السياسة الحضرية و تدبير المجال المديني
إعداد الطالب :
عبدالعالي الصغيري sghiri abdelaali
السنة الجامعية :2012/2011
من مكناسة الزيتون
تقديم :
يعتبر موضوع المدينة موضوعاً مشتركاً تتقاسمه العديد من التخصصات ، و بذلك يمكن أن نتحدث عن مدينة الجغرافيين ، و التي يتم التركيز فيها على المجال و التهيئة ،ثم هناك مدينة الاقتصاديين ( الإنتاج ، التسويق و الاستهلاك ... ) ثم هناك ما يسمى مدينة السوسيولوجيين ، وما يميز هذه الأخيرة ( السوسيولوجيا ) هو البحث في الخفي من الرهانات الاجتماعية حول موضوع السلطة في المدينة . (1)
وإذا كان الفضل يعود إلى البحث الجغرافي والجغارفيون، في دراسة المجال الحضري وإبراز خصوصياته ومشاكله، فإن باقي العلوم الاجتماعية الأخرى وعلى رأسها السوسيولوجيا قد اهتمت هي الأخرى منذ نشوءها للظاهرة الحضرية، وهذا ما يمكن ملاحظته مع الرواد الأوائل المؤسسين لعلم الاجتماع (، دوركايم فيبر، زيمل... ) وكذلك مع رواد مدرسة شيكاكو والذين يعود لهم الفضل هم الآخرون في إنتاج تراكم نظري ومنهجي لا يستهان به حول جل الإشكالات المتعلقة بالمسألة الحضرية.
لقد عرف المغرب عملية أو ظاهرة التحضر مثله في ذلك مثل باقي البلدان التي في طور النمو، وإذا ما تتبعنا سيرورة التحضر بالمغرب ، فإننا سوف نلاحظ بأن ظاهرة التحضر فيه لم تأتي نتيجة لنمو طبيعي وتحول عادي في بنياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية... وإنما جاء نتيجة لتدخل الأجنبي مع حركة التوسع الإمبريالي في بداية القرن العشرين، مما أدى إلى ظهور تفاقم الاختلالات بنيويا ومجاليا لعل أهمها هو تكريس التبعية بمختلف أشكالها سواء منها الدولية في إطار علاقات التبادل اللامتكافئة بين المغرب والدول الرأسمالية أو الداخلية في إطار العلاقات اللامتكافئة بين البادية والمدينة التي كان من نتائجها تحول عدد كبير من سكان المغرب بين عشية وضحاها من سكان قرويين إلى سكان حضريين يقطن جزء منهم في مدن الصفيح.
إذن فما هو واقع المدينة المغربية؟ وما الإشكالات التي تعاني منها؟ وما موقع التنمية الحضرية والمدينية في سياسات التنمية الوطنية؟ ماهي تحديات إعداد المجال الحضري؟ وإلى أي حد يمكن أجرأة كل بنود التنمية الحضرية التي تضمنتها الخطط والاستراتيجيات والبرامج والمبادرات التنموية التي سنها المغرب لتهيئة المجال الحضري؟.
مع بداية تراجع الدولة المغربية في التدخل كفاعل مباشر في التنمية الاقتصادية والشروع في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي وفتح المجال لفاعلين محليين في إطار القطاع الخاص والمجتمع المدني، أصبح المغرب أمام تحديات جديدة تفرضها عليه حركة العولمة بالإضافة إلى التحديات والمشاكل الداخلية التي تعطل عملية النهوض بالتنمية المحلية في المجال الحضري ، مما أدى إلى طرح المشكلة بحدة في الآونة الأخير من أجل بناء سياسة وطنية قويمة وطموحة لإعداد التراب الوطني، وبالتالي إعداد وتهيئة وتنمية المجال الحضري، ومن ثمة تمت صياغة الميثاق الوطني لإعداد التراب، كما تم عقد حوار وطني حوله، ليتم الخروج بمجموعة من الخلاصات والتوجهات والأسس التي ينبغي الاعتماد عليها في إعداد التراب الوطني ومن بينه البرنامج الحضري، كما أن تفاقم الوضعية الاجتماعية وتدني المستوى المعيشي وانتشار الفقر وضعف البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وانتشار البطالة والأحياء الصفيحية...قد أدى كل هذا بالمهتمين والمعنيين إلى الانتباه لخطورة الوضع، مما أدى بهم إلى إعادة النظر في صياغة الخطط والاستراتيجيات التنموية، فجاءت بعض البرامج والمبادرات والاستراتيجيات التنموية، كبرنامج مدن بدون صفيح، والبرنامج الوطني لمحاربة الإقصاء في الوسط الحضري وإستراتيجية التنمية الحضرية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها من البرامج الأخرى التي تهدف إلى تحسين وضعية الفرد والرفع من مستوى معيشته. (2 )
من هنا أصبحنا نتحدث غن مفهوم الحكامة الحضرية التي تعتبر في قاموس التدبير الرشيد، كآلية تنموية تسهل عملية مشاركة السكان في تحقيق أهداف التهيئة وفق رؤية إستراتيجية مؤسسة على مقاربات التنمية البشرية المستدامة، وهي نتيجة حتمية لإعادة ترتيب علاقة المواطنين بالفاعلين المحليين والجهويين في ظل ديمقراطية تشاركية بدل الديمقراطية التمثيلية . و هي إذن دعوة صريحة إلى تجاوز حالة اللاتوازن الناتج عن أحادية صنع القرار دون مراعاة المنطق العلمي المؤسس على عناصر المشاركة في مختلف مراحل إعداد المشروع من التشخيص على البرمجة والتنفيذ ثم التقييم والمحاسبة في إطار سيرورة تمتاز بالشفافية والعقلانية. (3 ) فالإعداد والتنمية والتهيئة كلها مفاهيم تقنية تصب في ضرورة التنظيم النسبي للمجال حسب ما يعرفه من إمكانات ثقافية واجتماعية واقتصادية وايكولوجية، فهو التوفيق بين الشكل والمضمون والمحتوى المادي، يهدف إجرائيا وعمليا إلى إزالة الحدود بين مستويات المجال الوطني والمحلي وإلى العدالة بينهما في توزيع مدخلات ومخرجات التنمية المستدامة.
هكذا إذن، ومن خلال كل هذا سنحاول مقاربة و فهم التدبير المديني للمجال وفق هذه المتغيرات التي شهدتها السياسة الحضرية أو المدينية بالمغرب ، فإنتاج المجال بالمغرب يعرف تطورا مهما وتحولات مهمة في مقارباته ومبادئه، أفرزتها عوامل سوسيو-اجتماعية مهمة كالهجرة والنمو الديموغرافي...، وقد أفضى هذا التطور إلى إفراز ثنائية مجاليه تتجلى في بروز مجالات تتسم بالعقلانية في التدبير، محكم بمجموعة من المتغيرات الثقافية والاجتماعية، ومجالات تتسم بالتلقائية وتفتقر إلى مقومات التعمير المنظم من حيث الشكل والمضمون . (4 ) ، وذلك نتيجة للوفرة في الأزمات التي يعرفها هذا المجال، الواضحة بقوة في أشكال التنافر بين الإنسان والمجال، المترجمة في التمرد على الشكل والمضمون من طرف المستهلك، الذي يبحث من خلال منطقه الاجتماعي عن مستوى للتعايش مع الفضاء، الذي أنتج من خلال مقاربات تقصي جانب المعرفة والفهم في الإطار المنطقي المنظم لمراحل تطور المجال الحضري - الإنتاج، الإعداد والتدبير- .
ومن جهة أخرى، فغياب التذويب الميداني لثقافة المجتمع في مراحل التطور الحضري، يجعل معظم المتدخلين يواجهون حالات من الأزمة، ويجعل هذا القطاع مختلا على مستوى المخرجات والممارسات، فمن السهل أن نجد كثيرا من مظاهر الأزمة مرتبطة أساسا بالمبادرات الاستعجالية - أحياء إعادة الإسكان- في مجال التعمير، التي تكشف للملاحظ ما يعاني منه مجال التدبير الحضري من خلل على مستوى مقارباته ومبادئه وفلسفته.
إن الهدف من هذا المستوى من الفهم والتحليل، هو التأكيد على حتمية ما يمكن اعتباره طريقة جديدة في إنتاج المجال المديني ،تسعى إلى جعل إنتاج المجال غير مفروض، بل توافقي وتشاركي مع المجتمع المعني، ومؤسس على الفهم والمعرفة بالثقافة والأفكار السائدة للمستهلك والمستفيد . (5 ) إن دينامية من هذا القبيل، كفيلة بأن تهيئ الأرضية الملائمة للقيام بمجموعة من الإصلاحات السياسية، من شأنها أن تساهم في تعزيز اللامركزية، وتوسيع مشاركة السكان، من خلال تعزيز مبادئ المشاركة والتشارك والعدالة والشفافية والإدماج.
هذه المبادئ العامة للمنهج الحديث في التدبير، جاءت كعناصر أساسية لموضوعات الحكامة التي تعتبر كآلية للتدبير الرشيد والحكيم للموارد المكونة للمجال، بهدف تحقيق التوازن والاستدامة في التهيئة. وتتأسس على مجموعة من المتطلبات، أهمها الإشراك والمشاركة بين القطاعات المؤثث للمجال، من خلال مجموعة من القنوات المؤسساتية والقانونية، التي تمنح الفاعل والفرد الكفايات المناسبة للتوافق على أرضية مشتركة لعملية الإعداد يكون فيها للرأي والرأي الأخر حضور فعلي دون عمليات الحجر على رأي أي جهة. (6 )
لقد تطور المجال بالمغرب عبر مراحل كرونولوجية مختلفة من حيث فكرة الإعداد ومقاربات التدبير، و يمكن لمس هذا التطور بشكل واضح في تفاوت شكل المعمار، الذي يعتبر مرآة تعكس ما لصانعه من منطق علمي وعملي في توظيف مدخلات الاستقرار المديني، فالمدينة القديمة (في مدينة الدر البيضاء، طنجة، مراكش... ) كأول نواة حضرية أنتجت وتطورت في سياق تاريخي له خصوصية اجتماعية وثقافية متميزة وواضحة في شكل المعمار ومورفلوجية المجال، العاكس بامتياز لثقافة المنتج المؤسسة على التضامن والحوار وحسن الجوار والمحترم للخصوصية الدينية في ما يحمله من أشكال البساطة في المعمار، الذي لا يعبر عن المستوى الاجتماعي للقاطنين بشكل واضح، والكاتمة لأفعال وسلوكيات الأفراد اليومية ، انطلاق من انغلاق المنازل على الخارج وانفتاحها على السماء من الداخل .
هذا النموذج في الإعداد سيعرف اختلاف وتطورا مع بداية الاستعمار، الذي سيعمل في كثير من المدن المغربية على تأكيد حضوره الثقافي وعلى رغبة في الاستقرار الثقافي من خلال إنتاج وإعداد وتدبير المجال الاورومغربي، الحامل في شكله ما وصل إليه المنتج من تطور في مجال الفن المعماري، والعاكس للخصوصية الثقافية للصانع، والمحترم من جهة أخرى للثقافة المحلية من خلال ما حاول أن يطبع به معماره من ثقافة الأخر، تعبيرا على القبول بالحوار والثتاقف الاجتماعي. انطلاقا من اعتماده القرمود والزليج كناصر أساسية في تزيين الكثير من البنايات، والتي توحي للملاحظ بطغيان المقاربات الفنية والثقافية في الإعداد . (7 ) تستمر سيرورة تطور إنتاج المجال الحضري من حيث الشكل لتظهر بعد الاستقلال المدينة الحديثة أو المدينة المغربية، التي تأسست وتطورت في سياق اجتماعي يعرف الوفرة في المشاكل، و لعل أهما التزايد الديمغرافي لسكان المغرب في العقود الأخيرة، وارتفاع معدل الهجرة القروية نحو المدن وارتفاع معدل البطالة والفقر... فضلا عن فشل سياسات الدولة الحديثة التي ظلت تتميز بطابعها القطاعي الجزئي الأحادي البعد. بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى كضعف وثيرة النمو الاقتصادي، وسياسية التقويم الهيكلي التي زادت من تعميق الاختلالات البنيوية في المجتمع المغربي وتأزيم الوضعية الاجتماعية على حساب التطلع إلى تنمية اقتصادية مجهولة الأفق، والتي لم ينل منها الإنسان المغربي سوى الفقر والبطالة و والتهميش والإقصاء والتشرد... (8 ) مما كان له الأثر في تحرير المبادرة في البناء بهدف امتصاص الأزمة الحاصلة في السكن خاصة، تتأسس هذه المبادرة عموما على مقاربات ومبادئ تحقيق الربح ، التي تبنتها لوبيات يتعارض منطقها مع منطق التدبير الحضري ويتوافق مع منطق وقواعد الليبرالية التي تحقق الربح على حساب الأزمة، وكمنتوج عرف المجال ظهور مجموعة من التجمعات السكنية التي تحمل في أشكالها الخارجية جميع متغيرات التفاهة واللاثقافة من حيث الألوان والأشكال الهندسية التي تظهر كزوايا قائمة تعبر عن رغبة الصانع في الربح . الشكل كأهم متغير يوضح الخصوصية في الثقافة الحضرية، نجده في مدينة الدار البيضاء كنموذج هو شكل أزمة في العديد من التجمعات السكنية، يوضح البعد عن كل ما هو ثقافي واجتماعي والقرب من التعمير التلقائي التي مجلات تفتقر إلى مقومات الثقافة وتتوفر فيها شروط التفاهة . (9 ) واذا ما حاولنا استقراء المجال الحضري بالمدن المغربية نجده من حيث كرونلوجية تطور المجال يتجه من وضع الإيجاب في اتجاه السلب، المعبر عنه بوضوح فيما أنتج بعد الاستقلال من طرف المبادرة الحرة ، التي اعتمدت في مبادئها الميدانية أسلوب التلقائية والسرعة في إنتاج التجمعات السكنية .
واقع يوضح الأزمة في فكر الإعداد ومقاربات الإنتاج التي تعرب الإنسان المستفيد من متنوجها كمفعول به فاقد للأهلية والخصوصية، ومستهلك لا منتج وهدف لا محور من كل عملياتها، هذا نلمسه فيما يعرف بأحياء إعادة الإسكان التي أنتجت لتدبير الأزمة التي تعرفها الحواضر ولعل أقرب مجال يوضح لنا التنافر في المضمون والحاجيات هو مجال التشارك: الذي أنتجه مدبرو التراب المديني لإعادة إسكان قاطني كريان ابنمسيك الواضح فيما خضع له من تغيير على مستوى المضمون الذي لم يتوافق ويتطابق ولو نسبيا مع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لهذه الشريحة من السكان، فمجموع الشقق تحولت شرفاتها على غرف للتخزين في أحسن الأحوال وللسكن في أقصاها، فالمدبر لهذه العملية والواضع لتصورها الهندسي لم تكن له من المعرفة ما يكفي بحاجيات هذه الساكنة وبأولوياتها وبخصوصياتها الديموغرافية والثقافية، مما أثر بشكل سلبي على استغلال المجال، فالتغيير في المضمون يعتبر في منطق المستغل كرد فعل ضد إقصاء حاجياته في الإنتاج، فهل يحتاج ساكن التشارك في ثقافته اليومية إلى الحمام اليومي أم يحب حمام الدرب الذي يعتبر بالنسبة غليه مجالا لتبادر الآراء والأفكار والنقاش حول مشاكله اليومية العائلية والاجتماعية مع الجيران.
لنتقدم أكثر في تقديم أزمة المضمون بالفهم ، ننتقل إلى الدرب ثم الحي، الذي نجده في واقعه يقصي ثقافة التضامن الاجتماعي التي تميز المغربي، فمجموع التجمعات السكنية تكاد تخلو من مجلات الترفيه كالمساحات الخضراء التي تغيب في حي التشارك والتي عبر مجموعة من قاطنيها عن رفض إقصائها في عمليات الإعداد بالتمرد على المجال وعلى تصميمه بوضع مجموعة من المساحات الخضراء تنطلق من المبادرة الفردية لتعم المبادرة الجماعية التي يشارك فيها أبناء الدرب تعبيرا عن ثقافتهم، وهذا أقل ما يمكن القول عن واقع المضمون، الذي يعكس لنا مقاربة الصانع.
الشكل والمضمون متغيرين يوضحان الأزمة في الإعداد بامتياز ويعكسان مقاربة التطبيق المعياري في إنتاج المجال، بدل مقاربة المعرفة والفهم، فالمهندس والمقاول والمعماري في المدينة المغربية لم يتحكم ويحتكم في رؤيته وتصوره للمجال للمتغير البيئي والاجتماعي والثقافي، واهتموا بالبحث عن أقصى ما يمكن صناعته لاستغلال المجال واضعين في تمثلهم تقنيات الرسم والخطوط و البناء.
النتيجة واضحة في التنافر بين الإنسان والمجال وفي ما أنتج من سلب في مخرجات الإعداد، تنطلق من التمرد على المنتوج بالتغيير والتعديل إلى العنف الاجتماعي والإجرام وغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية بالأحياء الهامشية، إلى تحول المجال في التمثل والتصور من مجال معاش إلى مجال مدرك يعرفه الإنسان في حركته اليومية ويرفض الانسجام مع مكوناته المعمارية والاجتماعية . (10 )
إذن فبعد هذه الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن سياسات ذات المقاربات القطاعية المنغلقة، برز تفكير جديد الى ساحة التداول، مفاده ضرورة اعتماد المقاربة الشمولية التكاملية بين كل القطاعات، وخاصة في مستوى تدبير المجال الحضري. هذا جاء أيضا استجابة للمنطق الحديث المعتمد على البعد التشاركي في تدبير الشأن المحلي، وذلك في أفق محاولة تحريك دواليب التنمية الحضرية.وهذا يعني ضرورة إشراك الفاعلين المحليين. سواء كانوا من الحقل السياسي، أو من ساحة المجتمع المدني، أو من عالم الاقتصاد، من أجل بلورة مخططات تدبير الشأن المحلي، ومشاريع التنمية الحضرية.
ومن بين الأسس والركائز التي تقوم عليها هذه المقاربة الشمولية، نجد ضرورة تأهيل النسيج الاقتصادي الوطني، تكوين الموارد البشرية، التدبير الحضري وسياسة المدينة، المحافظ على الموارد الطبيعية، التنمية المتسديمة، التأهيل المجالي ومناطق التدخل الخاص، تنمية العواصم الوطنية والأقطاب الجهوية، والتنمية المحلية المندمجة، تدعيم اللامركزية وتوسيع نطاق اللاتمركز، الديمقراطية، الشراكة والمشاركة. (11 )
من هنا أهمية المبادئ التي يجب أن يعتقد ويؤمن ثم يتشبع بها الفاعل في إنتاج وإعداد وتدبير المجال المديني، هي مبادئ التشاور والتشارك التي يعتبر تفعيلها مدخل استراتيجي وحتمي للوصول إلى ذوق المستهلك ونمط عيشه الحقيقي، فمبادئ من هذا النوع سيكون لتبنيها نتيجة التحكم في سيرورة التحولات التي يعرفها المجتمع، أو بمعنى أخر ستمكن من في مراحل متقدمة في عملية إنتاج المجال من الاستجابة للحاجيات المتجددة للمواطنين - الكمية والكيفية - بناء على الخصوصية الجهوية والمحلية.
في هذا المستوى من الإنتاج سنتحدث عن التهيئة الديمقراطية بدل التطبيق المعياري لتقنيات المهندس ورغبات المقاول والمستثمر على حساب الأزمة، فتفعيل فلسفة من هذا النوع سيعرب المستهلك كفاعل به بدل مفعول به، وسننتقل إلى مستوى التهيئة التشاورية-التفاوضية بدل التهيئة الإجبارية، وسيعرف اللانتاج في قاموس التعمير بالمشروع الحضري الذي يحمل في إطاره المنطقي رغبات المستهلك مترجمة في أهداف وعمليات ونتائج ومؤشرات تقييم تشاركية توافقية المجتمع، هنا ينتقل المهندس والمعماري " على الإبداع وقت وضع الخطوط والأشكال والألوان للمجال" لترجمة أولويات وحاجيات المديني هذه المقاربة ستمكن كذلك من الوصول إلى مستوى التوافق بين مختلف الفاعلين، أو بمعنى ستمكن من إعداد الأفكار ، وخلق التوازن بين ثقافة المنتج وأفكار المستهلك، وكمخرج لهذا سيتم التحكم في إشكالية المديني الجديد الذي يجذب إلى الوسط الحضري للتضارب ثقافته البدوية مع محتويات المجال الحضري، وستحد من ردة فعله التمردية ضد مكونات المجال الحضري.
إن تحقيق مدينة فعلية وتنافسية يتطلب حكامة حضرية، قوامها الإشراك والتشارك واستشراف المستقبل بناء على التوافق من أجل التوازن، وهذا يستوجب إضافة إلى ما سبق تقديمه ، اتخاذ مجموعة من المقاربات كمعتقدات وقوانين يتبناها المنتج والمستهلك للمجال المديني.
الفهم والمعرفة، التشاور والتشارك، مداخل لإعداد الأفكار وأساس لإعداد المجال، وبالتالي التأسيس لتعمير يسهم فيه الجميع ويمنح المواطن حق المشاركة الفعلية في إعداد المشروع ويمكنه من التفاعل في اتخاذ القرار والتأثير في بلورة التوجهات المتعلقة بالإنتاج والتدبير، ويرسخ الاحترافية في قطاع التعمير ويطور التخصص في ميدان التنمية الحضرية.
إن الهدف من هذه المقاربة هو إيجاد الحلول الملائمة والمستديمة لإشكالية التكتلات العمرانية، لجعلها ذات قدرة تنافسية تمكن من التعايش بين الإنسان والمجال والزمان، وتوافق بين الحداثة والارتقاء بالهوية الوطنية والخصوصية الجهوية والمحلية.
هذا يوفر إطاراً مرناً للتوفيق بين الشكل والوظيفة في عمليات الإنتاج، بناء على التوافق وسيتحكم في حدة الأزمة الحضرية ويمكن من التوازن بين الإنسان والتراب، وسيكون المنتوج المديني مرآة تعكس المحتوى الثقافي والفكري للمستهلك.
أحسن ما يمكن إنتاجه في ظل هذه المبادئ هو المعمار "الديمقراطي" الذي يستطيع التوفيق بين الثقافة والفكر والحداثة بحثا عن المدينة المعبرة عن الثقافة الشعبية بواسطة الأشكال والألوان والمضمون والوظائف، و لا مناص من اعتماد المقاربة الشمولية، والتي تشرك كافة الفاعلين المحليين والاهتمام بحاجيات ورغبات المواطنين، لأن وضع المخططات والاستراتيجيات التنموية ينبني على أساسها، يفتح هامشا واسعا من تحقق الأهداف المتوخاة منها. (12 )
إن أزمة المجال ومجال الأزمة الواضح في تنافر وتمرد الإنسان على المجال، هو نتيجة وترجمة لمقاربات التطور الحضري التي تتخذ كمنهج لها التطبيق المعياري السهل لأهداف الشبكات الاقتصادية المستثمرة في إنتاج المجال على حساب الأزمة، ويليق بالقرار الإداري المتبني للمقاربات الترقيعية كحل للمشاكل، والتقني المتناسي للثقافة المحلية، مما يعطي مجالا مدينيا يعرف الوفرة في السلب، ويتدبدب بين أزمة المدينة المفروغة من المحتوى الفكري والثقافي ومدينة الأزمة التي لا يبحث المنتج عند بنائها إلا عن الصنع المربح، مقاربة يعرب الإنسان في قاموسها كمفعول به في خدمة الاقتصاد . (13 )
ويمكننا القول بأن تدبير و تنمية المجال المديني اليوم يبقى رهينا لمدى اعتمادنا على مقاربات تنموية شمولية ومتعددة الأبعاد تنطلق من خصوصية كل مجال حضري على حدة، حسب امكاناته وموارده ورساميله، وذلك بالاعتماد على الفاعلين الحضريين المحليين وعلى نتائج الأبحاث العلمية حول المدينة، واشراك السكان المحليين في صياغة هذه المقاربة التشاركية من أجل بناء أقطاب حضرية، قادرة على المنافسة وتجاوز مشكلات التوسع الحضري. بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي للمدينة المغربية دون إغفال كذلك العلاقة الجدلية بين المدينة والبادية.
وهكذا فإنه بدون تهيئة الإنسان لا يمكن البتة الحديث عن تهيئة للمجال الحضري، سيما وأن العلاقة بين الاثنين (الإنسان والمجال ) علاقة جدلية، لا يمكن الفصل بينهما بأي حال من الأحوال. وبالتالي فإن النهوض بالأوضاع الاجتماعية للإنسان الحضري من خلال تقليص نسبة الفقر والبطالة وتوفير مناصب الشغل ومحاربة الإقصاء والتهميش... والرفع من مستوى عيشه وتوسيع خياراته وتقوية قدراته ومؤهلاته. كلها إجراءات ستجعل منه أداة فاعلة في التنمية الحضرية، وبالتالي المساهمة الفعلية في تهيئة المجال الذي ينتمي إليه. (14 ).
هوامش :
ـــــــــــــــ
(1) ما هي المدينة ، درس الانتروبولوجية الحضرية، بن محمد قسطاني أستاذ بكلية الآداب و العلوم الإنسانية مكناس.
(2) المهدي بنمير " المدينة المغربية أي تدبير للتنمية الحضرية؟" سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية (1) مطبعة دار وليلي للطباعة والنشر مراكش، الطبعة الأولى، 2005.
(3) الحكامة الحضرية ،عادل جعفر (مقال ).
(4) إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة" عادل جعفر.
(5) (المرجع السابق).
(6) طلبة تدبير الادارة المحلية.
(7) إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة" عادل جعفر.
(8) بوزيان بوشنفاتي، في التحضر والثقافة الحضرية بالمغرب: دراسة في البناء الاجتماعي لمدن الصفيح، الطبعة الأولى 1988. منشورات الحوار الأكاديميوالجامعي.
(9) إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة" عادل جعفر.
(10) (المرجع السابق).
(11) عبد المالك ورد، الفاعل المحلي، وسياسة المدينة بالمغرب، الطبعة الأولى،2006.
(12) الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني،2002.
(13) إنتاج المجال: من التعمير الاجباري إلى التعمير التوافقي " جودة المجال جودة الحياة" عادل جعفر.
(14) تقرير الخمسينية، المغرب الممكن، من أجل طموح مشترك، الطبعة الأولى، 2005.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق