الدكتور أحمد سعيد حديد
وتطور المدرسة الجغرافية العراقية المعاصرة
بقلم: أ.د. ابراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث - جامعة الموصل
دنيا الوطن - كتب ودراسات - 10 / 08 / 2011م
كثيرون هم من تخصصوا بالجغرافية في العراق، ولكن قلة منهم من ترك بصمة في بنيان المدرسة الجغرافية العراقية المعاصرة. وإذا كنا نذكر الأستاذ الدكتور إبراهيم شوكت، والأستاذ الدكتور محمد رشيد الفيل، والأستاذ عبد الوهاب الدباغ، والأستاذ الدكتور خطاب صكار العاني، والأستاذ الدكتور إبراهيم شريف، والأستاذ الدكتور شاكر خصباك، والأستاذ الدكتور نوري خليل البرازي، والأستاذ الدكتور حسن طه النجم، والأستاذ الدكتور صديق الاتروشي والأستاذ الدكتور جاسم محمد الخلف والأستاذ الدكتور أحمد نجم الدين والأستاذ الدكتور عبد الأمير مجيد والأستاذ الدكتور حسن الخياط والأستاذ الدكتور محمد حامد الطائي والأستاذ عبد الوهاب الدباغ والأستاذ الدكتور علي المياح والأستاذ ناجي عباس والأستاذ الدكتور عبد المنعم عبد الوهاب، والأستاذ الدكتور عبد الرزاق حسين والأستاذ الدكتور وفيق حسين الخشاب والأستاذ الدكتور محمد أزهر السماك والأستاذ الدكتور صبري فارس الهيتي والأستاذ الدكتور صباح محمود محمد والأستاذ الدكتور عباس التميمي والأستاذ الدكتور خالص الاشعب، فأن الأستاذ الدكتور أحمد سعيد حديد (1930-2002)، يقف في مقدمة من عمل على تطوير علم الجغرافية في العراق وخاصة التخصص المعروف ب"الجغرافية الطبيعية"، وذلك من خلال تدريسه لهذه المادة وتكوين أجيال من الجغرافيين، أو من خلال ما ترك من كتب مؤلفة وأخرى مترجمة في هذا التخصص .
ولد أحمد سعيد حديد في مدينة الموصل سنة 1930 وعائلة آل حديد من العوائل المعروفة في الموصل، سكنوا في محلة حمام المنقوشة وهم كما يقول الأستاذ عماد غانم الربيعي في كتابه : " بيوتات موصلية "أعقاب الجد القريب إبراهيم بن مصطفى القادري الملقب ب "سيف الدين " وأعقب من الأبناء حديد الذي حملت الأسرة اسمه وقدم الموصل من بغداد سنة 1800 م. ويذكر الأستاذ أزهر سعد الله ألعبيدي في "موسوعة الأسر الموصلية" وعند حديثه عن الحياليين في الموصل أن " آل حديد – هم أبناء إبراهيم بن مصطفى القادري من محلّة حمام المنقوشة، منهم فاضل الصيدلي وأولاده عبد الحق فاضل وعبد النافع ونجيب وأكرم، ومنهم التاجر سالم حديد وأولاده مثنى ووسام وحسام وعصام وغسّان وغانم. ومنهم الضابط في الجيش العراقي أمير بشير سعيد حديد.أما في" موسوعة الأسر والعائلات الموصلية " للأستاذ أبو الحسن علي عبد الله محمد خضر فيقول أن جد آل حديد هو حديد بن مصطفى بن إبراهيم الحيالي الذي ينتسب إلى عبد العزيز الكيلاني. ومن أبرز رجالها إبراهيم بن مصطفى آل حديد ، وكان إماما بجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني والأستاذ فاضل حامد الصيدلي 1882-1949 الضابط والصيدلي في الجيش العثماني ، وأحد العاملين في الحركة القومية العربية قبل الحرب العالمية الأولى والذي اشتهر بشعره القومي والوطني وله ديوانه : "هدية الأحرار " ومن أبناءه الذين عرفوا بالشعر والأدب أكرم فاضل 1918-1998 ونجيب فاضل 1916- 1978 وعبد الحق فاضل ومنهم كذلك الأستاذ الدكتور المهندس حسون حديد والضابط في الجيش العراقي ناصر عزيز ذنون حديد والأستاذ الدكتور عالم الرياضيات سمير بشير حديد والتجار خليل سعيد حديد وسالم حديد1921-2002 وولده مثنى .
أنهى أحمد سعيد حديد دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدينة الموصل وسافر إلى بغداد – كمجايليه حيث لم تكن آنذاك جامعة في الموصل - ودخل دار المعلمين العالية ببغداد(كلية التربية حاليا) سنة 1951 قسم العلوم الاجتماعية (التاريخ والجغرافية )، وتخرج فيها سنة 1955 .
وبعد تخرجه عين مدرسا في المدارس المتوسطة والثانوية ثم تيسرت له الفرصة حين رشح للالتحاق ببعثة علمية إلى ألمانيا وهناك في جامعة لايبزك حصل سنة 1962 على شهادة الدكتوراه في الجيومورفولوجيا أي علم أشكال سطح الأرض .
عاد إلى العراق وعين مدرسا في قسم الجغرافية التربية –جامعة بغداد. وبين سنتي 1977 -1980 شغل منصب مساعد رئيس جامعة بغداد ورئيسا لجامعة بغداد وكالة .كما تولى مهاما علمية منها عمله رئيسا لمؤسسة أطلس الوطن العربي التابعة لاتحاد الجامعات العربية. اشتغل في بعض الجامعات العربية ومنها الجامعات الأردنية فترة من الزمن وعاد إلى العراق ليعمل أستاذا في كلية المأمون الجامعة الأهلية ببغداد.
كتب عنه الأستاذ حميد المطبعي في"موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين" .كما كتب عنه الأستاذ الدكتور عمر محمد الطالب في "موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين". وكلاهما اقتصرت كتابتهما على بضعة أسطر. أما الدكتور صباح نوري المرزوك فقد رصد بعض إنتاجه في كتابه" معجم المؤلفين العراقيين ". ومما أشار إليه إن للأستاذ الدكتور أحمد سعيد حديد مؤلفات معظمها ألفها بالاشتراك مع زملائه من أساتذة الجغرافية المعروفين. ومن هذه المؤلفات: النمط الجغرافي للعالم القديم ،ألفه بالاشتراك مع أحد زملائه الجغرافيين .وقد طبع سنة 1977 ، وعلم الجيومورفولوجيا التطبيقية، وقد ألفه مع الدكتور وفيق الخشاب والدكتور مهدي الصحاف -، 1978، وجغرافية الموارد الطبيعية. وقد ألفه مع الدكتور وفيق حسين الخشاب ،1978 ، والجغرافية الطبيعية ،الجغرافية المناخية والنباتية والظواهر الجيومورفولوجية وقد طبع في دار ابن الأثير للطباعة والنشر –جامعة الموصل سنة 1978 وقد ألفه كذلك بالاشتراك ، والجنوب الأوسط للقارة الأسيوية ،وقد ألفه مع الدكتور وفيق الخشاب والدكتور نعمان دهش العقيلي ،وطبع 1980، والمناخ المحلي 1982. والجيومورفولوجيا التطبيقية وقد ألفه مع الدكتور وفيق حسين الخشاب والدكتور عبد العزيز حميد ألحديثي ، وجغرافية الطقس ، وقد ألفه مع الدكتور إبراهيم شريف والدكتور فاضل الحسني . 1979،وجغرافية الموارد المائية ،1980 .
ومن مترجماته الكتاب الموسوم :"أشكال سطح الأرض" ، ويتناول مكونات سطح الأرض من جبال وسهول وهضاب وصخور وتربة ووديان وعناصر الطقس والمناخ المختلفة من حرارة ورياح وضغط جوي وأمطار إضافة إلى موارد المياه العذبة والمالحة .فضلا عن الزلازل والبراكين والأعاصير والعوامل المؤثرة في تشكيل السواحل .
وكان الأستاذ الدكتور أحمد سعيد حديد يؤكد بأستمرار على أن أشكال الأرض وجيومورفولوجيتها هي أصل الجغرافية، بل هي الجغرافية الحقيقية التي يجب أن يتم التركيز عليها في فهم التحولات الطبيعية التي لها الدور الأكبر في سير حركة التاريخ. وكما قيل أو كما هو متعارف عليه بأن الجغرافية توجه التاريخ .وكان يرى أن الجغرافية الطبيعية هي اقرب إلى العلوم البحتة منها إلى العلوم الإنسانية وكنت أدرك ما كان يقصده أستاذنا عندما يقول بأن على المؤرخ أن يدرس الجغرافية دراسة صحيحة ليفهم الأحداث التاريخية فهما جيدا .
نشر الأستاذ الدكتور أحمد سعيد حديد عددا من الدراسات والبحوث في مجلات عراقية وعربية وأجنبية. وأتذكر أنني قرأت له بحثا ممتعا في "المجلة التاريخية" التي أصدرتها جمعية المؤرخين والاثاريين العراقيين ببغداد بعنوان: " السيول في منطقة مكة المكرمة :دراسة جغرافية في أسبابها ونتائجها ،العدد 3 ،1974 .
عرفته أستاذا قديرا ،وكان معروفا بين زملائه وطلبته بدماثة الأخلاق، وطيبة القلب، والهدوء، والرزانة. ولم تكن الابتسامة تفارق شفتيه .ولقد أعجبت به ، وبشخصيته .فقد كان جميل النظر، لطيف الخلقة ،وسيما، أبيض اللون، وجهه مدور، وأنيقا في ملبسه يسير بخطوات واثقة ويصر على التحدث بلغة عربية فصيحة وكان قريبا إلى الطلبة يجاملهم ويسأل عن أحوالهم ويقدر ظروفهم ومع أن المادة التي درسنا إياها كانت صعبة وتدور حول أشكال الأرض والأعاصير والظواهر الجيومورفولوجية لكنه ومن خلال أسلوبه اللطيف كنا لانحس بصعوبتها وكنا نقبل على محاضرته بشغف كبير. وكثيرا ما كنت أراه ملازما لزميله الجغرافي الموصلي الكبير الأستاذ الدكتور وفيق حسين الخشاب حتى انه اشترك معه في أكثر من عمل علمي واعتقد أنهما تناوبا العمل في دوائر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي .
توفي الأستاذ الدكتور احمد سعيد حديد بأجله الموعود سنة 2002. رحمه الله فقد خدم وطنه وأمته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق