التسميات

آخر المواضيع

الأحد، 4 سبتمبر 2016

التخطيط المحلي ورهان الحكامة المحلية الجيدة ...


التخطيط المحلي ورهان الحكامة المحلية الجيدة




رشاد البوني :

   برزت الحاجة في سن سياسة التخطيط كاستجابة لمتطلبات التنمية السريعة و الحاجيات المتوازنة، ومن خلال تلك الاستجابة للخدمات الكبيرة و المتنوعة التي بدأ يفرضها الواقع المتطور، كما أن المخططات الوطنية و مهما كانت فعاليتها في الدقة من حيث الإعداد و الدراسة قد أصبحت لا تستطيع الإلمام بجميع القضايا و الشؤون المحلية نظرا لتعدد العناصر الفاعلة في التنمية و الصعوبات التي يعرفها أثناء تطبيقه على المستويات المحلية، لهذا أصبحت الجماعة باعتبارها الخلية الأساسية للتنمية المحلية تتولى القيام بإعداد مخططات، تكون في الغالب مكملة للمخطط الوطني و محترمة لتوجهاته العامة. لذا يعد التخطيط الجماعي حلقة أساسية في إنجاز المخططات الوطنية لما تلعبه الجماعة من دور في جميع مراحل إعداد المخططات الوطنية ، فتوطيد دعائم الحكامة المحلية الجيدة يستدعي من مختلف مستويات الحكامة المحلية وضع مخططات محلية تنبني على رؤية استراتيجية متكاملة و تفتح آفاقا للتدخل المحلي في ميدان التنمية المحلية الشاملة ، سواء من خلال الجماعات الحضرية و القروية و العمالات و الأقاليم و كذا الجهات.

   فالتخطيط يمكن اعتباره منهجا، و أداة فعلية للترشيد و عقلنة الاختيارات التنموية و إحدى القنوات الرئيسية و الهامة التي من شأنها أن تؤهل الجماعات لتصبح قطبا اقتصاديا و قاطرة للتنمية، كما يشكل أداة للإقلاع الاقتصادي و الاجتماعي.

  من هنا فالتخطيط المحلي يمكن تعريفه على أنه "مجموع القرارات و التدابير التي تتخذها الوحدات الترابية اللامركزية لبلوغ أهداف تنموية معينة و محددة في مدة زمنية تبعا للمدة الانتخابية و الموضوعة في إطار القواعد القانونية و التنظيمية التي تحددها السلطة المركزية". و بالتالي فهو يعطي نظرة واضحة لسياسة التخطيط و لما يجب أن يتخذه من حيث مراعاة الخصوصيات التنموية المحلية و انبثاقه من القاعدة الملمة بمشاكل الساكنة المحلية و بتطلعاتهم.

  و تأتي هذه الأهمية للتخطيط المحلي لتشكل مرحلة تحول جذري للجماعات المحلية التي أصبحت تضع مخططاتها التنموية طبقا للاتجاهات و الأهداف الواردة في المخطط الوطني و تجعل منها خلية للتنمية المحلية، و ستتمكن الجماعات المحلية من وضع رؤية جديدة للتدبير، و ضمان عقلنة لسيرورة اتخاذ القرار، من جانب آخر يمكن من تحقيق المهام على المدى المتوسط و البعيد.

  و قد تعزز ذلك من خلال المنظومة التشريعية للحكامة المحلية الجيدة، حيث تنص المادة 36 من قانون 08-17 المتعلق بالميثاق الجماعي على أنه:" يدرس المجلس الجماعي و يصوت على مشروع مخطط جماعي للتنمية يعده رئيس المجلس الجماعي" و تبين المادة على أن رئيس المجلس الجماعي هو من يعد المخطط وفق نموذج محدد من طرف الإدارة ليتم عرضه بعد ذلك على المجلس الجماعي للدراسة و التصويت. فتعديل هذه المادة بموجب القانون السالف الذكر جاء ليكرس ضرورة اعتماد التخطيط الاستراتيجي كأداة فعالة للنهوض بالتنمية المحلية للجماعة عبر اعتماد مخطط جماعي للتنمية لمدة ست سنوات يتم إعداده وفق منهجية تشاركية تأخذ بعين الاعتبار على الخصوص مقاربة النوع، كما أصبح تحيينه ابتداء من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ و يتم العمل به إلى غاية السنة الأولى من الانتداب الموالي الذي يتم خلاله إعداد مخطط جماعي للتنمية المتعلق بالمدة الانتدابية الموالية الجديدة، و لمن شأن ذلك أن يدعم مبادئ الحكامة المحلية الجيدة من حيث تحديد المسؤولية و الشفافية و المحاسبة.

كما يجب أن تتضمن وثيقة المخطط الجماعي للتنمية لزوما:

- تشخيص الإمكانيات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للجماعة.

- الحاجيات ذات الأولوية المحددة بتشاور مع الساكنة و الإدارات و الفاعلين المعنيين.

- الموارد و النفقات التقديرية المتعلقة بالسنوات الثلاث الأولى التي تم فيها العمل بالمخطط.

  إن هاته الآلية للتخطيط لمن شأنها أن تساهم في ترشيد عمل الجماعات ضمن إستراتيجية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية.

  أما على مستوى التنظيم الإقليمي فقد نصت المادة 36 منه على أن مجلس العمالة أو الإقليم يدرس مخطط التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للعمالة أو الإقليم و يصوت عليه طبقا لتوجهات و أهداف المخطط الوطني، فهو يندرج في صلب الاختصاصات الذاتية لمجلس العمالة أو الإقليم.

  وعلى غرار ذلك تؤكد المادة 7 من قانون 96-47 المتعلق بتنظيم الجهات على أن المجلس الجهوي يعد مخطط التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للجهة وفقا للتوجهات و الأهداف المعتمدة في المخطط و في حدود الوسائل الخاصة بالجهة، و تلك الموضوعة رهن تصرفها، و يحيله إلى المجلس الأعلى للإنعاش الوطني و التخطيط قصد المصادقة عليه. و هكذا فالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية التي يمكن أن تحققها الجماعات المحلية لا بد أن تكون مبنية على تخطيط محكم و مدروس، ينبني على دراسة الحاجيات الحقيقية المختلفة في المجالات المتنوعة و يراعي اختصاصات الفاعلين الآخرين و كذا الإمكانيات المتاحة.

  إن ذلك ليتأتى من خلال آليات و أدوات ضرورية لإنجاحه سواء المتعلقة بالمجالس المحلية أو اللجان، منها ما هو بشري و منها ما هو غير ذلك، فأما البشري فيتجلى في تدخل المنتخبين و المستشارين و الأطر التقنية و الموظفين العاملين بالجماعة، فلا بد من تدخل هذه الكفاءات لما لها من ارتباط حيوي و معايشة يومية لهموم ساكنة الجماعة. فالمنتخبون و بتجاربهم و تكوينهم الاجتماعي الذي يغوص في أوساط ساكنة الجماعة، و الأطر التقنية بتكوينها العلمي و التقني و الموظفون العاملون بمؤهلاتهم و تكوينهم الإداري و القانوني، تجعل من مساهمة المجالس المحلية في التخطيط مساهمة ضرورية ومطلوبة واقعا وقانونا. أما بالنسبة للجان فبالرجوع إلى مختلف النصوص القانونية المؤطرة للجماعات المحلية نجدها تنص على خلق لجن مكلفة بالتخطيط.

  و أمام الرهانات المطروحة على الجماعات المحلية والمسؤوليات المتعددة، فإن الأمر أصبح يقتضي منها التسلح بثقافة عميقة تضع التخطيط ضمن أولوياتها و الاستعانة كذلك بكل التقنيات الحديثة لا سيما مع بروز مفهوم جديد للتخطيط ألا وهو "التخطيط الاستراتيجي التشاركي" .

  و إن تبني مقاربة التخطيط الاستراتيجي التشاركي هو الطريقة الوحيدة التي يمكن بها التخفيف من مشكل قلة الموارد الذي يطبع تدبير الشؤون العمومية المحلية، وسيمكن هذا التخطيط من تسيير أفضل للإمكانيات المتاحة و بهذا بصبح رهانا أساسيا في التنمية.

  فأسس هذا التخطيط تتجلى في كونه منهجية تشجع التفكير الموجه نحو المستقبل و بالتالي تكوين نظرة مستقبلية لتحديد الاستراتيجيات المناسبة لتلبية حاجيات السكان، كما أنه مقاربة تحسن التدبير إذ يمكن من التركيز على الأولويات و تحديد الهياكل و الوسائل المناسبة لتنسيق مختلف التدابير، كما يمثل إطارا لتتبع مشاريع التنمية وذلك عبر مؤشرات يمكن ملاحظتها و قياسها. كما أنه منهجية تسهل و توجه الحوار مع جميع المتدخلين سواء داخل أو خارج الجماعة كما توفر إطارا للتوافق على أفاق التنمية وذلك عبر منهجية تشاركية و أخيرا مقاربة تحسن التواصل داخل الجماعات المحلية قصد التتبع و التقييم مما يمكن من انخراط و التزام كافة الجهات المعنية.

  أما بخصوص مراحل التخطيط الاستراتيجي التشاركي فتمثل في مراحل تمهيدية لإعداد التخطيط الاستراتيجي و الذي يشكل أساسا مرحلة الإعداد و التشخيص و تحديد الأهداف ثم مرحلة عملية لإبراز محتواها و آفاقها. و يمكن تحديدها في ست مراحل:

- المرحلة الأولى: تهيئ التخطيط الاستراتيجي.

- المرحلة الثانية: معرفة الوضع العام بالجماعة و جرد الحاجيات.

- المرحلة الثالثة: صياغة منظور الجماعة و تحديد الأهداف الاستراتيجية .

- المرحلة الرابعة: تهيئ خطة عمل.

- المرحلة الخامسة: برمجة الميزانية و تطبيق خطة العمل.

- المرحلة السادسة: التتبع و التقييم.

   و هكذا إذن يتضح على أن التخطيط المحلي يعتبر من الآليات الأساسية للحكامة المحلية الجيدة لبلورة رؤية موحدة و مستقبلية لتحقيق التنمية المحلية، إلى جانب الاستثمار المحلي لخلق إقلاع اقتصادي و اجتماعي و ثقافي.

- المراجع :

- المهدي بنمير:"الجماعة و إشكالية التنمية المحلية بالمغرب" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام الجزء الثاني جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الدار البيضاء 1989-1990 ص 300.

- الشريف الغيوبي:"الجهة المجال الأنسب للاتركيز و تشجيع الاستثمار" منشورات المجلة العربية للإدارة المحلية و التنمية سلسلة "مواضيع الساعة" ع 66 ،2002 ص 34.

- محمد الحياني:"مظاهر التنمية المحلية و عوائقها الجماعات الحضرية و القروية نموذجا" طبعة ميمون وجدة الطبعة الأولى 1998 ص 9.

- المهدي بنمير:"اللامركزية و الشأن المحلي" سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية عدد 8 المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش 2000.

- المهدي بنمير:"الحكامة المحلية بالمغرب و سؤال التنمية البشرية " م س ص 71.

- علي سدجاري:"الدولة ضد المدنية" منشورات مجموعة البحث حول المجال و التراب مطبعة المعارف الجديدة الرباط 200 ص 85.

- صلاح الدين أكريلان: الميثاق الجماعي قراءة تحليلية " مطبعة سافوار برانت الطبعة الأولى 2009 ص 75.

- محمد بوجيدة:"التنظيم الجهوي اللامركزي بالمغرب" ، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2000. ص 177.

- محمد الحياني: "مظاهر التنمية المحلية وعوائقها، الجماعات القروية نموذجا"، مطبعة بنميمون، وجدة، الطبعة الأولى، 1998. ص 13.

- المادة 14 من قانون 17.08 و تحمل اسم:"اللجنة المكلفة بالتخطيط و الشؤون الاقتصادية و الميزانية و المالية" بالنسبة للجماعات التي يفوق عدد أعضاءها 35 و بالنسبة للجماعات التي يقل عدد أعضاءها عن 25 "اللجنة المكلفة بالتخطيط و الشؤون الاقتصادية و إعداد التراب و البيئة و الميزانية و المالية" أما القانون المتعلق بالتنظيم الجهوي في المادة 36 يشير إلى إحداث لجنة" مسائل التخطيط و إعداد التراب".

- سعيد الميري: التدبير الإقتصادي للجماعات المحلية بالمغرب" أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، وحدة القانون العام الداخلي، تخصص تسيير السلطات العمومية، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية- الرباط-، السنة الجامعية:2007-2008. ص 319.

- مصطفى عامر:" إشكالية التخطيط الاستراتيجي و التنمية المحلية" تدبير الشأن المحلي أشغال الندوات المنظمة خلال سنة 2005 وزارة الداخلية المديرية العامة للجماعات المحلية مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ط 1 2006 ص 114.

- مصطفى عامر: م س ص 116.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا