً مربعاً، يقع 75 % منها في الأراضي العراقية، وهو مُجهز بسد ديربندي خان
ويولّد حوالي 5.74 كيلومتر مكعب حين يلتقي بنهر دجلة.

– (أنهر الطيب ودويرج والشهابي) التي تغطي معاً أكثر من 8,000 كيلومتر مُربع، وتنبعُ هذه الأنهر في الأراضي الإيرانية وتأتي مجتمعةً بكيلومتر مكعب واحد من المياه
شديدة الملوحة إلى نهر دجلة.

– (نهر الكرخة) الذي يوجد مجراهُ الرئيسي في جمهورية إيران الإسلامية، والذي يأتي من منطقة تصريف تبلغ مساحتها 46,000 كيلومتر مربع، بحوالي 6.3 كيلومترات مكعبة سنوياً إلى العراق، لاسيما إلى هور الحويزة خلال موسم الفيضانات وإلى نهر دجلة خلال موسم الجفاف. 2015);

  نُلاحظُ أنَّ الإعتمادَ الرئيس للمياه في العراق هو على المياه السطحية ، وبالذات الأنهار بما تُشكلهُ مِنْ مسافةٍ طويلة تجعلُ مِنْ العراق دولة غنية بالمياه فيما لو تمّ إدارة التوزيع وفض النزاعات بشكلٍ سلميّ ، على الأقل مع الجانب التركيّ والسوريّ .

المبحث الثاني : مشاريع المياه في تركيا

  تُعتبرُ تركيا دولةً غنية بمصادر المياه السطحية ومِنها الأنهار الدولية التي تقعُ على أراضيها، وقد باشرتْ – إعتماداً على كمية المياه المُتاحة على أراضيها – بإقامة المشاريع المائية الكبيرة، وذلكَ بهدف استغلال الموارد المائية لأهداف إروائية وإنتاج الطاقة الكهرومائية وإقامة السدود والآبار والأنهر والبُحيرات الصناعية ، وأكبر هذه المشاريع هو مشروع أنابيب السلام Peace pipelines ومشروع “غاب” التركيّ ، حيثُ قامتْ الحكومة التركية بالترويج لهذه المشاريع لإستغلال نهري دجلة والفرات في مشروع غاب ، ولتعويض الهدر المائي الكبير لنهري “سيحان” و”جيحان” في مشروع أنابيب السلام وغيرهِ مِنْ المشاريع.

  أما مشروعُ أنابيب السلام ، فقدْ بدأ هذا المشروع أولَ ما بدأ في حُقبة الرئيس التركيّ “تورغوت أوزال” عندما اقترحهُ في عام 1987 ، ويرمي إلى تحويل 6 ملايين متر مُكعب من المياه يومياً ، من نهري سيحان وجيحان في تركيا إلى كل مِنْ سوريا والأردن ، مع احتمالية ضم فلسطين وإسرائيل ، بالإضافة إلى دُول الخليج والسعودية ، مِنْ خلال أنابيب يبلغُ طُولها الكلي حوالي 6600 كم ، لتلبي استهلاك (14-17) مليون نسمة منْ سكان تلك الدول ، وبهدف تقليل الأزمة المائية التي تُعاني منها المنطقة العربية.

  لقد روجَ الرئيس تورغوت أوزال للمشروع ، وساندهُ في ذلكَ مُستشارهُ للشؤون الخارجية “جيم دونا” ، ولاقى المشروعُ أذاناً صاغية في كل مِن الولايات المُتحدة وإسرائيل ، ففي 25 تشرين الثاني عام 1986 ، عقدَ برنامج دراسات الشرق الأوسط التابع لمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن ، ندوتهُ البحثية المُتعلقة بالمياه في الشرق الأوسط، بمشاركة الأطراف العربية والإسرائيلية ، وتمَّ فيها مُناقشة مشروع أنابيب السلام بجدية وإهتمام بالغين، وقد أعلن الرئيس تورغوت أوزال عنْ المشروع رسمياً في زيارته لأمريكا سنة 1987، ثمَّ تابعتْ تركيا طرق المشروع مراراً وتكراراً في المحافل الدولية ، وقد قامتْ بالتعاقد مع شركة براون أند رووت الدولية (brown and root international) لدراسة الجدوى الإقتصادية من المشروع ، مقابل 2.7 مليون دولار ، تدفعُ الولايات المُتحدة منها 1.2 مليون ، وتركيا 800 ألف ، وبريطانيا 700 ألف ، وبينتْ الشركة أثار المشروع وأنهُ مُجدٍ إقتصادياً وفنياً ،ولهُ مردودٌ جيد على الإقتصاد التركيّ . ( عبد العزيز ، 2008 ،ص 4+5)

  يهدفُ مشروع أنابيب السلام إلى تسخير الفائض من الحاجة من مياه نهري سيحان وجيحان التركيين ، لاستفادة بلدان المشرق العربي وإسرائيل ، عبر خطين للأنابيب ، “يمرُ الخط الأول عبر كل من سوريا والضفة الغربية والأردن والسعودية ، أما الخط الثاني فيمرُ عبرَ سورية والكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات وعُمان” (الجبوري ، 2014 ،ص 82)

  أمّا نهري سيحان وجيحان اللذان تنوي الحكومة التركية إنشاء المشروع عليهما ، فينبعانِ مِنْ الأراضي التركية ويصبانِ فيها ، أيّ أنهما أنهر داخلية وليستْ دُولية ، ويقعُ نهر سيحان في جبال تقعُ ضمن سلسلة جبال طوروس الواقعة جنوب وسط تركيا ، ويبلغُ ارتفاعها 2500م فوق سطح البحر ، ويبلغُ طول النهر حوالي 300 كم ، ويصبُ في خليج الاسكندرونة شرقي مدينة مرسين ، بينما تُقدرُ مساحة حوضه المائيّ حوالي 22 ألف كيلومتر مربع ، والمساحة القابلة للري في هذا الحوض تبلغ 43 هكتاراً .

 وبالنسبة إلى نهر جيحان فينبعُ مِنْ جبال طوروس أيضاً ، على مستوى ارتفاع 3000 م فوق سطح البحر ، ويبلغُ طولهُ الإجماليّ 200 كم ، ويصبُ قرب خليج الاسكندرونة ، وتبلغُ مساحة حوضهُ المائيّ حوالي 20 ألف كيلومتر مُربع ، وتُقدرُ المساحة القابلة للريّ في حوضه 18 هكتاراً .

 أمّا التفاصيل اللوجستية المُتعلقة بالمشروع [3] ، فيُمكنُ استقراءها مِنْ الخرائط المطروحة من جانب الحكومة التركية والمنظمات الراعية للمشروع ، وتتمثلُ في تشييد نفق يبلغُ طولهُ حوالي (15-20) كم ، يمرُ بعدة مناطق وأقاليم ، مِنها : أضنة ثم جبال نُر في الأراضي التركية ، وهي مناطق تفصلُ أضنة عن نهر العاصي ، ويتجه الخطُ عبر مسارهِ جنوباً مُتوجها نحوَ الأراضي السورية ، ليُغذي مُدن حلب وحماة وحمص على التوالي ، وعند هذه النقطة بالذاتْ يتفرعُ الخطُ – كما هو مرسومٌ له – إلى نفقين أو أنبوبين أو قناتين : نفقٌ يقعُ في الجهة الغربية مِنْ نُقطة الإنفصال ، والآخر يقعُ في الجهة الشرقية .

  يبلغُ طُولُ الخط الغربي ما مقدارهُ 2700 كم ، بينما يُشكلُ نصف قطر الأنبوب ما بين 1.5 إلى 2 متر تقريباً ، وعلى هذا الخط ستكونُ هنالكَ ما لا يقلُ عن إحدى عشرَ محطة لعمليات ضخ المياه بقوة 900 ميغاواط ، ويسيرُ هذا الخط عبر خارطة مرسومة لهُ مُسبقاً ليروي حلب وحماة ودمشق ماراً بهضبة الجولان ، وفي النهاية يُزود فلسطين وإسرائيل بالمياه ، ليستمر مسير الأنبوب مُزوداً تبوك وينبع وجدة ومكة المكرمة بالمياه اللازمة.

   أما الخط الشرقيّ الذي صُمم ليبلغَ طولَ 3900 كم ، ونصف قطر أنبوبهُ حوالي المترين ، فسيقامُ عليه خمس محطات لضخ المياه ، وخُطته اللوجستية تُشيرُ إلى سيرهِ من جنوب حمص إلى الهضبة الأردنية المُتاخمة للحدود العراقية ، ثمّ يسيرُ الأنبوب بموازاة خط الأنبوب العراقي (النفطي) – التابلاين – ماراً بشواطئ الخليج العربي ، ليغذي الكويت وشرق السعودية وقطر والإمارات العربية وعُمان . وبحسب الخطة فإنهُ سيغذي هذه الدُول بما مجموعهُ 2.500 مليون متر مُكعب من المياه يومياً . [4]

  نستنتجُ مِمّا سبقَ أنَّ مشروعَ أنابيب السلام سيقومُ بتزويد المياه لتسع دُول ، هي : تركيا ، سوريا ، الأردن ، السعودية ، الكويت ، البحرين ، قطر ، الإمارات ، عُمان . بالإضافة إلى إسرائيل وفلسطين ، بنحو 6 ملايين متر مكعب من المياه يومياً ، ولمدة خمسين عاماً ! ، ومن المتوقع أن يوفر المياه لما بين 14-17 مليون نسمة بمعدل 400 لتر من المياه للفرد يومياً ، فيما تقدر تكلفة المشروع المالية بنحو 21 مليار دولار أمريكي ، وذلك استناداً إلى إحصاءات شركة براون أند رووت . ( عبد العزيز ، 2008 ، ص10)

  أمّا المشاريع الأخرى التي باشرتْ تركيا بتنفيذها على نهري دجلة والفرات ، فهي المشاريع المُتعلقة بجنوب شرقي الأناضول ، ومِنْ أهم المشاريع في هذه المناطق مشروع غاب Gap، وهو مشروع يُعرف بمشروع جنوب شرقي الأناضول ، وقدْ بدأ التخطيطُ لهُ في فترة مُبكرة منْ ستينيات القرن الماضي ، وكانَ يستهدفُ إنشاء 23 سداً مائياً ، و19 محطة كهرومائية لإرواء ما يُقارب (1.7) مليون هكتار من الأراضي الزراعية وإنتاج حوالي (7500) ميغاواط من الطاقة الكهربائية. (المخزومي، 2011، ص59)

  يُعرفُ مشروع غاب بأنهُ أكبر مشروع للتنمية الاقتصادية والسياسية والاقليمية في تاريخ تركيا الحديث ، الذي بدأت في تنفيذه واقعياً منذ أوائل الثمانينات، بتكلفة إجمالية تُقدرُ بنحو ٢٠ مليـار دُولار ، ويتضمن – بالإضافة إلى بناء السدود ومحطات الكهرباء – تنشيطَ قطاعات الزراعة والصُناعة والمُواصلات والصحة والتعليم والبيئة وغيرها مِنْ القطاعات ، وقد تم بالفعل الانتهاء من بعض مُكوناته، وستحقق تركيا عوائدَ عدة ، منها توفير المياه اللازمـة لـري ما يعـادل ٢٠% مـن المساحة الزراعية الحالية، ومُضاعفة انتاجها من الطاقة الكهربائية وتـوفير ٥ و١مليـون فرصة عمل جديدة في هذه المناطق، وتحويل تركيا الى “سلة غذاء” الشرق الأوسط.

  ويغطي المشروع ست محافظات تركية هي كل من ولايات (غـازي عنتـاب – آدي يامان– اورفة– ديار بكر– ماردين– سعرت) وتبلغ المساحة التي يشغلها المشروع ٧٤ ألـف، وتُعدُ المناطق التي يقع بها المشروع مناطق طرد سكاني لانخفـاض مُـستوى المعيشة بها، اذ يتركز بها الأكراد، وفي ١٣ كـانون الثـاني ١٩٩٠ اعلنـت تركيـا عـن اضطرارها لاستقطاع الجزء الأكبر من منسوب الفرات لمدة شهر كامل للإسراع بملء بُحيرة سد أتاتورك، وكان ذلك تهديداً حقيقياً “للأمن المائي السوري” على وجه الخـصوص، لأن أيّ انخفاض في مستوى نهر الفرات يؤدي مُباشرةً الى الإضرار البالغ بالزراعة السورية عامـة وخاصة بالمحاصيل الزراعية الصيفية منها ، والى عطش “حلب” ثـاني أكبـر المـدن السورية. واضطرت سوريا إلى تقليص انتاج الطاقة الكهربائية في سد الفرات بشمال سـوريا وتوقفت سبعة توربينات لانتاج الكهرباء تنـتج نحـو ٨٠٠ ميجـاوات وتغطـي ٦٠% مـن احتياجات سوريا الكهربائية، كما الحق الانخفاض الحاد لمنسوب المياه بالفرات خسارة فادحة للمحاصيل الشتوية السورية، خاصة في ظل معاناة سوريا من الجفاف للعام الثاني على التوالي (١٩٩٠ – ١٩٨٩) . (العبيدي ، 2010 ، ص60)

  ومِنّ المشاريع الداخلة ضمن خطة “مشاريع الأناضول ” مشروع سد اتاتورك ، وهو رابع أضخم سد في العالم بدأ العمل به في عام 1990 واكتمل بناؤه عام 1992 ويصل ارتفاعه الى 180 متر وعرضه حوالي 1820 متر، أمّا كمية المياه في بُحيرة السد فتقدر بـ 70 مليار متراً مكعب و”هي أكبر خزان في مشروع (GAP) وتقدر مساحة الارض التي ترويها مياه خزان السد بـ 740000 هكتار من الاراضي الزراعية يتم توصيل المياه لها عبر قنوات مائية تعتبر الاول عالميا حيث تم حفر هذه القنوات في الجبال ويبلغ طولها حوالي 27 كيلو متراً وعرضها حوالي 7,5 متراً وتستطيع المحطات الهيدرو _ كهربائية الملحقة بالسد من انتاج حوالي 9 ملايين كيلو واط سنويا من الكهرباء. (السوداني ، 2006)

المبحث الثالث : التحديات الأمنية لدول المجرى والمصب

أثر المشاريع التركية على الأمن البيئي الشامل لسوريا والعراق

   أدتْ السياسة المائية التركية والمشاريع المُنبثقة عنها إلى تكبيد دُول المجرى والمصب(سوريا والعراق) خسائر فادحة في المياه ونوعيتها ، بالإضافة إلى تلوث المياه والأراضي في أجزاء كبيرة مِنْ أراضي البلدين ، والجفاف البيئي والتصحر الناجم عنْ قطع إمدادات المياه وتخفيض تدفق المياه لكلا النهرين : دجلة والفرات مِنْ قِبل الجانب التركيّ .

  إنَّ التهديد المُباشر الذي لحق بالعراق نتيجة المشاريع التركية يتمثلُ بالانخفاض الحاد للتصريف المائي الذي كان يصلُ إلى العراق ، حيثُ تُشيرُ الدراسات إلى أنّ ما يصلُ العراق (9) مليار متر مُكعب ، بدلاً مِنْ (28) مليار متر مُكعب هو الرقم التصريفي الإعتيادي الذي كانَ العراق يستلمهُ طيلة سنوات سبقتْ المشاريع التركية ، حيثُ كانَ التصريف في فترة 1-31/12/1989 ما مقدارهُ (818) متر مُكعب طيلة (31) يوماً ، مِنْ أصل إجمالي التدفق الذي بلغَ (2.190) مليار متر مُكعب ، وفي أثناء مُدة التخزين الممتدة ما بين 14-31/1/1990 وصل التصريف إلى (65 متر مُكعب في الثانية ، مِنْ أصل إجمالي التدفق البالغ (0.102) مليار متر مُكعب، خلال ثمانية عشر يوماً[5]. ( خليفة ، 2011، ص 22)

  ويتضح من خلال هذا العرض للمشروع قدرة تركيا على التحكم بمياه نهر الفرات وتراجع الواردات المائية لسوريا والعراق جراء انخفاض منسوب نهر الفرات، حيث يتوقع الخبراء تراجع حصة سوريا من 21 مليار متر مكعب عام 1990 الى 12 مليار عام 2000 أي بنسبة 40% وحصة العراق من 29 مليار متر مكعب عام 1990 الى 4,4 مليار متر مكعب عام 2000 أي بنسبة 90%، لقد سبب هذا الانخفاض العديد من المشكلات التي تعاني منها تركيا والعراق حيث ادى الى تقليص الرقعة الزراعية اذا ان كمية المياه الواردة تكفي لإرواء مساحة تقدر بـ 240000 هكتار في حين ان المنطقة الزراعية تبلغ حوالي 650000 هكتار وادت زيادة نسب الملوحة في المياه الواردة الى اصابة المحاصيل الزراعية في المنطقة بمرض التقزم وادى انخفاض منسوب بحيرة الاسد التي تتغذى من نهر الفرات الى توقف محطات انتاج الطاقة الكهربائية اما في العراق فمصادر المياه في العراق رغم مع وجود بعض الاختلافات الا انها تشبه موارد تركيا الى حد بعيد ولكن مشكلة العراق تكمن في نوعية المياه وليست كميتها، اذا وجد العراق نفسه ومنذ القديم يجابه بمشكلة عويصة تتمثل في وجود نسبة كبيرة من الاملاح في مياه نهري دجلة والفرات وهي المشكلة التي تحول مساحات واسعة من الاراضي الزراعية الى مناطق غير صالحة للزراعة بسبب ارتفاع نسبة الاملاح فيها ولا سيما في المواسم التي تقل فيها مناسيب الانهار كما ان انخفاض واردات المياه من نهر الفرات تقلل من مساحات الارض الخضراء ويساعد على زحف التصحر الى مناطق كانت في منأى عن هذا الخطر، ويؤدي انخفاض مناسيب الانهار الى توقف محطات الطاقة الهيدروكهربائية التي تعتمد المياه لتشغيلها الأمر الذي يُؤدي الى توقف المشاريع الحيوية والاقتصادية ومشاريع البنية التحتية التي تحتاج الطاقة في انجاز اعمالها وتعاني المياه في العراق من ارتفاع نسبة التلوث الى نسب قياسية بلغت 1800 ملغ/لتر في حين ان المعدل العالمي اقل من 800 ملغ/ لتر وهو يهدد المناطق التي يمر بها النهر وخاصة منطقة اسفل نهر الفرات (منطقة الفرات الاوسط) التي تعتبر من اكثر مناطق العراق كثافة بالسكان بالمياه الملوثة بالنفايات الغير معالجة للمشاريع التركية الصناعية والزراعية المقامة على نهر الفرات التي تلقي كميات كبيرة من النفايات غير المعالجة مباشرة في النهر اضافة الى التلوث القادم من سوريا، كما ان حاجة العراق لكميات اكبر للمياه لأجل اعادة انعاش الاهوار التي قامت السلطات العراقية السابقة بتجفيفها. (السوداني ، 2006)

   ولمْ تنعكس المشاريع التركية المائية سلباً على الإقتصاد العراقي والسوري فقط ، وإنما يشملُ ذلك حرمان ما يزيد عن (696) ألف هكتار من الأراضي الزراعية العراقية مِنْ المياه التي كانتْ تصلُ إليها عن طريق نهري دجلة والفرات، كما أنّ سد “أليسو” لوحده فقط ، كفيل بإزالة مواقع أثرية وتاريخية مُهمة ، آشورية ورومانية وعثمانية، ومِنْ المحتمل أن ينخفض الإيراد السنوي لنهر دجلة 47% ، بسبب مشروع “أليسو” فقط ، ويُمثلُ هذا النقص والإنخفاض انعكاسات خطرة على العراق في مجالات (الزراعة ، الشرب، توليد الطاقة، الصناعة وبدرجة كبيرة انعاش الاهوار والبيئة).

   ومِنْ الأثار السلبية للمشاريع التركية ضرب حقل الزراعة ، وهذا سيؤدي إلى انخفاض كبير بمساهمة هذا القطاع في الانتاج المحلي وانعكاسات ذلك على مدخولات الفلاحين والمزارعين “مما سيدفع بهم إلى ترك مهنة الزراعة والهجرة إلى المدن، كما ستزيد من اتساع وزحف مساحات التصحر في العراق وانتشار الكثبان الرملية وحصول تغير في طقس العراق من خلال تكرار العواصف الرملية اضافة إلى تدهور المراعي الطبيعية وانخفاض انتاجها في المناطق المتاخمة للأراضي الزراعية التي ستقطع عنها المياه اضافة إلى جفاف الاهوار طبيعياً” (الياسري ، 2012)

  إنّ التبعات الرئيسة للمشاريع المائية التركية تتمثلُ أيضاً بتحويل العراق وسوريا إلى دولٍ تابعة – مائياً وغذائياً – للقوى الأجنبية ، عن طريق ربط هذه الدول بمشاريع سلمية وتنموية مُستدامة ، كما يُشكل التهديد المائيّ خطراً قدْ يُشعلُ حرباً فيما لو جاءتْ قوى حكومية في كلا العراق وسوريا ( مع الملاحظة أن غياب الحل السلمي في الظرف الراهن نتيجة “الربيع العربي” أدى إلى المزيد من التفرد التركي والإيراني في مقدرات العراق وسوريا المائية).

الخاتمة

  يُعتبرُ نهرا دجلة والفرات من الأنهار الدولية التي تشتركُ فيها عدة دُول (سوريا والعراق وتركيا) ، وقد أدتْ السياسة التركية المائية إلى نشوء نزاعات حول النهرين ، حينما بدأتْ الحكومات التركية المُتتالية بإنشاء مشاريع تنموية مُستدامة على أراضيها ، وبما أنَّ تركيا تُعتبر دولة منبع بالنسبة لنهري دجلة والفرات ، فقدْ ساهمتْ في إستغلال هذا الظرف الجيولوجيّ والطبيعيّ مِنْ أجل إقامة السدود والمحطات والمشاريع المائية ، مُعتبرة المياه على أراضيها مياه وطنية ، وترفضُ تركيا اعتبار نهر الفرات نهراً دولياً بحيث تُطبقُ عليه قواعد القانون الدوليّ ، وتُطلقُ عليه وصف “المياه العابرة للحدود” .

  إنَّ التهديد والتحديّ الأمني والمائي يتلخصُ في أنّ معظم مصادر المياه العربية تقعُ في منابع خارج الإقليم نفسه ، هذا ما شاهدناه في مياه العراق وسوريا ، مما يجعلُ من دولة المنبع ، التي هي تركيا في دراستنا ، مُتحكمة في نصيب باقي الدول المتشاطئة والمشتركة في نفس النهر ، ويُعطيها القيمة الإستراتيجية لأمنها المائي والغذائي.

  وربما تعودُ سياسة تركية المائية – وفي جزءٍ كبيرٍ منها – إلى تقليص نفوذ السوريين ودعمهم المُباشر للأكراد في المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا ، كما تسعى تركيا إلى مقايضة الدول النفطية ، وعلى رأسها العراق ، بالماء ، وهذا ما شاهدناه من تصريحات مباشرة من مسؤولين وسياسيين أتراك .

  لقد توصلتْ هذه الدراسة إلى إعتبار السياسة التركية المائية هي بألف ولام التعريف : سياسة إرهاب بيئي ، حيثُ قامتْ ولا زالتْ بالتفرد في قراراتها المائية ، رغم تحذير المنظمات الدولية ، ورغم المخالفات الصريحة التي تقوم بها الحكومة التركية للقوانين الدولية والأعراف الإقليمية.

  ومِنْ التوصيات في هذا المجال اللجوء إلى القضاء الدولي والمحاكم الدولية التي وضعتْ أسساً عادلة في تقاسم المياه ، والقرارات الصادرة عن تلك المنظمات التي تمنع دول أعلى المنبع من إيقاف أو التسلط على دول أسفل المنبع ، والشراكة المستديمة على أساس حقوق “حُسن الجوار” والحقوق التاريخية المُكتسبة للدول التي تتشارك في الأنهار الدولية .

  إنَّ عرض القضية العراقية والسورية ومشكالهما المائية أصبحَ ضرورة مُلحة ، وخصوصاً بد مرحلة “الربيع العربي” وما آلتْ إليه المنطقة مِنْ دمار وتخريب للمصالح والبنية التحتية الحيوية لكلا البلدين .

الهوامش والحواشي :

[1] جميعُ الأرقام والإحصائيات الواردة في هذه الدراسة هي أرقام رسمية مُعتمدة ، وجميعها تقع في أخر تحديث لسنة 2015 ، ما لم يُشر إلى غير ذلك في الحواشي والهوامش.

[1] تفاوتتْ آراءُ الباحثين حول الإيرادات السنوية لجميع البلدان المتشاركة في نهر الفرات ، واعتبر الدكتور محمد صالح العجيلي أن تركيا تساهمُ بنسبة 87% ، بينما سوريا بنسبة 13% ، وهذه الأرقام مُخالفة لدراسات أخرى، بيدّ أنا اخترنا الأرقام الواردة في تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ، وهي الأرقام الموجودة في متن هذه الدراسة.

[1] لرسم الصورة العملياتية الشاملة fop للمشروع تمَّ الإعتماد على عدد مِنْ الدراسات الواردة في متن هذا البحث وحواشيه، ومُصطلح full operation picture قُمتُ بجلبهِ مِنْ ساحة الدراسات الأمنية المُتعلقة بمسرح العمليات إلى ساحة المشاريع المائية ، لتقارب البيئة المتكاملة وتفاصيل البيئة اللوجستية بين الميدانين.

[1] راجع دراسات : عبد العزيز ، الجبوري ، المخزومي ، خدام .. الواردة في المراجع.

[1] قُمنا بتحليل الجداول والبيانات الرقمية الواردة في دراسة المهندس آذار عبد خليفة ، فالبيانات التي أوردها في إحصائيتهُ هي بيانات بحتة وأرقام صماء .

المصادر والمراجع :

– تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة http://www.fao.org/nr/water/aquastat/main/index.stm

– صافي الياسري ، صحيفة (المدى) البغدادية – مشروع (GAP) التركي – نتائج خطرة على الحياة في العراق والمنطقة .

– http://www.alshirazi.com/world/article/89.htm

– حيدر شامان الصافي ، إستراتيجية المياه التركية ، مركز النور للدراسات .

http://www.alnoor.se/article.asp?id=58834

– أميرة إسماعيل العبيدي ، إشكاليات السياسة المائية بين سوريا وتركيا ، مجلة التربية والعلم – المجلد (١٧)، العدد (٢)، لسنة 2011 .

– هشام فوزي عبد العزيز ، مشروع أنابيب مياه السلام التركي والمواقف العربية منه (1987- 1999)، مجلة المنارة ، المجلد 14 ، العدد 2 ، 2008.

– م.م آذار عبد خليفـــة ، السياسة المائية التركية في نهر الفرات وأثرها في العراق (1990 -2005) ، دراسات إقليمية .

– الدكتور منذر خدام ، الأمن المائي العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت،ط2، 2003.

– شاكر عبد العزيز المخزومي ، في طريق العطش ، دار ورد للنشر والتوزيع ، عمان ، 2014 .

– مرتضى جمعة حسن السوداني ، تقارير اقتصادية: مشروع (GAP) التركي وآثاره السلبية على الواقع في سوريا والعراق ، جريدة الإتحاد ، 2006 ، دون عدد.

http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=article&sid=19030[1] جميعُ الأرقام والإحصائيات الواردة في هذه الدراسة هي أرقام رسمية مُعتمدة ، وجميعها تقع في أخر تحديث لسنة 2015 ، ما لم يُشر إلى غير ذلك في الحواشي والهوامش.

[2] تفاوتتْ آراءُ الباحثين حول الإيرادات السنوية لجميع البلدان المتشاركة في نهر الفرات ، واعتبر الدكتور محمد صالح العجيلي أن تركيا تساهمُ بنسبة 87% ، بينما سوريا بنسبة 13% ، وهذه الأرقام مُخالفة لدراسات أخرى، بيدّ أنا اخترنا الأرقام الواردة في تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ، وهي الأرقام الموجودة في متن هذه الدراسة.

[3] لرسم الصورة العملياتية الشاملة fop للمشروع تمَّ الإعتماد على عدد مِنْ الدراسات الواردة في متن هذا البحث وحواشيه، ومُصطلح full operation picture قُمتُ بجلبهِ مِنْ ساحة الدراسات الأمنية المُتعلقة بمسرح العمليات إلى ساحة المشاريع المائية ، لتقارب البيئة المتكاملة وتفاصيل البيئة اللوجستية بين الميدانين.

[4] راجع دراسات : عبد العزيز ، الجبوري ، المخزومي ، خدام .. الواردة في المراجع.

[5] قُمنا بتحليل الجداول والبيانات الرقمية الواردة في دراسة المهندس آذار عبد خليفة ، فالبيانات التي أوردها في إحصائيتهُ هي بيانات بحتة وأرقام صماء .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا