التسميات

الخميس، 4 يناير 2018

التحضر والتخطيط للبيئات الحضرية - د. حسني بن زابيـه ...



التحضر والتخطيط للبيئات الحضرية



الدكتور  حسني بن زابيـه


قسم الجغرافية- كلية الآداب


جامعة بنغازي




التحضر والتخطيط للبيئات الحضرية

مجلة كلية الآداب - جامعة بنغازي - العدد 36 - 2012 - ص ص 123 - 145

ملخـص:    
     هيمن سكان المدن ولأول مرة في مستهل القرن الأول من الألفية الثالثة ميلادية على كوكب الأرض بعد أن كان كوكبا ريفيا، وكيفما أدلى البعض: أصبح إنسان الكهوف إنسان مـدائن، وأن التاريخ البشرى سيصبح بكل تأكيد تاريخ حضري(1)،   والإنسان الحديث (أي إنسان الكهوف) لم يبدأ حياته كمخلوق حضري. فقد كانت معيشة السكان في البدء محكومة بأسلوب توفير الطعام عن طريق الصيد والقنص، والجمع والالتقاط، ثم الرعي والزراعة المتنقلة، وهذه وظائف ريفية اندثرت أو في طريقها إلى الاندثار. تطور الإنسانية في أساليب الإنتاج صاحبه تغير في نمط المعيشة والحياة، فوجد الإنسان بقاؤه في المدينة، وهذا التحول ذو تأثير مزدوجا على المدينة والريف على حدٍ سواء. جاءت هذه الدراسة النظرية لإيضاح العديد من التساؤلات التي تجول في أذهان الكثير من المهتمين بشؤون التحضر والتخطيط الحضري.  
  
مقدمـة:

     اقترنت المدن بالتخطيط، سواء كانت في العصور الغابرة لنشأتها أو في العصور اللاحقة،  فوجود المدن في الأصل لم يكن محض الصدفة في الغالب، فهي إما كانت لغرض تجاري أو ديني أو عسكري، وكثير منها أنشأت بقرار سياسي، وأخذت شكلا هندسيا، وروعيت فيها بطريقة أو أخرى رغبات مؤسسيها وأصحاب النفوذ والقائمين عليها. فأغلب المظاهر التخطيطية القائمة اليوم كانت معروفة في المدن التاريخية للحضارة البابلية والسومرية والفرعونية والإغريقية والرومانية والإسلامية ومدن العصور الوسطي الأوروبية، فتوفرت فيها بشكل وآخر الخدمات الأساسية من قنوات توفير المياه والصرف الصحي، ورصف الطرق وساحات التسوق والرياضة، ومسارح للترفيه، وأماكن التقديس والعبادة، وكذلك أسوار وقلاع ومنائر وأرصفة الموانئ.
     أعطت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر بعد أعمق ومنحي جديدا للتهيئة إلي التخطيط، وأطلقت العنان للعملية التخطيطية بشكلها الحاضر وذلك استجابة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن إفرازات الثورة الصناعية. وكما هو معلوم أن مشاكل الثورة الصناعية لم تأت دفعة واحدة، فالتراكم والتفاقم والتوالد لهذه المشاكل أخذ فترة زمنية طويلة وهي عملية مستمرة متغيرة الإبعاد ولاتجاهات. هذا وقد أخذت تبعات الثورة   الصناعية علي مراكز الاستيطان صورا عدة، منها:
1- تغيرت رتب وأحجام المستوطنات، فبزغت مدن جديدة قائمة على مقومات التصنيع وأصبحت نواة لأنماط من التوطن الصناعي، للمقارنة اضمحلت مدن العصور الوسطي ذات الصبغة الزراعية التي لم تطلها رياح التغير، في حين تصارع النمو في مدن تاريخية أخرى لاستجابتها للتغير وأصبحت مدن صناعية وتجارية ذات شأن كبير.
2- جاء التوسع الحضري الكبير على حساب استقطاع الأراضي الزراعية الأكثر خصوبة لصالح الخدمات الحضرية والصناعية وشبكات النقل. كذلك جاء تأثيرها علي الحياة الريفية من تلوث المياه السطحية الجارية لنفايات الأنشطة الصناعية مما حرم الزراعة وتربية المواشي من أهم مواردها، فالتأثير علي الاقتصاد الزراعي والأمن الغذائي كان بليغا مما قوض أمن واستقرار الاستيطان الريفي.
3- أدى النمو الصناعي العظيم في المدن من ناحية والتدهور الزراعي الخطير في الريف من ناحية أخري إلى إطلاق عنان الهجرة من الريف إلى المدينة بمعدلات لم يشهد لها التاريخ مثيل، فإلي جانب النمو السكاني المطرد الناجم عن ارتفاع في معدلات الزيادة الطبيعية للسكان الحضر نتيجة إلى التغير الإيجابي في الخدمات الصحية، في الوقت الذي لم تكن المدن معدة لاستقبال هذه الأعداد الهائلة من السكان، مما أدى إلى النمو العشوائي المتسرع للمدن مع تدهور في مستويات المعيشة.
4- جلب التوسع الصناعي كوارث بيئية على المناطق الحضرية في غرب أوروبا لم تصحح إلا بعد فترة من الزمان، فهبط معدل أمد الحياة إلى 26 سنة ومعدل وفيات المواليد الي260 في الألف نسمة عام 1840، وأصبحت المدن الصناعية عرضة لتكرر الإصابة بوباء الكوليرا عدة مرات نتيجة تدهور الأوضاع الصحية والبيئية لسكان المناطق الحضرية وانهيار البنية التحتية الهشة لمدن العصور الوسطى تحت وطأة الأعداد الهائلة المتقاطرة على المدينة.
     نتيجة المعطيات انفه الذكر، أصبح التخطيط الحضري ضرورة حتمية لتغيير أنماط النمو الحضري للحد والتغلب على المشاكل والمعضلات الحضرية والبيئية للتجمعات العمرانية. فبدأت مع نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر تسن التشريعات وتشكل هيئات التخطيط وتقام المعاهد التدريبية، والاهم من ذلك ظهور منابر فكرية في التخطيط والتخطيط الحضري. يري بيتـر هـول(2)- أحد قامات المخططين الغربيين، أن التخطيط الحضري جاء متأخراً للتصدي لتبعات الثورة الصناعية مباشرةً. إلا أن تشخيص وحلول مشاكل المدينة لم يتم تفعيلها إلا بعد أن أدرك العقل البشري أهمية التصحيح والإصلاح والتغيير، فالتهيئة للإصلاح تتطلب ثلاث مداخل: الأول، الرغبة لأخذ المبادرة وهي تحتاج إلى وقت حتى تستوعب فيه-وعلي كافة المستويات- أغلبية صناع القرار وأصحاب النفوذ. الثاني، المعرفة والمنهجية للتصرف الأمثل، وهي كذلك قد تحتاج إلى فترة أطول لاقترانها بالجانب المعرفي وبالاكتشاف والاختراع والابتكار. أما المدخل الثالث، فهو مرتبط بكفاية الإدارة وآلياتها ومصادر التمويل وفعالية التنفيذ.
       يعتبر ابنـز هـاورد(3) بعد نشر كتابه الشهير (مدن حدائق للغـد عام 1898) من أشهر رواد التخطيط الحضري، وكان من أبرز المهتمين بمشاكل مدن القرن التاسع عشر، ولا تزال كثير من أفكاره المطروحة متداولة في أدبيات التخطيط الحضري، ومصدر الهام لعدد من الجماعات الضاغطة اليوم كأنصار المدينة العصرية والمتحمسين  لمدن الحدائق في الأوساط الغربية.
     طور هــاورد ما يعرف بنظرية الجذب الثلاثية وهي:

"ريف"، "مدينة"، "مدينة-ريف"، حيث يري من خلال ثلاثيته هذه أن للريف وللمدينة مجموعة من المزايا والعيوب. تتلخص مزايا المدينة في فرص العمل المتاحة والخدمات التي توفرها، بينما ترتكز عيوبها حصرا في فقر البيئة الطبيعية. للمفارقة يوفر الريف البيئة الطبيعية الخلابة للترويح ولكن ليس هناك فرص عمل من أي نوع، وحاول هـاورد أن يقترح مراكز عمرانية جديدة ممكن أن تجمع فيها كل المزايا للمدينة عن طريق توفير سهولة الاتصال، وكل مزايا الريف عن طريق توفير البيئة الطبيعية، أي توفير مزايا المدينة والريف معاً والتخلص من عيوبهما في آن واحد.
      يري هـاورد أن تحقيق هذا يتم عن طريق تفكيك مركزية العمالة ومكان العمل ونقلهما إلى مستوطنات جديدة خارج نطاق التجمعات القديمة التقليدية ويشترط هــاورد مـايلي:
1) أن تكون هذه المستوطنات بعيدة المسافة بقدر لا تسمح بممارسة رحلة العمل اليومية (ذهاب وإياب).
2) وأن يكون حجمها السكاني صغير نسبياً (اقترح 30 ألف نسمة).
3)أن تكون كثافتها السكنية حوالي 38 منزل للهكتار الواحد، وكثافة سكنية تتراوح مابين 200-225 نسمة للهكتار الواحد حسب حجم الأسرة آنذاك. ونظراً لانخفاض كثافتها أطلق عليها المدينة الاجتماعية.
4) أن تكون محاطة بحزام اخضر فسيح المساحة حيث تكون المساحة المبنية عُشر المساحة الإجمالية للمستوطنة فقط.
5) لابد أن يقف نمو هذه المستوطنات عند حد معين يتم بعدها الانتقال لتأسيس مستوطنة أخرى جديدة، وهكذا دواليك.
     من رواد التخطيط الحضري أيضا باتريـك غـاديـس(4) الذي نشر كتابه المشهور (المدن في تطور، عام1915)، حيث ركز فيه على العوامل المكونة لنمو وتغير المدن الحديثة، وتوصل إلى العلاقة المتبادلة بين الأرض والاستيطان البشري من خلال طبيعة الاقتصاد المحلي للمكان، وهذا كان ترجمةً لعلاقة الثلاثية المعروفة آنذاك المكان-العمل-الجماعة.
     تعد إضافة غـاديـس المميزة للتخطيط الحضري متمثلة في ربط التخطيط بدراسة الواقع بأسلوب التحليل المفصل لأنماط الاستيطان وأنظمة الاقتصاد المحلي وفق إمكانات وقصور البيئة المحلية. جعل هذا غـاديـس أن يخرج من نطاق مفهوم حدود المدينة المتعارف عليها إل  معنى أوسع وهو الإقليم الطبيعي للمدينة كإطار أساسي للتخطيط. أصبحت منهجية غـاديـس العملية أساس مراحل عملية التخطيط، فهي ترتكز على حصر خصائص واتجاهات الإقليم، يليها بعد ذلك بالتحليل، ثم يبدأ التخطيط، ومن هنا أعطى للتخطيط بناءه المنطقي.
مفاهيم ومصطلحات:
   هناك الكثير من المفاهيم والمصطلحات والتعريفات التي يزخر بها موضوع التحضر، ولا تتضح معالم دراسة التحضر إلا بمعرفة مدلول كل مصطلح وما يرمى إليه. هنا توضيح لأبرز المفاهيم والتعريفات المتداولة في أدبيات الدراسات الحضرية(5).  
حضر/عمران:
     تناولت هذه الدراسة مفردتي "حضر وعمران – urban"  وهما مترادفتان وأي اشتقاق لغوي منهما مترادف المعني ( وهما عكس لكلمة "ريف" وما يشتق منها). كما تناولت الدراسة عدة مصطلحات وتعبيرات مثل "مراكز حضرية (عمرانية) –urban.centres و"تجمعات حضرية (عمرانية)- urban.agglomerations"، و"مستوطنات حضرية (عمرانية)urban.settlements"، فتسهيلا على القارئ والحد من اللبس والغموض والتضارب فإن كل التعبيرات تشير إلى معنى واحد،  وهو تجمع سكاني في حيز جغرافي متصل ذي حدود متفق عليها. كذلك أورد في  أدبيات الدراسات الحضرية عدة تسميات مختلفة ومتدرجة للتجمعات السكانية حسب الحجم، في تقديري هذه التسميات حسب الترتيب الحجم السكاني من الأصغر إلى الأكبر قد تكون على الوجه التالي: "محلة"،"قرية"، "بلدة"، "مدينة"، "حاضرة"city,town,village,hamlet  على التوالي. وعندما تتداخل هذه المراكز تكَون امتدادات حضرية ضخمة عرفت بعدة مصطلحات مثل: "الأقاليم الحضرية-  urban.regions"، و"الامتدادات الحضرية-  conurbations"،  و"المترو بوليتان- metropolitan و megapolitan.area". كما يزخر القاموس الغربي بالمفردات والمصطلحات الدالة على التجمعات الحضرية  التي يفوق عدد سكانها العشرة ملايين نسمة فمنها:
megacity,megapolis,megalopolis,metropolis, metropolex, . 
هذا وعندما يعبر الامتداد الحضري الحدود الدولية يعرف بـمصطلح cityplanet، أو ecumenopolis: المعمورة أو المدينة الكوكبية إن جاز التعبير.   
إقليم المدينة:
     يستعمل مصطلح "إقليم المدينةcity.region" للإشارة إلى العلاقة المعقدة بين المدينة والريف، ويعتمد بالدرجة الأولى على تحديد نطاق توزيع سلسلة من أوجه النشاط المختلفة التي تربط المدينة بمحيطها المجاور. في هذا المعنى استعملت عدة مصطلحات مثل مصطلح "الظهيـر-  hinterland" للإشارة إلى المنطقة التي تخدم المدينة، ومصطلح "المنطقة التابعة catchment.area" إشارة إلى  مجرى تدفق السكان من منطقة واسعة إلى نقطة معينة، كذلك مصطلح "نطاق نفوذ sphere.of.influence -"  ليعبر عن سيادة المدينة على الريف، و مصطلح "حقل المدينة- urban.field"، ويقصد به المنطقة التي تمارس المدينة سلطاتها عليها.
التحضر:
   أورد تقرير منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية/ هـابيتـات(6) في عام 2006 أن اغلب سكان العالم سوف يعيشون في مراكز وتجمعات حضرية في هذا القرن، أي سنكون في مفتتح "الألفية الحضرية –urban.millennium ". شهد القرن العشرين بصفة خاصة نموا أهوج في معدلات التحضر حيث قفزت النسبة من 13% في عام 1900 إلى 49% عام 2005  ( اى من 220 مليون إلى 3.2 مليار نسمة) ، من المحتمل أن تصل النسبة إلى 60% (4.9 مليار نسمة) بحلول 2030. "التحضر-urbanisation" يعني إضافة خصائص المدينة وهي عملية متلازمة مع التطور الحضاري، ويقر هذا المصطلح من الناحية الديموغرافية (السكانية) بإعادة توزيع السكان من مستوطنات ريفية إلى مستوطنات عمرانية. تقليديا يعرف التحضر بتركز الأنشطة البشرية والمناطق السكنية حول وسط المدينة، ولكن في العقود الأخيرة ساد "التوسع الحضري –urban.sprawl"، أي أن هناك توجهاً من المناطق السكنية والتجارية في اتجاه ضواحي المدينة فأصبح ما يعرف بظاهرة "التفرع الحضري –suburbanisation" ، أدت هذه الحركة إلي تشكيل نقاط تركز خارج وسط المدينة أفضت إلى تشكيل أنماط حضرية عرفت بعدة مصطلحات مختلفة في المعاجم الغربية حسب طبيعة خصائصها وتكوينها مثل:
urban ,village, garden-city, edge-city, postmodern–city, satellite–town, suburbia , exurbia.
  يوجد اليوم نوعان من المدن؛ "مدن طبيعية –organic.city " أي وجدت استجابة لظروف جغرافية وتاريخية واقتصادية، و"مدن مخططة –planned.city "  أي خطط لنشأتها وحدد موقعها وصمم شكلها الهندسي وحجم وظيفتها مسبقا. ولهذا التحضر ممكن أن يكون طبيعيا وممكن أن يخطط له، والمدن الجديدة مبنية على مخططات متقدمة مدروسة لغرض اقتصادي أو جمالي أو عسكري أو لأسباب تصمميه بحتة. المدن غير المخططة (الطبيعية) هي أقدم أشكال التحضر وهذه تتضح في المدن التاريخية حيث تتنوع فيها التصميمات التي تعكس رغبات الأنظمة الحاكمة التي مرت عليها، وكثير من هذه المدن مرت بتكرار تجربة تطوير البنية التحتية لعدة أسباب اقتصادية أو عسكرية. إتباع سياسات "التجديد الحضري  -urban.regeneration/urban.renewal" أصبحت أكثر شيوعا مع تفاقم التوسع الحضري واشتداد المنابر للحد من انتشاره.   وكالات الأمم المتحدة وكذلك المخططون يحبذون إعداد البنية التحتية الحضرية قبل أن يحدث التحضر، وأكدوا على التخطيط الحضري الفعَال من خلال الأخذ "بمبادئ التخطيط الذكي- principles.of.intelligent.urbanism ".
الحضرية:
    تعني "الحضرية-  urbanism" قدرة سكان المدينة أو بمعنى آخر المجتمع الحضري بها علي استغلال وتجميع وتوزيع الإنتاج والمحافظة علي توازن موارد الإنتاج. كذلك تحويل عائدات الإنتاج إلى استثمارات جديدة وتقديم وسائل إنتاجية قائمة على التطور التكنولوجي والبحث العلمي وتدريب المهارات التي تضاعف الإنتاج وتوسع الأثر المضاعف وتزيد قدرة القاعدة الاقتصادية للمدينة.
  يمتد مفهوم الحضرية عند البعض(7) ليشمل العصرية، فهي تحمل في معناها "الحداثة -modernisation"، حيث يتضمن هذا المعني قدرة السكان على الاختراع والإبداع والاستيعاب المتمثل بتقبل المبتكرات الحديثة واستخدام التطور التكنولوجي. حينما تفقد المدينة خدماتها وتنحدر فيها الكفاءات وتتدهور أوضاعها عند اختلال عملية التطور الحضري المتكامل، حينئذ تتراجع حضريتها وهذا لا يعني تراجع عملية التحضر بل تصبح عملية تكديس عشوائي مستمر للسكان في المدينة بدون معنى الحضرية.
  فالحضرية هي قيمة المدينة من حيث المعطيات الاقتصادية السياسية والاجتماعية والثقافية وتأثير كل ذلك على البيئة المبنية للمدينة. دراسة الحضرية تنصب على مزاولة الجماعات البشرية للمعيشة والعمل والترويح, فهي مهتمة بالجانب البشري لمظاهر التخطيط الحضري.
الحضرية الجديدة:
   حركة "الحضرية الجديدة -New Urbanism Movement" بدأت في أوائل الثمانينات، وتؤمن بتقليل الاعتماد على حركة المركبات الآلية في التنقل من وإلى الضواحي المجاورة والتجمعات التجارية والخدمية المتناثرة، وبدلا من ذلك التركيز على حركة المشاة ومراكز للخدمات الحضرية المختلطة. في الواقع الحضرية الجديدة تنادى بالمزج بين أنماط التصاميم القديمة والمستحدثة وتطويعها مع متطلبات العصر. هذه الحركة كانت رد فعل على انتشار ظاهرة مدن الضواحي التي يرى مؤيدو الحركة(8) أنها فككت نسيج الجماعات وعزلتها بعضها عن بعض، ناهيك عن التأثيرات البيئية الحادة.
  ينصب مفهوم الحضرية الجديدة على تركيز السكان والمسافات وتكثيفها في جماعة متفاعلة واحدة تعمل وتسكن وتُلبى حجاتها مشيا على الأقدام، وبدون الاعتماد على المركبات الآلية كوسيلة رئيسية في التنقل. كما تهتم الحضرية الجديدة بمسائل مثل حماية المباني التاريخية وذات القيمة الثقافية، وشوارع وطرق آمنة، وما يعرف بالمباني الخضراء، وتشجير وتعشب  الأراضي الجرداء في المحيط الحضري.  
التخطيط الحضري:
التخطيط الحضري –urban.planning  أو كما يطلق عليه تارة أخرى التخطيط العمراني أو تخطيط المدن، هو أحد فروع المعرفة المهتمة بتخطيط استخدام الأرض، وهو في هذا المجال يهتم بعدة جوانب من البيئة العمرانية والاجتماعية والمعمارية في المناطق الحضرية.  أي بمعنى آخر فهو الحلقة الثالثة من مستويات التخطيط ، فيأتي مباشرة بعد كل من التخطيط الوطني (القومي) - planning. national التخطيط الإقليمي- regional.planning، و لكنه بصورة خاصة يهتم بالتفاصيل الأدق للتجمعات الحضرية. ما يلي أكثر التعريفات والمفاهيم  شيوعا للتخطيط الحضري:
1)  يقصد بالتخطيط الحضري الإستراتيجية، أو مجموعة الاستراتيجيات، التي تصدرها مراكز اتخاذ القرار لتنمية وتوجيه وضبط نمو وامتداد البيئات الحضرية بحيث يتاح للأنشطة والخدمات الحضرية أفضل توزيع جغرافي ممكن وأعم فائدة للسكان(9).
2)  يُعرَف التخطيط الحضري أيضا بأنه توجيه واعي لنمو المناطق الحضرية، كالمدن، والمراكز والأقاليم العمرانية، التي يسعى من خلالها إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية تتعدى المكونات الحيوية للبيئة الحضرية من مباني وشبكات طرق ومرافق عامة(10).
3)  يعرف التخطيط الحضري كذلك بأنه المنسق للتكوين النهائي للمباني السكنية، المراكز التجارية والخدمية والمناطق الصناعية والترويحية وشبكات طرق النقل والمواصلات وبقية العناصر المتعددة للبيئة الحضرية بحيث تكون أجدى عطاءً وإنتاجية، وأن يجمع كذلك بين الجانب المعماري والتصميم المدني وجمال العمارة، واضعا في الاعتبار مستقبل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تحدد شخصيته وإطار برنامجه التنموي(11).
يصعب، من العرض المختصر السابق، وجود تعريف شامل للتخطيط الحضري  وذلك راجع إلى تعدد جوانب اهتماماته التي تلمس اغلب الجوانب المادية التطبيقية والاجتماعية السلوكية. فالتخطيط الحضري، كما يعتقد البعض، انه مهنة وتخصص حديث قائم على توظيف واستخدام العلوم التطبيقية والإنسانية بهدف تشكيل وتطوير بيئة حضرية قادرة على إشباع حاجات الإنسان المادية والمعنوية(12). في هذا السياق، يمكن أن يسهم في التخطيط الحضري وتغذية بعده الإنساني الواسع في إشباع حاجات المجتمعات الحضرية، تضافر جهود متخصصين متنوعين من مهندسين معماريين ومدنيين ومن خبراء في مجالات الجغرافية والاجتماع والاقتصاد والقانون وكل الخبرات المرتبطة بالشؤون الحضرية.
يأتي تنفيذ التخطيط الحضري عادة من جهة مسؤلة عليا تمتد صلاحيتها من خلال السلطات المحلية، فهو أحد مسؤوليات الدولة التي تسعى إلى التوفيق بين السياسات العامة والمحلية ويتطلب أساليب فنية في مجالات المسح والتحليل والتنبؤ، ومن هنا أُعطي للتخطيط بناءه المنطقي.

الاستخدامات الحضرية
     تشغل الاستخدامات السكنية أكبر نسبة من مساحة المدينة حيث تصل إلى حوالي 30% بينما شبكات الطرق إلى24% وتشكل الصناعة 7% بينما التجارة 3% وليس من شك أن هذه النسب تتذبذب في قيمها. أيضا هذه النسب تعكس التوزيع الأفقي لاستخدامات الأراضي الحضرية ولكن هذه الصورة تتبدل إذا أخذنا التوزيعين الأفقي والرأسي أي كثافة هذه الاستخدامات فبينت هذه الدراسات أن المساكن تحتل حوالي 58% والتجارة 16% والصناعة 14% من كثافة الاستخدامات(13).
المناطق السكنية:
يعد السكن الوظيفة الرئيسية للتجمعات الحضرية ويشغل الاستخدام السكني الحيز الأكبر من الاستخدامات الحضرية، فهو في العادة يحتل أكثر من 50% من مساحة المدينة المبنية، هذا ومشكلة توفير السكن هي دائما الهم الأكبر للمدينة.
     تعتبر المناطق السكنية الأساس الأول للمدينة في تطورها التاريخي حيث تنمو حوله بقية استخدامات الحضرية الأخرى. تتدرج المناطق السكنية في المدينة من حيث التوزيع إلى ثلاث:
1- مناطق ذات كثافة سكانية وسكنية مرتفعة وهي تتركز في وسط المدينة ونمط أغلب مبانيها متراصة متعددة الطوابق ومتعددة الأسر.
2-مناطق ذات كثافة سكانية وسكنية متوسطة أغلب مبانيها مصممة لقدرة استيعابية معتدلة.
3- مناطق ذات كثافة سكانية وسكنية منخفضة وطبيعة مساكنها غير متراصة فهي مفردة ومخصصة في العادة لأسرة واحدة.
     تنصب في العادة دراسة المناطق السكنية على عدة خصائص متعلقة بالعمر الزمني، أسلوب البناء، نوعية المواد المستخدمة، توفر الشروط الصحية وسهولة المواصلات، وربط هذه العناصر مع بعضها لتحديد المشاكل المترتبة على هذه العلاقة ومعرفة مدى تحقق رغبات واحتياجات السكان.
     طورت دراسات التخطيط الحضري(14) العديد من الاقتراحات التي ترجمت في عدد من السياسات مثل مدن الحدائق، مدن التوابع، الوحدات المجاورة، التوسعات العمرانية، المناطق الحضرية المتخصصة، القرية العمرانية، مدن الأطراف والضواحي.

     وتشير هذه المسميات في مجملها إلي البيئة السكنية التي من خصائصها:
1- ألا يقل 10% من إجمالي مساحتها أراضي فضاء (خضراء).
2- أن تكون منخفض الكثافة السكنية معدل 20 نسمة للهكتار الواحد.
3- أن تكون الكثافة السكنية منخفضة لاتتعدي10 إلى 12 للهكتار الواحد.
4- أن تتوفر فيها المدارس القريبة من السكن خصوصا للأطفال مشيا على الأقدام.
5- سهولة التسوق للاستهلاك المنزلي اليومي وان تكون مكتفية ذاتيا من السلع   والخدمات.
6- أن يكون حجم التجمعات السكنية صغيراً لا يزيد عن 30 ألف نسمة.
7- أن تحاط بحزام اخضر ويخترقها ممر أخضر.
المنطقة التجارية:
     حددت الدراسات الحضارية(15) أربع مناطق تجارية حسب موضعها من المدينة وهي :
1-منطقة وسط المدينة: وهي تمثل المركز الإداري والمالي والتجاري للمدينة والإقليم بل وأحيانا للدولة كلها. تشمل هذه المنطقة أغلب مراكز تجارة الجملة والتجزئة والمراكز الرئيسية لمناطق النقل والتوزيع وغيرها من الخدمات الحضرية التي تخدم المدينة وتتعداها إلي ظهيرها الإقليمي. هذه المنطقة توسعت ببساطة مع تطور المدينة وتوسع شبكة الطرق بها. تعتبر هذه المنطقة هي قلب المدينة النابض ويطلق مصطلح القلب التجاري أو مصطلح النواة الصلبة أو منحدر المدينة لتمييز المنطقة الوسطي التجارية عن بقية المناطق الثانوية التابعة للمنطقة الوسطى.
     تحدد المنطقة الوسطي على أساس سعر الأرض، خريطة استخدام الأرض، عائد التجارة، نسبة إيجار المحل (وهو قسمة إيجار المحل على طول الواجهة المطلة على الطريق).
لتحديد المنطقة الوسطي يجب أن تدخل في الاعتبار:
1- السكان وحركة المرور وحرفهم. 2) أسعار الأراضي. 3) استخدام الأرض.
2- التجمعات التجارية الفرعية: وهي عبارة عن تجمعات تجارية ومكاتب ومراكز فرعية للتوزيع وتوفير الخدمات والاتصالات، هذه المناطق موزعة على كافة أحياء المدينة.
3- المراكز التجارية والخدمية المتناثرة: وهي تتواجد خارج المناطق السابقة، فهي عادة مختلطة وملحقة بالوحدة السكنية وتشمل وحدات خدمية وتجارية توفر المتطلبات اليومية للأحياء السكنية مباشرة.
      تنشأ مناطق التسوق عادة على جانبي الطرق الكبيرة في المدينة، وكثيرا ما يصبح الطريق الرئيسي الذي يربط المدينة بالمحلات المجاورة هو محور المنطقة التجارية وقد يحدث مع زيادة السكان أن يمتد عدد جديد من الطرق ويتبع ذلك زحف الوظيفة التجارية على هذه الطرق.
        يحتسب عند تخطيط هذه المناطق عدة اعتبارات وهي:
1) مستوي دخل الفرد، أماكن السكن والعمل، طرق النقل، اتجاه النمو السكاني، حجم التجارة، حركة السلع والخدمات وغيرها من العناصر التي  تبرز مدي العلاقة بين الموقع وكمية السلع والخدمات.
2) إمكانية المبيعات الكلية للمركز التجاري ويمكن التنبؤ بها عن طريق تقدير دخل الأسرة المنفق على السلع والخدمات.
3) إمكانية المبيعات الفعلية وذلك عن طريق معرفة نسبة المبيعات في المنطقة التجارية، ويمكن ذلكمن خلال تحديد كمية المباع من المتر المربع من مساحة الأرض التي يشغلها المركز التجاري.
4) دخل المركز المتوقع، ويتم ذلك عن طريق قيمة إيجار المتر المربع من مساحة الأرض مضافا إليه التأمين والضرائب وتكاليف الإدارة وفوائد ديون رأس المال وغيرها.
عادة ما يحتل الاستخدام التجاري مساحة تقدر بحوالي5% من مساحة الاستخدامات في المدينة، ويتكون النشاط التجاري بها في الأغلب من ثلاث مستويات رئيسية:
1) المركز التجاري الرئيسي (قلب المدينة).
2) المركز التجاري على مستوى مركز المدينة.
3) المركز التجاري على مستوى مجموعة من المناطق السكنية.
4) المركز الثانوي للضواحي الحضرية.
5) الأسواق المجمعة المنتشرة.
المنطقة الصناعية:
 الصناعة مثل التجارة من الأنشطة الحضرية القديمة فكان الصناع الحرفيون يتجمعون في أمكنة مخصصة حسب طبيعة نوع العملية الإنتاجية فهناك سوق الحدادين والنجارين والنحاسين وغيرهم،  فالمنطقة الصناعية اسم جديد أطلق على ظاهرة قديمة النشأة. كما أثرت الصناعة في مواقع المدن وفي تركيبها الداخلي، وبدأ الاستخدام الصناعي في منافسة بقية الاستخدامات الحضرية الأخرى وكذلك التأثير عليها. فمثلا جذب المدينة للقوي العاملة الصناعية أثر في وجود مراتب مختلفة من الاستخدامات السكنية، وكذلك على حركة السكان داخل الحيز الحضري أو إليه عن طريق الهجرة الداخلية أو الخارجية.   
 تتسم المناطق الصناعية بالمساحات الواسعة للوحدات الصناعية التي عادة محاطة بأسوار أو حواجز مرتفعة وحركة كثافة المرور على طرقاتها مرتبطة بفترات الذروة عند دخول وخروج القوة العاملة من وإلى الوحدات الإنتاجية. كما أنها أصبحت أكثر انتشارا عند أطراف المدينة وذلك لانخفاض أسعار الأراضي من ناحية والتقليل من أثار التلوث من الناحية الأخرى.
وتقسم المنطقة الصناعية إلى:
1-  مساحة لموقع المصنع.
2-  مساحة للخدمات العامة (الطاقة والمياه والمطافئ).
3-  مساحة للخدمات المشتركة (شحن تفرغ شبكات نقل).
4-  مساحة للخدمات الجماعية(مدرسة عيادة مطاعم).
    5- مساحات خضراء عازلة .
  يعتمد تخطيط المناطق الصناعية على دعم المناطق الصناعية الموجودة والمناطق الصناعية الجديدة وتحديد المناطق الصناعية القديمة وإعادة توطين المصانع الملوثة خارج المدن، ودعم هذه السياسات يتم عن طريق الإعانات المالية وتخفيض الضرائب(16).

مسائل في تخطيط البيئات الحضرية

         مسائل تخطيط الحضري جمة، متغيرة ومتجددة ومعالجتها مرتبطة بالتغيرات التكنولوجية واتجاهات السلوكية للمجتمعات الحضرية، ولكن المسائل المذكورة من أكثر المسائل الملحة التي تواجه المهتمين بالتخطيط الحضري.

العشوائيات:
     عرفت منظمة هابيتات التابعة للأمم المتحدة في تقاريرها الدورية(17)، بأن العشوائيات هي مناطق حضرية مكتظة بالسكان و بصفة غير قانونية. شمل هذا التعريف عادة وضعين مختلفين من المناطق السكنية المتدهورة: الأول وهو عادة متعلق بالأوضاع السكنية داخل المباني والخرائب وسط المدينة وهى أكثر شيوعا في المدن الصناعية بصفة عامة. أما الحالة الثانية تشير إلى المناطق السكنية القائمة بصورة عشوائية عند مشارف المدن مثل المنتشرة في البلدان النامية. تشير تقارير منظمة الهابيتات على أن كل اثنين من ثلاثة أفراد من سكان الحضر يقطنون في عشوائيات.
 مصدر سكان هذه المناطق إما هو نتيجة هجرة السكان من وسط المدينة المكتظ إلى الأطراف أو إما وهو الأكثر شيوعا نتيجة الهجرة الوافدة من الريف إلى المدينة والاستقرار على مشارف أطراف المدينة، في كلتا الحالتين، جاءت الإقامة في هذه المناطق بطريقة غير مشروعة.
تختلف خصائص هذه المناطق حسب اختلاف الأقاليم الجغرافية اقتصاديا واجتماعيا، و لكنها تتجانس في القاسم المشترك بينها فعادة يقطنها ذوى الدخل المحدود والجماعات المحرومة. المساكن داخل العشوائيات تتباين في مجملها فهي من أكواخ صفيح بسيطة إلى مباني من مواد ترابية لاسيما في العشوائيات الممتدة بجوار المدينة. أما عشوائيات وسط المدينة فتسودها الخرائب والمباني المهجورة والآيلة للسقوط، فالعشوائيات خاصة في الدول النامية تتكون من أكواخ متراصة تتخللها أزقة ضيقة ودهاليز متعرجة تمنع دخول المركبات إليها فتحرم من خدمات الإسعاف وإطفاء الحرائق ونقل القمامة، وعلاوة على ذلك، لانعدام الصرف الصحي تصرف المياه السوداء وسط الأزقة.
  العشوائيات من حيث الأوضاع الاجتماعية مرتبطة بارتفاع في معدلات الفقر والبطالة والإنجاب ووفيات المواليد والأطفال، وكذلك ارتفاع في معدلات الجريمة والدعارة وتعاطي الكحول والممنوعات، والأمراض العقلية وحالات الانتحار. الأوضاع في الدول النامية أكثر تفاقما حيث تشمل انتشار الأوبئة والأمراض وسوء التغذية والأمية وتدهور الأوضاع الصحية والمعيشية.
  جاء خبراء الأمم المتحدة(18) بتعريف إجرائي للعشوائيات وهي باختصار المنطقة التي تنعدم فيها عدد من العناصر الحيوية الآتية:-
- عدم وفرة المياه النقية.
- انعدام الصحة العامة .
- عدم ملائمة المساكن للإيواء.
- الازدحام والتكدس.
- تدني الأوضاع المعيشية للمقيمين.
- عدم الاستقرار.
 العشوائيات أكثر تأثرا بتبعات وعواقب الكوارث الطبيعية والغير طبيعية مثل: الانهيارات الأرضية، الزلازل، الفيضاناتوالعواصف المدارية. كذلك مثل نشوب الحرائق وتفشي الأوبئة.
نظرا لارتفاع معدلات البطالة بين سكان العشوائيات لاسيما في الدول النامية فإنما جل أعمالهم مرتبطة بالقطاعات الهامشية كأيدي عاملة رخيصة في الأعمال السريعة وكذلك في السوق (الموازية) والكسب الغير مشروع مثل تجارة الممنوعات والدعارة. يعتبر جمع نفايات السلع المعمرة وتدوير المنتجات الصناعية من الأنشطة المتزايدة في العشوائيات خاصة في الدول النامية بعد أن أصبحت كثير من هذه الدول توفر مكبات للنفايات الصناعية من الدول الغربية الصناعية.
السياسة المتبعة لدى كثير من الحكومات في حل مشكله العشوائيات هو عن طريق الإزالة الكاملة والتغير الجذري للمباني القديمة والأكواخ والخرائب وإحلالها بمساكن جديدة حديثة التصميم وفق المواصفات الصحية المطلوبة. يُرحل في كثير من الحالات سكان العشوائيات و يوطنون في تجمعات سكنية مستحدثة في مناطق متفرقة خارج المدينة،  وهي عادة بعيده المسافة عن المناطق الخدمية وفرص العمل في وسط المدينة. هذه من الأسباب الرئيسية التي تجعل سكان العشوائيات دائما في حاله احتجاج ورفض الانصياع للانتقال إلى مواقع جديدة خارج نطاق وسط المدينة.
     تلجأ بعض حكومات البلدان النامية إلي سياسة إعادة توطين سكان العشوائيات في حيازات زراعيه قزميه تعتمد أساسا على اقتصاديات زراعة الاكتفاء الذاتي خارج المدينة. هذه السياسة تقابل أيضا بالاحتجاج والرفض من قبل السكان لأنها تعود بهم إلى المناطق الريفية التي أصلاً هاجروها،  فالمضمون هنا هي هجرة معاكسة من المدينة إلى الريف لا يرغبها الكثير ولم يحالفها النجاح في أغلب الحالات.
     الانتقاد الذي يؤخذ علىى سياسة إزالة العشوائيات وإعادة التسكين إنها لا تضع في الاعتبار المشاكل الاجتماعية الأساسية التي أدت إلى وجود هذه الظاهرة في الأصل، فمن خصائصها الفقر والحرمان التي لازالت مستمرة. هذه السياسة في نظر الكثير(19) مجرد إعادة توزيع المحرومين والبؤساء إلى مواقع أقل قيمة اقتصادية بحكم تباعدها عن وسط المدينة التجاري. علاوة علي ذلك فإن انتقال هذه الجماعات إلى مواقع أخري يتفكك معها النسيج الاجتماعي المتكون عبر زمن المعاناة، وهو رصيد مُثمن للتآزر والتغلب على محن الأوقات الصعبة.
التجديد الحضري:
     التجديد العمراني أو التحديث الحضري، كما يطلق عليه في بعض أدبيات التخطيط الحضري، هو تجديد وصيانة مباني المدينة وهي عملية تتم عادة عن طريق إعادة ترميم وسط المدينة المتداعي بالقدم غالبا عن طريق تبني أساليب التخطيط العمراني المعاصرة لهذه المناطق التي تعاني من عدم وجود أو/وتداعي البنية التحتية لمدة طويلة من الزمن. تجمعات المباني وشبكات الطرق والطاقة والمياه والصرف الصحي تحتاج باستمرار إلى مراجعة وتقييم مدى صلاحيتها لمسايره التغيرات الحضارية المستمرة ومواجهة التطورات العمرانية المتزايدة .
 إلى جانب ذلك، فإن المواقع التاريخية الأثرية، والمراكز الدينية والثقافية العتيقة، عادة تشغل حيز بارز وممتد داخل وسط المدينة، فهي تعاني من تدهور وتداعي وتآكل مستمر نتيجة الاستخدام المكثف والمتزايد من جهة، وتآكل  مواد الإنشاء والبناء بفعل عوامل التعرية والتقادم من جهة أخرى. تكمن أهمية هذه المواقع في كونها تمثل ذاكرة المدينة كما هي مورد إضافي هام إلى اقتصاديات المدينة، فهي تحتاج دائما إلى صيانة وترميم وإصلاح وإعادة دمجها مع مخططات المدينة المتجددة.
     التجمعات السكنية القائمة في هذه المناطق مهددة باستمرار بسبب التصدع وانهيار مبانيها وعدم ملائمتها للخدمات المنزلية وكذلك أزقتها المتلاطمة. فسكان هذه المناطق دائما في حالة عدم رضى بالوضع السكني والتذمر أحيانا يتصاعد إلى درجة العنف. إعادة تطوير وتحديث السكن والتوسع في إنشاء المراكز الترويحية والمساحات الخضراء من سبل تهيئة هذه المناطق للسكن الملائم.
   بدأت فكرة عمليات التجديد العمراني بعد الحرب الثانية وذلك لترميم ما بقيت عليه الحرب واستمرت هذه السياسات حتى يومنا هذا، فهي الآن عنصر مندمج مع سياسات إدارة الحكم المحلي بتشجيع من استثمارات القطاع الخاص.
  سياسات التجديد العمراني، رغم دورها الهام في رفع معيشة السكان وحفظ الموروث الثقافي للمدن، إلا أنها مثار سجال كبير لأنها تنطوي على مصادرة الأراضي أو المباني أو الممتلكات من اجل المصلحة العامة أو كما اصطلح عليه نزع الملكية من أجل المصلحة العامة، أو كما يعرف بالبيع الإجباري من أجل الاستخدام الحضري، والجدل القائم هنا حول المقيمين من ذوي الدخل المحدود الذين يشترون للخروج من وسط المدينة إلى مناطق أكثر إحباطا داخل المدينة أو إلى عشوائيات عند أطراف المدينة(20).
 التجديد العمراني لم يكن أبدا سياسة جاءت بأهدافها كاملة، إلا أنها تلعب دورا هام في جلب تنمية وتطور اقتصادي وثقافي، وهذا بالطبع على حساب فئات الدخل المحدود و ذوي الأنشطة الحرفية الصغيرة. تستمر سياسة التجديد العمراني بالنجاح والفشل معا، ومن ثم استمرار عمليات الاختيار والتنفيذ من مضامين هذه السياسة التي لن تتوقف أبداً.
     تنطوي سياسة التجديد الحضري على تطوير المباني والإنشاءات الصناعية والتجارية القابلة للترميم والإزالة وهدم الأمكنة المتداعية وتحويلها إما إلى فراغات ومساحات عامة أو إحلالها بمجمعات سكنية وخدمية. أدت هذه السياسات إلى إحياء الكثير من المدن رغم أنها كانت مكلفة جدا وفي حالات نتج عنها دمار لنبض روح الجوار ودفء المدينة، هذا ويعتقد الكثير من قامات مخططين العمران وصناع القرار أن هذه السياسة فشلت فشلا ذريعا في تهيئة التكامل بين حيوية وسط المدينة التجاري مع صلاحية الجوار السكني. عموما مع مرور الوقت تمحورت سياسات التجديد العمراني على أقل من الهدم والانحياز إلى صيانة وترميم واستثمار القائم.
تفرع التحضر:

أُطلق مصطلح تفرع التحضر أن جاز التعبير على العملية التي يتم في إطارها انتقال سكان الحضر من المدينة والإقامة في المناطق الريفية المتاخمة لأطرافها .
هذه العملية هي وراء انتشار ظاهرة ما يعرف بالتوسع الحضري التي تشهدها مدن العالم اليوم.
     أتاح التطور التقني والحضاري في الدول الصناعية المتقدمة إلى هجر الطبقة الوسطى على وجه الخصوص من سكان المناطق الحضرية إلى الاستقرار والعيش غالبا في تجمعات سكنية حديثة في مناطق متاخمة لحواشي المدينة تعرف بالضواحي، أو كما يطلق عليها أحيانا في أدبيات التخطيط الحضري بمدن التوابع أو الضواحي.
  سكان الضواحي الممتهنون في المدينة ينتقلون في رحلة ذهاب وإياب يومية للعمل في المدينة مستفيدين من تطور بنية ونظام وسائل النقل. للمفارقة، هناك الكثير من سكان الضواحي (وهم في تنامي) يعملون اليوم من داخل منازلهم مستغلين إمكانية تسهيلات تقنية الاتصالات المتطورة. ولهذا أصبح غالبية سكان الدول الصناعية المتقدمة يقطنون الضواحي وليس في المدن أو الريف. يتحجج المناهضون لظاهرة الانتشار الحضري بأن الضواحي تزيد من الانتشار العمراني الذي يؤدي بدوره إلى الانحطاط الحضري وانحشار ذوي الدخل المحدود داخل وسط المدينة.
عملية تفرع التحضر هذه ترجع إلى عديد من عوامل طرد وجذب منها:
الاكتظاظ والازدحام السكاني نتيجة الكثافة السكانية والسكنية المرتفعتين في المدينة وارتفاع معدلات التلوث الصناعي وانبعاثات وسائل النقل، وكذلك كثافة حركة المرور وما تسببهُ من اختناقات داخل وسط المدينة، بالإضافة إلى تدهور نوعية الحياة داخل المدن مقارنة بالمناطق حديثة النشأة. عوامل الجذب قوية ومتصاعدة لعملية التفرع الحضري فمنها ما يلي(21):
1) جاذبية المناطق الطبيعية المحيطة وانخفاض معدلات التلوث ونقاء الهواء وانخفاض الضجيج .
2) تحسن في البنية التحتية في مجال النقل والمواصلات، فتوفر شبكات السكك الحديدية السريعة تحت وفوق الأرض، والطرق وخطوط سير الحافلات المنتظمة وشيوع ملكية المركبات الخاصة سهل حركة التنقل اليومي للعمل في المدينة والاستقرار والعيش في الضاحية بأسرع وقت وأقل تكلفة ممكنة.
3) التطورات الأخيرة الفائقة في تقنية الاتصالات والمعلومات في مجال القنوات الصناعية والبصرية وتطور الخدمات شبكة المعلومات الدولية والبريد الالكتروني والوسائط البديلة والشبكات المغلقة. علاوة على ذلك تطور تسهيلات أنظمة خدمات التوزيع السريع للسلع والخدمات المعتمدة على تقنيات الحاسوب المتطورة والبطاقات الائتمان المصرفية وشبكات النقل السريع، كل هذه التطورات مكنت وفتحت المجال لشرائح كثيرة من السكان الإنتاج والعمل من خلال منازلهم في الضواحي عوضا عن رحلة العمل يوميا المدينة والتنصل من مركزية وسط المدينة إلى لامركزية الخدمات .
4) السياسات المحلية تلعب دور تشجيعي فعال في انتقال شرائح من السكان لاسيما في أوساط الطبقة الوسطي الانتقال من المدينة إلى الضواحي وذلك من خلال عروض المكاتب العقارية وشريكات التأمين بتسهيلات دفع في أقساط القروض العقارية وبسعر فائدة منافس في الضواحي عن المدينة. دعمت هذه المزايا بانخفاض أسعار الأراضي وتأجير العقارات والفراغات  وانخفاض تكلفة استخدام البنية التحتية وتسهيل الأعمال والضرائب وبناء واعتماد المنازل الفردية التي أصبحت أكثر جذبا لمناطق الضواحي.
5) لعبت الاتجاهات العنصرية في كثير من مجتمعات الدول الصناعية المتقدمة لاسيما الغربية منها دور هام في مورفولوجية المدن الصناعية الكبرى. استقطبت هذه المدن أعداد غفيرة من المهاجرين من الأقليات العرقية عن طريق الهجرة الوافدة المحرومة فهم نزحوا وتركزوا في داخل المدينة، إضافة إلى ذلك تيار الهجرة الخارجية الوافدة المتمثلة في العمالة الرخيصة والإقامة في وسط المدينة كما نوقش من قبل في العشوائيات. ونتيجة لارتفاع معدلات البطالة والمشاكل الاجتماعية المصاحبة عزز النظرة العنصرية لدى فئات من السكان الأصليين الذين بادروا بالهجرة إلى الضواحي باعتبارها أكثر أمان للمعيشة وفرصة تكوين حياة أسرية أفضل، وذهب المغالون في العنصرية إلى أبعد من ذلك بعدم اختلاط بالملونين والأجانب، وعرفت هذه الهجرة "بفرار أو رحيل البيض" فأصبح الفصل العنصري قائم؛ المدينة للملونين والضواحي للبيض، الميز العنصري على أشده .
     قوى الجذب سالفة الذكر أدت إلى تنامي حركة السكان إلى الضواحي بمعدلات عالية (في نهاية القرن الماضي أكثر من 45% من سكان الولايات المتحدة يعيشون في الضواحي وهذه النسبة في ارتفاع مستمر)، مما نتج عنها ظواهر سلبية أصبحت مثار سجال على أساليب التخطيط الحضري منها ما يلي:
 1- التوسع الحضري على حافة المدينة،  وذلك بتركز تجمعات للمكاتب الإدارية والتجارية والأسواق المجمعة وتشعب شبكات النقل والمواصلات فيما بينها، قضى إلى تعقد حركة المرور وأصبحت ذات إبعاد متعددة فهي بين الضواحي والمدينة من جهة وبين الضواحي بعضها ببعض من جهة أخرى أدت إلى حدوث اختناقات عند تقاطع الطرق،  مما دفع المنتقدين بمفاهيم جديدة في الدراسات الحضرية تنادي بتركز السكان والمسافات وتأسيس جماعات ذات حيوية وخفض الاعتماد علي المركبات الآلية.  فهم يرون إن انتشار الضواحي شتت ومزق الجماعات وعزل السكان بعضهم عن بعض إلى جانب تأثيراتها البيئة القاسية، مثل هذه الانتقادات أدت إلى تلاشي واضمحلال مفهوم مدن الحدائق واحتضارها.
2- تلازم مع قدم ظاهرة سكان الضواحي ارتفاع في نسبة سكان كبار السن بها، كما بدأت تطفو على السطح كثير من المشاكل الاجتماعية المرتبطة بالحياة الحضرية في المدينة بنفس الدرجة والكيفية في مناطق الضواحي.
3- دعمت توجهات الفصل العنصري تفاقم المشاكل داخل المدن التي أصبحت مرتبطة بتركز الأقليات والمهاجرين وذوي الدخل المحدود والمحرومين، وواكب ذلك ظاهرة انتشار الشغب والنهب والعصيان المدني المنظم وغير المنظم داخل المدن، بينما تميزت الضواحي التي سكانها من الأكثرية العرقية المميزة والأكثر حظا في البلاد بالأمن والاستقرار والهدوء.
4- اتساع فجوة التباين في متوسط دخل الفرد والخدمات الاجتماعية بين داخل المدينة والضواحي نتيجة هجرة العقول والمستثمرين ومراكز المؤسسات التجارية لصالح الضواحي.

الأمان والسلامة :

     مناحي الأمان والسلامة متعددة ومختلفة لتباين المستوطنات البشرية وتعقد تراكيبها الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية وهي الآن على قائمة الأوليات في العمليات التخطيطية اختياريا أو بصورة طارئة.    
     نشأت تاريخيا أغلب المدن على أراضي مرتفعة وذلك لأغراض دفاعية بحتة، جعل هذه المدن اليوم عرضة لعوامل التعرية كالانجراف والانهيارات الأرضية والانهيارات الجليدية مصدر خطر علي سكان هذه التجمعات، كذلك كثير من المدن أنشأت على أودية ومصبات الأنهار والأودية الجافة من أجل الحصول على المياه وهي كثيرا منها اليوم عرضة للطوفان وللفيضانات النهرية، وهنالك مدن أخري تقع على خطوط الانكسارات والفوالق الأرضية وهي عرضة  لهزات الزلازل والحركات التكتونية، كذلك المدن التي تقع بالقرب من البراكين وبذلك تكون عرضة لتهديدات الحمم والرماد. كما تتعرض مدن الموانئ الواقعة على طول امتداد السواحل البحرية في المناطق المدارية للعواصف والأعاصير المدمرة.
    مواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية يتطلب تحديد مساحات ومواقع المناطق المعرضة لمثل هذه الأخطار واحتساب حجم ونوع المخاطر المتعرضة لها مسبقاً وتحويلها وتحويرها إلى استخدامات عامة كحدائق ومساحات خضراء ومحطات وقوف سيارات، كذلك تحوير الطرق والسكك الحديدية واختيار مواقع المنشئات العامة بعناية كالكباري والجسور وأرصفة الموانئ وأخذ الاحتياطات الضرورية للمناطق العمرانية المعرضة للكوارث الطبيعية وتوفير ترتيبات الأمان والسلامة مثل إنشاء المعابر البديلة والملاجئ وملاذ للطوارئ والسدود والقناطر في الأودية والمجاري النهرية.
     تؤثر البيئة الحضارية على السلوك الفردي ومدى انصياعه للسلوك الاجتماعي العام، هذه المفاهيم وغيرها تلوح دائماً على أن الضغوطات الاجتماعية تنمو في المناطق الأكثر كثافة سكانية والأكثر كأبة عمرانية. التوتر يؤدي إلى الجريمة وتعاطي المحرمات والممنوعات وتفشي حالات الانتحار، دعت هذه المظاهر خبراء علم الاجتماع  إلى طرح فكرة ما يعرف بالعمارة الاجتماعية  حيث يراعى فيها المخططين والمصممين ضرورة إبداع مخططات وتصاميم أمكنة ذات انفتاحية وجمالية ووظيفية.
     بدأ المخططون في السنوات الأخيرة يراعون السكان من ذوي الاحتياجات الخاصة والقدرات المختلفة جعل البيئة الحضارية ميسرة للجميع. تسهيل ومرونة الوصول بين وداخل الأمكنة أصبحت عملية ضرورية للحياة الحضارية العصرية، وبذلك أصبح من الضروري التخطيط وإنشاء ممرات خاصة للمشاة وراكبي الدرجات ومحطات وقوف خاصة لهم لحمايتهم وتيسير حركتهم .


الخاتمة:
    أوصى المخططون والخبراء والمستشارون في كبرى المؤسسات التخطيطية ذائعة الصيت(22) عشر وصايا تنير الطريق نحو تخطيط حضري أمثل، هذه المبادئ استخلصت من تجارب تخطيطية متنوعة امتدت لفترة زمنية طويلة، وساهم في تحريرها مهتمين بشؤون البيئات الحضرية من مختلف المجالات العلمية، وهى عند مراعاتها في العملية التخطيطية تنقل البيئات الحضرية إلى واقع أكثر ايجابية من منظور الاستدامة.
المبدأ الأول: التوازن البيئي
التفريق بين الانتفاع بالموارد واستغلال الموارد، الأول يعني الانتفاع بالموارد دون الإضرار بالبيئة، حيث أن الاستغلال الجائر للموارد يؤدي إلى كوارث بيئية مثل التصحر، تعرية التربة، استنزاف المياه الجوفية، وانتشار الملوحة والتلوث. يجب أن يكون التحضر متوازن مع البيئة، ويتم ذلك بمراقبة كثافة الاستغلال، تخطيط استخدام الأرض، تقنين الانبعاث الملوث، ومراعاة تعويض الاستهلاك بتغذية طبيعية متوازنة خلال دورة المياه الموسمية.
المبدأ الثاني: التوافق مع الموروث الثقافي
توفيق الخطط مع الموروث الثقافي واحترام معالم أمكنة الشعائر والطقوس والعبادة ومزاولة التقاليد والأعراف. الاستفادة من الخبرة الموروثة والخطوط التقليدية للعمارة في تخطيط المظهر المعماري للمدن. التأكيد على تفاصيل الحروف والرموز للنقوش التراثية في أسلوب زخرفة المباني الذي يؤدي إلى رفعة الذوق المعماري وتجسيد القيم الثقافية الأصيلة. كذلك إبراز الصروح الثقافية والتاريخية والأثرية وعدم طمس معالمها بما يحاط بها من منشات عصرية، فهي رصيد بصري للمدينة يعكس نمط وتركيب المدينة المتنوع في بعدها التاريخي.
المبدأ الثالث: التقنية المناسبة
تنسيق استعمالات مواد البناء وأساليب الإنشاء ونظام البنية التحتية مع الأطر المحلية ماديا ومعنويا. لهذا يجب أن يوضع في الحسبان القدرات الاستيعابية البشرية والاستثمارات الرأسمالية المتاحة وتوفير الأيدي العاملة خصوصا فئة الصناع المهرة . كذلك التنسيق والربط بين التقنية المتاحة والموارد الأخرى المتوفرة حيث عندها يتم حل أي مشكلة بإمكانيات التقنية المناسبة لمواجهتها.
المبدأ الرابع: التفاعل الاجتماعي
تأكيد التفاعل الاجتماعي بين فئات هرمية المكان وذلك لدعم التآلف والوفاق وحسن الجوار وإقرار المجتمع المدني. إيجاد أمكنة للتواصل للأسرة والجماعة،  هذه الأمكنة قد لا تتواجد تلقائيا في النسيج الحضري المعاصر، لهذا أمكنة مثل المتاحف، المعارض، المكتبات العامة، ودور الترفية والمنتجعات وغيرها قد تهيئ التواصل وتمضية الوقت لسكان المدينة. ضرورة إتاحة للفرد حيزا مكانيا للممارسة خصوصيته بحرية كاملة بعيدا عن ضغوطات الحياة الحضرية المعقدة.
المبدأ الخامس: الفعَالية
توطيد الفعَالية التي تأتي من التوازن بين استهلاك الموارد مثل الطاقة، الوقت، الموارد الطبيعية مع مستهدفات مخططة للرفاهية، الأمن والسلامة، سهولة الاتصال وبيئة صحية. كما تسمح بالسقف الاعلي من المشاركة في استخدام الأرض وشبكات البنية التحتية وخدمات التسيرية للمرافق والمنافع شريطةً أن تتم جميع هذه الوظائف بتكلفة مالية متوازية.
المبدأ السادس: البعد البشري
تشجيع التوسع الأفقي للاستخدامات الحضارية ودعم التنقل الحضري على الأقدام واستعمالات المشاة وكل ما يعتمد على طبيعة استخدام القوة البشرية. كذلك إبراز المظهر العام لمشاهدة المارة على الأقدام وتيسير الرؤية علي مستوي البصر وفتح المجال للاتصال البشري مع الأشياء. تعزيز هذا المبدأ يتم عن طريق انتشار المناطق والوحدات العمرانية المنفصلة ذات الأنشطة المختلطة المرتبطة بمحاور شبكات الطرق الرئيسية والمرفقة بها محطات لوقوف السيارات. على أن ترتبط هذه المراكز فيما بينها بشبكة من ممرات للمشاة وساحات عامة لتجمع واسترخاء المارة على الأقدام.
المبدأ السابع: تهيئة الفرص
توفير وإتاحة فرص متساوية للجميع وعلى كافة الأصعدة في التوظيف، الإيواء، التعليم، الرعاية الصحية، الترويح، الأمن والعدالة، الخدمات العامة، تنوع القاعدة الاقتصادية ومواجهة كل عناصر التباين المكاني. تُرى المدينة على أنها مكان مُحفز للإبداع، الإلهام الثقافي، الاعتداد بالذات والاعتماد على النفس، فهي تُلهم المرء وتفسح له المجال للتميز، اكتشاف الذات، وتطوير مهاراته وقدراته وإشباع رغباته الفكرية والثقافية والجسدية. لهذا على المدينة أن توفر غطاء هام من الخدمات تاركة المرء الاهتمام بتفاصيل المعيشة اليومية وليس المكافحة من أجل البقاء.
المبدأ الثامن: التكامل الإقليمي
تفعيل المدينة مع ظهيرها الاقتصادي من حيث تسهيل الاستثمارات والخدمات المالية وتصريف المنتجات الزراعية والصناعية. كذلك دمج الهياكل التكنولوجية  الإقليمية مع المدينة والعكس، لاسيما محطات الطاقة الكهربائية وتنقية المياه ومحطات الصرف الصحي وأبراج الاتصالات السلكية واللاسلكية والموانئ الجوية والبحرية. كذلك ربط المدينة بمحيطها الجغرافي الطبيعي من حيث الإمكانات المائية والنباتية والحيوانية والمظاهر التضاريسية. فالمدينة جزء لا يتجزأ من بيئة أوسع واشمل ذات أبعاد جغرافية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتتفاعل باستمرار. عزل المدينة عن الإقليم يحصر تطورها على طول امتدادات الطرق بدلا من أن تكون منطقة تصريف اشمل لمجال إقليمي أوسع لان حركة السكان من وإلى المدينة مرتبطة برفاهية الإقليم.
المبدأ التاسع: توازن الحركة
توظيف نظام نقل ومواصلات متكامل يتكون من شبكات من ممرات المشاة ودروب لراكبي الدرجات وخطوط لتسيير الحافلات وطرق للمركبات الآلية وسكك حديدية وأنفاق للقطارات وقنوات مائية على أن تكون مرتبطة مع شبكات نقل وطنية كثيفة رأس المال مع خيارات بديلة مع أقل تكلفة ممكنة. تعتبر وسائل النقل بالسيارات من أكثر الوسائل هيمنة علي حركة النقل ولكن يوصي عند وضع التصاميم المستحدثة إبعاد واختزال محاورها عن بؤر الازدحام.
المبدأ العاشر: استقامة المؤسسات
تتم الممارسة الصحيحة للمبادئ العشر من خلال الإدارة المحلية التي يجب أن يكون من خصائصها: التأهيل، الشفافية، الاستقلالية، والمشاركة. وان تقوم الإدارة على قاعدة بيانية معلوماتية قويمة وأحكام ولوائح وقوانين ملزمة. هذا وتترجم استقامة المؤسسات مما يلي:
 - تواجد نظام إدارة تطوير عمراني لكل مدينة أو إقليم حضري، وهو جهاز يضع الإجراءات للتنفيذ ويستقبل مقترحات للتقييم، أيضا يحدد المقاييس والمؤشرات التي من خلالها يتم التقويم والقياس.
 - تشجيع القطاع العام والخاص في التطوير العمراني من خلال توفير الأراضي وخدمات المرافق وإصدار اللوائح لمراقبة الكفاءة والجودة والسلامة والصحة العامة والذوق والمظهر العام. كذلك ضرورة اعتماد ما يعرف "بتنميط المباني" لاستخدام المباني العامة للإنقاذ والإيواء عند الطوارئ.
 - مراعاة "حمولة الخدمات" بحيث لا تزيد حصة حيز العقار أكثر مما خصص له من خدمات والالتزام بعدالة التوزيع في استخدام المرافق والمنافع لكافة المستهدفين أي اعتماد ما يعرف بمعدل الأرضية (وهو معدل مساحة مسطح المبنى  إلى اجمالى  المساحة المخصصة له) وذلك للحد من الضغط على خدمات المرافق. كذلك وضع دليل للتصاميم المعمارية المعتمدة أو ما يعرف "الدليل المعماري" للحفاظ على المباني التاريخية ذات القيمة الثقافية والتراثية من التآكل والتحوير والإزالة، كذلك يؤكد على نسق وتناغم وتجانس أنماط وألوان المباني.
- وضع خطط هيكلية (بنيوية) لتنظيم العلاقة بين المدينة والإقليم المجاور وذلك لتوجيه نمو وتطور اتجاهات المدينة. كذلك مشاركة المواطن في مناقشة الخطط المحلية.
الهوامش:

(1) Grimond, J., Homo urbanus, The Economist, 5/5/2007.
(2) Hall, P. (1975), Urban and Regional Planning, Penguin Books, Harmondsworth, P.19.
(3) Howard, E. (1946), Garden Cities of  Tomorrow, Faber, London.
(4) Gaddes, P. (1968), Cities in Evolution, Benn, London.
انظر كذلك:
-Le Corbusier, (1967), La villa radieuse ( The Radiant City, English trans.), Faber, London. 
(5) Beaujeu-Garnier J. and Chabot, G. (1967), Urban       Geography, Longman, London.
انظر كذلك:
-محمد السيد غلاب و يسري عبدالرازق الجوهري (1972)، جغرافية الحضر: دراسة فى تطور الحضر و مناهج البحث فيها، دار الكتب الجامعية، الإسكندرية.
(6) UN-HABITAT, 2006.
(7) Harvey, D. (1972), The City and the Space: Economy of       Urbanism, Societ, No. 18, P7.                                        
(8)  Katz, P. (1994), The New Urbanism: Toward an Architecture                 Community, McGraw-hill, New York.                               
(9) عبد الاله أبو عياش و اسحاق يعقوب القطب (1980)، الاتجاهات المعاصرة في الدراسات الحضرية، وكالة المطبوعات، الكويت، الطبعة الأولى، ص94.
(10) متعب مناف جاسم، التخطيط والمجتمع: مفاهيم مدخليه و أطر، منشورات جامعة قاريونس، بنغازى، 1978، ص229.
(11) على الحوات (1990)، التخطيط الحضري، دار الجماهيرية، بنغازي، ص33.
(12) نفس المرجع السابق، ص34.
(13) محمد السيد غلاب و يسرى عبدالرازق الجوهرى، مرجع سابق، ص90- ص101. انظر كذلك:
-Murphy, R., E. (1966), the American  City in Urban Geography, McGraw-Hill Book Co. New York, P369. 
- جمال حمدان (1977)، جغرافية المدن، دار الكتاب العربي، القاهرة، ط2.
(14) محمد السيد غلاب و يسري عبدالرازق الجوهري، مرجع سابق، ص90.
(15) نفس المرجع السابق، ص99.
(16) نايف محمود عتريسى (غير مؤرخ) قواعد تخطيط المدن، دار الراتب الجامعية، بيروت، ص82.                       
(17) UN-HABITAT, (2003), The Challenge of Slums: Global Report on Human Settlements 2003.
(18) Ibid.
(19) Davis, M. (2006), Planet of Slums, London.
(20) Jacobs, J. (1961), The Death and Life of Great American Cities, Random House, New York.
(21) Garreau, Joel, (1992), Edge City: Life on the New Frontier,Anchor Books, New York.
(22) Benninger, C. (2001), Principles of Intelligent urbanism, in Ekistics, vol. 69 No.412, PP39-65, Athens.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا