التسميات

الخميس، 18 يوليو 2013

جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة ...


 جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة 

شبكة العز الثقافية - المدينة المنورة حظيت وما زالت بالكثير من الاهتمام من قبل مختلف المتخصصين في شتى فروع العلم المختلفة ، مما أثرى المكتبة العربية بالكثير من الدراسات والأبحاث عنها خلال النصف الثاني من القرن العشرين .والبحث الجغرافي عن المدينة المنورة له طابعه المميز ونكهته الخاصة التي تميزه عن غيره من الدراسات، فهو يتناول المدينة كظاهرة حضارية على سطح الأرض الذي نعيش عليه، ويبدو ذلك من خلال الحس الجغرافي الذي يهتم بإبراز العلاقات المكانية بين المدينة وماجاورها من أقاليم، وفي تعليله لاختيار موقعها في موضع دون آخر، إلى جانب اهتمامه بإبراز العلاقات المتشابكة بين نسيج المدينة وتركيبها الوظيفي من خلال تحليل خريطة الاستخدام الأرضي للمدينة.   



     ومن الطبيعي أن تجذب المدينة المنورة انتباه الجغرافي بما يميزها من تفرد، بين نظائرها في العالم الإسلامي بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة، فهي درة العالم الإسلامي وإحدى مدنه الرئيسة في القرن العشرين. وتعد المدينة المنورة نموذجاً صادقاً للمدينة الإسلامية المخططة التي نمت وفق مخطط رسم لها حياتها منذ أن اتخذها محمد عليه السلام مركزاً لنشر الإسلام، فهي بذلك تختلف عن الكثير من المدن السعودية أو العربية المعاصرة التي لم تشهد سوى إعادة تخطيط لبعض أجزائها أو تخطيط أحياء جديدة.

        وتتسم المدينة المنورة بشخصيتها الجغرافية المستقلة التي تبرز في أكثر من ملمح من ملامحها الجغرافية، فهي تجمع بين التوجه للصحراء والأرض المقدسة التي تقع عليها، وبين خصائص المناخ الصحراوي والمتوسطي الذي كان من تأثيره عليها أن جعل السنة فيها فصلين صيف وشتاء دون اعتدال بينهما، وفيها يلتقي مجتمعان مجتمع ما قبل عصر النفط ومجتمع ما بعده حيث التطور والازدهار، وهي المدينة العالمية في التركيب السكاني حيث يقطنها إضافة إلى السعوديين معظم الفئات الجنسية الممثلة لأقطار العالم الإسلامي.   


       جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة:

          للمدن تاريخ هو على وجه التحديد تاريخ مواقعها، والذي ينظر إليه باعتباره تاريخ الحضارة نفسها ويتأثر هذا الموقع بمجموعتين من العوامل إحداها جغرافية والأخرى اقتصادية وترتبط المجموعة الجغرافية بالمنطقة المحيطة بالموقع، بينما ترتبط المجموعة الاقتصادية بالجزء العمراني من الأرض والذي يسمى بالظهير وفيما بينهما يتحدد الموقع.


          الموقع الجغرافي:  


 والمدينة المنورة تقع على خط العرض 38/24 درجة مئوية شمالاً وخط الطول 36/39 درجة شرقاً في منطقة تتوسط العالم الإسلامي أولاً، والإقليم الغربي من المملكة العربية السعودية. والموقع الجغرافي هذا كانت تتغير قيمته وأهميته على مر العصور، فتارة يجعلها تعيش فترة نمو وازدهار والقيام بوظائف جديدة، وتارة أخرى عندما تضعف أهميته يؤدي إلى توقف نمو المدينة وتفقد الكثير من وظائفها، وهذا التدهور لا يطول؛ فكل مدينة تحاول أن تنمو وتستعيد مجدها وهذا يعني أن موقع المدينة المنورة الجغرافي مر بتطور تاريخي طوال القرون الماضية، كانت أهميته تتأرجح بين الإيجابية والسلبية وهذا توضحه الحقائق التالية :

1) من قراءة النصوص التاريخية يمكن القول : إن "المدينة المنورة" ظهرت كمركز عمراني في هذا الموقع خلال الألف الأولى السابقة للميلاد ويقف وراء ذلك : وفرة الموارد المائية وخصوبة الأرض في هذا الموضع "الواحة" إلى جانب أنها كانت إحدى المحطات الرئيسية على طريق القوافل التجاري الدولي القديم (البخور) والذي كان يربط جنوب الجزيرة العربية ببلاد الشام ومصر ، أضف إلى ذلك تميزها بالحصانة الطبيعية التي جذبت أصحاب رؤوس الأموال والتجارة إليها في ذلك الوقت مما ساعد على نموها وتطورها على هذا الطريق مما وسع دائرة نفوذها واتصالها بالعالم الخارجي ، حيث الطرق هي التي تصنع المدن ، ونتيجة للأهمية الاستراتيجية التي استحوذ عليها هذا الطريق في عالم التجارة في عصور ما قبل الإسلام ، أصبحت "المدينة المنورة" مركزاً اقتصادياً هاماً تتوفر فيه وسائل الراحة والأمان التي كان ينشدها تجار ذلك الزمان .

2) وبعد توطن الإسلام في المدينة المنورة عام 622م وانتشاره خلال ربع قرن من الزمان تحولت أهمية موقعها من محطة تجارية على الطريق القديم إلى عاصمة سياسية ودينية لدولة مترامية الأطراف تمتد من بلاد فارس شرقاً حتى مصر غرباً واستمر ذلك حتى نهاية العهد الراشدي ؛ ثم أخذت بالانحسار والعزلة عندما أخذت المدينة المنورة تفقد وظائفها السياسية والعسكرية والاقتصادية نتيجة انتقال العاصمة منها إلى الكوفة أولاً ثم دمشق وبغداد ثانياً ، وعادت تمارس وظيفتها القديمة "محطة تجارية" إلى جانب الوظيفةالدينية الأزلية لكونها البقعة المقدسة التي تشد لها الرحال من قبل المسلمين لزيارة مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم).

3) وعلى الرغم من هذه الأهمية المتبقية للمدينة، إلا أن تحول طرق التجارة من المنطقة إلى المحيط الأطلسي أدى إلى انهيار المحطات التجارية وانقطاع صلتها بالعالم الخارجي، ومن بينها المدينة المنورة التي فقدت أهمية موقعها التجاري ولم تعد لها صلة بالعالم إلا من خلال القادمين للحج والزيارة والذين أخذت أعدادهم بالتناقص سنوياً.


4) وقد أعادت الدولة العثمانية إلى موقع المدينة أهميته الاستراتيجية عندما ربطتها ببلاد الشام بخط سكة حديد عام 1801م ، قصر المسافة بينهما إلى أربعة أيام وساعد على انتعاش الأحوال الاقتصادية وسهولة اتصالها بالعالم الخارجي مما جعلها منطقة جذب للمهاجرين من أنحاء العالم الإسلامي ، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد سكانها من 20 ألف نسمة عام 1907 إلى 80 ألف نسمة عام 1914 إلا أن تخريب سكة الحديد من قبل شريف مكة وأتباعه ، إضافة إلى الحرب العالمية الأولى 1914 أدى إلى تضاؤل أهمية الموقع مرة أخرى ودخولها مرحلة جديدة من الركود الاقتصادي والاجتماعي والانزواء داخل أسوارها منقطعة عن العالم واستمرت على هذا الحال حتى قيام المملكة العربية السعودية .


5) ومنذ أوائل النصف الثاني من القرن العشرين بدأت "المدينة المنورة" في العهد السعودي عصراً من النمو والازدهار والتطور ، إلا أن هذا لا يمكن رده إلى تطور أهمية الموقع الجغرافي ، بقدر ما يرد إلى التوظيفات المالية الضخمة لمشاريع تنمية المدينة وذلك بسبب تطور إنتاج البترول والذي انعكست إيراداته المالية على خطط التنمية في جميع أنحاء المملكة .


6) ومن دراسة الخريطة الجغرافية للمنطقة يتضح لنا أن القرب من مكة المكرمة يمثل أهم عناصر موقع المدينة المنورة ، حيث ارتبطت المدينتان معاً منذ بزوغ فجر الإسلام ، وأصبحت المدينة المنورة العاصمة الأولى لدولة الإسلام ، وحلت بذلك محل "مكة المكرمة" التي تقع إلى الجنوب منها والتي كانت لها السيادة السياسية والاقتصادية على شبه الجزيرة العربية قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) واتخاذه المدينة المنورة مركزاً للدعوة الإسلامية .


7) وهناك عناصر جديدة يمكن إضافتها إلى موقعها النقلي البري والجوي ، ففيما يتعلق بالنقل البري كان من الضروري دائماً توفير وسيلة لنقل الحجاج والمعتمرين إلى مكة التي تبعد عن المدينة مسافة 390 كم ويصدق ذلك منذ كانت الإبل وسيلة الانتقال الرئيسية حتى عصر السيارة . وأما بالنسبة للطيران، فالعوامل الموضعية في طبوغرافية الإقليم الغربي جعلت من مطار المدينة المنورة محور حركة لنقل الحجاج والمعتمرين منذ استخدام الطيران في ذلكوحيث إن الانتقال بين المدينة ومكة يتطلب وسيلة برية للقادمين بالطائرات، نتج عنه أن أصبحت حركة السيارات بين مكة والمدينة تمثل حلقة هامة في حركة النقل في الإقليم الغربي وذات كثافة عالية جداً خلال موسم الحج.


8) والموقع الجغرافي للمدينة المنورة تحدد في منطقة تلتقي عندها طرق المواصلات التي تربطها بجميع المدن السعودية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فهي تبعد عن جدة 425 كم وعن مكة 390 كم وبريدة 590 كم وعن الطائف 530 كم وبذلك تصبح المدينة المنورة للمدن المذكورة ، مركزاً لدائرة يتراوح نصف قطرها ما بين 425-540كم ، وهذه المدن تقع في محيطها ، وتبعد عن العاصمة الرياض 980كم ، ومينائها البحري (ينبع) 240 كم .


وباستخدام طريقة مضغوطة الترابط Matrix Binary Connection وجد أن المدينة المنورة تأتي في المرتبة الأولى بين جميع مدن الدولة من حيث درجة اتصالها (4 نقاط) بينما يكون نصيب كل من مكة وجدة، الطائف، الرياض ثلاث نقاط لكل منها، ونقطتان لبريدة ونقطة واحدة لكل من تبوك والدمام، والواقع أن هذه الطرق لا تصلها بالداخل فقط بل هي محاور حركة تربطها بخارج المملكة حيث أن طريق (المدينة - تبوك) يصلها بالأردن وسوريا - وتركيا ومصر، بل جميع الأقطار الأوروبية والإفريقية.


9) من العناصر الأخرى في موقع المدينة المنورة توسطها الإقليم الغربي من المملكة والذي تميز منذ أقدم العصور بتركز التجمعات السكانية فيه وفي مقدمتها المدينة المنورة التي تشكل مع مكة المكرمة إقليماً من أكثر أقاليم المملكة سكاناً ، بسبب مركزهما الديني الذي جعلهما منطقة جذب للسكان داخلياً وخارجياً ، والمدينة المنورة نتيجة لذلك أصبحت إحدى أكبر المدن السعودية النصف مليونية التي يزيد عدد سكانها عن 600 ألف نسمة وجدة 1.5 مليون ونصف مليون نسمة والرياض 1.6 مليون وستمائة ألف نسمة وهذا يعني أن المدينة يسكنها حوالي واحد على ستة من جملة سكان هذه المدن وأقل من 5% من سكان المملكة البالغين 14 مليون نسمة عام 1992م.


10) وثمة بعد آخر في موقع المدينة المنورة يمكن أن نطلق عليه "البعد الثقافي" فقد مارست وظيفة المركز الثقافي العالمي منذ صدر الإسلام ، حيث كون المسجد النبوي ما يمكن تسميته أول جامعة إسلامية يأتيها المفكرون والعلماء ويسعى إليها المتعلمون ، وما زالت تمارس هذه الوظيفة في عصرنا الحاضر من خلال المسجد النبوي وثلاث جامعات هي : (الجامعة الإسلامية ، وفرعان لجامعة الملك عبد العزيز ، وجامعة الإمام محمد بن سعود ، وكليات التربية التابعة لوزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات) ، ولا ينافسها في ذلك سوى مدن الرياض وجدة ومكة ، الأمر الذي أوصلها إلى مكانة كبيرة بين المدن السعودية ، وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن موقع المدينة المنورة الجغرافي المتوسط جعلها تمارس وظيفتها السياسية على نطاق محلي ، حيث أصبحت عاصمة لولاية أو محافظة وأخيراً منطقة إدارية تحمل اسمها تكون إحدى مناطق المملكة الإدارية الأربعة عشر .


          الموضع : 


 من خلال قراءة وتحليل الدراسات التاريخية والجغرافية للمنطقة يتضح أن المدينة المنورة تكونت في عدة مواضع نمت حولها القرى ، قرب مجاري الأودية أو على الروابي ، أو في أطراف الحرات المحيطة بالواحة . والنواة الأولى لموضع المدينة قرية "العيون" الحالية "أضم" قديماً التي تقع شمال المدينة، والتي سكنت من قبل جماعة من العماليق، ثم تلاهم بالاستيطان مجموعة من القبائل اليهودية في العالية جنوب المدينة حيث سكنوا "قربان" والعوالي، وقبائل عربية "الأوس" في جنوب قباء، وفي الحرة الشرقية وفي الشمال الغربي "يثرب"، وقبيلة الخزرج في وسط المدينة. ومن أبرز هذه القرى والضياع "يثرب" وزهرة وسوق بني قينقاع إلى جانب العديد من القرى الصغيرة والكبيرة في سافلة المدينة وعاليتها.

         ولموضع المدينة الطبيعي خصائصه الجغرافية المتعددة، فهي من حيث الشكل العام "واحة صحراوية محاطة بالجبال والجبيلات، وتتداخل فيها الحرات والجماوات، وتتخللها وتدور حولها وتنتهي إليها الوديان والمفيضات والسيول، وتنتشر في منطقتها مساحات مزروعة وأخرى قابلة للزراعة، تبعاً لطبيعة التربة ووفرة الموارد المائية. ومثل هذه الخصائص وغيرها تترابط مع جيولوجية الواحة التي هي جزء من جيولوجية منطقة الدرع العربي إلى جانب أنها تمارس تأثيراتها في تشكيل مورفولوجية المدينة المنورة .


         ومن دراسة الخريطة الجيولوجية للمنطقة يتضح لنا أن الموضع الطبيعي للمدينة المنورة يتميز بأنه منطقة معقدة التركيب جيولوجياً وهذا ما توضحه الحقائق التالية :


1) مجموعة الصخور في منطقة المدينة المنورة تعود إلى ما قبل الكمبري ، وعلى مر الزمن تعرضت للتعرية المختلفة ، وغطيت أجزاء منها بالرواسب التي تنتمي لأواخر الزمنين الثالث والرابع الجيولوجية.


 2) في التجويف الرباعي تقع معظم المدينة المنورة الذي تحف به من جميع الجهات ما عدا القسم الشمالي تكوينات البازلت Basalt والاندسيت Anddesite والتي تعود لأواخر الزمن الثالث والرابع وتعرف محلياً بالحرات .

3) تكوينات (حلبان) hc-ho الأندسايت القديمة ، وتنتشر في شمال جبل أحد وغرب المدينة ، وهي صخور رسوبية تشتمل على الرخام وتعود إلى ما قبل الكمبري .


4) تكوين الجصة qu ونجده يغطي المنطقة الحوضية من المدينة ، ويتكون من الحصباء والرمل والطين والطفل ، وهي رسوبية حاملة للمياه منتشرة على طول الأودية وفي الأحواض المغلقة التصريف .


5) تكوينات رايوليت شمر ( S.R) Shammar Ryholite ويتثمل وجوده في جبلي أحد وعسير ، وهي عبارة عن سوائل ومقذوفات بركانية ناعمة وبريشيا وأردوز وصلصال .


6) تكوينات الغرانيت ( G.M) وينتشر وجوده في منطقة الجرف وجبال الجماوات وما حولها - وجبل أم سلامه على بعد 17 كم شمال المدينة .


7) التكوينات الثلاثية والرباعية ( qtb) وهي بازلت والاندسايت وتنتشر في أقصى جنوب المدينة حيث "حرة رهط" وتمتد على شكل ذراعين نحو الشمال يعرف الأول "بالحرة الغربية" والثاني بالحرة "الشرقية" .


8) تكوينات الشست السرسايتي والكلورايتي ( S.C) وأصله من الرواسب وصخور السوائل القاعدية ، وينتشر وجوده في غرب وجنوب غرب المدينة المنورة .


يضاف إلى هذه التكوينات مجموعة من الصدوع على هيئة أنصاف دوائر في غرب المدينة مع وجود تمدد من السباخ الملحية ذات الرمل والصلصال التي تكون غير ملائمة للنشاط الزراعي .


             التضاريس :


             من الناحية التضاريسية تقوم المدينة المنورة فوق بقعة خصبة رسوبية التكوين تحيط بها الحرات من جهاتها الشرقية والجنوبية والغربية ، ويحدها جبل أحد من الشمال ، وجبل عسير في الجنوب الغربي ، ويدين هذا الموضع بأهميته للأنهار القديمة التيكانت تجري إبان العصر المطيري ، والتي أصبحت الآن أودية جافة تنتشر في كل شبه الجزيرة العربية فثمة عدد من الأودية التي كانت تختط مجاريها من منابعها في مرتفعات الحجاز والتي تعبر الواحة في طريقها إلى البحر ، وتعجز عن ذلك أحياناً وأهم الأودية في منطقة المدينة المنورة "وادي قناة" الذي يجري في الشمال والشمال الشرقي ومن الغرب والشمال الغربي "وادي العقيق" وفي الجنوب الغربي "وادي رانوناء" ومن الجنوب والجنوب الشرقي ، يجري واديا "مذينب - ومهزور" والثلاثة الأودية الأخيرة ترفد "وادي بطحان" الذي كان يمر وسط المنطقة السكنية ، ويلتقي بوادي العقيق ووادي قناة في منطقة العيون شمال المدينة حيث يبدأ "وادي الحمض" الذي يلتقي بوادي نعمان شمال جبل أحد ، ويستمر وادي الحمض في مسيرته باتجاه شمالي غربي حتى يصب في البحر الأحمر جنوب ميناء الوجه .


          وبدراسة الخريطة الكنتورية لمنطقة المدينة المنورة يتضح أن الأرض اليابسة التي تقوم عليها المدينة المنورة، تنحدر تدريجياً وبصفة عامة من الجنوب إلى الشمال وهو نفس انحدار أودية المنطقة. أما المنطقة السكنية في المدينة فتنحصر بين خطي كنتور 595-620م. فوق مستوى سطح البحر، حيث كان العمران محصوراً في وسط المدينة بين مناسيب 600-605م إلا أنه في الوقت الحاضر امتد إلى الجنوب حيث يرتفع المنسوب إلى 620م وفي اتجاه الشمال حيث ينخفض المنسوب إلى 598 متراً.


        ويكتنف المنطقة النبوي،التي نشأت في المدينة المنورة سلسلة من الجبال والتلال التي تتألف من الصخور المتآكلة والتي تعد جزءاً من الدرع الغربي، وجبل أحد يعتبر أهم الظاهرات التضاريسية في المدينة ويقع شمال شرقي المدينة ويصل امتداد طرفهالجنوبي إلى طريق المطار، ويكون على بعد 5.5 كم من المسجد النبوي، وطوله حوالي 7 كم وعرضه ما بين 2-3 كم وارتفاعه يصل 480م عن مستوى الواحة، ويحيط بـه مجموعة من الجبال الصغيرة التي من أهمها "غرباً جبل ضليع البري وشماله جبل ثور" .


       ويليه في الأهمية جبل عسير الذي يقع في جنوب المدينة المنورة، وعلى بعد 8 كم من المسجد النبوي، ومتوسط عرضه 70م ويبلغ ارتفاعه حوالي 955م عن مستوى سطح البحر.       يضاف إلى هذه المرتفعات مجموعة من الجبال الصغيرة منتشرة داخل المنطقة العمرانية في المدينة، وشكلت عائقاً وحاجزاً طبيعياً ومستمراً وقف إلى حد ما أمام التطور العمراني ومن أهمها : جبل سلع على مقربة من المسجد النبوي بحوالي 500م شمال غربي المسجد وطوله حوالي واحد كم وعرضه يتراوح ما بين 300-800م وارتفاعه حوالي 80م .
 

*سليع شمال شرقي جبل سلع .

* الغرين الفوقاني .

 الغرين التحتاني .



* الدويخل وينتشر على جانبي شارع سلطانه .

 *جبل الأصفرين - في الحرة الغربية.

* جبال الجماوات الثلاث (تضارع، أم خالد، العاقر) وتقع على ضفة العقيق الغربية.

* وأما بالنسبة للحرات (اللابات lava) فالمدينة المنورة تقع في الطرف الشمالي من حرة رهيط، وتعرف في المدينة بالحرة الشرقية (واقم) والحرة الغربية (الوبرة) والحرة الجنوبية (شورالوهذه الحرات تتداخل مع المنطقة السكنية، وكانت بعض أجزائها مواضع لقرى مدنية قديمة اتصلت مبانيها الآن مع مباني المدينة الحديثة، وهو ما يشاهد اليوم في أحياء "قباءوالعاقول.. الدخل المحدود، الحزام " وجميعها تتميز بوجود الشقوق والانكسارات التي تجري خلالها الأودية.

           التربة :

           ومن دراسة تكوينات التربة : تحت المدينة المنورة يمـكن تمييز الأنماط الرئيسية التالية :

منطقة ذات تربة صلصالية ثقيلة ، وهي تمتد في نطاق يغطي حوالي 2000 هكتار من مناطق قباء والعوالي وقربان .

 مناطق ذات تربة صلصالية خفيفة ، تغطي ما يزيد على 400 هكتار من مناطق العيون - وسيد الشهداء شمال المدينة ، وتعتبر ملائمة للزراعة لاحتوائها على بعض الطفل

* تربة قرينية وينتشر وجودها على ضفاف وبطون الأودية ، وتتميز بتجدد خصوبتها مع كل فصل ممطر إلا أنها مهددة بالانجراف بسبب السيول التي تحدث في فصول المطر الغزيرة ، ويتم نقلها من الأودية إلى المناطق البعيدة عنها لاستصلاح مزارعهم .

* التربة الرملية - والتي يتركز وجودها في غرب المدينة (آبار عليوشمالها الغربي (الجرف)، وهي غير قابلة للزراعة لعدم توفر الطمي والطفل فيها وشدة مسامها التي تؤدي إلى تسرب الماء بعيداً عن جذور النباتات وتغطي مساحة تزيد على 380 هكتاراً

* السبخة : ويتركز وجودها في المنطقة الواقعة بين شمال جبل سلع وجنوبي منطقة العيون ، وتكونت هنا نتيجة لانخفاض الموضع حيث تجمع مياه الأمطار ثم تنجرف تاركة الأملاح على سطحها مما يجعلها غير صالحة للزراعة ، وتغطي ما يزيد على 800 هكتار ، وكانت تشكل في السنوات الماضية حاجزاً أمام التوسع العمراني .

           المناخ :

          وينبغي الإشارة إلى بعض الخصائص المناخية التي تكون عنصراً له أهميته في موضع المدينة المنورة وسمة لشخصيتها الجغرافية ، حيث ترتب على موقعه الذي تحتله أن أصبحت مدينة مدارية حارة تخضع لتأثيرات إقليم البحر المتوسط في الشمال والإقليم الموسمي في الجنوب ، إلى جانب موضع المدينة المحاط بالحرات والجبال باستثناء شمالها ، إضافة إلى ارتفاعها عن مستوى سطح البحر ما بين 590-620م ، وبعدها عن المسطحات المائية (البحر الأحمر 240كم) ، مما أضفى عليها ملامح مميزة تظهر فيعناصر المناخ المختلفة للمنطقة .

          فالمتوسط السنوي لدرجات الحرارة يبلغ 27.8 درجة مئوية بينما يكون متوسط حرارة يوليو حوالي 35.5 درجة مئوية وينخفض إلى 17.5 درجة مئوية.ي يناير، أي أن المدى الحراري السنوي 13.7 درجة مئوية ، أما معدل الدرجات العظمى فيسجل في يوليو حوالي 42 درجة مئوية يقابله معدل الدرجات الصغرى في يناير الذي يهبط إلى 11.5 درجة مئوية.

          والدرجات القياسية تفوق ذلك كثيراً، فقد سجلت في شهر يوليو 1987 حوالي 48 درجة مئوية وبصفة عامة فإن الشهور من ابريل إلى أكتوبر كثيراً ما تسجل بها درجات الحرارة ما يزيد على 40 درجة مئوية. والمعدل السنوي لعدد الأيام التي تنخفض فيها الحرارة إلى أقل من 15 درجة مئوية خمسة وثلاثون يوماً في حين أن معدل الأيام التي تتجاوز حرارتها 40 درجة مئوية يبلغ ثمانين يوماً علماً بأن معدل الأيام التي تزيد الحرارة فيها على 20 درجة مئوية يغطي معظم أشهر السنة.

         ونتيجة لهذا الموقع المرتبط بظروف المناخ الصحراوي من صفاء السماء وعدم وجود غطاء نباتي كثيف يضاف إلى ذلك البعد عن البحر وعدم وجود مسطحات مائية أخرى قريبة، أصبحت الرطوبة النسبة منخفضة في المدينة المنورة طوال العام .

        ومن دراسة البيانات المتاحة عن الحرارة والرطوبة، وجد أن هناك تناسباً عكسياً مع درجة الحرارة وبنسبة الرطوبة، فيلاحظ أن نسبة الرطوبة تزداد في فصل الشتاء وتنخفض في فصل الصيف، وهي تتراوح في فصل الشتاء ما بين 45-60% وإن كانت تصلأحياناً إلى 55% في أشهر يناير وفبراير ونوفمبر وديسمبر بينما تتدنى إلى أقل من 5في يونيو ويوليو .

          أما من حيث الأمطار :

         على منطقة المدينة المنورة فلكونها مدينة صحراوية حارة تمر عليها أعوام لا تسقط فيها الأمطار ، إلا أنها تشهد في أحد الأعوام أو الأيام أمطاراً غزيرة وسيولاً جارفة كانت تسبب لها الكثير من الكوارث والخسائر وخاصة عندما كان وادي بطحان يجري داخل المنطقة العمرانية لأن المدينة في ذلك الوقت كانت غير مهيأة للوقاية من هذه الأخطار ، وقد كانت الأمطار حتى وقت قريب مصدراً رئيساً لمياه الشرب في المدينة .

        وعلى الرغم من الطبيعة الصحراوية للمنطقة في عدم انتظام المطر من حيث الكمية أو شهر التساقط ، فإنها تخضع في سقوطها للنظام المتوسطي والشتوي وهي على العموم قليلة ويصل معدلها السنوي إلى حوالي 43 ملم .

      وتتعرض المدينة للأمطار في الفترة من أكتوبر حتى ديسمبر حيث يتراوح المعدل ما بين أقل من واحد إلى أكثر من 2 ملم وتكثر في مارس 29 ملم ونادراً ما تسقط الأمطار في فصل الصيف. إلا أن هناك بعض السنوات التي تسقط فيها أمطار ذات معدلات عالية جداً كما سجل في أعوام 1963، 1971 حوالي 83، 105 ملم على التوالي، وهذا من خصائص الأمطار السيلية في المناطق الصحراوية.

      والضغط الجوي: في منطقة المدينة المنورة نادراً ما يقل عن 950 مليبار خلال أشهر يناير وفبراير ومارس، ويبلغ حده الأدنى في فصل الصيف ما بين 932-935 مليبار، ونتيجة للاختلاف هذا البسيط في مقدار الضغط الجوي خلال فصول السنة تكون الرياح دائماً هادئة وتتراوح سرعتها ما بين 5-10 عقدة / الساعة، حيث الرياح الشديدة السرعة نادرة في المدينة المنورة حيث أعلى سرعة سجلت للرياح أكثر من 50 عقدة / الساعة بينما لم يزد معدل السرعة خلال الفترة 1981-1991 عن 30 عقدة / الساعة .

      والرياح السائدة في المدينة المنورة هي الرياح الشمالية الغربية، والغربية والجنوبية الغربية معظم أشهر السنة لفترة تتراوح ما بين 6-10 شهور تبدأ من فبراير حتى أغسطس. وعلى الرغم من سيطرة الأنواع الثلاثة فإنها تختل في بعض فصول السنة عندما تتسرب إلى المنطقة الرياح الشمالية الشرقية والشرقية، والجنوبية الشرقية والتي تحمل معها مؤثرات صحراوية حارة وتهب عبر سطح نجد عابرة الدهناء والنفود وعلى فترات غير منتظمة جالبة معها إلى المدينة العواصف الرملية المزعجة، والصيف لا يتميز بالهدوء بل قد تشتد فيه حركة الرياح فجأة نتيجة لتصارع الكتل الهوائية حيث يثار الغبار والرمال، وهذه العواصف تحدث بمعدل 1-5 أيام في السنة مقابل 150-170 يوماً في الرياض .

        موارد مياه المدينة المنورة :

        عرفنا أن منطقة المدينة المنورة تخضع لظروف الجفاف الشديد الذي اختفت معه ظاهرة الأنهار ذات الجريان الدائم أو الفصلي ، حيث تظل أودية المنطقة جافة طوال العام إلا عندما تتساقط الأمطار يحدث جريان مؤقت مصحوب بتعرية للأجزاء العليا من أودية المدينة يقابلها عملية إرساب في الأجزاء الدنيا من هذه الأودية إلا أن كميات المياه المختزنة تكون منخفضة ، ويرد هذا إلى ضعف استيعاب هذه الطبقات ، وندرة الأمطار الساقطة على المنطقة مما يجعل المخزون عرضة للنفاد دون أن يكون هناك تعويض .

       ونتج عن ذلك أن أصبحت المدينة المنورة من المناطق التي تشكو من قلة المياه وفي بعض أجزائها لا تشكو من قلة المياه وإنما من سوء نوعيتها وعدم ملاءمتها لكل الاحتياجات .

       وأوضحت الدراسات الهيدرولوجية التي أجريت على المياه في أحواض التصريف "أن مياه السيول تتصف بغزارة التصريف حيث لا تدوم أكثر من بعض ساعات، وعلى الرغم من ضآلة الأمطار إلا أنها تتجمع في الأودية التي تقطع أو تحيط بالمنطقة ومن أهمها، قناه، العقيق، بطحان الذي كان مجراه يجتاح المنطقة السكنية من الجنوب إلى الشمال .

        ومياه الشرب : كانت آخر المشاكل التي كانت تواجه سكان المدينة حتى أوائل الربع الأخير من هذا القرن (20 الميلادي) ، وكانت مياه الأمطار مصدراً لشرب السكان والحجاج والمعتمرين الذين يفدون إليها ويمكثون بعض الوقت حيث كان في كل منزل تقريباً صهريج يملأ من مياه الأمطار ، أو يتم نقل المياه إليه من البرك التي تتكون خارج المدينة ، إضافة إلى ذلك كانت توجد آبار في معظم المنازل حيث تستخدم مياهها في الغسيل والاستحمام ، أما مياه الشرب فتجلب من آبــار مخصصة لذلك تقع في جنوب المدينة حيث المياه العذبة .

      واعتمد سكان المدينة المنورة على "مياه العيون" وهذا المورد معروف في المنطقة من قبل العصر الإسلامي، وقد مر استخدامه بفترات من الازدهار والركود والجمود، وبلغ أوجه في العهد العثماني حيث بلغ عددها في المدينة المنورة في ذلك الوقت نحو (44) أربعاً وأربعين عيناً متركزة في منطقة العيون شمال المدنية. وكان لهذه العيون قنوات تمد مزارع النخيل بالمياه حسب اتفاقات معينة بين المستفيدين منها .

       وكانت بداية تدهورها عام 1355هـ/1935م بسبب سيل وادي العقيق الجارف المدمر، والذي رافقه زيادة في نزح مياه الآبار بواسطة الطلمبات مما أصاب منابع الآبار بالضعف والنضوب وتوقفت نهائياً مما نتج عنه دمار لعدد من مزارع منطقة العيون التيأخذت بالتحول التدريجي إلى منطقة عمرانية سكنية .

      وقد جرت عدة محاولات خلال العقود المنصرمة لحل مشكلة المياه في المدينة عن طريق الاستفادة من مصادر المياه الجوفية، وأول هذه المحاولات كانت على يد معاوية بن أبي سفيان عام 51هـ، ونفذها عامله على المدينة مروان بن الحكم الأموي الذي اشتهر بزرقة عينه فسميت "بالعين الزرقاء" والتي أخذت تنمو وتتطور على يد السلطات المتعددة التي مرت على حكم المدينة المنورة حتى أواخر العهد العثماني 1332هـ حيث تم نقل المياه إلى الأحياء عبر الشوارع حيث يتم توزيعها بواسطة (الكباسات) أو الحنفيات، وتعتبر بداية لتوصيل شبكة المياه إلى المنازل والدوائر الحكومية .

       وعندما تولت الأمور في المدينة المنورة "الحكومة السعودية" وضعت نصب عينيها موضوع حل مشكلة المياه في المدينة من خلال قيام وزارة الزراعة السعوية بالاستفادة من مياه الأمطار عن طريق إقامة مجموعة من السدود على الأودية التي تجري في منطقة المدينة بهدف تخزين المياه لتساعد على رفع منسوب مياه الآبار إلى جانب الاستفادة منها في الشرب والزراعة ومن أهم تلك السدود "العاقول - الغابة - عروة - بطحان" .

       يضاف إلى ذلك القيام بالبحث عن مواقع للمياه جديدة، والإكثار من حفر الآبار، ومد شبكة المياه إلى جميع منازل المدينة، إلا أن الآبار التي كانت تعتمد عليها العين الزرقاء أخذت بالنضوب مما جعل المدينة تعاني من نقص المياه شأنها شأن مناطق المملكة الأخرى، ويتمثل في نضوب عدد مواردها المائية وعدم كفايتها للأغراض الاقتصادية، وقد ترتب على نمو المدينة عمرانياً وسكانياً بمعدلات عالية في السنوات الأخيرة حيث تزايدت حاجتها للمياه وتضاعفت معدلات استهلاكها خاصة في أشهر الحج التي يقفز فيها عدد السكان إلى أكثر من مليون نسمة، وكان من نتائج ذلك انخفاض منسوب المياه الجوفية، الأمر الذي دفع الجهات المختصة للبحث عن مصادر جديدة للمياه لتزويد المدينة المنورة بها واستقر الرأي على جلب المياه بعد تحليتها من البحر الأحمر .

  والمصادر الحالية للمياه التي تسقى منها المدينة المنورة هي :

 * الآبار وعددها 10 في منطقة قباء ، 20 بئراً شرق قباء في حرة رهط ، وتضخ منها المياه إلى خزانات ينقل ماؤها إلى المدينة بواسطة الأنابيب ويقدر إنتاجها يومياً ما بين 20-30 ألف متر مكعب .

 * محطة تحلية مياه البحر وأسوة بمدن الساحل السعودي الغربي تم إنشاء محطة لتحلية مياه البحر شمال مدينة ينبع (41كم). وانتهت المرحلة الأولى في مطلع 1980م وبطاقة إنتاجية قدرها 25 مليون جالون و200 ميجاوات كهرباء للمدينة المنورة في حينيستهلك باقي الكمية في مدينة ينبع البحر، وينقل الماء إلى المدينة بواسطة أنابيب سعتها 32 بوصة وطولها 176 كم عابرة جبال السروات في ارتفاعات متباينة يصل متوسطها إلى 800 متر فوق سطح البحر.

         النمو العمراني :

         نمو معظم المدن السعودية كان إما في جيوب صغيرة من الأراضي القابلة للزراعة المنتشرة وسط الامتدادات الجبلية القاحلة ، أو في الأراضي الصحراوية ، أو في ملتقى طرق القوافل القديمة وعلى جوانب الأودية ، والموضع الذي نشأت فيه المدينة المنورة يقع عند نقطة انقطاع الطريق في "الواحة ، وسط الحجاز" حيث يلتقي عندها الطريق البري الشمالي بالطريق البري الجنوبي والذي ربط مراكز الحضارات الشمالية (مصر وبلاد الشامبالجنوبية (بلاد اليمن.

        وهناك الكثير من الروايات عن نشأة المدينة المنورة، فإلى جانب الأسطورة التي تربط بداية نشأة المدينة كمستوطنة إلى الألف الأولى قبل الميلاد، وتخلع هذه الرواية اسم "يثرب" نسبة إلى يثرب بن أبيل من العماليق، وهذا الموضع يعتقد أنه "قرية العيون" شمال غرب المدينة أو بمعنى آخر المنطقة الممتدة بين وادى قناة في الشرق، وزبالة الزج في الجنوب وحدائق المال في الشمال والمكانان الأخيران غير معروفين في الوقت الحاضر، كما توجد روايات تربط بين المدينة والهجرات اليهودية التي استقرت في الأجزاء العالية من المدينة، جنوباً والتي تعرف اليوم بـ "قباء، وقربان، والعوالي"، حيث تتميز بخصوبتها ووفرة مواردها المائية، وهجرات أخرى عربية من أهمها هجرة قبائل "يثرب، والأوس، والخزرج" حيث استقرت يثرب في منطقة العيون، والأوس في قباء وقربان والحرة الشرقية بينما سكن الخزرج وسط المدينة .

         من العرض السابق يتضح لنا أن المدينة المنورة أصحبت في الفترة السابقة للإسلام تتألف من عدة مواضع (نوايات) منفصلة صالحة للسكن ويقف وراء هذا التعدد انتشار الآبار والعيون في المنطقة والتي أقامت حولها العشائر أو القبائل ، متخذة منالحصون والأطام وسيلة لحماية أفرادها .

        ولا تدلنا المصادر التاريخية بشكل قاطع على معرفة الزمن الذي نشأت فيه المدينة المنورة ولا حتى الزمن الذي اكتسبت فيه اسمها الحالي، إلا أن هناك اتفاقاً على أن التاريخ الثابت لظهور أهمية المدينة يرجع إلى هجرة الرسول عليه السلام إليها، حيث اتخذ يثرب بدلاً من مكة التي تقع إلى الجنوب منها على بعد 420كم مركزاً للدعوة الإسلامية حيث وجد العون والمساعدة من قبيلتي "الأوس والخزرج" وكان ذلك في السنة الأولى للهجرة الموافق 622م، وربما تكون يثرب أقدم نشأة من ذلك، بل لعلها كانت إحدى المحطات التجارية المنافسة، إلا أن بزوغ الوظيفة الدينية ضمنت الاستمرار والتواجد وحفظها ولولا ذلك ربما ظلت المدينة محدودة الشأن.

         ومن دراسة تاريخ القوى السياسية التي مرت على حكم المنطقة خلال القرون المنصرمة وحتى نهاية الربع الثاني من القرن العشرين الميلادي ، والتي تركت بصماتها على نمو وتطور المدينة ، ومن تحليل الإشارات الموجزة التي وردت في المصادر المحدودة ، يمكن التعرف على النمط الذي نمت عليه المدينة المنورة خلال القرون الماضية وحتى الوقت الحاضر وكذلك التأثير الذي تركه هذا النمو على التكوين الحالي للمدينة ويتضح ذلك من المراحل الزمنية التالية :

1)  مرحلة تبدأ من أوائل القرن السابع حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي : ففي بدايتها نشأت المدينة مرتبطة بالبيئة الصحراوية إقتصادياً وذلك لفقر ظهيرها المباشر ، فنواتها القديمة "يثرب" مارست وظيفة المحطة التجارية لخدمة طريق القوافل القديم ، وبعد فترة من الزمن ساهم في مزاولة هذه الوظيفة عدة نوايات أخرى تخص القبائل اليهودية والعربية قبل الإسلام .

       وبعد هجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة واستقراره فيها عام 622م أخذ شكلها العام يتميز بتجمع النوايات وتركزها حول المسجد النبوي الذي أصبح قلب المدينة العمراني وحوله أخذت تنمو المساكن والأسواق، إلى جانب أن المسجد أصبح مقراً للدين والحكم، الذي كان قبل الإسلام قاصراً عليها حيث تقوم "دولة المدينة"، إلا أنه بعد انتصار الدعوة الإسلامية وانتشارها تحولت عاصمة لدولة مترامية الأطراف من مصر حتى بلاد فارس، وعامرة بالأموال والتجارة ولا ينافسها في ذلك سوى مكة من مدن بلاد العرب والعمران في هذه الفترة أخذ ينمو بالاتجاه نحو الجنوب الشرقي حيث وفرة المياه وعذوبتها إلى جانب خصوبة الأرض، مما أدى إلى اندماج مواضعها السكنية المتعددة والقضاء على العزلة الداخلية، واستمرت بعد ذلك على الرغم من انتقال الوظيفة السياسية (العاصمة) عنها بممارسة وظيفتها التجارية كمحطة وسوق على طريق التجارة بين الشام واليمن، ومدينة دينية تحظى بالرعاية والاهتمام من قبل حكام الدول الإسلامية التي تعاقبت على حكم المنطقة .

       وفي هذه الفترة لا نجد ما يشير إلى تغيرات هامة في وظائفها وتركيبها طوال العصور الوسطى، ما عدا ما أصابها من التدهور في فترات الاضطراب والحروب التي أنهكت الدولة العباسية، وضعفها الاقتصادي وانحسار دورها التجاري العالمي مع انهيار طريقالتجارة القديم البري بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح وتحول طريق التجارة إلى المحيط الأطلسي بدلاً من البحر الأحمر .

2)  وفي الفترة الواقعة من منتصف القرن الثامن عشر وحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين الميلادي : ونتيجة لأهميتها الدينية في قلوب المسلمين نالت المدينة المنورة طوال هذه الفترة بعض الإصلاحات من قبل السلطات الحاكمة في ذلك الوقت ، الأمر الذي جعلها تنمو وتتسع ، وساعد على ذلك طبوغرافيتها المنبسطة إلى حدٍ ما فأخذ نموها يتجه شرقاً وغرباً وشمالاً ، الأمر الذي ضاعف حجمها أكثر من ثلاث مرات عما كانت عليه وقد تحدد نمو المدينة حول المسجد بالسور الذي جدد مرات عديدة كان أهمها التجديد العثماني .

       وقد بني السور حول المدينة المنورة لأول مرة من الطوب واللبن عام 76-877م، ثم هدم وجدد من قبل العباسيين ما بين 978-983م، وأضيفت له إضافات بسيطة عام 1162م، ولقد أعيد بناؤه للمرة الأخيرة في العهد العثماني خلال عشر سنوات (937-946هـ)، في عهد السلطان سليمان القانوني حيث شيد على أنقاض الأسوار القديمة .

       وكان الهدف من بناء السور حماية المدينة من الأعراب ومنع دخولهم مسلحين، وبقي السور يحيط بالمدينة حتى بدأت المراحل الأولى لإزالته عام 1366هـ 1948م، ولا بد من الإشارة أنه لم يكن للإنسان دور كبير في ذلك قدر ما كان للعوامل الطبيعية التي أثرت عليه إلى جانب إهمال صيانة السور الأمر الذي عجّل بتهدمه واختفاء آثاره في منتصف الثمانينيات الهجرية الستينيات الميلادية من هذا القرن. وكان للسور المحيط بالمدينة مجموعة من البوابات من أهمها :

 باب الجمعة - ويؤدي للبقيع .

 باب الشامي - الجرف سيد الشهداء .

 باب الحمام - للعوالي .

 باب القاسمية - المناخة .

*  الباب الصغير - للمناخة .
 باب المجيدي - بئر حاء .
 باب بصرى - للسحيمي .
 باب العنبرية - للقادمين من جدة وينبع .
 وهذه الأبواب مقر للجمارك ومحصلي الضرائب من التجار في ذلك الوقت .

وخلال العهد العثماني أخذت المدينة المنورة تنمو وتتطور داخل السور ومن أبرز التغيرات في هذه الفترة :

1)  توسعة المسجد النبوي الشريف 1844-1856م .

2)  مد سكة حديد الحجاز بين المدينة ودمشق 1908-1914م.

        وقد ترتب على هذه المشروعات أن ساهمت في زيادة عدد السكان من 20 ألف إلى85 ألف نسمة، وهذا بدوره أدى إلى زيادة المساحة التي تمثلت في زيادة طول السور (3000م).

       وتبدو المنطقة السكنية للمدينة في العصر العثماني، مندمجة وأقرب للاستدارة مستمرة على صورتها القديمة طوال العصور الوسطى حيث انكمشت إلى قرب حدودها القديمة قبل الهجرة في إطارها الطبوغرافي العام بين الوديان والحرات والجبيلات المتداخلة مع السكن، يحيطها السور الذي تتخلله البوابات وتتسمه القلعة، وتنقسم من الداخل إلى أحواش ضمن حارات ضيقة وأزقة متعرجة تكون مسدودة أو مفتوحة، وقد وصفت في أوائل القرن الرابع عشر الهجري 1303هـ الموافق 1885م بأن المنازل كانت مصطفة حيث تؤلف إطاراً لوحدة سكنية مغلقة، لا تعلو عن طابقين، مستمدة مادة بنائها من التربة والصخور المحلية ومسقوفة من جذوع النخيل، يتوزع داخلها الأسواق، وكان هناك 11 سوقاً في المناخة، أكبرها وأوسعها سوق : الحبابة ، والثمارة ، والسمانة ، والرواسة ، الفلتية ، الخضرية ، والدلالين ، والجزارة والعطارة والقماشة والخردية .

 ومن الوصف السابق يتضح لنا أن المدينة المنورة طوال الفترة التي امتدت حتى نهاية النصف الأول من هذا القرن كانت تنمو وتتغير في تركيبها الداخلي والوظيفي إلا أن معظم ذلك كان يقع داخل السور وفي أحيائها المتعددة وهي :

"الأغوات - باب المجيدي - الساحة - باب الشامي - التاجوري - زقاق الطيار - العنبرية - قباء- قربان - العوالي" .

وبعد إزالة السور أضيف إليها : "العنابس - الحرة الغربية - الحرة الشرقية - الجرف - النصر - سيد الشهداء - العيون - الدخل المحدود - المطار .

        ومعظم الأحياء القديمة التي تقع حول الحرم أزيلت خدمة لتوسعة المسجد النبوي وما يتبعها من خدمات .

       وفي هذه الفترة كانت منازل المدينة مبنية من الحجر الجيري ومكونة من دور واحد والبعض من دورين وقلة من المنازل تعلو لثلاثة أو أربعة أدوار، وتعلو واجهات هذه المنازل المشربيات الجميلة، وتتميز شوارعها بأنها ضيقة، وسكانها محدودو العدد حيث كانوا يتراوحون ما بين 35-85 ألف نسمة.

3)  أوضحت دراسة المرحلتين الأولى والثانية أن هناك بعض العوائق التي حالت دون انطلاق المدينة المنورة وتوسعتها في أي اتجاه ، وكان السور من أهم هذه العوائق ، فقد تحكم في نموها وتطورها المحدود طوال القرون الماضية .

       وكان للظروف العسكرية والأمنية أثر في وجوده والتمسك به، فقد أدى دوراً هاماً في صد هجمات البدو والغزاة المحليين، إلى جانب حماية المدينة من أي غزو خارجي، واستمر هذا الوضع حتى قيام المملكة عام 1932م حيث انتهى دوره عندما آلت السلطة في الحجاز للسعوديين، الذين وحدوا أقاليم الجزيرة العربية ونشروا فوقها الأمن والعدل، الأمر الذي ساعد على ظهور بعض التجمعات السكنية خارج السور، ويمكن اعتبار ذلك مؤشراً لنهاية السور الذي هدم في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين وانطلاقة جديدة لنمو المدينة .

       وخلاصة القول أنه كان من نتائج استتباب الأمن وإزالة السور المحيط بالمدينة وتوفير المياه ، بداية التطور والتوسع الذي أخذت تشهده المدينة المنورة في الفترة المعاصرة منذ الخمسينات وحتى وقتنا الحاضر .

المدينة المنورة المعاصرة :

           منذ قيام المملكة العربية السعودية ، أخذت تشهد مرحلة جديدة من النمو والتطور العمراني ويتمثل في التغيرات التالية :

1)  هدم أجزاء عديدة من السور والتي ساعدت على دخول السيارات إلى المدينة ، وخروج السكان للبحث عن مواضع جديدة لبناء مساكنهم خارج السور .

2)  شهدت الفترة 1950-1955 القيام بتوسعة المسجد النبوي "التوسعة العزيزية" وهي التوسعة الأولى في العهد السعودي والتي ترتب عليها حدوث تغيرات في تركيب المدينة المنورة الداخلي .

3)  ونتج عن هذه التوسعة للمسجد القيام بفتح شوارع جديدة وعريضة تربط المسجد بأجزاء المدينة الأخرى من أهمها شوارع "الملك عبد العزيز - باب السلام - أبو ذر - والسحيمي" .

4)  نقل الصناعات والحرف خارج المدينة ، وتوسعة مداخل الأحوشة القديمة .

5)  ترتب على كل هذه التوسعات والتغيرات في قلب المدينة ، أن إزداد تركز الوظيفة التجارية في وسط المدينة ، إلى جانب ظهور مراكز جديدة ثانوية موزعة على أحياء المدينة التي أصبحت تنقسم إلى قسمين هما :

 الأحياء الداخلية : وهي التي تؤلف ما يعرف بالمدينة القديمة ممثلة في باب المجيدي ، والأغوات ، والتاجوري ، والنخاولة وزقاق الطيار ، وباب الشامي ، والمناخة ، والعنبرية ، وقباء .

 الأحياء الخارجية : وهي التي برزت بعد هدم السور وقامت حول المنشآت الرئيسية وتتمثل في حي النصر ، وسلطانه والعنابس ، الحرة الشرقية ، الحرة الغربية ، الحزام ، سيد الشهداء ، الجرف ، الدخل المحدود ، الهجرة ، عروة .


6)  وفي عقد السبعينيات الميلادية استمر التوسع والنمو العمراني خاصة بعد تنفيذ مرحلة توسيع منطقة المسجد النبوي الثانية 1974-1978م ، والتي كان من نتائجها حدوث طفرة أخرى في النمو وتغيير تركيب المدينة المنورة العمراني (السكني والتجاري) . وهذا أدى إلى ظهور محاور جديدة للنمو العمراني في المدينة أخذ ينمو حولها العمران ممثلة في الطرق الرئيسية مثل شوارع قباء، سلطانة، سيد الشهداء، والهجرة - الجامعات، المطار. حيث أخذت المناطق السكنية تأخذ بالامتداد في جميع أنحاء المدينة، تاركة المدينة القديمة للمسجد النوبي وخدماته.

7)  وفي أوائل الثمانينيات الميلادية 1984 بدأ تنفيذ التوسعة السعودية الثانية (الفهديةللمسجد النبوي الشريف ، والتي من نتائجها :

 أصبحت مساحة المسجد النبوي 82 ألف متر مسطح ، ويتسع لحوالي نصف مليون مصلٍ عند استخدام سطح المسجد ، ويضم حوالي 10 منابر ترتفع كل واحدة 90 متراً وللمسجد 16 مخرجاً ومدخلاً .

 المدينة القديمة وبؤرة التجارة المركزية وأحياء السكن الداخلية الواقعة شمال وشرق وغرب وجنوب المسجد هدمت ولم يبق من معالم المدينة القديمة أثر ، حيث أضيفت أجزاء منها إلى المسجد والأجزاء الأخرى شكلت الساحات المحيطة بالمسجد .

         وفي هذه الفترة بدأت تظهر المنشآت والمباني للمؤسسات الحكومية، والخاصة، مثل مباني جامعتي الملك عبد العزيز - والجامعة الإسلامية، والعديد من المدارس والمعاهد، إلى جانب ظهور الشوارع العريضة، الدائري 1 ، 2 ، 3 وإقامة الكباري والأنفاق (المناخة - باب السلام) ، كما أزيلت المباني القديمة من مركز المدنية وأقيم مكانها عمائر جديدة يتراوح ارتفاعها ما بين 6-14 دور .

      سكان المدينة المنورة :

       في غيبة التعدادات السكانية والإحصاءات الحيوية يوجد كثير من الشك حول بيانات السكان للمدينة المنورة ، وهناك العديد من التقديرات التي وضعت من قبل الرحالة العرب والغربيين الذين زاروا المدينة المنورة ، إلا أنها لا تستند على أسس موضوعية وهيلذلك عرضة للتناقض والمبالغة ، ففي عام 1814 قدر "بوركهارت" عدد السكان بما يتراوح ما بين 15-20 ألف نسمة ، وأتى بعده "بيرتون" في عام 1853م الذي قدرهم ما بين 16-20 ألف نسمة ، وهذا يوضح أنه لم يحدث أي تغيير في سكان المدينة المنورة خلال الأربعين سنة ، ولكن تقديرات مطلع القرن العشرين توضح تزايد عدد سكان المدينة حيث قدرهم "فلبي" بنحو 80 ألف نسمة نتيجة مد خط سكة حديد الحجاز من دمشق إلى المدينة ، والتي كان من نتائجها تشجيع الهجرة إلى المدينة من تركيا وأقطار العالم الإسلامي الأخرى ، إلا أن أعدادهم أخذت بالانخفاض مرة أخرى بعد الحرب العالمية الأولى

      وفي أوائل النصف الثاني من القرن العشرين قدرهم "لبسكي" عام 1959 بنحو 40 ألف نسمة ، وحين أجرى أول حصر سكان في المملكة عام 1963 ، بلغ عدد سكانها وفقاً لنتائجه حوالي 72 ألف نسمة ، وهذا يعني زيادة سكان المدينة بنسبة تصل إلى 80% خلال الفترة 1959-1962 ، وفي عام 1968 قدرتهم شركة سوغريا بنحو 90 ألف نسمة .

      ولعل أكثر الأرقام مدعاة للثقة تلك التي نتجت عن عملية المسح الاجتماعي والاقتصادي لمشروع تخطيط المنطقة الغربية من المملكة، وقامت به مصلحة الإحصاءات العامة بالاشتراك مع شركة دوكسبادس عام 1971 حيث تم اختيار عينة تمثل 5% من السكان وجمعت عنهم بيانات شبه منفصلة، وبلغ عدد سكان المدينة نتيجة لذلك المسح 137 ألف نسمة، وهذا يوضح لنا أن عدد سكان المدينة المنورة قد تضاعف خلال الفترة (1962-1971) أي بزيادة سنوية، بلغت حوالي 105% إلا أن التعداد الأول للمملكة والذي أجري عام 1974 بلغ أكثر من 198 ألف نسمة. بمعدل سنوي قدره 14.9% وقدر عددهم عام 1978 على أساس معدل نمو 14.2 بحوالي 311284 نسمة ، وقفز هذا الرقم حيث سجل عام 1987 حوالي 500 ألف نسمة ، وعلى أساس معدل النمو السابق يقدر عددهم عام 1992 بحوالي 604845 نسمة وهو ما يعادل أقل من 5% من إجمالي سكان المملكة البالغ عددهم عام 1992 حوالي 14 مليون نسمة ، ومن المنتظر أن يصل عدد سكان المدينة المنورة في نهاية عام 1995 حوالي 668 ألف نسمة .

         ولا شك في أن الازدهار الاقتصادي الذي تشهده المملكة في الثلث الأخير من هذا القرن بتأثير الارتفاع المتزايد في عائدات البترول، قد أدى إلى جذب أعداد كبيرة من المهاجرين وبصفة خاصة إلى المدن، وربما يبدو من الغريب أن يحدث ذلك أثره الأوضح في القسم الغربي من المملكة رغم عدم تدفق البترول بها، فإذا كانت مدينة الرياض تنمو سكانياً بحكم وظيفتها كعاصمة للمملكة بمعدلات نمو سريعة، فربما تكون المدينة المنورة إحدى المدن السعودية التي تتسابق لتصبح أحد أكبر المدن السعودية .

        ويمكن أن نفسر ما سبق في ضوء أن القسم الغربي هو إقليم الثقل السكاني في المملكة وكان من الطبيعي أن يعكس حالة الازدهار الاقتصادي بدرجة أكبر من مدن القسم الشرقي التي لا يخرج عن كونها مدن تعدين بكل ملامح هذه المدن المتخصصة وظيفياً .أما مدن القسم الغربي فهي مدن خدمات ومدن متعددة الوظائف، ومن ثم يكون جذبها للسكان أقوى في حالة الازدهار الاقتصادي، ويضاف إلى ذلك أن مدن القسم الغربي هي مدن تتعدد فيها الجنسيات "كوزموبوليتانية" بالضرورة بتأثير الحج، وإذا كان بعض الحجاج قد ألفوا من قديم أن "يتخلفوا" في الأراضي المقدسة مفضلين البقاء بها على العودة لأوطانهم، فإن الازدهار الاقتصادي وفرص العمل أصبحت عنصراً من عناصر اجتذاب المهاجرين ويظهر ذلك من تعدد جنسيات سكان المدينة المنورة منذ الأزمنة القديمة وحتىوقتنا الحاضر .

         ويؤكد هذه الصورة أن نسبة أرباب الأسر الذين ولدوا في المدينة المنورة حوالي 36% من جملة أرباب الأسر بها كما أن أكثر من خمس (20%) السكان في المدينة المنورة من غير السعوديين مما يؤكد أثر الهجرة الخارجية في نمو السكان فعلى حين أسهمت الهجرة الداخلية بنسبة 55% من تكوين سكان المدينة المنورة، فقد أسهمت الهجرة الخارجية بنسبة 25% تقريباً في ذلك .

       ولا بد من الإشارة إلى أن تركز عناصر المهاجرين من جنسيات معينة في أحياء خاصة بهم أدلى إلى أن أصبحت هذه الأحياء تحمل تسميات ذات دلالة واضحة، حيث أصبحت بعض الأحياء تغلب عليها تسميات جنسية إضافة إلى تسمياتها الرسمية مثل حارات "المغاربة، الشناقطة، التكارنة، البخارية، النخاولة".

      ومن حيث التركيب النوعي ، يشكل الذكور حوالي 54% والإناث 46% ، وهذا يعكس أثر الهجرة المذكورة إلى حدٍ ما .

      أما فئات السن، فتتوفر عنها بيانات إجمالية تشمل النوعين معاً كما هو موضح في الجدول :

فئة العمر :            15            15-44       15-64         + 65

النسبة المئوية     49.21          36.92       46.89             3.9

      ويتضح من الجدول أن نسبة الإعالة كبيرة بدرجة واضحة حيث أن فئات السن العائلة (15-64) هي 46.89% تقريباً ، والمسئول عن ذلك هو اتساع قاعدة الأعمار الصغيرة من الأطفال والمراهقين (-15) والذين تصل نسبتهم إلى 49.21% من السكان وهذاراجع إلى كبر الأسرة وإقبال المهاجرين على جلب أسرهم حين تستقر أحوالهم وخاصة من الأقطار العربية والباكستان وأندونيسيا ، حيث لوحظ أن الهجرة للمدينة المنورة لمكانتها الدينية تكون للأسرة كلها وليست لرب الأسرة .

      ونسبة كبار السن (65+) تكون منخفضة وسجلت أقل من 4% من إجمالي السكان، ويفسر ذلك بانخفاض متوسطات الأعمار من ناحية وأن الإقبال على الهجرة لا يجتذب سوى الشبان من ناحية أخرى .

         النشاط الاقتصادي للسكان :

        يتمثل فيه تعدد الوظائف التي تمارسها المدينة المنورة ، وإن ظلت الخدمات والتجارة أكبر فئات النشاط الاقتصادي ، وتبلغ قوة العمل في المدينة المنورة حوالي 20% من جملة سكانها موزعين على الأنشطة الاقتصادية التالية :

الخدمات 46.50% .

الصناعة 2.81% .

التجارة 15.75% .

المرافق 2.65% .

البناء 7.90% .

النقل 6.67% .

أنشطة أخرى 17.72% .

         ويتضح من الأرقام مدى سيطرة الخدمات والتجارة كنشاط اقتصادي وهو أمر اشتهرت به المدينة من قديم العصور لأنها منذ نشأتها مارست الوظيفة التجارية وبعد الإسلام أضيفت لها الوظيفة الدينية كما أن كلاً من النقل والبناء ، حيث ترتبط الأولى بوظائف المطار وكون المدينة المطار الإقليمي الأول في المملكة ويستقبل آلاف الحجاج والمعتمرين والثانية يقف وراءها التغير العمراني الذي تشهده المدينة منذ البدء بالتوسعة الفهدية للمسجد النبوي . ويظهر ارتفاع نسبة الصناعة في المدينة أقل من 3% وهو أمر حديث بالنسبة للمدينة المنورة .

        وتبلغ الكثافة السكانية على مستوى المدينة المنورة عام 1992 ، والتي يبلغ عدد سكانها في هذا العام أكثر من 600 ألف نسمة وينتشرون على مساحة تقدر بـ 25 ألف هكتار ، حوالي 24 نسمة / هـ ، إلا أننا نجدها تتباين بين أحياء المدينة المختلفة فالمنطقة المركزية التي كانت تضم أحياء (الأغوات ، باب المجيدي - الساحة - زقاق الطيار - النخاولة - التاجوري - المناخة) قد أزيل معظمها في التوسعة الفهدية للمسجد النبوي وقد كانت تسجل أعلى الكثافات وتضم ما يزيد على 25% من سكان المدينة ، نجدها اليوم قد تخلخلت وتوزع معظم سكانها في الأحياء الجديدة حيث أخذت الكثافات في الارتفاع في هذه الأحياء وأصبحت تتراوح منا بين 10 نسمة/ هـ في الجرف ، 200 نسمة / هـ الحرة الغربية وبقية الأحياء تتراوح ما بين هاتي النهايتين .

استخدام الأراضي في المدينة المنورة :

        تتعدد الوظائف التي تمارسها المدينة المنورة وهذا ينعكس على أنماط استخدام الأراضي فيها وأهم تلك الاستخدامات .

1)  المناطق السكنية :

        هناك ثلاث درجات من المناطق السكنية يمكن تمييزها حسب مادة البناء والشكل الخارجي ، وتوفر الخدمات الرئيسية من ماء وكهرباء ، إلى جانب التفصيلات الداخلية للمساكن (اتساع الوحدات ، والهندسة الداخلية) علاوة على هندسة الطرق في الأحياء من سعة ورصف .

       وبصفة عامة فإن المباني القديمة تشكل أعلى نسبة وهي 60% من إجمالي مباني المدينة تليها المباني الجيدة وتمثل 25% أما المباني المتوسطة فتمثل 15% من إجمالي المباني .

       المساكن الممتازة توجد في محاور الطرق الحديثة (سلطانة - الجامعات - الهجرة - المطار) حيث توجد أكبر نسبة من الفيلات الحديثة مكونة مناطق تركز للمساكن تعتبر من أرقى أحياء المدينة المنورة .

       أما أقل الأحياء السكنية فهي ما زالت ماثلة في منطقة الحرة الغربية وآبار علي - وطريق تبوك القديم حيث البناء في هذه الأحياء عشوائي وأهم حارات المدينة من حيث وفرة الشقق السكنية هي (قباء - البحر - النصر - سيد الشهداء - الحزام).

2)  المناطق التجارية :

         تعتبر التجارة الوظيفة الرئيسية للمدينة المنورة ، حيث تعتبر النشاط الاقتصادي الذي يجلب دخلاً للمدينة من خارجها ومن غير سكانها ، ويرتبط ذلك بالملايين القادمين على طول العام للمدينة حجاجاً وزواراً ومعتمرين ، ومن السمات الشخصية لجغرافية المدينة الاقتصادية أن أسواقها تعتبر معرضاً لجميع منتجات العالم ويدعم ذلك حرية التجارة وتزايد الطلب وارتفاع القدرة الشرائية .

        وكانت المنطقة التجارية المركزية أو القلب التجاري في نطاق يضم أسواق المدينة حول المسجد النبوي حتى عام 1395هـ/1975، نتيجة لتوسطه المسجد ومنطقة الخدمات حوله، تعرضت المنطقة التجارية إلى بعض التغيرات في مواقع الأسواق، بل بعد عام 1975 هدمت الأسواق القديمة معظمها - وظهرت مناطق تجارية جديدة في أنحاء المدينة من أهمها :

"أسواق قباء - أسواق أبي ذر - أسواق سلطانة - أسواق المطار - أسواق السيح - أسواق العوالي" .

         ونلاحظ أن المناطق التجارية المذكورة تختلط مع الاستخدامات السكنية حيث تصبح الواجهات والأدوار السفلى قاعدة مشغولة باستخدامات تجارية وإذا كان بعض هذه الشوارع التجارية يخدم الأحياء فإن بعضها يمتاز بالتخصص، فعلى طول طريق المطار توجد معظم وكالات السيارات ومعارض ودكاكين قطع الغيار، بينما في طريق سلطانة تنتشر دكاكين الديكور والمطابخ والستائر إلى جانب مجمعات الأسواق التجارية لخدمة السكان .

3)  النقل والمواصلات :

       ارتبطت المدينة المنورة بوظيفة النقل واستقبال القادمين للحج والتجارة منذ العصور القديمة لموقعها الجغرافي الاستراتيجي ، وما زالت تمارس هذه الوظيفة في عصرنا الحاضر حيث نجد استخدامات النقل تشغل مساحة وظيفية في المدينة تقدر بحوالي 2% من مساحتها الإجمالية ، ويمكن تقسيم مناطق استخدامات النقل إلى :

أ)  مطار المدينة المنورة الجوي :

        يقع إلى الجنوب الشرقي من الكتلة السكنية للمدينة حيث يبعد عن المسجد النبوي حوالي 35 كم ، وقد تطور من مجرد مكان ممهد به عدة ممرات لهبوط الطائرات الصغيرة في منتصف الخمسينيات الميلادية ، ثم أدخلت عليه مشاريع توسعات وتحسينات كثيرة حتى أصبح يستقبل الطائرات النفاثة الضخمة ، ويعتبر المطار الإقليمي الأول في المملكة ، حيث يستقبل سنوياً ما يزيد على 12 ألف رحلة بمتوسط قدره 34 رحلة يومياً ، وينتج عن ذلك وصول ومغادرة حوالي 1.5 مليون ونصف راكب، ويرتبط مطار المدينة بمعظمالمطارات السعودية مباشرة، وببعض مطارات العالم الإسلامي (القاهرة - دمشق - استانبول) ويرتبط بطريق غير مباشر مع مطارات العالم الخارجي الأخرى عن طريق جدة، الرياض، الظهران .

ب)  النقل البري :

        مارست المدينة هذه الوظيفة منذ القدم عندما كانت محطة خدمة في طريق القوافل القديم ، وزادت أهميتها عندما ربطت بسكة حديد الحجاز عام 1908-1917 ، وفي العقد الثالث من القرن الرابع عشر الهجري استخدمت السيارات في المدينة وتم التوسع في ذلك 1927م ، وأول الطرق المعدة التي عرفتها المدينة كان في الفترة 50-1955م تمثلت في الطريق الذي ربط المدينة - جدة (425) كم والمدينة - المطار 35 كم .



      وقد تطورت طرق المواصلات التي تربط أجزاء المدينة الداخلية حتى بلغت أطوالها ما يزيد على 500كم عام 1992، وترتبط بالمدن والقرى المحيطة بها بـ 1500 كم .

       ويخدم النقل البري مواقف للسيارات منها موقف سيارات الركاب إلى مكة - جدة والرياض تحت سفح جبل سلع، وإلى جواره موقف سيارات النقل العام .

4)  الخدمات :

        خدمات الحج : من أبرز الخدمات التي تقدمها المدينة المنورة خدمة الحجاج والزائرين والمعتمرين ، ومن أجل ذلك خصص موقع في شمال المدينة شارع الجامعات ليكون مقراً لمدينة حجاج البر وفرت فيه جميع وسائل الراحة التي يحتاجها من يرتاد هذا الموقع ، إضافة إلى ذلك أن معظم منازل المدينة تتحول إلى فنادق في موسم الحج حيث تؤجر بإيجارات مناسبة لدخول الحجاج المتباينة .

        الخدمات الأخرى: وهي تضم خدمات التعليم والصحة، فهناك نمو ملحوظ في هذه الخدمات، فمدارس المرحلة الأولى الابتدائية التي تنتشر في كل أنحاء المدينة، حيث يوجد حالياً 68 مدرسة للبنين، 56 للبنات، كما يوجد 22 مدرسة متوسطة للبنين، 20 مدرسة متوسطة للبنات، وثمان مدارس ثانوية لكل من البنين والبنات، وهناك خمس معاهد علمية للبنين والبنات، ويدعم الخدمات التعليمية في المدينة وجود ثلاث جامعات، الأولى الجامعة الإسلامية المخصصة كلياتها لطلاب العالم الإسلامي وهي بمثابة (أزهرالجزيرة العربية، إلى جانب ذلك وجود فرع جامعة الملك عبد العزيز المتمثل بكلية التربية التي بلغ عدد طلابها (بنين وبنات) أكثر من أربعة آلاف طالب وطالبة عام 1992م وكلية الدعوة والإعلام التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

        ويوجد في المدينة المنورة محطة للتلفزيون والإذاعة تبث برامجها الملتقطة من المحطة المركزية بالرياض إلى منطقة المدينة وما جاورها، وأما الخدمات الدينية فإنها منتشرة في كل جزء من المدينة، فإلى جانب المسجد النبوي، هناك ما يزيد على 370مسجداً لتقوم بهذه الوظيفة.

       وتوجد في المدينة تسعة مستشفيات إلى جانب 24 مستوصفاً تخدم الأحياء، وخمسة مراكز طبية، وثمانية مراكز إسعاف إلى جانب الإدارات الصحية التابعة للمصالح والمؤسسات .

5)  الحكم والإدارة :

       تضم المدينة المنورة عدة مؤسسات حكومية على مستوى الدولة مثل الديوان الملكي - ورئاسة مجلس الوزراء ، إلى جانب ذلك توجد مكاتب لمعظم الوزارات الرئيسية ، أضف إلى ذلك أنها تقوم بوظيفة العاصمة الإدارية لمنطقة تحمل اسمها ، وهي بذلك تشارك أربعة عشر منطقة إدارية بذلك : مثل الرياض ومكة .. الخ .

6)  استخدامات أخرى :

       وهي تضم مجموعة متنوعة منها المناطق الصناعية التي تشغل حوالي 0.5 في المائة والمناطق العسكرية، والمناطق الترفيهية، وتتمثل في الحدائق العامة التي تنتشر في معظم أنحاء المدينة ويبلغ عددها (44 حديقة) 1411هـ مكونة مساحة قدرها 1067246متر مربع .

        ويضاف إلى ذلك المدافن التي تشغل نحو 0.2 في المائة من مساحة المنطقة المبنية ، وتوجد في المدينة المنورة حالياً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا