التسميات

الأحد، 15 ديسمبر 2019

التحولات المجالية وتأثيرها على الموارد الفلاحية – حالة إقليم مديونة



التحولات المجالية وتأثيرها على الموارد الفلاحية – حالة إقليم مديونة

ملخص:
يتعرض إقليم مديونة -لقربه من العاصمة الاقتصادية-لجملة من التحولات السريعة والعميقة تتجسد في توطين مكثف لمشاريع البناء، وفي تدفق الأنشطة الاقتصادية خاصة المؤسسات الصناعية،قد نتج عن ذلك نقصان في مساحة الأراضي الفلاحية و ارتفاع عدد البقع الأرضية المستغلة للإسكان و كذا التجهيزات المختلفة و تحول عدد كبير من الفلاحين المتواجدين بالإقليم إلى اقتصادية الريع و المضاربة الشيء الذي أدى إلى تجميد النشاط الفلاحي بهذه الأراضي و بالتالي تراجع النسبي للشغل ضمن هذا النشاط.
على الرغم من تقلص نسبة الأراضي القابلة للاستغلال الزراعي يلجأ بعض الفلاحين إلى تكثيف إنتاجهم لمواجهة ضغط التمدين وذلك بتنويع الأنشطة قصد الحصول على موارد مكملة لمواردهم الزراعية، كما أن قرب المجال من مدينة الدار البيضاء و ما تمثله من سوق استهلاكية مهمة تدفع العديد من الفلاحين و المضاربين إلى البحث عن أنشطة تسويقية.
عموما يمكننا القول أن المجال الفلاحي بإقليم مديونة بصفة خاصة و الشاوية بصفة عامة،يشهد تقلصا تدريجيا و أن المساحات الزراعية المنبثقة مآلها الانقراض تحت وطأة الزحف الحضري.

                                                                                                                  
اولا-السياق العام:     
أ‌-       أهمية الموضوع
تلعب المجالات المحيطة بالمدن دورا حيويا في نمو وتوسع هذه الأخيرة، لما تتوفر عليه من احتياط عقاري قابل للتعبئة من أجل الاستجابة لمتطلبات المدينة، كما أنها تتأثر بكل ما يحدث داخل المدار الحضري الشيء الذي جعلها تعرف تحولات اقتصادية و مجاليه سريعة و مركبة.
وقد شكلت التحولات التي تعرفها الضواحي المجاورة للمدن الكبرى وخاصة مدينة الدار البيضاء أهمية بالغة، وقفت عندها العديد من الدراسات و الأبحاث التي اهتمت بدراسة التطور العمراني و أشكال التوسع ومن أبرز هذه الدراسات نجذ أطروحة:
·       محمد المدافعي  الذي تناول موضوع التحولات المجاليه و دور المؤسسات في تدبير المجال بضاحية البيضاء.
·       سعيد ايت حمو الذي درس تراتب المجال حول الدار البيضاء و انعكاسات تمدين احواز على الفلاحة.
وقد خلصت هذه الدراسات إلى أن مدينة البيضاء تنمو و تتوسع على حساب البوادي المجاورة لها، مما جعلها تفقد جزءا مهما من مجالها الخلفي الذي ظلت تعتمد عليه حتى عهد قريب لتزويد ساكنتها بما تحتاج إليه من مواد فلاحية، كما أتثبت أن هذه المجالات تتأثر بكل ما يحدث داخل المدينة الشيء الذي يؤثر على القطاع الفلاحي.
  ب-الموقع وعلاقته بالمحيط العام
  ينتمي إقليم مديونة إلى منطقة ذات إمكانيات فلاحية مهمة، يمتد على مساحة تقدر بـ 23350 هكتار يحده شمالا الدار البيضاء وجنوبا النواصر وإقليم برشيد وغربا بوسكورة شرقا المحمدية(الخريطة1).
يشهد الإقليم تنوعا واضحا في المنتجات الفلاحية، ونجد على رأسها إنتاج الحبوب و الخضراوات غير أن العوامل الطبيعية وخاصة الموارد المائية ساهمت في الحد من انتشار الزراعات التسويقية، وذلك بسبب ارتفاع ملوحة المياه الباطنية، غير أن تراجع مساحات الأراضي الزراعية لا يرتبط فقط بالمؤهلات الطبيعية بل يرتبط الإكراهات العقارية، إذ أن الأراضي الفلاحية قي المنطقة تخضع لأنظمة عقارية متنوعة لكن يبقى الملك الخاص، والذي لا يشكل عرقلة في وجه التعمير هو النظام الأكثر انتشارا بالمجال،كما تعرف المنطقة سيادة للملكيات الصغرى التي تتعرض بشكل مستمر لعملية لتجزئ الشيء الذي يجعله غير قادر على الصمود أمام زحف التعمير.
ثانيا- الإشكالية:
أ‌-       تحديد المفاهيم الأساسية:
ترتكز هذه المقالة على المفاهيم التالية:
ü    التحولات المجالية :نقصد بها كل التغيرات التي طرأت بإقليم مديونة سواء على مستوى المنظر الطبيعي أو البنى الاقتصادية و الاجتماعية والعمرانية.
ü     الموارد الطبيعية: المعطيات الطبيعية التي يمكن للإنسان أن يحولها إلى إنتاج زراعي وتشمل الأراضي الزراعية، التربة، المناخ، الغطاء النباتي كما تضم الموارد البشرية التي زراعي و تشمل الإنسان لأنه العنصر الرئيسي في التحول الذي يمكن أن يحدث في مجال ما.
ü    التمدين: كل ما يتعلق بالتقدم المجالي للسكن و المؤسسات الصناعية و تجهيزات و مرافق متنوعة.   

أ‌-       سؤال الاشكالية:
يعالج هذا المقال إشكالية تأثير الزحف العمراني على الموارد الفلاحية،إذ يحاول الإجابة على السؤالين التاليين:
ü    ما هي مظاهر تأثير التمدين على الفلاحة؟
ü    ما هي ابرز التحولات التي يشهدها المجال؟
ثالثا:الأهداف
أ‌-       الجوانب التي سيهتم بها موضوع المقال:
يهدف هذا المقال إلى دراسة التحولات المجالية و الاقتصادية التي يعرفها اقليم مديونة وذلك من خلال إبراز مختلف أنماط التوسع الحضري، وتحديد الميكانزمات التي ساهمت في هذا التوسع، وكذا مختلف أشكال استهلاك الأراضي الفلاحية، وفي الأخير الكشف عن الآثار السلبية لهذا التوسع.
    ب -فرضية البحث:   
·       يؤدي تداخل التمدين و الفلاحة إلى حدوث عدة تحولات منها تقلص واضح للأرضي الزراعية من جراء انتشار المباني.
·       يؤدي ارتفاع قيمة العقار إلى تجزئته من طرف ملاكه و إلى استعماله لإغراض غير فلاحية.
·       تلجأ معظم الحيازات أمام زحف التمدين إلى تكثيف إنتاجها الفلاحي بغية تحقيق مرد ودية مساعدة على الصمود أمام زحف التمدين
رابعا -وسائل و ادوات البحث
العمل البيبليوغرافي: تم الإطلاع على مجموعة من الاطروحات الجامعية و المقالات على الرغم من أن معظمها لا يصب إلا بشكل محدود في الموضوع
العمل الميداني: لإبراز أهمية التحولات التي يشهدها إقليم مديونة تم القيام باستمارة شملت 5% من اسر كل دوار بجماعة الإقليم وتم تحديدها بشكل عشوائي.

ولوقوف على أهمية التمدين التنظيمي و كذا وسائل ضبط وتنظيم البناء قمنا بتفريغ ما مجموعه 2220 ترخيصا للبناء عبر الجماعات و البلديات المشكلة للإقليم، وقد أتاح لنا هذا الجرد مقاربة وثيرة تطور نشاط البناء و كذا استخلاص أنواع المباني المرخص لها و في الأخير استخلاص الاتجاه العام لتحولات الوظيفية المصاحبة لحركة التمدين.                       
 خريطة رقم(1)                
 
1-التحولات المجالية التي يشهدها إقليم مديونة
1-1السكن القانوني:
يعرف  اقليم مديونة تحولا وظيفيا متجلي في توطيد الوظيفية السكنية، فمن خلال ملاحظة بنية مشاريع البناء المرخص بإنجازها على صعيد الإقليم يتضح لنا طغيان المسكن التي تشكل أكثر من 71 ٪ من البنايات المسموح بتشييدها( أنظر الخريطة2) ، أما باقي المشاريع الأخرى المصرح بطبيعتها فلا تمثل سوى 29 ٪ ،وتأتي المباني التي تخدم الأغراض الفلاحية الصرفة في المرتبة الثانية إذ تشكل حوالي 13 ٪ من مجموع مشاريع البناء، مما يجعل الوظيفة الفلاحية تحظى بمكانة ملموسة ،خصوصا إذا علمنا أن مشاريع تشييد الوحدات الصناعية لا تمثل سوى 2 ٪ وهي نسبة ضعيفة ،  ويمكن تفسير هذه النسبة الضعيفة للصناعة ضمن مشاريع البناء إلى كونها  تحتل حاليا مباني غير مرصودة أصلا لهذا الدور.
في مقابل ذلك نجد أن البنايات المخصصة لتربية الدواجن لا تمثل سوى 11 ٪ من مشاريع البناء، كما نلاحظ ضعف المشاريع المخصصة لنشاطي التجارة وتقديم الخدمات الحرة بحيث لا تمثل سوى 3 ٪ ضمن مشاريع البناء.                                             
يتضح لنا من خلال طبيعة المشاريع المرخص بإنجازها التحول الوظيفي بالمجال بحيث يظهر لنا من خلال حركة التمدين التي يعرفها الإقليم توطيد لأهمية وظيفتها السكنية وانتعاش دورها في ميدان الإنتاج الصناعي.
1-2شهد الإقليم تطورا سريعا للسكن العشوائي :
أدى استفحال أزمة السكن داخل مدينة الدار البيضاء والناتجة عن عدم قدرة المدينة على استيعاب الطلب المتزايد على السكن ، وكذا لعدم قدرة شريحة مهمة من السكان على ولوج السوق العقارية، نظرا لضعف قدتهم الشرائية مما يضطرهم إلى اقتناء سكن صفيحي أو غير قانوني بالضواحي المجاورة للمدينة، الشيء الذي جعل جميع هذه المجالات لا تخلو من هذا النوع من السكن الذي أصبح يشكل أحزمة للفقر.
ويعرف الإقليم انتشارا واسعا لهذا النوع من السكن إذ يبلغ عدد الأسر القاطنة به حوالي 1895 أسرة، أي ما يعادل 9 ,55 ٪ من مجموع الأسر القاطنة بالإقليم، ويتمركز معظمهم بجماعة سيدي حجاج –واد حصار بحيث تضم حوالي 63 ٪ من الأسر المقيمة بدور الصفيح بالإقليم. 
كما تشكل جماعة الهراويين أكبر تجمع للسكن غير  القانوني بالإقليم إذ تشكل أحسن مثال للتجمعات العشوائية الكبرى في ضواحي مدينة الدار البيضاء.  إذ تضم  حاليا حوالي 19حيا غير منظم قانونيا يتكون في مجمله من مساكن صغيرة المساحة تتراوح ما بين 30 متر مربع و80 متر مربع تسكنه حوالي 9214 أسرة. 

جدول رقم(1)        توزيع تجمعات دور الصفيح بإقليم مديونة

الجماعات

اسم الدوار
عدد الأسر
مديونة
الرحالي
40
حميمر
355
أولاد الطالب المجاطية
الضرك
140
لحاج عباس
40
بوخويمة
120
الحليبية
500
بلعربي مداكرة
80
سيدي حجاج واد الحصار
الرملية
70
الحاج موسى
800
أولاد سيدي مسعود
150
المصادر:     ;18 06)p,p 6,13,15 Monographie de la province de Mediouna (20                                      
                             إحصاء عام حول التجمعات السكنية العشوائية بتراب جماعة سيدي حجاج واد حصار

خريطة رقم(2)


     1-3يشهد الإقليم  انتشارا واسعا لأنشطة الإنتاج العشوائية :
      إلى جانب توطد الوظيفة السكنية أصبح إقليم مديونة يعرف انتشارا واسعا للوحدات الصناعية العشوائية،  فمعظم الوحدات المتوافدة على المجال خلال منتصف القرن الثاني من القرن الماضي تتم في إطار غير قانوني سواء من حيث أماكن استقرارها أو من حيث عدم تسوية وضعيتها الإدارية،ففي جماعة تيط مليل تستقر حوالي 51وحدة صناعية و حرفية بشكل غير قانوني وتنتشر الوحدات الصناعية والحرفية بشكل كبير في جماعة سيدي حجاج واد حصار الذي تستقر به أكثر من 64 وحدة عشوائية و تنتمي الوحدات الصناعية والحرفية  غير قانونية المنتشرة في الإقليم إلى قطاعات إنتاجية متنوعة. وتحتل وحدات إنتاج  و صنع الأدوات البلاستيكية مكانة متميز وتليها من حيث الأهمية صناعة صهر الحديد و يمثل هذين القطاعين حوالي 3/2 من مجموع الوحدات الصناعية والحرفية المتواجدة بجماعتي تيط مليل و سيدي حجاج .
  2 التحولات الديمغرافية و الاقتصادية:
      2-1- التزايد السريع للسكان بالمجال يوازيه ارتفاعا ملحوظا للكثافة السكانية
أ‌-       النمو السكاني
واكب التحولات المجالية التي يشهدها الإقليم زيادة سريعة في  عدد السكان،وتظهر أهمية الزيادة السكانية في ارتفاع معدلاتها بمعظم الجماعات المكونة للإقليم مقارنة مع نظيراتها بالجماعات الحضرية البيضاوية
وشهد عدد الأسر المقيمة بإقليم مديونة تطورا ملحوظا حيث انتقل من 13046 أسرة سنة 1994 إلى 24538 أسرة سنة 2004 أي بزيادة وصلت إلى 53%.
جدول رقم(10)نسبة تزايد السكان السنوي بإقليم مديونة فيما بين1982و2004
الجماعات
نسبة تزايد السكان السنوي فيما بين 1982و1994
نسبة تزايد السكان السنوي فيما بين  1994و2004
تيط مليل
4.93
7.3
الهراويين
8.83
12.6
سيدي حجاج-وادحصار
4.34
4.7
مديونة
3.46
2.3
المجاطية-اولادطالب
5.37
3.7
المصدران:سعيد أيت حمو (2006)المرجع السابق ص 156
الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004

ب-يشهد الإقليم ارتفاعا ملحوظا للكثافة السكانية:
يعد معدل الكثافة السكانية من أبرز المؤشرات الدالة على تمدين المجال ،فتمدين الضواحي يتجسد لنا من خلال ارتفاع معدلات الكثافة السكانية ، فالمجال يشكل - كما أشار إلى ذلك الأستاذ أيت حمو- عتبة انتقالية بين المجال الحضري المتسم بارتفاع الكثافة السكانية والمجال الريفي المتميز بانخفاض التركز السكاني.
وعلى الرغم من أن مجال الدراسة يشهد ارتفاعا مهما للكثافة السكانية فإن توزيعها يعرف نوعا من التباين ،فمن خلال قراءة التطور المجالي للكثافة يظهر لنا التباين الواضح بين الجماعات المكونة للإقليم ،فإذا كانت بلدية مديونة تزيد فيها الكثافة عن 65ن/كلم۲ فإن هذه النسبة لا تتجاوز 1.57ن/كلم٢بجماعة سيدي حجاج-واد الحصار.
ومن جهة  ثانية عرفت بعض الجماعات تطورا مهولا لهذه الظاهرة في ما بين 1994و2004  ونخص بالذكر الجماعة القروية للهراويين التي تضاعفت بها الكثافة السكانية ثلاث مرات خلال نفس الفترة حيث انتقلت من 10.08ن/ كلم٢ إلى 33.03ن/ كلم٢وكذلك بلدية تيط مليل التي تضاعفت بها الكثافة أكثر من مرتين بحيث مرت من 8.91ن /كلم سنة 1994٢إلى 18.01ن/ كلم٢سنة2004.
وإذ كانت الجماعات السالفة الذكر قد عرفت تزايدا ملحوظا للكثافة فإن باقي الجماعات تميزت بتطور ضعيف للكثافة بحيث لم يرتفع معدل الكثافة بجماعة سيدي حجاج خلال نفس الفترة سوى ب 0.74 ن/ كلم٢.
2-2 تراجع ملحوظ للمشتغلين في الفلاحة وتزايد النشيطين المشتغلين في قطاعات أخرى
      أدى انتشار الصناعة إلى حدوث مجموعة من التحولات وتتجلى أهم هذه التحولات من خلال إعادة هيكلة بنية التشغيل على المستوى النوعي والكمي.                                     
فمن خلال البحث الميداني تبين لنا أن حوالي 77.06% من السكان يمارسون أنشطة اقتصادية لاتمت للفلاحة بصلة إذ لا يشغل المجال الفلاحي سوى 22.54% من السكان النشطين الذين شملهم البحث الميداني ، فالفلاحة لا تحتفظ بمكانتها كنشاط يشغل أكبر نسبة من السكان النشيطين إلا بجماعة المجاطية أولاد طالب بنسبة 36.7% وجماعة سيدي حجاج واد حصار بنسبة 42.4% من السكان النشطين، و رغم الأهمية التي تحظى بها الفلاحة في هاتين الجماعتين فإنها تظل عاجزة عن منافسة الأنشطة الأخرى في توفير فرص العمل ويعود ذلك إلى تراجع الفلاحة نتيجة زحف التمدين.
وتجدر الإشارة إلى أن نسبة المشتغلين بالفلاحة عرفت تراجعا مهما في مقابل تقدم النشاط الصناعي فنسبة العاملين بالقطاع الأول انتقلت بجماعة المجاطية اولاد طالب خلال الفترة الممتدة ما بين 1982و1994 من 70.8% إلى36.7% أما جماعة مديونة والتي كانت مرتبطة بالمجالات السقوية المحيطة بها فقد  عرفت تراجعا لفائدة العمل الصناعي.
2-3  الهجرة و دورها في تزايد السكان بالمجال
تكتسي دراسة التوافد البشري أهمية قصوى  لتفسير دينامية التحول التي يفرزها تأثير المدن الكبرى في الأرياف المجاورة لها ،فالتوافد يدل دائما على دينامية باطنية محركة للمجال، فالمناطق التي تعرف نسبة مهمة من التوافد البشري تكون مؤهلة لأن تعرف تحولا يؤدي إلى حركة التمدين ،وذلك تحت تأثير استقرار المتوافدين ،في حين أن المجالات التي تعرف ضعف التوافد السكاني تحتفظ بطابعها القروي.
أ-الهجرة القروية
من خلال نتائج البحث الميداني يتضح لنا أن التوافد البشري يهم 53.2% من الأسر، ويشكل أرباب الأسر المنحدرين من الأرياف 45.94% ،كما تبين لنا أن ما يناهز 80.85% من المهاجرين ذوي الأصول الريفية قدموا من المناطق الواقعة جنوب الدار البيضاء ،وتأتي الشاوية على رأس الأحواض الهجرية المزودة للإقليم حيث تشكل نسبة الوافدين منها حوالي 44.66% من مجموع النازحين القرويين(انظر الخريطة رقم3).
إلى جانب أهمية تيارات التوافد الريفي تتسم هذه التيارات بقدمها مقارنة مع المتوافدين من المناطق الحضرية، فما يثير الانتباه من خلال مقارنة تاريخ التدفق البشري على الإقليم (أنظر المبيان رقم1) قدم تيارات النزوح الريفي والتي تعود إلى فترة ما قبل 1960 لكن نسبتها ضعيفة إذ لم تهم سوى 5% من السكان المتوافدين الذي شملهم البحث، وسيبلغ هذا النوع ذروته خلال الفترة الممتدة من 1960إلى1989 حيث ستصل نسبتهم إلى 26% غير أن هذه النسبة ستعرف تراجعا ابتداء من نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ليحل محله التدفق الحضري.
المبيان رقم(1) :     فترات استقرار أرباب الأسر على إقليم مديونة حسب أصولهم الجغرافية

                             المصدر: بحث ميداني (2007)

خريطة رقم(3)



ب-التدفق الحضري للسكان من مدينة الدار البيضاء نحو الإقليم
أصبحت مدينة الدار البيضاء تلعب دورا لا يستهان به في تطور ساكنة إقليم مديونة، إذ تشكل نسبة النازحين من المدينة 54.01% من تيارات التوافد البشري على الإقليم الشيء الذي يؤكد فعل آلية الطرد التي تمس جزاءا مهما من ساكنتها فمن ضمن 224 متوافدا على المجال نجد 20% منهم  ازدادوا بأحيائها و34.22% من المهاجرين استقروا بها قبل الانتقال إلى العيش بالإقليم .
وبالتالي تحول المجال من محطة هجرة نحو الدار البيضاء إلى مجال لاستقبال قوة العمل التي تجلبها من هذه المدينة، فالإقليم أصبح  قبلة لفئات اجتماعية مختلفة قصدت مدينة الدار البيضاء  فحطت رحالها على مشارفها أو اضطرت لانسحاب منها لأسباب مختلفة ،فوجدت بإقليم  مكانا ملائما لمطالبها أرض أقل ثمنا ووسطا أكثر هدوء وموقع قريب من المدينة يسهل التردد عليه.
 فقد صرح لنا أغلب هؤلاء الحضريين أنهم استقروا بالإقليم بسبب ارتفاع ثمن الكراء بالمدينة وعدم تمكنهم من تحمل تكاليف العيش المرتفعة.

3- مظاهر تأثير التمدين في الفلاحة بإقليم مديونة


3-1          تراجع في المساحات المزروعة وتكثيف دائم للأنشطة التسويقية
لإبراز تأثير التمدين على الفلاحة سنتوقف عند بعض التحولات التي يشهدها المجال ،من خلال الوقف عند تدهور الإنتاج الزراعي ،وذلك بالاعتماد على تطور المساحة المخصصة لها ضمن الأراضي المستغلة خلال الفترة الممتدة ما بين 1976و 1996 بعد أن قمنا بتوحيد الجماعات الحديثة المنبثقة عن التقطيع الترابي لسنة 1992.
 فمن خلال تحليل المبيان رقم(2) الموضح لتطور المساحة الصالحة للزراعة بالإقليم يتضح لنا ما يلي:
-ارتفاع نسبة الأراضي المستريحة بين عناصر استغلال الأراضي من 5.64%سنة 1976إلى 15% سنة 1996 لتشمل خلال الموسم الأخير 2243 هكتار من مجموع 12242هكتار، ويمكن تفسير ازدياد مكانة الأراضي المستريحة بظاهرة البوار الاجتماعي الناتجة عن عزوف الفلاحين عن زراعة أراضيهم في انتظار تفويتها ذلك أن الفلاح أصبح يبحث عن أكبر ربح ممكن والذي تحققه المضاربة العقارية أكثر من مزاولة النشاط الزراعي.
-من أبرز الخاصيات التي تميز تطور الفلاحة بالإقليم إضافة إلى ارتفاع نسبة الأراضي البائرة تراجع مكانة القطاني ضمن عناصر استغلال الأراضي، إذ تراجعت المساحات المخصصة لها بنحو 97.65% عما كانت عليه سنة 1976، ويمكن تفسير هذا التراجع الكبير بمجموعة من العوامل منها تذبذب أثمان القطاني وارتفاع كلفة زراعتها إضافة إلى نفور اليد العاملة من الأنشطة الفلاحية والتجائها للعمل في الوحدات الصناعية المنتشرة بالإقليم.
 بالإضافة إلى تقهقر مكانة القطاني عرفت باقي المزروعات سواء البورية أو السقوية تراجعا مهما وذلك بدرجات متفاوتة، إذ تراجعت حصة الحبوب من المساحة المستغلة ب 11.17% وحصة البقالة بالعشر، ويعود هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل منها ما هو طبيعي كقلة التساقطات وانخفاض مستوى المياه الباطنية وارتفاع ملوحتها، ومنها ما هو اقتصادي مثل حدت المنافسة التي أصبحت تعاني منها زراعة البواكير المغربية في الأسواق الأوربية.
-في مقابل التراجع الذي شهدته المزروعات السابقة الذكر شهد إنتاج الأعلاف تطورا مهما حيث ارتفع بنسبة 51.25% خلال الفترة الممتدة ما بين 1976و1996 ويعود ذلك إلى كون تربية الماشية تحظى باهتمام الفلاحين بفعل سهولة تسويق المنتو ج الفلاحي والذي يرتبط بالقرب من مدينة الدار البيضاء.

 

مبيان رقم(2)تطور المساحة الصالحة للزراعة بإقليم مديونة فيما بين 1976و1996


Annuaire Statistique  régional du grand Casablanca(1978) ,(Avril   2004)
3-2 -تلجأ معظم الحيازات إلى  تكثيف إنتاجها لمواجهة شدة التنافس على العقار الفلاحي
 نظرا لقوة تأثير عناصر التمدين في الفلاحة وطغيانها يضطر الفلاح إلى الصمود من أجل البقاء ،وذلك  بتكثيف الإنتاج وتنويعه أو التعاطي لأنشطة تكمليه لموارد الاستغلال الفلاحي ،فعلى الرغم من تقلص نسبة الأراضي القابلة للاستغلال الزراعي يلجأ بعض الفلاحين إلى تكثيف إنتاجهم لمواجهة ضغط التمدين ،وذلك بتنويع الأنشطة قصد الحصول على مدا خيل مكملة لمواردهم الزراعية.
فقرب مجال الدراسة من مدينة الدار البيضاء وما تمثله من سوق استهلاكية مهمة تدفع العديد من الفلاحين والمضاربين إلى البحث عن أنشطة فلاحية تسويقية ،كما يستفيد الفلاحون بالإقليم من إمكانية القيام بعمل إضافي خارج حيازتهم بأحد القطاعات الاقتصادية المتولدة عن الانتشار الحضري عبر المجال الفلاحي، فازدواجية النشاط الفلاحي يلعب دورا حاسما في تحسين المداخل الفلاحة و بالتالي استمرار الحيازة الفلاحية.
أ‌-       تلجأ معظم الحيازات إلى الاهتمام بتربية الماشية:
تعنى معظم الحيازات الفلاحية بتربية الماشية وخاصة الأبقار الحلوب لما لها من فوائد ومزايا متعددة لصالح التوازنات العامة داخل الحيازة، فالماشية تشكل نشاطا حيويا ومصدر دعم مالي للاستغلال الفلاحي وذلك بالاستفادة دوريا من بيع نتاج القطيع أو بالتسويق اليومي للألبان لما ينجم عن هذا التسويق من دخل متراكم مساعد على تحقيق التوازن المالي  و بالتالي ضمان استمرار الاستغلال الفلاحي بهذه الحيازات.
فمن خلال البحث الميداني تبين لنا أن معظم الحيازات تولي أهمية بالغة لتربية الماشية وخاصة تربية الأبقار الحلوب إذ يبلغ عدد رؤوس الأبقار 791 رأس ،غير أن توزيعها يعرف نوعا من التفاوت حسب نوع الحيازات الفلاحية، إذ تعد بلغ عدد رؤوس الأبقار بالإستغلاليات الكبرى بحوالي 126 رأس موزعة بمعدل 31 رأس لكل كساب، وهذه النسبة تدل على مدى اهتمام الفلاحين الكبار بتربية الماشية من أجل التسويق بعد التسمين أو من أجل بيع الحليب، وذلك للاستفادة من الأرباح المهمة التي يوفرها القرب من مدينة الدار البيضاء باعتبارها سوق استهلاكية ضخمة، أما الحيازات المتوسطة فتأتي في المرتبة الثانية من حيث تربية الأبقار الحلوب بمعدل 11رأس لكل كساب في حين تبقى الحيازات الصغرى أقل اهتماما بتربية الماشية حيث لا تمثل سوى 436 رأس وهي موزعة ب 3رؤوس لكل فلاح.
أما الفلاحين اللذين لا يملكون أراضي فلاحية فتبين أنهم يتوجهون إلى تربية الأبقار ولو بشكل ضئيل بالمقارنة مع الفلاحين في الحيازات الكبرى والمتوسطة و الصغرى حيث يبلغ عدد رؤوس الأبقار ب80 رأس أي بمعدل رأسين لكل مالك.
إلى جانب تربية الأبقار يلجأ معظم الفلاحين إلى الاهتمام بتربية الأغنام نظرا لما تمثله من أهمية بالنسبة لهم فجلها يتم تسمينه لتحقيق هدف أساسي هو الربح بعد بيعها في الأسواق المحلية المتواجدة بالإقليم .

ب-تلجأ معظم الحيازات إلى ممارسة أنشطة مختلفة لضمان استمرارية الاستغلال الفلاحي

تشكل الأنشطة الإضافية التي يمارسها الفلاحون خارج حيازاتهم المستغلة؛ موردا مكملا للدخل المستمد من الاستغلال الفلاحي، ومساعدا على استمرار وصمود الحيازة. فالأنشطة الإضافية تعتبر من أهم مظاهر تأثير التمدين بالإقليم، فالنشاط غير الزراعي الممارس خارج الاستغلاليات يهم حوالي 26% من المستغلين الزراعيين، في حين يقتصر حوالي70.42% على العمل بتفليح الأرض وتربية الماشية.
فمن خلال دراسة  طبيعة الأنشطة غير الفلاحية الممارسة من طرف الفلاحين  يتضح لنا جانبا مهما من تأثير التمدين في الفلاحة، سواء بالنظر إلى عدد فرص العمل الموفرة لهم بالرقعة الحضرية أو باعتبار حجم الأنشطة الاقتصادية التي أصبحت تعرف انتشارا واسعا بالمجال، فمن خلال تصنيف الأنشطة غير الفلاحية الممارسة من طرف المستغلين الزراعيين تبرز أهمية بعض فروع النشاط الاقتصادي في توفير فرص الشغل ،إذ يوفر النشاط التجاري حوالي 33% من فرص العمل في حين يساهم كل من النقل والخدمات الحرة بـ26% من فرص العمل.
أما إذا أخدنا بعين الاعتبار علاقة حجم الحيازة الفلاحية وازدواجية نشاط مستغليها، نجد أن الشغل الإضافي يشكل موردا لا يستهان به بالحيازات التي تقل عن 5 هكتارات إذ تشكل حوالي 80%من المستغلين الزراعين الممارسين لأنشطة إضافية غير فلاحيه، الشيء الذي يؤكد أن العمل الإضافي يشكل أفضل وسيلة لتحسين مداخيل الفلاح فضعف الموارد الزراعية داخل الحيازات الصغرى تدفع الفلاحين إلى تكثيف جهودهم للحصول على موارد إضافية .
أما الصنف الثاني من المستغلين الزراعين الممارسين لأنشطة إضافية تنحصر حيازاتهم بين 5و10 هكتارات فيمثلون حوالي 17% من مجموع المستغلين ذوي النشاط المزدوج.
خلال دراستنا لأهمية العمل الإضافي خارج الحيازات الفلاحية  يتضح لنا العلاقة الوثيقة بين التمدين والفلاحة هذه العلاقة التي تتجلى في أهمية فرص العمل غير الفلاحية المتاحة بالإقليم والتي تدل على كثافة توطن الأنشطة الاقتصادية غير الفلاحية نتيجة الانتشار الحضري.
استنتاج:
        أن إقليم مديونة يتميز بتحولات اقتصادية ومجالية سريعة ،تتجلى أساسا في تراجع الأراضي الصالحة للزراعة وفي اندثار العديد من المزروعات ،فارتباط المجال بمدينة الدارالبيضاء جعله يعيش حالة تكيف دائمة من أجل حل مشاكل المدينة وتلبية حاجياتها المجالية.
إذ تقوم مجموعة من الفعاليات المتصارعة بإنتاج المجال مما ينعكس على  طبيعة المجال، وعموما فإن تراجع المجالات الفلاحية لا ترجع إلى استغلال المكثف، بل يرتبط  بالرغبة القوية في الاستفادة من الموقع المتميز بغرض تحقيق الربح السريع  والكبير الذي دفع ملاك الأراضي إلى فتح أراضيهم أمام البناء غير القانوني كما أن التزايد الملحوظ للوحدات الصناعية وإن ساهم في خلق بعض مناصب الشغل فقد اغرق الإقليم في العشوائية.

المراجع:
باللغة العربية :
-سعيد ايت حمو (2006)تراتب المجال حول الدار البيضاء وانعكاسات تمدين أحواز على
الفلاحة،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الجغرافية بكلية الأداب والعلوم الإنسانية المحمدية.
-عبد المجيد ازمو(2006) التوسع الحضري واستهلاك المجال الفلاحي يسهل نادلة حالات
بني ملال والفقيه بن صالح والسبت اولاد النمة،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الآداب              جامعة القاضي عياض كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال.
   -محمد الأسعد قياس درجة الفعل الثقافي على السلوكات الرعي زراعية للفلاحة بالمغرب
حالة ظهير الدار البيضاء،التحولات الإجتماعية المجالية في الأرياف المغربية  ،منشورالكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سلسلة ندوات ومناظرات رقم 28 تنسيق وتقديم عبد اللطيف بنشريفة ومحمد أيت حمزة.
 -محمد امدافعي(2002)التحولات المجالية ودور المؤسسات الجماعية في تدبير المجال :
حالة ضاحية الدار البيضاء،أطروحة لنيل دكتوره الدولة في الجغرافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال.
-مصطفى الشويكي(1991) مديونة مادة في معلمة المغرب ع 17،منشورالجمعية المغربية
 للتأليف والترجمة والنشر مطابع سلا.ص5647-5649.
-مصطفى الشويكي(1991) الضاحيةمادة في معلمة المغرب ع 21،منشورالجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر مطابع سلا.ص7056 و7057.

-الطيب لشقار(1997)ضاحية مكناس مقاربة جغرافية ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في الجغرافية ،بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس الرباط.
-هند سناء مفكر إنتاج السكن غير اللائق من زاوية قوانين ووثائق التعمير،أشغال ندوة السكن غير اللائق يالدار البيضاء ،منشورات الإتحاد الجغرافي المغربي فرع الدار البيضاء ص25-44.
باللغة الفرنسية:
-AIT HAMMOU Said (1998) mutation de l’espace péri urbain a l’est de Casablanca communes de Ain harrouda et tit mellile ,thèse de3éme cycle institut de géographie et Aménagement université de fronçais Rbelais-tours-France.
-      AIT HAMMOU Said (2003) spécificité et mutation de l’agriculture dans l’espace périurbain de Casablanca ,in l’aménagement marges urbaines de Casablanca/pole de l’aménagement de l’espace faculté de lettres et des sciences humaines.

تحميل من         




 






هناك تعليق واحد:

  1. من فضلكم رابط تحميل هذه الاطروحة

    ردحذف

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا