التسميات

الثلاثاء، 17 يوليو 2018

التغير في التركيبة السكانية لمراكز المدن التقليدية: أسبابه وانعكاساته على قيمتها التاريخية والتراثية

  التغير في التركيبة السكانية لمراكز المدن التقليدية:
أسبابه وانعكاساته على قيمتها التاريخية والتراثية

المهندس/ عـلي بن محمد السواط
ماجستير علوم وتكنولوجيا البناء ـ مدير إدارة تنسيق المشاريع

أمانـة مدينـة الدمـام ـ المملكة العربية السعودية

aliswat2002@hotmail.com


ملخص:
     إن الهجرة المستمرة للسكان الأصليين من أحيائهم القديمة في مركز المدينة تعتبر ظاهرة اجتماعية ملفتة للانتباه وتحتاج إلى وقفة تأمل وحلول عاجلة، فمع نزوح السكان الأصليين وتفكك التركيبة الاجتماعية يبدأ التدهور يدب في أحياء مركز المدينة، ولا تتوقف الهجرة على السكان الأصليين وإنما تتبعهم هجرة الخدمات والفعاليات الاجتماعية والثقافية ويسود الخراب والأوضاع الاجتماعية المتدهورة، وفي خضم هذا التفريغ السكاني لأحياء مراكز المدن يأتي السكان الجدد من ثقافات متعددة فيتكاثرون ويتكدسون في هذه الأحياء التي لا ينتمون إليها ويصبحون أحد أبرز العوامل التي تعجل بخرابها وتدهورها، كما أن تفكك وحدة الجوار في أحياء مركز المدينة نتيجة لتزايد أعداد العمالة الوافدة وكثافة الحركة المرورية وازدياد الأبراج الشاهقة وانتشار الأنشطة التجارية بشكل عشوائي أحدث خللاً كبيراً في النسيج الاجتماعي لهذه الأحياء، وهو ما خيم بظلاله على الجوانب العمرانية كالكتل والمباني والخدمات، وقد انعكس ذلك سلباً على القيمة التاريخية والتراثية لهذه الأحياء.

        تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على العوامل المختلفة التي تقود إلى هجرة السكان الأصليين من أحيائهم القديمة في وسط مدينة الدمام، وقد اتبعت هذه الدراسة أسلوب المنهج المسحي الميداني الوصفي بغرض جمع المعلومات عن مشكلة الدراسة، وتتكون هذه الدراسة من جزأين رئيسيين، حيث يغطي الجزء الأول إطاراً نظرياً عاماً عن أبعاد المشكلة وأسبابها وتأثيراتها المختلفة، أما الجزء الثاني فيتكون من استطلاع للآراء تم من خلاله إجراء مسح ميداني للتعرف على أسباب هجرة السكان الأصليين من مساكنهم وأحيائهم القديمة الواقعة في وسط مدينة الدمام. وقد تم في هذه الدراسة تصنيف مسببات انتقال وهجرة السكان الأصليين من مراكز المدن إلى خمسة تصنيفات على النحو التالي: (1) مسببات تجارية واستثمارية، (2) مسببات اجتماعية، (3) مسببات مرورية، (4) مسببات بيئية وخدمية، (5) مسببات عمرانية ومعمارية، وقد تم اختبار هذه المسببات من خلال مسح ميداني تم من خلاله توزيع عدد من استمارات الاستبانة على عينة مختارة عشوائياً من ثلاث فئات هي: (1) فئة السكان الذين انتقلوا سابقاً من أحياء مركز المدينة، (2) فئة السكان الذين لا زالوا في الوقت الراهن يسكنون في أحياء مركز المدينة، (3) فئة المهندسين المعماريين والمدنيين ومخططي المدن العاملين في إدارة التخطيط العمراني بأمانة مدينة الدمام، وبعد تحليل المعلومات توصلت هذه الدراسة إلى أبرز الأسباب التي تقود إلى انتقال السكان الأصليين من مناطقهم القديمة في مركز المدينة، كما أظهرت هذه الدراسة بعض المؤشرات الهامة من خلال المقارنة بين إجابات السكان النازحين سابقاً والسكان المقيمين حالياً في أحياء مركز المدينة. وتوصي هذه الدراسة بسرعة معالجة المشاكل التي تواجه سكان أحياء مركز المدينة في سبيل الحفاظ على الرصيد السكاني الأصلي المتبقي ومحاولة استعادة السكان المهاجرين، إذ أن الإبقاء على التركيبة الاجتماعية الأصيلة وتعزيزها سيقود للحفاظ على القيمة الحضارية والهوية العمرانية والنسيج الاجتماعي المترابط في أحياء مركز المدينة.

مقدمة:
       أشارت دراسات عديدة إلى أن وظيفة السكن تشكل نسبة تتجاوز 50% من مساحة المنطقة المشيدة في المدينة، بل إن من المعماريين والمخططين من يرى بأن الوظيفة الرئيسية للمدينة هي توفير السكن [1]، ويؤكد ربابورت (Rapoport) أن البيئة السكنية هي عبارة عن وسط له خصائص بيئية معينة يستطيع سكانها الاختيار ضمن محددات ثقافية مرتبطة بأسلوب حياتهم، هذا الاختيار يعكس الرغبة في تحقيق المُثل والقيم والتصورات الثقافيـة ، كما أنه سيكون مدعوماً من خلال النشاطات الظاهرة والباطنة التي يمارسها الساكنون [2]، أما عالم الاجتماع الحضري الأمريكي ويرث (Wirth) فهو ينظر إلى المدينة باعتبارها وحدة اجتماعية تتميز بأنساقها وأنماطها التي قد لا تتوفر في أي وحدة أخرى [3]، ويرى العالم فيري (Firey) بأن تفسير مظاهر الحياة والتنظيمات الاجتماعية والايكولوجية في المدينة تتم في ضوء القيم الثقافية [4]، وإذا كان هذا الكلام منصباً على المدينة بشكل عام فإنه ولعدة أسباب ينسحب على مركز المدينة بشكل خاص، فمركز المدينة هو القلب النابض بها وهو الصورة الحية التي تعبر عن تاريخ المدينة وحضارتها وخصائصها التراثية، كما أن الأحياء القديمة في مراكز المدن تمثل حالة اجتماعية ثقافية ذات خصوصية، وليست مجرد كتل عمرانية وأبنية وواجهات، ولكنها منظومة حضارية تعبر عن تفاعل السكان مع بعضهم البعض ومع محيطهم الفيزيائي، وهذا ما يدعونا للمناداة بالتعامل مع هذه الأحياء كوحدة عمرانية اجتماعية ثقافية، فالعمارة والعمران هي نتاج اجتماعي قبل أن تكون شواهد مادية مشيدة، والعمران هو المجتمع، وعلم الاجتماع هو العمران كما أطلق عليه العلامة عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة[1] [5]، ومن هنا يمكننا القول أن المحاولات التي تستهدف الحفاظ على مراكز المدن بتاريخها الحضاري ونسيجها العمراني وتركيبتها الاجتماعية لن يُكتب لها النجاح ولن يتحقق لها الاستمرار ما لم تتخذ من البُعد الاجتماعي خطاً ومساراً لها.
      نحن نتحدث كثيراً عن التراث العمراني والحفظ والترميم في مراكز المدن، ويكون حديثنا في الغالب منصباً عن الجوانب الفيزيقية والعمرانية والاقتصادية، وقلما نتحدث عن الإنسان وهو العنصر الرئيس في مركز المدينة وفي المدينة ككل، وفي غمرة اندفاعنا غير المدروس في ركب التحضر قد ننسى أو نتناسى أن الجوانب الإنسانية والاجتماعية هي النقطة المركزية في عمران المدن والمستوطنات، فالمدن والأحياء والمباني والمنشآت العمرانية لا تنشأ بذاتها وإنما يقوم ببنائها الإنسان ويسكنها وينتفع بها الإنسان في إطار مجتمع مترابط تحكمه القيم والأعراف والعادات والتقاليد، ومن هنا يمكننا التأكيد على أن المدينة بسكانها قبل كل شيء، كما أن أحياء مراكز المدن أيضاً تستمد قيمتها الحضارية والتاريخية والعمرانية من تركيبتها السكانية ونسيجها الاجتماعي المتكافل. ربما نحتاج أن نناقش قضية التراث العمراني والحفاظ على هوية مراكز المدن من منظور ينحوا قليلاً عن الخط المألوف المتصل مباشرة بالعمران والكتل والمباني والتفاصيل المعمارية، فنحن - كما يقول مدرس العمارة في أدنبرة أحمد صدقي – نركز على المنهج السطحي والكيان المادي للمناطق التاريخية والتراثية، وقليلاً ما ننظر بعين الاعتبار للسكان الأصليين والحرف التقليدية والأنشطة الاقتصادية في هذه الأحياء ذات الطبيعة الاجتماعية [6]، ومع أننا ندعو إلى الاهتمام بالأبعاد التشريعية والتخطيطية والمعمارية والاقتصادية والجوانب الفنية والتمويلية في عمليات الحفظ والترميم والصيانة لمراكز المدن إلا أننا نريد أن ننطلق من المحور الأساس الذي أرتبط بهذه الأحياء وارتبطت به على مدى قرون وهو "الإنسان"، فعندما نتناول قضية مراكز المدن من منظور اجتماعي فإننا نستطيع إثارة ما يمكن أن نطلق عليه (استدامة الحفاظ على مركز المدينة القديم)، وهذه الاستدامة ذات الأبعاد الثلاثة -الاجتماعية والبيئية والاقتصادية- لن تتحقق في ظل هروب السكان الأصليين ونزوحهم إلى الأحياء الجديدة تاركين أحيائهم ومساكنهم القديمة فريسة سائغة للتدهور والاضمحلال، فالاستدامة أو التواصلية (Sustainability) في الحفاظ على مراكز المدن يمكن تشبيهها بالعجلة التي تستمد قوتها من إرادة وتفاعل المجتمع الذي يشكل الوقود لها ويضمن استمرار دورانها على المدى الطويل، ويمكننا إيجاز فوائد إبقاء السكان الأصليين في مساكنهم القديمة وأحيائهم التاريخية في مراكز المدن في عدة نقاط أبرزها الحفاظ على هذه الأحياء والاهتمام بمساكنها وصيانتها بشكل متواصل، ومن الفوائد أيضاً الإبقاء على التركيبة السكانية والنسيج الاجتماعي المترابط في هذه الأحياء وهو ما سيقود للحفاظ على ديمومة هذه الأحياء ومراعاة قيمتها الحضارية والتراثية، هذا بالإضافة إلى الحفاظ على مستوى مقبول من الأوضاع الاجتماعية ورصيد جيد من الخدمات والمرافق في هذه الأحياء.
        يبدو أن هناك سيناريو مستمر للتفريغ السكاني من أحياء مركز المدينة، فالمدينة تنمو باستمرار وأنماط الحياة السائدة تتبدل وتتغير بطريقة تتزايد وتيرتها يوماً بعد يوم، وفي ظل هذه الحقائق تتواصل هجرة السكان الأصليين من أحيائهم القديمة إلى الأحياء الجديدة، ومع انتقال السكان الأصليين وتفكك التركيبة السكانية يبدأ التدهور يتغلغل شيئاً فشيئاً في كينونة أحياء مركز المدينة، إذ لا يقتصر الهروب على السكان الأصليين وإنما تتبعهم الخدمات والفعاليات الاجتماعية والثقافية، ولا يبقى في أحياء مركز المدينة سوى الخراب والأوضاع الاجتماعية المتدهورة والخدمات الغائبة، ويأتي السكان الجدد من ثقافات متعددة فيتكاثرون ويتكدسون في أوضاع متردية ويصبحون أحد أبرز العوامل التي تعجل بخراب هذه الأحياء، كما أن تفكك وحدة الجوار في أحياء مراكز المدن أحدث شرخاً غائراً في نسيجها الاجتماعي، وقد انعكس ذلك سلباً على الجوانب العمرانية كالكتل والمباني والخدمات، وفي ضوء ذلك أصبحت الأحياء القديمة في مراكز المدن تتصف بشكل عام بالوضع المتدهور للنسيج العمراني والمباني، ويكون ذلك في الغالب مصحوباً بأوضاع اجتماعية متردية نتيجة لقصور الخدمات وازدياد المشاكل البيئية، وقد أصبحت هذه الأحياء بعد أن هجرها سكانها الأصليون ملاذاً لذوي الدخل المنخفض من المهاجرين من الأرياف والعمالة الوافدة الذين لا يوجد لديهم انتماء وارتباط جماعي بهذه الأحياء، وهو ما يقود إلى تعدد وتنوع الثقافات في أحياء مركز المدينة، ومع مرور الوقت تطغى ثقافة العمالة الوافدة والقادمين من الريف على هذه المناطق فتتحول تدريجياً إلى أحياء متخلفة (Slums) فتفقد بالتالي نسيجها الاجتماعي المترابط وطابعها العمراني الأصيل.  
    يتضح مما سبق أن إحدى الأولويات الهامة للحفاظ على مراكز المدن والإبقاء على قيمتها التراثية والتاريخية وخصوصيتها الاجتماعية تتمثل في المحافظة على تركيبتها الديموغرافية المتمثلة في السكان الأصليين الذين ينتظر منهم المحافظة على أحيائهم ومبانيهم، وهذه المحافظة المطلوبة لن تحدت ولن تستمر في ظل تواصل هجرة السكان الأصليين وترك أحيائهم ومساكنهم لفئات أخرى تجعل منها فريسة سهلة للعوامل الجوية والمناخية، وفي هذا الإطار تأتي هذه الدراسة كمحاولة للبحث في أسباب نزوح السكان الأصليين من مراكز المدن والانتقال للسكن في الضواحي والمخططات الجديدة وترك أحيائهم ومساكنهم القديمة للعمالة الوافدة وذوي الدخل المنخفض، ومن خلال التعرف على دوافع انتقال هؤلاء السكان تقدم هذه الدراسة بعض التوصيات في سبيل الإبقاء على التركيبة السكانية الأصيلة لمركز المدينة، إذ أن الحفاظ على بقاء سكان مركز المدينة الأصليين في مناطقهم وأحيائهم ومساكنهم من خلال معالجة المشاكل وأواجه القصور التي يواجهونها سيقود للحفاظ على مركز المدينة بقيمته التاريخية والتراثية وهويته العمرانية وتركيبته الاجتماعية والثقافية.     
2. مشكلة وهدف الدراسة والمنهجية المتبعة:
    عندما نتحدث عن قيمة وتراث وتاريخ مركز المدينة فنحن لا نتحدث فقط عن النواحي الفيزيقية كالنسيج العمراني والمباني والكتل والواجهات وإنما نتحدث أيضاً عن الجوانب الاجتماعية والثقافية، وهي جوانب لا يمكن فصلها عن البُعد العمراني لمركز المدينة، وقد نوه كثير من المتخصصين إلى أن تجريد مراكز المدن من تركيبتها الاجتماعية والديموغرافية سيفقدها قيمتها كمركز تاريخي اجتماعي ثقافي للمدينة، وسيقود في نفس الوقت لمشاكل بيئية واجتماعية ستشكل أعباءاً كثيرة على المدينة، وهذا ما حدث فعلاً في بعض المدن في المملكة العربية السعودية ومنها مدينة الدمام، حيث أن السكان الأصليين انتقلوا من مركز مدينتهم إلى الضواحي الجديدة تاركين مساكنهم وأحيائهم القديمة ورائهم، فأصبحت مناطق مأهولة بعدد كبير من العمالة الوافدة من العزاب وفئات أخرى من ذوي الدخل المنخفض ممن لا يوجد لديهم انتماء ثقافي وارتباط اجتماعي بهذه الأحياء، وانتشرت في هذه الأحياء الأسواق والمحلات التجارية والأبراج الشاهقة بشكل عشوائي مما أفقدها قيمتها الاجتماعية وخصوصيتها الثقافية، وقد أصبحت هذه المناطق التاريخية القديمة تعاني من مشاكل بيئية متعددة مثل تردي مستوى أعمال النظافة وصحة البيئة وتدهور خدمات البنى التحتية، بالإضافة إلى تردي حالة المباني القائمة وتهالكها وعدم تحقيقها لمتطلبات الصحة والسلامة.
     وفي هذا السياق تأتي المشكلة الرئيسية لهذه الدراسة والتي يحاول الباحث إيجاد إجابة لها ويمكن وضعها في إطار السؤال التالي: ما هي الأسباب التي أدت وتؤدي إلى نزوح السكان الأصليين من مساكنهم في أحياء مركز مدينة الدمام وتدفعهم إلى الانتقال للسكن في الأحياء الحديثة في الضواحي؟، حيث تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على العوامل المختلفة التي تقود إلى هجرة هؤلاء السكان من أحيائهم القديمة في وسط مدينة الدمام، وقد اتبعت هذه الدراسة أسلوب المنهج المسحي الميداني الوصفي بغرض جمع المعلومات عن مشكلة الدراسة، تتكون هذه الدراسة من جزأين رئيسيين، حيث يغطي الجزء الأول إطاراً نظرياً عاماً عن أبعاد مشكلة نزوح السكان من أحياء مراكز المدن وأسبابها وتأثيراتها المختلفة، أما الجزء الثاني من هذه الدراسة فيتكون من استطلاع للآراء تم من خلاله إجراء مسح ميداني للتعرف على أسباب المشكلة في مدينة الدمام.
فبعد إجراء مراجعة نظرية متعمقة لمشكلة الدراسة والإطلاع على بعض الأبحاث والدراسات السابقة واستعراض آراء الخبراء والمتخصصين تم تطوير قائمة عامة ببعض الفرضيات التي تمثل أبرز المسببات والعوامل التي يتوقع أنها تؤدي إلى انتقال السكان الأصليين من أحياء مركز المدينة وتحولهم للسكن في الضواحي الحديثة، وهذه المسببات تم تصنيفها في خمس فئات على النحو التالي:
(1)المسببات التجارية والاستثمارية: وتغطي العوامل الاقتصادية مثل ارتفاع أسعار الأراضي، والرغبة في استثمار الأرض المقام عليها البناء، والرغبة في تغيير استخدام المبنى من الاستخدام السكني إلى الاستخدام التجاري لدواعي الاستثمار، والرغبة في بيع المبنى القائم بغرض شراء أرض بديلة في الأحياء الحديثة وإقامة مسكن عليها، والرغبة في تأجير المبنى القائم والاستفادة من العوائد المالية التي تأتي من الإيجار.
(2)المسببات الاجتماعية: وتغطي العوامل الاجتماعية مثل انتشار سكن العمالة الوافدة من فئة العزاب في الحي، وتنامي أعداد المتسوقين والغرباء في الحي، والقناعة بعد ملائمة الحي والمسكن القديم للسكن الراقي والمستوى الاجتماعي الذي يعيشه الناس، وانتشار الأنشطة التجارية في الحي السكني، وعدم الاستفادة من النوافذ والشرفات لأنها تجرح الخصوصية، ونزوح الجيران القدامى وانتقالهم للسكن في الأحياء الجديدة، وصعوبة خروج ودخول النساء من وإلى المساكن في الحي، والنظرة السائدة لدى أفراد المجتمع بأن أحياء مركز المدينة عبارة عن مناطق متخلفة، بالإضافة إلى تنامي المشكلات الأمنية والشعور بنقص الأمان، وقصور الخدمات الاجتماعية والترفيهية في الحي.
(3)المسببات المرورية: وتغطي هذه الفئة جوانب حركة المرور والنقل مثل الازدحام والاختناقات المرورية، ونقص مواقف السيارات، وصعوبة التنقل بالسيارات، وتنامي أعداد شاحنات نقل البضائع وأنشطة التحميل والتنزيل، وصعوبة دخول سيارات المطافي والإسعاف إلى الحي، وكثرة حوادث السيارات، وحوادث الدهس، بالإضافة إلى صعوبة الاستدلال على المساكن من الزوار والضيوف.
(4)المسببات البيئية والخدمية: وتغطي النواحي البيئية كالإزعاج والضوضاء، وتلوث الهواء، كما تتناول الخدمات العامة مثل النظافة، وصحة البيئة، والرش بالمبيدات، والتشجير، والسفلتة، وإمدادات المياه العذبة، والصرف الصحي، وتصريف مياه السيول والأمطار، والكهرباء، والهاتف، والحيوانات الضالة، بالإضافة إلى المرافق الخدمية كالمدارس، والمستشفيات، ومراكز الإطفاء والأمن. 
(5)المسببات العمرانية والمعمارية: وتغطي هذه الفئة النواحي التخطيطية في الحي مثل القرارات الحكومية بشأن التغيير في أنظمة البناء واستخدامات الأراضي، والشوارع الضيقة والمتعرجة، وانعدام المناطق المفتوحة في الحي، كما تغطي هذه الفئة أيضاً الجوانب المعمارية في المسكن مثل قصور الأداء الوظيفي ونقص المساحات، وتهالك المباني وارتفاع تكاليف صيانتها، وتردي الحالة الإنشائية للمباني، وعدم وجود ارتدادات وأفنية داخلية، وصعوبة التوسع في البناء رأسياً أو أفقياً، بالإضافة إلى عدم وجود كراج للسيارة، وعدم توفر فراغات مفصولة في المسكن لإيواء الخادمة والسائق.
        وقد تم صياغة (50) عبارة تمثل مسببات انتقال السكان الأصليين من أحيائهم في مركز المدينة وتغطي جميع الفئات الخمس المشار إليها مسبقاً، ثم دُمجت هذه المسببات بطريقة عشوائية ووضعت في استمارة الاستبانة على هيئة جدول لكي يتم اختبارها والتحقق من صحتها، بحيث يقوم كل فرد من أفراد العينة بقراءة العبارة ثم التأشير على الخانة التي تعبر عن مدى موافقته عليها، وتتكون الإجابات من خمسة مستويات هي: موافق بشدة، موافق، حيادي، غير موافق، وغير موافق بشدة، وقد قام الباحث بتوزيع عدد من استمارات الاستبانة التي تم تجهيزها على عينة مختارة عشوائياً من ثلاث فئات هي: (1) فئة السكان الأصليين الذين انتقلوا سابقاً من أحياء مركز المدينة، (2) فئة السكان الأصليين الذين لا يزالون في الوقت الراهن يسكنون في أحياء مركز المدينة، (3) فئة المهندسين المعماريين والمدنيين ومخططي المدن العاملين في إدارة التخطيط العمراني بأمانة مدينة الدمام، وقد تم اختيار هؤلاء المهندسين ليكونوا ضمن فئات عينة الدراسة نظراً لخبرتهم العلمية والعملية في مجال موضوع الدراسة.
      وبعد توزيع استمارات الاستبانة تم استعادة عدد (95) استمارة معبأة بشكل صحيح من أصل (150) استمارة تم توزيعها بشكل عشوائي على الفئات الثلاث من عينة الدراسة ، وكانت حصيلة الاستمارات المستعادة كالتالي : عدد (45) استمارة من السكان الأصليين النازحين، عدد (32) استمارة من السكان الأصليين المقيمين، عدد (18) استمارة من المهندسين، وتم إجراء التحليل الإحصائي للبيانات المجمعة بالإضافة إلى إجراء بعض المقارنات للخروج بنتائج وتوصيات الدراسة، وقد واجهت هذه الدراسة بعض المصاعب ومن أبرزها صعوبة الاستدلال على أماكن إقامة السكان الأصليين النازحين سابقاً من مركز مدينة الدمام، خصوصاً وأن عدداً كبيراً منهم انتقلوا من أحيائهم القديمة قبل أكثر من عشر سنوات، وبعد البحث والتقصي أتضح أن غالبية النازحين قد انتقلوا إلى أحياء المباركية والحمراء الأكثر حداثة وهي محاذية لشاطئ الخليج العربي باتجاه مدينة سيهات، كما ظهرت صعوبات أخرى عند البحث عن السكان المقيمين حالياً في أحياء مركز المدينة حيث تبين أن غالبيتهم من العمالة الوافدة ومن الساكنين بالإيجار، وهؤلاء تم استبعادهم ووزعت الاستمارات فقط على السكان الأصليين من الأسر التي تقيم في مساكنها المملوكة لها في أحياء مركز المدينة.
3. نزوح السكان من مراكز المدن .. أسباب الظاهرة وأبعادها :
       تحدث كثير من الباحثين عن هجرة السكان وتنقلاتهم سواء من الريف إلى المدن أو بين الأحياء والمناطق في المدينة الواحدة، فقد تحدث المتخصص في علم الاجتماع الحضري الدكتور مصطفى الخشاب عن الهجرة الاختيارية للسكان موضحاً بأن هجرة السكان تتم بشكل طوعي من مكان لآخر بحثاً عن امتيازات أو مكاسب أو للحصول على وضع اجتماعي أرقى، أو مدفوعين بالرغبة في الانتقال إلى مناطق سكنية أكثر رقياً وأريحية [7]، كما تناول الباحث الاجتماعي الأمريكي بأول كريسي (Cressy) أسباب هجرة السكان التي أطلق عليها "الغزو العمراني" فذكر منها الرغبة في تحسين الوضع الاجتماعي (Social Prestige)، والضغوطات التي يمارسها أفراد الأسرة لكي يتم الانتقال وخصوصاً من الزوجة والأبناء، والرغبة في الحصول على ظروف معيشية أفضل، بالإضافة إلى سهولة التنقل والتي تحققت بفضل التطور في وسائل النقل [8]، وتحدث العالم جيمس كوين (Quinn) عن حالة "الفراغ الاجتماعي" (Social Vacuum) التي تنشأ بسبب نزوح السكان الأصليين من مناطقهم القديمة بسبب اكتظاظها بالمهاجرين الغرباء الذين أفسدوا مبانيها وشوارعها فأصبحت غير ملائمة للسكن، ويضيف بأن هذه المناطق المفرغة تصبح أماكن جذب لجماعات أخرى تـُـقبل عليها وتسكن بها، وهنا كما يقول يحدث إعادة تنظيم للمجتمع لأن السكان الأصليين الذين نزحوا من مناطقهم خلفوا ورائهم تراثاً اجتماعياً وأنظمة عمرانية، ويتعين على الجماعات الجديدة أن تتكيف مع ذلك وأن تغير من أنماطها وأساليبها في التفكير والعمل [9].  
      المهندس عبدالقادر كوشك والدكتور نعمان الجليلي تحدثا في مؤتمر العمران الإسلامي الذي استضافته مملكة البحرين في العام 1985م عن مشاكل العمران في المدن الإسلامية، ونوه الباحثان إلى التعقيد الكبير المحيط بالمشاكل الاجتماعية في المدن وعلاقتها الوثيقة بالمشاكل الاقتصادية وتأثير هذه المشاكل المتداخلة على الوضع العمراني للمدينة بشكل عام، وقد اعتبرا أن هجرة السكان هي المشكلة الاجتماعية الأولى التي تعاني منها الأحياء القديمة في مراكز المدن، مضيفين بأن هذه الهجرة أدت إلى إهمال هذه الأحياء وعدم العناية بها، وهو ما أدى إلى تدهورها واستقطابها لسكان جدد لا يمتون لها بصلة، وأضاف الباحثان بأن هذه الأحياء المتدهورة أصبحت لا تفي بمتطلبات الحياة الكريمة وأن البعض منها لا تليق بسكن بني البشر بالإضافة إلى صعوبة صيانتها وترميمها، وهكذا تحولت غالبية الأحياء القديمة في المدن الإسلامية إلى مناطق بالية ومهترئة بعد أن كانت هي القلب النابض للمدينة والشاهد الحي على حضارتها ورقيها، وأضافا بأن الأحياء القديمة في مراكز المدن مهملة ولا توجد بها وسائل نقل حديثة، بالإضافة إلى تدني مستوى الخدمات والمرافق العامة في هذه الأحياء، وقد اقترح الباحثان بعض الحلول الاجتماعية لإيقاف هجرة السكان من الأحياء القديمة في مركز المدينة إلى الضواحي والأحياء الحديثة، ومن تلك المقترحات العمل على إعادة تخطيط وتنظيم الأحياء القديمة بحيث تتوفر بها مستلزمات الحياة الحديثة من المرافق والخدمات العامة، بالإضافة إلى العناية بنظافة الشوارع والمباني [10]. بينما يرى الخبير في المنظمة العربية للتربية والعلوم محمد الشامي بأن الوعي الحضاري والانجذاب العاطفي قد انعدم لدى غالبية السكان تجاه مدينتهم القديمة، فلم يعيروها الاهتمام كما كان الحال في السابق ولم تعد تحظى بالصيانة المطلوبة، وقد أصبحت هذه الأحياء القديمة من منظورهم مجرد آثار محنطة غير مؤهلة لمتطلبات الحياة المعاصرة، بل إن من بينهم من يرى بضرورة إزالتها واستبدالها بالحديث لأنها أصبحت مظهراً من مظاهر التخلف، وأضاف الشامي بأن غالبية السكان قد انجذبوا إلى المنازل الفارهة في الضواحي التي تنعم بالمرافق والخدمات والتجهيزات الحديثة، ونتيجة لذلك فقد خلت مجموعة كبيرة من المساكن في الأحياء القديمة من سكانها الأصليين، فأصبحت فريسة سهلة للخراب والإهمال والتدهور، ويضيف الشامي بأن هجرة السكان الأصليين من مركز المدينة إلى الضواحي قاد في نفس الوقت إلى جذب سكان جدد للأحياء القديمة وهم القادمون من الأرياف، وهذه الفئة ذات مستوى ثقافي واقتصادي متدني وقد انعكس ذلك على سرعة تدهور هذه الأحياء ومبانيها، وقد ساعد على ذلك انتشار المحلات التجارية العشوائية وورش النجارة والحدادة والميكانيكا في هذه الأحياء بشكل عشوائي، بالإضافة إلى تحول المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من الأحياء القديمة في مراكز المدن إلى الأحياء الحديثة في الضواحي [11].
     وقد تناول أستاذ تخطيط المدن بكلية الهندسة المعمارية بجامعة البعث الدكتور زهير جبور موضوع نزوح السكان من النواة التاريخية وتحولهم إلى السكن في الأحياء الحديثة، حيث ذكر أن الفئات السكانية العالية والمتوسطة الدخل تنتقل من مركز المدينة التاريخي إلى الأحياء المحيطة الأكثر جاذبية، وقد أرجع الكتور جبور هذه الظاهرة إلى تدني اقتصادية النواة، ومشاكل صيانة البيوت المهترئة، وفقدان بعض التجهيزات والخدمات الأساسية، بالإضافة إلى أنماط وأشكال المعيشة الجديدة التي يصعب تحقيقها في الأحياء القديمة، وقد نادى الدكتور جبور بإعادة مجموعات من السكان ذوي المداخيل الكبيرة إلى قلب المدينة لكي يرتفع المستوى الاجتماعي للمدينة القديمة وتنشط عمليات الإنفاق الخاص على تحديثها [12]. فيما تحدث الكاتب محمد مراد عن ما أسماه اختلال التركيبة السكانية وفقدان الحيوية الاجتماعية في مدينة دمشق القديمة، وقد تطرق الكاتب إلى التهديدات المحيطة بالتراث العمراني في دمشق القديمة بعدما ظهرت المنشآت والورش في الحارات القديمة وخلقت مناخاً جديداً ومختلفاً عما عرفت به تلك الأحياء، وأضاف بأن (20%) من البيوت القديمة تحولت للاستغلال التجاري وأن (30%) منها تواجه أوضاعاً معمارية متدهورة نتيجة لانهيار شبكة مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، وقد أدى ذلك إلى فقدان المدينة القديمة لخصوصيتها بعدما غادرت غالبية الأسر مساكنها القديمة وتوجهت إلى الأحياء العصرية فحلت مكانها أسر فقيرة قادمة من الريف [13]. أما الدكتور فيصل المبارك فهو يشير إلى أن معظم مراكز المدن في المملكة ونتيجة لقوى السوق وقرارات الأجهزة الحكومية قد تحولت من نسيج عمراني تقليدي إلى أنماط معمارية مختلطة ضمن نسيج عمراني يجمع بين ملامح المدينة التقليدية والمنشآت متعددة الأدوار التي تغلب عليها الاستعمالات التجارية، ويضيف الدكتور المبارك بأن مصطلح (وسط المدينة) في بعض الدول الصناعية المتقدمة مثل بريطانيا أرتبط ذهنياً بمناطق عمرانية متدهورة تضم فئات اجتماعية تعاني من مشاكل البطالة والفقر وتفشي الجريمة [14]، ويضيف الدكتور محمد الحماد بأن معظم المناطق السكنية في المنطقة المركزية في مدينة الرياض يقطنها غير السعوديين بسبب انخفاض إيجار المساكن بعد نزوح سكانها الأصليين إلى الأحياء الجديدة، كما تحدث الدكتور الحماد عن أسباب نزوح السكان من مركز مدينة الرياض وتوجههم نحو الأحياء السكنية الجديدة في الضواحي، ومن تلك الأسباب ارتفاع الدخل لدى بعض السكان مما جعلهم ينتقلون إلى الضواحي بحثاً عن مساكن واسعة ومناطق هادئة، بالإضافة إلى سياسة الدولة في توزيع الأراضي كمنح مجانية وتقديم قروض ميسرة للمواطنين لإقامة مساكن جديدة [15]، كما تطرق الدكتور عبدالعزيز آل الشيخ للمشكلات التي تعاني منها المناطق المركزية في المدن مثل هجرة السكان وانتقال بعض الاستعمالات ذات الطبيعة المركزية إلى الضواحي، بالإضافة إلى محاولات التجديد الحضري التي تشمل استبدال المساكن القديمة بأخرى حديثة [16]، وقد أشار الدكتور عبدالحفيظ سمرقندي إلى التناقص الكبير في الاستخدام السكني في أحياء المنطقة المركزية بسبب هجرة السكان الأصليين وانتقال الأعمال من مركز المدينة القديم، بالإضافة إلى نمو الاستعمالات الأخرى على حساب الاستعمال السكني [17]، فيما ذكر الدكتور رشود الخريف أن الرغبة في امتلاك مسكن كانت من أهم الدوافع التي عززت عملية الحراك السكني واتجاه السكان من مركز المدينة إلى الضواحي [18].  
      ويشير كل من المهندس عمر قاضي والدكتور حازم إبراهيم إلى أن تدمير النسيج العمراني للمدينة لا يتوقف على الإضرار بالتكوين الطبيعي للمدينة وإنما يتجاوز ذلك إلى المساس بالهيكل الاجتماعي والترابط العائلي والعلاقات الإنسانية التي كانت قائمة بين السكان المحليين، ويضيف الباحثان بأن بعض التصرفات الفردية التي تحكمها النظرة المادية المفرطة قد أسهمت في تدمير أجزاء كبيرة من تراث المدينة المعماري والعمراني، حيث أزيل عدد كبير من المنشآت المعمارية ذات القيمة التاريخية والتراثية لتحل مكانها عمارات سكنية شاهقة الارتفاع، وقد ظهرت في الأحياء القديمة في المدن أبراج سكنية متنافرة مع ما هو قائم، وفي نفس الوقت تسببت في جرح خصوصية الأسر التي تعيش في المساكن المجاورة ذات الأحواش، وقد أصبحت مكشوفة للناظرين من سكان الأبراج المحيطة بها [19]، فيما تطرق كل من الدكتور محمد شهاب والدكتور مؤمل علاء الدين إلى التغير الحاصل في هيكل النسيج العمراني للمدن بسبب الثورة الصناعية في بداية القرن التاسع عشر، حيث توسعت المدن باتجاه الضواحي نتيجة لابتعاد مناطق السكن عن مركز المدينة الذي لم يعد ملائماً للسكن بسبب الازدحام والتركيز الصناعي، ويضيف الباحثان بأن ظهور المناطق المتخلقة في مراكز المدن كان نتيجة للتركيز الصناعي والفعاليات الأخرى كمناطق التخزين، بالإضافة إلى زيادة الكثافات السكانية والعمرانية مما قاد إلى تدهور البيئة الحضرية في هذه المناطق [20]، أما الدكتور عبدالفتاح وهيبه تحدث في كتابه (جغرافية المدن) عن الخروج من قلب المدينة إلى الأطراف، مشيراً إلى أن مراكز المدن اليوم تكاد تكون خالية من السكان المقيمين، وقد بدأت هذه الهجرة من مركز المدينة في منتصف القرن التاسع عشر بعد أن تحولت أحياء مركز المدينة إلى مناطق تجارة وأعمال وارتفعت أسعار الأراضي في هذه المناطق، ويضيف الدكتور وهيبه بأن المناطق المحيطة بمركز المدينة بدأت هي أيضاً تفقد سكانها بشكل تدريجي نتيجة لنزوح السكان إلى الضواحي الحديثة والهادئة في أطراف المدن [21]. 
     كما تحدث المعماري قيصر طالب عن إزالة نسبة كبيرة من البيوت ذات الأفنية في مدن الدمام والخبر في المنطقة الشرقية من المملكة خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن العشرين لتحل مكانها مباني تجارية أو عمارات سكنية متعددة الأدوار، وأضاف بأن ما تبقى منها يواجه خطر الإزالة والهدم بسبب هجرة أصحابها الذين فضلوا العيش في الفلل الحديثة، ويتم تأجيرها في الغالب للعزاب، أو تستخدم كمخازن للمتاجر القريبة، وفي حالات أخرى يتم تحويل الأدوار الأرضية منها بالكامل إلى محلات تجارية، وينوه قيصر إلى أن هذه الأشكال من العمارة التقليدية تواجه خطر التدمير لأنها موجودة على أراض ثمينة، حيث يقوم تجار العقار بشراء مربع كامل (بلوك) من هذه البيوت، ثم يتركونه يتدهور لسنوات كي تتم إزالته فيما بعد، وتقام في ذات المكان بنايات حديثة تحقق عوائد اقتصادية مرتفعة [22]، الدكتور مشاري النعيم من جانبه تحدث أيضاً عن واقع الأحياء القديمة في مراكز المدن موضحاً بأنها تمثل مخاطر اجتماعية، وتعكس في نفس الوقت الخلل السكاني الناجم عن تفريغها من السكان الأصليين وبالتالي من الحياة الاجتماعية الطبيعية، ويضيف بأن وسط المدينة المهجور يمثل قضية اجتماعية تحتاج إلى حلول، وأقترح الدكتور النعيم استخدام المباني القديمة في مراكز المدن كمساكن عوضاً عن التمدد العمراني للمدن وما يترتب على ذلك من تكاليف باهضة لتمديد الخدمات [23]، وتناولت دراسة للدكتور عبدالله العبادي مشكلة الأحياء القديمة والمتخلفة مشيراً إلى أن التطور العمراني في المدن أدى إلى وجود بعض الأحياء القديمة وهي محصورة في مراكز المدن وأحيائها الداخلية، ويضيف بأن هذه الأحياء تعاني من عدد من المشاكل وأبرزها المباني المتداعية والشوارع الضيقة والمتعرجة، بالإضافة إلى قصور المرافق والخدمات [24].  
     أما الخبير في الدراسات العمرانية بجامعة باريس الفرنسي كلود شالين فقد تطرق في كتابه المعنون "مدن العالم العربي" لإشكالية المدن العربية القديمة، وقد تحدث عن اختلال ديناميكية الأحياء المركزية القديمة منوهاً إلى عوامل تدهورها نتيجة لهجرة سكانها [25]، فيما تطرق الدكتور محمد المدحجي إلى ما أسماه قوى الجذب التي تعمل على جذب أنشطة معينة إلى مركز المدينة، وقوى الطرد التي تدفع بأنشطة أخرى إلى الخارج [26]، ويشير المهندس المعماري والمتخصص في علم الاجتماع الدكتور سعيد ملين إلى تدني القيم الاجتماعية في المراكز التاريخية لمدن العالم العربي والإسلامي [27]، وقد نشرت جريدة اليوم السعودية على الصفحة الأخيرة من عددها الصادر في يوم الثلاثاء الموافق 5/12/1424هـ خبراً بعنوان (جثث المدمنين تثير قلق سكان الأحياء القديمة في الرياض)، وأوردت الصحيفة في سياق الخبر عثور الجهات الأمنية مؤخراً على عدد من الجثث البشرية لمدمنين ملقاة في الأحياء القديمة الواقعة في وسط مدينة الرياض [28]، ويضيف الدكتور مشاري النعيم بأن تأجير غالبية المساكن التقليدية في أحياء مركز مدينة الهفوف في منطقة الإحساء للعمالة الوافدة منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين أدى إلى حدوث بعض التغيرات العمرانية التي طرأت على تلك المساكن وأفقدتها طابعها التقليدي وقادت إلى تدهورها بعد أن هجرها سكانها الأصليون وحلت بها العمالة الوافدة [29]، أما المهندسة ميرفت خليل فقد تحدثت عن المشكلات التي تواجهها مراكز المدن، وتناولت الصراع المستمر القائم بين مركز المدينة التاريخي والمدينة الحديثة، وتطرقت الباحثة إلى المشاكل التي يعاني منها الوسط التاريخي في المدينة وتشمل النواحي التخطيطية والنظام الاجتماعي، وأوصت الباحثة بالعمل على جعل وسط المدينة التاريخي نقطة جذب للأنشطة والفعاليات المختلفة من خلال رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي لمركز المدينة التاريخي [30]، وأوضح الدكتور عامر المطير بأن التوسع في حجم المدن قاد إلى هجرة السكان من وسط المدينة وتوجههم إلى الضواحي طلباً للهدوء والبعد عن الضوضاء، وقد ترتب على ذلك تغير في أنماط استخدام الأراضي الموجودة في أحياء مركز المدينة، فتحول الكثير منها من الاستعمال السكني إلى الخدمات والاستعمالات التجارية، كما يضيف الدكتور المطير بأن الأنشطة التجارية الكثيفة التي غلبت على أحياء مراكز المدن قد ساعدت على أتساع كثافة النقل من وإلى وسط المدينة، وصاحب ذلك مشاكل مرورية متعددة كالازدحام والتلوث والضوضاء وحوادث المرور بالإضافة إلى زيادة الطلب على مواقف السيارات، وهنا يشير الدكتور المطير إلى أن هناك من يقـول أن مناطق مراكز المدن آخذة في التشوه والتحول التدريجي إلى أماكن مخصصة لوقوف السيارات [31].
     الدكتور علي الحيدري وآخرون تحدثوا عن أهمية تجديد مركز المدينة لكونه أكثر المناطق في المدينة عرضة للضغوط، وهو في نفس الوقت المنطقة التي تعطي للمدينة شخصيتها وتميزها، وقد بين الباحثون بأن تجديد مراكز المدن ينبع من عدة عوامل منها الحاجة إلى استغلال الأرض بشكل أمثل وإعادة توزيع استخدامات الأراضي بسبب التغيرات التي تطرأ على وظيفة مركز المدينة، وتوسيع وتحديث خدمات البنى التحتية والمرافق والفعاليات الاجتماعية، وإيجاد الحلول لمشاكل النقل وتوفير مواقف السيارات، ورفع مستوى الرصيد السكني وتحسين ظروف البيئة السكنية، بالإضافة إلى الحفاظ على القيم التاريخية والجمالية والموروث الحضاري [32]، وفي موضوع منشور في صحيفة الرياض في عددها رقم (12474) أوضح الدكتور فيصل المبارك (منتقداً قرار نقل المكتبة الوطنية من وسط مدينة الرياض) بأن مراكز المدن تواجه منافسة كبيرة من أطراف المدن مشيراً إلى أن مراكز المدن مكبلة بضوابط مالية وبيروقراطية تجعلها غير قابلة للتطوير، وأضاف الدكتور المبارك بأن مراكز المدن في المملكة تشهد أوضاعاً متردية نتيجة للمنشآت المتدهورة، وتراكم النفايات، وعدم قدرة البلديات على تقديم الحلول الإيجابية لهذه المشاكل المتفاقمة، وأقترح الدكتور المبارك إيجاد خطط هيكلية متكاملة لمراكز المدن تتضمن خطوطاً طويلة المدى لمد وتوسعة شبكات الطرق، وتأسيس شبكة للنقل العام، وتوفير المواقف والساحات والميادين، بحيث تسهم هذه الحلول والمعالجات في جذب السكان واستعادتهم من أطراف المدن [33]. أما الدكتور سعيد العويس فهو يرى بأن المدن التقليدية عانت من هجمة شرسة على أحيائها القديمة التي أصبحت في مركز المدينة التجاري، ويضيف بأنه نتيجة لذلك فقد قفزت أسعار الأراضي إلى أرقام خيالية في المناطق المركزية القديمة مما جعلها عرضة للتدمير والإخلال بالنسيج المتجانس في تلك الأحياء، ويرى الدكتور العويس بأن الطريقة الأنسب للمحافظة على التراث العمراني تأتي من المحافظة على سكان الأحياء والمباني القديمة، وهذا بدوره يتطلب توفير الخدمات والمرافق العامة التي يحتاجها هؤلاء الساكنين كالهاتف والمراكز الصحية بالإضافة إلى خدمات الصرف الصحي وغيرها [34]، وقد تحدث الدكتور خالد عزب عن فكرة (الهجرة المعاكسة) التي تم تبنيها لتنمية وتطوير الوسط التاريخي لمدينة القاهرة، وبين أن المقصود بالهجرة المعاكسة هو توطين الفعاليات الثقافية المرتبطة بالإرث الحضاري للمجتمع والمتمثلة في الأنشطة الثقافية الدائمة، وأضاف بأن ذلك كفيل بإحياء الطاقة الكامنة في المكان والبشر وهي طاقـة الأنشطة الثقافيـة الموجودة بالفعل في منطقة الوسط التاريخي في مدينة القاهرة [35]. 
      كما أشارت ورقة عمل للهيئة العليا للسياحة إلى الأحياء السكنية في مراكز المدن والتي تتميز بنسيجها العمراني التقليدي وبطابعها الخاص في التصميم كالمساكن الشعبية التي تقطنها في الوقت الحاضر بعض العائلات السعودية محدودة الدخل والعمالة الوافدة من خارج المملكة، ومن هذه الأحياء حي العود والشميسي ومنفوحة وجبرة ومعكال وأم سليم والوشام والغبيرة في مدينة الرياض، وحي البلد والهنداوية والكندرة والشرفية في محافظة جدة، بالإضافة إلى مراكز المدن الأخرى مثل بريدة والمدينة وتبوك وحائل وغيرها، وأضافت الورقة بأن مراكز المدن في المملكة شهدت تطورات وتغيرات كثيرة قادت إلى إحداث تعقيد في تركيبتها الوظيفية بسبب تعدد الأنشطة وتنوع استخدامات الأراضي، بالإضافة إلى التغير الحاصل في الخصائص الاجتماعية لهذه المراكز وخاصة خلال فترة الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة في بداية ومنتصف السبعينات، حيث نزح قسم كبير من سكان الأحياء التقليدية في مراكز المدن إلى الضواحي والمناطق الحديثة بسبب تحسن الأوضاع الاقتصادية، وهو ما قاد إلى إضعاف مراكز المدن وتراجعها وتحولها إلى بيئات غير صحية ومناطق غير ملائمة اجتماعياً واقتصادياً، وقد أصبحت هذه الأحياء ملاذاً للمستأجرين وغالبيتهم من العمالة الوافدة الذين لم يهتموا بصيانة مبانيها مما أدى إلى تهالكها بشكل سريع، بالإضافة إلى التخلخل في النسيج الاجتماعي الناجم عن التغير في التركيبة الديموغرافية للسكان الحاليين القادمين من جنسيات مختلفة وثقافات متباينة، وقد نوهت الورقة إلى أهم القضايا والمشكلات الرئيسية التي تواجهها مراكز المدن في المملكة وأبرزها نزوح السكان الأصليين، والازدواجية في خصائص السكان والنسيج الاجتماعي، وتدهور مستوى البيئة العمرانية والاجتماعية، وظهور المشاكل الاجتماعية، وارتفاع أسعار الأراضي وتضارب استعمالاتها، والمشاكل المرورية وصعوبة الوصول إلى هذه المراكز، وعدم كفاية مواقف السيارات، والمشاكل البيئية كالضوضاء والتلوث، وقلة المناطق المفتوحة، ونقص الخدمات العامة، وزحف وهيمنة المناطق التجارية على المناطق السكنية، ونقص المراكز الترفيهية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى تدهور أوضاع المباني في هذه الأحياء من الناحية الإنشائية بسبب التواجد الكثيف للعمالة الوافدة [36].  
4. الدراســــــــــــــــة الميدانيـــــــــــــــة:
4-1. طريقة تحليل المعلومات:
     تم تحليل البيانات المجمعة إحصائياً بغرض التعرف على مستوى الموافقة والرفض لأفراد العينة على الأسباب المطروحة التي يفترض أنها تؤدي إلى هجرة السكان الأصليين من مساكنهم وأحيائهم القديمة في مركز المدينة، وكما تم الإيضاح في أهداف الدراسة ومنهجيتها فقد تم تصنيف هذه الأسباب إلى خمس فئات هي: (1) المسببات التجارية والاستثمارية، (2) المسببات الاجتماعية، (3) المسببات المرورية، (4) المسببات البيئية والخدمية، (5) المسببات العمرانية والمعمارية، مع العلم بأن هذه الأسباب لم تكن مصنفة كما هي في هذا التحليل وإنما طرحت في استمارة الاستبانة بشكل عشوائي على هيئة (50) عبارة، وقد تم في هذا التحليل توضيح نتيجة اختبار الموافقة والرفض من قبل جميع أفراد العينة وعددهم (95) فرداً على الأسباب المطروحة، ولتسهيل فهم هذه الإجابات تم استخراج مؤشر مئوي واحد يمثل درجة الموافقة والرفض لكل سبب من الأسباب، حيث تم تحويل مستويات الموافقة والرفض الوصفية إلى أرقام معيارية ثابتة كما هو مبين في الجدول التالي:

مستويات الموافقة
موافق بشدة
موافق
حيادي
غير موافق
غير موافق بشدة

الرقم المعياري

5
4
3
2
1

   وللحصول على قيمة الموافقة والرفض تم أخذ تكرار الإجابات لكل مستوى وضربها في الرقم المعياري لنفس المستوى، ثم جُمعت نتائج الخمسة مستويات وتمت قسمتها على الرقم (5) وهو عدد المستويات الكلي، ولتحويل قيمة الموافقة إلى مؤشر مئوي ذو دلالة تم ضربه في الرقم (100) وقسمة الناتج على عدد أفراد العينة وهو (95)، وفيما يلي مثال لهذه العملية الحسابية:  

مستويات الموافقة
موافق بشدة
موافق
حيادي
غير موافق
غير موافق بشدة

الرقم المعياري

5
4
3
2
1

تكرار الإجابات

34
39
10
12
صفر

قيمة الموافقة والرفض = [ تكرار الإجابات × الرقم المعياري لكل مستوى ] ÷ العدد الكلي للمستويات
                          = [ (34×5) + (39×4) + (10×3) + (12×2) + (صفر×1) ] ÷ 5 = 76
مؤشر الموافقة المئوي = [ قيمة الموافقة والرفض × 100] ÷ عدد العينة الكلي
                          = (76 ×100) ÷ 95 = 80%
والمؤشر المئوي (80%) يعطي دلالة على (الموافقة) وهو في نفس الوقت قريب جداً من (الموافقة بشدة) التي تبدأ من (81%) كما هو مبين في الجدول التالي الذي يوضح دلالة المؤشرات المئوية من حيث الموافقة والرفض:

المؤشر المئوي للموافقة والرفض

دلالة المؤشر
من 81 إلى 100%
موافق بشدة
من 61 إلى 80%
موافق
من 41 إلى 60%
حيادي
من 21 إلى 40%
غير موافق
من 1 إلى 20%
غير موافق بشدة

4-2. تحليل المعلومات:
الأسباب التجارية والاستثمارية:
    يبين الجدول رقم (1) نتائج الموافقة والرفض من قبل جميع أفراد العينة بفئاتهم الثلاث على الأسباب التجارية والاستثمارية التي تدفع السكان الأصليين للانتقال من مساكنهم وأحيائهم القديمة في وسط المدينة، وهي مرتبة حسب المؤشرات المئوية الأعلى فالأعلى، وكما هو ملاحظ فإن هذه الأسباب حصلت على مؤشرات موافقة مئوية عالية نسبياً تتراوح بين (80%) كما هو الحال في السبب الأول المتعلق بارتفاع أسعار الأراضي والرغبة في بيع الأرض المقام عليها البناء القديم و(75.4%) كما هو الحال في السبب الرابع المتعلق بالرغبة في تأجير المبنى القديم والاستفادة من عوائد الإيجار، وهذه المؤشرات المئوية وإن كانت تعطي دلالة على (الموافقة) إلا أنها أقرب إلى (الموافقة بشدة). 
الجدول رقم (1): يوضح مستويات الموافقة والرفض على الأسباب التجارية والاستثمارية:

الأسباب التجارية والاستثمارية
موافق بشدة

موافق

حيادي
غير موافق
غير موافق بشدة
مؤشر الموافقة (%)
1
ارتفاع أسعار الأراضي والرغبة في استثمار الأرض المقام عليها البناء عن طريق بيعها.
34
39
10
12
-
80
2
الرغبة في تغيير استخدام المبنى القديم من سكني إلى تجاري بغرض استثماره تجارياً.
28
46
13
7
1
79.6
3
الرغبة في بيع المبنى القديم بغرض شراء أرض بديلة في الأحياء الجديدة وإقامة مسكن عليها.
22
49
17
4
3
77.5
4
الرغبة في تأجير المبنى القديم والاستفادة من العائد المالي من الإيجار.
21
44
19
9
2
75.4

الأسباب الاجتماعية:
      يبين الجدول رقم (2) نتائج الموافقة والرفض من قبل جميع أفراد العينة بفئاتهم الثلاث على الأسباب الاجتماعية التي تدفع السكان الأصليين للانتقال من مساكنهم وأحيائهم القديمة في وسط المدينة، وهي مرتبة وفقاً للمؤشرات المئوية الأعلى فالأعلى، وكما هو ملاحظ فإن بعض هذه الأسباب حصلت على مؤشرات موافقة مئوية عالية جداً كما هو الحال في السبب الأول المتعلق بانتشار سكن العمالة الوافدة في الحي وغالبيتهم من فئة العزاب، حيث بلغ مؤشر الموافقة المئوي على هذا السبب (87.2%) وهو يعطي دلالة على (الموافقة بشدة)، كما أن السبب الثاني المتعلق بتنامي أعداد المتسوقين والمتجولين والغرباء مما أفقد الحي الخصوصية والسمة الاجتماعية حصل على مؤشر موافقة مئوي بلغ (80.2%) وهو يعطي دلالة على (الموافقة) إلا أنه قريب جداً من (الموافقة بشدة)، وهذا ينطبق أيضاً على السببين الثالث والرابع وهما متعلقان بالقناعة الشخصية المترسخة بأن أحياء مركز المدينة غير ملائمة للسكن الراقي من منظور اجتماعي، بالإضافة إلى إنشاء مباني عالية الارتفاع بجوار المساكن الموجودة في أحياء مركز المدينة مما أفقدها الخصوصية والراحة، وحصل كل من هذين السببين على مؤشر موافقة مئوي بلغ (78.9%). وقد حصلت الأسباب الأخرى على مؤشرات موافقة مئوية تتراوح بين (78.5%) كما هو الحال في السبب الرابع حول انتشار الأنشطة التجارية بشكل مكثف في أحياء مركز المدينة مما جعلها غير ملائمة للسكن و(66.3%) كما هو الحال في السبب الثاني عشر المتعلق بقصور الخدمات الاجتماعية والترفيهية في أحياء مركز المدينة مثل نقص الأندية الاجتماعية والحدائق وأماكن لعب الأطفال، ويلاحظ هنا أن جميع هذه المؤشرات المئوية للأسباب الاجتماعية تقع في نطاق (الموافقة) إلا أنها كلما اقتربت من (80%) كانت أقرب إلى (الموافقة بشدة)، وكلما كانت قريبة من (61%) فهي أقرب للحياد، وبالتالي فإن جميع الأسباب من الثاني وحتى العاشر حصلت على (موافقة) أقرب إلى (الموافقة بشدة)، بينما حصل كل من السببين الحادي عشر والثاني عشر على (موافقة) أقرب إلى (الحياد).
الجدول رقم (2): يوضح مستويات الموافقة والرفض على الأسباب الاجتماعية

الأسباب الاجتماعية
موافق بشدة

موافق


حيادي
غير موافق
غير موافق بشدة
مؤشر الموافقة (%)
1
انتشار سكن العمالة الوافدة في الحي وغالبيتهم من فئة العزاب.

50
34
6
5
-
87.2
2
تنامي أعداد المتسوقين والمتجولين والغرباء أفقد الحي الخصوصية والسمة الاجتماعية.

36
37
13
5
4
80.2
3
قناعة الساكنين بعدم ملائمة أحياء مركز المدينة للسكن الراقي من منظور اجتماعي.

37

33
13
7
5
78.9
4
إنشاء مباني عالية الارتفاع بجوار المساكن مما أفقدها الخصوصية والراحة.

29
40
19
6
1
78.9
5
انتشار الأنشطة التجارية بشكل مكثف مما جعل المنطقة غير ملائمة للسكن.

27
41
22
3
2
78.5
6
عدم ملائمة المنزل القديم للمستوى الاجتماعي الذي يعيشه الناس اليوم.

30
39
12
10
4
77
7
عدم الاستفادة من النوافذ والشرفات في المساكن لأن استخدامها يجرح الخصوصية.

29
42
11
7
6
77
8
نزوح غالبية الجيران القدامى وانتقالهم للسكن في الأحياء الحديثة.

25
35
23
6
6
74.1
9
صعوبة خروج ودخول النساء من وإلى المساكن وصعوبة تنقلهن للزيارات العائلية.

25
35
20
11
4
73.9
10
النظرة السائدة لدى الآخرين بأن أحياء مركز المدينة مناطق فقيرة ومتخلفة اجتماعياً.

17
36
25
12
5
70.1
11
تنامي المشكلات الأمنية والأخلاقية والشعور بنقص الأمان نتيجة لحدوث بعض الجرائم.

16
35
19
21
4
68
12
نقص الخدمات الاجتماعية والترفيهية كالأندية والحدائق وأماكن لعب الأطفال.

21
27
16
23
8
66.3

الأسباب المرورية:
     يبين الجدول رقم (3) نتائج الموافقة والرفض من قبل جميع أفراد العينة بفئاتهم الثلاث على الأسباب المرورية التي تدفع السكان الأصليين للانتقال من مساكنهم وأحيائهم القديمة في وسط المدينة، وهي مرتبة حسب تسلسل مؤشرات الموافقة المئوية، وكما هو ملاحظ فإن بعض هذه الأسباب حصلت على مؤشرات موافقة مئوية عالية جداً كما هو الحال في السببين الأول والثاني، وهما متعلقان بازدحام السيارات والاختناقات المرورية المتصاعدة، والمعاناة المستمرة مع مواقف السيارات نظراً لعدم توفر مواقف كافية، حيث بلغ مؤشر الموافقة المئوي على السبب الأول (85.8%) وعلى الثاني (85.3%) وهما يعطيان دلالة على (الموافقة بشدة)، كما تتراوح مؤشرات الموافقة المئوية للأسباب الأخرى من الثالث وحتى السادس بين (77.3%) و(71.2%) فجميعها تعطي دلالة على (الموافقة) إلا أنها اقرب إلى (الموافقة بشدة)، أما السببان الأخيران من هذه القائمة وهما متعلقان بتفشي حوادث دهس الأطفال والنساء والمسنين في أحياء مركز المدينة، وصعوبة الاستدلال على مواقع المساكن في أحياء مركز المدينة من قبل الزوار من الأقارب والزوار والضيوف، فقد حصل كل منهما على مؤشر موافقة مئوي يعطي دلالة على (الموافقة) إلا أنه أقرب إلى (الحياد).

الجدول رقم (3): يوضح مستويات الموافقة والرفض على الأسباب المرورية

الأسباب المرورية
موافق بشدة

موافق

حيادي
غير موافق
غير موافق بشدة
مؤشر الموافقة (%)
1
ازدحام السيارات والاختناقات المرورية المتصاعدة.
38
49
4
4
-
85.8
2
المعاناة المستمرة مع مواقف السيارات حيث لا تتوفر مواقف كافية.
46
34
10
4
1
85.3
3
صعوبة وصول السيارات إلى المساكن وصعوبة الخروج إلى الأماكن الأخرى في المدينة.
27
43
13
9
3
77.3
4
تنامي أعداد شاحنات نقل البضائع وأنشطة التنزيل والتحميل.
20
37
22
13
3
72.2
5
صعوبة وتأخر دخول سيارات الإطفاء والإسعاف للحي عند حدوث حرائق أو حوادث لا سمح الله.
23
31
26
10
5
72
6
كثرة حوادث تصادم السيارات وتكرار تعرض السيارات الخاصة للاحتكاك أثناء وقوفها.
21
32
21
21
-
71.2
7
تفشي حوادث دهس الأطفال والنساء والمسنين.
16
24
33
20
2
66.7
8
صعوبة الاستدلال على مواقع المساكن عند زيارة الأقارب والأصدقاء والضيوف.
12
34
28
14
7
66.3

الأسباب البيئية والخدمية :
     يبين الجدول رقم (4) نتائج الموافقة والرفض من قبل جميع أفراد العينة بفئاتهم الثلاث على الأسباب البيئية والخدمية التي تدفع السكان الأصليين للانتقال من مساكنهم وأحيائهم القديمة في وسط المدينة، وهي مرتبة وفقاً للمؤشرات المئوية الأعلى فالأعلى، وكما هو ملاحظ فإن الغالبية العظمى من هذه الأسباب حصلت على مؤشرات موافقة مئوية متدنية جداً باستثناء السبب الأول المتعلق بالإزعاج والضوضاء الناجم عن الكثافة السكانية العالية وحركة المرور والأنشطة التجارية حيث حصل على مؤشر موافقة مئوي عالي يبلغ (86.3%)، وهو يعطي دلالة على (الموافقة بشدة)، أما الأسباب الثاني والثالث والرابع المتعلقة بارتفاع معدلات تلوث الهواء، ونقص أعداد المدارس، وقصور خدمات النظافة والرقابة الصحية، فقد حصلت على مؤشرات موافقة مئوية بلغت على التوالي (72.2%) و(70.7%) و (70.5%)، وهي مؤشرات تعطي دلالة على (الموافقة) إلا أنها اقرب إلى (الموافقة بشدة)، أما الأسباب من الخامس وحتى الثالث عشر فقد حصلت على مؤشرات موافقة مئوية تعطي دلالة على (الموافقة) إلا أنها جميعاً أقرب إلى (الحياد)، وهذه الأسباب متعلقة بنقص وقصور بعض الخدمات في أحياء مركز المدينة مثل التشجير والمياه العذبة والصرف الصحي والسفلتة وتصريف السيول والرش بالمبيدات، بالإضافة إلى نقص مراكز الشرطة والإطفاء والمستشفيات، بينما حصل السببان الأخيران من هذه القائمة على أدنى مؤشرات الموافقة في هذه الدراسة بشكل عام، وهما متعلقان بقصور خدمات الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي بشكل مفاجئ في أحياء مركز المدينة، وقصور خدمات الهاتف، حيث حصل كل منهما على مؤشر موافقة متدني جداً بلغ في الأول (52%) وفي الثاني (42.5%)، وهذان المؤشران يعيطان دلالة على الحياد إلا أنهما وخصوصاً الأخير أقرب إلى (عدم الموافقة)، وتبدو هذه النتيجة منطقية في ظل النشاط الكبير والكفاءة العالية التي تتمتع بها حالياً كل من شركة الاتصالات السعودية والشركة الموحدة للكهرباء في المملكة.
الجدول رقم (4): يوضح مستويات الموافقة والرفض على الأسباب البيئية والخدمية:

الأسباب البيئية والخدمية
موافق بشدة

موافق

حيادي
غير موافق
غير موافق بشدة
مؤشر الموافقة (%)
1
الإزعاج والضوضاء بسبب الكثافة السكانية العالية وحركة المرور والأنشطة التجارية.
51
30
8
5
1
86.3
2
ارتفاع معدلات تلوث الهواء نتيجة لعوادم السيارات والمركبات وكثافة الحركة.
21
39
17
13
5
72.2
3
نقص أعداد المدارس بأنواعها وتدني مستوى المتوفر منها.
17
34
28
15
1
70.7
4
قصور خدمات النظافة وجمع النفايات والرقابة الصحية.
18
31
30
15
1
70.5
5
نقص التشجير والمسطحات الخضراء.
14
37
22
19
3
68.4
6
قصور إمدادات المياه العذبة وانقطاعها المستمر أو تزويد المساكن بمياه مالحة.
24
23
23
19
6
68.4
7
قصور خدمات الصرف الصحي وشيوع طفح البيارات والمجاري.
23
22
23
23
4
67.8
8
قصور سفلتة الشوارع والأرصفة وممرات المشاة وخدمات الإنارة.
18
28
23
24
2
67.6
9
قصور خدمات ومشاريع تصريف مياه السيول والأمطار.
22
22
22
23
6
66.5
10
كثافة الحشرات وقصور خدمات الرش بالمبيدات.
17
27
18
32
1
65.6
11
انتشار الحيوانات الضالة كالقوارض والقطط والكلاب.
17
21
25
24
8
63.2
12
نقص أعداد مراكز الشرطة ودوريات الأمن.
13
24
17
31
10
59.8
13
نقص أعداد مراكز الإطفاء.
14
15
22
34
10
57.7
14
نقص أعداد المستشفيات والمراكز الصحية التي تقدم خدمات صحية جيدة.
7
21
22
40
5
56.8
15
قصور خدمات الكهرباء كانقطاع التيار المفاجئ أو ضعف الأحمال.
6
17
20
37
15
52
16
قصور خدمات الهاتف.
2
7
19
40
27
42.5
الأسباب العمرانية والمعمارية:
     يبين الجدول رقم (5) نتائج الموافقة والرفض من قبل جميع أفراد العينة بفئاتهم الثلاث على الأسباب العمرانية والمعمارية التي تدفع السكان الأصليين للانتقال من مساكنهم وأحيائهم القديمة في وسط المدينة، وهي مرتبة حسب تسلسل مؤشرات الموافقة المئوية، وكما هو ملاحظ فإن السبب الأول فقط المتعلق بضعف وتهالك حالة المساكن القديمة وصعوبة وارتفاع تكاليف صيانتها فقد حصل على مؤشر موافقة مئوي عالي يبلغ (81.3%)، وهو يعطي دلالة على (الموافقة بشدة)، أما الأسباب من الثاني إلى السابع وتتعلق بقصور الأداء الوظيفي ونقص المساحات في المساكن القديمة، وعدم توفر مناطق مفتوحة في الحي، والتغير الحاصل في أنظمة البناء واستخدامات الأراضي، والحالة الإنشائية الخطرة للمساكن، والشوارع الضيقة والمتعرجة، ونقص الارتدادات والأفنية الداخلية في المساكن، فقد حصلت جميعها على مؤشرات موافقة مئوية تعطي دلالة على (الموافقة) إلا أنها اقرب إلى (الموافقة بشدة)، أما الثلاثة الأسباب الأخيرة من هذه القائمة والمتعلقة بعدم وجود كراج للسيارة في المسكن القديم، وصعوبة التوسع في بناء المساكن القديمة، وعدم توفر فراغات مفصولة في المساكن القديمة لإيواء السائق والخادمة، فقد حصلت على مؤشرات موافقة مئوية تعطي دلالة على (الموافقة) إلا أنها جميعاً أقرب إلى (الحياد).
الجدول رقم (5): يوضح مستويات الموافقة والرفض على الأسباب العمرانية والمعمارية

الأسباب العمرانية والمعمارية
موافق بشدة

موافق

حيادي
غير موافق
غير موافق بشدة
مؤشر الموافقة (%)
1
ضعف وتهالك حالة المساكن القديمة وصعوبة وارتفاع تكاليف صيانتها.
27
53
10
4
1
81.3
2
قصور الأداء الوظيفي للمساكن القديمة ونقص عدد الغرف وصغر مساحاتها.
30
42
14
7
2
79.2
3
عدم توفر مناطق مفتوحة بسبب الكثافة العالية للبناء.
33
34
15
12
1
78.1
4
التغير الحاصل في أنظمة البناء وتغير استخدام الأراضي المجاورة إلى تجاري.
28
42
13
8
4
77.3
5
أوضاع المساكن القديمة وحالتها الإنشائية الخطرة حيث أصبحت تهدد سلامة الساكنين.
24
44
17
8
2
76.8
6
الشوارع الضيقة والمتعرجة.

20
41
19
14
1
73.7
7
نقص الارتدادات والأفنية الداخلية في المساكن القديمة بسبب البناء على الصامت.
21
30
25
15
4
70.3
8
عدم وجود كراج للسيارة في المساكن القديمة.
12
47
20
7
9
69.7
9
صعوبة التوسع الرأسي والأفقي في بناء المساكن القديمة.
14
38
25
12
6
68.8
10
عدم توفر فراغات مفصولة في المساكن القديمة لإيواء الخادمة والسائق.
19
31
25
16
4
61.1

المقارنات بين الفئات الثلاث:
      حاولت هذه الدراسة أن تخرج ببعض المؤشرات المستقبلية العامة عن الأسباب التي تدفع السكان الأصليين لهجرة مساكنهم وأحيائهم في مركز المدينة، وفيما يلي عرض سريع لبعض المقارنات للمؤشرات المئوية للموافقة والرفض بين الفئات الثلاث التي غطتها عينة الدراسة وهي: فئة السكان النازحين من مركز المدينة وعددهم (45)، وفئة السكان الباقين في مركز المدينة وعددهم (32)، وفئة المهندسين المعماريين والمدنيين ومخططي المدن العاملين في إدارة التخطيط العمراني بأمانة مدينة الدمام وعددهم (18)، حيث أن الإطلاع على هذه الفروقات في مؤشرات الموافقة المئوية لدى الفئات الثلاث يمكن يعطي رؤية مستقبلية أكثر وضوحاً للمشكلة. 
مقارنة الأسباب التجارية والاستثمارية:
جدول رقم (6): يوضح مقارنة المؤشرات المئوية الخاصة بالأسباب التجارية والاستثمارية


فئة السكان النازحين
العينة (45)
فئة السكان المقيمين
العينة (32)
فئة المهندسين
العينة (18)
الفارق المئوي (%) في مؤشر الموافقة بين السكان النازحين والسكان المقيمين

الأسباب التجارية والاستثمارية
مؤشر الموافقة
(%)
مؤشر الموافقة
(%)
مؤشر الموافقة
(%)
(+) لصالح المقيمين
(-) لصالح النازحين
1
ارتفاع أسعار الأراضي والرغبة في استثمار الأرض المقام عليها البناء عن طريق بيعها.
79.1
83.8
75.6
+ 4.7
2
الرغبة في تغيير استخدام المبنى القديم من سكني إلى تجاري بغرض استثماره تجارياً.
78.7
81.3
78.9
+ 2.6
3
الرغبة في بيع المبنى القديم لشراء أرض بديلة في الأحياء الجديدة وإقامة مسكن عليها.

72

86.9
67.8
+ 14.9
4
الرغبة في تأجير المبنى القديم والاستفادة من العائد المالي من الإيجار.
72
78.8
77.8
+ 6.8

    يبين الجدول رقم (6) أن مؤشرات الموافقة المئوية على الأسباب التجارية والاستثمارية التي تدفع السكان الأصليين إلى الانتقال من مساكنهم وأحيائهم القديمة في وسط المدينة تبدو مرتفعة لدى فئة السكان المقيمين حالياً في هذه الأحياء، حيث أنها أعلى من مؤشرات الموافقة المئوية على نفس الأسباب لدى فئة السكان النازحين من هذه الأحياء في أوقات سابقة، ويبلغ هذا التباين ذروته ويصل الفرق إلى (14.9%) في السبب الثالث المتعلق بالرغبة في بيع المبنى القديم بغرض شراء أرض بديلة في الأحياء الجديدة وإقامة مسكن عليها، حيث بلغ مؤشر الموافقة للسكان النازحين (72%) مقابل مؤشر موافقة عالي يصل إلى (86.9%) لدى السكان المقيمين، وهذا يتوافق مع ما طرحه الدكتور رشود الخريف في الإطار النظري من هذه الدراسة عندما ذكر أن الرغبة في امتلاك مسكن كانت من أهم الدوافع التي عززت عملية الحراك السكني وانتقال السكان من مركز المدينة إلى الضواحي، ثم يتناقص الفارق في الأسباب الأخرى الأول والثاني والرابع حيث يتراوح بين (6.8%) و(2.6%).  
مقارنة الأسباب الاجتماعية:
      الجدول رقم (7) يبين أيضاً أن مؤشرات الموافقة المئوية على الأسباب الاجتماعية التي تدفع السكان الأصليين إلى الانتقال من مساكنهم وأحيائهم القديمة في وسط المدينة تبدو مرتفعة جداً لدى فئة السكان المقيمين حالياً في هذه الأحياء مقارنة مع مؤشرات الموافقة المئوية على نفس الأسباب لدى فئة السكان النازحين من هذه الأحياء في أوقات سابقة، ويبلغ هذا الارتفاع ذروته ليصل إلى (20.1%) في السبب الثامن المتعلق بنزوح غالبية الجيران القدامى وانتقالهم للسكن في الأحياء الجديدة، حيث بلغ مؤشر الموافقة للسكان المقيمين (86.3%) مقابل مؤشر موافقة منخفض يبلغ (66.2%) لدى السكان النازحين، كما أن مؤشر الموافقة على السبب الثاني المتعلق بتنامي أعداد المتسوقين والمتجولين والغربـاء في الحي مما أفقده الخصوصية والطابع السكني أرتفع لدى فئـة السكان المقيمين بمقدار (17%) عن مؤشر السكان النازحين، وكذلك الحال بالنسبة للأسباب الحادي عشر والثاني عشر والتاسع حيث ارتفعت مؤشرات موافقة السكان المقيمين على مؤشرات موافقة السكان النازحين بمقـدار (16.5%) و(16.3%) و (15.5%) على التوالي. فيما يستمر ارتفاع مؤشرات موافقة السكان المقيمين على مثيلاتها لدى السكان النازحين في الأسباب الأخرى حيث يتجاوز الفارق (11%) في الأسباب الثالث والسادس والعاشر، ويتناقص هذا الفارق في الأسباب الأخرى ليصل إلى أدنى مستوياته (4.4%) في السبب الأول المتعلق بانتشار سكن العمالة الوافدة في الحي وغالبيتهم من العزاب.
جدول رقم (7): يوضح مقارنة المؤشرات المئوية الخاصة بالأسباب الاجتماعية


فئة السكان النازحين
العينة (45)
فئة السكان المقيمين
العينة (32)

فئة المهندسين

العينة (18)
الفارق المئوي (%) في   مؤشر الموافقة بين السكان النازحين والسكان المقيمين

الأسباب الاجتماعية

مؤشر الموافقة

(%)
مؤشر الموافقة
(%)
مؤشر الموافقة
(%)
(+) لصالح المقيمين
(-) لصالح النازحين
1
انتشار سكن العمالة الوافدة  في الحي وغالبيتهم من فئة العزاب.
84.4
88.8
91.1
+ 4.4
2
تنامي أعداد المتسوقين والمتجولين والغرباء أفقد الحي الخصوصية والسمة الاجتماعية.
72.4
89.4
83.3
+ 17
3
قناعة الساكنين بعدم ملائمة أحياء مركز المدينة للسكن الراقي من منظور اجتماعي.
73.8
86.9
77.8
+ 13.1
4
إنشاء مباني عالية الارتفاع بجوار المساكن مما أفقدها الخصوصية والراحة.
73.8
82.5
85.6
+ 8.7
5
انتشار الأنشطة التجارية بشكل مكثف مما جعل المنطقة غير ملائمة للسكن.

76.9
82.5
75.6
+ 5.6
6
عدم ملائمة المنزل القديم للمستوى الاجتماعي الذي يعيشه الناس اليوم.
72.4
83.8
76.7
+ 11.4
7
عدم الاستفادة من النوافذ والشرفات في المساكن لأن استخدامها يجرح الخصوصية.
71.6
81.3
83.3
+ 9.7
8
نزوح غالبية الجيران القدامى وانتقالهم للسكن في الأحياء الحديثة.
66.2
86.3
72.2
+20.1
9
صعوبة خروج ودخول النساء من وإلى المساكن وصعوبة تنقلهن للزيارات العائلية.
67.6
83.1
73.3
+ 15.5
10
النظرة السائدة لدى الآخرين بأن أحياء مركز المدينة مناطق فقيرة ومتخلفة اجتماعياً.
63.6
75.6
78.9
+ 12
11
تنامي المشكلات الأمنية والأخلاقية والشعور بنقص الأمان نتيجة لحدوث بعض الجرائم.

57.3

73.8
66.7
+ 16.5
12
قصور الخدمة الاجتماعية والترفيهية كنقص الأندية والحدائق وأماكن لعب الأطفال.
58.7
75
68.9
+ 16.3

مقارنة الأسباب المرورية :
     الجدول رقم (8) يبين أيضاً أن مؤشرات الموافقة المئوية على الأسباب المرورية لدى فئة السكان المقيمين حالياً في هذه الأحياء أعلى من مثيلاتها لدى السكان النازحين سابقاً، ويبلغ هذا الارتفاع أقصى مستوياته في السبب  السابع الخاص بتفشي حوادث دهس الأطفال والنساء والمسنين في أحياء مركز المدينة حيث يصل إلى (14.1%)، وكذلك الحال في السبب السادس المتعلق بكثرة حوادث اصطدام السيارات في أحياء مركز المدينة وتكرار تعرض السيارات للاحتكاك أثناء توقفها في الحي حيث بلغ الفارق (11.3%)، ثم يتناقص هذا الفارق ليتراوح بين (8.7%) و(4.6%) في الأسباب الأخرى ليصل إلى أدنى مستوياته ويبلغ (1.1%) فقط في السبب الثامن والأخير المتعلق بصعوبة الاستدلال على مواقع المساكن في أحياء مركز المدينة عند قدوم الزوار من الأقارب والأصدقاء والضيوف.

جدول رقم (8): يوضح مقارنة المؤشرات المئوية الخاصة بالأسباب المرورية


فئة السكان النازحين العينة (45)
فئة السكان المقيمين
العينة (32)
فئة المهندسين
العينة (18)
الفارق المئوي (%) في مؤشر الموافقة بين السكان النازحين والسكان المقيمين

الأسباب المرورية

مؤشر الموافقة

(%)
مؤشر الموافقة
(%)
مؤشر الموافقة
(%)
(+) لصالح المقيمين
(-) لصالح النازحين
1
ازدحام السيارات والاختناقات المرورية المتصاعدة.

81.3

90
87.8
+ 8.7
2
المعاناة المستمرة مع مواقف السيارات حيث لا تتوفر مواقف كافية.
81.8
89.4
86.7
+ 7.6
3
صعوبة وصول السيارات   إلى المساكن وصعوبة الخروج إلى الأماكن الأخرى في المدينة.
73.9
80
81.1
+ 6.1
4
تنامي أعداد شاحنات نقل البضائع وأنشطة التنزيل والتحميل.
67.6
74.4
82.2
+ 6.8
5
صعوبة وتأخر دخول الإطفاء والإسعاف للحي عند حدوث حرائق أو حوادث لا سمح الله.

69.8

74.4
73.3
+ 4.6
6
كثرة حوادث تصادم السيارات وتكرار تعرض السيارات الخاصة للاحتكاك أثناء وقوفها.
66.2
77.5
72.2
+ 11.3
7
تفشي حوادث دهس الأطفال والنساء والمسنين.

60.9
75
66.7
+ 14.1
8
صعوبة الاستدلال على مواقع المساكن عند زيارة الأقارب والأصدقاء والضيوف.
65.8
66.9
66.7
+ 1.1

مقارنة الأسباب البيئية والخدمية :
     الجدول رقم (9) يبين أيضاً أن مؤشرات الموافقة المئوية على الأسباب البيئية والخدمية لدى فئة السكان المقيمين حالياً في هذه الأحياء أعلى من مثيلاتها لدى السكان النازحين سابقاً باستثناء السبب السادس عشر والأخير المتعلق بقصور خدمات الهاتف حيث بلغ الفارق في مؤشر الموافقة (- 0.9%)، وقد يكون لهذا الفارق ما يبرره بعد إنشاء شركة الاتصالات في المملكة واتساع خدمات الشبكة الهاتفية في السنوات الأخيرة بشكل أكبر من السابق، على أية حال فقد بلغ ارتفاع مؤشرات الموافقة لدى السكان المقيمين أقصى مستوياته مقارنة بالسكان النازحين في السبب الرابع الخاص بقصور خدمـات النظافة وجمع النفايات والرقابة الصحية في أحياء مركز المدينة حيث وصل فارق الارتفاع إلى (14.1%)، والمستويات المتدنية لخدمات النظافة تعتبر مشكلة عامة في المدن السعودية وإن كانت تعاني منها الأحياء القديمة في وسط المدينة بشكل أكبر، فقد أوضحت دراسات متعددة ومناسبات علمية متخصصة بأن المدن في المملكة تتسع بشكل سريع إلا أن المخصصات المالية لخدمات النظافة بها تتناقص باستمرار [37]، كما وصل الفارق في مؤشر الموافقة إلى (12.7%) لصالح السكان المقيمين على السبب الأول المتعلق بالإزعاج والضوضاء في أحياء مركز المدينة نتيجة للكثافة السكانية والمرورية العالية وازدياد الأنشطة التجارية، بينما وصل الفارق إلى (10.7%) لصالح السكان المقيمين في مؤشر الموافقة الخاص بالسبب السابع المتعلق بقصور خدمات الصرف الصحي في أحياء مركز المدينة وشيوع طفح البيارات والمجاري، وهذه مشكلة متفاقمة في الأحياء القديمة في مدينة الدمام وقد تحدث عنها كثير من الباحثين ومنهم الدكتورة حورية الدوسري [38]، أما في الأسباب الأخرى فيتراوح الفارق في مؤشر الموافقة بين (7.9%) كما هو الحال في السبب الثالث الخاص بنقص أعداد المدارس بأنواعها في أحياء مركز المدينة وتدني مستوى المتوفر منها و(0.1%) كما هو الحال في السبب الثاني عشر المتعلق بنقص أعداد مراكز الشرطة ودوريات الأمن في أحياء مركز المدينة.
جدول رقم (9): يوضح مقارنة المؤشرات المئوية الخاصة بالأسباب البيئية والخدمية


فئة السكان النازحين العينة (45)
فئة السكان المقيمين
العينة (32)
فئة المهندسين
العينة (18)
الفارق المئوي (%) في مؤشر الموافقة بين السكان النازحين والسكان المقيمين

الأسباب البيئية والخدمية

مؤشر الموافقة

(%)
مؤشر الموافقة
(%)
مؤشر الموافقة
(%)
(+) لصالح المقيمين
(-) لصالح النازحين

1

الإزعاج والضوضاء بسبب الكثافة السكانية العالية وحركة المرور والأنشطة التجارية.

80.4

93.1
86.7
+ 12.7
2
ارتفاع معدلات تلوث الهواء نتيجة لعوادم السيارات والمركبات وكثافة الحركة.
70.7
74.4
72.2
+ 3.7
3
نقص أعداد المدارس بأنواعها وتدني مستوى المتوفر منها.
67.1
75
72.2
+ 7.9
4
قصور خدمات النظافة وجمع النفايات والرقابة الصحية.
63.6
80.6
70
+ 17
5
نقص التشجير والمسطحات الخضراء.

65.8
72.5
67.8
+ 6.7
6
قصور إمدادات المياه العذبة وانقطاعها المستمر أو تزويد المساكن بمياه مالحة.
66.2
70
71.1
+ 3.8
7
قصور خدمات الصرف الصحي وشيوع طفح البيارات والمجاري.
63.1
73.8
68.9
+ 10.7
8
قصور سفلتة الشوارع والأرصفة وممرات المشاة وخدمات الإنارة.
66.7
69.4
66.7
+ 2.7
9
قصور خدمات ومشاريع تصريف مياه السيول والأمطار.
67.1
70
58.9
+ 2.9
10
كثافة الحشرات وقصور خدمات الرش بالمبيدات.

63.6
71.3
61.1
+ 7.7
11
انتشار الحيوانات الضالة كالقوارض والقطط والكلاب.
59.6
70
60
+ 10.4
12
نقص أعداد مراكز الشرطة ودوريات الأمن.

61.8
61.9
51.1
+ 0.1
13
نقص أعداد مراكز الإطفاء.

53.3
61.3
62.2
+ 8
14
نقص أعداد المستشفيات والمراكز الصحية التي تقدم خدمات صحية جيدة.
56
59.4
54.4
+ 3.4
15
قصور خدمات الكهرباء كانقطاع التيار المفاجئ أو ضعف الأحمال.
52.4
54.4
46.7
+ 2
16
قصور خدمات الهاتف.

42.2
41.3
45.6
- 0.9

مقارنة الأسباب العمرانية والمعمارية:
      الجدول رقم (10) يبين أيضاً أن مؤشرات الموافقة المئوية على الأسباب العمرانية والمعمارية مرتفعة لدى فئة السكان المقيمين حالياً في هذه الأحياء مقارنة بمثيلاتها لدى السكان النازحين سابقاً باستثناء السبب الخامس المتعلق بالحالة الإنشائية المتردية للمساكن القديمة في وسط المدينة حيث بلغ الفارق في مؤشر الموافقة لهذا السبب (- 0.4%)، وقد يعطي هذا المؤشر دلالة على اهتمام السكان المقيمين بترميم وصيانة مساكنهم للحد من مخاطرها الإنشائية نظراً لاتصال ذلك بسلامتهم، وقد بلغ ارتفاع مؤشرات الموافقة لدى السكان المقيمين أقصى مستوياته مقارنة بالسكان النازحين في السبب السابع الخاص بنقص الارتدادات والأفنية الداخلية في أحياء مركز المدينة نتيجة لشيوع البناء على الصامت حيث وصل فارق الارتفاع إلى (14.4%)، كما وصل الفارق في مؤشر الموافقة إلى (9.3%) لصالح السكان المقيمين على السبب الثالث الخاص بعدم توفر مناطق مفتوحة في أحياء مركز المدينة بسبب الكثافة العالية للبناء، بينما وصل الفارق في مؤشر الموافقة إلى (7.2%) لصالح السكان المقيمين على السبب العاشر والأخير المتعلق بعدم توفر فراغات مفصولة لإيواء الخادمة والسائق في المساكن القديمة الموجودة في وسط المدينة، بينما تراوح الفارق في مؤشرات الموافقة المئوية في الأسباب الأخرى بين (5.5%) كما هو الحال في السبب الثاني و(1.5%) كما هو الحال في السبب الثامن من هذه القائمة.
جدول رقم (10): يوضح مقارنة المؤشرات المئوية الخاصة بالأسباب العمرانية والمعمارية


فئة السكان النازحين العينة (45)
فئة السكان المقيمين
العينة (32)
فئة المهندسين
العينة (18)
الفارق المئوي (%) في مؤشر الموافقة بين السكان النازحين والسكان المقيمين

الأسباب العمرانية والمعمارية

مؤشر الموافقة

(%)
مؤشر الموافقة
(%)
مؤشر الموافقة
(%)
(+) لصالح المقيمين
(-) لصالح النازحين
1
ضعف وتهالك حالة المساكن القديمة وصعوبة وارتفاع تكاليف صيانتها.
79.1
83.8
82.2
+ 4.7
2
قصور الأداء الوظيفي للمساكن القديمة ونقص عدد الغرف وصغر مساحاتها.
75.1
80.6
90
+ 5.5
3
عدم توفر مناطق مفتوحة بسبب الكثافة العالية للبناء.
72
81.3
87.8
+ 9.3
4
التغير الحاصل في أنظمة البناء وتغير استخدام الأراضي المجاورة إلى التجاري.

76

80.6
74.4
+ 4.6
5
أوضاع المساكن القديمة وحالتها الإنشائية المتردية أصبحت تهدد سلامة الساكنين.
72.9
72.5
80
- 0.4
6
الشوارع الضيقة والمتعرجة.

71.1
74.4
78.9
+ 3.3
7
نقص الارتدادات والأفنية الداخلية في المساكن القديمة بسبب البناء على الصامت.

66.2

80.6
62.2
+ 14.4
8
عدم وجود كراج للسيارة في المساكن القديمة.

69.8

71.3

66.7
+ 1.5
9
صعوبة التوسع الرأسي والأفقي في بناء المساكن القديمة.
66.7
70
72.2
+ 3.3
10
عدم توفر فراغات مفصولة في المساكن القديمة لإيواء الخادمة والسائق.
65.3
72.5
58.9
+ 7.2

4-3. نتائج الدراسة :
     توضح هذه الدراسة أهم العوامل والأسباب التي تقود إلى هجرة السكان الأصليين من مساكنهم وأحيائهم القديمة الواقعة في مناطق مركز مدينة الدمام وتدفعهم للانتقال والسكن في الأحياء الجديدة الواقعة في الضواحي، وقد أظهرت هذه الدراسة أن الأسباب الاجتماعية هي الموضوع المحوري الرئيس حيث تحتل الحيز الأكبر في قائمة أسباب هجرة سكان أحياء مركز المدينة، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى التي حققت مؤشرات موافقة عالية مثل الأسباب التجارية (الاستثمارية)، والأسباب المرورية، والأسباب العمرانية والمعمارية، وبالمقابل فقد أظهرت هذه الدراسة أن الأسباب المتعلقة بالبيئة والخدمات حققت أدنى مؤشرات الموافقة باستثناء المشاكل البيئية المألوفة في أحياء مركز المدينة كالإزعاج والضوضاء وتلوث الهواء.
       وعلى ضوء ذلك تبين هذه الدراسة هيمنة الأسباب الاجتماعية بشكل واضح على قائمة الأسباب التي تقود إلى هجرة السكان الأصليين لمساكنهم وأحيائهم القديمة الواقعة في وسط المدينة وتدفعهم للانتقال إلى الأحياء الجديدة في الضواحي، إذ أن تدهور الأوضاع الاجتماعية في أحياء مركز المدينة وفقدان الراحة والخصوصية نتيجة لكثافة المرور وتعدد الأبراج الشاهقة وتنامي الأنشطة التجارية وانتشار سكن العمالة الوافدة من فئة العزاب وازدياد أعداد المتسوقين والجائلين ساهمت جميعها في هروب كثير من السكان الأصلين في السنوات الأخيرة وستستمر في تهجير ما تبقى من السكان الأصليين المقيمين حالياً في أحياء مركز المدينة، وهذا متوقع خصوصاً إذا ما علمنا بأن المجتمع السعودي لا يزال مجتمع محافظ توجهه القيّم الاجتماعية والعادات والتقاليد وعلاقات الجوار، إن من الواضح أن تفاقم المشاكل الاجتماعية وتصاعدها في أحياء وسط المدينة سيدفع بما تبقى من السكان الأصليين للحاق بركب من سبقهم من النازحين، حيث توصلت هذه الدراسة إلى أن السكان الأصليين المقيمين حالياً في أحيائهم القديمة في مركز المدينة يعانون من المشاكل الطاردة بشكل أكبر، فالوضع الحالي لهذه الأحياء يبدو أسوأ بكثير مما كانت عليه في السابق ومن المتوقع أن يكون في حالة أسوأ بكثير في المستقبل، ويتضح ذلك من نتائج مقارنة مؤشرات الموافقة بين الفئتين من السكان النازحين والسكان المقيمين، فقد كانت مؤشرات موافقة السكان المقيمين في الوقت الراهن في أحيائهم القديمة تجاه الأسباب التي تدفع السكان الأصليين للهجرة والانتقال أعلى بكثير من مؤشرات موافقة السكان النازحين سابقاً تجاه نفس الأسباب، وهذا مؤشر خطير جداً ينبأ باستمرار هجرة ونزوح السكان الأصليين من أحيائهم القديمة في مراكز المدن ما لم تتم معالجة الأسباب التي تدفعهم للهجرة والانتقال. ومن النتائج الهامة التي خرجت بها هذه الدراسة أن المشاكل الاجتماعية دون سواها من المشاكل الأخرى حققت أعلى الفوارق بين إجابات السكان النازحين مسبقاً والسكان المقيمين حالياً، وهذا مؤشر يعطي دلالة واضحة على تفاقم وازدياد المشاكل الاجتماعية في أحياء وسط المدينة بشكل سريع وكبير.
الخاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــة:
     يمكننا القول بأن التغير الحاصل في التركيبة السكانية في أحياء مراكز المدن التقليدية نتيجة لنزوج سكانها الأصليين إلى الأحياء الحديثة في الضواحي، وإقبال فئات أخرى من العمالة الوافدة وذوي الدخل المنخفض ممن لا تجمعهم روابط اجتماعية للسكن بها، بالإضافة إلى تزايد أعداد مباني الأبراج العالية وكثافة المرور ونقص مواقف السيارات وانتشار الأنشطة التجارية بشكل عشوائي، تسببت جميعها في وأد رابطة الجوار وأحدثت شرخاً غائراً في وحدة النسيج الاجتماعي في أحياء مركز المدينة، ومن هنا بات من الضروري التعامل مع هذه المسببات بحزم لإيقاف هجرة السكان الأصليين من أحيائهم والحفاظ على التركيبة السكانية المتوازنة لهذه الأحياء. قد يكون الخلل الأبرز في تعاملنا مع الأحياء القديمة في مراكز مدننا مرتبط بشكل أو بآخر بالنظرة السطحية التي تركز على القشور ولا تبحث في أعماق وجذور المشكلة، وهذه حقيقة نعيشها حالياً وعايشناها سابقاً في بعض مشاريع إعادة التأهيل والحفظ والترميم في مراكز مدننا، فهذا النهج الذي ينطلق كما أسلفنا من المنظور الخارجي ولا يراعي خصوصية السكان الأصليين وتركيبتهم الاجتماعية الأصيلة واحتياجاتهم الحقيقية والمشاكل المتفاقمة التي تواجههم جعل من مشاريع التأهيل والتنظيم مجرد عمليات تجميلية ظاهرية غير قادرة على إيقاف هجرة الساكنين، فأصبحت هذه المشاريع تقف موقف الخصم والند في مواجهة المجتمع والإنسان.
      إن الحفاظ على الأحياء التقليدية في مراكز المدن مرتبط أولاً بالحفاظ على التركيبة السكانية الأصيلة لهذه الأحياء، وهذه بدوره يرتبط بمنظومة معقدة تتداخل فيها جوانب متعددة كالتشريعات العمرانية، وسياسات التخطيط والتنظيم، ومشاريع إعادة التأهيل، ومستوى الأمن الاجتماعي والخصوصية وعلاقات الجوار، ودرجة فاعلية منظومة الحركة والنقل، وتوفر المرافق والخدمات، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع والوعي العام، فهذه الجوانب مجتمعة تربط فيما بينها خطوط متشابكة ومتشعبة تنتج عنها تفاعلات مستمرة وتأثيرات متبادلة، ويبقى العنصر البشري هو المحور الرئيس في هذه المنظومة بينما تدور حوله الحلقات الأخرى، ولذلك فإن عدم الالتفات إلى هذه العناصر مجتمعة مع التركيز على العنصر المحوري وهو (المجتمع الأصلي) سيقود إلى إفشال الجهود المبذولة للحفاظ على هوية مراكز المدن بقيمتها الحضارية والتاريخية والتراثية. ومن هنا لا بد من التأكيد على ضرورة معالجة المشاكل المختلفة التي تواجه السكان الأصليين في أحياء مراكز المدن بشكل عاجل في سبيل الحفاظ على الرصيد السكاني الأصلي المتبقي ومحاولة استعادة السكان المهاجرين وجذب الفعاليات الاجتماعية والثقافية، لأن الحفاظ على التركيبة الاجتماعية الأصيلة وتعزيزها سيقود للحفاظ على القيمة الحضارية والهوية العمرانية والنسيج الاجتماعي المترابط في أحياء مركز المدينة.

قائمة المراجع :

1.      Stone, P. A., “The Structure, Size and Cost of Urban Settlements”, Cambridge University Press, London, (1973), P.P. 131-132.
2.      Rapoport, A., “Environmental Quality and Environmental Quality Profile”, in Wilkinson (Ed), Quality in the Built Environment, Newcastle Upon Press, (1990), PP. 255-286.
3.      Wirth, “Urbanism as a Way of Life”, American Journal of Soc., XLIV, (1983).
4.      Firey, “Land Use in Central Boston”, USA, (1974).
5.  العلامة عبدالرحمن بن خلدون، "مقدمته بن خلدون"، القرن الرابع عشر الميلادي.
6.  أحمد محمد علي صدقي، "المنهج السطحي للحفاظ العمراني بالشرق الأوسط"، الملتقى الثالث للجغرافيين العرب، الجمعية الجغرافية السعودية، الرياض، شعبان 1424هـ.
7.  الدكتور مصطفى الخشاب، الاجتماع الحضري، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية،  ص 26.
8.      Paul Cressy, The Succession of Cultural Grouns in the City, Gist; Halbert, (Urban Society, P. 203).
9.      James Quinn, Human EcologyCh. 16, New York, (1951).
10.         المهندس عبدالقادر حمزة كوشك والدكتور نعمان أمين الجليلي، "مشاكل عمران المجتمعات الحضرية الإسلامية في الوقت الحاضر"، بحث مقدم في مؤتمر (نحو العمران الإسلامي)، مايو 1985م، جمعية المهندسين البحرينية، المنامة، البحرين، منشور في جزأين في مجلة العواصم والمدن الإسلامية، العدد السادس، السنة الثالثة، شعبان 1405هـ، ص ص 46-53، العدد السابع، السنة الرابعة، رجب 1406هـ، ص ص 20-24.
11.  محمد الشامي، "صيانة المدن التاريخية"، تقرير منشور في مجلة العواصم والمدن الإسلامية، العدد الثامن، محرم 1407هـ، ص ص 28-31.
12.  محمد مروان مراد، "التراث المعماري في المدينة العربية"، متابعة لندوة التراث العمراني في المدينة العربية بين المحافظة والمعاصرة، منشور في مجلة المدينة العربية، العدد 113، مارس/إبريل 2003، ص ص 28-33.
13.  محمد مروان مراد، "أقدم مدينة مأهولة تستعيد تألقها التراثي العريق"، تقرير عن مشروع إنقاذ النسيج العمراني والاجتماعي في دمشق القديمة، منشور في مجلة المدينة العربية، العدد 104، سبتمبر/أكتوبر 2001، ص ص 66-68.
14.  الدكتور فيصل بن عبدالعزيز المبارك، التخطيط والتنمية العمرانية في المملكة – البداية واستمرارية المسيرة في عهد خادم الحرمين الشريفين، النشر العلمي والمطابع بجامعة الملك سعود، 1424هـ.
15.   الدكتور محمد عبدالله الحماد، نمو المدن السعودية بين النظرية والتطبيق – المدن السعودية انتشارها وتركيبها الداخلي، عمادة شئون المكتبات، جامعة الملك سعود، 1407هـ.
16. الدكتور عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ، "الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية لسكان المنطقة المركزية لمدينة الرياض"، مجلة جامعة الملك سعود (المجلد التاسع)، العمارة والتخطيط، 1417هـ/1997م، ص ص 3-51.
17.  الدكتور عبدالحفيظ عبدالحكيم سمرقندي، "الاستخدام الرأسي للأرض في المنطقة المركزية بمدينة جدة"، الجمعية الجغرافية السعودية، سلسلة بحوث جغرافية رقم (15)، الرياض، 1414هـ/1993م.
18. الدكتور رشود بن محمد الخريف، "الانتقال السكني في مدينة الرياض – دراسة في الاتجاهات والأسباب والخصائص"، الجمعية الجغرافية السعودية، سلسلة بحوث جغرافية رقم (20)، الرياض، 1415هـ.
19.  المهندس عمر عبدالله قاضي والدكتور حازم محمد إبراهيم، تخطيط المدن في المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1401هـ، شركة الطباعة العربية السعودية، الرياض، ص ص 90-100.
20.  الدكتور محمد شهاب أحمد والدكتور مؤمل علاء الدين، المتطلبات الفضائية لتخطيط المدينة، الجامعة التكنولوجية، مطابع التعليم العالي، العراق، بغداد، 1990م، ص ص 39-40.
21.  الدكتور عبدالفتاح محمد وهيبه، في جغرافية المدن، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، ص ص 179-180.
22.   المعماري قيصر طالب، المسكن في المملكة العربية السعودية، كتاب مترجم، ترجمه الدكتور محمد بن حسين البراهيم، صادر عن النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، 1421هـ، ص 220.
23.         الدكتور مشاري بن عبدالله النعيم، من المربع إلى العذيبات- رؤى وأفكار في العمارة السعودية المعاصرة، كتاب الرياض، العدد 94، سبتمبر 2002م، ص ص 64-65.
24.  الدكتور عبدالله حامد العبادي، "التخطيط العمراني الحضري: مشكلاته ومستقبله"، الكتاب الجغرافي السنوي، قسم الجغرافيا، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، السنة الأولى، العدد الأول، 1405هـ، ص ص 151-215.
25.  بوعلام رمضاني، "(مدن العالم العربي) رؤية فرنسية لتراث فريد"، تعليق على كتاب (مدن العالم العربي) لمؤلفه الفرنسي كلود شالين، مجلة المدينة العربية، العدد 78، مايو/يونيو 1997، ص ص 74-75.
26.  الدكتور محمد أحمد سلام المدحجي، "التركيب الداخلي للمدينة اليمنية القديمة والجديدة وملائمة كل منها للمتطلبات الإنسانية والطبيعية: صنعاء- تعز- أب، الملتقى الثالث للجغرافيين العرب، الجمعية الجغرافية السعودية، الرياض، شعبان 1424هـ.
27. الدكتور سعيد ملين، "التراث المعماري والتمدن العربي الإسلامي"، مداخلة منشورة في سجل أبحاث ندوة التراث المعماري الإسلامي في الألفية الثالثة، مارس 2001م، الدوحة، قطر، ص ص 83-89.
28.  جريدة اليوم السعودية، خبر صحفي بعنوان (جثث المدمنين تثير قلق سكان الأحياء القديمة بالرياض)، العدد 11183، الثلاثاء، 5 ذوالحجة 1424هـ، 27 يناير 2004م، الصفحة الأخيرة.
29.  Mashary Abdullah Al-Naim, Potentiality of the Traditional House- a Case Study of Hofuf, Alhasa, G.C.C. Floklore Centre, Doha, Qatar. (1998).
30.  المهندسة ميرفت مأمون خليل، "الصراع ما بين مركز المدينة التاريخي والمدينة الحديثة- مدينة السلط في الأردن حالة دراسية"، الملتقى الثالث للجغرافيين العرب، الجمعية الجغرافية السعودية، الرياض، شعبان 1424هـ.
31.   الدكتور عامر بن ناصر المطير، "معوقات استخدام المواقف المتعددة الأدوار في وسط مدينة الرياض"، الملتقى الثالث للجغرافيين العرب، الجمعية الجغرافية السعودية، الرياض، شعبان 1424هـ.
32.   الدكتور علي الحيدري وآخرون، التصميم الحضري- الهيكل والدراسات الميدانية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2002م، ص ص 75-76.
33.  الدكتور فيصل عبدالعزيز المبارك، "القرار متسرع ويكرر نفس غلطة نقل جامعة الإمام"، موضوع منشور في صحفة العمران والتنمية، جريدة الرياض، العدد 12474 السنة 38، الجمعة 7 جمادى الثانية 1423هـ، الموافق 16 أغسطس 2002م.
34.  الدكتور سعيد أحمد العويس، "أثر النفط على العمارة التقليدية في منطقة الخليج"، مجلة المأثورات الشعبية، مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدوحة، قطر، العدد 57، السنة الخامسة عشرة، يناير 2000م، ص ص  88-107.
35.  دكتور خالد عزب، "عودة الروح إلى القاهرة القديمة – مشروع طموح لترميم آثارها ونسيجها العمراني"، موضوع منشور في مجلة المدينة العربية، العدد 106، يناير/فبراير 2002، ص ص 76-80.
36.  الهيئة العليا للسياحة، "تأهيل المواقع السياحية في مراكز مدن المملكة ودوره في دعم الاستثمارات البلدية وتنوعها"، اللقاء الدوري الثاني لتطوير الأداء في الأجهزة الحكومية (الاستثمارات البلدية وسبل تطويرها)، أمانة مدينة الرياض، شعبان 1423هـ.
37.  اللقاء الدوري الثالث لتطوير الأداء في الأجهزة البلدية (إدارة نظافة المدن وأهميتها في المحافظة على البيئة)، مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، أمانة مدينة الرياض، 4-6 ذو القعدة 1424هـ.
38.  الدكتورة حورية بنت صالح جمعة الدوسري، "النمو السكاني والمشكلات البيئية للصرف الصحي في مدينة الدمام"، الملتقى الثالث للجغرافيين العرب، الجمعية الجغرافية السعودية، الرياض، شعبان 1424هـ.



[1]     تحدث العلامة عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة التي قام بتأليفها في القرن الرابع عشر الميلادي عن العمران البشري وهو ما يعرف اليوم بعلم الاجتماع، ومن فروعه العمران الحضري الذي يتناول دراسة المدن ونشأتها وتطورها والمشكلات الناجمة عن نموها.


حمله          من هنا    أو    من هنا



قراءة مباشرة                   من هنا  


للقراءة والتحميل         اضغط هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا