التسميات

الثلاثاء، 2 يناير 2018

المدخل والمنهج في الدراسات الجغرافية البشرية - د. علي محمد دياب


المدخل والمنهج في الدراسات الجغرافية البشرية 

الدكتور علي محمد دياب 

قسم الجغرافية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة دمشق


مجلة جامعة دمشق - المجلد 26 - العدد الثالث والرابع 2010 - ص ص 823 - 862 :

الملخص

   لا بد لأي علم من العلوم بما فيها الجغرافية البشرية كي يسير في ركب العلوم، ويواكب مسيرة التطور العلمي ـ من تطويرٍ لعناصر منظومة البحث العلمي التي يعد المدخل والمنهج من أبرزها، إذ تنعكس على تطويرها، وعلى تحديد التحولات التي تجري فيها.

  وعلى الرغم من أهمية مقولتي المدخل والمنهج إلا أنه يوجد هناك نوع من عدم الدقة واستخدامٍ مغلوط به لهما. فإذا كان المدخل يمثل المنطلق والأساس المنهجي والفلسفي للباحث وإستراتيجيته، فإن المنهج يعد الأداة التكتيكية التي يعالج بها الباحث قضايا العلم الرئيسة، المتمثلة باكتشاف قوانين العالم الموضوعية،أي بكشف أسرار الطبيعة عن طريق كشف قوانينها، ومن ثم السيطرة عليها. 

  وتعتمد العلوم الجغرافية في دراساتها -إلى حد كبير- على مجموعة من المداخل، من أبرزها: المدخل التاريخي، الإقليمي، المشكلاتي، البيئي... وغيرها، وتعتمد كذلك على منظومة من مناهج البحث: كالمنهج الكارتوغرافي، والرياضي، والنمذجة...، التي تزداد أهميتها ويتعزز دورها في عملية البحث العلمي وفي تطوير هذه العلوم. فالعلم لايتطور إلا بتطور مداخل البحث ومناهجه.

Abstract

Dr. Ali Diab

Geography Department-Faculty of Letters and Human Sciences - Damascus University
Damascus University Journal, Vol.26 No.3+4, 2010 - p (823-862) 

Abstract 

  It is important for any science –including Human Geography- to follow the scientific development and to keep up with other sciences, to develop the elements of scientific research system, the most prominent ones of which are: Approach, and Method. 

   There is a kind of imprecise or misuse of the words: (Approach), (Method). While the Approach represents a base or philosophic and methodic background for the researcher and his strategy, the Method is considered as a tactic mean researcher can use it to handle the principal issues of the science, which is the discovery of objective laws of the world.).

   The study of the geographic science today (in current circumstances) depend on a number of approaches, the most important of it Historic approach, Regional approach, problematic Approach, and…...etc. In addition, it depends on the system of research methods as cartographic method, mathematical method, and modeling and…...etc. 

مقدمة:
   إن موضوع البحث ومادته يرتبطان جدلياً بشخصية الباحث من خلال مفهوم "المدخل" الذي يمثل إلى جانب المنهج أبرز عناصر منظومة البحث العلمي. كما ترتبط  هذه المفاهيم بشكل دائم بالظروف التاريخية وتتعلق بمستوى العلم وتأهيل أطر البحث،والهدف المرسوم والقاعدة المادية التقنية للدراسة.
   إن مقولتي المدخل والمنهج من القضايا الإشكالية في الجغرافية، بل إنهما مازالتا مثار جدل واختلاف بين الباحثين، وهناك نوع من عدم الدقة والاستخدام المغلوط به لهما في الجغرافية، فتستخدم أحياناً كمترادفات، وتستخدم أحايين أخرى بشكل غير موفق إحداهما مكان الأخرى. لذلك كان هدف هذه الدراسة هو تحديد حقيقة كل من المدخل والمنهج، وإدراك العلاقة فيما بينهما ودور كل منها في الدراسات الجغرافية المعاصرة، ولاسيما البشرية منها.
   تعد الدراسات التي تناولت هذين المفهومين ـ ولاسيما المدخل ـ في المكتبة العربية نادرة جداً، فوردت عند صفوح خير مثلاً على الشكل الآتي: تستخدم المداخل للدلالة على الطريقة التي يسلكها الباحث حين يعالج موضوع البحث، أي النقطة التي يبدأ منها تناول الموضوع، وبتعبير آخر الأسلوب أو طريقة التناول، وهي الكيفية التي يتم بواسطتها بحث الظواهر المختلفة أو تناولها، وقد ميز بين مداخل ثلاثة: موضوعي، إقليمي، تاريخي (خيـر، ص 83).
   كذلك وردت وبشكل مماثل عند رجاء دويدري وميزت بين ثلاثة مداخل أيضاً: أصولي، إقليمي، تاريخي، (دويدري، ص106).وعند سعيد الصيني بمعنى طريقة الدخول في الموضوع قيد الدراسة،أوالزاوية التي نتناول منها هذا الموضوع (الصيني، ص 87). أما عند محمد علي الفرا فهي بمعنى المسلك _ ويعني به الطريقة التي يسلكها الباحث حين يقترب أو يعالج موضوع البحث، بتعبير أدق من أي زاوية يبدأ طرق الموضوع وبم يبدأ وبماذا ينتهي(الفرا، ص128).
    وتعد الدراسات الأجنبية التي تناولت المدخل قليلة هي الأخرى أيضاً، ولعل من أبرز الباحثين في هذا المجال أنوخينAnoukhen، دينيس Dzenes، شاريغنٍ Sharygin، تشيستابايف Chystabaev، ساندرز .Saunders... وغيرهم. وقد صنفها الأخير إلى استقرائية واستنتاجية.
    أما المناهج فقد حظيت باهتمام أكبر، عند كل من فاخر عاقل، وعبد الرحمن بدوي، وصفوح خير، ورجاء دويدري، ومحمد زهرة.. وغيرهم. وتناولت المناهج العديد من الدراسات الأجنبية كان من أبرزها أعمال بوبير Popper شورلي Chorley، وهاجيت Hagget، شاريغن Sharygin، وشابليٍ Shabley،.. وغيرهم..
  وعلى الرغم من أهمية هذه الدراسات إلا أنها، لم تربط بين هذين المفهومين، ولم تقارن بينهما أو تحددهما بشكل دقيق، وهو ما تسعى إلى تحقيقه هذه الدراسة، التي ستبين دور كل منها في الدراسات الجغرافية البشرية.
   إن إنجازات أي فرع من فروع المعرفة العلمية المعاصرة بما فيها الجغرافية بشكل عام والجغرافية البشرية بشكل خاص، لا تتوقف كثيراً على مستواها النظري فحسب، بل على المداخل (Approach) الأساسية، ومنظومة المناهج (method) المستخدمة في عملية البحث أيضاً.

1ـ العلاقة بين المدخل والمنهج:
  إذا كانت مقولة «المنهج» تجد لها تفسيراً فلسفياً وعلمياً عاماً، إذ تضرب بجذورها في أعماق التاريخ منذ بدايات استخدامها زمن أفلاطون وأرسطو، فإن مصطلح «المدخل» يتميز بالشباب النسبي، ويمكن الوصول إلى هذه القناعة بعد القيام  بالبحث عن معنى هذه المفاهيم في الموسوعات الفلسفية والعلمية.
    فمقولة «المدخل» لم تجد تعريفاً محدداً لها في هذه الموسوعات، أما مقولة «المنهج» فقد حددتْ بأنها: جملة العمليات العقلية والخطوات العملية التي يعتمدها الباحث للكشف عن الحقيقة (الجابري، ص17). وبدأت تظهر مقولة المدخل شيئاً فشيئاً إلى جانب مقولة المنهج في العقد السابع من القرن العشرين، ولاسيما في السنوات الأخيرة منه في العديد من الدراسات الجغرافية البشرية، وقد تضمنت: المدخل الإقليمي، التاريخي، المشكلاتي، المنظومي - البنيوي، البيئي... وغيرها.
  إن تعرف ماهية المداخل الواردة آنفًا بشكل تفصيلي يتيح لنا إمكانية التوصل إلى استنتاج مفاده أن كل مدخل منها يبرز أو يحدد بدرجة ما بعضاً من أسس المدخل العلمي العام ويعمقها طبقاً لدراسة العمليات والبنى والمنظومات المكانية البشرية (الاقتصادية- الاجتماعية). ويشير هذا كله إلى التغيرات النوعية الجديدة الحاصلة في الجغرافية البشرية في السنوات الأخيرة، التي تساعد على ارتقائها إلى مستويات جديدة من التطور.
   وفي الوقت ذاته لم يصل الباحثون بعد إلى تعريف جامع متفق عليه لمقولة المدخل، وكذلك التمييز الدقيق بين هاتين المقولتين والفصل بينهما. وهو ماحدا ببعض الباحثين إلى استخدامهما كمترادفات حيناً (المدخل التاريخي، والمنهج التاريخي) وبصورة مغلوطة بها إحداهما معاكسة للأخرى حيناً أخرى. إذن هناك نوع من عدم الدقة عند استخدامهما، ولعله ليس مستغرباً أن تسمى بعض المداخل مناهج كونها  قريبة منها من حيث المعنى، إلا أن المداخل أوسع وأشمل، وتبنى وفق أسس معينةتساعد في بناء المناهج الخاصة وتوجيهها.أما من وجهة نظرنا فلم يقدم تعريفٌ دقيق للمدخل ولم يحدد دوره بصورة نهائية في الدراسات الجغرافية البشرية (الاقتصادية والاجتماعية). ذلك كله يعيق ـ ودون شك ـ تطور منظومة العلوم الجغرافية وفروعها، سواء كان ذلك في المجال النظري ـ المنهجي، أم من جانب درجة
استعدادها للقيام بالدراسات التطبيقية، وهو ما يؤكد الضرورة الملحة لتحديد أكثر دقة لماهية مقولة «المدخل» و«المنهج» ،وكذلك مكانتهما ودورهما في المعرفة العلمية.
   نجد مصطلح «المدخل» في الأدبيات الجغرافية البشرية المعاصرة مستخدماً في ثلاثة معانٍ أساسية: بالمعنى المنهجي (Methodological) وبالمعنى الطرائقي (Methodical) وبالمعنى النظري المفاهيمي(Conceptual).
   ما يهم هنا بشكل أساسي هو المعنى الأول لهذه المقولة،أي المعنى المنهجي. ودون ادعاء القيام بالدراسة المنهجية لأصل مقولة «المدخل» فإننا نشير إلى استخدام هذه المقولة مع ورود الصفات لها مثال «المدخل الإقليمي » و«المدخل التاريخي» في أعمال اثنين من أعلام الجغرافية الاقتصادية ن. بارانسكي (Baransky,N) و ن.كالاسوفسكي (Kolosovsky).
   وبصرف النظر عن مدى انتشار مقولة المدخل فإن السمة المنطقية الدقيقة لماهيتها
لم تحدد إلا في العقود الأخيرة من القرن الماضي في عمل دينيس الذي خَصصه لدراسة منهجية البحث الجغرافي البشري وطرائقه، فحدد فيه المدخل بأنه المنطلق أو الأساس المنهجي والفلسفي للباحث واستراتيجيته (Dzenes,p.108 ). ولكي نقارن بين ماهية المدخل والمنهج - وهو مالم نجده في الأعمال السابقة- فإننا نستعرض ما عرضه دينيس في عمله السابق بعد تعريفه للمنهج مستنداً إلى قول بيكوف Bycov من أن المنهج هو منظومة طرائق وأساليب جمع المعطيات ومعالجتها وعرضها من أجل إيجاد حلٍّ هادف ومنظم للمسائل النظرية والعملية (Dzenes,p.200). وأن المنهج من حيث الجوهر يعد أداة لمعالجة المهمة الرئيسة للعلم، ألا وهي الكشف عن قوانين الواقع الموضوعية (Dzenes,p.20). نتيجة لما سبق نرى أنه من الضرورة بمكان عند الحديث عن المنهج كأداة للبحث والدراسة أن نضيف كلمة «تكتيكية» إليها،وبذلك نفهم المدخل بوصفه يمثل إستراتيجية البحث، أما المنهج فنفهمه كأداة تكتيكية للدراسة. فضلاً عن أن المدخل المنهجي المعتمد أساساً لهذه الدراسة و غيرها يجب أن يسبق استخدام المناهج وأن يحدد مسبقاً وبدرجة كبيرة اختيارها. هذا يدفعنا إلى مشاطرة دميتريفسكي Dmetrevsky رأيه بأن المدخل يمثل إستراتيجية بحثية خاصة،تقود الباحث إلى واحدة من طرائق المعرفة العلمية للدخول إلى الموضوع، مبينة الطريق الممكنة لدراسته، ومزودة إياه بمبادئ معينة (Дмитревский ,c.62) .
   يمكن تحديد الارتباط والعلاقة المتبادلين للمدخل والمنهج فيما بينهما ضمن سياق الدراسات الجغرافية البشرية بشكل عام على النحو الآتي:
ـ بداية يجب أن يسبق أي عمل علمي وجود مشكلة موضوعية، تعد معالجتها أمراً ضرورياً من وجهة نظر اقتصادية من ناحية، ومن ناحية أخرى كمجموعة من المواقف أو الأسس النظرية والمنهجية للباحث، التي تعد مسألة ضرورية للبدء بالبحث العلمي.
  خلال عملية صياغة المشكلة يتم التأكيد على الأسس النظرية - المنهجية التي ستُعتَمد فيما بعد كأساس لدراسة المشكلة القائمة. وانطلاقاً من طبيعة المشكلة وماهيتها تُحدد أهداف البحث، التي تعد إلى جانب الأسس النظرية - المنهجية عاملاً أساسياً لازماً في اختيار المدخل إلى البحث. وتُصاغُ مهام الدراسة انطلاقاً من الأهداف التي سبق تحديدها، وبتأثير من المدخل المنهجي. وبدورها فإن مهمة البحث، والمدخل المنهجي المستخدم يحددان منظومة مناهج البحث . كما يتوقف اختيار مناهج البحث وأساليبه أيضاً على المشكلة التي تمت صياغتها. وتعد مرحلة استخدام أساليب البحث والمداخل المنهجية المرحلة الختامية في عملية البحث العلمي التي تسبق الحصول على النتائج الفعلية للدراسة. وهذه الأخيرة تتضمن في العادة قواعد نظرية ومنهجية

* وتطبيقية جديدة تُغني علم المنهجية العام بصورة مباشرة ،أو عن طريق انعكاساتها عبر الممارسة والتطبيقات الاقتصادية. كذلك تؤثر المنهجية الفلسفية بدورها في المستويات أو الحلقات المنهجية للجغرافية البشرية وطرائقها جميعها. على هذه الصورة يجب أن يكون التفاعل الأمثل بين المنهجية الفلسفية ومنهجية الجغرافية البشرية، والعمليات البحثية المعنية في الجغرافية البشرية. ومما لاشك فيه أن غياب أية حلقة في سلسلة التفاعل المدروسة يخلق إرباكاً وتشويشاً أكيدين في عملية البحث، بل ستنعكس آثارها السلبية بشكل ملموس على نتائج المعرفة العلمية.
    بهذا الشكل من المخطط المدروس تظهر الفروقات والاختلافات الوظيفية لمقولتي «المدخل» و«المنهج» في سياق عملية البحث.إلى جانب ذلك ونظراً إلى الوحدة الجدلية لعملية البحث، والعلاقة الوثيقة بين المدخل والمنهج، فإن الأول «المدخل» يشير إلى كيفية المحاكمة والتفكير، فيبرز تحديداًً بمنزلة منهج معرفي ، ولذلك نلاحظ في كثير من الأحيان في المصادر الجغرافية البشرية اعتبار المدخل والمنهج بمثابة مفاهيم متقاربة ومترادفة كما هو الحال عند ألايف Alaev، و أنو تشين Anuchin وغيرهما.
   تعد مثل هذه المواقف في الدراسات النظرية مقبولة تماماً، إلا أن غياب التقويم الدقيق لخصوصية وظائف المدخل والمنهج يمكن أن يترك آثاراً سلبية على نتائجالدراسا ت التطبيقية. عند المراهنة في بعض الحالات على المدخل كمنهج للبحث العلمي لن يكون بمقدور الباحث التعامل مع التنوع في المعطيات المعنية، ومن ثم معالجة المسائل التطبيقية المتشكلة. وفي حالات أخرى فإن التمكن من استخدام مناهج البحث العلمي في ظل غياب مداخل منهجية تمت صياغتها بشكل دقيق يمكن أن
- يتألف علم المنهجية من ثلاثة مستويات:عام(فكري)،وعلمي عام،وعلمي خاص.يتناول المـستوى * الأول منها بالبحث مناهج المعرفة العامة والمبادئ التي تقوم عليها بالوصف والتحليل. 
  تتحول إلى توضيحات منهجية تعزز السعة الاطلاعية للباحث لكنها قد لاتلزمه في شيء. ويمكن أن نسوق مثالاً على ذلك إحباط العديد من العلماء في استخدام مناهج البحث الرياضية التي لم تُؤد في ظل «الثورة الكمية» إلى تبدلات نوعية مهمة في الجغرافية. «فالصعوبة النسبية لقياس العلاقات المجردة ووصفها،أصبح المقياس الرئيس المستخدم لتحديد القيمة العلمية. وقد كانت منهجية البحث قاصرة، ويكمن ضعفها في تجاهلها أو إهمالها لكثير من الجوانب المهمة، وتحديداً فإن النظريات تحدد .(Лавров и др,c.142-143) «العكس وليس المدروسة المعطيات إن الوحدة الجدلية للمدخل والمنهج في المنظومة العامة المتفاعلة للمنهجية، والعمليات البحثية الجغرافية البشرية هي وحدها القادرة على تأمين التوصل إلى النتائج العلمية الحقيقية، وعندئذٍ لابد لمنظومة العلوم الجغرافية البشرية من أن تمتلك في مخزونها العملي مجمل المداخل والمناهج التي تتيح الممارسة الفعالة للبحث في مختلف المستويات المعرفية.
   وكي نُلِم بالمداخل والمناهج المتنوعة الرائدة في الجغرافية البشرية ونحسن استخدامها فإننا نرى أنه من الضرورة بمكان تركيز الاهتمام مرة أخرى على موقع هذا العلم في المنظومة العامة للعلوم. وتتلخص خصوصية موقع الجغرافية البشرية في أنها تدخل في الوقت ذاته كمنظومة فرعية في منظومات العلوم الجغرافية والاجتماعية من ناحية، وتمثل بحد ذاتها منظومة للعلوم الجغرافية البشرية من ناحية أخرى:
أولاًـ يمكن أن تستخدم مستقبلاً و بنجاح المداخل العلمية العامة (المنظومي، المنظومي- البنيوي.. وغيرها) والمناهج العلمية العامة (الوصفي، الرياضي ...) في الجغرافية البشرية، كما هو الحال في أي فرع من فروع المعرفة العلمية المعاصرة. 
ثانياً- تتميز الجغرافية البشرية باستخدام مداخل العلوم الاجتماعية (المدخل التاريخي، المدخل الاجتماعي، وغيرها) وكذلك المناهج المستخدمة فيها (النمذجة الرياضية، والإحصائية الاقتصادية، والموازنة وغيرها).
ثالثًا- كذلك تستخدم في الجغرافية البشرية المداخل الجغرافية العامة (الإقليمي والبيئي وغيرها)، والمناهج الجغرافية العامة(المقارنة الجغرافية، والكارتوغرافي وغيرها).
رابعاً- يستخدم في الجغرافية البشرية مداخل، ومناهج جغرافية بشرية (كالمدخل المشكلاتي)، (ومناهج التقسيم الإقليمي الجغرافي البشري، والكارتوغرافي الاقتصادي، وغيرها).
   أخيراً يستخدم في الدراسات الجغرافية البشرية الخاصة (ضمن فروع الجغرافية البشرية) مداخل ومناهج خاصة بها. مثال: يتمتع المدخل السلوكي بآفاق واسعة في الدراسات السكانية (الجيوديموغرافية) وباستخدام متميز للمؤشرات والصيغ المختلفة بغرض توصيف العمليات والبنى الجغرافية السكانية، والاجتماعية (Gregory, p.27).
   لا شك أن التصنيف الراهن لم يفقد طابعه التوافقي الذي يعد ضرورياً بحكم الوحدة الموضوعية للعالم، إذ تجري دراسة جوانبه المختلفة من قبل فروع المعرفة العلمية المستقلة. تتم في المرحلة الراهنة من تطور العلوم عملية تكاملٍ لمكوناتها أو فروعها المستقلة، ويتحقق في سياقها تداخل متبادل للمداخل والمناهج الفعالة من فرع علمي إلى آخر. وتحول هذه المداخل والمناهج العلمية الخاصة إلى فئة المداخل والمناهج العلمية التخصصية، وارتقاء هذه الأخيرة إلى المستوى العلمي العام وغير ذلك.
    لا يقل أهمية عن ذلك كله أن المدخل العلمي مقولة دينامكية تتميز بقدرات كامنة كبيرة، فالقدرات المعرفية الكبيرة لهذا المدخل أو ذاك، وقدرته على معالجة الاتجاه العلمي المدخل العلمي مدرســة علمیــة فرع من فروع الجغرافیة البشریة المشكلات النظرية والتطبيقية يمكن أن تساعد على انتشاره في أوساط الباحثين ومجموعاتهم البحثية، ويمكن لهذا المدخل فيما بعد أن يتطور ويصبح اتجاهاً علمياً ،أما الأخير فيتحول بدوره إلى مدرسة علمية أو إلى فرع مستقل من فروع الجغرافية البشرية (مثال ذلك: المدخل الاجتماعي) انظر الشكل.(1)
2-المدخل : نظراً إلى القضايا والمسائل المعقدة التي تتناولها الجغرافية البشرية، فقد تم في السنوات الأخيرة نتيجة تأثير التقدم العلمي التقني تطوير في المداخل التي سبق استخدامها، وفي ظهور مداخل جديدة أيضاً. وأثِّر الموقع البيني للجغرافية في منظومة العلوم العامة في تعدد المداخل التي تستخدم في الدراسات الجغرافية وفي تنوعها:

الشكل (1) اتجاهات تطور المدخل العلمي

1- المدخل الإقليمي: يعد مدخلاً عاماً لاغنى عنه لدى دراسة أية مشكلة من المشكلات الجغرافية الطبيعية والبشرية على حد سواء، (Колосовский,c.26). ويركز هذا المدخل على تغير الظاهرات من مكان إلى آخر. كما أنه يتفق وطبيعة الفكر  الجغرافي،فهو يضم الوحدة الداخلية للجغرافية التي أشار إليها دولابلاش de la blache من أنه لاسبيل إلى وحدة الجغرافية بغير الأساس الإقليمي الذي يحقق كذلك استقلالها الخارجي (خير،ص24). ويمثل المدخل الإقليمي خطوة متقدمة في بناء نموذج الوسط المحيط، بغية فهم مشكلة هذا الموضوع التي تُكشف في جانبها المكاني فقط.إن التمكن من الاستخدام الشامل للمدخل الإقليمي في دراسة المسائل الاقتصادية يؤمن الروابط الراجعة الضرورية لاتخاذ القرارات المرتبطة بحماية الوسط المحيط على المستوى الوطني، بل على مستوى كوكب الأرض بشكل أعم وأشمل، والذي يعد الهدف النهائي للسياسات الاقتصادية نحو الوسط المحيط في عصر الثورة التقنية (Cumberland, p.61). وقد حدد بارانسكي ماهية المدخل الإقليمي في دراسة ماهو متميز وخاص بهذا الإقليم فيما يخص الاقتران المكاني للقوة المنتجة (Баранский,c.258). ويتميز المدخل المكاني في الجغرافية البشرية بأنه الأقرب للمدخل المذكور.
    كذلك أكد ن. بارانسكي في دراسته للموقع الجغرافي الاقتصادي ضرورة استخدام المدخل التاريخي في دراسته بوصفه مقولة تاريخية، ويتلخص جوهر هذا المدخل برأيه في أن مقولة تاريخية ماتعني أنها «يجب أن تُحدد في كل مرة وفق المعطيات (الإحداثيات) الزمنية، أي ينبغي النظر إلى الموضوع من وجهة نظر عصر معين وظروف تاريخية محددة» (Баранский,c.148-149)، بمعنى آخر يجب تقويم الموقع الجغرافي الاقتصادي في المراحل كلها، بل وفي كل مرحلة من مراحل التطور (مثال: موقع موسكو ولندن بين الماضي والحاضر).
2- المدخل التاريخي: يستخدم عادة في مختلف الدراسات الجغرافية، إِذْ يسمح بمتابعة مسار تشكل موضوعات الدراسة وتكونها، وإبراز سنن واتجاهات تطورها.
   يعزى الدور المتزايد للمدخل التاريخي في الدراسات الجغرافية البشرية إلى تزايد أهميته لدى الكشف عن طرائق التطور المستقبلي لموضوعات الدراسة، وإعداد الاحتمالات التوقعية والتصورية. وكذلك تغطية المراحل والجوانب الناقصة في تاريخ الدول والشعوب. وهو ما يعزز تأثيره في مسار التطور المستقبلي للظواهر والعمليات موضع الدراسة (Sharygin,p.26). وتُمكِّن دراسة عمليات التطور والتنظيم المختلفة للنظم الاقتصادية والاجتماعية في المكان والزمان من الكشف عن قوانينها الأساسية، وحساب خصائص توزيع الموضوعات الجغرافية، وتركزها وانتشارها، وخصائص تشكل الحدود وتبدلها. كما يتيح المدخل التاريخي إمكانية كشف الجانب الزمني للتنظيم المكاني للمجتمع وإظهار ديناميكية المنظومات المكانية البشرية ومسار تطورها، ويسمح بإدراج مناهج جديدة في إطار البحث لتحديد حركية المكان واستمراريته، .(Чистабаев и др, c.38) ودوراته تطوره وتيرة وكذلك إن أهمية حساب عامل الزمن لدى دراسة المكان الاقتصادي - الاجتماعي والتنظيم المكاني للمجتمع مرده إلى إمكاناته القياسية لدى تقويم فعالية التطور. إن اقتران الزمان والمكان ينعكس عبر ظواهر وعمليات جغرافية معينة يكون خصائص نوعية جديدة للمنظومات المكانية البشرية. فالمدخل التاريخي كمدخل عام يعني أنه يجب تناول الموضوعات -ولاسيما الديناميكية منها كالموضوعات البشرية (الاقتصادية والاجتماعية)- من وجهة النظر الآتية:
أ ـ بنيتها الداخلية، كمنظومة متكاملة (من حيث هي كل واحد) مترابطة عضوياً.
ب ـ عملية التبدل التاريخي للارتباطات الداخلية.
ج ـ إبراز التغيرات النوعية في بنيتها ودراستها.
د ـ إبراز قوانين التطور والكشف عنها.
   فالمدخل التاريخي يستخدم بشكل واسع في الدراسات الجغرافية البشرية لفهم ماهية الموضوعات المعقدة وخصائص تطورها، والتنبؤ الجغرافي السليم لها،وتقويم الموضوعات المتطورة بشكل متلازم وفي أوقات مختلفة .(تطور المدن والوسط الطبيعي المحيط بها) وكذلك في الدراسات الجغرافية التاريخية (Ром,c.71). 
   تعتمد الجغرافية البشرية حالياً في دراساتها -إلى حد كبير- إلى جانب المدخل الإقليمي والتاريخي على المدخل المنظومي البنيوي والمشكلاتي والاجتماعي والبيئي وغيرها. و يتلخص جوهر هذه المداخل فيما يأتي:
3ـ المدخل المنظومي - البنيوي: يعمل على إدخال جوانب جديدة في معرفة النظم والبنى المكانية، و يساعد على الانتقال من وصف الموضوعات إلى تفسير عمليات توظيفها Functioning، وبناء المنظومات المكانية البشرية، وتحقيق التطور الأمثل لها ولإدارتها أيضاً. ويساعد كذلك في تعزيز روابط الدراسات الجغرافية
البشرية بالدراسات العلمية الأخرى.وقد ظهرت إمكانية عد موضوع الدراسة كصندوق
أبيض لدى دراسة بنيته، وكصندوق أسود لدى دراسة المدخلات والمخرجات، وكصندوق رمادي لدى دراسة تفاعل عناصر البنية الداخلية، والوظائف الخارجية (Чистабаев и др,c.243). تقتضي معرفة الواقع الجغرافي البشري استخدام هذا المدخل، وهو بدوره يؤدي إلى معرفة التنظيم الداخلي ،ومنه إلى فهم المنظومة ككل متكامل. كذلك فإن تحديد التناسب الداخلي ومستوى ترابط البنى الوظيفية للمكونات يؤدي إلى فهم الجوهر المنظومي لموضوع الدراسة. كما يلزِم المدخل المنظومي البنيوي الباحث بتناول الموضوع أو المشكلة ككل متكامل، بدءاً من تحديد الاحتياجات والأهداف، وتبيان طرائق الحل، وصولاً إلى حساب النتائج المحتملة أو المؤكدة، وإلى تقديم الاقتراحات العلمية (Ефреов,c.81).
   يؤدي تطور الوظيفة المعلوماتية للجغرافية إلى تحولها من تسجيل معلومات المرة الواحدة وتعميمها إلى التسجيل المستمر في الزمان والمكان- المراقبة،وإلى الاستخدام الواسع للنمذجة الرياضية. ويقتضي هذا المدخل تحديد بنية المنظومة،و معاييرها وصياغتها (Василевский И др,c.243). يضم المدخل المنظومي البنيوي كمفهوم عام اتجاهات منهجية متنوعة (المدخل المنظومي ذاته، والتحليل البنيوي الوظيفي وغيره)، تمتلك هذه الاتجاهات إلى جانب بعض الفروقات والاختلافات أشياء مشتركة مهمة تضم عناصرها وتوحدها. (Гохман и др,c.65). يختتم هذا المدخل بعملية إدراج نتائج البحث – أي إدراج البيانات التي تم الحصول عليها على شكل خطوط بيانية، أشكال، خرائط، مخططات وغيرها، وتتجسد في الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية للمكان، وخطط التخطيط الإقليمي، والبرامج الإقليمية، ويتم تناولها على شكل اقتراحات تخضع للتنفيذ(على شكل نظرية، علاقة، فرضية، قوانين وغيرها) يجب أن تؤخذ بالحسبان في الدراسات اللاحقة.
3-مدخل إعادة الإنتاج Reproductional Approach : يستخدم هذا المدخل بشكل متزايد في الدراسات الجغرافية البشرية،وتعود بدايات استخدامه إلى ستينيات القرن الماضي لدى دراسة عملية تشكيل الأقاليم. وقد شهدت القواعد الرئيسة لمقولة "إقليم" كمنظومة مكانية لإعادة الإنتاج تطوراً ملحوظاً في أعمال عديدٍ من الجغرافيين.
   تُوجه الدراسات المرتبطة بعمليات إعادة الإنتاج التي تجري في الأقاليم نحو تنسيق تطوير الفروع، وإيجاد التوافق بين الاحتياجات والموارد، والاستخدام المتكامل لموارد الإقليم،، وترشيد الروابط الاقتصادية والنقلية، وتوزيع الإنتاج، وتوطن السكان. عدا ذلك فإنها موجهة نحو تحديد أولويات التنمية في الأقاليم، والقطاعات المهمة فيها، وكذلك الموارد المادية والمالية اللازمة للتطوير المتوازن للأقاليم والقطاعات (Чистабаев и др,c.40) تتوجه هذه الدراسات في نهاية الأمر نحو إيجاد الحلول الملائمة لمسائل زيادة فعالية التخطيط الإقليمي، وتعزيز دوره في تطوير الأقاليم، وكذلك اتخاذ الإجراءات الضرورية للتغلب على التشتت بين الإدارات والمصالح، و تحقيق التفاعل والتكامل بين الإدارات الإقليمية والقطاعية بهدف إيجاد حلول بنَّاءة للقضايا التنموية الاقتصادية الرئيسة.هذا وتشكل دراسة عمليات إعادة الإنتاج في الأقاليم أساس استخدام المدخل المشكلاتي في الدراسات المكانية. 
4- المدخل المشكلاتي: إن استخدام المدخل المشكلاتي لا يمثل ظاهرة جديدة في الجغرافية، فهو مستخدم منذ مطلع القرن الماضي، إلا أن المشكلات استخدمت بشكل تقليدي، وتم إيجاد حلول لها من قبل الباحثين في هذا المجال نتيجة جهودهم الفردية أو الجماعية في مجال البحث العلمي! إن اقتحام المدخل المشكلاتي لجميع مجالات العلم أمر يدفع البحث العلمي قدماً نحو الأمام. كما أن دور الدراسات المشكلاتية عظيم جداً، خاصة في أثناء دراسة المنظومات المعقدة كتلك التي يتم فيها التفاعل بين البيئة والمجتمع.
   تحتل الجغرافية البشرية في هذا الوقت الذي نشهد فيه تعزيزاً للبحث العلمي المشترك موقعاً متميزاً في دراسة القضايا المعقدة. ومن بين هذه القضايا تكثيف الإنتاج في مختلف الظروف الطبيعية والبيئية، واستصلاح الموارد الطبيعة في المناطق ذات الظروف الصعبة. وتمتاز هذه القضايا بشموليتها وتعدد جوانبها، فضلاً عن غموض نسبي لنتائج الحل النهائية (Sharygin p.28).
   وليس المهم توقع ظهور المشكلة فقط، وإنما التخطيط لحلها مسبقاً، آخذين بالحسبان مجموعة كبيرة من الروابط الداخلية والخارجية، المباشرة وغير المباشرة.
   يفترض الطابع الفاعل للدراسات الجغرافية البشرية المشكلاتية حساب إمكانية اختلاف اتجاهات تأثير العوامل البيئية والبشرية في توظيف المجتمع في جانبه المكاني. تكتسب أهمية منهجية في هذه الظروف مسألة كيفية اختيار المشكلة الملحة من بين مجموعة متنوعة من المشكلات لهذه المرحلة من مراحل تطور المجتمع، وكيفية تحديد المعايير الزمنية والمكانية لمعالجة هذه المشكلة أو غيرها. ويجب على الجغرافية البشرية تقديم الإجابة عن هذه الأسئلة أو سواها بالاشتراك مع العلوم الأخرى في أقرب وقت ممكن. 

وقد صِيغَ هدف الدراسات المشكلاتية بشكل دقيق على يد جون. ف. غاردنر Gardner الذي كتب :(تمتاز كل الأمم بالقدرة على إيجاد مشكلات جديدة بالسرعة نفسها التي تحل فيها المشكلات القديمة) (Gardner, p.15 ).

5- المدخل الاجتماعي :حمل التوسع في دراسة الجانب الاجتماعي من تطور المنظومات المكانية البشرية معه إدخال المدخل الاجتماعي في الدراسات الجغرافية البشرية، واضعاً في رأس أولوياته مصالح الإنسان، ووحدة الناس والمجتمع بشكل عام.(Алаев,c.26)

  يستخدم هذا المدخل من أجل تلبية الطلب على البحوث المكانية، وإبرازالظروف الاجتماعية للتنظيم المكاني للمجتمع، وكذلك للتوظيف المكاني للجماعات البشرية، ودراسة المنظومات المكانية البشرية، ومستوى السكان ونوعيتهم وأسلوب حياتهم، لذلك كله يجري التوسع في استخدام البحوث الاجتماعية التجريبية (المقابلات، الاستبانة، وغيرها).

إن حدود المنظومات المعرفية متحركة، إذ يمكن أن تكون اليوم هنا حيث لم تكن البارحة، وغداً هناك حيث لم تكن اليوم! فهي منظومة ديناميكية، توافق مدخلاً علمياً معيناً لأجل معرفة العالم الموضوعي. من بين هذه المداخل ما تم تطويره بشكل كافٍ فتحول إلى منظومة معرفية خاصة، مشكلاً ما نسميه الجغرافية أو الفيزياء. أما المداخل الأخرى فقد بدأت بالتطور ضمن منظومة المعرفة مغطية نشاطات العلومالمتشكلة، علماً أنه في هذا المجال لا بد من التطرق إلى دور المدخل البيئي.

6- المدخل البيئي: من غير الممكن تطوير نظرية الجغرافية في الوقت الراهن دون عرض واضح لارتباطاتها بالمدخل البيئي، والذي تعد أهم سماته الدراسيةالتحليلية التفاعل بين البيئة والمجتمع على قاعدة التوازن الديناميكي بين الإنسان وبيئته. ونتيجة لذلك، فإن الحديث يدور حول مشكلة علمية عامة تدخل في مجال اهتمام مجموعة واسعة من العلوم الطبيعية والإنسانية والتقنية وليس الجغرافية فقط. 
   إن مسألة التحديد الدقيق لمثل هذه المجالات العلمية العامة تغدو حاجة ملحة وضرورية، ولاسيما ما يتعلق منها بالتحديد الدقيق للمشكلة والتنظيم السليم للدراسة.

يستند الانتشار الواسع للمدخل البيئي -إلى حد كبير- إلى الأسس والمناهج التي أُعِدتْ ضمن العلوم الجغرافية، وكذلك إلى النتائج التي تم التوصل إليها. إنه مفيد دون شك وسوف يساعد في تطوير الجغرافية حتى من الناحية العلمية، إلا أن بعض المشكلات التنظيمية المعروفة التي لم تجد حلاً لها ويمكن ملاحظتها بدرجة كبيرة في العلوم الجغرافية لا تسمح لها باستخدام الحالات الذاتية والموضوعية الملائمة بالقدر الكافي والتي تستدعي اهتماماً واسعاً بالمشكلات البيئية التي يقوم عليها تحديداً جوهر الدراسات الجغرافية التي تقدم لها (الخرائط بيدها)، وفي ذلك تكمن الأزمة الحقيقية والملحة للمشكلات الجغرافية العلمية التنظيمية.

   إن تعزيز المدخل البيئي يغني الجغرافية ويساعد على تعزيز الجانب البيئيفيها Ефреов,c.80)) . وفي هذا السياق يؤكد لووينتال lowental وزملاؤه أنالجغرافيين يمكن أن يصبحوا رواداً متميزين في مجال التعليم البيئي مدعماً رأيه بالأدلة الآتية:

1ـ سعة تأهيل الجغرافيين وقدرتهم على معالجة معطيات متعددة المصادر وتركيبها.

2ـ ميلهم إلى تصور السببية متعددة العوامل.

3ـ قدرتهم على التعامل مع قدر كبير من المعلومات المتنوعة واستخدامها.

4ـ ميلهم التقليدي إلى دراسة عملية التوزيع.

5ـ خبراتهم الكبيرة في مجال هذا النشاط الأخير.

  ساعد هذا كله على اكتساب الجغرافيين لهذه المعارف الخاصة، وطور لديهم سعة الاطلاع والتعمق لدى دراسة مسائل فهم الوسط المحيط واستيعابه (lowental,et al, p.29).

ىىيفتح المدخل البيئي آفاقاً واسعة أمام التأسيس العلمي للمقولات الأساسية فيالجغرافية البشرية. إذ يمكّن من الكشف بشكل أعمق خصائص المكان، وعمليات تفاعل المنظومات المكانية البشرية مع الوسط الطبيعي المحيط. كما يتيح إبراز العلاقات الداخلية والخارجية لهذه العمليات أو الموضوعات محل الدراسة إمكانية الانتقال إلى المستوى المتشكل (النموذجي) في دراسة التوازن الديناميكي للمنظومات المكانية البشرية مع الوسط الطبيعي المحيط. إذ تم الإقرار ومنذ أمد بعيد بالمعنى ذاته المكونات البيئية والبشرية في منظومة التطور الثابت للمكان.

- المدخل الجغرافي: تظهر ماهية هذا المدخل في الأسس الأربعة التالية: المكانية

.(GlobalityАлаев,c.262) .(العالمية) والكوكبية ،التحديد ،integrity التكاملية ،territoriality

  تعد لأسس الثلاثة الأولى تقليدية في الجغرافية البشرية وسمة أساسية من سمات البحث العلمي فيها، أما الأساس الرابع - الكوكبية فقد ظهر فيما بعد، وهو مرتبط بالثورة العلمية التقنية، عندما اكتسبت تلك النوعيات للغلاف الجغرافي Geoverse والمعمورة Oecumene كالوحدة والحدية Maximization أهمية بالغة. بلغ التأثير البشري فيالوسط المحيط مستويات مرتفعة، ومازال يتطور بوتائر متسارعة،تطور فيه الخلل فيالانسجام على المستوى الخاص والمحلي فيما يخص الاقتصاد والبيئة خلال مدة قصيرة إلى مشكلة إقليمية ووطنية، حولت في النهاية إلى مشكلة عالمية. من بين أبرزهذه المشكلات العالمية في الوقت الراهن نذكر: المشكلات البيئية والديموغرافية والغذائية ومشكلات الطاقة، والتصحر.
-المدخل الهدفي (الغائي): يظهر جوهره في الدراسات الجغرافية البشرية التطبيقية بحكم طبيعتها ما قبل التخطيطية في النقاط الأساسية الآتية:

- تحديد أهداف توظيف المنظومة البشرية المكانية المدروسة،بالاعتماد على تحليل تفاعلها مع منظومات ذات مستويات مراتبية أعلى.

- تحليل مدى عقلانية بنية المنظومة بخصوص أهداف توظيفها. 

- تقويم ظروف وعوامل توظيف المنظومة من حيث درجة ملاءمة الأهداف.

- تحديد أهداف التطور المستقبلي الممكنة للمنظومة عن طريق تحليل الحالات الإشكالية.

- دراسة البنية الراهنة للمنظومة،وظروف وعوامل تطويرها بما يخص الأهداف المستقبلية المفترضة.

  لا يعد أي من المداخل التي سبق ذكرها أو التي لم تذكر مدخلاً عاما ًشاملاً Universal. لذلك فإنه لدى إجراء الدراسات الجغرافية البشرية لابد من استخدام رزمة متكاملة من المداخل المنهجية.

3-المنهج: يمثل المنهج مجموعة الطرائق والأساليب (الإجراءات والعمليات) التي يستخدمها الباحث للكشف عن الحقيقة،وتختلف طرائق البحث وأساليبه من علم إلى آخر،بل حتى ضمن العلم الواحد، تبعاً لدرجة تقدمه ونواحي تناول الموضوع ومستوياته. ويؤكد فيلسوف المنهج العلمي الشهير كارل بوبير أن  منطق العلم ومنهجه وجهان لعملة واحدة (Popper,P.59). كما يؤكد السير هيرمان بوندي أن العلم ببساطة ليس شيئاً أكثر من منهجه. والمنهج بصفة عامة هو طريقة تنظيم عملية اكتساب المعرفة العلمية، إنه المبادئ التنظيمية الكامنة في الممارسات الفعلية للباحثين الذين انخرطوا في إنتاج المعرفة العلمية والإضافة إلى نسق العلم (صليبا، ص71). تصنف مناهج العلوم في ثلاثة مجموعات: عامة (فكرية)،علمية عامة،علمية خاصة.

أولاً- المناهج العلمية العامة: طرائق وأساليب معرفة الواقع التي تُستخدم في العديد من العلوم.تستخدم الجغرافية البشرية بشكل واسع هذه المناهج ومن أبرزها:

1- منهج الموازنة: ويؤدي إلى جانب المنهج المعياري دوراً مهماً في دراسة المشكلات البيئية الإقليمية والعالمية . يتم على أساسه وضع النماذج الاقتصادية البيئية(Sharygin, p.29) المدخل والمنهج في الدراسات الجغرافية البشرية يتمثل دور منهج الموازنة ووظائفه التقليدية (تحليل العلاقات الحياتية المهمة للدول والأقاليم واستشراف آفاقها المستقبلية، وإبراز إمكانات التطوير اللاحق للإنتاج، وكذلك إيجاد روابط قطاعية داخلية، وقطاعية بينية، وإقليمية، وإقليمية بينية) في تحقيق وحدة أجزاء الكل الواحد ـ بين عناصر الطبيعة ومكونات المجتمع (Воронин. и др,c.30).

  وقد أدى ظهور مسألة عدم التوازن الحاد في العقدين الأخيرين إلى خلل في المبادئ الأساسية للتطور المكاني الراسخ للدول، الذي يؤدي في حال توافق

الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية إلى تطور مكاني متوازن وطويل الأجل بمقاييس كبيرة. ويعتمد التطور المكاني المتوازن على المبادئ الأساسية الآتية:

1ـ السياسة الحكومية في مجال التطوير المكاني للدولة واتجاهاتها الأساسية.

ـ العلاقات القطاعية البينية، والإقليمية البينية، والدولية، بوصفها عناصر مهمةللتخطيط الإقليمي.

ـ الأقاليم الاقتصادية كأساس للمساعدات والتعاون المتبادل.

ـ تحقيق التكامل مع الدول العربية المجاورة، وكذلك مع غيرها من الدول.
ـ تنوع الثقافات.

2ـ حساب خصائص القطاع الخاص في التطوير المكاني.

3ـ إنعاش السياسات التخطيطية الراسخة التي تسمح بـ:

ـ تحقيق الوحدة المكانية من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة

للأعضاء.

ـ إيجاد قدرة تنافسية سليمة على أسس قانونية أو شرعية.

ـ تأمين تطور متوقع يتيح بوسائل حضارية تقليص الفوارق بين المناطق الريفية والمدن.

ـ إيجاد ظروف متماثـلة من حيث سهـولة الوصول المكاني.

ـ تحسين إمكانية الوصول إلى المعلومات وكذلك إلى المعرفة. 

ـ الحد من الأضرار التي تلحق بالوسط المحيط نتيجة التأثير البشري والكوارث الطبيعية.

ـ تنـمية الموارد الطبيعية وحمايتها وكذلك الإرث الطبيعي.

ـ تأمين التطوير العقلاني والفعال لموارد الطاقة التي تلبي الاحتياجات الأمنية.

ـ تطوير الإرث الثقافي وكذلك السياحة الدائمة ذات النوعية العالية.

من وجهة نظرنا يستند المبدأ الرئيس للتطوير المكاني الراسخ للدولة إلى

* التقسيم الجغرافي للعمل، وهو مبدأ لا يمكن تحقيقه من دون نشطات تنسيقية في مجال التخطيط الإقليمي الذي يغطي المدن والمناطق الريفية. وينبغي لهذا التخطيط أن يدفع في المستقبل باتجاه التخطيط بين الدول العربية كما يحصل إلى حد ما بين دول مجلسوالتعاون الخليجي. وقد أكدت تجارب دول الاتحاد الأوربي فاعلية إيجاد سياسات

تخطيطية بين الدول بل ضرورتها، ولا تقتصر هذه السياسات على تحقيق نتائج اقتصادية واجتماعية جيدة فقط بل الحفاظ على الحالة البيئية الصحية واللاندشافتالحضاري، والحد من ضياع الأراضي أيضاً.

2- ترتبط إمكانية التطوير المكاني الناجح، الموجه نحو تحسين حياة الإنسان - إلى حد كبير- بمشاركة الدول جميعها أو غالبيتها في التخطيط الإقليمي، للتمكن من

إحياء المناطق جميعها، أي يجب أن تُكون وحدة تصنيفية Taxonomy unit قادرة علىالحياة. وتحدد القدرة على الحياة بأنه ذلك السلوك الذي يسلكه الإنسان في الحياةالاجتماعية للمكان أو الدولة عموماً، والذي لا يلبي فقط الاحتياجات المتزايدة للجيل الحالي، بل يؤمن التطور لأجيال المستقبل. كما يتضمن أيضاً استخدام الموارد المعدنية الخام ومستوى التطور التقني، ومستوى استثمار القوى العام

- عملية تخصص إقليم،دولة،مجموعة دول بإنتاج نوع معين من المنتجات والخدمات علـى أسـاس * التبادل المتطور.

المدخل والمنهج في الدراسات الجغرافية البشرية

المحيط، والحالة الصحية للأمة، والإرث الثقافي للشعب الذي يقيم على أرض الدولة.

وتبعاً لذلك، فإن الطموحات الاقتصادية والاجتماعية للدول وكذلك الاستثمارات المحلية والأجنبية يجب أن تتوافق مع الوظائف البيئية والثقافية المعنية لشخصية الدولة، كما أن إستراتيجية التطوير والاستثمار من ناحية الإجراءات الاستثمارية يجب ألاّ تأخذ بالحسبان خصائص كل إقليم من الأقاليم فقط بل الأمن القومي كذلك. وهو أمر يمكن معالجته بنجاح إذا ما وضعت في أساس إستراتيجية التطور المكاني نماذجاقتصادية بيئية مبنية بشكل علمي سليم، وتستخدم منهج الموازنة بشكل واسع.من المتعارف عليه أن المشكلات البيئية تنحصر في ثلاثة مستويات:

أ- محلية بيولوجية (صحية - وقائية).

ب - إقليمية (نظم جغرافية طبيعية- بشرية).

ج – عالميـة (على مستوى الغلاف الحيوي).
  
  تبعاً لمقياس التأثير في الوسط المحيط وعوامله ومصادره فإن هناك إمكانيةللتفصيل بدرجة أكبر لهذا التقسيم الذي يحدد أنواع المراقبة البيئية،إذ يمكن التمييز بين أنواع المراقبة البيئية الآتية:

ـ حيوية بيئية.

ـ جغرافية بيئية.

ـ غلافية حيوية.

ـ جيوفيزيائية.

ـ مناخية.

ـ صحة السكان وغيرها.

   إن كل نوع من أنواع المراقبة هذه تتبعه أهدافه المعنية، ويستخدم كل واحد منها مداخل منهجية متنوعة، إلا أن ما يوحدها هو أمر واحد يتمثل في تحديد حالة التوافق بين المكونات الحيوية واللاحيوية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي. 

أما المنهج المعياري: فلا يقتصر دوره على إعداد المعايير والمعدلات العلمية السليمة في استخدام وسائل العمل ومادته، ونفقات العمل، وتنظيم الإنتاج، بل في آثارها السلبية كذلك – أي طرح المواد الملوثة والسامة في الوسط المحيط التي تؤثر بالنتيجة في الحالة الصحية للإنسان.

2- المناهج الرياضية: هي مجموعة الطرائق والأساليب الخاصة التي تُمكن بدرجة عالية من الدقة القيام بدراسة الظواهر والعمليات الجغرافية المختلفة،ومعرفتها وبنائها لغايات علمية وعملية. تستخدم في الدراسات الجغرافية البشرية جميعها بلااستثناء، إذ إنَّها تتيح إمكانية الحصول على نتائج موثقة لدى معالجة البيانات وتفسير النتائج الحاصلة وتدقيق أشكال الظاهرات محل الدراسة ومضمونها. ومن ثم فلا غنى عن دورها لدى تحليل القياسات والمؤشرات الكمية، وتقويم ترابط الظواهر والعمليات الاقتصادية - الاجتماعية وتفاعلها، وإيجاد السنن المكانية، وكذلك لدراسة ديناميكية المنظومات المكانية، وإعداد نماذج .(Гуревич и др,c.8)ْ

  تعد عملية إعداد طرائق رياضية جديدة مماثلة في تعقيداتها وتوجهاتها للظواهروالعمليات الجغرافية البشرية واحدةً من المسائل المنهجية الملحة، على أن أهم هذه الصعوبات ترتبط بضرورة تمثيل التنظيم المكاني للمجتمع، ولاسيما جانبيه الزماني والمكاني، وكذلك المنظومات المكانية البشرية المتنوعة من حيث هي كل واحد.
يزيد اقتران المناهج الرياضية بالمناهج المنطقية في عمق الدراسات الجغرافالبشرية الأساسية، ولاسيما أن هذه المناهج تعد من بين المناهج الرائدة التي لها قصب السبق في الكشف عن تلك المقولات المهمة: كالتنظيم المكاني للمجتمع، والمكان، والمكان الجغرافي الاجتماعي... وغيرها. لذلك فمن أجل التطوير الناجح للدراسات الجغرافية البشرية لا بد من استخدام مجاميع جديدة من المناهج مقترنة بالمناهج


المدخل والمنهج في الدراسات الجغرافية البشرية العلمية العامة. تظهر في الجغرافية اتجاهات منهجية ذاتية، كما تتشكل على حدود المناهج العلمية العامة المناهج الجغرافية الرياضية والجغرافية الإحصائية... وغيرها.

يمتلك المنهج الجغرافي الرياضي آفاقاً رحبة في تطوير الجغرافية البشرية حاملاً جوانب مهمة في إعداد النظام المفاهيمي، ويزيد اقترانه بالمناهج التقليدية من دقة الدراسة ومردودها، وفي الضبط والتأسيس العلمي للمفاهيم، ويمكن القول دون مبالغة في دور المناهج الرياضية أن الجغرافيين البشريين يستخدمون بشكل واسع مسائل رياضية تقليدية ومعدلة،وقد انتقلوا إلى إعداد مسائل جغرافية رياضيةمتخصصة ومعالجتها.

كذلك يفتح منهج النمذجة الرياضية آفاقاً جديدة لتطوير النظام المفاهيمي لهذا العلم وتعميقه، كما أن إعداد النماذج الاحتمالية الديناميكية الخاصة التي تستعيد بنية المنظومات المكانية البشرية وعمليات تطورها تتيح الآن إمكانية التمثيل الأكمل لماهيتها والانتقال إلى مستوى الأمثَلة (الحالة المثلى) وتوليف تطورها المحتمل .(Агафоноф и др,c.816)

تمتلك مناهج الاختبارات الإحصائية أيضاً (مثال: منهج مونتي كارلو)، ونظرية المباريات، والمجموعات،إمكانات استكشافية كبيرة، واستخدامها في الدراسات الجغرافية البشرية التي تسبق التخطيط وإعداد المشاريع يزيد كثيرا ًمن مصداقية إعداد اتجاهات تطور المنظومات المكانية البشرية وسرعتها وتنبؤاتها. تتطلب مقولة المكان الجغرافي الاجتماعي إعادة استيعاب المخزون المنهجي وتوسيعه. ولإيجاد الظواهر والعمليات المتواصلة وإبرازها لا بد من اعتماد مفهوم المجال الجغرافي، أما فيما يخص الظواهر والعمليات المتباينة فيجب اعتماد تدابير وإجراءات التجزئة والتفاضل وغيرها. إلى جانب ذلك ظهرت الحاجة إلى دراسة أشكال المنظومات، والعمليات الاقتصادية الاجتماعية المتنوعة، وإعادة الإنتاج، والتكامل واللاتكامل، والتجميع، واللاتجميع، والتركز، والانتشار.. وغيرها.

3-المنهج الكارتوغرافي: يحقق أفضل النتائج لدى دراسة مقولة المكان أو الظاهرات والعمليات المكانية. ويتمثل دور هذا المنهج في استخدام الخرائط من أجل وصف الظواهر وتحليلها وفهمها للحصول على معارف ومعطيات جديدة عنها، ودراسة ترابطها المكاني وتنبؤاتها (Салищев,c.264)

    إن الخرائط البشرية (الاقتصادية والاجتماعية) التي تمثل نموذجاً لموضوع الدراسة، تعكس بشكل أكمل البنى والعمليات المكانية، كما أنها تحمل معلومات غنية يجب أن نكون قادرين على قراءتها وتحليلها وتعميمها. وقد توسعت في السنوات الأخيرة موضوعات الخرائط الاقتصادية الاجتماعية التي تعكس مختلف جوانب

التنظيم المكاني للمجتمع، كما أُعِدتْ خرائط توزيع المكونات الاقتصادية الاجتماعية، والتغيرات المكانية ـ الزمنية للمنظومات المكانية البشرية. وظهرت خرائط التنبؤ، وخرائط الروابط والعلاقات المتبادلة وما شابه ذلك. وأُدرِجت بشكل واسع طرائق جديدة لرسم الخرائط بما فيها الخرائط الآلية، وصارت الخرائط الاقتصادية والاجتماعية تستخدم في الدراسات التعليمية والإقليمية، وفي البحوث التي تسبق المشاريع، وفي تطبيقات التخطيط والتنبؤ. ولم يقتصر الأمر على الانتقال في الدراسات الجغرافية البشرية من المناهج التحليلية إلى المداخل المركبة لها فقط، بل لوحظ كذلك الانتقال في المنهج الكارتوغرافي من الخرائط التحليلية السائدة إلى إعدادالنماذج الكارتوغرافية المركبة الجامعة التي تعكس الموضوعات الجغرافية المعقدةالتي تظهر ترابط الاقتصاد والعمران، والاقتصاد والوسط الطبيعي المحيط،والتنظيم  الاقتصادي المكاني.(Никольский, c.42)

  وظهرت كذلك توجهات جديدة لتطوير المنهج الكارتوغرافي نتيجة اقترانه بالمناهج الرياضية، وهو ما يتيح إمكانية تشكيل سلسلة من الخرائط الطبوغرافية المتجاورة والخرائط اللاشكلية.

ثانياً - المناهج العلمية الخاصة: تم في الجغرافية البشرية إعداد منظومة متكاملة من المناهج العلمية الذاتية وصياغتها، ويعد منهج التقسيم الإقليمي الجغرافي ودورات إنتاج الطاقة، والموارد أكثرها انتشاراً.

1- منهج التقسيم الإقليمي الجغرافي البشري: يمثل منهجاً متميزاً من مناهج التحليل والتركيب العلمي للموضوعات والظواهر المعقدة واستشرافاتها وتخطيطها وإدارتها. وهو يتيح إمكانية الفهم الأعمق لخواص توزع الظواهر والموضوعات المدروسة، ومسائل تنظيمها المكاني بشكل عام. فالتقسيم الإقليمي الجغرافي البشري هو إجراء هيكلة للنشاطات البشرية بموجب مؤشراتها وخصائصها، التي تظهر بشكل أفضل من خلال الأسس والمقاييس والمؤشرات المناسبة. ويعد هذا المنهج جزءاً لا يتجزأ من الدراسات الإقليمية التي تسبق التخطيط وإعداد المشاريع أيضاً، وهو الأداة العملية للإظهار الموضوعي للأقاليم (المنظومات) الصناعية، والزراعية، والسياحية،والبشرية، من مستويات مرتبيه hierarchical مختلفة. كذلك تمت في السنوات الأخيرة إعادة توجيه التقسيم الإقليمي لأغراضٍ تنظيمية. وفي المقام الأول نحو تطوير التنظيم الإقليمية والإدارة ،للمجتمع المكاني.(Гуревич и др, c.32) 

  يتمتع التباين المكاني بأهمية كبيرة في الدراسات الجغرافية البشرية، إذ يتيح إمكانية إظهار أقاليم من مراتب مختلفة وتمييزها. تبعاً لذلك يكتسب الكشف عن علاقة التقسيم الإقليمي الجغرافي الاقتصادي المركب بأنواع التقسيم الإقليمي القطاعي (لقطاع واحد) والقطاعي البيني (لقطاعين أوثلاثة) أهمية منهجية خاصة. إذ تقوم بينها روابط وثيقة وعلاقات تبعية. وتعد الأقاليم القطاعية (الأقاليم الزراعية مثلاً) والقطاعية البينية (الزراعية الصناعية) أحد المكونات الأساسية للأقاليم المركبة (المتكاملة) أو مرحلة من مراحلها من جانب، ومن جانب آخر تمثل حالة مستقلة بذاتها(لها حدودها الخاصة وغير ذلك).

  نشأت حالة خلافية فيما يخص التقسيم الإقليمي الجغرافي البشري (الاقتصادي والاجتماعي) والتقسيمات الإقليمية الإدارية، ووفقاً لأسس التقسيم الإقليمي الجغرافي البشري فإن الوحدات الإقليمية الإدارية يجب أن توافق الأقاليم الموضوعية التي تم تمييزها. ويجب أن يتم تشكيل حدود الأقاليم البشرية من مختلف المستويات المرتبية إدارياً أيضاً. و كثيراً ما يتم خرق هذا المبدأ من الناحية العملية، ولاسيما المستويات المتوسطة والصغيرة، فلا بد من أجل التحقيق الكامل لهذا المبدأ من إجراء التقسيم الإقليمي الجغرافي البشري بشكليه العام والتفصيلي، آخذين بالحسبان ظروف التشكيل المعاصرة. ولا تصبح الأقاليم التي تم تمييزها خلايا لنشاطات الإنسان الحيوية فقط، بل المكان الذي تتم فيه هذه النشاطات، وهي كذلك قادرة على التطور والتمويل والإدارة الذاتية.

2- منهج دورات إنتاج الطاقة: لتـعزيز الجانب التطبيقي في الدراسات الجغرافيـة البشرية لا بد من التوسع في استخدام هذا المنهج مما يتيح إمكانية المتابعة الأفضل لتأثير الإنتاج البشري في الطبيعة، إِذْ إن كل دورة من دورات إنتاج الطاقة تستند إلى مجموعة معينة من الموارد الطبيعية وتمتلك مجموعة محددة من وسائل التأثير في الطبيعة- ولاسيما الايجابية، التي ينتج منها في كثير من الحالات نتائج سلبية. تمثل دورات إنتاج الطاقة مجموعة العمليات الإنتاجية المنتشرة (الموزعة) في الإقليم الاقتصادي بناء على اقتران هذا النوع من الخامات والطاقة – بدءاً من الأشكال الأولية – الاستخراج والتركيز للخامات إلى الحصول على مختلف أنواع المنتجات الجاهزة، التي يمكن إنتاجها في مكانها انطلاقاً من تقريب الإنتاج إلى مناطق ومصادر الخامات والطاقة، والاستخدام الأمثل لكل مكونات موارد الخامات والطاقة. إذن، تتشكل هذه الدورات على أساس "التفاعل التسلسلي" ابتداء من استخراج أنواع المادة الأولية الخام والطاقة حتى الحصول على المنتجات الجاهزة. وليس ثابتاً في دورات إنتاج الطاقة العمليات الإنتاجية الأولية فقط، بل كذلك مجالات الاقتران الإنتاجي المتجمعة حول عملية محورية جميعها. هنا يجب أن نأخذ بالحسبان أن غياب أي منشأة في إطار هذه الدورات يقلل من الفعالية الاقتصادية للمنشآت الأخرى بل ينعكس سلباً على حجم المنتجات النهائية ونوعيتها. تتحد هذه المنشآت في إطار هذه الدورات طواعية، انطلاقاً من عدة أمور:

المصالح الاقتصادية، والاحتياجات التكنولوجية، والتوفير في حمولات النقل. وتوجه دورات إنتاج الطاقة نحو إنتاج سلع نهائية تلبي احتياجات اقتصاد السوق.وضع نظرية دورات إنتاج الطاقة كالاسوفسكي Kolosovsky وطورها ساوشكين saushkin وآخرون. أكد كالاسوفسكي أن الأسلوب المنهجي للدراسات التعميمية لبعض معطيات التقسيم الإقليمي يمكن أن تظهر في منهج دورات إنتاج الطاقة مقترناً بمنهج الموازنة من حيث العوامل الأساسية، التي تميز العمليات الإنتاجية في الإقليم .(Колосовский, c.36) 

 وتم تناول الجوهر المنهجي لدورات إنتاج الطاقة بشكل مفصل في عمل أوسيبوف Osypove وشاريغن ,اللذين اقترحا دراسة الدورات من جوانب ثلاثة:
محددة  مجردة ، تعميمية ،(Abstractional ) 
.(Осипов, c.120)

دورات إنتاج الطاقة المحددة: تستخدم عند دراسة اقتصاد إقليمي محدد وتمتاز بالخصوصية والفرادة. وهي مرتبطة بالعوامل المحلية الطبيعية والبشرية والاستهلاكية وغيرها، وخصائص القوة العاملة، والتكنولوجيا الإنتاجية المستخدمة ..وغيرها.
إلى جانب الدورات المحددة هناك دورات إنتاج الطاقة المجردة: التي تمثل تعميماً للدورات المحددة من النوع ذاته جميعها، وكذلك الاستشراف المستقبلي للعمليات الإنتاجية المتوقعة. فهي مجموعة قصوى أو حدية من العمليات الإنتاجية التي تجمعت حول عملية محورية أساسية لهذا النوع من الخامات أو الطاقة. كما تدخل الدورات المحددة بشكل دائم وكامل في الدورات المجردة وتتميز ببنية مشابهة لها. أما الغاية الأساسية للدورات المجردة فهي استخدامها عـند برمجة توليفات إنتاجية معينة واستشراف تطوراتها التي تمثل لها النموذج أو المثال الذي تطمح إليه.

   تشغل دورات إنتاج الطاقة التعميمية موقعاً بينياً بين الدورات المحددة والمجردة، بل إنها بمنزلة التعميم للدورات المحددة ذات النموذج الواحد، والمعدة بشكل رئيسٍ من أجل تنظيم الأقاليم الاقتصادية وتنميطها.

وتتمثل أهمية دورات إنتاج الطاقة في الآتي:

1ـ تكشف مجمل منظومة المجمع الإنتاجي للإقليم: إذ تظهر دور الفروع الاقتصادية ووظائفها في عملية الإنتاج، وتبادل المنتجات، وكذلك تشكيل الروابط الإنتاجية والاقتصادية داخل المجمعات (المنظومات) المكانية الإنتاجية.

2ـ تتيح إمكانية التحديد الدقيق لتخصص الإقليم، آخذة بالحسبان وظيفة كل منتج من المنتجات.

3ـ تقتضي استخداماً شاملاً متكاملاً للموارد الطبيعية على أساس تنسيق العمليات الإنتاجية.

4ـ تتيح إمكانية الحصول على فعالية اقتصادية أكبر للإنتاج بفضل الاختيار المخطط لها، والاستخدام الأكمل للموارد أيضاً.

5ـ تهيئ الظروف المناسبة لتأسيس التنبؤ لتطور المجمع الإنتاجي للإقليم ((Никольский, c.27-28) عادة ما يستخدم منهج المجمعات القطاعية البينية المكانية إلى جانب المنهج السابق، إذْ يتيح استخدام هذا المنهج أيضاً المعالجة الدقيقة والسليمة للمشكلات المدخل والمنهج في الدراسات الجغرافية البشرية الاقتصادية الرئيسة، ورسم أهداف التطوير وإيجاد الوسائل لتحقيقها. ولا يعاني هذا المنهج من عيوب الأسلوب القطاعي المعني، وباقترانه بمنهج دورات إنتاج الطاقة يمكن أن يقدم نتائج جيدة ملموسة (Шаблий,c.28) .

منهج دورات الموارد: يستخدم بشكل واسع لدى دراسة عمليات التفاعل القائمة بين المنظومات المكانية البشرية والموارد الطبيعية. ويتيح هذا المنهج إمكانية كشف مجمل التحولات في الزمان، والتحركات في المكان لعناصر الطبيعية (والطاقة) خلال عملية معالجتها واستخدامها من قبل الإنسان.

  يعد كومار Kumar مؤسس اتجاه دورات الموارد، فقد تناول في دراسته تبادل المادة في منظومة "البيئة –المجتمع- البيئة" . وقسم فيها عملية تبادل المادة بين المجتمع والبيئة بمجملها إلى ست دورات عامة للموارد، مع منظومة من الدورات
الفرعية الأكثر تفصيلاًوهي الآتية:

1- دورة الطاقة ومصادر الطاقة مع الدورات الفرعية للطاقة الكيميائية والطاقة المائية.

2- دورة الخامات المعدنية والمعادن، مع الدورة الفرعية للتكويك*.

3- دورة المعادن اللافـلزية مع مجموعة من الدورات الفرعيـة.

4- دورة الموارد الغابية، مع الدورة الفرعية الكيميائية الغابية.

5- دورة الموارد الترابيـة- المناخيـة والخامات الزراعيـة.

6- دورة موارد النبيت والوحيش البري، مع سلسلة من الدورات الفرعية المرتبطة بصيد الأسماك، واقتصاد صيد حيوانات الفراء.

  كل دورة من هذه الدورات تتضمن اكتشاف عناصر الطبيعة (والطاقة) واستخراجها، والعودة من جديد إلى الطبيعة (على شكل مخلفات)،عادة ما تستخدم في*

- تحويل الفحم إلى كوك. 

 الدراسات الفعلية منظومة أكثر تفصيلاً وتحديداً من دورات الموارد . ظهرت على أساس اتجاه دورات إنتاج الطاقة ودورات الموارد فكرة بناء دورات العناصر المادية لتشكيلات المنظومات المكانية البشرية البنيوية (Sharygin, p.88) .

تتمثل مجموعة دورات العناصر المادية العامة في الأنواع الآتية:

1ـ- الطاقة الحرارية 2- التعدين- وصناعة السيارات 3ـ الغازية البتروكيميائية 4- الغابية الصناعية 5- الكيميائية الأحفورية 6-الزراعة الصناعية 7- البناء8 -الاقتصاد المائي 9-الدورات القائمة على أساس استخدام موارد الجو وغيرها.

  تتميز مجموعة الدورات هذه بالسمات الآتية:

1ـ تمتاز كل دورة من هذه الدورات بتوجه اجتماعي بيئي لبناء وتوظيف موجه نحوعلاقات السوق.

2ـ تتألف هذه الدورات من دورات فرعية موازية ـ مرافقة ـ تتطور على أساس أنواع معينة من المادة والطاقة.

3ـ تتميز بالدورية (التكرار) أي الشكل الحلزوني لدورة المادة والطاقة. وهي تضم مجمل العمليات بدءاً من استخراجها من الطبيعة حتى تسويقها للمستهلك.

4ـ تتضمن الدورات في ذاتها عناصر المادة والطاقة التي يتحقق بتفاعلها النشاط الحيوي للمنظومات المكانية البشرية وقدرتها على العمل.

5ـ تمتاز دورات العناصر المادية بالطابع المرحلي للتوظيف والتطوير متحولين في الزمان والمكان، وهي تندرج بشكل كامل في دورات كبيرة.

6ـ تختلف الدورات تبعاً لمقاييس تطورها، ومستوى التخصص، درجة المشاركة في التقسيم المكاني للعمل وتكامله.

7ـ تُوظَّفُ الدورات بشكل مترابط واشتراطي. فهي ليست متداخلة فقط بل تؤثر فيمجمل نشاطات المجالات الوظيفية للوجود الإنساني أيضاً. 

8ـ تمتلك الدورات توجهاً هادفاً نحو تلبية احتياجات السوق وزيادة الفعالية الاقتصادية والاجتماعية للمنظومات المكانية البشرية، وترشيد استثمار الطبيعة.

9ـ يجري تشكيل الدورات نتيجة النشاطات الحيوية للإنسان التي تتم في مختلف المجالات وفي مختلف القطاعات.

  تكمن السمة المميزة للدراسات الجغرافية البشرية في أن البحوث التجريبية تستند عادة إلى المعطيات الإحصائية والبيانات الأولية التي يتم الحصول عليها في ظروف ميدانية. لذا تمثل المراقبة البصرية للظواهر والعمليات ذات الطابع البشري مسألة مهمة جداً.و كثيراً ما تكون البيانات السنوية غير كافية، لذلك فإن الدراسات الميدانية والمصادر الأدبية (الاستعلامية، المعيارية الوصفية وغيرها) بالغة الأهمية، وهي فعالة كذلك لدى القيام بالدراسات السكانية. وبمساعدة الاستبانة والمقابلة يمكن الحصول على بيانات صادقة وموثوق بها إلى حد كبير، وهي مرتبطة بظروف حياة السكان ومستوياتها وأشكالها، والنشاطات الاجتماعية، وكذلك مصالح السكان واهتماماتهم ورغباتهم.

  ولا يقتصر دور الدراسات الحقلية على جمع البيانات فقط، بل هي ضرورية لدى تحديد حدود موضوع الدراسة وبنيته، وإظهار التباينات المكانية في مستوى حياة السكان، وتحديد خصائص المكان وأنماط استصلاحه، وتحديد خصائص تفاعل التجمعات السكانية مع الوسط المحيط.

  يواجه إجراء الدراسات الواسعة في حالات كثيرة صعوبات شتى، لذلك يتم اللجوء إلى المشاهدات والدراسات المختارة (العينات) والشرط المهم لمثل هذه المعرفة تنطلق من كونها ممثلة للمكان والظواهر والعمليات محل الدراسة. ومن أجل زيادة فعالية الدراسات الجغرافية البشرية لا بد من إنشاء مراكز عملية تعمل على أساس النظم الجيومعلوماتية وتحليل بيانات المشاهدات الاقتصادية الاجتماعية والتأمين الحاسوبي. 

  إن غياب إمكانية التجربة المباشرة يمكن تعويضه بنماذج المحاكاة والأمثَلة والتطبيقات الكارتوغرافية والتحليل البياني، والتنبؤ وغيرها. وإن السمة المميزة للدراسات الجغرافية البشرية هي أنها تعاني من نقص دائم في المعلومات نتيجة النقص الظاهر في البيانات. وهنا يجب أن تؤدي الجيومعلوماتية دوراً متميزاًً في هذا الإطار.

 ومن الضروري تناول الجيومعلوماتية كمنظومة تظهر على شكل مجموعة من نظم المعلومات المختلفة، هذه النظم الجيومعلوماتية هي أداة مهمة من أجل تحليل التطور الاقتصادي والاجتماعي السنوي للمنطقة، والمشكلات الناشئة، وكذلك تحليل مدى ملاءمة المناهج المستخدمة من أجل تحديد فعالية التطور المكاني لمدد قصيرة الأجل.

  كما تبرز النظم الجيومعلوماتية كأداة ضرورية لإدارة العمليات الاقتصادية الاجتماعية في الوحدات التصنيفية من مختلف المستويات خلال مراحل إعداد خطط المشاريع المختارة وتنفيذها، بتأمين المعلومات حول المنظومات الفرعية للمنظومة المكانية البشرية الواحدة: سكانية، إنتاجية، موارد طبيعية، بيئية، ترويحية، تشريعية، اجتماعية وغيرها. وكلما كانت المعلومات أكمل وأكثر تنوعاً حول أي من المنظومات الفرعية بشكل عام ومكوناتها كان التحليل الجاري نوعياً وأكثر عمقًا ومصداقية لإيجاد حلول ناجعة للمشكلات الناشئة، ولإمكانات التقدم في التطوير العقلاني، واستشراف اتجاهات التطور الاقتصادي الاجتماعي، وتطوير مجمل أدوات النشاط الاقتصادي لأي وحدة (taxon) ومن أي رتبة أيضاً(Sharygin, p.35).

  ما يزال استخدام النظم الجيومعلوماتية في الوطن العربي في مراحله الأولى، ولم تتطور هذه النظم بعد بالشكل المطلوب، ويظهر عدم التطور هذا جلياً في الآتي: النقص في البيانات الإحصائية الضرورية لتحديد مجموعة كبيرة من المؤشرات، مقارنة بالدول المتطورة. أدت النظم الإحصائية الوطنية إلى الحد من  تقويم مجموعة كبيرة من المؤشرات لغياب البيانات ذات الصلة، وبالنتيجة إلى ضآلة قواعد البيانات. وهي تعد إشكالية كبيرة تظهر في الحسابات الإحصائية القائمة حالياً على مستوى كل إقليم من الأقاليم.

  إن التشتت التنظيمي والمنهجي للنظم الإدارية المتعلقة بجمع البيانات الإحصائية ومعالجتها يخلق صعوبات جمة لدى تحويل هذه المعلومات إلى وحدة متكاملة.

  وإن النقص أو الإهمال في استخدام إمكانات المنهج الكارتوغرافي في معظم الأقسام ذات الصلة باقتصاد الدول وأقاليمها الإدارية من خلال الخرائط الجغرافية التي تعكس حالة الظواهر الاقتصادية والاجتماعية ليس له مايبرره. ولابد لأي إقليم أصغري أو محافظة من أن يمتلك مجموعة متكاملة من الخرائط تعكس مايأتي:

- موارد الخامات المعدنية واستخدامها

ـ المؤشرات السكانية.

ـ التقسيم الإقليمي الاقتصادي البيئي.

ـ الحالة الصحية السكان.

ـ خرائط الأقاليم الطبيعية Landscape.

ـ الخصائص النوعية التربة

ـ خرائط التزويد بالمياه

ـ الأحوال المناخية للمنطقة

ـ توزع فروع الصناعة وتطورها

ـ توزع فروع الزراعة وتطورها

ـ نظام التزويد بالطاقة

ـ شبكة النقل والاتصالات

ـ الروابط القطاعية والقطاعية البينية 

ـ العلاقات الاقتصادية الخارجية: الصادرات والواردات، التجارة الخارجية وبنيتها.

ـ توزع السكان ومستوى توافر منشآت البنية التحتية الإنتاجية.

ـ الحالة الاجتماعية والسياسية للمنطقة.

ـ مناطق الترويح والاستجمام.

   تعد الحاجة إلى توافق طبيعة المداخل المنهجية والمناهج مع الأخذ بالحسبان التصورات العلمية المعاصرة حول موضوع الدراسة واحدة من الأسس الرئيسة للمعرفة العلمية. إن قضايا اقتران المداخل المنهجية، والمناهج، والوسائل وغيرها في مثل هذه الدراسات تعد الأساس للمستوى الأدنى لعلم المنهجية ممثلاً بطرائق البحث وتقنياته.

  من خلال ما تقدم يمكن التوصل إلى النتائج الآتية:

1ـ بداية لابد من التنويه إلى أنه لدى الحديث عن الأساسيات النظرية- المنهجية يجب الإشارة إلى وجود مدارس مختلفة، لكل منها أسسها المنهجية التي قد تختلف أحياناً بشكل جوهري، ولاسيما فيما يخص المداخل والمناهج الفعلية للبحث وفي توجهاتها الهادفة.

2ـ يشير المدخل إلى كيفية المحاكمة والتفكير، أي يبرز بمنزلة منهج معرفي، لذلك كثيراً ما نلاحظ اعتبار المدخل والمنهج بمنزلة مفهومين مترادفين في الدراسات الجغرافية البشرية.

3- إن المدخل أوسع وأشمل من المنهج وهو يمثل المنطلق و الأساس المنهجي والفلسفي للباحث وإستراتيجيته، أما المنهج فيعد الأداة التكتيكية التي يعالج بها الباحث قضايا العلم الرئيسة، المتمثلة باكتشاف قوانين العالَم الموضوعية

4- إن الوحدة الجدلية للمدخل والمنهج هي القادرة فقط على تأمين الوصول إلى النتائج العلمية الفعلية. وعلى الجغرافية البشرية أن تضم في مخزونها المنهجي مجموع المداخل والمناهج التي تتيح إمكانية الممارسة الفعلية للبحث في المستويات المعرفية العلمية المختلفة.

5ـ تستخدم الجغرافية البشرية بنجاح مداخل ومناهج علمية عامة، وكذلك مداخل ومناهج العلوم الاجتماعية، ومداخل ومناهج جغرافية، ومداخل ومناهج جغرافية بشرية.

6- ضرورة توافق طبيعة المدخل والمنهج الذي يعد أحد الأسس العامة للمعرفة العلمية، إلى جانب حساب التصورات العلمية المعاصرة لموضوع البحث .

  إن ضرورة استخدام المدخل المركب لدى دراسة الواقع الجغرافي البشري ينبثق من جوهره التكاملي بالذات. عندئذٍ يمكن أن نأخذ كأساس له مدخلاً معيناً يعد أكثرها قدرة على تلبية الهدف المنشود للدراسات الجغرافية البشرية. أما المداخلالأخرى فسوف تؤدي في هذه الحالة دوراً مساعداً. 


المراجع

المراجع باللغة العربية

1- البدوي، عبد الرحمن. مناهج البحث العلمي. دار النهضة العربية، القاهـرة،1962.

2- الجابري، محمد عابد. مدخل إلى فلسفة العلوم. دار الطليعة، بيروت،ج1،ط 1982،2.

3- خير، صفوح. الجغرافية، موضوعها ومناهجها وأهدافها. دار الفكر، دمشق،2000.

4- دويدري، رجاء. البحث العلمي، أساسياته النظرية وممارسته العملية. دار الفكر،دمشق، ط 1، 2000 .

5- زهرة، محمد. بعض قضايا المنهج في الجغرافية. المجلة الجغرافية، الجزء2،العدد 32، القاهرة، 1998.

6- عاقل، فاخر. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. دار العلم للملايين،بيروت، 1979.

7- صليبا، جميل. المعجم الفلسـفي.ج1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1973.

8- الفرا، محمد علي عمر. مناهج البحث في الجغرافية بالوسائل الكمية. ط2، وكالة المطبوعات، الكويت،1978.

المراجع باللغة الإنكليزية:

9- Chorley, R., & Hagget, P.C, (eds), 1967, Models in Geography, London, Methuen.

10- Cumberland, J.H.,et al.1973,Regional interindustry environmental model.Red. Science Association / Papers, vol.30,p.61-75.

11-Dzenes, Z., 1980, Methodology and Methods of Socio- Economic Geographical Research, Riga. 

12-Gardner,J.W.1969,no easy victories, harpers colophon books, NY.USA.

13-Gregory, S., 1978, Social Methods and The geographer, Fourth Edition, London, Longman.

14-Lowenthal,D.et al.1973,Report of the AAG Task force on environmental quality. The professional geographer ,25.p39.

15- Sharygin, M.D, 2003, The Fundamental Problems of Economic and social Geography, Perm University, Perm.

16- Popper,K,R.1992,The logic of scientific discovery, Rutledge, London.

17-Saunders,M.2007,Reserch methods.4th edition, FT prentice hall, London .

المراجع باللغة الروسية:

18-Агафоноф Н.Т.,Лавров С.Р.Хорев Б.С.Географическая наука: Региональный и Экологический подходы.-Л.,ЛГУ.1979.

19-Анохин А.А. Костяев А.И. Программно –целевой подход в управлении трудовыми ресурсами региона. К.1980.

20-Алаев Э.Б.Социально-Экономическая Грография:понтийо- терменлогический слоарь. М .Мысьл,1983.

21-Анучин Б.А.Теоретические основы географии.М.Мысль.1972.

22-Асланкашвили А.Ф.Метакартография.Основные проблмы. Тбилиси,1974.

23-Бакланов Б.Я.Отраслевой и территорлный подход в экономико-географических исследованиях . Вопр. Геогр. ,М .1980.

24-Баранский Н.Н.Избраные труда.Становление советской экономической географии.М.1980.

25-Берлянт А.М. Иcползование карт в науках о землe/Картография .Т.12.М.1986

26-Большая Советская Энциклопедиа .Т.16. М .1974

27-Беручашвили Н.Л.Некооые прблеы современой карогафии /Изв.ВГО.1987.вып1 

28-Василевский Л.И . И др. Системно-структурный подход и Экономическая география.М.Наука.1978.

29-Воронин В. и др. Социально-экономическая география. Самарская экономическая академия, 2001.

30-Гохман В.М. и др. Системный подход в географии. Вопросы географии. Сб. 88. Теоретическая география. М., 1971.

31-Гохман В.М. и др. .Проблемный подход в экономико-географическом страноведении /изв.АН.сер.геог.1976.Н4.с.43-53.

32- Гуревич Б.Л.,Саушкини Ю.Г.Матеатичский Mетод в географии. Вест.Моск.ун-та География.1966 , № 1.

33- Дмитревский Ю.Д.Методический и типологичеккй подходы.Л.1975.

34-Ефреов Ю.К. География. Некоторые итогии перспективы..Гография в системе наук.Л.Наука.1987.

35-Комар И.В. Рациоальное использовование природных ресуров и ресурсные циклы . М .1975.

36-Колосовский Н.Н.,Основы экономического раионирования .М. 1958.

37-Костинский Г.Д. Вопроы поведения человека и восприятия среды в затубежной географии. Йзв.АН.Сер.геогр.1976.

38-Лавров С.В.,и др.Совреенная радикалбая географя запада.Изв.АН.сер.геогр.,1979.н2,с.135-146.

39-Михайлйов Ю.П.Систеный подход и география. Иркутск .1977.

40-Никольский И.В.Теоретические основы региоальной экоомической географии.БГУ.М.1976.

41-Осипов В.А и др. Энергопроизводственные циклы. проблемы теории и практики.Л.1988.

42- Салищев К.А.Картоведние.З-е изд. МГУ М.. 1990.

43-Спиркин А. и др. Метод – в кн.: философская энциклопедия. Т.3. М., 1964 .

44-Трофимов А.М.и др.Модели в географии(методологичский аспект)Территория и обество.Пермь.1993. 

45-Чистабаев А.И и др.Эономическая и социанальная география. новый этап. Л. Наука.1990.

46-Чистабаев А.И и др.Эономическая и социанальная география.Гография в системе наук.Л.Наука.1987.

47-Шаблий О.И.межотраслевые территориальные системы. Лвов.1976.

48-Эономическая и социанальная география.Под ред.Ром
в.я.М.просвещение.1987.

النص الكامل : للقراءة والتحميل





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا