جامعة
المنيا
كلية
التربية - قسم
المناهج وطرق التدريس
|
الجغرافيا والإنسان : دراسة فى تطور علم الجغرافيا وتداعياته
التربوية
إعداد - إدريس سلطان صالح يونس - مدرس مناهج وطرق تدريس الدراسات
الاجتماعية -كلية التربية ـ جامعة المنيا.
المحتويات
الموضوع
|
الصفحة
|
أولاً ـ تعريف علم الجغرافيا
ثانيا
ـ طبيعة الجغرافيا
ثالثاً ـ تطور علم الجغرافيا
■
الجغرافيا في
العصور القديمة والوسطى
■
نشأة الجغرافيا
الحديثة
■
راتزل والحتم
الجغرافي
■
المدرسة الإمكانية
فى مقابل الحتم البيئي
■
هتنر والاتجاه
الإقليمي
■
الاتجاهات الحديثة
فى علم الجغرافيا
■
التطورات المعاصرة
لعلم الجغرافيا
رابعاً ـ أهمية علم الجغرافيا
خامساً ـ الجغرافيا والعلم
والتكنولوجيا
■
الجغرافيا والعلوم
■
الجغرافيا
والتكنولوجيا
سادساً ـ الجغرافيا والبيئة والمجتمع
سابعاً ـ الجغرافيا والإنسان
■
تأثير الجغرافيا
على الإنسان
■ الإنسان
(الظهور والموطن الأصلي والانتشار والتطور ودور الجغرافيا )
■
ظهور الإنسان
■
الجغرافيا والموطن
الأصلي للإنسان
■
الجغرافيا وانتشار
الإنسان
■
البيئة الجغرافية
والتنوع السلالي
■
العوامل الجغرافية
وتأثيراتها على الإنسان
■
المناخ والإنسان
■
مظاهر السطح
والإنسان
■
الحياة النباتية والإنسان
■
تأثير الإنسان فى
الجغرافيا
ثامناً ـ الجغرافيا والمعطيات
التربوية
■
الجغرافيا وعلاقتها
بالجغرافيا التربوية ( تعليم الجغرافيا
)
■
قيمة الجغرافيا
التربوية
■
الواقع الحالي
لمناهج الجغرافيا وطرق تدريسها فى التعليم العام
■
ضرورة التطوير
■
مجالات التطوير
■
تطوير أهداف ومحتوى
مناهج الجغرافيا
■
إستراتيجيات
التدريس
■
تطوير الأنشطة
والوسائل والتقنيات التعليمية
■
تطوير أساليب
وأدوات التقويم
■
تطوير تكوين المعلم ( الإعداد والتدريب )
ـ المراجع |
4
8
10
10
10
12
12
13
13
17
17
19
19
21
25
27
27
27
27
28
28
29
29
32
32
36
38
39
42
42
43
47
50
51
51
53
58
59
59
61
|
الجغرافيا
والإنسان
دراسة في تطور علم الجغرافيا وتداعياته
التربوية
أولاً ـ تعريف علم الجغرافيا:
تعد
الجغرافيا همزة الوصل بين الأرض والإنسان والعلاقة القائمة بينهما سلباً وإيجاباً،
حيث تعد الجغرافيا إحدى العلوم الاجتماعية التي تربط بين الإنسان وبيئته منذ أقدم
العصور وحتى وقتنا الحاضر ، بالإضافة إلى ذلك تعتبر الجغرافيا من العلوم التكاملية
التي تربط بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية .
وقد
خضعت الجغرافيا كغيرها من العلوم لكثير من التغيير والتطوير كما عانت أيضاً من
اختلاف العلماء والمفكرين فى عدم التحديد الدقيق لتعريفها ووظيفتها ومفهومها ، بل
نجد أن لكل مجموعة من العلماء والمفكرين تعريفاً لعلم الجغرافيا.( حسن بن عايل أحمد يحي :2001 ، ص 359)
وهكذا
تباينت الآراء والأفكار التي تعرضت لتحديد وتعريف علم الجغرافيا . ولذلك فإنه من
الصعب اختيار أو صياغة تعريف واحد متفق عليه بين العلماء والمفكرين ولكن من الممكن
استعراض مجموعة من التعريفات لهذا العلم على النحو التالي:
ـ الجغرافيا علم وصف الأرض :
لعل تعريف الجغرافيا
بأنها علم وصف الأرض هو أقدم تعريف لها ، بل أنه التعريف المستمد من المعنى الحرفي
لكلمة " جغرافية "Geography المشتقة من الجذور الإغريقية Geo
بمعنى الأرض و Graphy
وتعنى وصف ، والمعنى الإجمالي هو وصف الأرض .
ويتعرض هذا التعريف للانتقادات الشديدة
وذلك لعدة أسباب منها :
1
ـ يجعل هذا التعريف من الجغرافيا مادة وصفية ، ويفقدها الصفة العلمية . كما أن
اقتصار الجغرافيا على الوصف من شأنه أن يجعل الجغرافي يتورط في تلمس الغرائب
والعجائب والطرائف مما يباعد بينه وبين التحقيق والتدقيق في مادته .
2 ـ إذا كانت
الجغرافيا في فترة من فترات تطورها المبكر قد اقتصرت على الجانب الوصفي فإن
الحقائق والمعلومات الجغرافية لم تلبث أن تجمعت وتكدست . وكان من الطبيعي أمام هذا
الحجم الكبير من الحقائق والمعلومات أن تتطور لتستخرج أنماطاً متشابهة من جهة
ومتمايزة من جهة أخرى ، ذلك أن المشاهدة والتسجيل وإن كانت ضرورة من ضرورات أي علم
إلا أنها لا تمثل سوى مرحلة أولية من دراسة هذا العلم وهى مرحلة جمع المادة الخام
التي تتلوها مراحل أخرى تقوم أساساً على التحليل .
3
ـ إن الاقتصار على الجانب الوصفي من شأنه أن يحول الدراسة الجغرافية إلى ما يشبه
دوائر المعارف ، ويحول دون التوصل إلى قواعد عامة وقوانين علمية تحكم الظواهر
الجغرافية المختلفة ، وبمعنى آخر يباعد بين الجغرافيا وبين تقنينها علمياً .
ـ
الجغرافيا علم كوكب الأرض :
يعد جيرلند Gerland من أشد المتحمسين لهذا
التعريف ، وربما كان يهدف من هذا أساساً إلى إدخال الجغرافيا ضمن العلوم الطبيعية
وذلك لتأكيد علمية الجغرافيا ، ولإنقاذها من الإغراق من الجوانب الوصفية التي سادت
فى الدراسات الجغرافية فترة طويلة من الزمن .
ويقصد بتعريف الجغرافيا كعلم كوكب الأرض أنها
العلم الذي يتناول بالدراسة الكرة الأرضية كأحد كواكب المجموعة الشمسية من جهة ،
كما يتناول دراسة الكرة الأرضية ذاتها حتى قشرتها من جهة أخرى . ومعنى هذا أن
الجغرافيا تبعاً لهذا التعريف تضم أساساً جانبين من الدراسة أحدهما الجغرافيا
الفلكية والرياضية ، وثانيهما الجوانب الفوتوغرافية للأرض . ويرتبط أولهما
ارتباطاً وثيقاً بعلم الفلك وعلم الرياضيات ، ويرتبط ثانيهما بعلم الطبيعة الأرضية
.
وتعرض هذا التعريف
لنقد شديد إذ أن الجغرافيا تبعاً لهذا التعريف تصبح علماً طبيعياً خالصاً وتهمل
دراسة الجوانب البشرية وفى هذه الحالة يصعب وضع حدود واضحة بين الجغرافيا وبين
العلوم الطبيعية الأصولية التى ترتبط بها ، وكذلك إهمال دراسة الجوانب البشرية
وتأثرها بعناصر البيئة الطبيعية .
ـ الجغرافيا علم التوزيعات :
اقترح بعض الجغرافيين
خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر تعريف الجغرافيا بأنها علم التوزيعات. غير
أن هذا التعريف لم يلبث ـ بحكم قصوره ـ أن لقي نقداً شديداً من جغرافي القرن
التاسع عشر وأوائل القرن العشرين يتلخص فى :
1 ـ إذا كانت
الجغرافيا علم التوزيعات فما حدودها ؟ إن كل شئ على سطح الأرض يقع بالضرورة في
مكان ، أي لكل شئ توزيعاً على سطح الأرض أو على سطح جزء من الأرض ، ومعنى هذا أن
الجغرافيا تبعاً لهذا التعريف تختص بتوزيع أي شئ بصرف النظر عن صلة هذا الشيء
بالجغرافيا .
2
ـ أن تعريف الجغرافيا بعلم التوزيعات واختصاصها بتوزيع أي شئ ، يجمع داخل نطاق
الجغرافيا أشياء وظاهرات متنافرة مما يفقد الجغرافيا وحدتها . والمعروف أن الوحدة
والتجانس بين الظاهرات التي يدرسها أي علم شرط أساسي لعلمية هذا العلم. وهذا يفتح
المجال لاتهام الجغرافيا بأنها علم مركب يضم خليطاً متنافراً من الموضوعات التي لا
تعدو أن تكون أجزاء من علوم أخرى.
3 ـ أن تعريف
الجغرافيا بعلم التوزيعات يسلب الجغرافيا كيانها المستقل عن العلوم الأخرى ، ذلك
أن التوزيع فى الحقيقة هو منهج علمي تستخدمه علوم كثيرة ، فعلم الجيولوجيا يعنى
بتوزيع الظاهرات الجيولوجية كالبراكين مثلاً ، وعلم النبات يعنى بتوزيع الصور
النباتية ، وعلم الحشرات يعنى بتوزيع مختلف أنواع الحشرات 000 وهكذا .
وليس
معنى هذا ألا يتعرض الجغرافي للتوزيع ذلك ن التوزيع هو نقطة البداية الحقيقية
لدراسة أي ظاهرة جغرافية ، كل ما في الأمر أن الدراسة الجغرافية هى أوسع وأشمل
بكثير من مجرد توزيع ظاهرة ما أو مجموعة من الظاهرات توزيعاً مكانيا على الخريطة .
ـ الجغرافيا علم الاختلاف الإقليمي
:
استقر رأى الجغرافيين على أن إبراز
الاختلافات الإقليمية هو من صميم اختصاص الجغرافيا وأنه الهدف الرئيسي الذي يسعى
علم الجغرافيا إلى تحقيقه. وقد دعا هذا بعض الجغرافيين إلى تعريف علم الجغرافيا
بأنه علم الاختلاف أو التباين الأرضي أو الإقليمي ، ونتيجة لذلك زاد اهتمام
الجغرافيين بالدراسات الإقليمية ، وأصبحت الجغرافيا الإقليمية فرعاً أساسياً من
فروع علم الجغرافيا .
ولا
يقتصر إبراز الجغرافيا للاختلافات الإقليمية على ظاهرة جغرافية واحدة ولكنه تعداها
إلى إبراز هذه الاختلافات في مجموعة من الظاهرات الجغرافية مجتمعة.
الواقع أن تعريف الجغرافيا بأنها علم
الاختلاف الإقليمي يرتبط بتعريفها بأنها علم التوزيعات ، ذلك أن التوزيع وإبراز
الاختلاف إنما يرتبطان ببعضهما تمام الارتباط ، بل أن التوزيع ينبغي ألا يكون
هدفاً وغاية بل ينبغي أن يكون وسيلة لإبراز الاختلاف الإقليمي ، ومعنى هذا أن
التوزيع وحدة يعتبر دراسة جغرافية مبتورة وإن كان يدخل في صميم الجغرافية .
والخلاصة أن التوزيع والاختلاف الإقليمي تعريفان متكاملان .(محمود على عامر : 1999
، ص ص 14-18) ، ( محمد صبحي عبد الحكيم :1995/1996، ص ص 18-25).
نستخلص
مما سبق :
ـ أن تأثر الفكر الجغرافي باتجاهات فكرية أخرى
سيجعل معتنقي كل اتجاه يقومون بصياغة تعاريف لعلم الجغرافيا تعكس اتجاهاتهم
الفكرية . وهكذا تعددت الاتجاهات وتنوعت المدارس الجغرافية التي تعكسها كثرة
التعريفات ، ومع ذلك تتميز الجغرافيا بعدد من الملامح العامة التي توضح اهتمامها
بدراسة العلاقات والاختلافات بين الظاهرات المختلفة والتي يمكن بلورتها على النحو
التالي :
1
ـ ارتباط دراسة الجغرافيا بالمكان ارتباطاً وثيقاً سواء أكان هذا المكان مساحة
محدودة أم على مستوى العالم
2
ـ اهتمام دراسة الجغرافيا بالظاهرات الطبيعية والبشرية على حد سواء .
3
ـ إبراز عملية التوزيع والتحليل والوظيفة ( العلاقات بين الأماكن ) .
4
ـ الاهتمام بالاختلافات والتشابهات المكانية .
5
ـ السعي إلى الشخصية الإقليمية المتميزة .(حسن بن عايل أحمد يحيى :2001 ، ص 360 )
.
ـ
وبالتالي يصبح علم الجغرافيا هو ذاته العلم المكاني والذي تدور نظرية المعرفة Epistemology فيه حول تنمية المعرفة المكانية . ويستهدف البحث فيه الكشف عن
التركيبة العناصرية للمكان في أوضاعها الراهنة ، وأنماط هذه التراكيب عبر الأمكنة
والأزمنة ، والوقوف على التحولات التي تطرأ على هذه التراكيب العناصرية للمكان عبر
الزمن لاستخلاص القوانين والميكانيزمات التي تنبئ بمستقبل هذا المكان أو الظاهرة
أو ما يشبهها من أمكنة أخرى أو ظاهرات شبيهة ، والوصول بهذه التراكيب العناصرية
للأمكنة إلى حالة التوازن . (فتحي محمد مصيلحى :1994،ص 19)
ويتضح من هذا المفهوم المعاصر لعلم
الجغرافيا أنه يتجاوز الوضع الحالي للظاهرة الجغرافية وينتقل إلى المستقبليات .
ثانيا ـ طبيعة الجغرافيا :
تدخل
الجغرافيا فى نطاق العلوم المكانية حيث أنها تحلل العلاقات المكانية Spatial
Relationships . وفى هذا المجال
يدرس الجغرافي ترابط الظاهرات المختلفة ، وفى هذا المعنى يقول ف.لوكرمان :"
دراسة المكان أو المجال كظاهرة معقدة ووحدة متداخلة حكر للجغرافيا . وليس هناك فرع
من فروع المعرفة غير الجغرافيا يقوم بدراسة الحقائق المرتبطة بالمكان من وجهة
النظر المكانية فقط وليس من وجهة نظر الظاهرات نفسها ).
ويؤكد هذا المفهوم ايريك براون السكرتير الفخري
للجمعية الملكية الجغرافية :" إذا كان بالإمكان اختصار فحوى علم الجغرافيا فى
كلمة واحدة كما يفعل علماء النبات عندما يقولون علم النبات يهتم بالنباتات فإن علم
الجغرافيا يهتم بالمكان . فالناس يصنعون المكان والمكان يصنع الناس ).
ودراسة المكان فى الفكر الجغرافي المعاصر
لم تعد دراسة ساكنة بل هي دراسة ديناميكية ـ دراسة المكان ذات الطبيعة المتجددة
المتغيرة المتحركة .فدراسة الجغرافي للبيئة الطبيعية والإنسان هي دراسة متلازمة
مترابطة ترابطاً أصولياً وموضوعياً . كما أن البحث الجغرافي ينطلق من منطلق تمليه
العلاقات التكاملية بين البيئة والإنسان . والتخصص الدقيق فى فرع من فروع
الجغرافيا الطبيعية ، أو من فروع الجغرافيا البشرية لا يعفى الجغرافي من الإحاطة
الكلية بالقواعد التى تقوم عليها العلاقة التكاملية بين البيئة والناس .
الدراسة الجغرافية إذن تسهم فى توسيع
المفهوم التكاملي للأنظمة الايكولوجية حيث أنها تركز على الأنشطة البشرية . بحيث
يغطى هذا المفهوم النواحي الاجتماعية والاقتصادية للإنسان ، ويدرس تفاعل الإنسان
مع البيئة الطبيعية واستخدامه للموارد الطبيعية والتقنيات المستعملة فى هذه
الموارد واستجاباته لتدهور البيئة ونقص الموارد .
أما من حيث المضمون فيهتم علم الجغرافيا
بفحص وربط وتنظيم وتقنين ظاهرات الأرض ، فهو يدرس شكل وحجم الكرة الأرضية ،
وتحركات السطح ، وتوزيع اليابس والماء ، والتركيب الصخري للقشرة الأرضية ،
والعمليات التى تؤثر فى أشكال سطح الأرض والأحوال الجوية وما ينتج عنها من اختلاف
فى أنماط المناخ . ويوجه اهتمامه كذلك لدراسة اختلاف الحياة النباتية والحيوانية
وتوزيعاتها ، إلى جانب دراسة السلالات البشرية التى عمرت سطح الأرض وتوزيع السكان
والأنشطة المختلفة لهم . ذلك بالإضافة إلى المحلات العمرانية التى يقطنها . وباختصار
تنحصر الجغرافيا فى دراستها فى دراسة مكان وسبب كيفية الأشياء . وتنسب إلى ايزياه
بومان Isiah
Bowman الجغرافي الأمريكي
المشهور تلك العبارة الموجزة :" الجغرافيا تعرفنا ماذا وأين وكيف وما شأنه
".
ويختلف الباحثون فى عدد الموضوعات التى
تنطوي تحت الجغرافيا ، فقد تزيد عند البعض عن خمسة عشر موضوعاً . لكن هناك اتفاق
أن علم الجغرافيا ينقسم إلى قسمين رئيسين : الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية
. الجغرافيا الطبيعية تتناول دراسة سطح الأرض من حيث البنية والتركيب والمناخ
والنبات والحيوان من حيث تأثيرها فى الحياة الإنسانية . والجغرافية البشرية تتناول
دراسة النشاط الإنساني فى البيئة والتفاعلات المتبادلة بين الإنسان والبيئة . ومن
أقسام الجانب الطبيعي دراسة التضاريس ونظم التصريف النهري ، ودراسة الموارد الأرضية
والحياة النباتية والتربة. وينطوي تحت الجغرافيا البشرية عدة فروع مثل جغرافية
السلالات البشرية وجغرافية السكان والمدن والجغرافيا الاقتصادية والسياسية. وكل
نوع من أنواع الجغرافيا السابقة يتناول نشاطات الإنسان المتعددة فى بيئته .
هذه المظاهر الطبيعية والبشرية يدرسها الجغرافي
دراسة أصولية وإقليمية بمعنى أن الجغرافي يدرس الموضوع Topic أو الإقليم Region
( يدرس العلاقات الموجودة بين الظاهرات والتفاعل بينها داخل الإقليم الواحد ) .
وفى علم الجغرافيا هناك ارتباط عضوي وحيوي بين الموضوعية والإقليمية فإذا بدأ
بالموضوع انتهى إلى الإقليم وإذا كانت الإقليمية هدف الدراسة فإنه لا نجاح لهذا
الهدف دون الاستعانة بالمنهج الموضوعي . بعبارة أخرى هناك تدرج بين الموضوعية
والإقليمية بحيث يمثل كل منها إطاراً مكملاً للآخر. ( أحمد عبد الله أحمد بابكر :
1987،ص 293-295).
ثالثاً
ـ تطور علم الجغرافيا (·)
ـ الجغرافيا في
العصور القديمة والوسطى :
بدأت
الجغرافيا مع تواجد الإنسان على كوكب الأرض في شكل علم وصفى ، وتطورت مع تطوره
الفكري والفلسفي . فكان الإنسان القديم ينظر ويتطلع إلى المناظر والمعالم من سطح
تل أو من فوق ربوة ، أو على امتداد بصره ، إلى الأفق ليرى أين يعيش ، وأخذ الإنسان
منذ تواجده على الأرض يعطى للظواهر الأسماء والصفات باللغة التي ينطق بها وظل
الفكر الجغرافي في العصور القديمة يرتكز على دعائم ثلاث هي :
ـ الكشف الجغرافي
الذي أدى إلى جمع كثير من الحقائق عن سطح الأرض .
ـ رسم خرائط ومصورات
جغرافية للمناطق المعروفة .
ـ التأمل فى المادة
والمعلومات التي جمعت .
وينظر
للإغريق كمؤسسين لعلم الجغرافيا ـ وليس أدل على ذلك من أن كلمة جغرافيا كلمة
إغريقية معناها وصف الأرض ـ ، ويرجع إليهم الفضل فى نشأة الجغرافيا وفروعها
المتعددة ، فالجغرافيا الرياضية نشأت على يد طاليس فى القرن السادس قبل الميلاد ،
كما أن الجغرافيا الطبيعية تقدمت بعض
الشيء على حين أن الجغرافيا البشرية لم تنل عناية تذكر . وهذا الازدهار لعلم
الجغرافيا على أيدي الإغريق لم يلبث أن شهد تدهوراً على أيدي الرومان.
ثم
جاءت مرحلة العصور الوسطى واستطاع العرب والمسلمين أن يحافظوا على استمرار تقدم
علم الجغرافيا وتطور الفكر الجغرافي ، ولم يقتصر فضلهم على محافظتهم على التراث
الإغريقي فحسب ، ولكنهم أضافوا إلى الفكر الجغرافي إضافات جوهرية مهدت السبيل إلى
النهضة التي شهدها علم الجغرافيا فى أوروبا فى مطلع العصر الحديث ، سواء من حيث
الجغرافيا الوصفية أو الجغرافيا الفلكية والرياضية وتقدم المفاهيم الجغرافية وفن
الخرائط .
ـ نشأة الجغرافيا
الحديثة :
بدأت الجغرافيا تأخذ مكانها كعلم بين
العلوم بفضل المدرسة الجغرافية الألمانية والى كل من كارل ريتر Karl Ritter وهمبولت Alexander
Van Humboldt
بصفة خاصة .
وإذا كان ريتر وهمبولت من جغرافي القرن
التاسع عشر إلا أن البذور الأولى لعلم الجغرافيا قد وضعت على يد الفيلسوف كانت Emmanuel Kant في القرن الثامن عشر ، عندما قاده اهتمامه بنظرية المعرفة وفلسفة
العلم إلى أن يجمع مادة لمصنف في الجغرافيا الطبيعية التي كانت تدور عنده حول محور
إنساني . أما كارل ريتر Karl Ritter فقد اتجه فى البداية نحو الجغرافيا ليضع أساساً
لدراسة التاريخ ، ولكن الجغرافيا لم تلبث أن احتوته وانصرف إليها تماماً بنشر
كتابه الأول تحت عنوان " دراسة الأرض " الذي جعل منه أعظم جغرافي في
عصره وأول أستاذ للجغرافيا في العالم "بجامعة برلين ".
وقد أخذ ريتر في دراسته بالمنهج التجريبي
، كما أخذ بمبدأ السببية الذي يقوم على التعليل والتفسير . وقد دعا ريتر الجغرافيا
بعلم الأرض بدلاً من علم وصف الأرض ، لأن الجغرافيا عنده لم تكن مجرد تجميع ووصف
للمعلومات والحقائق ، ولكنها تحاول أن ترد هذه المعلومات والحقائق لأصولها
الجغرافية . وفضلاً عن ذلك فإنها تحاول أيضاً إبراز الاختلافات الإقليمية ،
مستهدفة في النهاية إبراز شخصية الإقليم .
ومعنى هذا أن ريتر اتجه نحو المنهج
الإقليمي وفى الوقت ذاته اتجه نحو المنهج
البيئي وذلك بدراسة العلاقة والترابط بين الظاهرات المختلفة داخل الإقليم الواحد .
وقد اهتم بدراسة الأرض باعتبارها معرضاً لقوى الطبيعة ، وسكناً للإنسان ، ومسرحاً
لنشاطه . وأوضح أن الأرض والإنسان كليهما يؤثر في الآخر وانتهى من ذلك إلى أن تظل
الجغرافيا والتاريخ متلازمين ويصعب الفصل بينهما .
أما همبولت فقد كان واسع المعرفة والدراية
بعلوم كثيرة كالنبات والجيولوجيا والطبيعة والكيمياء والتاريخ ، كما قام برحلة
علمية طويلة إلى أمريكا اللاتينية . وكان من الطبيعي أن تقوده معارفه المتعددة
ورحلاته الطويلة إلى طرق باب الجغرافيا للربط بين هذه المعارف على أساس تجريبي .
وأخرج همبولت كتابه المشهور " العالم
Cosmos " الذي يعد مسحاً
تفصيلياً من الناحية الجغرافية . وإذا كان ريتر وهمبولت يتشابهان في آرائهما
واتجاهاتهما نحو إعطاء الجغرافيا صفة العلم ، إلا أنهما يختلفان عن بعضهما في أمر
أساسي ، هو أن ريتر اتجه نحو دراسة الأقاليم بينما نظر همبولت إلى العالم نظرة
كلية ، فكانت دراسته شاملة العالم ككل وقد قاده هذا إلى الاهتمام بالجغرافية
الأصولية Systematic Geography ، بينما اهتم ريتر بالجغرافيا الإقليمية Regional Geography .
والحقيقة
أن آراء ريتر وهمبولت وأفكارهما في دراسة الجغرافيا تكملان بعضهما البعض الآخر
وتشكلان مجتمعين منهجاً متكاملاً للجغرافيا . ولذلك يمكن القول بحق بأنهما وضعا
حجر الأساس لعلم الجغرافيا .
ـ راتزل والحتم
الجغرافي :
اتجهت
الدراسة الجغرافية بعد ريتر وهمبولت اتجاهاً واضحاً نحو الاهتمام بدراسة تركيب
الأشكال الأرضية Geomorphology
وبدأ هذا الاتجاه على يد بشل Peschel .
غير أن أبرز معالم تطور الفكر الجغرافي جاء على يد راتزل Ratzel في أواخر القرن التاسع عشر حينما نشر
كتابه الأول عن الجغرافيا البشرية Anthropogeography في عام 1882، ثم اتبعه بكتابه الثاني في الجغرافيا السياسية .
ويمكن تلخيص أفكار وآراء راتزل فى الدراسات الجغرافية فى اتجاهين :
أولهما
: وضع أساس الجغرافيا البشرية وعالجها على أساس أصولي لا إقليمي مؤكداً بذلك أن
الجوانب البشرية يمكن أن تخضع للدراسة الأصولية المنهجية شأنها فى ذلك شأن الجوانب
الطبيعية .
ثانيهما
: إسراف راتزل فى إخضاع الإنسان ونشاطه البشرى لتأثيرات البيئة الطبيعية ، وبذلك
كان الرائد الأول فى إحدى مدارس التفكير الجغرافى وهى مدرسة الحتم البيئي Environmental
Determinism
التى تتلخص أفكارها فى أن للبيئة الأثر
الأكبر في حياة الإنسان الذى يخضع لسلطانها ويحدد نظم حياته تبعاً لما تمليه عليه
ظروفها .
ـ
المدرسة الإمكانية فى مقابل الحتم البيئي :
نشأت
على يد الفرنسي فيدال دى لابلاش ، وهذه المدرسة لا تنكر أثر الظروف الطبيعية أو
البيئة فى الإنسان ولكنها فى الوقت ذاته ترفض أن تكون العلاقة بينهما علاقة حتمية
، وتؤكد حرية اختيار الإنسان من إمكانيات عديدة يختار منها ما يشاء ، كما تؤكد
استجابة الإنسان لظروف البيئة وليس خضوعه لها .
وكان من أشد المتحمسين للمدرسة الإمكانية
أيضاً لوسيان فيفر الذى يعد كتابه عن " الأرض والتطور البشرى " إضافة
للفكر الجغرافى فى هذا الصدد ، فالإنسان فى رأى فيفر هو الذى يلعب الدور الأول فى
مسرحية العلاقات الدائمة والوثيقة بينه وبين الطبيعة ، فهو يستخدم ويتدخل فيها
ليجعلها تخدم أغراضه .
ـ هتنر والاتجاه
الإقليمي :
يعد
من أبرز الأعلام البارزين فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ،
استطاع أن يرسى دعائم العلم ويستكمل لها صفتها العلمية . والجغرافيا فى رأيه ليست
علم الأرض بل علم كورولوجية الأرض والمقصود بالكورولوجيا هى التباين الإقليمي ، أى
أن الجغرافيا تدرس العلاقة بين الطبيعة والإنسان فى إطار إقليمي ، وهى تهدف بذلك
إلى دراسة الأقاليم من حيث الوصف والتفسير والتحليل .
وقد ميز بين الجغرافيا العامة General Geography التى
تختص بتوزيع الظاهرة الجغرافية على سطح الأرض ، والجغرافيا الخاصة أو الإقليمية Special or Regional
Geography التى
تختص بدراسة الأقاليم الجغرافية .
ـ الاتجاهات الحديثة
فى علم الجغرافيا :
ويجدر بنا بعد عرض
تطور الفكر الجغرافى وعلم الجغرافيا عبر العصور ، أن نختم باستخلاص الاتجاهات
الحديثة التى شهدها علم الجغرافيا خلال المائة السنة الأخيرة وأبرزها :
أ
ـ المرحلة القديمة ( الاتجاه الموسوعي ) :
يتمثل
فى جمع المعلومات والحقائق والملاحظات عن
الظاهرات الطبيعية والبشرية في البيئة والتي سجلها الرحالة والمكتشفون . وكانت
الصيغة الوصفية تغلب على الجغرافيا القديمة تبعاً لعاملين : أولهما الاتجاه
الموسوعي الذي كان على الجغرافيا اتباعه والعامل الثاني إن العالم كان فى طور الاكتشاف
لارجائه الواسعة ، ومن ثم كان اهتمام الجغرافي أن يلم بما يستجد من اكتشافات .
وكان
الاتجاه المنهجى لجغرافية هذه المرحلة هو إبراز العلاقة بين الإنسان والبيئة ،
وكانت العلاقة بينهما فى اتجاه واحد ، أى أن البيئة هي التي تحدد سلوك الإنسان
الاقتصادي والاجتماعي ، ولم يؤمن جغرافيو هذه المرحلة بتبادل التأثير بينهما إلا
فى الفترة الأخيرة من هذه المرحلة ( القرن التاسع عشر ) ، وإن كان حجم تأثير
الإنسان في البيئة ضئيلاً فى البداية ، وتنامت خبرة الجغرافي فى أواخر هذا القرن .
وجاء
المنتج الفكري للجغرافي فى هذه المرحلة القديمة وصفياً للظاهرات الجغرافية ، كما
غلب عليها السرد والإطناب فى شرح وتفسير الظاهرة الذي خلا من المنطق أحياناً
وداخلته الخزعبلات والأساطير أحياناً أخرى . وبتقييم هذه الشروح نجها غير حاسمة
وقابلة للجدل وخلت من الصبغة العلمية في مجمل أمورها .
ب ـ الاتجاه التعليمي :
دخلت
الجغرافيا ميدان التعليم كهمزة وصل بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية ، وقد
أدخلت الجغرافيا كمادة تعليمية فى المدارس الابتدائية ومعاهد إعداد المعلمين
بإنجلترا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ولكن مناهج التعليم الثانوي لم
تتضمنها إلا فى مطلع القرن العشرين . وكانت فرنسا وألمانيا اسبق من إنجلترا فى
إدخال الجغرافيا كمادة تخصص ، وقد كرس كثير من كبار الجغرافيين جهودهم لتشجيع
تعليم الجغرافيا فى المدارس ، وذلك عن طريق تأليف الكتب المدرسية ، فضلاً عن
المحاضرات العامة التى كانوا يحرصون على إلقائها لنشر الوعي الجغرافى بين
المواطنين .
ويمكن
أن نسجل ملاحظتين على تعليم الجغرافيا بالمدارس فى أوروبا فى أوائل القرن العشرين
، وهى الفترة التى أخذت فيها الجغرافيا اتجاهاً تعليمياً ، أولهما التقدم الملموس
فى الخروج بتعليم الجغرافيا من الفصل أو المدرسة ، وذلك عن طريق تنظيم زيارات
الطلاب إلى المناطق التى يدرسونها ، وقد تطورت هذه الزيارات إلى دراسات ميدانية
أسهمت فى تقدم علم الجغرافيا بصفة عامة ، أنما الملاحظة الثانية فهي الاهتمام
بتدريس جغرافية البيئة المحلية وجغرافية القطر الذى ينتمي إليه الطلاب .
ج ـ الاتجاه الاستعماري :
بدأ
هذا الاتجاه فى الدراسة الجغرافية منذ سبعينات القرن التاسع عشر ، واستمر طوال
المائة سنة الأخيرة ، وقد خرج الجغرافيين الأوروبيون ـ ولاسيما جغرافيو الدول
الاستعمارية ـ من نطاق القارة الأوروبية إلى نطاق القارة الأفريقية نتيجة زيادة المد
الاستعماري الأوروبي لأفريقيا وخدمة للاستعمار وحكم المستعمرات ، ثم تلا ذلك نشأة
كليات جامعية فى أفريقيا تابعة للجامعات الأوروبية ، تحول بعضها بالتدريج إلى
جامعات أفريقية مستقلة أخذت على عاتقها القيام بدراسات جغرافية محلية .
وقد
اختلف الوضع فى أمريكا إذ تركزت دراسات الجغرافيين الأمريكيين على بلادهم ، وذلك
لان أمريكا كانت فى شغل شاغل بتعمير الأرض الجديدة فيها . هذا من جهة ، ومن جهة
أخرى أنها لم تدخل ميدان الاستعمار فى أفريقيا بخلاف الحال بالنسبة للدول
الأوروبية الاستعمارية .
د ـ الاتجاه نحو التعميم :
ظهر
هذا الاتجاه خلال السنوات الأولى من القرن العشرين ، وإن كان الجغرافيون قد اهتموا
قبل ذلك بالتوزيعات العالمية لبعض الظاهرات الجغرافية مثل أنماط المناخ والنبات .
ويعتبر
هربرتسن Herbertson صاحب نظرية
الأقاليم الطبيعية ، وماكندر Machinder صاحب نظرية قلب اليابس فى الجغرافيا السياسية من رواد هذا الاتجاه
.
هـ ـ الاتجاه السياسي :
ظهر
هذا الاتجاه فى أعقاب الحرب العالمية الأولى ( 1914 ـ 1918 ) وهى الحرب التى تمخضت
عن إعادة تخطيط الخريطة السياسية لأوروبا ، وكان من الطبيعي أن يدلى الجغرافيين
برأيهم فى الحدود السياسية الجديدة ، من حيث قيمتها الاستراتيجية وتمشيها مع
الظاهرات الجغرافية ، أو فى الوحدات السياسية الناشئة من حيث مقوماتها البشرية
وإمكاناتها الاقتصادية ، وبالتالي زاد الاهتمام بالجغرافيا السياسية فى تلك
الفترة.
و ـ مرحلة الاتجاه نحو التخصص :
بدأ
هذا الاتجاه يتبلور بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ( 1929 ـ 1945 ) ، ومازال
سائداً حتى الآن ، فبعد تكامل اكتشاف قارات العالم غدت المعرفة الجغرافية من
الضخامة بحيث أصبح من العسير على الجغرافيين استيعاب هذا الكم الهائل من المعرفة
الجغرافية المتراكمة ، وخاصة بعد التغير الذي طرأ على أساليب البحث والمعرفة في
العلوم البحتة التي أتاحت المعرفة المتعمقة للظاهرات الجغرافية بدلاً من المعرفة
السطحية التي يتم جمعها عن طريق الرحلات .
وقد ظهرت علوم بحتة جديدة لها نظرياتها
كالجيولوجيا وعلم المعادن وعلم التربة وعلم النبات وعلم الحيوان وعلم الهيدرولوجيا
والتي عرفت بالعلوم الطبيعية البحتة ، وعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم السياسة
والتاريخ والتي تعرف بالعلوم الإنسانية البحتة ، هذا فضلاً عن التخصصات التطبيقية
والفنية والعلوم الهندسية وغيرها . وقد أتاح هذا الاتجاه نحو التخصص الأكاديمي واستخدام
الأسلوب التجريبي بها إلى تعاظم المعرفة العلمية عن كل ظاهرة موضوع التخصص ،
وبالتالي تأثرت المعرفة الجغرافية التي تدرس نفس الظاهرة في البيئة .
والجغرافيا
بدورها قد انقسمت إلى فروع طبيعية مثل جغرافية المناخ وجغرافية أشكال سطح الأرض
والجغرافيا الحيوية والجغرافيا الاقتصادية وفروعها ( جغرافية الزراعة والصناعة
والنقل ) ، والجغرافيا الاجتماعية وفروعها ( السكان والمدن والريف والجغرافيا
السياسية ). وجاء التخصص في الجغرافيا ليحاكى ويساير التخصص الذي طرأ على العلوم
البحتة وليتناسب مع تعاظم المعرفة العلمية قبل وبعد الاتجاه نحو التخصص الأكاديمي
. وكانت التوزيعات الجغرافية للظاهرات المبحوثة في كل فرع هي بؤرة اهتمام الفروع
الجديدة فى الجغرافيا . كما أبدت الفروع الجديدة اهتماماً بتباين العلاقة بين
الإنسان والبيئة ، وإن تغيرت النظرة لمن الغلبة فى التأثير المتبادل بين الإنسان
والبيئة إذ أصبحت لصالح الإنسان فى نهاية الأمر .
وتمخضت
عملية التخصص والتفرع فى الدراسة الجغرافية فى تلك المرحلة عن إتاحة الفرصة إلى
التعمق فى تفصيلات الظواهر بالأمكنة ، كما كان لاتباع مبدأ السببية Causality فى تفسير تلك
الظاهرات أثره فى دقة التحليل والتفسير ، فى نفس الوقت أثرى التجريب المعملي
المعرفة السببية للظاهرات الجغرافية .
وكان
للعوامل الثلاث السابقة ـ التخصص والتفرع المتزايد ومبدأ السببية والتجريب ـ أثره
فى تعاظم المعرفة الجغرافية ، وجاءت النتائج أكثر دقة وحاسمة بحيث لا تسمح
بالتأويل أو الجدل .
د ـ الاتجاه التطبيقي :
يعد
هذا الاتجاه أحدث الاتجاهات التى استقر عليها علم الجغرافيا حتى الآن ، وقد ظهر
خلال بحث الجغرافيين عن هدف نفعي يسعون إلى تحقيقه عن طريق الجغرافيا ، كما ارتبط
أساساً بمبدأ التخطيط الذى ظهر أول ما ظهر فى الاتحاد السوفيتي سابقاً ثم لم يلبث
أن انتشر فى كثير من بلاد العالم المتقدم ، وقد استطاع الجغرافيون أن يثبتوا
جدارتهم بما قدموه من دراسات المدن بعد أن تقم فرع جغرافية المدن ، ومن دراسات
للمناطق الريفية بعد أن تقدم فرع جغرافية الريف ، وكان ما قدموه فى هذين المجالين
خير معين لتخطيط المدن والريف Town and
Country Planning
. هذا فضلاً عن ظهور فكرة الإقليمية Regionalism والمسح
الجغرافى للأقاليم مما ترتب عليه تمكن الجغرافيين من الإسهام الجدي فى التخطيط
الإقليمي .
ومن الدراسات
الجغرافية التى انتشرت فى مختلف المدارس الجغرافية وكان لها الفضل الأكبر فى لفت
الأنظار إلى أهمية الجغرافيا بالنسبة للتخطيط بصفة عامة ما يعرف باستخدام الأرض Land Use . وكان من الرواد فى هذا المجال
الجغرافى البريطاني ديدلى ستامب Dudly Stamp الذى
عهد إليه بالإشراف على مسح بريطانيا من حيث استغلال الأراضي فى الثلاثينيات من
القرن العشرين .
ـ التطورات المعاصرة لعلم الجغرافيا :
فى العقدين الأخيرين
وبعد استيعاب الجغرافيا للحركات المنهجية والفكرية الجديدة كالسلوكية والظاهراتية
والبنيوية بدأت الجغرافيا تتفاعل مع معطيات الثورة المعلوماتية والتكنولوجية مما
ترتب عليه إثراء نظرية المعرفة الجغرافية وتقدم طرق التقنية المستخدمة . ( فتحي
محمد مصيلحى ، 1994 : ص 37) وتتضح أبرز معالم هذا الإثراء والتقدم فى :
ـ
الاتجاه نحو الأساليب الكمية فى الدراسات الجغرافية مستفيدة من التقدم الهائل فى
علوم الحاسب والثورة المعلوماتية والكمبيوترية
ـ
الاستفادة من تقنيات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية.
ـ
ظهور جغرافيات جديدة تتلاءم مع الثورة المعرفية والاتجاه التطبيقي للجغرافيا ،
كجغرافية الانتخاب وجغرافية الترويح وجغرافيا السياحة ، وجغرافيا الألعاب الرياضية
وجغرافيا الخدمات ، وجغرافية الجريمة والجغرافيا الطبية وغيرها .
ـ
تغير النظرة إلى بعض المفاهيم الجغرافية كالحدود والسيادة والدولة وغيرها وظهور
مفاهيم جديدة كالعالم متعدد الثقافات ، والثروة العالمية ، والإرهاب الدولي وغيرها
وهكذا لم تعد الجغرافيا
مجرد وصف للمعالم أو ثبت معلومات عن الأقاليم بل أصبحت نظاماً معرفياً مركباً يجمع
بين نتائج العلوم الطبيعية والاجتماعية فى قاعدة معلومات واسعة من البيانات التي
تستخدم فى دراسة العلاقات القائمة بين مختلف الظواهر الطبيعية والبشرية ، للتوصل
إلى حقائق وقواعد وقوانين عن تنظيم الإنسان للمكان ، ولاستخدام تلك البيانات
والقوانين فى حل المشكلات . (محمد جلال عباس :1999،ص 160).
رابعاً ـ أهمية علم الجغرافيا :
علم الجغرافيا مثل
الماء والهواء في الأهمية لكل إنسان ، والإنسان جغرافي بالفطرة منذ أن وجد أبونا
آدم إلى الآن ، بحيث تطور من حياة الجمع والالتقاط والصيد والقنص ثم الاستقرار
والزراعة ثم الصناعة ، وتطور سكنه من كوخ بسيط يتكون من جذوع الأشجار ثم كوخ من
الخشب أو الجلد يقيه حر الصيف وبرد الشتاء ، ثم منزل من الطوب اللبن ثم منزل
خرساني وقرية صغيرة ثم بلدة ثم مدينة كبيرة ، وهذا التطور الذي حدث للإنسان نتيجة
لتطور معرفته الجغرافية للبيئة التي يعيش فيها بحيث يؤثر فيها وتؤثر فيه جغرافياً
، ونتيجة لمعرفة الفصول وتغيير المناخ بها استطاع أن يغير ملبسه ومأكله ، وهذا ما
يقال عليه في الجغرافيا بالحتم البيئي وهذا باختصار يبين أن الجغرافيا فى دم
الإنسان ، والإنسان جغرافي بالفطرة .
وعلى
ذلك تعتبر الجغرافيا على جانب كبير من الأهمية ، فالجغرافية لم تعد ترفاً يمكن
الاستغناء عنها ، بل هى أساسية فى إعداد المواطن ليشارك بفاعلية فى بيئته . ويمكن
للجغرافية أن تحقق ذلك من خلال ما تحققه للفرد من أهداف عدة ، حيث تقدم للفرد
المعارف والمهارات اللازمة لاستغلال البيئة وحل مشكلاتها ،وكذلك ما تكسبه للفرد من
عادات ذهنية تساعده على التفكير بطريقة علمية فى مواجهة ما يعترضه فى بيئته
ومجتمعه ، مع عدم إغفال الجوانب الوجدانية للفرد ، لما لهذا الجانب من أهمية فى
بناء الشخصية السوية .( عبد القادر عبد العزيز على :2002،ص 9،10)
إذ
لم تعد الجغرافيا أوصافاً جافة لسطح الأرض وتقديرات مجردة عن عدد السكان وأرقام
إحصائية عن الإنتاج ، بل أصبحت اليوم موضوعاً يقوم على التحليل والتعليل ويرمى إلى
اتخاذ دور إيجابي فى خدمة الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء ، كما أن الجغرافيا لم
تعد مادة للتسلية أو الوقوف على أخبار الشعوب وغرائب الحياة فى العالم ، وهى ليست
مجرد ثقافة أكاديمية أو تدريبات عقلية وإنما أصبحت دراستها ضرورة من ضرورات الحياة
وعنصراً أساسياً من عناصر التنمية الاقتصادية والاجتماعية .( محمود على عامر :
1999،ص24 ) .
وتتمثل
أهمية الجغرافيا فى مجالين كبيرين هما :
أ
ـ دراسة وتفسير الظاهرات المختلفة التى تحيط بالإنسان ، وقد كانت الجغرافيا فيما
مضى علماً وصفياً يهتم بتشخيص ووصف الظاهرات الجغرافيا ولكنها الآن تعدت مرحلة
الوصف التى تتسم بها العلوم فى بدايتها إلى مرحلة استجلاء العلاقات التبادلية بين مختلف الظاهرات الطبيعية
والبشرية للخروج بمبادئ وقوانين تحكم هذه العلاقات وتوجهها .حيث إن الدراسات
الجغرافية تتميز بالشمولية ، والتوزيع ، والتحليل ، والتفسير بحيث عندما نتناول
ظاهرة جغرافية مثل : المطر أو الزلازل أو السيول فنذكر أسباب حدوث هذه الظاهرة ثم
نقوم بتحديد موقعها على الخريطة وتحليل أسباب هذا التوزيع ثم ننتهي بالنتائج لهذا
التوزيع ونربط هذه الظاهرة بالظاهرات الطبيعية الأخرى المرتبطة بها والمسببة لها
ثم ندرس تأثير هذه الظاهرة على الإنسان أو الظاهرات البشرية بصورة عامة ، ثم
نتناول إمكانية الحد أو التقليل من مخاطرها ، أما عالم المناخ أو الجيولوجيا
يتناول هذه الظاهرات لذاتها سواء لها علاقة بسطح الأرض أو ليست لها علاقة ، حيث
يركز على العوامل الديناميكية فقط التى تسبب حدوث هذه الظاهرة ولا يتعرض للتوزيع
ولا الربط والتعليل والتفسير .
ب
ـ استخدام نتائج الدراسات النظرية السابقة فى حل مشكلات علاقة الإنسان ببيئته ،
وبهذا تتفاوت مجالات الدراسة التطبيقية فى الجغرافيا من دراسة العالم كله ، إلى
دراسة المدينة أو القرية إلى دراسة مشروع صناعي أو تخطيط حي جديد فى المدينة ،
ولكن التخطيط الإقليمي يعتبر من أهم ميادين التطبيق التى تسهم فيه جميع فروع
الجغرافيا الطبيعية والبشرية فى الوقت الحاضر .
ومعنى ذلك أن الجغرافيا ذات قيمة نظرية
وتطبيقية ، ولم تعد الجغرافيا تقصر اهتمامها على الناحية النظرية ، بل ؟إلى تطبيق
هذه المعرفة النظرية فى خدمة البيئة والمجتمع والإسهام فى حل مشكلاته .
خامساً
ـ الجغرافيا والعلم والتكنولوجيا :
(
أ ) الجغرافيا والعلوم :
إذا كان لكل علم ميدانه الذى يبحث فيه
أصحابه ، ويسعون إلى التوصل إلى مكوناته من الحقائق ، فإن علم الجغرافيا له ميدانه
وهو سطح الأرض ، وهو فى نفس الوقت ميدان ليس قاصراً على الجغرافيا وحدها ، بل
تشاركه فيه عدة علوم تختلف فيما بينها فى الأهداف والغايات ، ولكن قد تتفق فى
الوسائل والمناهج .
ويؤكد تيلور Tilur ارتباط الجغرافيا بالعلوم البيئية بجميع فروعها المختلفة كالطبيعة
والكيمياء والبيولوجيا والجيولوجيا والرياضيات ، وكذلك ارتباطها بالعلوم الإنسانية
بجميع فروعها كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والدين والأنثروبولوجي وغيرها ، ومن ثم
فإن الجغرافيا تنتمي إلى كل العلوم وبمعنى أخر تعتبر الجغرافيا علماً تصب فيه جميع
العلوم المختلفة كافة ، ويمكن اعتبارها ملتقى المواد العلمية بالمواد الإنسانية ،
ولقد ذكر أحد المهتمين بذلك أن الجغرافيا هى النحلة التى ترتشف من مختلف العلوم
رحيقها وتخرجه لنا عسلاً شهياً ، أو هى المنسوج الذى حيكت خيوطه من مصادر مختلفة
فجاء النسيج خلاباً طيباً ، ومن القول الشائع فى هذا الشأن أيضاً أن الجغرافيا
تخترق العلوم الأخرى وتصنع معها زوايا قائمة . ( محمود محمد عامر :1999 ، ص 27)
وتتضح علاقة الجغرافيا وارتباطها بغيرها
من العلوم المختلفة ، إذا ما حددنا موقع الجغرافيا بين العلوم وتقسيماتها المختلفة
.
وإذا كان البعض يقسم العلوم إلى :
ـ
علوم بحتة Pure Sciences
:
وهى العلوم التى ترتبط نظرية المعرفة بها
بظاهرة معينة يختص بها كل علم ، مثل علم النبات والظاهرة النباتية وعلم الحيوان
والنوع الحيواني وعلم الميتيورولوجيا أو الطقس .وينصب اهتمام الباحثين فيها بتنمية
المعرفة المرتبطة بتلك الظاهرة بغض النظر عن مدى فائدتها إلى المجتمع والبشر .
فمثلاً يهتم علم النبات بالنباتات السامة وغير السامة والنباتات البرية والمستزرعة
على حد سواء .وتنقسم هذه العلوم إلى قسمين : علوم بحتة طبيعية كالفلك والجيولوجيا
والنبات والحيوان والطبيعة والكيمياء … ، وعلوم إنسانية
بحتة كعلم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ وعلم النفس والفلسفة …
ـ
علوم تطبيقية Applied Sciences
:
وهى العلوم التى ترتبط نظرية المعرفة التى
تخت بها بمعرفة نفعية ومباشرة للمجتمع أو مؤسساته أو طائفة منه . وتتعدد أشكال
المعرفة المرتبطة بنظرية المعرفة فى العلوم التطبيقية وتتراوح بين صناعة وطرائق
تكنولوجية من ناحية أو تقاليد حرفية متكاملة لإعداد كوادر حرفية من ناحية ثانية أو
لون من ألوان الفنون من ناحية ثالثة ، وتقدم هذه العلوم نتاج معرفي ينتهي بتقديم
سلع أو بضائع يستهلكها المجتمع مباشرة أو تدخل كمادة خام فى صناعة يحتاجها المجتمع
، أو تقدم خدمات فنية للمجتمع أو تدخل فى هياكله الاقتصادية أو الاجتماعية . ومن
أبرز الأمثلة علم الزراعة والمعادن والصيدلة والتكنولوجيا والطب البشرى والبيطري
والهندسة والتجارة والتربية والقانون وغيرها …
ـ
علوم بحتة تطبيقية Pure-Applied Sciences :
وهى مجموعة علوم بحتة قليلة حاولت أن
تحتفظ لنفسها بتقديم المعرفة النفعية المرتبطة بنظرية المعرفة التى تختص بها ، مثل
الكيمياء التطبيقية وغيرها ، ولكن هذا الاتجاه لم يأت بمردوده المقنع فى الاستفادة
القصوى من نتائج هذه العلوم فى شقها البحثي وذلك لقصور منهجيات هذه العلوم البحتة
فى معالجة الجانب التطبيقي وتقديم معرفته النفعية للمجتمع.
بالتالي الجغرافيا أحد العلوم البحتة
التطبيقية والذي يعمل بكفاءة عالية فى كفاية الجوانب البحتة والتطبيقية على حد
سواء . فيتعلق الشق البحثي بتنمية المعرفة المرتبطة بالأمكنة المختلفة بينما يقتصر
الجانب التطبيقي على إعداد كوادر حرفية لتقديم معرفة نفعية وفن وصناعة للمجتمع
ومؤسساته ، لذا تعتبر الجغرافيا من أعقد العلوم لتعدد مصادر البيانات ونظم التحليل
المنهجي ومستوياته وتعدد طرق التقنية وأخيراً تعدد المنتج الذى تقدمه الجغرافيا
للمجتمع . فتكمن كفاءة وتعقيد علم الجغرافيا فيما يلي :
أ
ـ تعدد مصادر البيانات :
العلوم
البحتة والتطبيقية الطبيعية والبشرية ـ المصادر الخرائطية والصور الجوية والفضائية
بمستوياتها كماً وكيفاً ـ النتاج الفكري للمعالجات الكمية للبيانات بواسطة
النظريات والنماذج .
ب
ـ تعدد نظم التحليل المنهجي ومستوياته :
مجموعة
المناهج التقليدية ـ المناهج العلمية ـ المنهجيات المتقدمة ( التركيبية ) .
ج
ـ تعدد طرق التقنية :
الأسلوب
اللغوي ـ الأساليب الكمية " الرياضي والإحصائي " والمعالجات
الكومبيوترية ـ الأسلوب البياني والكارتوجرافي ـ الأسلوب الأستريوسكوبى وتحليل
الصور الجوية ـ نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد وما يحتويه من أنظمة
المعلومات من إمكانية إدخال فرضيات عديدة تؤتى بنتائج متباينة كماً وكيفاً .
د
ـ تعدد المنتجات النفعية :
فن
صناعة الخرائط بأشكالها المختلفة ـ حرفية التخطيط الإقليمي ـ حلول المشكلات
البيئية ـ توسيع دوائر المعرفة للعلوم الأخرى وتفسير التباين المكاني للظاهرات
. ( فتحي محمد مصيلحى : 1994، ص 29-32).
(
ب )الجغرافيا والتكنولوجيا :
ترتبط الجغرافيا
بالتكنولوجيا ارتباطاً وثيقاً منذ بداياتها الوصفية ، من خلال اعتمادها على أدوات
وتقنيات جمع المعلومات عن الظاهرات الجغرافية المختلفة . واستمر هذا الارتباط حتى
الثورة المعلوماتية والتكنولوجية وما استحدثته من وسائل وتقنيات حديثة مثل الاتجاه
نحو المنهج الكمي فى الدراسات الجغرافية ونظم المعلومات الجغرافية وتكنولوجيا
الاستشعار عن بعد .
ـ اتجاه
الجغرافيا نحو المنهج الكمي ،
من خلال استخدام
أساليب علمية وأدوات تتبناها جميع فروعها الطبيعية والبشرية ، فالبيانات الرقمية
أصبحت سمة أساسية أضافت على وصف الظاهرة السمة العلمية ، وهذا الاتجاه انعكاس لما
يسود العالم من ثورة فى مجال المعلومات والانفجار المعرفي ، وما توفره التكنولوجيا
الحديثة فى مجال التصوير الجوى والاستشعار عن بعد ، من كم هائل من المعلومات
الجغرافية التى جعلت من الضروري اللجوء لهذه الأساليب والاستفادة منها.( فريال
محمد الهاجري :1995 ، ص 3).
ـ نظم المعلومات
الجغرافية Geographic
Information Systems
تأتى نظم المعلومات الجغرافية G.I.S فى مقدمة تأثيرات الثورة المعلوماتية والتكنولوجية ، حيث أنها
ظهرت نتيجة التقدم والتطور الذى شهدته الحاسبات الإلكترونية ، وفى الوقت الذى
تضاعفت فيه المعرفة والمعلومات والتغيرات التى تحدث للمعلومات الجغرافية على
الخرائط ، وبالتالي هى نتاج نمو علاقة الربط والارتباط بين علوم الحاسوب وعلم
الجغرافيا خلال السنوات الأخيرة .
ويرى محمود دياب أن نظم المعلومات
الجغرافية هى عبارة عن مجموعة من أجهزة الحاسوب وبرامج معدة لذلك وأناس مدربون
يعملون على هذه البرامج والأجهزة ، والوظيفة الرئيسية لهم هى تحويل المعلومات
الجغرافية الموجودة بالخرائط والتي على هيئة رموز إلى بيانات وأرقام يسهل التعامل
معها واستدعاؤها . ( محمود دياب راضى :1993،ص 8،9). وذلك يعنى أن نظم المعلومات
الجغرافية تشمل تجميع المعلومات الجغرافية من مصادرها المتباينة ومنها الخرائط
والصور والكتب والكلمات المسموعة والتقارير وتشمل أيضاً عمليات إدخالها وتخزينها
فى قواعد بيانات جغرافية ، وتحليل البيانات وإنتاجها فى صورة بيانات إحصائية أو
تقارير أو خرائط .
واستخدمت
نظم المعلومات الجغرافية G.I.S بنجاح مقطع النظير فى كافة المجالات الجغرافية ، وفى رسم نماذج
خرائطية Models ما بين بسيطة
ومعقدة ، والأخيرة تعد بحق أحد ثمار استخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة المستخدمة
فى نظم المعلومات الجغرافية ، وهذه النماذج المعقدة تقدم لنا خرائط موضوعية كمية Thematic
Maps
مشتقة من بيانات متنوعة ومعقدة ومختزنة فى الحاسب الآلي ، هذه الخرائط تظهر لنا
روابط عديدة كامنة بين العديد من الظواهر الجغرافية ، وتتفاوت دقة الخرائط وفقاً
لمدى وفرة البيانات المتاحة فى الحاسب الآلي.
ويعتبر
التخطيط العمراني من أول التطبيقات التى استفادت من تكنولوجيا نظم المعلومات
الجغرافية ، ويمكن إيجاز الجوانب التطبيقية لنظم المعلومات الجغرافية فى مجال
التخطيط العمراني كما يلي :
1- إعداد خرائط رقمية متباينة المقاييس "
وخاصة المقياس الكبير " ، لتحديد إمكانية توزيع الخدمات المستحدثة وتطويرها
وفقاً لخرائط التوزيع الحالية وتطور السكان .
2- إعداد قواعد معلومات جغرافية Geographical
Data Base عن كل الجوانب
الجغرافية لإقليم المدينة ، وتسهيل تصميم المرافق وإدارة المدن وتقدير الاحتياجات.
3- إظهار الملكيات والوحدات السكنية وأماكن الفضاء
، والتعريف بالملكيات لتسهيل التعامل بين الحكومة وملاك الأرض عند الضرورة ، وخاصة
عند إنشاء مشروعات للخدمات العامة تستوجب نزع ملكية .
4- الاستفادة فى مجال التخطيط المروري ، وذلك بوضع
المعلومات المتعلقة بالمرور فى شوارع التدفق فى أوقات معينة ، واتجاهات الكثافة ،
والطرق البديلة ، مما يسهل وضع حلول سريعة لمشكلاتها .
5- إعداد نظم معلومات متكاملة عن إقليم المدينة
وظهيرها ، لمراجعة وحصر النمو الأقصى للمدينة ، وانتشار العشوائيات فى بلدان
العالم النامي .
6- إعداد نظم معلومات وخرائط دقيقة لشبكات الخدمات
الأساسية من كهرباء ومياه وغاز وهاتف وغيرها .( فايز محمد العيسوى :1998،ص
323ـ363)
وبصفة
عامة يمكن القول أن نظم المعلومات الجغرافية تلبى الاحتياجات البيئية كافة ، وذلك
على النحو التالي :
1- تحيد المواقع ووصفها بطرق مختلفة كالترميز أو
الترقيم أو نسبتها إلى إحداثيات طولية وعرضية أو بوضعها على خريطة .
2- كيفية بلوغ المكان عن طريق معرفة موقعه السابق .
3- التعرف على السلوك اللازم لتحديد المكان وطرق
الوصول إليه وأنسب الطرق وأقربها للصواب أو الخطأ .
4- ماذا طرأ على طبيعة المكان أو الموقع وتاريخ هذا
التغير والتعرف عليه .
5- ما هى الأوصاف
والأنماط المكانية والتحليل المكاني لها . ( فتحي محمد مصيلحى :1994،ص 311) .
ومن ثم أعادت نظم المعلومات الجغرافية
لعلم الجغرافيا قيمته المفقودة فى إطار الوصف واللاموضوعية ليصبح تحليلياً
تركيبياً نفعياً ، لأنها تعاون مثمر للكثير من النظم التى تستخدم البيانات
المكانية فى التحليل ، إذ أن البعض ما زال يعتقد أن الجغرافيا لا تعنى فقط إلا
بالموقع والمناخ والتضاريس ويغيب عن ذهن الكثير منهم أن أكثر من 80% من البيانات
والمعلومات المتداولة فى الوزارات والمصالح الحكومية فى حقيقتها بيانات جغرافية
تحتاج إلى من يوظفها توظيفاً صحيحاً .( محمد نور الدين السبعاوى : 1997 ، ص 137)
ـ الاستشعار عن بعد Remote
Sensing
الاستشعار عن بُعد Remote
Sensing يقصد به الحصول على معلومات عن هدف ما أو ظاهرة
طبيعية بواسطة جهاز استشعار تفصله عن الهدف مسافة معينة ومن ثم التعرف على الهدف
بالاستعانة بأجهزة ووسائل المعالجة والتحليل للصور الفضائية أو الجوية .( منصور أحمد عبد
المنعم :1994،ص 250).
ويعتبر
الاستشعار عن بعد من أهم مصادر الحصول على البيانات الجديدة لتحديث الخرائط ، ويتم
الحصول على هذه الخرائط عن طريق الأقمار الصناعية التى تدور حول الأرض بصورة
منتظمة وتقوم بالتقاط آلاف الصور من مناظير مختلفة وإرسالها إلى المحطات الأرضية
لتحليلها . وعلى ذلك يعد هذا الأسلوب وسيلة هامة فى تحديث الخرائط والوصول إلى
مناطق يصعب الوصول إليها . وتوجد حزم Package من برامج
التطبيقات Software منها برنامج ERDAS وهو أكفأ برنامج لبيانات الاستشعار عن بعد من خلال الأقمار
الصناعية ، ويعتمد أساساً على بيانات مساحية تغطى البنية الأساسية والتركيب
التوبولوجى Topology وتخطيط المدن
ووراءه حزمة من نظم المعلومات الجغرافية المستخدمة معها ومنها حزمة GIMMS والموجهة أساساً نحو الخرائط والتخطيط المساحي والتعدادات وشبكات
الطرق ( محمد نور الدين السبعاوى :1997،ص 147)
وترجع أهمية الاستشعار
عن بعد إلى أنه يوفر معلومات حديثة وشاملة عن الظاهر الجغرافية مما يمكن دارس
الجغرافيا من الحصول على خرائط دقيقة ، ومراقبة الأخطار البيئية ، والموارد
الطبيعية ، ودراسة التغير فى استخدام الأرض Land Use وكذلك تحديد المناطق المصابة بالأمراض فى الحقول الزراعية ،
ومعرفة الظواهر التضاريسية ونوع التربة والصخور السائدة ، والعديد من التطبيقات
التى يستفيد بها المجتمع .( منصور أحمد عبد المنعم :1994،ص 250).
ومن أهم أمثلة هذه التطبيقات تسجيل سير
معركة الخليج التى دارت رحاها بين العراق والحلفاء عام 1991 ، ومن قبلها العراق
وإيران ، وقدرت حجم قوات الطرفين ومواقع كل منهما ، بل أكثر من ذلك مكنت هذه الطرق
المستحدثة من اكتشاف بعض المخبوء تحت الأرض فى أعماق تقترب من عشرة أمتار إذ سجلت
إحدى رحلات المكوك الفضائي عام 1983 كشفاً هاماً بطريقة التصوير الرادارى عن رافد
من روافد نهر النيل القديمة فى منطقة العوينات الصحراوية القاحلة على الحدود بين
مصر والسودان ، كما مكن بنفس الطريقة اكتشاف آثار قديمة مطمورة فى بعض مدن أمريكا
الجنوبية . ( محمد نور الدين السبعاوى : 1997 ،ص 167) .
سادساً
ـ الجغرافيا والبيئة والمجتمع :
ترتبط الجغرافيا بالبيئة والمجتمع
ارتباطاً وثيقاً سواء من خلال مجال الدراسة فيها والأهداف التى تسعى إليها
وتطبيقاتها فى البيئة والمجتمع .
وذلك عن طريق دراسة وتفسير الظاهرات
المختلفة التى تحيط بالإنسان داخل هذه البيئة أو المجتمع ، من أجل استجلاء
العلاقات التبادلية بين مختلف الظاهرات الطبيعية والبشرية للخروج بمبادئ وقوانين
تحكم هذه العلاقات وتوجهها ( محمود على عامر :1999، ص 25)
تقدم
الجغرافيا معارف ومعلومات عن البيئة الطبيعية من خلال تناولها مظاهر السطح أو
التضاريس من حيث دراسة الجبال والهضاب والسهول والحياة النباتية على سطح الأرض ،
وهذه المعلومات والمعارف لازمة لفهم البيئة الطبيعية من خلال اختيار أماكن الإقامة
وبناء المساكن واختيار الأراضي التى تصلح للزراعة وتحديد الفصول وأهم النباتات
التى تجود زراعتها فى كل فصل منها .
وتساهم
الجغرافيا فى التعرف على مصادر المياه ( الأنهار ـ الأمطار ـ المياه الجوفية )
وكيفية المحافظة عليها وطرق استغلالها فى حياة الإنسان عن طريق مشروعات الرى
والصرف والتخزين وإقامة السدود والقناطر .
وتقدم
الجغرافيا المعلومات عن مظاهر الكون من الرياح والسحاب والضباب والندى والمطر ،
وهى بذلك تساهم فى فهم الإنسان لمظاهر البيئة الطبيعية التى يعيش فيها ، ومعرفة
المناخ على مدار العام وتقسيماته إلى فصول ( صيف ـ شتاء ـ ربيع ـ خريف ) فيستطيع
تحديد نوع ملابسه فى كل فصل منها .
وتقدم
الجغرافيا إلى دارسيها أهم المعلومات عن النشاط الاقتصادي ومصادر الثروة وكيفية
استغلالها وأهميتها الطبيعية ، وطرق التبادل التجاري ، وهذه المعلومات تلقى الضوء
على النشاط البشرى للسكان فى البيئة بما يتناسب مع ثرواتها الطبيعية ، ويحدد درجة
صعوبة هذا النشاط أو سهولته ، والعوامل التى تساعد على ذلك .
وتساهم
الجغرافيا فى إلقاء الضوء على العلاقات الإنسانية بين الأفراد فى داخل الدولة عن
طريق التبادل التجاري ووسائل المواصلات ، وكذلك العلاقات بين الدولة والدول الأخرى
، والمشكلات والقضايا العالمية ، وتدرس الجغرافيا البشرية مظاهر الحياة الإنسانية
وتوضح مدى تأثرها بالظواهر الطبيعية فى البيئة التى يعيش فيها الإنسان .وكذلك تلقى
الضوء على بعض المفهومات الاجتماعية مثل مفهوم السكان وكثافة السكان والانفجار
السكاني وتلوث البيئة .( أحمد حسين اللقانى وآخرون:1984،ص21) ، ( خيرى على إبراهيم
:1990،ص57،58).
وتدرس الجغرافيا العديد من المشكلات التى
تواجه البيئة والمجتمع مثل مشكلة توفير المياه وبعض مشكلات التربة ، والغابات ،
والموارد المعدنية ، ونمو المراكز العمرانية العشوائية ، وبعض مشكلات التلوث .
ويتضح من دراسة هذه المشكلات البيئية من وجهة نظر الجغرافى أهمية هذه الدراسات فى
نطاق الدراسات البيئية عامة وفى الدراسات الخاصة بتخطيط البيئة على وجه الخصوص .(
عايده نسيم بشارة :1985،ص 93).
من
خلال ذلك تعمل الجغرافيا على تزويد الفرد داخل المجتمع أو صانع القرارات بمجموعة
من مهارات التفكير الجغرافى ـ الذى
يعرف بأنه :" القدرة على تحديد المعلومات المتاحة فى الوقت الحالي،
والمعلومات التى سوف تتاح لهم فى المستقبل ، والمعلومات لم تتح لهم ، واستخدام
المعلومات الكمية ، وتوظيف ذلك فى اتخاذ أي قرار ، وبهذا يمكن التفكير بطريقة
سليمة." (محمود على عامر :2000،ص 34) ـ التى تساعده على اتخاذ القرار السليم
تجاه البيئة والمجتمع ، مثل : التفكير فى حلول بديلة
، التفكير فى نتائج كل حل ، اتخاذ قرارات وتبريرها ، والتصرف فى ضوء هذه القرارات
.
وبالتالي
نجد أن الجغرافيا من أكثر العلوم التى ترتبط بالبيئة والمجتمع من خلال سعيها
الدائم إلى تحقيق التنمية والتقدم لهذه البيئة والمجتمع .
سابعاً ـ الجغرافيا والإنسان (·):
إذا
كانت الجغرافيا كعلم تهتم بدراسة والإنسان والبيئة والعلاقة بينهما من حيث تأثير
كل منهما فى الآخر ، فإن هذا يعنى أنه لا يمكن الفصل بين الإنسان والبيئة
الجغرافية التى يعيش فيها ، فهذه البيئة تؤثر فى الإنسان من حيث استقراره وتوزيع
مناطق هذا الاستقرار ، ونوع النشاط الاقتصادي والاجتماعي الذى يمارسه ، وكذلك
صفاته الجسمية والنفسية ، وهذا ما عبرت عنه بعض الاتجاهات الجغرافية بالحتم البيئي
Environmental
Determinism والذي يتلخص فكرها فى
أن للبيئة الأثر الأكبر فى حياة الإنسان الذى يخضع لسلطانها ، وتتحدد نظم حياته
الاقتصادية والاجتماعية تبعاً لما تمليه عليه ظروفها ، ومن ناحية أخرى فالإنسان
يؤثر فى البيئة التى يعيش فيها سواء بتعديل أو بتغيير بعض مظاهرها لتتلاءم مع
متطلباته وهو ما عرف فى الفكر الجغرافى بالإمكانية ، وهو الاتجاه الذى يرفض أن
تكون العلاقة بين الإنسان وبيئته علاقة حتمية ، وتؤكد حرية اختيار الإنسان من
إمكانيات عديدة ، يختار منها ما يشاء خدمة لأغراضه .
مما
سبق يمكن القول أن الجغرافيا ( المكان وظروفه الطبيعية والبشرية ) تؤثر على
الإنسان وتفرض عليه ظروف معينه تحدد مكانه ونشاطه وعلاقاته ، وكذلك الإنسان نفسه
لا يلتزم بالمحددات الجغرافية ولكنه يسعى دائماً إلى التأثير فى هذه البيئة
تعديلاً وتغييراً تلبية لمطالبه واحتياجاته التى يريد تحقيقها ، وهنا سنعرض لبعض
تأثيرات الجغرافيا على الإنسان ، وتأثيرات الإنسان على الجغرافيا :
ـ تأثير الجغرافيا على الإنسان :
ـ الإنسان ـ الظهور والموطن الأصلي والانتشار والتطور ودور الجغرافيا :
الجغرافيا
عامل مؤثر فى حياة الإنسان منذ بداية ظهوره حتى الوقت الحالي ، فقد أدت الجغرافيا
دوراً مهماً فى تحديد الموطن الأصلي الإنسان وطرق انتشاره فى أرجاء العالم ، ويمكن
تبين هذا التأثير من خلال عرض الجغرافيا والموطن الأصلي للإنسان وانتشاره ، ودور
البيئة الجغرافية فى التنوع السلالى :
ـ ظهور الإنسان :
انتابت
كوكب الأرض خلال الزمن الرابع ( البلايستوسين ) تقلبات مناخية وتطورات فى البيئة
الجغرافية فحدثت فترات جليدية فى العروض العليا بينما شهدت العروض الوسطى فترات
مطيرة ، بالإضافة إلى أن الكرة الأرضية أخذت شكلها النهائي .
وتؤرخ
أقدم البقايا البشرية التى وجدت للإنسان إلى عصر البلايستوسين ، والتي ترجع إلى
أقدم من مليون سنة ، وقد تطور الإنسان تطوراً سريعاً فى البلايستوسين واتفقت فترة
تطوره السريع مع الأدوار الجليدية البلايستوسينية ، ولذلك يربط العلماء بين
الحدثين ـ تطور الإنسان مع ظهور الجليد ـ ويعتبرون الحدث الثاني مؤثراً فى الأول
واتخذ العلماء آثار الإنسان دليلاً على الزمن الذى استغرقه فى تطوره.
ـ الجغرافيا والموطن الأصلي للإنسان :
أدت
التنوعات السلالية وتباين الصفات الجنسية للمجموعات البشرية وكذلك التغيرات
الجغرافية التى شهدها المسرح الجغرافى للإنسان خلال عصر البلايستوسين إلى التساؤل
عن "المهد الأول" للإنسان والذي نشأ فيه وتطور منه وخرج بعد ذلك إلى
بقاع المعمورة ؟
وقد
انقسم العلماء بشأن الموطن الأصلي للإنسان إلى ثلاثة اتجاهات ، الاتجاه الأول نادى
بأن الوطن الأصلي للإنسان كان قارة أسيا والرأي الثاني ذهب إلى أن أفريقيا كانت
الموطن الأصلي ، فى حين جمع الاتجاه الثالث بين الرأيين حيث رأى أصحابه بأن الوطن
الأصلي للإنسان كان يمثل جزءاً من أسيا وجزءاً آخر من أفريقيا ، وتحديداً وسط
وجنوب غرب أسيا وشمال أفريقيا ، وحاول أصحاب كل اتجاه من هذه الاتجاهات أن يبرهن
على صحة فرضه على أساس الاكتشافات الأثرية والبقايا الإنسانية ، وإن كانت هناك عدة
أسس يجب وضعها فى الاعتبار عند الحديث عن الموطن الأصلي للإنسان ، أهمها :
- ملائمة الموطن الأصلي لطبيعة جسم
الإنسان ، أي أن البيئة الجغرافية لابد وأن تتمتع بمناخ معتدل بين الحرارة
والبرودة ، وأن تكون كمية الأمطار الساقطة مناسبة لحياة نباتية متوسطة الكثافة
وإمكاناتها تسمح بالصيد .
- لابد وأن يتصف الموطن الأصلي بسهولة
الحركة منه وإليه أي ملاءمته للهجات المتعددة التى قام بها الإنسان والتي أدت إلى
انتشاره إلى جميع بقاع العالم ومن ثم تكوين أجناس بشرية متعددة ومتباينة وإن كانت
ذات أصول واحدة .
وبناء على هذه
الاعتبارات استبعد العالم الجديد إذ لم يكن إلا وطناً لمجموعة بشرية واحدة وهى
الهنود الحمر ، وكذلك استبعد الجزء الشمالي والأوسط من أوروبا والذي شهد فترات
جليدية إبان نشأة الإنسان ، وكذلك الحال شمال أسيا والمناطق الوسطى الاستوائية فى
أفريقيا ، ويطرح البعض إقليم جنوب شرق آسيا نظراً لتطرف موضعه ، إلا أن بعض
الباحثين يضعه ضمن أقاليم الإنسان الأول ، على هذا الأساس يصبح إقليم جنوب غرب
آسيا وشمال أفريقيا وشرقها المواضع الأكثر احتمالاً لأن تكون هى الموطن الأصلي
للإنسان فى ضوء الاعتبارات التى يجب توافرها فى المكان الأول للإنسانية .
وتقدم المواضع
المكتشف بها بقايا هياكل الإنسان الأول بعض الاحتمالات عن ذلك الوطن ، والذي منه
انتشر إلى بقية أنحاء الكرة الأرضية .
ـ الجغرافيا وانتشار الإنسان :
بعد
أن استجمع الإنسان عن طريق التنظيم الاجتماعي والحضاري فى الفترة ما بين (50.000 ـ
10.000 ق . م ) وبعد أن اتخذ من شمال أفريقيا وشرقها وأيضاً جنوب غرب آسيا وطناً
له ، وبعد أن نمت صفاته الجنسية وقدراته الحضارية بدأ فى الانتشار إلى بقية أنحاء
العالم القديم والهجرة إلى العالم الجديد ، ففي هذه الفترة بدأت الاختلافات
السلالية تظهر فى مناطق جغرافية واضحة المعالم ويمكن مقارنتها بغيرها ، وكانت هذه
الاختلافات الجنسية نتيجة لملاءمة المجموعات البشرية لظروف بيئتها على مر السنين .
فارتفاع
درجة الحرارة أو انخفاضها وسهولة الأراضي وخصوبتها وجفاف الإقليم أو رطوبته ووفرة
العيش أو قلته واختلاف خطوط الطول ودوائر العرض …
كلها عوامل تجمعت وتعاونت لتظهر التنوع السلالى .
ـ البيئة الجغرافية والتنوع السلالي :
تؤثر
البيئة الجغرافية على التطور السلالى وذلك عن طريق العزلة التى تنشأ عن وجود
الحواجز الجغرافية كالسلاسل الجبلية والصحراء والمحيطات ، بالإضافة إلى المناخ
والغذاء .
q الحواجز
الجغرافية :
نشأت
عدة سلالات ثانوية أو فرعية نتيجة تفرق لمجموعات بشرية وانعزالها عن بعض بسبب
العوائق الجغرافية ، وقد كانت الحواجز الجغرافية أهم العوامل التى تمنع الاختلاط
وتشجع الاختلافات العشوائية ، فمثلاً فصلت الصحراء الكبرى فى أفريقيا بين سكان
البحر المتوسط ( القوقاز ) والمجموعة الزنجية فى أفريقيا المدارية ، كما أن جبال
الهمالايا فصلت بين مغول الهضاب العليا بوسط آسيا وسكان الهنود القوقازيين .
فالحواجز
الجغرافية كانت عاملاً قوياً ومؤثراً وقف أمام تحركات البشر وإن كانت مقدرة
الإنسان على الملاءمة والتكيف مكنته من أن يعيش فى ظروف جغرافية وبيئات متباينة
ومتنوعة ، وتؤثر الحواجز الجغرافية على التنوع السلالى فى :
§منع وحدات وراثية
جديدة من الظهور كانت ستبدو لو هناك اختلاط سكاني .
§ خمول أو ركود عملية
ضغط الاختيار بسبب قلة المنافسة فى بيئة محدودة .
§ ظهور الاختلافات
العشوائية بسبب العزلة .
ويبدو أثر العزلة
كبيراً على الجماعات الصغيرة ، فالمجموعة المغولية ظهرت فى بيئة منعزلة محاطة
بالجليد خلال الفترة الجليدية الأخيرة وتمثل هذه المجموعة نموذجاً للاختيار
الطبيعي الديناميكي الذى يتضمن تكوين مجموعة جنسية بيئية Genotype تتلاءم مع ظروف تغير البيئة ـ أما الاختيار الطبيعي المستقر هو الذى
تستطيع عناصره الممتازة أن تقاوم تغيرات البيئة الفصلية كالتغير الحراري وحدوث
المجاعات الطارئة والأوبئة …
q المناخ :
تشجع العوامل
المناخية فى بعض الأحيان أثناء عملية الاختيار الطبيعي على ظهور بعض الصفات
السلالية واختفاء أخرى ، ففي المناطق الباردة تتطلب الملاءمة للعيش فيها الإقلال
من فقدان الحرارة بينما فى المناطق الحارة تفضل الظروف المهيأة لترطيب الجسم .
ويبدو أثر المناخ على لون البشرة ، ففي
الصحراء المدارية حيث يسود الجو الجاف تكون البشرة بنية وليست سوداء بسبب عدم وجود
الرطوبة ، ويرجع لون البشرة الفاتحة لسكان الصحراء إلى أنهم لم يمض عليهم الوقت
الكافي لاكتساب لون البشرة الداكنة كالطوارق الذين وصلوا إلى الصحراء منذ ما يقرب
من 1500 سنة .
واقترن
اللون الأسود بالمناطق الحارة الرطبة بسبب كثافة عدد الحبيبات الملونة فى الجسم ،
فاقترن لون البشرة السوداء بهذه المناطق ، ويعتبر لون البشرة هنا عامل حماية لهم
ضد أشعة الشمس القوية .
ويرتبط
المناخ بحجم الجسم فى البيئة الجغرافية ، ففي المناطق الحارة يعيش نحاف الجسم (
مثل النوير والدكنا والتوتسى ) ، أما الجماعات التى تعيش بالقرب من الدائرة
القطبية ممتلئو الأجسام وينطبق ذلك على زوائد الجسم من الأطراف والأذن والأنف ،
وتكون قصيرة فى المناطق الباردة فالإسكيمو يمتازون بالسيقان القصيرة وأيضاً
الأصابع والأنوف ، بينما سكان الصحراء على النقيض يمتازون بالسيقان الطويلة
والأنوف البارزة .
q الغذاء
والأمراض :
يؤثر الغذاء على
تكوين الجسم وبنائه ، فمن الملاحظ أن آكلي اللحوم يمتازون بالأجسام الضخمة وخير
مثال لذلك صيادي الماموث فى العصر الحجري القديم ، وهنود سهول أمريكا حيث كان
اعتمادهم على حيوان البيسون ، وعلى النقيض من ذلك سكان جنوب شرق آسيا الذين يتصفون
بالأجسام الصغيرة حيث يمثل الأرز غذائهم الرئيسي ، ويلاحظ أن الأوروبي إذا ما
اعتمد على الأرز فأنه يصاب بمرض البرى برى وبعض أمراض فقر الدم الأخرى .
وفى جزر بولينيزيا
وميكرونيزيا يعتمدون على البطاطس واليام والسمك وجوز الهند وهم قريبو الشكل
بالأوروبيين والأمريكيين وسكان غرب أوروبا من حيث بناء الجسم وطول القامة وبالرغم
من أن غذائهم خال من اللحوم إلا أنه يحتوى على عناصر بروتينية وفيتامينات.
أما غذاء سكان
الصحراء يتركز فى كميات بسيطة من الأطعمة إلا أنها مليئة بالبروتينيات والدهنيات
والسكريات إذ يشتمل على اللبن والتمر وبعض الحبوب .
وقد لعب المرض دوراً
مهماً فى عملية الاختيار الطبيعي فى تاريخ البشرية ، ففي مرحلة جمع الطعام التى
استغرقت أكثر من 99% من تاريخ الإنسانية حيث كانت أعداد السكان قليلة ، كما كانوا
يعيشون متناثرين الأمر الذى ساعد على العزلة ، ولكن مع حياة الاستقرار وظهور
المحلات العمرانية والحضرية وقبل التقدم الصحي والطبي عصفت الأوبئة والمجاعات
بالسكان فعلى سبيل المثال قضى الطاعون الأسود على ربع سكان أوروبا خلال القرن
الرابع عشر الميلادي ، وكان من الطبيعي أن يؤدى مثل ذلك الوباء إلى تغير فى تكوين
الوحدات الوراثية لدى السكان .
ـ العوامل الجغرافية وتأثيراتها على
الإنسان :
ـ المناخ والإنسان :
يعد
المناخ من العناصر الطبيعية البارزة التى تؤثر على النشاط البشرى وتطوره ، ذلك
لأنه العامل الرئيسي الذى يكون الحياة النباتية ويحدد مظاهر الارتباط النباتي
والحيواني فى البيئة الطبيعية ، ولذا فإن النطاقات المناخية الرئيسية على سطح
الأرض تكون الإطارات الرئيسية التى تتمثل بها أوجه النشاط البشرى ، ولذلك يعتقد
كثير من الجغرافيين أن المناخ أهم عنصر من عناصر البيئة الطبيعية التى تؤثر فى
الإنسان ونشاطه فى جميع مناطق العالم سواء كانت بدائية أو متقدمة .
ومن
أمثلة هذه التأثيرات أن الغطاء النباتي يعتمد على ظروف درجات الحرارة ، فلكل نبات
حد أدنى من درجات الحرارة ( صفر النمو ) يتوقف نموه إذا هبطت الحرارة عن هذا الحد
، وكذلك هناك درجة حرارة مثلى يكون النبات فى أقصى درجات حيويته أثناءها . ولذا
فإن صفر النمو والحرارة العالية يعتبران من العوامل المحددة لنمو النباتات فى
البيئات الطبيعية المختلفة .
q المناخ
وجسم الإنسان :
يتأثر الإنسان ـ
ككائن حي ـ بعناصر المناخ وأهمها الضغط الجوى والإشعاع الشمسي ودرجة الحرارة
والرطوبة والرياح ، فانخفاض الضغط الجوى بالارتفاع يؤثر على الإنسان تأثيراً
مباشراً ، فمناطق مرتفعات الإنديز فى بيرو يسكنها شعوب قليلة استوطنت مثل هذه
المناطق .
ومن
المعروف أن الإنسان إذا ارتفع من سطح البحر إلى ارتفاع 3000 متراً (10000 ) فإنه
يصاب بدوار الجبل Mountain Sickness
وبضيق فى التنفس والصداع والإعياء وإذا
ارتفع عن ذلك بكثير فانه يصاب بانهيار تام ثم تعقبه الوفاة .
أما
درجة الحرارة فهي عنصر مناخي هام ومؤثر فى حياة الإنسان ، فتبلغ حرارة الجسم
البشرى الطبيعية 37.5 درجة مئوية ( 98.4 ف ) ، فجماعات الأكالوف فى أقصى جنوب شيلي
تلائمت فسيولوجياً مع الحرارة المنخفضة فى تلك المناطق ، فى حين يحتوى غذاء
الإسكيمو علي كميات من الشحوم ـ التى يستحيل على غيرهم من الأجناس الأخرى هضمها ـ
التى تعطيهم أكبر قدر من الطاقة الحرارية ، وتتميز أجسامهم بتراكم الشحوم فيما تحت
الجلد .
ويرى
بعض الأنثروبولوجيين ومن بينهم بكستون Buxton أن
الأنف الطويلة ذات الفتحات الضيقة التى تميز بعض الجماعات البشرية التى تعيش فى
المناطق الباردة والجافة تقوم بوظيفة هامة فى تدفئة وترطيب الهواء المتنفس قبل أن
يصل إلى الرئتين .
من
ذلك يبدوا أن النشاط البشرى والطاقة الجسمانية تتأثران بالمناخ تأثيراً كبيراً ،
فالحرارة العالية والرطوبة الشديدة لا تساعدان على العمل ، كذلك الهواء الحار مع
الرطوبة المنخفضة تؤذى الجلد وتؤدى إلى تشققه وينتج عنها جفاف الحلق والأنف وتزيد
من قابلية الإنسان لنزلات البرد ، كذلك فإن هناك الأمراض التى تكثر فى بيئات معينة
كالحشرات والأوبئة فى البيئات الحارة والرطبة مثل الملاريا والحمى الصفراء
والكوليرا والتيفود وكذلك مرض النوم الذى تسببه ذبابة تسى تسى فى المناطق
الاستوائية والمدارية ، أما فى المناطق الباردة فتكثر أمراض الرئة والأنفلونزا .
q المناخ
وتوزيع السكان :
ويلعب المناخ دوراً
كبيراً فى توجيه حركة الهجرة البشرية ، فكثيراً ما كانت ذبذبات المناخ وحدوث موجات
جفاف فى بعض الأقاليم مثل وسط آسيا تدفع الجماعات للانتقال إلى مناطق أكثر أمطاراً
، فمناخ مثل إقليم التندرا كان له أثر فى توزيع وتوجيه قبائل اللاب والياقوت فى
شمال سيبيريا وانتشر الإسكيمو فى شمال شرق سيبيريا والأسكا حتى شمال غرب جرينلند .
ويتأثر توزيع السكان
تأثراً مباشراً بالمناخ ، فالمناطق قليلة الكثافة السكانية يتفق توزيعها مع أقاليم
الجفاف وندرة المطر وذلك نتيجة قلى غطاءها النباتي وقلة مواردها المائية وإنتاجها
الزراعي ، كذلك تقل كثافة السكان فى الأقاليم الاستوائية رغم غزارة أمطارها وذلك
نتيجة الحرارة العالية وكثافة الغطاء النباتي وكثرة العوائق الطبيعية التى تعوق
النقل . ويفضل الإنسان دائما سكنى الجهات المعتدلة المناخ ويبدوا ذلك بوضوح إذا ما
قارنا خريطة توزيع الأمطار والحرارة من ناحية وخريطة توزيع السكان من ناحية أخرى ،
فنلاحظ أن توزيع السكان بكثافة عالية يسود فى الأقاليم المعتدلة بالعروض الوسطى
وإن كانت هذه العلاقة ليست منطبقة على بعض الجهات مثل جزيرة جاوة التى يتمثل بها
المناخ الاستوائي الجزرى ولكن تزداد بها كثافة السكان بشكل واضح ، وذلك لأن
المؤثرات البحرية تلطف من قوة المناخ الاستوائي وكذلك وجود التربة البركانية
الخصبة ، كما يتركز السكان فى إقليم شابا فى زئير لوجود المعادن .
ولكن إذا علمنا أن
حوالي 55 % من سكان العالم يحترفون الزراعة ، وأن المناخ هو العمل الحاسم فى أنماط
الزراعة وتوزيعها لأدركنا أن المناخ هو من أكثر العوامل تأثيراً على توزيع السكان
.
q المناخ
والإنتاج الاقتصادي :
يؤثر المناخ على
توزيع الغلات الزراعية وعلى توزيع الحيوانات وغذائها سواء كانت برية أو مستأنسة .
فالمناخ هو الذى يضع حدوداً على إنتاج الأرض وعلى سكنى الإنسان لبعض جهات الأرض
كالمناطق الشديدة البرودة والجهات الجافة ذات الرمال المتحركة ، وهو عامل رئيسي فى
تكوين التربات واختلاف أنواعها وخصوبتها .
والمناخ أهم عناصر
البيئة المؤثرة فى الإنتاج الزراعي ، لأنه هو الذى يحدد نوع الغلات التى يمكن أن
يتخصص فيها إقليم ما ، كما يتأثر نوع الإنتاج الزراعي وكميته وجودته بالعوامل
المناخية وظروف الطقس . وتشمل عناصر المناخ التى تؤثر فى توزيع الغلات : درجات
الحرارة وكميات الأمطار وتوزيعها الفصلي ومدى كفايتها بحاجة النباتات ونسبة
الرطوبة وسقوط الثلج والندى وحدوث الضباب وغطاء السحب وهبوب الرياح وكمية الضوء
الذى يتعرض لها النبات . وتختلف أهمية عناصر المناخ المختلفة من محصول لأخر ، فقد
تكون كمية المطر أهم عنصر لمحصول ما ، وقد تكون درجات الحرارة أو كمية الرطوبة أو
الرياح …
ويتوقف نجاح الزراعة
على كميات الأمطار الملائمة لاحتياجات الغلات المختلفة وعلى فصلية سقوط الأمطار ،
إذ تختلف الاحتياجات المائية للنباتات والمحاصيل المختلفة ، فالقمح مثلاً يحتاج
إلى كمية أمطار لا تقل عن 10 بوصات أو ما يعادلها من مياه الري فى الأقاليم
المعتدلة الباردة ولا تقل عن 24 بوصة فى الأقاليم المعتدلة الدفيئة . كما يؤثر
تذبذب كمية المطر على الإنتاج الزراعي
وجودته ، وقد يؤدى تأخر الأمطار إلى وقوع المجاعات كما فى بعض جهات الهند وأفريقيا
.
والمناخ هو العامل
الذى يتحكم فى توزيع التجارة الدولية باستثناء التجارة فى المعادن والصخور .إذ أن
المناخ يحدد نوع النباتات والغلات والمنتجات الحيوانية وبالتالي يحدد طبيعة ونوع
المصنوعات المتباينة بين جهات العالم المختلفة .
ويبدو أثر المناخ
واضحاً فى الجهات الغربية من القارات وفى العروض العليا حيث تكون أكثر صلاحية
للسكن والاستقرار من الجهات الشرقية من القارات فى نفس العروض ، ويرجع ذلك إلى أثر
التيارات البحرية الدافئة وهبوب الرياح الغربية الدافئة نوعاً على السواحل الغربية
للقارات ومرور التيارات البحرية الباردة وهبوب الرياح القطبية الباردة على السواحل
الشرقية وينجم عن ذلك تجمد مواني البحيرات والبحار وتوقف حركة التجارة بها .كما
تتعرض البحار الداخلية والأنهار للتجمد أيضاً بفعل عامل القارية وينتج عن ذلك
تعطيل مختلف نواحي الحياة الاقتصادية الأخرى كطرق النقل والمواصلات وما يعتمد
عليها من نشاط بشرى .
والمناخ هو الذى يحدد
طرق المواصلات التى يسلكها المسافرون والسلع التجارية فى الفصول المختلفة فى كثير
من البيئات ، فمثلاً تغلق مواني نهر سانت لورانس فى فصل الشتاء بينما تظل مواني
النرويج مفتوحة للتجارة فى هذا الفصل بسبب تيار الخليج . وتعمل الرياح وسقوط الثلج
والسيول على تعطيل حركة السير على الطرق المختلفة . كما يحدد المناخ أيضاً أنواع
وسائل النقل المستخدمة فى بعض الجهات كاستخدام الزحافات فى الأقاليم القطبية .
وللمناخ آثار قوية
على الطيران ، وعليه يتوقف اختيار مواقع المطارات ومسارات الخطوط الجوية حتى لا
تتعرض الطائرات للضباب والعواصف ، كما أن تخطيط المطارات والممرات الأرضية يعتمد
على اتجاهات الرياح السائدة . ويؤدى سوء الأحوال الجوية إلى كثير من كوارث الطيران
، ولذا يجب أن يكون الطيار على دراية بعلم الميتيورولوجيا (الأرصاد الجوية ) .
وللعناصر المناخية
أثرها فى نشأة المناطق السياحية ونشاط حركة السياحة التى لها تأثير كبير على نمو
الدخل القومي لبعض الدول مثل سويسرا ذات الطبيعة الجبلية ولكن يقصدها السياح
للممارسة رياضات التزحلق وغيرها .
ويتأثر تخطيط المدن
كذلك بالأحوال الجوية فيكون تجاه الشوارع فى العروض المعتدلة عمودياً على اتجاه
الشوارع وموازياً لاتجاه الرياح فى العروض الحارة . ونجد أن الشوارع والطرقات فى مدن
المناطق الحارة عادة ضيقة بينما تمتاز مدن المناطق الشمالية الباردة بشوارع فسيحة
ليمكن الحصول على أكبر قدر من أشعة الشمس ، ومن أمثلة هذه التأثيرات نجد أن
الإسكيمو تبنى منازلها على هيئة قباب من الجليد والثلج تعرف باسم الايجلو Iglo
بينما تبنى الجماعات التى تعيش فى
الأقاليم الاستوائية منازلها من الأغصان وفروع الأشجار على أشكال مخروطية لتقيها
الحر الشديد والمطر الغزير .
وللعناصر المناخية
أثرها فى نشأة الصناعات وتوطينها ، فرطوبة الهواء مثلاً تساعد على قيام صناعة
القطن كما حدث فى لانكشير نتيجة مناخها الرطب الذى لا تتقصف فيه التيلة ، فى حين
قامت صناعة الصوف فى يوركشير للجفاف النسبي الذى تتميز به . ولكن يمكن القول أن
هذا الاعتبار ينصرف إلى الماضي وأنه أصبح فى الإمكان الآن التحكم فى هذه الضوابط
المناخية داخل المصانع ذاتها .
ـ مظاهر السطح والإنسان :
تلعب
مظاهر السطح فى البيئة الطبيعية دوراً بارزاً فى أنماط النشاط البشرى وتوجيهها .
فبالرغم من أن عناصر المناخ يؤثر بدوره فى تحديد الأقاليم الرئيسية التى تضم
أنماطاً مختلفة من الحياة البشرية فإن العوامل الفيزيوغرافية هى المؤثر الرئيسي فى
تباين استغلال الأرض وفى اختلاف الدور الذى يقوم به الإنسان فى هذا الصدد .
وبصفة
عامة فإن أشكال السطح الرئيسية تتمثل فى السهول والتلال والهضاب ثم الجبال ،
وتعتبر السهول ذات التربات الخصبة والمناخ المعتدل أكثر الجهات ملائمة لنشاط
السكان ومن ثم فانهم يتركزون بها أكثر من آي مظهر تضاريسي أخر كما الحال فى السهول
الوسطى فى أمريكا الشمالية وسهول البمبا فى أمريكا الجنوبية والسهل الأوروبي
الشمالي وسهل الجانج والسند فى الهند والسهل الصيني الشمالي ، وقد نتج هذا التركز
عن عوامل متعددة توفرت فى هذه السهول أهمها سهولة زراعتها وجودة تربتها وملاءمتها
لإنتاج كثير من المحاصيل ، كذلك فإن استواء السطح فى المناطق السهلية يسهم فى
سهولة النقل وامتداد طرق المواصلات ، فمثلاً الأنهار التى تجرى فى المناطق الجبلية
تعترضها الشلالات والجنادل بعكس أنهار السهول فهي صالحة للملاحة وبالتالي القيمة
الاقتصادية العالية .
أما
الجبال فيمكن القول أنها مناطق مخلخلة سكانياً بينما تمثل الأودية مناطق كثيفة
سكانياً ، كما الحال فى السهول الوسطى بالولايات المتحدة الأمريكية وجبال الروكى .
فى حين تمثل الجزر بيئة جغرافية منعزلة ساعدت على بناء أشكال قديمة ومستوطنة من
الحياة سجلها الكثير من الباحثين ، فقد اكتشف أن سكان جزر كارولين ما زالوا يعيشون
فى العصر الحجري . وتتميز الجزر بمناخ متميز ساعد على الاستقرار البشرى وكذلك
عوامل ساعدت على قيام أنشطة مختلفة أهمها الصيد .
ومظاهر
السطح لها تأثير كبير على النشاط الاقتصادي ، فالمناطق السهلية التى تتوفر بها
مياه الأمطار أو المياه الجارية أمكن قيام حرفة الزراعة وبخاصة فى مناطق السهول
الرسوبية فى وديان الأنهار الكبرى كوادي النيل وسهول دجلة والفرات . فى حين تعد
الجبال أعظم المناطق غنى بثروتها المعدنية التى ساعدت على قيام حرفة التعدين وبعض
الصناعات المتصلة بها . وكثيراً ما يؤدى اختلاف مظاهر السطح إلى قيام حركة تبادل
تجارى بين الأقاليم السهلية من جهة وبين الأقاليم الجبلية من جهة أخرى ، مثل حركة
التبادل التجاري بين سكان جبال الألب وسكان سهل البو ( إيطاليا ) وقيام انتقال
فصلى للرعاة بين المناطق السهلية والمناطق الجبلية فى كل من سويسرا والنمسا
وإيطاليا وفرنسا والنرويج .
وللتضاريس
تأثيرها على الأحوال السياسية والأوضاع الاستراتيجية ، ويتمثل ذلك فى اختيار
المواقع الدفاعية فى بناء القلاع والحصون والأسوار والمدن . ويجب ألا نغفل أثر
الجبال والتضاريس المعقدة فى حماية الدولة واستقرارها وخاصة فى بدء نشأتها ، على
أنها قد تكون عاملاً من عوامل الجمود وضيق الأفق والتمسك بالقديم وينطبق ذلك هذا
على بعض الجهات المنعزلة مثل التبت أو منطقة الطوارق فى جبال تبستى وهضبة الأحجار
فى الصحراء الكبرى وأقاليم القبائل الهندية الأمريكية فى بوليفيا وبيرو . ولذا كان
التطور الاقتصادي لمناطق الجبال أكثر بطئاً من التطور الاقتصادي لمناطق السهول
بسبب عزلة سكان المناطق الجبلية ومحافظتهم على القديم فيما عدا المناطق التى
اكتشفت فيها المعادن أو التى تطورت صناعتها إلى إنتاج سلع ذات قيمة كبيرة بالنسبة
لوزنها كصناعة الساعات والآلات الدقيقة كما هو الحال فى سويسرا واليابان .
وتقوم
انحدارات الجبال بدور كبير فى الدفاع ولذا نجد الدول القوية أو المنتصرة تعمل على
امتلاك قمم الجبال وما وراء الجبال ليتسنى اتخاذها كخط دفاع أول . كما تعظم أيضاً
قيمة الممرات وخاصة المنخفضة منها . وكثيراً ما وقفت الأنهار الواسعة والمستنقعات
فى طريق الجيوش الغازية . بينما تتعرض المناطق السهلية للاجتياح كما هو الحال فى
سهول بولندا التى تعرضت للاجتياح أربع مرات فى تاريخها وكذلك هولندا وبلجيكا التى
اخترقت أراضيها فى الحربين الأولى والثانية .
كما
أن الأقاليم السهلية يمكن السيطرة عليها من مكان وسط يتخذ مقراً للحكم ، وهكذا
اتحدت مصر منذ أقدم العصور بينما نجد أن المناطق الجبلية صعبة فى إخضاع سكانها كما
هو حال الأكراد فى كل من العراق وتركيا وإيران ، وكذلك الحال فى يوغسلافيا التى
كانت تتبع النظام الفيدرالي بين أقاليمها المختلفة .
ومن
تأثيرات أشكال السطح أيضاً أنه فى كثير من الأحيان تتخذ الظاهرات الطبيعية حدوداً
سياسية بين الدول مما أدى إلى قلة مشكلات الحدود بين الدول وبعضها البعض .
ـ الحياة النباتية والإنسان :
تعتبر
الحياة النباتية من العوامل الطبيعية المؤثرة فى حياة الإنسان ، ذلك لأنها تؤثر فى
إنتاج الإقليم الاقتصادي وتحدد نوع الحرفة التى يقوم بها الإنسان وطريقة ومستوى
معيشته ، فمناطق الحشائش صالحة تماماً للرعى كما أنها صالحة للزراعة إذا ما أمكن
حرق الحشائش بعكس الحال فى مناطق الغابات التى تقل صلاحيتها للزراعة .
وعلى
الرغم من أن الإنسان قد أزال أجزاء من الغطاء النباتي الطبيعي فى معظم بقاع العالم
سواء لإحلال الزراعة محلها أو لآي غرض آخر ، فإن أهميتها بالنسبة للإنسان أهمية
كبيرة إذا ما أدركنا أن استهلاكه من الأخشاب فى أغراض البناء أو صناعة الأثاث أو
فى مد السكك الحديدية وصناعة السفن وغيرها فى تزايد مستمر تبعاً لتزايد أعداده ،
كذلك إذا أدركنا ما يستهلكه العالم من لحوم وجلود وأصواف يأتى فى معظمه من المناطق
ذات المراعى الطبيعية التى تربى عليها قطعان ضخمة من الماشية والأغنام كما هو
الحال فى الأمريكتين واستراليا ونيوزيلندا .
وقد
يكون الغطاء النباتي حائلاً للتقدم البشرى فى كثير من الأحيان حيث تعوق الغابات
الكثيفة طرق النقل المتنوعة التى يصعب مدها فيها مثل طرق السيارات أو السكك
الحديدية كما يبدو فى حوض الكونغو والأمازون واللذين مازالا حتى الآن مناطق طرد بشرى
وتسود بهما حرف بدائية كالصيد والجمع ، وغير ذلك فقد قامت مناطق الغابات بدور
الحماية للجماعات المستضعفة فى مواجهة الجماعات القوية فمناطق غابات الكونغو كانت
ملجأ للأقزام التجئوا إليها تحت ضغط جماعات الزنوج السودانيين وجماعات البانتو .
والغابات
مناطق قليلة السكان للغاية ولا يعيش بها إلا جماعات مستضعفة قليلة العدد ولا
يختلطون كثيراً بالجماعات الأخرى مما يجعلهم معرضين للانقراض . كما يسكنها بعض
عمال قطع الأخشاب أو الصناعات القائمة عليها ، والواقع أن الغابات ليس فيها ما
يغرى على السكنى إلا إذا كان بها موارد اقتصادية هامة .
أما
مناطق الحشائش فهي أقاليم الرعاة التى تعج بأعداد كثيرة من الحيوانات البرية
والمستأنسة ، وتعيش فيها قبائل رعوية لها تنظيمها الاقتصادي والاجتماعي الخاص الذى
يتناسب مع البيئة . وتؤدى ظروف البيئة وقلة الأمطار والفروق بين مناطق الحشائش إلى
شيوع الهجرات الرعوية بحثاً عن الكلأ وموارد المياه ، وفى تلك الأقاليم يصعب تخطيط
الحدود السياسية ولذلك كثيراً ما تتجول القبائل فى أكثر من دولة واحدة وكثيراً ما
تقوم المشاكل السياسية على الحدود كما هى بين الصومال وأثيوبيا .
ومن
الأمثلة الواضحة لتأثير الغطاء النباتي هو ذلك التأثير على سكان المناطق القطبية
الباردة ، إذ عليها تتوقف حياة الحيوانات التى تعيش هناك وأهمها الرنة والكاريبو ،
ولذلك كانت هجراتها بحثاً عن الطحالب والحشائش القطبية هى التى تنظم هجرات الإنسان
فى هذه المناطق وتنظيم حياته الاجتماعية . واختفاء الغطاء النباتي من الصحارى
جعلها مناطق مقفرة من حيواناتها وسكانها ما عدا مناطق الواحات والتعدين وذلك
لاستحالة معيشة الحيوان والإنسان فى بيئة يختفي فيها الغطاء النباتي .
وقد
لعبت الغابات دوراً كبيراً فى قيام حرفة صيد الأسماك فى الجهات الساحلية ، إذ
اعتمدت عليها جماعات الصيادين فى بناء السفن كما هو الحال فى مناطق الصيد بالنرويج
واليابان وشرق كندا وشمال شرق الولايات المتحدة . على أن أهمية الغابات الرئيسية
فى الوقت الحاضر تنحصر فى مواردها من الأخشاب ، وتؤدى زيادة الطلب عليها فى
الأسواق العالمية إلى تقليل مساحاتها فى الأقاليم المعتدلة الدفيئة والباردة وهذا
يدفع إلى الاهتمام باستغلالها استغلالاً منظماً دون إسراف أو إهمال .
ـ
تأثير الإنسان فى الجغرافيا : ( دور الإنسان فى بيئته الجغرافية )
الإنسان
ليس عاملاً سلبياً فى بيئته الجغرافية ، بل نه عامل إيجابي مؤثر استطاع أن يعدل من
ظروف البيئة وأن يتلاءم معها ، وذلك لما وهبه الله من قدرة ذهنية لا تتوفر لغيره
من الكائنات الحية . وحتى فى أولى مراحل تطوره الحضاري إلا أنه كان يغير من ظروف
البيئة بقدر معلوم ، وكلما ارتقى الإنسان فى سلم الحضارة كلما تزايد دوره فى تعديل
البيئة والتكيف معها .
وليست
مكونات البيئة الطبيعية ـ والتي سبق ذكرها ـ فى متناول التحكم البشرى كلية ، فرغم
أن الإنسان تمكن من تعديل لبعض مظاهر السطح والنبات والمياه فإنه حتى الآن يقف
عاجزاً أمام بعض الظاهرات الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والعواصف واتجاه الرياح وتفاوت
درجات الحرارة وعوامل التعرية الرئيسية أو الظاهرات الناجمة عنها .
وعلى
أية حال فإن هناك عناصر فى البيئة الطبيعية استطاع الإنسان أن يعدلها ويتحكم فيها
، فقد غير من أشكال السطح هنا وهناك وشق الطرق والممرات عبر السلاسل الجبلية مثلما
حدث فى جبال الألب التى شقت فيها الممرات التى تربط بين فرنسا وإيطاليا والنمسا ،
وأزال الغابات لاستغلال الأرض فى الزراعة مثلما حدث فى أقاليم السهول الوسطى فى
الولايات المتحدة الأمريكية والتي أصبحت من أغنى الأقاليم الزراعية فى العالم ،
وكذلك ردم البراري والمستنقعات مثلما حدث فى شمال الدلتا فى مصر ، وأضاف المخصبات
للتربة لزيادة إنتاجها ، واستثمر موارد البيئة الطبيعية كالثروة المعدنية الكامنة
فى قشرة الأرض ، كما استأنس الحيوان منذ القدم ، ووجه الأنهار واستغلها لخدمته فى
النقل والصناعة ، وقد ساعد على ذلك كله أن الإنسان هو أوسع المخلوقات انتشاراً على
سطح الأرض ، ولم يمنع انتشاره قسوة الظروف المناخية ولا العقبات الطبيعية الأخرى
وإن كانت حدت من تكاثفه فى بعض الأقاليم .
والواقع
أن الإنسان ـ على امتداد تاريخه ـ اعتمد فى مغالبته للبيئة على معارفه وابتكاراته
وكان أبرزها معرفة النار واهتدائه إلى طريقة إشعالها ، وقد صاحب اختراع النار منذ
البداية اختراع الأدوات ، وهى من أم عناصر الحضارة المادية المبكرة التى مكنت
الإنسان من التغلب على عوائق البيئة الطبيعية المحيطة .
ويعد
استخدام النار فى استخلاص المعادن من خاماتها من أبرز مراحل التطور الحضاري فى
حياة الإنسان ، وكان له الدور الكبير فى تطوره الاقتصادي . وكان هذا الكشف ثورة
اقتصادية هائلة دفعت بالإنسان إلى الأمام واستخدامه فى أدوات الصيد والزراعة وكان
بداية للثورة الصناعية فى العصر الحديث .
ويرتبط
دور الإنسان فى تعديل بيئته الجغرافية بعدد من العوامل أبزها فى أعداده وتوزيعها
ومستواها الحضاري والمدة الزمنية التى يقضيها الإنسان فى بيئته ، فالأقاليم التى
يكثر بها السكان والتي شهدت العمران البشرى لفترات طويلة هى أكثر الجهات تغيراً عن
حالتها الطبيعية الأولى . كما أن الأنشطة الاقتصادية البسيطة البدائية كالصيد
والجمع والالتقاط والرعي البدائي والزراعة المتنقلة لم تحدث سوى تغيرات بسيطة فى
سطح الأرض وشكلها ، أما المجتمعات التى تعيش على الزراعة المستقرة ومجتمعات
الحضارة الميكانيكية والزراعية الراقية فهي التى أحدثت أعظم تغير فى شكل الأرض .
ومع
التقدم العلمي والتكنولوجي فى العصر الحالي ، استطاع الإنسان أن يتحكم فى بيئته
الجغرافية إلى حد كبير مقارنة بالفترات السابقة ، فقد استطاع أن يعدل من مظاهر
البيئة الطبيعية المحيطة به ، فتغلب على المرتفعات وشق فيها الكباري والطرق
والممرات الجبلية واستخدام أساليب مختلفة للتنقل خلالها ـ وخير مثال لذلك اليابان
تلك الدولة ذات الطبيعة الجبلية التى استغلت طبيعتها الجبلية الاستغلال الأمثل
سواء فى الزراعة أو المعادن أو الصناعة ، وكذلك سويسرا التى تعتبر دولة جبلية
ولكنها الآن من أكبر الدول السياحية ى العالم وذلك بفضل استغلالها لطبيعتها
الجبلية ـ ، وتغلب على أثر الظروف المناخية من خلال تعديل لآثارها كالزراعة من
خلال الصوبات الزجاجية التى مكنته من زراعة محاصيل بيئات أخرى كانت لا تصلح لبيئته
، واستطاع أن يتحكم فى عملية سقوط المطر من خلال تحويل مسار السحب من منطقة لأخرى
وإن كانت لا تزال هذه العملية فى مرحلة التجارب .
فالتقدم
العلمي والتكنولوجي مكنه من استغلال مواد ومعادن نادرة كانت غير قابلة للاستخدام ،
وتمكن من خلال الهندسة الوراثية فى اكتشاف عقاقير جديدة وعلاجات وطرائق جديدة
للسيطرة على الأمراض ، كما تبشر النجاحات المتحققة فى تكنولوجيا الفضاء بآفاق
واعدة ، حتى للاقتصاديات التى تعتمد على الزراعة ، فى تقديم المعلومات التى تفيد
فى استغلال الموارد الطبيعية الاستغلال الأمثل .
ومن
الواضح أن الإنسان كلما قطع شوطاً كبيراً فى التطور والتقدم عظم تغييره لعناصر
بيئته ، على أنه يلاحظ أن الإنسان لا يعدل فقط من صفات البيئة التى يسكنها ولكنه
كثيراً ما يتجه بهذا التعديل وجهة ضارة تصيب موارده فى النهاية بالخسران ، مثل
إسرافه فى اجتثاث الأشجار مما يؤدى إلى القضاء على مساحات كبيرة من الغابات وتعريض
التربة للتعرية وحدوث الفيضانات ، واستنزافه للمعادن ، والإسراف فى الصيد بطرق غير
سليمة مما يؤدى إلى انقراض أنواع من الحيوانات والطيور والأسماك ، وحتى هواء المدن
لم يسلم من تدمير الإنسان فقد تأثر بما تنتجه المصانع من أدخنة وما تنفثه السيارات
من عوادم وأدى ذلك إلى تلوث الهواء فى داخل المدن بشكل حاد خاصة فى كثير من المدن
الكبرى فى الدول النامية .
ثامناً
ـ الجغرافيا والمعطيات التربوية :
ـ
الجغرافيا وعلاقتها بالجغرافيا التربوية ( تعليم الجغرافيا ) :
بالرغم من أن الاتجاه التعليمي للجغرافيا
يعد اتجاها حديثاً فى تطورها ، إلا أن طبيعة الجغرافيا كمادة دراسية تختلف عن
طبيعتها كعلم ، وذلك من زوايا كثيرة منها :
× يهدف علم الجغرافيا إعداد الفنيين
والمتخصصين فى هذا العلم ، وهو يرعى المستويات العلمية ، أما الجغرافيا كمادة
دراسية فإنها تهدف إلى تربية التلاميذ وإعدادهم للمواطنة الصالحة والفعالة فى
المجتمع .
× أن مادة الجغرافيا التى يدرسها التلاميذ
فى مراحل التعليم العام المختلفة هى ذاتها علم الجغرافيا ولكن فى صورة مبسطة
لتحقيق أهداف تربوية معينة ، كما أنها ترعى نمو التلاميذ ومستويات هذا النمو فى كل
مرحلة من مراحل النمو .
× أن الغرض الذى يتوخى من دراسة مادة
الجغرافيا فى المدرسة لا يطابق كل المطابقة الغرض الذى يقصده العالم أو الباحث
المتخصص فيها ، آي أن التلميذ والباحث يختلفان من حيث الوسيلة والغاية ونوع
التفكير والمشكلات التى يطبق فيها كل منهما ما يعرفه من حقائق ومفاهيم . ( أحمد
عبد الرحمن النجدي وآخرون :2002،ص11).
وبالتالي تهتم الجغرافيا كمادة دراسية
فى مراحل التعليم العام والتعليم الجامعي بتدريس الظاهرات الجغرافية والطبيعية
والبشرية والعلاقات القائمة بينهما والمشكلات التى تنشأ من تلك العلاقات ،
بالإضافة إلى دراسة تلك الظاهرات الطبيعية والبشرية ضمن وحدة جغرافية معينة (
الجغرافيا الإقليمية ) للدولة أو الدول أو الأقاليم المختلفة ، وتختلف مستويات
دراستها وتدريسها باختلاف مراحل التعليم العام والصف الذى يدرس فيه التلاميذ ،
وعلى العموم فإن الجغرافيا كعلم وكمادة دراسية تتفقان فى العناصر الأساسية التى
يتعامل معها كل من الجغرافى المحترف ومعلم الجغرافيا ولكنهما يختلفان فى هدف كل
منهما وبالتالي فى محتوى ووظيفة الجغرافية التى تلزم كل منهما .
وتركز الجغرافيا التربوية فى ثلاثة
محاور أساسية وهى :
× التعميمات والحقائق والمفاهيم المرتبطة
بالموضوعات الجغرافية .
× الاتجاهات والقيم والميول والأنماط
السلوكية المرغوب فيها .
× المهارات الجغرافية .
( حسن بن عايل أحمد يحي :2001،ص 361)
ـ
قيمة الجغرافيا التربوية :
q المعرفة الجغرافية :
تساعد المعرفة الجغرافية المتعلم على
تكوين رؤية واضحة وشاملة للعالم ومتغيراته البيئية والاقتصادية والسياسية
والسكانية ، وتساعده على فهم القضايا والمشكلات المحيطة به على المستويين المحلى
والعالمي ، وعلى إصدار أحكام صحيحة على مجموع هذه القضايا ، فضلاً عن أن تصور
الإنسان لعالم المستقبل يتوقف على فهمه ورؤيته لعالم اليوم ومتغيراته ، وفهمه
للعلاقات القائمة بينه وبين بيئته . ومن ثم فالجغرافيا من أهم المواد التى تحقق
ذلك بما تقدمه من معلومات مفيدة عن الناس والأماكن والبيئات المختلفة .
فتزود الجغرافيا الدارس بفهم عن محيطه
البيئي ، وعن البيئات المجاورة ، كما إنها تمكنه من إدراك أن كل الظواهر
والتنظيمات المكانية والأنماط الإقليمية وتوزيعات الظواهر لم تتأت مصادفة ، ولكنه
جاءت نتيجة لعوامل طبيعية وبشرية عديدة ومتفاعلة مع بعضها . وتساعده على أن يكتشف
قدرات وطموحات الإنسان ، ومع ربط ذلك بمفاهيم الزمان والمكان يمكن أن يدرك أنه لا
تميز بين البشر وليس هناك أجناس متميزة وأخرى أقل تميزاً ، فالإنسان وحدة متجانسة ،
أمة واحدة ، وترجع الاختلافات الحضارية إلى ظروف بيئية أو نتيجة للتفاعل بين عناصر
البيئة والمكان وسلوك الإنسان فيه.(محمد جلال عباس:1999،ص165).
وتزود الدارس بمفهوم هام هو أن هناك
اعتماداً متبادلاً بين الأقاليم والأماكن ، وبين شعوب العالم ، فلا يمكن لمكان أو
إقليم أن يكون فى معزل عن الأقاليم الأخرى ، أو يعتمد على نفسه اعتماداً كلياً ،
فلابد من التبادل بين سكان الأقاليم والبيئات والأماكن المختلفة . فالجغرافيا
عندما تدرس إقليماً ما فإنها تلقى الضوء على معالم هذا الإقليم فى الماضي ، وتأتى
بصورة الحاضر وصولاً إلى صورة مستقبلية ، فهي لا تدرس المكان باعتباره صورة ساكنة
وإنما باعتباره صورة ديناميكية متحركة متطورة ، وتبرز الاختلافات بين هذا المكان
وأشخاصه من ناحية وغيره من الأماكن الأخرى من ناحية أخرى ، وأسباب هذه الاختلافات
(محمود محمد سيف :1994،ص24) ، مما يتيح فرص الاتصال والتبادل والتعاون بين
الأقاليم المختلفة ، ويؤدى هذا إلى تنمية مفهوم العالمية والسلام .
ورغم
أهمية المعرفة الجغرافية إلا أن هذا لا يعتبر مبرراً للتركيز عليها ، حيث أن كثير
من الآراء ترى أنه من الضروري ألا يكتفي بتعليم الجغرافيا من الكتب والمراجع فقط ،
وألا تركز على اكتساب المعرفة الجغرافية فى ذاتها ، بل يجب الاهتمام بالجوانب
التطبيقية ، واستثمار هذه المعرفة وتوظيفها فى فهم العالم ومتغيراته ومشكلاته
وقضاياه(رتشارد وبويهم Richard. G, Boehm .D: 1994،ص
8)،(روجرز وأخرون Rogers and others: 1992،ص4).
q المهارات
الجغرافية .
تسعى الجغرافيا إلى
تنمية العديد من المهارات التى تساعد الفرد فى الحصول على المعارف والمعلومات التى
يريدها ، وتكون لديه القدرة على استيعاب هذه المعارف والمعلومات ، وبخاصة أننا
اليوم فى عصر المعلومات والثورة المعرفية ، الأمر الذى جعل القائمين على التربية
فى حيرة من أمرهم ، فماذا يقدمون من معارف وماذا يتركون ؟
ويمكن تصنيف المهارات التى تسعى الجغرافيا
إلى إكسابها وتنميتها لدى الدارسين إلى:
ـ مهارات خاصة بالحقائق والمعارف :
وتشمل
كيفية الحصول على المعلومات والمعارف من مصادرها الأصلية مثل المراجع والكتب ،
وتصنيف الحقائق وتسجيلها حتى يمكن معالجتها والحصول على المعلومات على نحو سليم
مثل عمل الرسوم البيانية ورسم الخرائط الجغرافية ، وتفسير الحقائق والبيانات عن
طريق الربط بين الأحداث بعضها البعض ، وكذلك الربط بين الخرائط المختلفة ،
واستخلاص المعلومات عن طريق عقد المقارنات عن الحقائق التى تم جمعها ، واستخدام
الحقائق والمعلومات وتطبيقها فى مواقف حياتية جديدة .
ـ مهارات خاصة
بالتفكير الجغرافى :
يعرف
التفكير الجغرافى بأنه :" القدرة على تحديد المعلومات المتاحة فى الوقت
الحالي، والمعلومات التى سوف تتاح لهم فى المستقبل ، والمعلومات لم تتح لهم ،
واستخدام المعلومات الكمية ، وتوظيف ذلك فى اتخاذ أى قرار ، وبهذا يمكن التفكير
بطريقة سليمة." (محمود على عامر :2000،ص 34) .
ومن المهارات العقلية المرتبطة بالتفكير ،
القدرة على المقارنة بين الأشياء والأفكار والأحداث والمواقف على أساس أوجه
التشابه والاختلاف ، والتصنيف ، وطرح أسئلة مناسبة وفاحصة ، واشتقاق النتائج
والاستنتاجات من الأدلة ، والوصول إلى الأفكار العامة ، والتنبؤ بحذر من التعميمات
.
وهناك
أيضاً مهارات لاتخاذ القرار وهى : التفكير فى حلول بديلة ، التفكير فى نتائج كل حل
، اتخاذ قرارات وتبريرها ، والتصرف فى ضوء هذه القرارات .
ـ مهارات استخدام الخرائط والرسوم
البيانية والأشكال التوضيحية والصور :
تعتبر
هذه المهارات أساسية لتعليم الجغرافيا ، إذ لابد أن يكون الفرد قادراً على
القراءة والتحليل والتفسير والاستنتاج لكل
من الخريطة والرسم البيانى والشكل التوضيحى والصورة .
ـ المهارات الاجتماعية :
وهى
مهارات تتعلق بالعلاقات بين الأشخاص وتشمل : رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين ،
إدراك الاختلافات فى القيم عن الآخرين ، العمل بفاعلية مع الأفراد كعضو فى جماعة ،
تقديم النقد البناء وتقبله ، تحمل المسئولية واحترام حقوق وملكية الآخرين .
( خيري على إبراهيم :1990،ص ص41-50) ،(
فاطمة إبراهيم حميدة :1996، ص10،11) ، ( محمود حافظ أحمد : 1997) .
q الاتجاهات
الجغرافية :
يعتبر مفهوم
الاتجاهات وتنميته فى تعليم الدراسات الاجتماعية بصفة عامة ـ والجغرافيا بصفة خاصة
ـ من الأهداف الرئيسية التى تسعى التربية
إلى تحقيقها فى مجتمعنا المصري ، ونظراً لأن الدراسات الاجتماعية والجغرافيا إحدى
فروعها تساعد على إكساب وتنمية العديد من الاتجاهات المرغوب فيها مثل احترام
الآخرين وتقديرهم واحترام العمل والقانون والتعاون ، وبعض الاتجاهات العلمية مثل
الاتجاه نحو التفكير العلمي الناقد ، وتساعد الجغرافيا كذلك على تنمية الاتجاهات
الإيجابية نحو البيئة والمحافظة على مواردها . (محمود على عامر :1993،ص129)،( أحمد
إبراهيم شلبى :1997،ص 60)
وتعطى
دراسة المفاهيم والمعلومات الجغرافية فرصة كبيرة لتحقيق التفاهم والتقارب بين
الشعوب والثقافات المتباينة وتنمية الإيمان بالمصير المشترك للعالم ، وبذلك تنمى الاتجاه نحو التفاهم العالمي ،
السلام العالمي ، والوعي العالمي .(
رتشارد وبويهم Richard. G,
Boehm
.D:
1994،ص 10).
q القيم
الجغرافية :
تسهم الجغرافيا فى
تنمية القيم بجميع أنواعها ، ومنها القيم الاقتصادية التى تستطيع هذه المادة
تنميتها عن طريق تعريف التلاميذ بالموارد الاقتصادية فى العالم من حيث توزيعها
وتباينها وإنتاجها واستهلاكها وطرق نقلها وتجارتها الدولية ، كما تسهم فى تنمية
القيم السياسية من خلال دراستها للوحدات السياسية على سطح الكرة الأرضية ،
والمشكلات القائمة التى ترتبط بتوزيع المجتمعات الإنسانية ، وتأثرت هذه المجتمعات
ببيئاتها الجغرافية ، وعلاقة توزيع الظاهرات الاجتماعية كالسكان والقرى والمدن
بالظروف الجغرافية العامة للمكان .
وهناك
القيم الجمالية التى تتضح فى تدريس الجغرافية والتي تبدو من خلال دراسة جمال
الطبيعة ، حيث تعمل هذه المادة على زرع الإحساس بالمسئولية لدى التلاميذ ، من أجل
العناية بالطبيعة وصيانتها ، كما أن دراسة المظهر الطبيعي يساعد على الاستغلال
المثمر لأوقات فراغهم ، كما أنها تساعد على ارتقاء الذوق وتنمية الهوايات .( منصور
أحمد عبد المنعم :1999،ص 137،138)
وبالتالي
تعد الجغرافيا من المواد التى يمكن من خلالها دخول الفرد إلى الحياة الاجتماعية
والتعرف على قيمتها ، فالفرد بعد أن يتمثل طراز حياة الجماعة التى ولد فيها ،
يتمثل عن طريق هذه المواد تركيبات هذه الجماعة وتقاليدها وعاداتها وروحها ، ويرتبط
بها كل ما ينمو لديه من عواطف ومشاعر . فالجغرافيا تتصل اتصالاً مباشراً بالحياة
وما فيها من ظواهر مختلفة ، وتهيئ مجالات متنوعة تساعد على النمو الاجتماعي
المنشود ، كما تعد من المواد التى تساعد التلاميذ على فهم أنفسهم والمجتمع الذي
يعيشون فيه وقيمه ومثله العليا ، فهى تبحث فى الإنسان من حيث هو كائن اجتماعي ،
وعلاقته بالبيئة التى يعيش فيها وكيف يحل الإنسان مشكلات هذه البيئة .
وتتضمن الجغرافيا
دراسة للعلاقات الإنسانية التى تبدو مهمة لتعلم التلاميذ ، وتهدف بصورة أساسية إلى
تنمية المواطنة المسئولة عندهم عن طريق تزويدهم بالمعارف وطرق التفكير والمهارات
والاتجاهات الضرورية لذلك ، ويهتم التدريس فيها بالتفاعل بين التلاميذ والبيئة
الطبيعية والبشرية من حولهم ، والتأكيد على التفاعل البشرى لتحديد العلاقات بين الإنسان
والأرض ، والإنسان والقوانين ، والإنسان والقيم . وعلى ذلك فإن هدف المواد
الاجتماعية بصفة عامة والجغرافيا بصفة خاصة هو إيجاد وتنشئة المواطن الصالح
والفعال فى المجتمع ، كما تساعد فى تنمية المهارات والقدرات الحيوية لدى التلاميذ
فى صنع القرارات المطلوبة للحياة ، وتتطلب مسئولية صنع القرارات الاجتماعية من
الأفراد التعرف على القيم والحقائق ذات الصلة ، حيث يتم اختيار أو فحص القيم التى
تتضمنها القرارات . ومن هنا يتضح الأهمية التى تلقيها الجغرافيا على اكتساب
التلاميذ للقيم السليمة المتعلقة بالمشكلات التى تواجههم فى حياتهم اليومية .
ويعد معلم الجغرافيا
بما لديه من معرفة لطبيعة الجغرافيا ومداخلها وأساليب تدريسها مسئولاً بدرجة كبيرة
عن تعريف التلاميذ على هذه القيم وتعريفهم على حقوقهم ، والوصول بهم إلى المرحلة
التى يقدرون فيها المبادئ الإنسانية العامة كاحترام الشخصية الإنسانية والعدالة
والمساواة ، وتفسير قيم المجتمع وقواعده الأخلاقية والاجتماعية من خلال معايير ما
يجب أن يفعلوه وما لا يجب أن يفعلوه ، مع التأكيد على المظاهر الإيجابية والسلبية
لتفاعلات الإنسان مع البيئة ، وهو بهذا يقوم بدور أساسي فى توضيح وتنمية القيم .(
أحمد جابر أحمد السيد :1991،ص30،31)
ـ
الواقع الحالي لمناهج الجغرافيا وطرق تدريسها فى التعليم العام :
كان تدريس الجغرافيا فى معظم الدول
العربية وليس مصر وحدها خاضعاً لتأثير الأوضاع السياسية التى تمثلت فى الاستعمار
والتبعية للدول الاستعمارية ، وما فرضته الإدارة الاستعمارية على التعليم من مناهج
تعكس الخضوع والتبعية ، وتعمل على تفريغ وجدان المواطن من عروبته وقيمه الأصيلة .
وأخذت الأوضاع تتغير بعد انتهاء الاستعمار
والعمل على تصفية آثاره التى خلفها فى النظم التعليمية فى معظم الدول العربية .
ولقد مرت هذه التغيرات بثلاث مراحل :
1- فى
الخمسينات كان الاتجاه السائد هو تنقية المناهج مما شابها من موضوعات دسها
الاستعمار لتحقيق أهدافه الثقافية .
2- فى
الستينات اتجهت الدول العربية من خلال فكرة الوحدة العربية إلى تغيير مناهج المواد
الاجتماعية بصفة عامة منها الجغرافيا لتدعيم هذه الفكرة القومية الشاملة .
3- فى
السبعينات تطورت المناهج بناء على توصيات مؤتمر طرابلس الذى كان هدفه تطوير
المناهج وتوحيدها بما يدعم فكرة القومية العربية والتكامل بين الدول العربية كوحدة
إقليمية بينها روابط سياسية واقتصادية واجتماعية قوية ، وبما يحقق الإيمان
بالتكامل بينها ، وينمى فكرة التوازن بين الكتل المتصارعة فى العالم ، ويبرز مكانة
الوطن العربي فى المحيط العالمي .
أما
عن المناهج الحالية التى تبلورت خلال فترة الثمانينات فقد أدخلت عليها بعض
التعديلات المناسبة التى تساير بصفة عامة ما تم التوصل إليه من توصيات مؤتمر
طرابلس من أسس وأهداف لتوحيد المناهج ، إلى جانب مراعاة الجوانب التربوية المتعلقة
بتدريس الجغرافيا ممثلة فى التدرج من البيئة المحلية إلى الوطن الأم إلى دراسة
الوطن العربي وأجزائه وتقسيماته ثم إلى دراسة شاملة للعالم ككل تتناول المنظور
العالمي وبعض الدول ذات الصلة بالعالم العربي تختار من القارات المختلفة .
ولئن
كانت هذه التعديلات قد انعكست بصورة شكلية فى المناهج وفى المقررات ومحتواها ، إلا
أنها لم تتخلص من ثلاثة قيود :
1- قيود المنهج التى
تمنع حرية التصرف نحو التعديل أو حتى التحرك بحرية فى إطارها من جانب المعلمين .
2- الارتباط العضوي بين
المناهج والكتب من جهة والامتحانات بصفتها التقليدية من جهة أخرى باعتبارها
الوسيلة الوحيدة للتقويم ، مما يعوق الإبداع فى تطبيق الأهداف المعرفية والمهارية
والوجدانية لتدريس الجغرافيا .
3- عدم مراعاة التغيرات
التى طرأت على مفاهيم الجغرافيا كنظام معرفي وارتباطها بجوانب الحياة المختلفة
ومتغيرات العصر فى البيئة المدرسية وخواص التلاميذ .
ولئن
كانت الأهداف التى حددتها لجان وضع المناهج أهدافاً شاملة ترقى من الناحية اللفظية
إلى درجة المثالية ، إلا أن المخططين إذا انتقلوا إلى مرحلة وضع المضمون والمحتوى
يرتدون إلى كل ما هو تقليدي قديم . فلم تخرج كل المقررات والكتب عن إطار الوصف
المعتاد للمعالم والظواهر ، وتحديد صفات الأقاليم المميزة لها كحقائق مجردة دون
تهيئة فرص تنمية الأفكار وبث المفاهيم والمضامين الجديدة ، أو تهيئة الفرصة
للتلاميذ للمشاركة فى جمع البيانات وتحليلها وتوفير إمكانيات قيامهم بعمل ذاتي فى
استقاء المعلومات واستخلاص النتائج من تحليل هذه المعلومات مما يربى التلاميذ على
مهارات التعلم الذاتي والتصرف العقلي فيما يقع تحت أنظارهم وأسماعهم من معارف
ومعلومات ، وربطها بالظواهر المختلفة .
فما
زالت الدراسة ، التى هى تطبيق لمحتوى المنهج ، بعيدة كل البعد عن إتاحة فرص مشاركة
التلاميذ الفعلية فى جمع المعلومات واستقائها من مصادرها ، ومازال التلقين هو
الطريقة التى يستخدمها المعلمون فى التدريس ، والحفظ هو الوسيلة الوحيدة للتحصيل
لدى التلاميذ من أجل أداء الامتحان وحسب ، دون أن تكون هناك طرق تساعد على اكتساب
التلاميذ للمعارف والمهارات والقيم التى تثبت فى أذهانهم وتستمر معهم فى حياتهم .
ولسنا
هنا بصدد دراسة تقويمية كاملة لمناهج الجغرافيا ومحتوى مقرراتها ولكن الملاحظات
العامة التى توردها هنا ، هى من قبيل التمثيل النظري للوضع الذى عليه تدريس
الجغرافيا ، وهو وضع لا يختلف عليه الكثيرون .
ومن
واقع الملاحظة والنظرة التحليلية لأوضاع الجغرافيا فى التعليم،يمكن القول أن:
1- المدة المخصصة
للجغرافيا ومعها التاريخ فى الجدول المدرسي محدودة بحصتين أو ثلاثة فى الأسبوع مما
يقيد المعلم تقييداً زمنياً يجعله يلتزم بما هو وارد فى المقرر الدراسي الرسمي ،
حيث لا يتاح وقت لآي أنشطة تربوية سوى التلقين ، مع استبعاد الكثير من الوحدات
والتغاضى عن الأهداف العامة والخاصة لدراسة المادة.
2- نظام الامتحانات
التقليدية السائد كوسيلة وحيدة لتقويم تحصيل الطلاب وتقويم أداء المعلمين يعتبر
عقبة فى سبيل تطوير المادة وطرق تدريسها وإتاحة الفرصة للمعلمين للابتكار والإبداع
واستخدام أساليب وأنشطة متنوعة خلاف التدريس من أجل الحفظ والاسترجاع .
3- معظم المدارس وخاصة
فى البلدان الفقيرة غير مزودة بالمواد والوسائل التعليمية التى تساعد على تطوير
طرق التدريس وتنويع الأنشطة التعليمية المرتبطة بالمنهج الدراسي .
4- الكتاب المدرسي ، وهو
المادة التعليمية الرئيسية فى يد المعلم والتلميذ كتاب تقليدي، ينحو نحو وضع
الحقائق مجردة خالية من وسائل وأساليب استثارة حب الاستطلاع، وحث القدرات الفكرية
والأنشطة التعليمية اللازمة لتحقيق مختلف الأهداف والمهارات والاتجاهات المنشودة
من المادة .
5- المنهج الدراسي يتجه نحو اللفظية ، أهدافه
منفصلة عن المقررات والوحدات الدراسية . ومازالت مناهج الجغرافيا تنحو نحو
التقليدية الوصفية أو الإقليمية دون تطور لمسايرة الاتجاهات الجديدة فى الجغرافيا
، سواء الفروع الجغرافية الجديدة التى ظهرت أو التطبيقات المتعددة من نظم
الاستشعار عن بعد أو نظم المعلومات الجغرافية .
6- طرق التدريس التى
يستخدمها المعلم مازالت طرق تقليدية تعتمد على الإلقاء والمحاضرة ، لا تساير الاتجاهات
الحديثة فى تدريس الجغرافيا سواء اتجاه مستحدثات تكنولوجيا التعليم ، واتجاه
البنائية ، والاتجاه التكاملي ، والمشروعات الجغرافية والدراسات الميدانية والخروج
إلى البيئة .
7- معلم الجغرافيا
والقصور الواضح فى أداءه سواء من حيث مهاراته التدريسية أو تمكنه الأكاديمي من
محتوى الجغرافيا ، ومتابعته للتطورات العلمية الحديثة فى مجال الجغرافيا
وتطبيقاتها المختلفة وتوظيف ذلك فى مجالات الحياة المختلفة .(محمد جلال
عباس:1999،ص ص161-163)،(إدريس سلطان:2003)،(عبير كامل على: 2003).
ـ ضرورة التطوير :
بعد
استعراض التطورات التى مرت بها الجغرافيا كعلم أو كنظام معرفي ، وما طرأ على
تعليمها من تغيرات نتيجة أو مواكبة للتغيرات العالمية ، فلم تعد الجغرافيا مجرد
علم تجميعي للمعلومات المختلفة عن عناصر البيئة والإنسان . ولم تعد أيضاً مجرد علم
تصنيف وتوزيع الظواهر بل أصبحت نظاماً علمياً له فلسفته التى تعتمد على تحليل
الظواهر ، ودراسة العلاقات وأثرها ، أصبحت علماً يتضمن مفاهيم أساسية جديدة ،
ومنهجية تحليلية وكمية دقيقة ، فضلاً عن شموليته وتكامله مع العلوم الأخرى حتى أن
بعض الجغرافيين يبالغون فيقولون إن الجغرافيا هى العلم التكاملي الذى يجمع كل
العلوم ، فضلاً عن جوانب التحليل والتنبؤ التى يتضمنها .
يقتضي مثل هذا التحول أن يعاد النظر فى
الجغرافيا كمادة دراسية فى مجال التربية والتعليم . ولقد بدأت جميع دول العالم
المتقدم تعيد النظر فى وضع الجغرافيا فى نظمها التعليمية وعلى رأسها الولايات
المتحدة الأمريكية التى اعتبرت الجغرافيا ضمن خمسة مواد أساسية ستواجه بها أمريكا
القرن إلحادي والعشرين ، وقال رئيس لجنة مشروع تحسين معايير التربية الجغرافية :
" فى مطلع القرن إلحادي والعشرين علينا أن نصل ليس فقط إلى أفكار
واستراتيجيات وتطبيقات جديدة فى علم الجغرافيا ، بل علينا أن نصل إلى جغرافيات
جديدة قادرة على تحقيق أعلى المستويات العلمية عبر وسائل نقل المعلومات الحديثة ،
والبرامج والرسومات البيانية للحاسب الآلي ، ونظم تحديد المواقع العالمية ونظم
الاستشعار عن بعد وذلك من أجل خدمة قضايانا البيئية والوطنية والعالمية ".(
حسن إلياس محمد : 2001 ، ص 58 ) .
وكان
مشروع المعايير القومية للجغرافيا من أهم مشروعات تطوير الجغرافيا فى الولايات
المتحدة الأمريكية ، وحدد هذا المشروع ما يجب أن يعرفه وما يجب أن يكون قادراً على
فعله متعلم الجغرافيا ، وجاء هذا المشروع انعكاس لإدراك دور الجغرافيا فى فهم عالم
المستقبل ، وبالتالي الارتقاء بمستوى التلاميذ لمستوى العالمية ، وخلق جيل يتمتع
بوعي ومعرفة جغرافية تدرك أن الجغرافيا تدرس الناس والأماكن والبيئات من منظور
مكاني ، وتدرك وتقدر العلاقات المتبادلة والمتفاعلة بين دول العالم ككل .( Johnson: 1995)
وأصبحت
حركة المعايير التربوية من أهم حركات إصلاح وتطوير التعليم فى الوقت الحالي ،
وأخذت بها معظم دول العالم ، ولذلك بدأت وزارة التربية والتعليم فى مصر مشروعاً
لإعداد معايير قومية لتطوير التعليم فى مصر ، وكانت الجغرافيا من ضمن المواد
الدراسية التى أعد لها معايير تحدد ما ينبغي أن يعرفه متعلم الجغرافيا ويكون
قادراً على أدائه ، ومازالت تلك المعايير محل دراسة ونقاش ومراجعة ، وصولاً إلى
التحديد الدقيق لمعايير الجغرافيا فى مراحل التعليم العام وكذلك المواد الدراسية
الأخرى .
ـ مجالات التطوير :
ـ تطوير أهداف ومحتوى مناهج الجغرافيا :
إذا ما أمعنا النظر
فى الأهداف التربوية للجغرافيا ، فى ضوء هذه التغييرات التى طرأت على نظامها
المعرفي والتحولات التى آلت إليها ، لاتجهنا إلى تحديد أهداف تعليمية وتربوية خلاف
تلك الأهداف التقليدية التى تتضمنها وثائق المنهج . واختيار المضمون أو المحتوى
الذى يحقق هذه الأهداف .
ومن ثم فإن تحديد أهداف مناهج الجغرافيا
يجب أن يتجه إلى تقديم نوعية جديدة من المعارف والمعلومات والمهارات والاتجاهات .
فلا يقتصر الهدف من تدريس الجغرافيا على
تقديم معلومات عن الظواهر الموجودة على سطح الأرض تقديماً وصفياً ، وتوزيع هذه
الظواهر على أجزاء الأرض بقصد إعطاء صورة شاملة عن المجتمعات وبيئاتها . بل لابد
أن تشتمل أهداف مناهج الجغرافيا على تقديم قائمة من المفاهيم والمبادئ التى تمثل
الفكر الجغرافى ، أو تمثل الجغرافيا كنظام معرفي تحليلي وليس نظاماً معرفياً
تجميعياً وتصنيفياً وتوزيعياً . ولئن كان التجميع والتصنيف من الأهداف الهامة
لتعليم الجغرافيا الكلاسيكية فلا يجب أن يغفل هذان الهدفان فى المناهج الجديدة.
فالتجميع فى الجغرافيا أسلوب علمي
والتصنيف أيضاً أسلوب علمي يجب مراعتهما فى مناهج الجغرافيا الجديدة ، ولكن لا
يكون التجميع والتصنيف أهدافاً مجردة ، بل لابد أن تكون مرتبطة بما يمكن التوصل
إليه من نتائج وقوانين ومفاهيم ، مع استخدام هذه المهارة فى التحليل والتوصل إلى
قوانين علمية وبناء هيكلية للحقائق والظواهر .
فالحقائق والظواهر فى حد ذاتها لا تتواجد
إلا فى مضمون مكاني ، يتمثل فى توطن هذه الظواهر وأسبابه ، وعلاقته بالبيئة
والإنسان ، ودور النشاط البشرى فى تحقيق هذه التوطن ، والمشكلات التى تترتب عليه ،
ومحاولة التصدى لهذه المشكلات من خلال المضمون المكاني وخصائص الظواهر والعلاقات
بينها . ( محمد جلال عباس :1999،ص163 ) .
وهناك العديد من الدراسات التى تناولت
تطوير مناهج الدراسات الاجتماعية والجغرافيا لمواجهة مطالب القرن إلحادي والعشرين
، وقد اقترحت هذه الدراسات أنه على مناهج
الدراسات الاجتماعية ومنها الجغرافيا أن تسعى إلى تنمية المفاهيم والتعميمات
الأساسية وتنمية التفكير الناقد والمواطنة الفعالة والتأكيد على مفهوم العالمية
واحترام حقوق الآخرين وتنمية الاتجاه نحو المستقبل وتشكيله والمشاركة والمسئولية
وحل المشكلات واتخاذ القرار ، والاستفادة من التقنيات الحديثة المتطورة من شبكات
المعلومات الدولية وغيرها .(مولينز Mullins
:1990)،( ناكاياما Nakayama
:1988).
مما سبق يمكن تحديد عدد من التوجهات
المستقبلية للأهداف التربوية للجغرافيا ومحتوى مناهجها :
· الاهتمام
بتنمية المهارات الجغرافية وتنمية المنظور المكاني للبيئات والأماكن المختلفة أكثر
من مجرد سرد الحقائق الجغرافية لها .
· الاهتمام بالمفاهيم والمبادئ الجغرافية
أكثر من الحقائق وذلك لتتواءم مع ارتفاع نمو المعارف وزيادة تراكمها .
· الاهتمام بالاتجاهات الحديثة فى مجال
الجغرافيا ومنها الجغرافيا التطبيقية .
· الاهتمام
بالمشكلات المجتمعية ذات البعد الجغرافي على المستوى العالمي والإقليمي والمحلى ،
مع إظهار دور الفرد والدولة والمجتمع الدولي فى مواجهتها .
· الاهتمام بتوضيح الصور والسيناريوهات
المستقبلية للعالم اقتصادياً وسياسياً وبيئياً واقتصادياً .
· الاهتمام بتوجيه المتعلمين وتنمية وعيهم
بالمهن المستقبلية التي تهيئ لها دراسة الجغرافيا .
· تكوين اتجاهات تكون بمثابة الأساس الذى
يساعد التلاميذ على تفهم مختلف ثقافات العالم .
· توجيه
التلاميذ إلى ما ينمى قدراتهم على الاستفادة من المعارف والخبرات فى إدراك
المشكلات التى تتعرض مختلف الأماكن وإيجاد حلول لمثل هذه المشكلات .
· تنمية
قدرات التلاميذ على ملاحظة الظواهر واستخدام الخرائط والبيانات وقراءتها وتحليلها
والوصول منها إلى أنماط ونماذج ونظريات عامة .
· تنمية
قدرات التلاميذ على التفكير الناقد والتحليلي وبناء الأنماط والنماذج باستخدام
البيانات المجمعة فى صياغة النظريات والقواعد التى تحكم الظواهر .
ـ
إستراتيجيات التدريس :
ظهر العديد من الاتجاهات الحديثة فى تدريس
الجغرافيا ، لكي تعالج القصور فى اعتماد التدريس على الأساليب التقليدية كالمحاضرة
والإلقاء وغيرها ، وذلك تمشياً مع طبيعة علم الجغرافيا وما طرأ عليه من مستجدات
ومفاهيم وتطبيقات جديدة ، ومن هذه الاتجاهات ما يلي :
q اتجاه مستحدثات تكنولوجيا التعليم Modern
Instruction Technology
:
q اتجاه التكامل Integration :
q اتجاه البنائية Constructivism :
الاتجاه الأول ـ اتجاه مستحدثات تكنولوجيا التعليم Modern Instruction
Technology لتكنولوجيا التعليم مستحدثات نتجت عن
التفاعل بين الكومبيوتر وتكنولوجيا الاتصال مثل : الوسائط المتعددة ـ الفيديو
التفاعلي ـ الفيديو كونفرنس ( شبكة الاجتماع بالفيديو ) ـ شبكة المعلومات
والاتصالات الدولية الإنترنت .
ويذكر محمد السيد أنه على الرغم من تعدد
مستحدثات تكنولوجيا التعليم إلا أنها تشترك جميعها فى مجموعة من الخصائص وهى :
التفاعلية ، الفردية ، التنوع ، الكونية (الانفتاح العالمي) ، والتكاملية . ( محمد
السيد على : 2002 ، ص 259 ) .
ومن أبرز مستحدثات تكنولوجيا التعليم
التى استخدمت حديثاً فى تدريس الجغرافيا :
1ـ
تكنولوجيا المعلومات Information Technology :
يقصد بتكنولوجيا المعلومات النظم المختلفة
التى يتم بواسطتها الحصول على المعلومات فى كافة أشكالها واختزالها ومعالجتها
وتداولها وإتاحتها للمستفيدين باستخدام الكمبيوتر والاتصالات عن بعد ، التى تبنى
أساساً على الإلكترونيات الدقيقة . ( محمد السيد على : 2002 ، ص 255 ) .
ويعنى ذلك أن تكنولوجيا المعلومات تعتمد
على مجالين رئيسين هما الأول : تكنولوجيا الكمبيوتر ويتضمن تحليل وتصميم النظم ـ
وإنتاج البرامج ـ وإنتاج المعلومات بطريقة واضحة ومفهومة ـ جمع المعلومات وتشفيرها
وغيرها . والثاني : تكنولوجيا الاتصالات عن بعد ويتضمن : تكنولوجيا الاتصال
الكابلى ـ تكنولوجيا الأقمار الصناعية ـ تكنولوجيا الألياف الصوتية ـ تكنولوجيا
الاتصالات الرقمية ـ تكنولوجيا الهاتف .
ولتكنولوجيا المعلومات تأثيرات كثيرة فى
تدريس الجغرافيا ، فقد أجرى كل من (سمرز وإزدو Summers &
Easdow : 1996) دراسة بهدف معرفة الخبرات والمشاعر والتصورات التى تتعلق
باستخدام تكنولوجيا المعلومات فى تدريس الجغرافيا والتاريخ ، وقد توصل الباحثان إن
هناك قبول من جانب المتعلم والمعلم .
ويمكن أن تسهم تكنولوجيا المعلومات فى
تنمية تحصيل التلاميذ والعديد من المهارات البحثية مثلما أكد ذلك دراسة ( حسين
محمد أحمد عبد الباسط :2000) ، وكذلك الاستقصاء وتفسير القضايا المحلية والعالمية
(لمبرج وستالتمان Lemberg & Staltman : 1999).
2ـ
الوسائط المتعددة Multimedia :
الوسائط المتعددة هى تقنية جديدة تجمع بين
الصوت والرسم والنص والفيديو ، وتسمح للمتعلم بالتحكم والاقتراب بين العديد من
الوسائط باستخدام الحاسب الآلى . ( هوليسنجر إريك :1994،ص 4 ) .
واستخدام الوسائط المتعددة فى التدريس له
أهمية تتضح فى إنها :
§ توفر الوقت الكافي لكل متعلم ليتعلم حسب سرعته .
§ تزويد المتعلم بالتغذية الراجعة الفورية .
§ تمكن المتعلم من التعلم فى أماكن متعددة .
§ إعطاء فرصة لاستخدام إستراتيجيات فعالة ومتنوعة فى مواقف
التعلم .
§ تحقق الدافعية والمتعة والتنوع أثناء التعلم .
§ تساعد المتعلم فى تعلم ظواهر خطرة ومتعددة .
§ تساعد المتعلم على زيادة ثقته بنفسه .
§ تكسب المتعلم المفاهيم التى يتطلب استيعابها والقدرة على
التفكير المجرد .
§ تتيح فرص تنظيم المعلومات بطريقة هرمية وحلقية وشبكية ذات
علاقات ترابطية .
( حسام الدين حسين : 2000) ، ( فوزية أبا الخيل
،جيهان كمال :2000 ) ، (محمد السيد على :2002) ، ( حسام الدين مازن : 2004 ) .
وقد قام ( كريجير Krygier :1997 ) بدراسة تهدف إلى وضع مجموعة من الإرشادات الواضحة التى
تلخص كيفية البدء فى تصميم وتنفيذ الوسائط المتعددة فى حجرة الجغرافيا .
وقد بينت الدراسات مثل دراسة ( حسام الدين
حسين : 2000) ، ودراسة ( فوزية أبا الخيل ،جيهان كمال :2000 ) أهمية الوسائط
المتعددة فى تنمية تحصيل التلاميذ والعديد من المهارات مثل مهارات عمليات العلم ،
ومهارات استخدام الكرة الأرضية فى مجال الجغرافيا .
3ـ
الشبكة الدولية للمعلومات Internet :
وتعرف الشبكة الدولية للمعلومات على أنها
شبكة من الحاسبات الآلية مرتبطة ببعضها البعض بخطوط اتصالات عالمية مكونة ما يسمى
خط المعلومات السريع ، وذلك لسرعة تبادل المعلومات عند وضعها فى الشبكة .
وتتميز الشبكة الدولية للمعلومات بعدة
مميزات منها :
§ الوفرة الهائلة فى مصادر المعلومات ،
مثل الكتب الإلكترونية والموسوعات والدوريات وقواعد البيانات .
§ الاتصال
الغير مباشر ( غير متزامن ) حيث يستطيع الأشخاص بشكل غير مباشر بدون شرط حضورهم فى
نفس الوقت ، ويتم ذلك باستخدام البريد الإلكتروني E-mail حيث تكون الرسالة والرد كتابياً ، واستخدام البريد الصوتي Voice-Mail حيث تكون الرسالة والرد صوتياً .
§ الاتصال
المباشر ( المتزامن ) ويتم ذلك بالتخاطب فى اللحظة نفسها بواسطة التخاطب الكتابي Reality-Chat حيث يكتب الشخص ما يريد قوله بواسطة لوحة المفاتيح والشخص المقابل
يرى ما يكتب فى نفس اللحظة فيرد عليه بالطريقة نفسها مباشرة وقت الانتهاء ، ويتم
الاتصال أيضاً عن طريق التخاطب الصوتي Voice-Conferencing حيث يتم التخاطب حياً على الهواء بالصوت والصورة .(عبد الله
سليمان الفهد : 2001) ، ( حسام الدين مازن : 2004).
ويمكن استخدام الشبكة الدولية للمعلومات
لتعليم وتعلم الجغرافيا فى مجالات عديدة منها :
§ تقوية
الروابط بين التعليم المدرسي والتعليم العالي : حيث أكدت دراسة ( بدنارز وآخرون Bednarz
&etal :2002 ) أن تكوين شبكة دولية لتعليم وتعلم
الجغرافيا يقدم فرصة مناسبة لاستكشاف فوائد إيجاد روابط بين التعليم العالي
والتعليم المدرسي وتقوية الروابط الموجودة .
§ تنمية المعرفة بتدريس الجغرافيا فى
القرن الحادي والعشرين .
§ جعل
تعليم الجغرافيا تعليماً متكاملاً : فقد أشار (ريتش وآخرون Rich
& etal : 2000) أن تعليم
وتعلم الجغرافيا المتكامل يمكن الحصول عليه عند استخدام المكونات المعتمدة على
تكنولوجيا المعلومات .
الاتجاه
الثاني ـ اتجاه التكامل Integration
:
ظهر الاتجاه التكاملي كمحاولة لربط المواد
الدراسية وإلغاء الحواجز الفاصلة بينهما ، والتغلب على عيوب منهج المواد الدراسية
المنفصلة وطرائق تدريسها .
ويعرف التكامل على أنه " محاولة
للربط بين الموضوعات الدراسية التى تقدم للطلاب فى شكل مترابط ومتكامل وتنظيمها
تنظيماً دقيقاً ، يساهم فى تخطى الحواجز بين المواد الدراسية المختلفة ، ويدرك
الطلاب من خلاله العلاقات المتبادلة بين المواد الدراسية المختلفة. ( أحمد حسين
اللقانى وعلى أحمد الجمل :1999 ،ص105) .
ويفيد استخدام التكامل فى تدريس
الجغرافيا فى النواحي التالية :
· إعطاء
الخبرة متكاملة : بحيث يستطيع التلميذ أن يستجيب استجابة شاملة للمواقف التى
تواجهه فى البيئة التى يعيش فيها .
· إعطاء
المعرفة متكاملة : لأنه يتعلم المعارف والحقائق والبيانات والمبادئ والقوانين
والنظريات بشكل أسهل وأيسر بحيث يقدمها متكاملة وليس بتجزؤ ، ولكي يحقق ذلك يجب أن
يتبع المعلم ما يلي :
-
تخطى حدود جزئيات الجغرافيا وحدودها
التقليدية .
-
عدم الالتزام بالترتيب المنطقي المتبع
عادة فى الطرق التقليدية .
-
استخدام طرق البحث والاستكشاف
· تنمية
الشخصية المتكاملة : فعندما يتبع المعلم الاتجاه التكاملي فى تدريس الجغرافيا فإنه
يحقق هدف أساسي من أهدافها وأهداف التكامل وهو بناء الشخصية المتكاملة .
وللاتجاه التكاملي فى تدريس الجغرافيا
مداخل متنوعة منها : المشروعات ـ المفاهيم الأساسية ـ مدخل ثقافات الشعوب ـ المدخل
البيئي ـ المؤتمرات المصغرة .
وقد أكدت العديد من الدراسات التى استخدمت
مداخل التكامل المتعددة ، على فاعليتها فى تدريس الجغرافيا ، مثل دراسة ( فارعة
حسن محمد : 1993 ) ودراسة ( أماني محمد طه : 1996 ) ودراسة (فايزة أحمد السيد : 2003 ) ودراسة ( هانيبال وآخرون Hannibal
&et al : 2002 ) ،
ودراسة ( ورسلي Worsley :2003 ) .
الاتجاه
الثالث ـ اتجاه البنائية Constructivism :
بالنظر إلى الاتجاهات الحديثة فى تعليم
وتعلم الجغرافيا ، والتي تتحدى التغير السريع فى هذا العصر ، وجد أن التركيز ينتقل
من الاتجاه السلوكي فى التعلم والذي يركز على السلوك الظاهري للمتعلم ، إلى الاتجاه
المعرفي على يد بياجيه وتطور التفكير المنطقي مع مراحل نمو الفرد آي أنه تغير
للمدخل الإنساني ، الذى يركز على النمو الشخصي والتعلم الاجتماعي فى تنمية التفكير
.
ومنذ أن ظهرت نظرية بياجيه للنمو المعرفي
أنقذت التدريس من التأثير السلبي للسلوكيين ، ووجهت الاهتمام إلى العمل الاكتشاف
وأخيراً البنائية .
والبنائية موقف فلسفي يهتم بالبناء العقلي
عند المتعلم وهى نظرية للمعرفة والتعلم أو نظرية صنع المعنى ، حيث تقدم شرحاً
وتفسيراً لطبيعة المعرفة ، وكيفية تكون التعلم الإنساني ، إذ تؤكد أن الأفراد
يبنون فهمهم أو معارفهم الجديدة من خلال التفاعل مع ما يعرفون ويعتقدون من أفكار
وأحداث وأنشطة مروا بها من قبل .
والبنائية مشتقة من ثلاث مجالات هى :
· علم نفس النمو لبياجيه ، الذى ركز على
عملية التكيف وعدم الاتزان .
· علم
النفس المعرفي ، الذى ركز على الأفكار المسبقة للمتعلم من خبراته الحياتية ومحاولة
تغييرها وتعديلها لعدم ملاءمتها لنظام مخططات البنية الذهنية وتظهر هذه الأفكار
عند حدوث عدم اتزان معرفي .
· البنائية
الاجتماعية لفيجوتسكى،التى نقلت بؤرة الاهتمام إلى الخبرة الاجتماعية للمتعلم،
وأهمية اللغة لنقل الخبرة الاجتماعية إلى الأفراد.(أبلتونAppleton:1997،ص304) .
وتتعدد
الاستراتيجيات والنماذج التى تعتمد على البنائية ومنها : نموذج التعلم البنائى
المعرفي ، ونموذج التعلم البنائى الاجتماعي ، واستراتيجيات التعلم التعاوني ،
ونموذج التدريس الواقعي .
وقد أكدت العديد من الدراسات فعالية
التعلم البنائى فى تنمية التحصيل وتعديل التصورات البديلة لبعض المفاهيم الجغرافية
،واكتساب العديد من المهارات ومنها المهارات الحياتية ، وكذلك تنمية الاتجاه نحو
الجغرافيا . ومن هذه الدراسات : دراسة ( فهيمة عبد العزيز : 1997 ) ، ودراسة (
أحمد جابر السيد : 2001 ) ، ودراسة ( جيهان كمال ، وفوزية الدوسري : 2003 ) .
ـ
تطوير الأنشطة والوسائل والتقنيات التعليمية :
فى ضوء التطورات التى طرأت على علم
الجغرافيا وتطور أهدافها واستراتيجيات تدريسها ، لابد من تطوير الأنشطة التعليمية
المستخدمة . بحيث تكون مرتبطة بأهداف تدريس الجغرافيا ، ومناسبة لمستويات التلاميذ
والإمكانات المتاحة داخل المدرسة وخارجها ، أنشطة تعظم زمن التعلم الفعلي للتلاميذ
وتتيح لهم الفرصة لممارسة البحث والاستقصاء باستخدام استراتيجيات تعليمية متنوعة ،
وتساعدهم على بناء المفاهيم والمهارات الجغرافية المتنوعة .
وكذلك تطوير لمصادر التعليم والتعلم
والوسائل التعليمية والتكنولوجية ، فلم يعد الكتاب المدرسي هو مصدر التعلم الوحيد
، فنحن نعيش فى عصر الثورة المعلوماتية والتكنولوجية ، التى تتيح فرص الحصول على
المعرفة من مصادر متعددة كالكمبيوتر والإنترنت ومختلف الوسائل التكنولوجية الأخرى
,التى توفر مصادر تعلم متعددة ومشوقة تنمى لدى التلاميذ العديد من مهارات البحث
والتفكير والاتجاه الإيجابي نحو التعلم . ولذلك لابد من تنوع الوسائل والمصادر
التعليمية بما يتيح للتلاميذ استخدام ما يناسبهم .
ـ
تطوير أساليب وأدوات التقويم :
تعد الامتحانات
التقليدية ـ باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتقويم ـ ، من معوقات تحقيق الأهداف المعرفية والمهارية والوجدانية لتدريس
الجغرافيا ، لأنها تتجه نحو حصر تعليم وتعلم الجغرافيا فى مجرد حفظ واستظهار
المادة الجغرافية .
ولذلك لابد من تطوير
أساليب وأدوات تقويم تعليم وتعلم الجغرافيا ، فالتقويم فى أبسط معانيه يعنى :
" عملية جمع وتحليل وتفسير المعلومات عن
الأداء باستخدام أساليب وأدوات متنوعة للتعرف على مدى ما تحقق من الأهداف
التعليمية مع الاهتمام بالتقويم الذاتي ، وتقديم التغذية الراجعة التى تساعد على
تطوير أداء كل من المعلم والطلاب " ، وبالتالي فإن التقويم فى مجال تدريس
الجغرافيا يستلزم :
· تقويم المعلم لطلابه من خلال استخدام
أساليب وأدوات متنوعة لتقويم الجوانب المختلفة لتعليم وتعلم الجغرافيا من الناحية
المعرفية والمهارية والوجدانية وليس مجرد الاقتصار على جانب وإهمال بقية الجوانب
الأخرى .
· استخدام أساليب وأدوات متنوعة للتقويم
الذاتي ، وهذا يعنى أن يهتم المعلم بتقويم ذاته هو أولاً من حيث تمكنه من مادته
العلمية ومهاراته التدريسية ، ومدى تأثيرها فى تقدم مستوى طلابه ، وكذلك يساعد
طلابه على تقويم أنفسهم ذاتياً وتحديد جوانب القوة وجوانب الضعف فى مستويات أدائهم
.
·
يستفيد
المعلم من نتائج عملية التقويم فى تقديم التغذية الراجعة اللازمة لتعديل التعليم وتحسين أدائه وأداء طلابه .
ـ
تطوير تكوين المعلم ( الإعداد والتدريب )
يشير
واقع تكوين المعلم ( إعداداً وتدريباً ) إلى الكثير من أوجه القصور فى أداءه سواء
قبل الخدمة أو أثناءها ، وذلك كما أكدته العديد من الدراسات مثل دراسة (يوسف جعفر
سعادة : 1984 ) ، ودراسة ( سعيد عبده على " 1991 ) ، ودراسة (إدريس سلطان
صالح : 2003 ) .
وفى ضوء هذا الواقع لابد من تطوير إعداد
المعلم قبل الخدمة وكذلك تطوير برامج تدريبه أثناء الخدمة ، خاصة فى وجود بعض
المتغيرات الأخرى التى تؤكد ضرورة هذا التطوير ، كالتطور الذى شهده علم الجغرافيا
، وظهور إستراتيجيات تدريسية جديدة ، والتغير فى أدوار المعلم فى هذا العصر .
وأكدت الكثير من الدراسات على أهمية
تطوير إعداد معلم الجغرافيا ، ومنها دراسة (كول وديفيد Cole and
David : 1995 ) ،
ودراسة ( فرنسيس وراسك Frances and Rask
: 1995 ) اللتان أكدتا على ضرورة إلمامه بالفروع والمفاهيم والتطورات العالمية
الحديثة فى مجال الجغرافيا وتمكنه من استخدام طرق وأدوات تدريس فعالة .
المراجع
ـ المراجع العربية :
1- إبراهيم دسوقى محمد : جغرافية السلالات البشرية ، المنيا ، دار الفولى للطباعة والنشر ، 2002 .
2- أحمد إبراهيم شلبى : تدريس الجغرافيا فى مراحل التعليم العام ، القاهرة ، الدار العربية للكتاب ، 1997.
3- أحمد جابر أحمد السيد :" اتجاهات الطلاب المعلمين بكلية التربية بسوهاج نحو طبيعة المواد الاجتماعية وتدريسها وعلاقتها بمستوى أدائهم لبعض المهارات التدريسية ." ، المجلة التربوية بسوهاج ، جامعة أسيوط ، ع6 ، ج2، يوليو 1991 ، ص ص (169-195 ).
4- ـــــــــ : " مدى فعالية مقررات الدراسات الاجتماعية ومعلميها فى تنمية القيم الخلقية والاجتماعية بالحلقة الثانية من التعليم الأساسي " ، المجلة التربوية بسوهاج ، جامعة أسيوط ، ع6، ج1، يناير 1991 ، ص ص (17-45).
5- أحمد جابر أحمد السيد : " استخدام برنامج قائم على نموذج التعلم البنائى الاجتماعي وأثره على التحصيل وتنمية المهارات الحياتية لدى تلاميذ الصف الخامس الابتدائي " ، مجلة دراسات فى المناهج وطرق التدريس ، العدد 73 ، 2001 ، ص ص ( 13-47 ) .
6-أحمد حسين اللقانى وآخرون: تدريس المواد الاجتماعية ، القاهرة ، عالم الكتب ، 1984.
7- أحمد حسين اللقانى وعلى أحمد الجمل : معجم المصطلحات التربوية المعرفة فى المناهج وطرق التدريس ، القاهرة ، عالم الكتب ، 1999 .
8- أحمد عبد الرحمن النجدي وآخرون : الدراسات الاجتماعية ومواجهة قضايا البيئة ، القاهرة ، دار القاهرة ، 2002 .
9-أحمد عبد الله بابكر :" التربية البيئية فى الفكر والمنهج الجغرافي " ، حولية كلية التربية، جامعة قطر ، ع5 ،س 5 ، 1987، ص ص (291-313)
10- إدريس سلطان صالح : مستوى تمكن معلمي الجغرافيا بل الخدمة من المفاهيم الجغرافيا الأساسية وعلاقته بمستوى أدائهم التدريسى واتجاهاتهم نحو الجغرافيا ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية ، جامعة المنيا ، 2003 .
11- أماني محمد طه : " فعالية وحدة فى الدراسات الاجتماعية باستخدام مدخل ثقافات الشعوب فى الحلقة الثانية من التعليم الأساسي " ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية ، جامعة عين شمس ، 1996 .
12- جيهان كمال وفوزية الدوسري : " فاعلية نموذج التعلم البنائى فى تعديل التصورات البديلة لبعض المفاهيم الجغرافية وتنمية الاتجاه نحو المادة لدى تلميذات الصف الأول من المرحلة المتوسطة بالمملكة العربية السعودية " ، مجلة دراسات فى المناهج وطرق التدريس ، العدد 91 ، ديسمبر 2003، ص ص ( 87-120 ) .
13- حسام الدين حسين : " فعالية استخدام بعض الوسائط المتعددة لتدريس وحدة خريطة مصر الطبيعية بالصف الأول الإعدادي على التحصيل واكتساب بعض مهارات عمليات العلم "،مجلة دراسات فى المناهج وطرق التدريس ، العدد 63 ، أبريل2000، ص ص( 2-31 ) .
14- حسام الدين مازن : " مناهجنا التعليمية وتكنولوجيا التعلم الإلكتروني والشبكي لبناء مجتمع المعلوماتية العربي ـ رؤية مستقبلية " ، المؤتمر العلمي السادس عشر للجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس ، تكوين المعلم ، المجلد الأول ، يوليو 2004، ص ص ( 15-65 ).
15-حسن إلياس محمد : " عولمة الجغرافيا التربوية " ، مجلة المعرفة ، العدد78، ديسمبر 2001 .
16- حسن بن عايل أحمد يحي : " الاتجاهات الحديثة لتطوير تعليم الجغرافيا فى مراحل التعليم العام من وجهة نظر المعلمين والمشرفين التربويين بمحافظة جدة " ، مجلة البحوث النفسية والتربوية ، كلية التربية ، جامعة المنوفية ، العدد الثاني ، السنة السادسة عشر ، 2001، ص ص (353-405).
17- حسين محمد أحمد عبد الباسط : " فعالية استخدام تكنولوجيا المعلومات فى تدريس الجغرافيا على تنمية بعض المهارات البحثية والتحصيل لدى طلاب الصف الأول الثانوي ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية بقنا ، جامعة جنوب الوادي ، 2000 .
18-خيري على إبراهيم : المواد الاجتماعية فى مناهج التعليم بين النظرية والتطبيق ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 1990 .
19-سعيد عبده على محمد : " تطوير مقررات المناهج وطرق التدريس لمعلمي المواد الاجتماعية بكلية التربية جامعة صنعاء"، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية التربية ، جامعة عين شمس ، 1991 .
20-عايدة نسيم بشارة : " الدراسة الجغرافية لبعض مشكلات البيئة كاتجاه معاصر فى الجغرافية التطبيقية " ، حولية كلية البنات ، جامعة عين شمس ، ع11، 1985، ص ص ( 93-112).
21- عبد الفتاح محمد وهيبة : جغرافية الإنسان ، الإسكندرية ، منشأة المعارف .
22-عبد القادر عبد العزيز على :" أهمية دراسة الجغرافيا فى مقررات الثانوية العامة بجمهورية مصر العربية " ، ندوة الجغرافيا فى التعليم العام ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 1،2 أبريل 2002، ص 9،10.
23- عبد الله سليمان الفهد : " استخدام الشبكة العالمية للمعلومات Internet فى التعليم العام فى المملكة العربية السعودية ( دراسة تجريبية ) ، مجلة دراسات فى المناهج وطرق التدريس ، العدد 73 ، سبتمبر 2001، ص ص ( 47-82 ) .
24-عبير كامل على : فعالية برنامج مقترح لتطوير محتوى منهج الجغرافيا فى ضوء القضايا العالمية المعاصرة فى التحصيل المعرفي والاتجاه نحو تلك القضايا لدى طلاب الصف الأول الثانوي ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية ، جامعة المنيا ، 2003 .
25- فارعة حسن محمد : " نموذج تدريسي لتدريس الدراسات الاجتماعية فى المرحلة الإعدادية من خلال مدخل ثقافات الشعوب " ،مجلة دراسات تربوية ، العدد 5 ، 1993 ، ص ص ( 3-20 ) .
26- فاطمة إبراهيمحميدة : المواد الاجتماعية أهدافها ومحتواها واستراتيجيات تدريسها ، القاهرة ، مكتبة النهضة المصرية ، 1996.
27- فايز محمد العيسوى : خرائط التوزيعات البشرية ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 1998.
28- فايزة أحمد أحمد السيد : " فعالية وحدة مبنية على التكامل بين الدراسات الاجتماعية واللغة العربية وأثرها على تنمية بعض مهارات الإبداع لدى تلاميذ الصف الرابع الابتدائي ، مجلة دراسات فى المناهج وطرق التدريس ، العدد 84 ، أبريل 2003، ص ص ( 195-222 ) .
29- فتحي محمد أبو عيانه ، وفتحي عبد العزيز أبو راضى : أسس علم الجغرافيا الطبيعية والبشرية ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، ب.ت
30- فتحي محمد مصيلحى : مناهج البحث الجغرافي ، شبين الكوم ، مركز معالجة الوثائق ، 1994 .
31- فريال بنت محمد الهاجرى : استخدام برنامج EXELفى الدراسات الجغرافية ، ندوة الاتجاهات الحديثة فى الجغرافيا ، كلية الآداب ، جامعة الإسكندرية ، 27-29 نوفمبر 1995 .
32- فهيمة سليمان عبد العزيز : " فعالية استراتيجية التعلم التعاوني على التحصيل الدراسي فى الجغرافيا لدى تلاميذ الصف الأول الإعدادي " ، مجلة دراسات فى المناهج وطرق التدريس ، العدد 42 ، يونيه 1997،ص ص(59-85).
33- فوزية أبا الخيل وجيهان كمال : " فعالية الوسائط المتعددة على التحصيل الدراسي وتنمية بعض مهارات استخدام نماذج الكرة الأرضية فى مادة الجغرافيا لدى طالبات الصف الأول الموسط بمدينة الرياض" ، مجلة دراسات فى المناهج وطرق التدريس ، العدد 67 ، ديسمبر 2000 ، ص ص ( 131-159 ) .
34- محمد السيد على : تكنولوجيا التعليم والوسائل التعليمية ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 2002 .
35- محمد السيد غلاب : البيئة والمجتمع ، الإسكندرية ، مكتبة الإشعاع للطباعة والنشر والتوزيع ، 1997 .
36-محمد صبحي عبد الحكيم : دراسات فى الجغرافيا العامة ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1995/1996 .
37- محمد نور الدين السبعاوى : الجغرافيا العملية ، كلية الآداب ، جامعة المنيا ، 1997 .
38- محمود حافظ أحمد : " تقويم الأداء التدريسى لمعلمي الدراسات الاجتماعية فى الحلقة الثانية من التعليم الأساسي فى ضوء الوعي الاجتماعي " ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية بالفيوم ، جامعة القاهرة ،1997.
39-محمود دياب راضى : مقدمة فى نظم المعلومات الجغرافية ، القاهرة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1993 .
40- محمود على عامر : " تنمية الاتجاهات فى تعليم الدراسات الاجتماعية " ، مجلة دراسات تربوية ، مجلد 8 ، عدد 53 ، 1993 ، ص ص (113-129).
41- ـــــــ : أساليب تعليم وتعلم الجغرافيا ، القاهرة ، مكتبة الإخلاص ، 1999.
42- ـــــــ : " أثر استخدام كل من المخططات المفاهيمية والمخططات الإدراكية فى تنمية التفكير الجغرافي والتحصيل لدى تلاميذ الصف الأول من المرحلة الإعدادية ذوى السعات العقلية المختلفة " ، مجلة كلية التربية ، جامعة الزقازيق ، ع34 ، يناير 2000، ص ص ( 31-63 ).
43-محمود محمد سيف : أسس البحث الجغرافى ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 1994 .
44- منصور أحمد عبد المنعم : " استخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بعد فى تحديث منهج الجغرافيا العامة بالتعليم الثانوي بالمملكة العربية السعودية " ، مجلة التربية المعاصرة ، العدد 31 ، السنة 11 ، مارس 1994 ، ص ص ( 249-272 ) .
45- ـــــــــ: تدريس الجغرافيا وبداية عصر جديد ، القاهرة ، الأنجلو المصرية ،1999 .
46- هوليسينجر إريك : كيف تعمل الوسائط المتعددة ، ترجمة مركز التعريب والترجمة ، بيروت ، الدار العربية للعلوم ، 1994 .
47- يسرى الجوهرى : الجغرافيا الاجتماعية ، الإسكندرية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1978 .
48-يوسف جعفر سعادة : " تطوير برامج الأعداد المهني لمعلم المواد الاجتماعية للمرحلتين المتوسطة والثانوية بدولة الكويت "، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1984 .
ثانياً ـ المراجع الأجنبية :
1 - Appleton, K: Analysis and Description of Student Learning During Science Classes using a constructivist based model, Journal of research in Science teaching, Vol. 34,No3, 1997,p p (303-318).
2 - Bednarz, S &etal: The International Network for Learning and teaching Geography: Developing Links with School Education: Journal of Geography in Higher Education, v24, N2, 2002,pp277
3 - Cole, Rask & David. B:“ Experienced Teacher Participation in Preservice Programs: A model in Geography at the University of Northern Colorado. “ Journal of Geography, Vol. 94, No 5,1995, pp. (516- 523).
4 - Frances, Salter & Rask, Raymond: Geography Teacher Education. European Journal of Teacher Education, V6, N2, 1995,pp (183-189).
5 - Hannibal &etal: Teaching Young Children basic concepts of Geography; a literature-Based approach. Early Childhood Education Journal, v30, n2, 2002,pp (81-86).
6 - Johnson, H, G: The National Geography Standards and your Undergraduate Curriculum; The Opportunity That knock more than once, Journal of Geography, V94, N5, 1995,pp (36-58).
7 - Krygier, J, B &etal: Design, implementation and Evaluation of multimedia resources for Geography and Earth Science Education. Journal of Geography in Higher Education, VOL 21, N1, 1997,pp (17-39).
8 - Lemberg, D; Stoltman, J: Geography teaching and the New Technologies opportunities and Challenges, Journal of Education, VOL18, N3, 1999,pp (63-76).
9 - Mullins, S: Social Studies for the 21 St. Century. Recommendation of the National Commission of Social Studies in The School, Washington, 1990.
10 - Nakayama, S: Japanese Social Studies for the 21 St. Century, Social Studies, April/May, 1988.
11 - Rich, D &etal: Integrated IT-Based Geography teaching and learning; a Macquarie University case study. Journal of Geography in Higher Education, VOL24, N1, 2000,pp (59-115).
12 - Richard, G and Boehm, D: Directions for Geography Student Intellectual Challenge and Meaning full Careers, Bulletin, V78, October 1994.
13 - Rogers, A and others: The student Companion to Geography. Great Britain: Black Well, First Pub, 1992.
14 - Summers, M & Eadoes, G: Information Technology in Initial Teacher Education preconceptions of History and Geography interns with reflections of mentors and tutors, Journalof Information Technology for Teaching Education, V5, N1-2, 1996,pp (155-192).
15 - Worsley, Ann: Developing Extra Links through teaching and Learning in Geography and Environmental Science; the use of the
mini-conference, Journal of Geography in Higher Education, V27, N1, 2003,pp (69-78). حمله من هنا.doc
· اعتمد الباحث على المراجع أرقام ( 2 ، 30 ، 36 ، 41 ) بقائمة
المراجع .
· اعتمد الباحث على المراجع أرقام ( 1 ، 8 ، 21 ، 29 ، 35 ، 47
) بقائمة المراجع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق