التسميات

الخميس، 31 يناير 2019

المنظر الطبيعي مفهوم وتطبيق في الدراسات التخطيطية ...


المنظر الطبيعي مفهوم وتطبيق في الدراسات التخطيطية


د.م. ناتاليا عطفة

قسم التخطيط والبيئة - كلية الهندسة المعمارية – جامعة دمشق

مجلة جامعة دمشق للعلوم الهندسية المجلد التاسع والعشرون- العدد الأول- 2013 - ص ص 489 - 509:


الملخص

   يمثل مفهوم المنظر الطبيعي أحد اهتمامات العولمة الحالية والدراسات التخطيطية المعاصرة على اختلاف مستوياتها، نظراً إلى ما يتم وفقه من تطبيق للعديد من السياسات الخضراء المستدامة بدءاً من مستوى الكرة الأرضية ونزولاً إلى مستويات القارات والبلدان والدراسات الإقليمية والمكانية لتحقيق استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.

   هدفَ البحث إلى إظهار مفهوم المنظر الطبيعي وأهميته في تحديد التنمية الإقليمية والمكانية، كما بحث في إمكانية تبني هذا المفهوم كأداة تخطيطية قابلة للتطبيق في المدن السورية وأقاليمها. 

  تألَّف البحث من جزء نظري تضمن المدخل النظري والتعاريف، ومفهوم المنظر الطبيعي وعلاقته باستدامة الأقاليم والمدن، يليه جزء خاص بتقييم وتشخيص لمفهوم المنظر الطبيعي في محافظة ريف دمشق. خلُص البحث إلى تقييم وتبني مجموعة من التوصيات والتوجهات فيما يتعلق بهذا المفهوم من خلال الدراسات الإقليمية لريف دمشق، من تصنيف للمكونات الطبيعية في المحافظة ووضع الاستراتيجيات المناسبة لكل مكون. يفيد هذا التصنيف في التوصل إلى توجيه التنمية الإقليمية المتوازنة في المحافظة، كما يمكن عده أساساً في تحديد السياسات المكانية المستدامة على مستوى المدن الواقعة فيها.

الكلمات المفتاحية: المنظر الطبيعي، الوحدات الطبيعية، الإدراك البصري، التخطيط الإقليمي، ريف دمشق، الاستدامة، الثقافة.

مقدمة:

   يمثل مفهوم المنظر الطبيعي أحد الاهتمامات التخطيطية العالمية لأنَّه يعد الصيغة الأولى في إدارة استعمالات الأراضي الكونية ومن ثم الإقليمية والمكانية، يعد الأداة المباشرة في تطبيق سياسات الاستدامة لمدن القرن 21 . كما يهدف هذا المفهوم إلى المحافظة على المصادر الطبيعية وحمايتها وتأمين حسن إدارتها، وأيضاً ينظر إلى الأبعاد الثقافية والاجتماعية الخاصة التي تدخل في تحديد الاستراتيجيات المكانية للتنمية1. 

  ظهرت الاهتمامات بالمنظر الطبيعي في تاريخ المناطق كلّها عن طريق الفنانين والأدباء والشعراء، ولكنها لم تأخذ البعد والمفهوم التخطيطي إلا في التسعينيات من القرن الماضي؛ وذلك بعد أن دخلت التنمية المستدامة أساسا في صياغة السياسات التخطيطية الحديثة خاصة بالدول الأوروبية. كل ذلك دون أن يحظى مفهوم المنظر الطبيعي باهتمام يذكر من قبل المعنيين في الدول الأقل تقدماً ومنها سورية على الرغم من أهميته، وإن تناولته بعض الدراسات النظرية دون أي تطبيق يذكر. وكدولة نامية، تتميز سورية بالتركز الشديد والتوزيع السكاني غير المتوازن والمفترض مراعاته عند وضع الخطط الإقليمية والمكانية التي يجب أن تتخذ الحفاظ على المكون الطبيعي بوصفه إحدى أدوات التنمية لإحداث التوازن المطلوب. وهذا ما حاولت طرحه الدراسات الإقليمية التي انطلقت حديثاً في سورية ومنها الدراسة الإقليمية لمحافظة ريف دمشق. يوضح الشكل (1) أراضي المحافظة وأهم المكونات الطبيعية فيها. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ1 Philippe Poullaouec-Gonidec, Vivre et Habiter le Paysage au Moyen Orient, Actes de Colloque Beyrouth 29 et 30 novembre, 2005 

   وللتوصل إلى إمكانات التطوير والتنمية المأمولين بشكل واضح والأقرب إلى الواقع، فإنه من الضروري الأخذ بالحسبان الموارد الطبيعية كنظام متكامل. إن مثل هذا الطرح ضروري جداً نظراً إلى ارتباط المكون الطبيعي بالتفاعل البشري. وعليه لا تتحقق عملية التنمية إلا وفق سلسلة من إجراءات الحماية والحفاظ التي من شأنها أن تولد توازناً جديداً بين المكونين الطبيعي والبشري. وهكذا تنمو القطاعات الأخرى كلّها ولاسيما الاقتصادية بتنمية متوازنة وشاملة.

   هدفَ البحث إلى إظهار مفهوم المنظر الطبيعي وأهميته من خلال التعريف به وبدوره في تحديد التوجهات والاستراتجيات الطبيعية التي يمكن أن تحقق التنمية المكانية المستدامة. كذلك حث المعنيين على مواجهة التحديات الطبيعية وإدخالها في الدراسات التخطيطية لأراضيهم وخاصة المناطق الريفية منها، نتيجة للتغييرات السريعة وعمليات الامتدادات العمرانية عليها. أي البحث عن الفائدة المنهجية في الترابط الوثيق بين المفهوم الطبيعي والبشري للتنمية. كذلك إن إظهار إشكالية إدارة الأراضي ولاسيما ما يتعلق بالمحافظة وإعادة التأهيل للتراث الطبيعي والعمراني، وأيضاً حماية التوازن الايكولوجي الهش حالياً بسبب التوسعات العمرانية السكنية والسياحية، له الأثر الأكبر في الموازنة بين الأماكن التي نمت والتي تنمو أو التي يتنبأ لها أن تنمو مستقبلاً مع المحتوى الطبيعي الذي توجد به.


الشكل (1) المكونات الطبيعية في محافظة ريف دمشق 

المصدر: الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية – مديرية تخطيط المدن والضواحي – دمشق 2011 

   من خلال تقييم هذا المفهوم في تجربة التخطيط الإقليمي لريف دمشق، يتمحور هدف البحث في ثلاث نقاط أساسية: 



(i) تسليط الضوء على المنهجية المتبعة في هذه التجربة وكيفية التوصل إلى قراءة طبيعية مكانية لأراضي محافظة ريف دمشق، ومدى ما يمكن أن تشكله من قاعدة نموذجية قابلة للتطبيق في باقي المحافظات. 



(ii) تقييم نتائج المنهجية المتبعة وبيان ما يمكن أن تحققه من تنمية بشكل متوازن ومستدام. 



(iii) تحديد العلاقة بين النتائج التي تم التوصل إليها وربطها بواقع المدن السورية؛ وذلك ضمن إطار الاستراتيجيات الإقليمية التنموية المستدامة التي تم التوصل إليها. 




2. المدخل النظري والتعاريف: مفهوم المنظر الطبيعـي Landscape :


   هو الاختصاص الذي يجمع بين الفن والعلم لإدارة العالم المادي والأنظمة التي نحن جزء منها، وهو تصميم الوظائف التي تستجيب بشكل خلاق لتحديات التفاعل بين الإنسان والأرض لتتيح إمكانات جديدة للمواقع؛ وهذا المنظر الطبيعي مفهوم وتطبيق في الدراسات التخطيطية يتطلب فهماً للعلوم الطبيعية مثلا لجيولوجيا وعلم الترب والنباتات والنظام المناخي ومصادر المياه 2


   مع أن ليست هناك كلمة في اللغة العربية تصف المنظر الطبيعي، فإن ما يقصد حقيقة بهذه الكلمة يتعلق بالسياقات الثقافية المكانية التي ترصد حقيقة التفاعل بـين النـاس وبيئتهم الطبيعية، وتشير إلى الطريقة التـي تفهـم بهـا الطبيعة ضمن إطار ثقافي ما والطريقة التي يتم تـشكلها تحت تأثير تلك الثقافة.

   وإن تعريف المنظر الطبيعي المتأقلم مع سـياق الـشرق الأوسط – وبالمعنى الأوسع- معطى من قبل الـدكتورة جالا المخزوني: يمكن أن يعرف بطـريقتين مختلفتـين: كيان فيزيائي متمثلٌ بقطعة مـن سـطح الأرض بنظـام مكوناتها الحية وغير الحية، أو بنية اجتماعيـة وثقافيـة تعبر عن الطريقة التي يتعامل بها الناس مع بيئتهم فـي وقت ومكان محددين"3.

    أما لجنة التراث العالمي لمنظمـة اليونـسكو فتـستخدم مصطلح "المناظر الطبيعية الثقافية"4، لتشير إلى المناظر الطبيعية البارزة التي تستحق أن تكون مسجلة على قائمة التراث العالمي، ومع إضافة كلمة "الثقافي" فإن المعنـى العام يبقى نفسه ويـشير إلـى التفاعـل بـين الإنـسان والطبيعة، وهو وثيق الصلة بالمناظر الطبيعية" العاديـة"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- Ghalia Chahine,Pour une approche globale de l'agriculture périurbaine, Urbanité, printemps, 2011. 

3- جالا مخزوني، "المناظر الطبيعية في الشرق الأوسط: استفسار"، "بحث عن المناظر الطبيعية المجلد27 رقم3 ،213 – 228 2002 صفحة218 "ولا يبدو هذا التعريف بعيداً عن تلك التعاريف المعطاة في سياقات أخرى ولكنه أيضاً يعبر عن ازدواجية اللغة مثل تلك الموجودة في اتفاقية المناظر الطبيعية الأوروبية (الموقعة تحت إشراف المجلس الأوروبي في عام2002 (وفقاً لهذا النص: فإن "المنظر الطبيعي" يقصد به منطقة ما بحسب ما يفهمها الناس التي تكون صفاتها نتيجة عمل وتفاعل للعوامل الطبيعية و/أو البشرية. 

4- http://whc.unesco.org/en/activities/477, 
http://whc.unesco.org/archive/opguide08-en.pdf, http://whc.unesco.org/archive/opguide05-arb.pdf


   أيضاً: "المناظر الطبيعية الثقافية، تمثل "أعمال مشتركة من الطبيعة والإنسان". وهي أمثلة توضيحية عن تطور المجتمع البشري والاستقرار عبر العصور تحـت تـأثير القيود الفيزيائية و- أو الفـرص المقدمـة مـن بيئـتهم الطبيعية ومن القوى الاجتماعية والاقتـصادية والثقافيـة المتعاقبة الخارجية والداخلية"5 .

   إن لهذا التعريف الواسع إشكاليات فـي طريقـة تحديـد المميز من المناظر الطبيعية داخل رقعـة مكانيـة مـا، ولاسيما إذا ما تناولته المستويات التخطيطيـة المختلفـة. ويزداد الأمر تعقيداً كلما اتجهنا نحو المستويات العمرانية الأدنى وخاصة في محيط وداخل المدن نظراً إلى غلبـة العمران على الطبيعة فيها. وهو ما يحدده عادة مفهـوم المنظر العمراني.

   أُدخِلَ مصطلح آخر في الدراسات التخطيطية وهو مفهوم "الفراغات المفتوحة"Spaces Open 6 ويتضمن عدة معـانٍ يمكن أن تحدد وفقها؛ وأهمها الانفتاح البصري ويـسمح باستيعاب مناظر طبيعية بعيدة المدى على الأفق، أو على الأقل على مساحة واسعة دون وجود أية عوائق بصرية (من المساحات العمرانية أو الغابات الكثيفة حيث توقـف المناظر الطبيعية بالأبنية أو بالأشجار)، وهـي تتـضمن الصحراء والسهوب والحقول والطرقات السريعة الدولية والمقالع ..الخ.

 وعلى الرغم من أن المنظر الطبيعي يمكن أن يوجد فـي أي مكان فإن هناك مناظر طبيعيـة ومنـاظر عمرانيـة (landscape Urban) وحتى مناظر صناعية ( Industrial Landscape) أو أخرى بحسب الوظائف المتعلقة..

______________

5 توجيهات عملية من أجل تنفيذ اتفاقية التـراث العـالمي، 2000 الفقرة47 
6 الدراسة الإقليمية لريف دمشق، تقرير المنظر الطبيعي  –Landscape المرحلة الثانية، الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، دمشق، 2011



 ودون الدخول في تعقيدات المفاهيم والتعريفات المختلفة، يركز البحث كما سيتم إظهاره لاحقاً من خلال تجربة التخطيط الإقليمي لريف دمشق، على المنظر الطبيعي والفراغـات المفتوحة التي تترادف في مفهوم واحد، وتعتمـد علـى فكرة ارتباط المنظر بالطبيعة وتفاعل الإنسان مع الطبيعة من جهة، وانفتاح الفراغات بصرياً التي تـسمح بوجـود إطلالات واسعة على المنظـر الطبيعـي (Landscape)، سواء أكانت طبيعية أم عمرانية من جهة أخرى. 

   في الحقيقة ليس هناك مساحة طبيعية بشكل صافٍ: فحتى البادية التي تتألف أنسجتها الطبيعية من مناطق رعويـة تكون فيها مناطق أكثر طبيعية من غيرها. وهنـا فـإن مصطلح "المناطق الطبيعية يغطى التكوينـات الطبيعيـة كلّها ويمكن تمييز واحدات7 طبيعية فيها وتصنيفها كمـا سنراه لاحقاً. ومن أهـم هـذه الواحـدات: الـصحراء والسهوب والحقول والبساتين والغابـات والمـستنقعات ..الخ، كذلك بعض المساحات التي تكون بموضع وسـيط بين المساحات الطبيعية والمطورة عمرانياً مثل المساحات العمرانية الخضراء. 

  ومهما تنوعت هذه الواحدات أو المناطق الطبيعية، فإنها تقوم بتعدد وظيفي يمكن إجماله ضمن أربعة عناوين أساسية هي: 

- مكان طبيعي يؤدي دوراً اجتماعياً مهماً فهو يمثل محيطاً مريحاً للاستجمام والراحة، تتقاطع فيه القيمة الجمالية مع الفائدة الوظيفية للأنسجة النباتية. 

- حيز ثقافي لدوره التربوي في إعادة اتصال السكان بطبيعتهم. 

ـــــــــــــــــــــــ
7 انظر صفحة 12 لتعريف الواحدات الطبيعية. 

- حيز اقتصادي يؤمن التوازن المستدام ينتج عنه منتجات ذات نوعية عالية فضلاً عن كونه حافزاً لتشجيع الاستثمار في المناطق المحيطة به. مثال على ذلك المدن الأميركية التي أصبحت تستثمر الفراغات العامة، فمدينة شيكاغو حققت خلال الخمس سنوات الماضية ارتفاعاً بنسبة الأرباح من %6 إلى % 47 بعد إنشاء حديقة في مركز المدينة يعتمد فيها الزراعات البيولوجية 8

- حماية البيئة والتنوع الحيوي؛ وذلك من خلال: 

· تنقية الهواء: من خلال أوراق الشجر التي تمتص العديد من الملوثات الغازية خاصة الأوزون، وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت. 

· جلب مياه الأمطار: إِذْ إن زيادة نسبة الأشجار تتناسب طردأ مع كمية الهطول المطري. 

· تأثير الغطاء النباتي في المناطق الحضرية في درجة الحرارة: حيث يعمل الغطاء النباتي على تبريد الجو بشكل مباشر عن طريق الظل، وبشكل غير مباشر من خلال عملية التبخر الناتجة عن الأوراق. 

· التخفيف من تلوث التربة وحماية مجاري المياه الجوفية: فالأشجار تمتص المعادن الثقيلة من التربة، وقد تبين أن الحطب والأوراق المتساقطة من الأشجار تحتوي على نسب من الرصاص والكادميوم أعلى من الأجزاء الحية من النبات. فضلاً عن دور الأشجار بامتصاص الآزوت من التربة فتحد بذلك من تلوث المياه الجوفية به. 

______________

8 Joel Thibert, Les villes américaines investissent dans l'espace public, Revue urbanité, 2011. 


الشكل (2) مستويات تنمية المنظر الطبيعي 

المصدر: الباحث 

  من هنا نجد أن هذا التعدد الوظيفي أصبح مكوناً يهتم بتفعيل قيم الاستدامة.  ومن ثم فهو أداة لتخطيط التنمية الإقليمية والمكانية المستدامة. وهذا يتطلب - في أغلب الأحيان - تشريعاً إقليمياً لحماية المصادر البيئية الخضراء أو الزرقاء، الحدائق الطبيعية... وتفعيلها بالصورة المثلى لتحقيق الهدف منها في المستويات المكانية الأدنى. كما هو مبين في الشكل الآتي الذي يظهر تسلسل مستويات المنظر الطبيعي وصولاً إلى المستوى التفصيلي الخاص (الفراغات والحدائق السكنية). واهتمام البحث بالمستويات الإقليمية والمدينية والعمرانية. 

   ومع ذلك يبقى التطرق إلى مفهوم المنظر الطبيعي في المجتمعات العربية جديداً، ولا يحظى بالاهتمام الكافي إلى الآن. وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك إبهام وخلط لغوي بين مفهوم المنظر الطبيعي والبيئة المقتصرة على البيئة الطبيعية فقط. فقد تطرق البحث إلى التعاريف التي تحدد مفهوم المنظر الطبيعي كمصطلح معاصر يحدد من الناحية الإدراكية التلقي البصري ولكنه في الوقت نفسه يرتبط بمجموعة من الإجراءات الطبيعية والاجتماعية الثقافية. إن التراث الثقافي يدخل ضمن هذا المفهوم إذاً. 

   وهذا يقتضي تفصيلاً أكثر دقة للمحددين اللذين يتألف منهما المنظر الطبيعي: فمن جهة تشكل المكونات كلّها الطبيعية والزراعية والجغرافية والأثرية المضمون المادي للمنظر. ومن جهة أخرى، يمثل المجال الإدراكي البصري البعد الجمالي والثقافي له. وهذا المتغير يعقد قراءة المنظر الطبيعي ويعطيه مقاربة غير مؤكدة. فالتفسيرات الخاصة قد تبعد التشخيص عن مسلماته المطلقة ويكسبه أحياناً مبررات غير مؤكدة. 

  فالمنظر الطبيعي يحمل في مفهومه بعداً ديناميكياً وبذلك تكون مكوناته من الأراضي قابلة للتبدل والتغيير مع التطور الإنساني. 

  وهذه الديناميكية تتنافى بدورها مع التعاطي البيئي الذي يفرض إجراءات الحماية المطلقة ونوعاً من السكون ضمن إطار من الخوف من التعدي والإخلال بالمنظومة البيئية الموجودة التي تتعرض بشكل مستمر إلى التدهور نتيجة لتفاعل الإنسان ونشاطه بما يتوافق مع احتياجاته. ويوضح الشكل رقم (3) هذا النشاط في محيط مدينة دمشق والتعديات الحاصلة على منطقة الغوطة بين مقطعين زمنيين 1980-2010 . ويظهر فيه تراجع الغطاء البيئي الأخضر مقابل الامتدادات العمرانية الكبيرة لمدينة دمشق ومحيطها. 

الشكل (3) ديناميكية المنظر الطبيعي لغوطة دمشق

المصدر: برنامج تحدیت الإدارة البلدیة Modernisation Administration Municipal–

    وكما هو موضح آنفاً، فإن الديناميكية العمرانية تُسِبب - في أغلب الأحيان- انعكاسات سلبية سريعة على المحيط الطبيعي بسبب تقدم التكنولوجيا، وبالمقابل فإن معالجتها تتطلب وقتاً طويلاً لإعادة التوازن المستقبلي المطلوب. 

   توجه هذه المخاطر إلى ضرورة وضع سياسات عامة واتفاقيات تعمل على حماية المنظر الطبيعي وتنظيمه وإدارته. وهنا تظهر أهمية الدراسات الإقليمية في تحديد المكونات الطبيعية وتنظيم الأراضي قبل الانتقال إلى التطوير المكاني على المستوى الأدنى. فالدراسات الإقليمية تُعنَى بالإجراء الرسمي بتحديد وبناء المناظر الطبيعية الجديدة بأسلوب ينسجم مع نشاط المجتمعات المحلية. وهو يهدف إلى اقتراح مشاريع خاصة للمناطق الأكثر تضرراً وتأثراً بالتبدلات والتغيرات العمرانية مثل المساحات الصناعية والسكنية (الضواحي)9.

 انطلاقاً من هذه التوجهات تؤكد الدراسات الإقليمية للمنظر الطبيعي محورين أساسيين هما: 

i. الحماية: كأداة قانونية

   إذ إن حماية المنظر الطبيعي بمكوناتها كلّها يتطلب إصدار تشريعات مناسبة ولعل الأهم منها هو آليات تطبيقها. وهذا يشمل مناطق المحميات الطبيعية التي تتعلق بشكل رئيسي بالأملاك العامة والخاصة، كذلك مناطق حرم المواقع الأثرية وتأهيل المقالع وغيرها. 

ــــــــــــــــــــــــــــ

9- Frédéric Husseini, Patrimoine et paysages, protection et réalités, Vivre et Habiter le paysage au Moyent Orient, Actes du colloque, Beyrouth-Liban, 29 et 30 novembre, 2005.

ii. المنظر الثقافي: 

  وهذه المكانة ضاعت في العديد من المناطق والأراضي. ويقع تصنيفها ضمن العديد من المتناقضات لتحديد المعطى الثقافي ضمن المنظر الطبيعي. يحدد الإرث الثقافي عادة بالنظر إلى الأثر نفسه. في حين يعرف مفهوم المنظر الثقافي في اتفاقية التراث العالمي: بالموقع الناتج عن تفاعل الإنسان بالطبيعة10. مما يؤكد علاقة  هذا المفهوم بالموقع نفسه وليس بالبناء فقط، وهذا ينفي الفصل بين الطبيعة والمعطى الثقافي. 

  وعليه تصنف المناظر الثقافية في ثلاثة مفاهيم بحسب: 

- المنظر المتطور ويقصد بالمنظر الذي يحتوي على الأوابد الأثرية التي تشهد عليها الحضارات الغابرة. 

- المنظر الحي ويقصد بالمنظر المتعايش هو ذو فاعلية اجتماعية تعكس التقاليد والعادات التي تمارسها المجتمعات المحلية. 

- المنظر التشاركي بين عدة مكونات للمنظر الطبيعي من ثقافية أو أثرية أو طبيعية. 

  ويجدر بالذكر أن هذه التصنيفات الثلاثة توجد في مكونات المنظر الثقافي في محافظة ريف دمشق، على الرغم من أن المنظر الطبيعي في سورية وبشكل عام، يتعرض إلى أشكال التدهور والتعديات كلّها نتيجة نقص الأراضي أحياناً وإلى افتقار التشريعات اللازمة أو عدم تطبيقها في الحين الآخر. 

3. مفهوم المنظر الطبيعي وعلاقته باستدامة الأقاليم والمدن

  تواجه سورية تحدياً عمرانياً مستمراً ناتجاً عن الزيادات السكانية، وتشهد محافظة ريف دمشق كغيرها من المحافظات، تطوراً عمرانياً بمعدل 1000 هكتار سنوياً خلال العشرين السنة الماضية. وهذا يؤثر بشكل مباشر في المكونات والإمكانات الطبيعية فيها إِذْ وصل معدل تراجع الغطاء الزراعي من 11 % إلى 30 %من الأراضي الصالحة للزراعة خلال المدة نفسها11. ضمن هذا الإطار، يطرح السؤال نفسه عن مفهوم المنظر الطبيعي في المدن السورية وأقاليمها في ظل هذه التحديات؟؟ إن إدخال هذه المفاهيم الجديدة يهدف حتماً إلى حماية الغنى الطبيعي الوطني. فهل ستنتظر هذه المفاهيم طويلاً لتدخل كأدوات تخطيطية لها أطر تنفيذية فاعلة؟ 

1-3 انعكاسات تطبيقات الأدوات التخطيطية الحالية على المنظر الطبيعي إن التأثير المكاني للسياسات العمرانية والتنظيمية وسياسات البناء تظهر واضحة جداً وعلى امتداد الأراضي السورية. إن كان ذلك على الجبال أو في الوديان، على السواحل أو في الداخل. ففي هذه الأراضي جميعها يظهر الانقطاع والتعديات، والامتداد والتوسعات، لاسيما المناطق القريبة من التجمعات السكانية الكبرى التي كانت تشكل فيما مضى مناطق ريفية. ولتناول هذه الإشكالية، كان من الضروري تقييم التجربة الإقليمية لريف دمشق وما تم التوصل إليه من دراسات للمنظر الطبيعي، ولدور السياسات العمرانية المقترحة في تجاوز المنتج العمراني الفوضوي الحالي على حساب المعطيات الطبيعية في المحافظة. وهذا أيضاً ينطبق على المنتج العمراني الحالي في المحافظات السورية كلّها نظراً إلى اعتمادها السياسات العمرانية نفسها. كما أنها تتشابه في بلدان مجاورة ولاسيما لبنان الذي سمي بمصطلح "الجمهورية البيتونية 12

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

10- World Heritage Cultural Landscapes, A handbook for Conservation and Management, Unesco, world heritqge papaers 26, Decembre 2009.

11- الدراسة الإقليمية لريف دمشق، تقريـر الزراعـي - المرحلـة الثانية، الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، دمشق،2011. 

12- Skaff, P., "La Republique du beton", Dar Al-Nahar, Beyrouth, 2002. 

 ويرجع سبب هذا التشابه والصورة المشوهة للمنتج العمراني غير المتوازن مع المنظر الطبيعي إلى عدة نقاط أهمها: 

- تزايد البناء في المناطق البعيدة مثل سفوح الجبال، وعلى المسيلات... 

- غياب الانسجام بين العمران المبني والمناطق الريفية والطبيعية، وهذا ناتج عن تطبيق خصائص موحدة وأنظمة متشابهة إن كان من حيث نسب الإشغال على الأرض أو في الارتفاعات. كما هو مبين في الشكل (4).


الشكل (4) التأثير البصري للتطورات السياحية في سفوح الهضاب 

المصدر: الباحث 

- غياب التنظيم المتكامل ومراقبة تنفيذ التوسعات العمرانية ولاسيما التجمعات الصغيرة والقرى. 

- اعتماد السلطات على الاستملاك في المشاريع الحيوية دون أن تكون هذه المشاريع مدروسة بالصورة الكافية من جوانبها كلّها. - التهديد المشكل من قبل المخططات التنظيمية على المناطق الريفية والمناطق المحيطة بها التي تمتلئ مباشرة بالسكن العشوائي. 

- خطر الاتصالات العمرانية بين المناطق المنظمة المتجاورة.

  فضلاً عن كثير من الأسباب الأخرى، ولكنها تندرج تحت بنود تفصيلية أكثر تتعلق بطبيعة المكان وخصوصيته. وهذا ما تبينه التجربة الإقليمية لريف دمشق، فضلاً عن وجود خطوط رئيسة تجمع سمات المنظر الطبيعي بغيره في العالم، بقدر ما تحمله هذه المحافظة من خصوصية مكانية توجب الرصد والتحليل وإظهار نقاط القوة فيها. 

2-3 حالة دراسية: محافظة ريف دمشق 

  تتميز محافظة ريف دمشق بتنوع مصادرها الطبيعية، ويمكن أن تصنف أراضيها بحسب العوامل الجيولوجية والهيدرولوجية والتضاريس والمناخ فضلاً عن التأثير البشري، في ثلاث مناطق رئيسية 13 ظن تحتوي كل منها على مجموعة من المكونات التفصيلية، كما هو موضح في الشكل رقم (5):

ـــــــــــــــــــــــــــــ

13- الدراسة الإقليمية لريـف دمـشق، تقريـر المنظـر الطبيعـي  –Landscape المرحلـة الثانيـة، الـشركة العامـة للدراسـات والاستشارات الفنية، دمشق، 2011. 

1- باتجاه الجنوب الغربي الغوطة : البساتين والحقول ومنطقة دمشق العمرانية. 

2- باتجاه الشمال الغربي: الجبال والهضاب مع الغابات والشجيرات والحقول والقمم الصخرية. ب

3- اتجاه الشرق البادية: السهوب والأراضي الجرداء والصخور.  


الشكل (5) توزع المصادر الطبيعية في محافظة ريف دمشق 

المصدر: الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية – مديرية تخطيط المدن والضواحي – دمشق 2011

1-2-3 الطبيعية المناظر وحدات Landscape units:

   يمكن أن تعرف بأنها الجملة الطبيعية المتجانسة التي تحدد مساحة واحدة بالاستناد إلى الاستعمالات الرئيسة للأراضي والتضاريس والوحدات الجيولوجية والتجمعات المائية14. ونظراً إلى تنوع طبيعة محافظة ريف دمشق فقد تم رصد الوحدات الطبيعية الآتية التي وصلت إلى 20 وحدة طبيعية وفق الشكل الآتي: 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

14- Jala Makhzoumi, Gloria Pungetti, Ecological Landscape, Design & Planning, The Mediterranean Context, E&FN Spon London and New York, 1999.

· الغوطة: وتضم (منطقة دمشق العمرانية، أراضي الغوطة، وادي الأعوج، فتحة القنيطرة). 

· الجبال والهضاب: وتشمل (سفوح الحرمون، الحرمون، بردى الأعلى، سلسلة جبال لبنان الشرقية /الجزء الجنوبي، سلسلة جبال لبنان الشرقية/الجزء الشمالي، هضبة النبك، القلمون الأعلى، سلسلة القلمون، سهل صيدنايا، جبل قاسيون، سلسلة الجبال التدمرية الجنوبية/الجزء الغربي، سهل الدو، سلسلة الجبال التدمرية الجنوبية/ الجزء الشرقي). 

· البادية: وتحتوي على (البادية الصخرية-حماد، البادية السهبية، البادية الجبلية). 


الشكل (6) وحدات المناظر الطبيعية 

المصدر: الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، الدراسة الإقليمية لريف دمشق، تقرير المنظر الطبيعي –Landscape المرحلة الثانية، دمشق، 2011 . 

   وفيما يلي بعض من ملامح الوحدات الطبيعية لكل من وادي بردى ومناطق الغابات والحراج فيها. ويظهر فيها غنى وتنوع المكونات الطبيعية من جبال وأودية وتقع ضمن الواحدتين 12و13 بحسب الشكل رقم (6) .



الشكل (7) بعض ملامح الوحدات الطبيعية 

المصدر: الباحث 

2-2-3 الأوابد والمواقع الأثرية: 

  شهد "الهلال الخصيب"، الممتد من بلاد الرافدين (العراق الحديث) إلى مصر متضمنة سـورية الحديثـة ولبنـان والأردن وفلسطين وتركيا الجنوبية وإيران الغربية مكان الولادة الأولى للنشاطات الرئيسة كلّها، مـن العـصور الحجرية الجديدة إلى العصور القديمة (الزراعة وتربيـة الحيوان والأعمال المعدنية والكتابـة والمـدن والـدول والإمبراطوريات). وتضم محافظة ريف دمشق العديد من الدلالات الأثرية، من بينها يمكن رصد المواقع الرئيـسة الآتية: 

العصر الحجري: الموقع الرئيسي هو تل أسود المكتشف في عام1967 وهو أحد أقدم المواقع التي تعطي شـاهداً عن الزراعة (الألفية التاسعة قبل المـيلاد) مـع بـذور القمح الأحمر والعدس والكمثرى والشعير وأكثر حداثـة (في سنوات الألفين) نُبِشَتْ جماجم جـصية تعـود لــ 8500 قبل الميلاد. 

العصور القديمـة مـا قبـل الإغريقيـة (الآشـوريون والبابليون والفرس..الخ): مثل جبل سـيس، ويظهـر الشكل الآتي بعضاً من هذه الأوابد. 

العصور الإغريقية والرومانيـة: المعابـد (الـضمير، والقبور). 

العصر البيزنطي/ المسيحي القديم: القنـوات والقبـور والقصور. 

التراث الإسلامي (من العصر الأموي وحتى العثماني): 

الجوامع (قطنا)، المـدارس، والحمامـات، والطـواحين (حرستا)، والأضـرحة (الـسيدة زينـب)، والخانـات (الدنون)، والأعمال المائية (قناة بسيمة). 

التراث المسيحي، الأديرة: إن منطقة القلمون هي إحدى أقدم المناطق المسيحية وإحدى آخر الأماكن التي لا تزال فيها اللغة الآرامية محكية، وهي تتضمن أديرة صـيدنايا (سيدتنا، ومار توما وشيروبيم) وتلك التي فـي معلـولا (مار تقلا ومار سركيس وباخوس)، وفي يبرود (كـارا ومار موسى الحبشي وقاسيون)، وفي البادية هناك أيضاً عدة أديرة. 


الشكل(8) التراث التاريخي: خان دنون 

المصدر: الباحث 

3-2-3 التراث العمراني الحديث: 

   يتألف التراث الحديث في ريف دمشق من أبنيـة عامـة ونسيج عمراني أكثر بساطة في المظهـر مـن الأوابـد الأثرية، ويقدم البيئة اليومية لكثير من النـاس وخاصـة ذوي الدخل المحدود منهم. ويمكن حصر أهـم منـاطق التراث الحديث في: 

قطنا: الجامع والكنيسة والحمام والطاحونة والبلدة القديمة. 

ببيلا: الجامع والمدينة القديمة. 

جيرود والريحانية: مدن قديمة. 

الضمير: المدينة القديمة حول المعبد الروماني. والهندسة المعمارية الطينية في النسيج العمراني القديم لكثير من القرى. 

4-2-3 القيم المشتركة والتراث غير الملموس: 

  لا تقتصر القيم التراثية على الأملاك الملموسة فقط ولكن أيضاً على العادات والاعتقـادات واللغـات والقـصص وفنون الأداء ... وهذه القيم غيـر الملموسـة تكتـسب اعترافاً دولياً ومحلياً متزايـداً. إذ أصـدرت اليونيـسكو مؤخراً اتفاقية من أجل حمايـة التـراث الثقـافي غيـر الملموس (2003)15  وتربطه بالأماكن والمناظر الطبيعية من خلال طرق مختلفة. فمنها ما يحمل قيماً غير ملموسة بشكل مباشر ويكون أكثر أهمية من القـيم التاريخيـة أو الفنية أحياناً، وهذه هي حالة المواقع الدينية فـي الـسيدة زينب وأديرة القلمون التي تعد أمـاكن للحـج والحـوار الديني. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

15- اتفاقية اليونيسكو لحماية التراث الثقافي غير الملموس 

http://portal.unesco.org/en/ev.phpURL_ID=17716&URL_DO=DO_TOPIC&URL_SECTIO N=201.html, 
http://unesdoc.unesco.org/images/0013/001325/132540e.pdf, http://unesdoc.unesco.org/images/0013/001325/132540a.pdf 



الشكل (9) التراث المعاش في جبعدين (شمال) وقطنا (يمين) 

المصدر: الباحث 

   في حين لا ترتبط القيم غير الملموسة الأخرى بشكل مباشر بالأماكن ولكن باتصالها بالبيئة التقليدية للناس الذين يحملون تلك القيم التي قد تسهم بحماية هذا التراث غير الملموس. وكمثال على ذلك تعد اللغات جزءاً من التراث غير الملموس، وإن التنوع اللغوي مهدد حالياً في أنحاء العالم كلّه بإنقاص عدد المتحدثين في كثير من اللغات؛ مما يؤدي إلى انقراضها مع مرور الزمن. وبين اللغات المميزة، اللغة الآرامية واللغة الحديثة التي يطلق عليها اللغة الآرامية الحديثة الغربية، وهي قريبة للغة القديمة المحكية في الهلال الخصيب كلّه (من الإمبراطوريات الآشورية والبابلية إلى المسيح والعهد القديم اليهودي والتلمود)، والآن وبوجود فقط 8000 نسمة في القلمون (معلولا وجبعدين)16، فإن الحفاظ على بيئة هذه القرى قد لا يكون كافياً لإيقاف انقراض اللغة ولكنه قد يساعد. وفيما يتعلق بالقيم غير الملموسة فإن الحفاظ على بعض السمات الأساسية للمناظر الطبيعية أيضاً حيوي للهوية الوطنية والإقليمية (المنظر الطبيعي للغوطة والجبال والبادية...)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

16- المكتب المركزي للإحصاء، تعداد 2004 وإسقاطات 2011. 

4. التشخيص والتقييم: 

  من خلال الوصف السابق للمناظر الطبيعية والمناطق الطبيعية والتراثية كان لابد من تقييم هذا المكون في المحافظة عن طريق تطوير نقاط القوة والضعف (SWOT). 

   نقاط القوة وتمثل خلاصة القيم الرئيسة للمناظر الطبيعية والأماكن والمناطق التراثية والاتجاهات والأعمال المتخذة بشأنها. 

   نقاط الضعف وتعني خلاصة التأثيرات السلبية وأيضاً الاتجاهات المتخذة بشأنها. 

التهديدات وتحدد تقييم التطورات السلبية المحتملة. 

  الفرص وهي تقييم التطورات الإيجابية المحتملة أو الحلول للاتجاهات السلبية.

  إن هذا التشخيص يسمح بإظهار أهمية مفهوم المنظر الطبيعي وضرورة اتخاذ الإجراءات السريعة والطارئة لإحيائه، كما يسلط الضوء على الإمكانات التي تكون أساساً للتوجهات والمقترحات. 

1-4 نقاط القوة: 

  تتلخص أهم نقاط القوة للمناظر الطبيعية ونظم المساحات المفتوحة التي من شأنها أن تجعل المكون الطبيعي أكثر مرونة لأي تهديد بما يأتي: 

- التنوع الواسع للمناظر الطبيعية العالية الجودة (الغابات الجبلية والجروف الصخرية والصخور والوديان والتلال البركانية والسهوب والغوطة) 

- التنوع الواسع في الأنظمة البيئية (نظم الجبال ونظم السهول ونظم البادية) 

- أماكن مفتوحة كبيرة محمية حماية جيدة (في المناطق الجبلية وفي البادية) 

- جودة عالية لتراثٍ مبني (الأوابد والأبنية والمدن القديمة). 

  فضلاً عن ذلك، فإن مرونة المناظر الطبيعية تتعلق بالبراعة والإدارة المستمرة للنماذج الثقافية التي تمثل الإشغال البشري للأراضي: 

- زراعة ديناميكية جداً (من أشجار وخضار وحبوب وتربية حيوان...) وإدارة كبيرة للمساحات المفتوحة.

- ثقافة الحدائق والمساحات المفتوحة العريقة والمتأصلة في أذهان الناس والمعبر عنها في واحة الغوطة في الأفنية والحدائق الخاصة... وتظهر صور الفسيفساء لبردى في جامع بني أمية الشكل (10)، كم هو قديم تقييم المياه والأشجار في غوطة دمشق. 



الشكل (10) صورة واحة الغوطة في الجامع الأموي

المصدر: الدراسة الإقليمية لريف دمشق، تقرير المنظر الطبيعي Landscape – المرحلة الثانية، الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، دمشق، 2011 . 

2-4 نقاط الضعف: 

  تتلخص أهم نقاط الضعف بـتأثر المكونـات الطبيعيـة بعوامل متعددة تلخصت بما يأتي: 

- التغير المناخي وقلة المياه وقد أدى ذلك إلى التأثير فـي الزراعة، والرعي الجائر للمراعي والتصحر الناتج. 

- التطور العمراني غير المسيطر عليه مع التأثير في المناطق الطبيعية. 

- مشاريع التنمية السياحية وانتشارها غير المـنظم مـع تأثير بصري قوي (فنادق متعددة الطوابق في الجبـال أو في الأماكن الطبيعية والمفتوحة الأخرى).

- ضياع التراث التاريخي المبني بـسبب الإهمـال وعـدم الوعي بقيم هذا المكون. 

- انتشار المقالع وعدم تنظيمها. 

- التخلص من النفايات الصلبة بشكل فوضـوي وبـشكل رئيسي القمامة والأنقاض. 

- عدم وجود مساحات خضراء من حدائق ومساحات عامة ذات نوعية عالية وعلى الأخص في التوسعات العمرانية الحديثة. 

- عدم وجود منشآت رياضية وترفيهية كافية. 

  فضلاً عن ذلك المشكلات الأخرى الأقل مشاهدة ولكـن التي لها تأثير مباشر في نوعية الأنظمـة البيئيـة ومـن المحتمل أن تؤدي إلى تأثيرات سلبية لاحقة في المنـاظر الطبيعية، وهي: 

- تلوث المياه السطحية (الوديان) والمياه الجوفيـة مـن تلوث كيماوي بالنترات الناتج عن مياه المخلفات المنزلية والأسمدة الزراعية والتلوث البيولوجي بالجراثيم بـسبب طمر القمامة، وتلوث التربة بالمعادن الثقيلة مـن ميـاه المخلفات الصناعية والمنزلية. 

- فقدان التنوع الحيوي من خلال فقدان المكونات الطبيعية والافتقار للتنوع الحيوي في المناطق المتبقية، وعلى وجه الخصوص في المساحات الزراعية.

3-4 التهديدات:

   وهي تتعلق بمدى استمرار التأثر بعوامـل تـؤدي إلـى المزيد من التوجهات السلبية بسبب عدم الـسيطرة علـى المناطق الطبيعية المتبقية، وعلى امتدادها، ومنها: 

- قطع الممرات الحيويـة الحاليـة (الوديـان الخـضراء والمسيلات الطبيعية) بسبب تطـوير البنيـة التحتيـة أو العمرانية. 

- فصل المساحات الطبيعية والزراعية بالامتداد العمرانـي المنظم وغير المنظم (وعلـى وجـه الخـصوص فـي الغوطة). 

- تأثيرات بصرية للواجهات العمرانية في المناظر الطبيعية والزراعية ذات الأهمية. 

- قلة الموارد المائية: موارد مياه الشرب محـافظ عليهـا بشكل جيد (الفيجة وبردى الأعلى)، وتبقى مصادر ميـاه الري مهددة بشكل كبير لعـدم كفايتهـا، وعلـى وجـه الخصوص في الغوطة بسبب تغـور مـستويات الميـاه الجوفية والملوحة. 

- التخلص من النفاية الصلبة: إِذْ إن الاسـتطاعة الحاليـة للمطامر غير الكافية والتخفيف من التأثير البيئي مطلوب لمواقع الطمر الرسمية الموجودة، كذلك الحد من مواقـع طمر القمامة غير القانونية. 

- التلوث الصناعي (الهواء والتربة والماء) والتحكم غيـر الكافي لمعالجته. 

- استغلال المقالع دون وجود سيطرة كاملة عليها والغياب الكامل للترميم البيئي بعد الإغلاق.

   فضلاً عن عدم كفاية السياسات العامة التي لا تؤدي إلى ضعف السيطرة على التأثيرات السلبية السابقة فحـسب، وإنما أيضاً إلى انعدام وجود تدابير وقائية منها: 

· عدم وجود برنامج إعادة تحريج طموح. 

· عدم وجود دعم عام من أجل الزراعة. 

· عدم وجود وعي للتراث الثقافي القديم والحديث. 


 4-4 الفرص:

  بالنظر إلى نقاط التقييم السابقة، هناك عدة عوامل إيجابية إذا ما فُعلَتْ بالشكل المناسب وبسرعة قد تحمـل أمـلاً بالتحسين منها: 

الضغط السكاني الموزع بشكل غير متوازن: 

  تعد دمشق عاصمة متوسطة الحجم إذا ما قورنت بالعواصم الأخرى في بيئات مماثلة مثل القاهرة أو بغداد التي يراوح عـدد السكان فيها من 4 إلى 6 مرات عن دمشق. وعلى الرغم من التركز الشديد حول الأراضي الزراعية الغنية فيهـا يزيد من إمكانية أن يختفي الجزء المتبقي مـن الغوطـة تحت التجاوزات العمرانية، إلا أنَّه يسمح في الوقت نفسه بالمحافظة على الجزء الآخر من ريف دمشق وحمايتـه بأسرع وقت، وخاصة في الأجزاء المأهولـة الأبعـد. إِذْ تسمح المخططات التنظيمية المحلية إذا ما فُعلَتْ بالطريقة الصحيحة، بالحد من الانتشار (الامتداد) غيـر المـنظم والمحافظة على المساحات الطبيعية والزراعية المتبقية. 

الهيكليات العامة: 

  إن وجود الهيكليات والشبكة الإدارية اللازمـة للتغطيـة الإقليمية والقطاعية، يساعد على ضمان تنفيذ الـسياسات المقترحة. فعلى سبيل المثال إذا قُررت سياسة طموحـة لإعادة التحريج فـإن لـدى وزارة الزراعـة الخبـرات اللازمة والأطر اللازمة لتشرف علـى هـذه المـشاريع الحراجية. 

هندسة البيئة:

  تحظى البيئة حالياً باهتمام واسع. وتشارك المدن السورية الهموم العالمية في مواجهة المشكلات البيئيـة وزيـادة التوعية والجهد العالمي في التوجيـه نحـو الاسـتدامة البيئية، واعتماد الطاقات المتجددة وتنقية الميـاه ..الـخ. وتقوم محافظة ريف دمشق على سبيل المثـال بدراسـة متكاملة لشبكة محطات معالجة مياه الـصرف الـصحي الصغيرة أو المتوسطة الحجم، وهذه المنـشآت الجديـدة تعطي ماء بالدرجة الأولى قابلاً للاسـتعمال للزراعـي، وبهذا يتم إنقاص التلوث والضغط على الموارد المائيـة في الوقت نفسه. هذه الخطوات المتواضعة تفتح المجـال بشكل سريع لسياسات بيئيـة متكاملـة واختـصاصات مستقبلية متنوعة في هذا المجال. 

5. التوجهات والتوصيات الرئيسة: 

  استناداً إلى التقييم السابق يمكن تأكيد بعـض التوجهـات والتوصيات الأساسية التي توصلت إليها الدراسة الإقليمية والتي من المفترض تنفيذها من خـلال أدوات المخطـط الإقليمي، أو ضمن سياسات الحمايـات الوطنيـة علـى المستوى الأعلى. وهذا يعد جزءاً من الخطط التطويريـة لمفهوم المنظر الطبيعي وإدخاله في الأطـر التخطيطيـة والتنظيمية وإدارة الأراضي. كما أنه يعد مدخلاً لسياسات الاستدامة التي سيكون لها منعكس مباشر على المستويات التخطيطية الأدنى. 

  تشمل التوجهات والتوصيات الرئيسة المجالات الآتية: 

- حماية المناطق الطبيعية ومحيطها 

- حماية أماكن الإطلالات - حماية القمم الجبلية 

- حماية مصادر المياه 

- حماية التراث التاريخي والحديث. 

1-5 حماية المناطق الطبيعية: 

  يمكن تصنيف مناطق المحميات إلى عـدة مجموعـات؛ وذلك بحسب تصنيف الاتحـاد الـدولي للحفـاظ علـى الطبيعة17. وقد عرف الاتحاد الدولي المنطقـة المحميـة  بأنَّها "منطقة من الأرض و/أو البحر مخصصة لحمايـة التنوع الحيوي والموارد الطبيعية والثقافية المرتبطة بهـا  وصيانتها وإدارتها من خلال وسائل قانونيـة أو فعالـة أخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

17 هذا التعريف أُعطِي بالتفصيل في التوجيهات بحسب فئـات إدارة المناطق المحمية المنشور من قبل الاتحاد الـدولي للحفـاظ علـى الطبيعة في عام1994 . 

 يعطي هذا التصنيف نقطة الانطـلاق لتطبيـق مفهوم المنظر الطبيعي والتسلسل الإجرائـي للـسياسات المقترحة له. ويوضح الشكل رقـم (11) إسـقاط هـذا التصنيف مكانياً على المكونات الطبيعية فـي محافظـة ريف دمشق والمبررات الرئيسة لإدارتها. 



الشكل (11) الأمثلة المحتملة لتطبيقات تصنيف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في ريف دمشق 

المصدر: الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، الدراسة الإقليمية لريف دمشق، تقرير المنظر الطبيعي Landscape – المرحلة الثانية، دمشق، 2011 . 

  يؤكد هذا التوزع الأولي للمنـاطق الطبيعيـة التنـوع الطبيعي الكبير في المحافظة . ويبقى موضوع حمايـة هذه المواقع وإدارتها أساسياً نظراً إلى أهميتها وخاصة المناطق المحمية منها التي مـن المفتـرض أن يعطيهـا الوضع القانوني القدرة على منع الأضرار الفورية عليها، ولكنه ليس كافياً لمنع التجـاوزات غيـر المقـصودة أو البطيئة مثل الحريق والتآكل والتلـوث وفقـدان التنـوع الحيوي. وتحتاج معظم المواقع الطبيعية إلـى أن تُـدار، وخاصة تلك التي تختلط مـع المواقـع العمرانيـة ذات النشاط الإنساني الفعال. إِذْ إن تفاعل الناس مع الطبيعـة يحتاج إلـى حمايـة18 وتـدخل ضـمن الإدارة الأدوات التنظيمية وإجراءات عملية وتوجيهات وبنـاء القـدرات المحلية ورفع الوعي..الخ. 

2-5 الإطلالات على المناظر الطبيعية: 

 تحتاج بعض المناظر والأوابد الطبيعية إلى حماية لـيس فقط من التعديات أو التأثير المباشر فيها ولكن أيضاً مـن الإضعافات البصرية التي يمكن رصدها ورؤيتهـا مـن مسافات بعيدة. وقد حددت هذه الإطلالات بنقاط الرؤيـة 18 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
18- هناك معلومات وثيقة الصلة بذلك أكثر على موقع الإدارة يمكـن أن توجد في تخطيط الإدارة من أجل خواص تراث عالمي طبيعي: وهو كتاب مرجعي للممارسين الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (غلاند، سويـسرا) 2008 ومتوافر على الرابط 
http://cmsdata.iucn.org/downloads/whmanagement.pdf 
  وهذا الكتاب يقدم إطار عمل من أجل تخطيط الإدارة من أجـل التـراث الطبيعي: ملخّص للمبادئ المرشدة ونظرة عامـة عـن المراحـل الرئيسة في إعداد خطة الإدارة والتوصيات عن محتـوى الخطـة ذاتها، ومن أجل المناظر الطبيعية الثقافية (ولـيس فقـط التـراث العالمي) انظر أيضاً المناظر الطبيعية الثقافية للتراث العالمي وكتاب الجيب من أجل المحافظة والإدارة، مركز التـراث العـالمي فـي اليونسكو (بــاريس) 2009 وهو متوافر على الـرابط 
http://whc.unesco.org/en/series/26

 من منطقة واحدة، ويطلق عليها عادة بالإطلالـة الظليـة (منطقة الرؤية من نقطة واحدة لنقطة ما أو خط مـا أو منطقة ما)19

  ويشمل هذا التعريف -على وجه الخصوص- الـسلاسل الجبلية والتـضاريس العاليـة مـن مرتفعـات المكللـة بالجروف الصخرية وخاصة في منطقة القلمون، وكـذلك المنحدرات الشديدة الميول والتلال المعزولة في الأراضي المنبسطة. 

3-5 المناطق الجبلية ذات الارتفاعات العالية: 

  إن المناطق الجبلية ذات الارتفاعات العالية هي المـوارد الرئيسة لتزويد المياه وضمان التنوع الحيوي. وتدخل في مفهوم المنظر الطبيعي بوصـفه مكونـاً رئيـساً يمكـن مشاهدته من مسافة بعيدة جداً مـشكلاً هويـة المنظـر الطبيعي. ومن الضروري أن تتم حماية هـذا المكـون بشكل كامل ليس فقط بالمناطق التي يقع فيها وإنما أيضاً على مسافات كافية حوله لضمان المحافظة عليه مـن أي تطوير مستقبلي. وهذا الإجراء أُخِذَ به في لبنـان حيـث حدد المخطط العام لأراضي لبنان حرمـاً يـصل إلـى 1500م للمناطق الجبلية المحددة، محظراً عليها أي بنـاء أو تطوير20 

4-5 مصادر المياه: 

  تعد مصادر المياه مناطق محمية بشكل صـارم، وفـي محافظة ريف دمشق يشكل القسم الأكبر منهـا منطقـة تجميع مياه عين الفيجة. إن حماية هذا المورد تنتج عنـه حماية للمناظر الطبيعية والأماكن الطبيعية التي تتعلق به، 

   ويجب أن يبقى صارماً ومؤكداً وربما مع تكييفات ثانوية جداً لتسهيل حياة المجتمعات الموجودة ضمنه، شـرط أن لا ترى المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي أي خطرٍ على جودة المياه نتيجة لذلك. 

5-5 التراث التاريخي: 

  تقتصر حمايات التراث في سورية على التراث الأثـري والأوابد التاريخية. وتـشمل أبنيـة معماريـة وبعـض المجموعات العمرانية والإنشاءات التاريخية المهمة (مثل الجسور والمدن الميتة ..الخ). تظهر إمكانـات محافظـة ريف دمشق ضرورة لحماية أوسع وأعمق للمزيـد مـن الأوابد التاريخية والمواقع الأثرية تحت التشريع الموجود حالياً. ويتطلب ذلك رصداً دقيقاً للمواقع الأثرية وهذا مـا تم عمله فعلاً من قبل الاختصاصيين المعنيين في الدراسة الإقليمية لريف دمشق التي استندت إلى خمسة مستويات في تصنيف المواقع الأثرية21، ومن ثم اقتراح طرائـق لحمايتها تتناسب وهذا التصنيف. 

  ويبقى موضوع المناطق المحيطـة بـالمواقع والأوابـد المحمية التي تظل غير محمية بحد ذاته عالقاً، ويتطلـب إجراءات حماية تؤسس من خلال خطط محلية. فـضلاً عن وجود مواقع لتجمعات عمرانية حية تتميز بثقافـات وعادات مميزة يجب أن تُدرس أيضاً لوضـع مـستوى لخطط محلية أكثر ملاءمة لها. (مثل مجموعـة القـرى الزراعية في وادي بردى). 

6- النقاط الختامية: 

  يحقّق تطبيق التوجهات والتوصيات السابقة على المستوى الإقليمي محتوى طبيعياً محمياً يمثل للتجمعات العمرانية وخاصة المدن الكبرى منها طريقاً لتطبيق سياسيات التنمية والتطوير المستدام. 

_______________

21 الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، الدراسة الإقليمية لريف دمشق، تقرير الأثار– المرحلة الثانية، دمشق، 2011. 

 وتظهر دراسة المنظر الطبيعي لمحافظة ريف دمشق الفائدة الكبيرة في ضرورة استكمال هذا النوع من الدراسات على كامل القطر. وتبين التوجهات التي تم التوصل إليها أهميتها الخاصة ليس على المستوى الإقليمي فحسب، من حماية وحفاظ وتنمية للمكونات الطبيعية والثقافية. وإنما على المستوى المحلي أيضاً حيث واقع المدن السورية إِذْ يبقى التحدي الأكبر فيها، هو الازدياد في سرعة تغير المنظر الطبيعي في مناطقها بسبب التطورات العمرانية التي تؤلف مع الوقت إطاراً بيتونياً مسيطراً يهدد بدوره مع الوقت، الأراضي المحيطة الأبعد. ومن ثم تضيع الفرصة أمام الأجيال القادمة لأي كلام عن منظر طبيعي بمفهومه الواسع. 


الشكل (12) الأطر البيتيونية في محيط دمشق 

المصدر الباحث

  يتطلب هذا التحدي العمل بسرعة وفي اتجاهين:

- الأول يعتمد على الحماية والحفاظ على المستويات الإقليمية للمحتوى الطبيعي مع تحديد صارم لحرماته. 

- الثاني يتطرق لتطبيق التنمية المحلية المطلوبة، وهذا الأخير يتطلب دراسة معمقة ونقاشات موسعة تسهل التوصل إلى إجراءات أساسية تعتمد بدورها على محورين رئيسين، الأول اجتماعي ويستند إلى تطوير التواصل بين المواطنين والسلطات في حسن إدارة أراضيهم، وتوعية الطبقات الاجتماعية المختلفة وتعريفهم بالمفاهيم الجديدة وإظهار جدية حاجة الناس لها. والآخر سياسي قانوني يتناول تطوير السياسات العمرانية وخاصة إدخال دراسات الأثر البيئي بشكل إجباري إلى المشاريع العمرانية. 

   إن التصنيف النموذجي الذي اتُّبِع لوحدات المنظر الطبيعي على المستوى الإقليمي والسياسات المقترحة له من حفاظ وترميم وإحياء، له الأثر الأكبر في التطبيقات المحلية لما يحمله من دلالات ايكولوجية بيئية، وتنموية تنعكس بشكل رئيسي على الناحية السياحية، وجمالية تتعلق بنوعية الحياة والثقافة والهوية المكانية. 

  وللتوصل إلى هذا الانتقال المنهجي، يتطلب ذلك خطوات طويلة ومعقدة ترتكز على تحديد المجالات القادرة على تغيير الممارسات الخاطئة والمترسخة في العقليات والعادات، وإنشاء اختصاصات ومهن مدينية جديدة (Landscape Architecte) 22 ، تهتم بعمران المنظر الطبيعي. وهنا فقط يدخل الحديث عن الاستدامة والأجيال المستقبلية التي من الواجب التفكير بها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
22- Jala Makhzoumi, Gloria Pungetti, Ecological Landscape, Design & Planning, The Mediterranean Context, E&FN Spon London and New York, 1999. 


المراجع : 

1. الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، IFLA منشورات  عام 1994.

2. الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنيـة، الدراسة الإقليمية لمحافظة ريف دمشق، تقارير الدراسات الاختـصاصية – المرحلـة الثانيـة، دمشق، 2011 . 

3. المكتـب المركـزي للإحـصاء، تعـداد 2004 وإسقاطات 2010 ،دمشق، 2010 . 

4. جالا المخزوني، "المناظر الطبيعية في الـشرق الأوسط: استفسار"، بحث عن المناظر الطبيعية، الجامعة الأمريكية، بيروت، المجلد27 . 

5. توجيهات عملية من أجل تنفيذ اتفاقيـة التـراث العالمي، 2000 ،الفقرة47.

6. Eric Verdeil, Ghaleb Faour et Sebastien Velut, Atlas du Liban, Territoires et Sociétés, Beurouth, Liban 2007. 

7. Ghalia Chahine,Pour une approche globale de l'agriculture périurbaine, Urbanité, printemps, 2011. 

8. Frédéric Husseini, Patrimoine et paysages, protection et réalités, Vivre et Habiter le paysage au Moyent Orient, Actes du colloque, Beyrouth-Liban, 29 et 30 novembre, 2005. 

10. Jala Makhzoumi, Gloria Pungetti, Ecological Landscape, Design & Planning, The Mediterranean Context, E&FN Spon London and New York, 1999. 

11. Joel Thibert, Les villes américaines investissent dans l'espace public, Revue urbanité, 2011. 

12. Philippe Poullaouec-Gonidec, Vivre et Habiter le Paysage au Moyen Orient, Actes de Colloque Beyrouth 29 et 30 novembre, 2005. 

13. Skaff, P., "La Republique du beton", Dar AlNahar, Beyrouth, 2002. 

14. World Heritage Cultural Landscapes, A handbook for Conservation and Management, Unesco, world heritqge papaers 26, Decembre 2009. 

15.http://portal.unesco.org/en/ev.phpURL_ID=17716&URL_DO=DO_TOPIC&U RL_SECTION=201.html, 

16-http://unesdoc.unesco.org/images/0013/00132 5/132540e.pdf, 

17.http://unesdoc.unesco.org/images/0013/00132 5/132540a.pdf 

18. http://whc.unesco.org/en/activities/477 

19.http://whc.unesco.org/archive/opguide05- arb.pdf 

20.http://whc.unesco.org/archive/opguide08- en.pdf, 

21.http://cmsdata.iucn.org/downloads/whmanage ment.pdf 

22. http://whc.unesco.org/en/series/26 1


للقراءة والتحميل اضغط    هنا  أو   هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا