التسميات

الأربعاء، 3 يوليو 2013

دَور الجُغرافيَا في التَّخطيط الإقليمِي ...


مفهوم التخطيط وأهميته:

  التخطيط هو أسلوب علمي يهدف إلى دراسة جميع أنواع الموارد والإمكانيات المتوفرة في الدولة أو الإقليم أو حتى المدينة أو القرية وتحديد كيفية استخدام هذه الموارد في تحقيق الأهداف وتحسين الأوضاع بغية الوصول إلى الاستخدام الأمثل لهذه الموارد. وغالبا ما يرتبط التخطيط بفترة زمنية محددة على أساس الدراسة العميقة للموارد البشرية والاقتصادية المتوفرة ومعرفة مدى كفايتها وأنماط توزيعها وكيفية الحصول عليها وإمكانيات استغلالها، على أن يكون استخدام هذه الموارد محققا لأكبر قدر من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم.

   ويمكن تحديد معنى التخطيط في العصر الحديث -في ضوء ما سبق- بأنه الطريقة العلمية للتفكير المنظم بقصد تدريب وإعداد الموارد البشرية وتعبئتها واستغلال الموارد الطبيعية إلى أقصى حدود ممكنة بهدف التمية الكاملة لهذه الموارد وتوجيه إنتاج استهلاك السلع والخدمات بهدف تحقيق الأهداف القومية لتنمية ورخاء الحياة القومية من خلال سياسة مرسومة بدقة تنفذ في فترة محددة.

  والتخطيط بهذا المفهوم عملية تنظر إلى المستقبل وتتنبأ به وتحاول تحقيق الآمال التي يرجوها سكان بيئة ما في زمن ما باتباع الوسائل العلمية للوصول إلى هذه الغاية. وغالبا ما تكون أهداف التخطيط تحقيق واحد أو أكثر من الأهداف التالية:

1- زيادة الإنتاج الكلي أو زيادة الخدمات من حيث الكم سواء كانت الزيادة من خلال التوسع الأفقي أو الرأسي.
2- تحسين الإنتاج أو تحسين الخدمات من حيث الكيف ويتحتم في هذه الحالة أن يكون التحسين في الآداء مقترنا بتحول يأتي من خلال الإنسان كعامل مباشر يدور من حوله وله التخطيط بصفة عامة.
3- دعم وإتاحة أكبر قدر من التوازن بين الإنتاج وقطاعاته المختلفة أو بين الخدمات المتعددة للسكان وتأكيد التناسق بين الاستهلاك والسكان في ضوء معدل النمو لكل منهما.
4- تجنب سوء الاستخدام أو الضغط غير المتكافئ على الخدمات والمرافق بشكل يهبط بمستواها ويؤدي إلى تدهور أدائها.
5- حسن توزيع المشروعات التي تتضمنها الخطة في داخل الإطار العام الذي تشمله وتجنب النمو غير المتكافئ لقطاع من القطاعات دون الأخرى ذلك لأن النمو غير المتكافئ قد يؤدي إلى عدم التوازن بين القطاعات، وقد يتحمل التقدم في قطاع معين مشقة ومتاعب التخلف في قطاع آخر. ويتطلب مبدأ التكافؤ حسن التوزيع والنمو المتكافئ في مشروعات الخطة أو استغلال الموارد المتاحة من أجل الانتفاع بالأرض بشكل من الأشكال وتقديم الخدمات على كافة مستوياتها.

  وهكذا يبدو أن التخطيط عملية تشمل كثيرا من الجوانب على مستوى الدولة أو الإقليم أو المدينة أو حتى القرية، ويرتبط بذلك تفرع التخطيط إلى فروع متعددة ذات مدلولات خاصة وإن كان يجمعها هدف واحد يرمي في النهاية إلى تحقيق الرفاهية للسكان على أساس الإمكانيات المتاحة وتنظيم استخدامها. وأنواع التخطيط عديدة منها: التخطيط الحضري والريفي وتخطيط استغلال الأرض والتخطيط الاجتماعي والاقتصادي والسكاني. ومن الواضح أن هذه الفروع تهدف كما ذكرنا إلى تنظيم استغلال الموارد المتاحة محليا لرفع مستوى العيش للسكان وتحقيق الرفاهية لهم.

  وقد أصبح التخطيط الاقتصادي والاجتماعي والعمراني ذا أهمية حيوية في تنظيم استغلال الموارد سواء كانت موارد طبيعية أو بشرية، ويشمل التخطيط الاقتصادي جميع نواحي الحياة الاقتصادية لإقليم ما مثل الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري والعوامل المؤثرة في ذلك كله. أما التخطيط الاجتماعي والعمراني فيشمل تخطيط المدن والقرى بما فيها من مساكن ومصانع ومدارس ومستشفيات ومبانٍ حكومية وأماكن للترفيه وغير ذلك. كما يشمل تخطيط طرق النقل ووسائله، ومدى كفايته لعناصر التخطيط الأخرى وتكامله معها.

    وإذا كانت أنواع التخطيط المذكورة تهتم بعنصري الهدف والزمن على مستوى الدولة فإن إضافة عنصر المكان إليها يدخله في عداد التخطيط الإقليمي، أي أن التخطيط الإقليمي هو رسم الخطة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية داخل إقليم محدد بحدود معينة وفي فترة زمنية محددة هي الأخرى.

   وعلى ذلك فإن التخطيط الإقليمي هو تخطيط منطقة ما أو مناطق مكتملة، داخل إقليم معين تجمعها أغراض مشتركة وعوامل ومؤثرات طبيعية متماثلة؛ لتكون مراكز صالحة للإنتاج والاستهلاك بطرق سليمة وفعالة، وكذلك لتمكين السكان من العيش على أحسن حال في هذه المناطق وهو بذلك يعتبر هذه المناطق وحدة واحدة متكاملة، ويعمل على استغلال مواردها الطبيعية والحضارية والخدمات بها لخير السكان جميعا.

   والإقليم الجغرافي يختلف حسب صفاته المتعددة، فهو بصفة عامة يعتبر منطقة مميزة بميزات خاصة، فقد يكون الإقليم تضاريسيا تتشابه ملامحه التضاريسية، أو مناخيا تتشابه ظروفه المناخية، أو نباتيا تتشابه حياته النباتية، وقد يكون إقليما طبيعيا تتمثل فيه مجموعة من العناصر الطبيعية تختلف عن مثيلتها في هذه الأقاليم الأخرى مثل الموقع والسطح والمناخ والنبات وغير ذلك. وتتفاعل هذه العناصر مع أوجه النشاط البشري المتعددة الأخرى في هذا الإقليم الطبيعي.

   وقد لا يكون الإقليم محددا بحدود طبيعية تضاريسية أو مناخية أو نباتية أو غيرها، بل قد لا تكون حدوده من صنع الإنسان سواء كانت حدودا سياسية على مستوى الدولة، أو حدودا إدارية لمقاطعات أو محافظات، أو أصغر من ذلك أي قد تكون حدودا لمراكز أو نواحٍ وغيرها. وتعتبر هذه الحدود الاصطناعية ذات أهمية كبرى في حياة السكان في الإقليم الواحد؛ ذلك لأنها قد تحد من حركتهم ونشاطهم، كذلك فإنها تحدد أوجه الخدمات المتاحة لهؤلاء السكان في داخل إطارهم الإداري، كذلك تبدو أهمية هذه الحدود في مجال التخطيط الإقليمي المحلي، وليس التخطيط القومي، حيث تنفذ الخطة داخل حدود معينة على أساس ما يتوفر فيها من إمكانيات وما ينقصها من خدمات.

   وعلى ذلك فإن الإقليم التخطيطي قد يختلف من منطقة لأخرى، فهو وإن كان عبارة عن مساحة من الأرض ذات موقع معين وملامح سطح مميزة ومظاهر طبيعية أخرى، إلا إنه قد ينقسم إلى أقاليم أصغر ليس بالضرورة أن تكون محددة بحدود طبيعية هي الأخرى، بل قد تكون حدودها من صنع الإنسان الذي بنى هذا التحديد على أساس اعتبارات معينة قد تكون طبيعية حينا أو بشرية أحيانا.العلاقة بين الجغرافيا والتخطيط الإقليمي:

    ليس التخطيط الإقليمي موضوعا مستقلا عن بعض العلوم الأخرى، كما أنه ليس موضوعا جغرافيا بحتا؛ ذلك لأن التخطيط يختلف باختلاف الهدف المقصود منه سواء كان تخطيطا اقتصاديا أو اجتماعيا أو عمرانيا أو غير ذلك، إلا أنه في مختلف أوجه التخطيط فلا بد من تدخل الجغرافيا بطريق مباشر أو غير مباشر، فالمجتمع وتركيبه المتنوع ومقومات قيام المواقع العمرانية كالقرى والمدن والمواني، كذلك المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتأثر كلها بالبيئة الجغرافية. وليس من السهل دراسة كل هذه الأمور دون الرجوع إلى البيئة الجغرافية وإلا أصبحت الدراسة مبتورة، وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون هناك تخطيط إقليمي دون الإلمام بظروف المظهر الطبيعي والمظهر الحضاري والعوامل الجغرافية المتعددة التي أسهمت في تشكيله سواء كانت عوامل طبيعية أو بشرية.

    والدارس لمفهوم التخطيط الإقليمي يلحظ أنه ربما يكون أكثر ارتباطا بالجغرافيا من علوم أخرى كثيرة؛ ذلك لأن دراسة الإقليم هي في جوهرها دراسة جغرافية تطبيقية كما أن حاجات الإقليم مرتبطة بظروفه الطبيعية والحضارية ومن ثم يكون التخطيط استجابة للعلاقات القائمة بين الإنسان والأرض بقصد الوصول إلى استغلالها الأمثل لصالح الإنسان ورفاهيته.

   وعلى ذلك فإن للتخطيط أساسا جغرافيا لا مفر منه، فبالرغم من أن المخطط يعمل من خلال قانون معين وفي ظروف اقتصادية محددة وفقا لاحتياجات السكان إلا أنه في كل الأحوال يعمل في بيئة جغرافية ذات سطح ومناخ وظروف طبيعية متعددة ولذا فإن عليه أن يبدأ بدراسة البيئة التي يحيا عليها ويتفهم المظاهر الأرضية المميزة لها قبل أن يشرع في إعداد الخطة الإقليمية لها.

   ومن الطبيعي أن للبيئة الجغرافية وجهان أحدهما المظهر الطبيعي والذي يتميز بالثبات إلى حد كبير والمظهر البشري المتغير باستمرار، ولا شك أن احتياجات البشر اليومية تنعكس على كثير من أوجه الاستخدام البيئي، ويرتبط ذلك في الواقع بتطور التأثير البشري على البيئة وعلاقة الإنسان بها؛ ذلك لأن النظرة العميقة للماضي توضح أن هناك تراثا متراكما من المؤثرات البشرية التي تركت بصماتها على المظهر الأرضي خاصة في المناطق الريفية بما فيها شكل المزارع ومتوسط الملكيات الزراعية وفي تنظيم الطرق والممرات فيما بينها وتحديد مواضع القرى والمزارع، وكذلك الحال في المناطق الحضرية "المدن" حيث انعكس التراث المتراكم على ما نراه بها اليوم من تحديد مواقع هذه المدن وتركيبها الوظيفي واتجاه التوسع العمراني لها ومنطقة القلب التجاري وتحديد مناطق الصناعة وغيرها, كذلك فإن دراسة تطور نظم الري والقنوات القدمية وتطور وسائل النقل وأثرها في العمران تعكس مدى تأثر الإنسان في بيئته وتباين دوره من مكان الآخر.

   ومن الواضح أن ريفنا ومدننا لها مميزات وملامح خاصة اكتسبتها على مدى تطورها الطويل حيث ترك التاريخ بصماته على تركيبها الوظيفي وشكلها المورفولوجي الخارجي، على حد تعبير "فيدال دي لابلاش":

   "إنه منذ أول استقرار للبشر في منطقة ما، فإن الإنسان برعايته للحيوان وبزراعته للمحاصيل وما أحدثه من تغيرات في الحياة النباتية وبالتالي ما أحدثه في التربة كل ذلك أدى إلى جعل المظهر الأرضي الريفي هو محصلة نهائية لتراكم الأنشطة البشرية عبر قرون عديدة متعاقبة".

   وقد جذب بعض المفكرين ومنهم: لوبلاي -عالم الاجتماع الفرنسي- الانتباه إلى ثلاثة عناصر رئيسية في الحياة هي: المكان والعمل والناس، وأضاف بعض المفكرين عناصر أخرى مثل الغذاء والملبس والمأوى كاحتياجات ثلاثة رئيسية لبني البشر، والتي يعد أولها ضروريا لحياة كل فرد وفي كل مكان، كذلك فإن فلير في حديثه عن الجغرافيا، ذكر أن الإنسان ما يلبث بعد حصوله على غذائه اليومي في البحث عن حياة الأفضل من خلال ممارسته للفنون والتعليم والديانة والترفيه والتنظيم الاجتماعي، ومن ثم تصبح المدنية أكثر تعقيدا وسيضم المجتمع في مثل هذه الظروف أعدادا كبيرة من الأفراد متخصصين في أنشطة أخرى ليس من بينها إنتاج الغذاء أو الصناعات المختلفة ولكنهم يعملون بأنشطة ذهنية وفكرية ويمنحون مجتمعهم وعالمهم احتياجاته من الفنون والآداب والثقافة وغير ذلك. وفي أقاليم الوفرة حيث يتم إنتاج الغذاء بسهولة كما في معظم أراضي حوض البحر المتوسط أو في حواف الإقليم الموسمي في آسيا أو في أودية الأنهار مثل مصر وأراضي ما بين النهرين، فإن التقدم الحضاري بجوانبه العديدة قد تحقق مبكرا وانعكس على مظاهر الحضارة بهذه الأقاليم.

   وقد أسهم التصنيع في العصر الحديث في خلق طبقة من أفراد المجتمع الذين تخصصوا بدرجة أكبر في الإنتاج الفكري والذهني والثقافي وقد زاد حجم هذه الطبقة في المجتمع بدرجة فاقت ما كانت عليه في أي وقت مضى في التاريخ البشري، وترتب على ذلك تعقيد اجتماعي أكثر وربما خلقت مشكلات مرتبطة بالنقص في الغذاء، والإنتاج المادي في بعض المجتمعات، خاصة إذا أدركنا أن النصف الثاني من القرن العشرين قد شهد زيادة كبيرة في أعداد البشر وتضخمت كثير من المدن مما يلقي بدوره بأعباء ضخمة على عاتق القائمين بالتخطيط سواء في الامتداد العمراني أو في إعادة توزيع السكان.

    وتؤدي الاختلافات المكانية في الدولة إلى اختلاف أسس تطبيق الخطط المتعددة مما يصعب معه وضع أساس ثابت للتخطيط يمكن تطبيقه في جميع أنحاء الدولة أو أقاليم العالم. فلكل إقليم مطالبه وموارده، ويتطلب ذلك بالضرورة دراسة مطالب هذا الإقليم ومقوماته دارسة عميقة حتى يمكن وضع التخطيط السليم له الذي يتفق مع واقع الإقليم واحتمالات مستقبله، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق الدراسة الجغرافية بمعناها الواسع ودراسة فروع جغرافية خاصة كجغرافية السكان والعمران والجغرافيا الاقتصادية. وطالما أن التخطيط يهدف إلى استغلال موارد الإقليم لصالح السكان، فإن الجغرافيا الاقتصادية وجغرافية السكن والسكان هي الأدوات التي توضح أقصر السبل وأيسرها وكذلك أرخص الوسائل وأسرعها لاستغلال الموارد الطبيعية والبشرية على أسس جغرافية متكاملة.

   وتعد دراسة الموقع الأنسب لأي مشروع -وهو الموقع الذي تتوازن فيه جميع العوامل المؤثرة في المشروع تطبيقا للضوابط الجغرافية وربطا بينها- من أهم الموضوعات في التخطيط الإنتاجي وخاصة وأنه في أغلب الأحيان ليس هناك موقع حتمي واحد لأي مشروع بل هناك بالتأكيد أكثر من موقع واحد، لكل موقع ميزاته الخاصة، وقد تكون هذه الميزات طبيعية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك ولذلك كان لا بد من الموازنة والاختيار، ولا بد في اختيار موقع المشروع أن يكون اختيارا منطقيا ومعقولا، يعطي أكبر قدر من العائد بأقل التكاليف الممكنة. وحسن اختيارمواقع المشروعات أمر هام، ذلك لأن اختيار مواقع كثير من المشروعات أمر نهائي لا رجعة فيه بعد تنفيذه إلا إذا أنفق الكثير من الجهد والمال. وقد تختلف مميزات الموقع إذا تطورت الناحية الفنية أو تغيرت ولكن اختيار الموقع الجيد قلما تضيع ميزاته بهذه التغيرات، وكلما زادت المناطق الصالحة لموقع المشروع كلما استدعت الموازنة والمفاضلة جهدا أكبر وتقديرا.

   ويحتاج موضوع موقع أي مشروع إلى تحليل العوامل المختلفة التي أدت إلى هذا الموقع أو ذلك وربط العوامل المختلفة بعضها ببعض، ودراسة أثر كل من الظروف الطبيعية والبشرية في مثل الاختيار، سواء كان ذلك مرتبطا بالموقع أو بالموضع، أو دراسة توزيع السكان في الإقليم الواحد ومعرفة مناطق تركز السكان وتخلخلهم وحركات الهجرة ومصادرها ووجهتها.
كذلك فإن دراسة الجغرافيا تسهم في تحديد مواقع المدن والقرى والتخطيط العمراني بوجه عام، كذلك يمكن تحديد مواقع الأحياء المختلفة وتعيين وظائفها وعلاقاتها بعضها ببعض والعمل على حسن توزيع الخدمات على جميع الأحياء داخل المدينة أو في القرى المختلفة وتوزيع شبكات النقل وغير ذلك.

   ويرتبط التخطيط لوسائل النقل ارتباطا وثيقا بالجغرافيا، ذلك لأن بناء الطرق أو مد السكك الحديدية أو حفر القنوات تتطلب إلماما عميقا بالمعلومات والحقائق الجغرافية الخاصة لتحديد هذه الطرق وتخطيطها. فمظاهر السطح وظروف المناخ هي التي تحدد تكاليف هذه الخطوط وإمكانية تنفيذها كذلك فإن دراسة موارد الإقليم وتركز السكان ونشاطهم التجاري هي التي تحدد حمولة البضائع والركاب ومدى اقتصاديات المشروع سواء كانت إيجابية أو سلبية كذلك فإن دراسة حركة السكان داخل الإقليم تفيد في معرفة كثافة النقل في فصول السنة المختلفة مما يسهم بدوره في رسم سياسة زيادة حركة النقل أو قلتها في مواسم خاصة ومناطق معينة.

    وهناك علاقة وثيقة بين الجغرافيا والتخطيط الاقتصادي داخل الإقليم؛ ذلك لأن اهتمام الجغرافيين بالموارد واستخدامها يعد هدفا رئيسيا من أهدافها ويتجلى في ثلاثة أمور هي المسح والحصر والتقويم؛ ذلك لأن سطح الأرض وما يحيط به عمقا في اتجاه الباطن أو ارتفاعا في الغلاف الغازي يتضمن الكثير مما تثرى به الأرض مثل الثروة المعدنية أو النباتية أو الحيوانية وغير ذلك. ويهتم الجغرافي بدراسة الصورة أو الشكل الذي توجد عليه هذه الموارد وتوزيعها وحصر انتشارها على المستويين الأفقي والرأسي وإمكان استغلالها في ضوء العوامل المحيطة والمرتبطة بالإنتاج والتوزيع مما يؤدي في النهاية إلى نوع من التناسق بين مختلف العوامل المؤثرة في الإنتاج من ناحية وفي الاستهلاك من ناحية أخرى.

   ويشير هذا الاهتمام الجغرافي بالموارد الاقتصادية سواء كانت زراعية أو معدنية إلى الارتباط الوثيق بين الجغرافيا والتخطيط الزراعي أو التخطيط الصناعي. فبالنسبة للتخطيط الزراعي فمن المعروف أن هناك ظروفا جغرافية تحدد مناطق التوسع الزراعي وإمكانياته كما تحدد أولوية تنفيذ المشروعات الزراعية ونوع الإنتاج وصلاحية التربة وكفاية موارد المياه وطبيعة الأحوال المناخية وغير ذلك مما يدخل في دراسة مقومات الإنتاج الزراعي التي تعد أساسا لهذا النوع من التخطيط في النهاية.

   أما عن الارتباط بين الجغرافيا والتخطيط الصناعي فإن دراسة مقومات التوزيع الجغرافي للصناعات المختلفة وارتباطها بمصادر المواد الأولية والوقود ومناطق العمال والأسواق وتوفر سبل المواصلات بين مراكز الإنتاج ومناطق الاستهلاك وعلاقة ذلك بتكاليف الإنتاج الصناعي تفيد بالضرورة في وضع أسس الارتباط الأفقي والرأسي للصناعات المتصلة ببعضها بقدر الإمكان وتطبيق مبدأ التكامل الصناعي في الإقليم أو الأقاليم المتجاورة.

   وهكذا يبدو دور الجغرافيا مهما وحيويا في التخطيط الإقليمي بصفة أساسية وينبع هذا الدور من واقع يستهدف الانتفاع الأفضل بالأرض والاستخدام الأحسن للموارد في الأقاليم والبيئات. ويمكن أن تكون الخبرة الجغرافية هي الخلفية العريضة للخطة فيكفل تحديد دور العوامل الطبيعية والبشرية في تنفيذها.

   ولا يقف دور الجغرافيا عند حد تحديد الإقليم الجغرافي الطبيعي على اعتبار أنه الإطار الأفضل للخطة أو عند مسحه وتعميق المعرفة بخصائصه المتعددة وصنع القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها الخطة، بل إن دور الجغرافيا يتجاوز ذلك كله لكي تكون الخبرة الجغرافية ودورها البناء من خلال الاشتراك الفعلي في مجال وضع الخطة وتنفيذها ومن خلال دعم التكامل بين الخطط في الأقاليم المترابطة داخل إطار الدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا