التسميات

الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

إعـداد التراب والجهـوية فـي المغـرب - حميد الماموني


إعـداد التراب والجهـوية فـي المغـرب


حميد الماموني

طالب - باحث


مقــدمة

   يعتبر إعداد التراب سياسة شاملة تهم قطاعات مختلفة، وتقتضي تدخل العديد من المؤسسات والهيآت على المستوى المركزي أو على الصعيد المحلي، كما تستلزم التوفر على العديد من الأدوات التقنية للتدخل والتشخيص، ويعتبر الإطار الجهوي أهم نموذج لتحقيق التنمية التي تنهجها الدول المعاصرة في إعداد المجال باعتباره يوفر الأرضية اللازمة لإعداد وتنفيذ السياسات الحكومية وبلورة انشغالات السكان على الصعيد المحلي وإشراكهم في اتخاذ القرارات بما يتناسب وحجم الإمكانيات الحقيقية لكل جهة، وبما يضمه من سبل تعزيز التنمية المستديمة([1]) .

   ولما كانت أهداف ومهام إعداد التراب في تفاعل وانسجام دائمين مع تنوع المجالات ومع التغيرات والتطورات التي تعرفها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والمؤسساتية لمجال معين، وكذا مع تحديات الأوراش الكبرى المهيكلة للدولة في كل اللحظات التاريخية الحاسمة ، كان من الطبيعي جدا أن يحتل قطاع إعداد التراب الصدارة ضمن ورش المشروع الترابي المندمج للجهوية الموسعة، الذي تعتزم بلادنا اقتحامه كأولوية إستراتيجية تعطي للدولة هيكلتها الجديدة، التي من المفروض أن تهيئ المناخ المناسب لتنزيل مقتضيات الدستور الجديد ، وستمكن من التوطين الترابي الحكيم والمعقلن لمضامين السياسات القطاعية المختلفة([2]).

   وبالرجوع للتأطير التاريخي للجهوية بالمغرب نجد أنها انطلقت مع صدور ظهير 16 يونيو([3]) 1971، الذي أسس للجهة كأحد الشركاء و الفاعلين الاقتصاديين الرئيسيين للدولة إلى جانب المؤسسات العمومية و المقاولات الخاصة. لكن مع فشل هذه التجربة في تحقيق أهدافها التنموية، و عملا على مسايرة التحولات التي تفرضها التنمية الاقتصادية، و لمواكبة التطورات الإقليمية و العالمية عمل المغرب على تثبيت برنامج تقويم هيكلي في إطار إصلاح إداري و دستوري، جعل المشرع يعترف بأهمية الجهة و يرتقي بها إلى مصاف الجماعات المحلية، كما هو مبين في المادة 94 ([4]) من دستور 1992، و هو ما سيؤكده دستور 1996؛ و في هذا السياق صدر القانون 96-47 المنظم للجهات([5]) و الصادر بمقتضى الظهير الشريف 02 أبريل 1997، ليؤكد أن الجهة أصبحت وحدة ترابية لامركزية تتمتع بالشخصية القانونية و الاستقلال المالي و الإداري.

   و مع استمرار التناقض المجالي بين جهات المملكة مع النموذج الجهوي الأخير لسنة 1997، و عودة ثنائية المغرب النافع و المغرب غير النافع، بفعل سيادة السلطة المركزية و ضعف اختصاصات السلطة اللامركزية الجهوية، ستثور الحاجة إلى جهوية حقيقية تستجيب لمطالب التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المجالية، و لكن بمعايير علمية دقيقة، و وفق نموذج قادر على بناء أسس عدالة مجالية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

   ومن خلال ما سبق يتضح و بشكل جلي أن العلاقة بين الجهوية وإعداد التراب تطرح العديد من الأسئلة والتي سنحاول الإجابة عنها من خلال طرح الإشكالية التالية :

إلى أي حد يمكن اعتبار الجهة الفضاء الأنسب والملائم لتبني سياسة إعداد التراب ؟

للإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا تناول الموضوع على الشكل الآتي :

المبحث الأول : دور الجهة في مجال إعداد التراب .
المطلب الأول : إعداد التراب في ظل اللامركزية الجهوية.
المطلب الثاني : اختصاصات الجهة في ميدان إعداد التراب..
المبحث الثاني : آفاق إعداد التراب على ضوء الجهوية المتقدمة .
المطلب الأول : مرتكزات إعداد التراب على المستوى الجهوي.
المطلب الثاني : أفاق إعداد التراب وفق التصور الجديد للجهة.

المبحث الأول : دور الجهة في مجال إعداد التراب .

   تسعى سياسة إعداد التراب إلى إعادة توزيع الأنشطة الإقتصادية و الإجتماعية بشكل متوازن، و تحسين التجهيزات و البنيات التحتية توزيعا عادلا ، و بمعنى آخر تقديم تصور شامل ورؤية متكاملة لبرنامج العمل الذي يخص سائر التراب الوطني وفي المقابل فإن الجهة تعد أحسن إطار لذلك[6] ، ولتحليل أكثر لهذه المعطيات ، وللتوضيح أكثر سنتطرق أولا لواقع إعداد التراب في ظل اللامركزية الجهوية ( المطلب الأول ) ، ثم الإنتقال إلى تناول مظاهر و تجليات الإختصاصات الموكولة للجهة في ميدان إعداد التراب (المطلب الثاني).

المطلب الأول : إعداد التراب في ظل اللامركزية الجهوية .

  يكتسي تحديد العلاقات التي تربط اللامركزية الجهوية بإعداد التراب أهمية خاصة باعتبار هذا التحديد يتميز بطابعه الإشكالي الذي يرجع في الأصل إلى النقاش حول المركزية و اللامركزية ، إذ أن العمل الجهوي يثير مسألة اللامركزية ، بينما يحيل إعداد التراب على آليات الإندماج و التضامن الوطني ، و بالتالي دعم المركزية .

  وقد يبدو لأول وهلة أن إعداد التراب الوطني ليست له أية علاقة وثيقة و ضرورية مع اللامركزية ، بل و قد يبدو أن هذه العلاقة ظاهرية ، تنبني على التعارض و التناقض غير أن تحليل جوهر و أهداف كل من المفهومين يثبت أنه بالإمكان تصور هذه العلاقات في إطارها الجدلي و التكاملي .

  إن اللامركزية تؤدي من الوجهة الإقتصادية إلى إحداث مراكز للقرار تتمتع بنوع من الإستقلال ، مع ما قد يترتب عن ذلك من مضاعفة الفوارق الجهوية ، فضلا عن تشتيت المهام و المسؤوليات الإقتصادية و تفاوت مستويات النمو بين الوحدات اللامركزية .

   و مقابل ذلك ، فإن مفهوم إعداد التراب يقوم بالأساس على تقليص الفوارق الجهوية و البحث عن أفضل توزيع جغرافي للأنشطة الإقتصادية حسب الموارد الإقتصادية ، وهو ما يعتبر بالأساس عملا من إختصاص السلطة اللامركزية [7].

   و في المغرب يسجل الملاحظون تأخرا كبيرا في ميدان إعداد التراب رغم المجهودات التي بذلت في مختلف القطاعات ، ورغم الوعي و في مرحلة مبكرة بضرورة إعداد التراب و محاربة الفوارق الجهوية ، فإن هذا الوعي ظل خاضعا إلى منطق المركزية ليس فقط على مستوى تحقيق تنمية قطاعية مجالية بوثيرة مرتفعة ، بل إعتبر المجتمع كميدان تطبق فيه القرارات الفوقية ، وقد حال كل هذا بطبيعة الحال دون ترجمة سياسية تصحح الفوارق الجهوية على أرض الواقع ، بل برزت تفاوتات صارخة بين مكونات المجال المغربي ، و على مستويات عدة ، ومن ثم فإن الضرورة تفرض التخلي عن السياسة المجالية القائمة على تدخلات قطاعية غالبا ما كانت إستدراكية و متفرقة في الزمان و المكان و نابعة من دون شك عن محوديتها التي ابانت عنها ومن مركزية ذات إطار تنموي بعيد[8] .

   و في هذا الصدد يمكن الجزم ، بأن وضعية الجهة و غناها رهينتين بنجاعة سياسة إعداد التراب الوطني . فهي التي تصيغ التصورات المستقبلية و تهدف إلى إعادة توزيع الأنشطة الإقتصادية و الإجتماعية بشكل متوازن ،و بذلك تعتبر سياية إعداد التراب شرطا لازما لتحقيق التنمية وفي مقابل ذلك فإن الجهة هي الإطار الجغرافي الأنسب لسياسة إعداد التراب الوطني و تجسيد مضامينه ، و بمعنى آخر إذا كان الغرض من إعداد التراب الوطني هو الإهتمام بتقديم تصور شامل و رؤية متكاملة لبرنامج العمل الذي يخص تهيئة مجمل أجزاء الوطن ، فإن الجهة هي التطبيق الميداني لهذا البرنامج[9] .

   ومن هذا المنطلق لايمكن الفصح إلا عن وجود علاقة تكاملية ما بين اللامركزية الجهوية ، و سياسة إعداد التراب ، حيث أن هذه العلاقة تفرض و جود السياستين معا ، لأن إعداد التراب يصحح الآثار الجانبية للامركزية الجهوية . وفي نفس الوقت وجود علاقة في إطار جدلي ، حيث أن كل من هذين السياستين تستدعي الأخرى ، بالرغم من أنهما متناقضتين، لكن كل من السياستان لا تلغي الأخرى [10].

المطلب الثاني :اختصاصات الجهة في ميدان إعداد التراب.

   أسند المشرع المغربي مجموعة من الإختصاصات للجهة من خلال قانون رقم [11]47 .96 المتعلق بتنظيم الجهات ، حيث أنه يعطي لهذه الأخيرة من خلال المادة 6 صلاحية إتخاد التدابير الضامنة لتنميتها الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية الكاملة من خلال العديد من الإختصاصات ، منها ما هو ذاتي و منها ما هو منقول ، و فيما يخص إختصاص الجهة في إعداد التراب الوطني فنجده في المادة السابعة في فقرتيها الثانية والثالثة.

  فالفقرة الثانية تعطي للجهة بواسطة مجلسها الحق في إعداد مخطط التنمية الإقتصادية و الإجتماعية للجهة وفقا لتوجهات و الأهداف المعتمدة في المخطط الوطني للتنمية .

   أما الفقرة الثالثة التي تبين دور الجهة كجماعة ترابية ، في تهيئة التراب عندما تؤكد من أن المجلس الجهوي هو صاحب الإختصاص في إعداد التصميم الجهوي لتهيئة التراب وفقا لتوجهات و الأهداف المعتمدة على المستوى الوطني ، هذا و تضيف المادة 6 إمكانية المجلس الجهوي من إبداء رأيه و تقديم إقتراحاته فيما يخص السياسات المتعلقة بإعداد التراب الوطني و التعمير ووسائلها [12].

  كما عززت اختصاصات الجهة في إعداد التراب بمقتضى الفصل 143 من دستور 2011[13] والذي جاء فيه : “تتبوأ الجهة تحت إشراف رئيس مجلسها مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الأخرى في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية.”

ومن هذا المنطلق نستشف أهمية التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني و الذي يرتكز أساسه القانوني على القانون المتعلق بالجهة و كذا دستور 2011 ، حيث يفترض أن يعكس هذا التصميم الجغرافية المستقبلية للمجال الجهوي عبر تحديد العناصر الكبرى للتنظيم المجالي و تقديم رؤية واضحة لشكل التنظيم الترابي الجهوي المرغوب فيه[14].

   ومنه يمكن أن يشكل التصميم الجهوي لإعداد التراب أداة هامة لتحديد رهانات المجال الجهوي و الأبعاد الجغرافية للتنمية الجهوية و إدراج مبادرات و تدخلات أشخاص و الفاعلين الإقتصاديين و الإجتماعيين في منطق إرادي لتأهيل التراب و تصحيح الإختلالات.

المبحث الثاني : آفاق إعداد التراب على ضوء الجهوية المتقدمة

  تعتبر الجهوية المتقدمة من أهم الإصلاحات التي تبناها المغرب من أجل تحقيق التنمية الإقتصادية والاجتماعية وهذا المعطى لا يمكن تحقيقه دون إعداد متوازن للمجال الجهوي، وفيما يلي سنعرض بإيجاز لأهم المرتكزات التي يقوم عليها إعداد التراب علو المستوى الجهوي (المطلب الأول) ، ثم لآفاقه في ظل التصور الجديد للجهة (المطلب الثاني).

المطلب الأول : مرتكزات إعداد التراب على المستوى الجهوي.

  عمل الدستور الجديد من خلال مقتضياته الواردة في الباب التاسع منه والمتعلق بالجهات والجماعات الترابية الأخرى، على وضع مجموعة من المبادئ المهيكلة للتصور الجديد للتنظيم اللامركزي والتي يمكن إعمالها في مجال إعداد التراب على المستوى الجهوي، وسنحاول فيما يلي التطرق بإيجاز لأهم هاته المبادئ.

مبدأ التدبير الحر : يعتبر هذا المبدأ من أهم المبادئ التي تقوم عليها اللامركزية الترابية إذ من خلاله تتمتع الجماعات الترابية بقدرة حقيقية على اتخاذ القرارات التي تمكنها من تدبير مصالحها الخاصة، وهو ما سيحررها من من الوصاية الإدارية والمالية بمفهومها الضيق والتقليدي، وتطبيق هذا المبدأ يستدعي التوفر على مجالس منتخبة بشكل ديموقراطي ومباشر، إلى جانب التوفر على الإمكانات القانونية والمالية الضرورية لتفعيل هذا المبدأ([15]).

مبدأ التضامن : يعتبر التضامن حجر الزاوية من أجل تجاوز توفير الاعتمادات الذاتية والكافية لقيام الجهات بالاختصاصات الموكولة لها، فالتضامن الوطني يعد عنصرا أساسيا في الجهوية المتقدمة، إذ أن تحويل الاختصاصات للجهة يقترن بضرورة توفير موارد مالية، حيث سيمكن هذا المبدأ من تفعيل ألية التعاون الجهوي والترابي بين باقي الجماعات الترابية الأخرى، من أجل تحقيق المشاريع المشتركة ، وإنجاز البرامج الجهوية وخلق إطارات لإقامة شراكة بين الجهات الغنية والفقيرة وتجاوز الاختلالات الترابية([16]).

مبدأ التفريع : يقتضي هذا المبدأ البحث عن المستوى الملائم لممارسة اختصاصات معينة بحيث تتخلى الدولة للجهات عن كل الاختصاصات التي لا تستطيع الاضطلاع بها، وإعادة توزيع الاختصاصات بين الجهات والجماعات الترابية الأدنى، بما يحقق التكامل في الأدوار وتجنب تداخل الاختصاصات، دون أن يمارس المستوى الأعلى أية وصاية على المستوى الأدنى([17]).

مبدأ المشاركة : تعد المشاركة أحد مكونات الحكامة فهي تهيئ الظروف والأوضاع السياسية المناسبة لتعبئة الأفراد والجماعات للمساهمة والمشاركة في الأنشطة والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية ، فالتشاركية هي استبدال للتدبير البيروقراطي للشأن العام المحلي بالتدبير الديمقراطي، الذي يخدم التنمية، هذه الأخيرة تتطلب مشاركة الساكنة في ممارسة الفعل التنموي، بحيث تكون البرامج التنموية والسياسات الترابية معبرة بصفة حقيقية عن متطلبات المواطن.

   بالإضافة إلى هاته المبادئ المذكورة فقد تم إقرار آليات للتضامن والتعاون بين الجهات والجماعات الترابية الأخرى بشكل يخدم إنجاز المشاريع التنموية المشتركة وفي هذا الإطار أحدث الدستور الجديد في فصله 142 صندوقا للتأهيل الاجتماعي لفترة معنية لفائدة الجات، وذلك من أجل سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات، هذا بالإضافة إلى إحداث صندوق التضامن بين الجهات بهدف التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها.

المطلب الثاني : آفاق إعداد التراب وفق التصور الجديد للجهة.

   سنحاول من خلال هذا المطلب إبراز الدور الاستشرافي للجهة في مجال إعداد التراب وذلك بالاستناد على المقتضيات الدستوية وتوصيات اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة بالإضافة إلى أهم مقتضيات مشروع القانون المتعلق بإعدد التراب.

   بالرجوع لمقتضيات الدستور الجديد نجد أنه نص على مقتضيات جديدة في ميدان إعداد التراب على المستوى الجهوي يبقى أهمها :

  ضمان مشاركة الجهات والجماعات الترابية الأخرى في إعداد السياسات الترابية، حيث ستساهم هذه الأخيرة بحسب مضمون الفصل 137 من الدستور، في تفعيل السياسة العامة للدولة ، وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين، كما أنها ستشكل بالنسبة للسلطة المركزية أداة لزيادة فعالية ألية التأطير الترابي وتحسين وظيفة مجموع النظام الإداري، بما يسمح بتنسيق أفقي يكسر انغلاق المصالح الخارجية.

   بالإضافة إلى هاته الضمانة التي منحها الدستور الحالي للجهات فيما يخص سياسة إعداد التراب، نجد أنه بوأ الجهة مكانة الصدارة بين باقي الجماعات الترابية الأخرى، حيث ستحتل الجهة مكانتها داخل التنظيم اللامركزي الترابي، إذ ستصبح المجال الملائم والأرحب للتحاور والتشاور واتخاذ القرارات، وستتيح للنخب المحلية التجدد والتداول في الوظائف التمثيلية، مما سيعطي للجهة الفعالية والنجاعة التي ستمكنها من لعب الدور المنتظر منها باعتبارها الفاعل المرجعي في شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما تم التأكيد عليه في الفصل 143 من الدستور الجديد للملكة.

  أما فيما يخص تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة فقد تضمن هو الآخر بعض التوصيات بشأن إعداد التراب على المستوى الجهوي، وبهذا الخصوص نجد أنه من بين أهم الخطوط التوجيهية للإصلاح المرتقب، والتي جاءت مواكبة ومكرسة للخطاب الملكي 3 يناير 2010 والتي أكد من خلالها على :

   ضرورة انبثاق مجالس جهوية ديمقراطية تتوفر على صلاحيات وموارد، هذه المجالس يجب أن تجسد تمثيلية للنخب المؤهلة لحسن تدبير شؤون مناطقها، وليست أجهزة صورية أو بيروقراطية.

  هذا وتحدد الجهة كمؤسسة محاورة وشريكة للدولة في إعداد التراب والتجهيز وجعل الفضاء الجهوي أكثر جاذبية لتنمية الأنشطة الخلاقة للقيمة ولفرص الشغل وبرامج لامتصاص العجز الاجتماعي([18]).

   ويبدو واضحا أن الجهة مدعوة لتصبح الفضاء الأول لتوطيد سياسة التنمية وفي هذا الصدد تقتضي الرؤية المندمجة للتنمية الجهوية منح المجلس الجهوي دور الدامج، استجابة للإرادة الهادفة إلى إبراز مجالس ديمقراطية تتكفل بالتنمية الجهوية المندمجة، ولا يمكن حصر التنمية الجهوية المندمجة على عاتق المجلس الجهوي لوحده، بحيث يساهم عدة فاعلين في هذه التنمية على صعيد الدولة والجماعات الترابية، أو كالفاعلين الاقتصاديين الخواص والفاعلين الاجتماعين، لكن المقصود يتمثل في تقوية دور الجهة وإبراز صدارتها كجماعة ترابية في ميدان التنمية المندمجة ومن تم استنتاج الاختصاصات الذاتية للمجلس الجهوي([19]).

   أما فيما يخص مشروع القانون المتعلق بإعداد التراب فنلاحظ أنه خصص عدة مقتضيات تعطي للمجلس الجهوي صلاحيات هامة في مجال إعداد التراب على المستوى الجهوي، وقد جاء في بيان الأسباب لهذا المشروع أنه أصبحت الحاجة ماسة إلى اعتماد رؤية سياسية واضحة تجاه قضايا إعداد التراب الوطني، خاصة بعد تبني دستور جديد تزخر مضامينه بمبادئ تروم التشاور والشراكة الفعلية المبنية على الحكامة الجيدة، كما أن نهج جهوية متقدمة من شأنه أيضا استحضار توجهات إعداد التراب الوطني والتنمية المجالية كرافد رئيسي في بناء لامركزية حديثة ولاتركيز إداري يقتضي بالضرورة إصلاحات مؤسساتية بنيوية مواكبة.

خـاتمــة

  انطلاقا مما سبق ذكره يمكن القول أنه يمكن اعتبار الجهة كتقسيم إداري نوع متطور من اللامركزية مقارنة بباقي المستويات الأخرى وخاصة فيما يخص استيعاب المشاكل الاقتصادية ومختلف الاكراهات التي يواجهها إعداد التراب، فالجهة وفق التصور الجديد الذي أصبحت تحظى به وخصوصا مع الدستور الحالي للمملكة يمكن اعتبارها المجال الملائم والأنسب لإنجاز عمليات التخطيط والتنمية، لكن هذا المعطى سيتوضح بشكل أكبر مع تفعيل القوانين التنظيمية الخاصة بالجهة وكذا اعتماد التقسيم الجهوي الجديد للمملكة.

لائحة المراجع المعتدة

الكتب باللغة العربية

- د.عبد الكبير يحييا “تقسيم التراب و السياسة الجهوية بالمغرب : نحو إعتماد جهوية سياسية .” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، عدد 84 ،سنة 2010.

- المصطفى معمر وأحمد أعجون،”إعداد التراب الوطني والتعمير”طبع وتوزيع مركز النسخ سجلماسة،الطبعة الأولى،2005-2006

- الدكتور بوجمعة بوعزاوي – “التنظيم الإداري الإدارة المركزية – الجماعات الترابية” الطبعة الأولى 2013.

الرسائل والأطروحات

- عبد الخالق العلاوي”سياسة إعداد التراب في المغرب دراسة لأطار مِؤسساتي والأدوات المنهجية”أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والإجتماعية،2005-2006.

- سعيد الميري ” التدبير الإقتصادي للجماعات المحلية بالمغرب ” أطروحة لنيل الدكتراه في القانون لعام ، جامعة محمد الخامس السويسي ، كلية العلوم القانونية والإقتصادية و الإجتماعية – الرباط – 2007-2006.

- اليونسي أيوب ” سياية تدبير و إعداد التراب الوطني ، و تهيئة المجال الجهوي بالمغرب .” بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، جامعة عبد المالك السعدي ، كلية العلوم القانونية والإقتصادية و الإجتماعية – طنجة .

النصوص القانونية.

- ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011 بتنفيد نص الدستور.

- الظهير الشريف رقم 84-97-1 صادر في 23 من ذي القعدة 1417 (2أبريل 1997) بتنفيذ القانون رقم 96-47 المتعلق بالجهات.

المقالات

- د. هشام مليح ” سؤال الحكامة الترابية بالمغرب” منشورات مجلة مسالك العدد 21/22 .

- عز العرب الناني ” هاجس التمفصل الوظيفي للسياسات العمومية و تحديات تراتبية ” ، اختصاصات الجماعات الترابية ، مقال جريدة تازة اليوم ، موقع taza-today.info

المحاضرات .

- د.عبد الخالق العلاوي ” محاضرات من مادة “إعداد التراب ” السنة الثانية ، ماستر التدبير الإداري المحلي 2014-2013


_____________________________
([1])المصطفى معمر وأحمد أعجون،”إعداد التراب الوطني والتعمير”طبع وتوزيع مركز النسخ سجلماسة،الطبعة الأولى،2005-2006 . ص 39
 ([2])–  عز العرب الناني ” هاجس التمفصل الوظيفي للسياسات العمومية و تحديات تراتبية ” ، اختصاصات الجماعات الترابية ، مقال جريدة تازة اليوم ، موقع www.taza-today.info
 ([3])قانون1.71.77 الصادر بتنفيد الظهير الشريف بتاريخ 22 ربيع الثاني 1391، الموافق 16 يونيو 1971 ، المتعلق بإحداث المناطق الصناعية السبعة /ج ر: عدد3060 بتاريخ 29 ربيع الثاني 1391 الموافق 23 يونيو 1971 .
([4])– تنص المادة 94 من دستور 1992 على أن : “ الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية ، ولا يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إلا بقانون”
([5])-الظهير الشريف رقم 84-97-1 صادر في 23 من ذي القعدة 1417 (2أبريل 1997) بتنفيذ القانون رقم 96-47 المتعلق بالجهات.
[6]  – – سعيد الميري ” التدبير الإقتصادي للجماعات المحلية بالمغرب ” أطروحة لنيل الدكتراه في القانون لعام ، جامعة محمد الخامس السويسي ، كلية العلوم القانونية والإقتصادية و الإجتماعية  – الرباط – 2007-2006 ، ص 333
[7]  – عبد الخالق العلاوي”سياسة إعداد التراب في المغرب دراسة لأطار مِؤسساتي والأدوات المنهجية”أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والإجتماعية،2005-2006 ، ص 190.
[8]  – اليونسي أيوب ” سياية تدبير و إعداد التراب الوطني ، و تهيئة المجال الجهوي بالمغرب .” بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، جامعة عبد المالك السعدي ، كلية العلوم القانونية والإقتصادية و الإجتماعية  – طنجة – 2012-2011 ص 87 : .
[9]  – سعيد الميري ، مرجع سابق ، ص 333 و334
[10] – د.عبد الخالق العلاوي ” محاضرات من مادة “إعداد التراب ” السنة الثانية ، ماستر التدبير الإداري المحلي 2014-2013
[11] – القانون 47.96 الصادر بتنفيد الظهير الشريف رقم 1.97.84 صادر في 23 ذي القعدة 1417 الموافق 2 ابريل 1997 ، المتعلق بتنظيم الجهات / جريدة رسمية عدد 4470 بتاريخ 24 ذي القعدة 1417 الموافق 3 ابريل 1997 ،ص 556 .
[12]  – ذ.عبد الكبير يحييا “تقسيم التراب و السياسة الجهوية بالمغرب : نحو إعتماد جهوية سياسية .” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، عدد 84  ،سنة 2010 ص 295و  296 .
[13] – دستور المملكة المغربية 2011 ، ظهير شريف رقم 1.11.91صادر في 27 من شعبان 1432 الموافق 29 يونيو2011
[14] – د.عبد الخالق العلاوي ، مرجع سابق ، ص  260
([15]) – ذ هشام مليح ” سؤال الحكامة الترابية بالمغرب” منشورات مجلة مسالك العدد 21/22 ص 89
([16]) – ذ هشام مليح مرجع سابق ص 90.
([17])د بوجمعة بوعزاوي – التنظيم الإداري (الإدارة المركزية – الجماعات الترابية) اليبعة الأولى 2013 ص 166.
([18]) – الللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة، تقرير حول الجهوية المتقدمة ، الكتاب الثاني “الجوانب المؤسساتية” ص 33.

([19])– تقرير حول الجهوية المتقدمة ، الكتاب الثاني مرجع سابق ، ص 36.


المصدر : مجلة المعرفة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا