التسميات

الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (1-2) ...

واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (1-2)


ياسر قطيشات - الحوار المتمدن-العدد: 3341 - 2011 / 4 / 19 :


تلعب الاعتبارات الجيوسياسية والجيواستراتيجية لأي إقليم دوراً كبيراً في تحديد ماهية العلاقات البينية لدول هذا الإقليم وأشكالها ، وآليات التفاعل التي تحكم هذه العلاقات وتحديد مساراتها واتجاهاتها وأهدافها ، فالعلاقات الدولية عادة هي انعكاس لمتطلبات واقع جغرافي وسياسي واقتصادي معين يفرض على أطراف هذه العلاقة طبيعة السلوك السياسي المتبع في علاقاتها مع الأطراف الأخرى سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي . 

لقد استطاعت منطقة الخليج العربي أن تقفز خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى قمة‌ الاهتمامات الدولية لعوامل عديدة‌ يمكن أن نعزوها بالأساس إلى ثقلها النفطي الجبار والى موقعها الاستراتيجي المتميز ، فضلا عن إيقاع الأحداث التي خطف بريقها أبصار العالم كله ، فمن الثورة الإسلامية في إيران إلى التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان ، إلى الإعلان عن مبدأ كارتر ، إلى الحرب العراقية ـ الإيرانية إلى حرب الخليج الثانية وأخيراً الحرب الأمريكية على العراق واحتلاله.
والمقصود بالأهمية الجيوسياسية و الجيوستراتيجية هنا ، تلك الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي للخليج العربي ولإقليم الخليج ، وقيمة هذا الموقع كأحد العناصر الرئيسية في التوازن الاستراتيجي الدولي ، وأبعاد توظيفه في نطاق الاستراتيجيات الكلية الشاملة للقوى الدولية الكبرى وصراعات القوى الإقليمية . 
وسيحاول الباحث التركيز على واقع الجغرافية السياسية في الخليج العربي والنظام الإقليمي للخليج العربي من خلال التعرف على المقومات والخصائص الجغرافية والسياسية والاقتصادية المميزة للمنطقة ، إضافة إلى إلقاء الضوء على النظام السياسي الإقليمي لمنطقة الخليج العربي .
وتأتي إشكالية البحث في مجال الجغرافيا السياسية من دراسة وتحليل العلاقات بين الخصائص المكانية الجغرافيا والعمليات السياسية وبالتالي فهم آليات التحول السياسي على المستوى الدولي ، خاصة وأن السنوات القليلة الماضية قد حملت عددا من التغيرات السياسية السريعة في منطقة الخليج العربي وظهور تحولات جديدة بعد الانقسامات الجغرافية التي شهدتها المنطقة في التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي ، لعل أخطرها احتلال العراق وتغير قواعد لعبة الجغرافيا السياسية في المنطقة .
رؤية نظرية في الجغرافيا السياسية 
سيتناول الباحث في هذا المبحث مفهوم الجغرافيا السياسية ، وعلاقاتها بالجيوبوليتيك وتطورها التاريخي وآلية تحول الجغرافيا السياسة المعاصرة الى جيوبوليتيك التوسع الاستعماري من خلال تشويه السياسة للجغرافيا ، وذلك على النحو التالي :


مفهوم الجغرافيا السياسية :

تعتبر الجغرافيا السياسية فرعاً رئيسي من فروع الجغرافيا البشرية ، وتهتم بدراسة الوحدات السياسية ومقومات وجودها وتطورها ، وتعتمد على عناصر البيئة الجغرافية في تفسير خصائص الوحدات السياسية من حيث قوتها أو ضغطها واستقرارها أو تفككها . كما تهتم الجغرافيا السياسية بدراسة النُظم السياسية Political Systems كما أنها تدرس التفاعل بين المنطقة الجغرافية والعملية السياسية وعلاقتها المكانية.
وتعالج الجغرافيا السياسية النمط السياسي للعالم وهو نمط معقد إلى حد كبير، بسبب التجزئة المتباينة لسطح الأرض إلى وحدات سياسية تتفاوت في الحجم المساحي والسكاني تفاوتاً كبيراً ، وتغير الأنماط السياسية في حدودها، ومقوماتها، ومشكلاتها الناجمة عن تفاعل الإنسان ببيئته مما ينعكس على أوضاعها الداخلية وعلاقتها الخارجية، وتهتم الجغرافيا السياسية في هذا المجال بمواكبة مظاهر التحول في رقعة الوحدات السياسية ، وسكانها، ومواردها، وعلاقتها بالدول الأخرى، لذا فهي تتصل بعلوم أخرى عديدة تتضافر كلها لتحليل القوة الجغرافية طبيعياً وحضارياً واقتصادياً، وتحديد علاقتها المتشعبة في المكان والزمان، ومن أهم هذه العلوم التاريخ ، علم السياسة والعلاقات الدولية ، عوامل الطبيعة الجغرافية (مساحة وحدود ومناخ وأقاليم مناخية ... الخ) .
وتستمد الجغرافيا السياسية اسمها من الجغرافيا وصفتها من السياسة، ومن ثم فهي على صلة وثيقة بالعلوم السياسية. وتهتم الجغرافيا السياسية بدراسة التفاعل بين الظاهرة السياسية وبين العوامل الجغرافية في مكان ما، أي أن الجغرافيا السياسية تمثل همزة الوصل بين الجغرافيا من ناحية والعلوم السياسية من ناحية أخرى. 
مما سبق يتبين صعوبة إيجاد تعريف محدد للجغرافيا السياسية ، وذلك لارتباطها بعدة علوم مختلفة ، فهي من وجهة نظر التاريخ "التفسير الجغرافي للتاريخ" ، ومن وجهة نظر العلاقات الدولية "هي المنهاج الجغرافي لدراسة العلاقات السياسية الدولية" ، ومن وجهة نظر علم السياسة " هي دراسة أثر العامل السياسي على النواحي الجغرافية والعكس صحيح" ، فضلا عن ذلك فقد اختلف أهل الاختصاص ومفكري هذه النظريات في الوصول الى تعريف محدد ، فمثلا يعرفها "بومان" بأنها الوجه السياسي للجغرافيا الذي يحدد العوامل الجغرافية المؤثرة في السلوك السياسي للإنسان" ، ويعرفها "برسي" بأنها " دراسة وصف وتحليل الوحدات السياسية" ، بينما يراها "مودي" أنها "عبارة عن تحليل العلاقات المتبادلة بين البيئة والدولة من الوجهة السياسية".
ومهما يكن من أمر ، ومن باب تحديد تعريف إجرائي محدد للباحث ، يمكن اختيار التعريف التالي الشامل :
" الجغرافيا السياسية تهتم بدراسة التوزيع الجغرافي للعملة أو الظاهرة السياسية ومدى التشابة والاختلاف فيها من مكان لآخر على الأرض وعوامل ذلك وتحليل التأثير المتبادل بينها وبين الخصائص الجغرافية المتنوعة للمكان" .

الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك :

يتداخل مفهوم الجيوبوليتيك مع مضمون علم الجغرافيا السياسية الذي يعنى بدراسة تأثير الجغرافيا (الخصائص الطبيعية والبشرية) في السياسة .
ولدى البعض فإن الجغرافيا السياسية تدرس الإمكانات الجغرافية المتاحة للدولة ، بينما الجيوبوليتيك تعنى بالبحث عن الاحتياجات التي تتطلبها هذه الدولة لتنمو حتى ولو كان وراء الحدود ، وبينما تشغل الجغرافيا السياسية نفسها بالواقع فإن الجيوبوليتيك تكرس أهدافها للمستقبل.
ويمكن تعريف الجيوبوليتيك بأنها "دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي ، وترسم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض " أو أنها " دراسة نظرية الدولة كعضو جغرافي أو ظاهرة في المكان" .
وتختلف الجغرافيا السياسية عن الجيوبوليتيك على الرغم من أن كل منها علم يدرس الوحدة السياسية في ضوء البيئة ، فالأولى تأخذ بعين الاعتبار الوحدة السياسية وتعنى بتحليل بيئتها الطبيعية والاقتصادية والبشرية تحليلاً موضوعياً لتستكشف أثر ذلك على الأحداث السياسية والسلوك السياسي للدولة ، أما الثانية فتقوم بنفس الدراسة ولكن من وجهة النظر الخاصة للدولة ومطالبها في مجال السياسة الخارجية ، أي انه نوع من الدراسة متأثرة بالنزعة الوطنية.
وتؤمن الجيوبوليتيك بالحتم الجغرافي أي أن العوامل الجغرافية تحدد السلوك السياسي للدولة ، وعلى العكس من ذلك ترى الجغرافيا السياسية ان العوامل الجغرافية تؤثر فقط في السلوك السياسي للدولة ولا تحدده ، ويمكن القول بأن الجيوبوليتيك في المنطقة الوسطى بين علم السياسة من ناحية والجغرافيا السياسية من جهة أخرى . 

الجذور التاريخية للجغرافيا السياسية :

تنتسب الجذور الأولى لدراسة الجغرافيا السياسية لأرسطو (383-322 ق.م) الذي كان أول من تحدث عن قوة الدولة المستمدة من توازن ثرواتها مع عدد ساكنيها. وترك أرسطو أفكاراً بالغة الأهمية عن وظائف الدولة ومشكلات الحدود السياسية .
وظلت أفكار ربط الممارسات السياسية بالخصائص الجغرافية تتطور بإسهامات فلسفية متعاقبة ، واكتسبت هذه الأفكار دفعة قوية بما كتبه عبد الرحمن بن خلدون (1342-1405م) التي ظهرت في مقدمته الشهيرة .
وفضل ابن خلدون يتمثل في تشبيهه الدولة بالإنسان الذي يمر بخمس مراحل حياتية هي الميلاد والصبا والنضج والشيخوخة والموت.
وهذه الدورة الحياتية للدول وارتباطها بمقدرات الدولة أرضاً وسكاناً وموارد.. كانت أبرز ما نقله المفكرون الغربيون فيما بعد حينما تمت بلورة الصياغة العلمية لقيام وسقوط الحضارات.
ومع العقود الأولى للقرن 18 شهدت فرنسا ظهور أفكار جغرافية سياسية رصينة صاغها مونتسكيو (1689-1755) جنباً إلى جنب مع ما قدمه من أفكار اجتماعية وفلسفية وقانونية ، بيد أن اعتقاد مونتسكيو الشديد في الحتمية البيئية نحا به لأن يربط مجمل السلوك السياسي للدولة بالعوامل الطبيعية وعلى رأسها تحكم المناخ والطبوغرافيا مع التقليل من مكانة العوامل السكانية والاقتصادية.
وظل تقييم دور العوامل المكانية (الجغرافية) في تاريخ ومستقبل الدولة السياسي بدون صياغة متكاملة حتى ظهرت في المجتمع الألماني أفكار فردريك راتزل (1844-1904) والذي يرجع إليه الفضل في كتابة أول مؤلف يحمل عنوان "الجغرافيا السياسية" في عام 1897م.
أمن راتزل بأفكار داروين في التطور البيولوجي التي كانت سائدة في نهاية القرن التاسع عشر، وصبغ راتزل صياغته لتحليل قوة الدولة بالأفكار الداروينية التي طبقها الفيلسوف الإنجليزي سبنسر في العلوم الاجتماعية تحت اسم "الداروينية الاجتماعية".
وأكد راتزل على أن الدولة لا تثبت حدودها السياسية. وكانت الدولة لديه أشبه بإنسان ينمو فتضيق عليه ملابسه عاما بعد عام فيضطر إلى توسيعها، وكذلك ستضطر الدولة إلى زحزحة حدودها السياسية كلما زاد عدد سكانها وتعاظمت مطامحها.
وعلى الجانب الآخر من القارة الأوروبية نجد في هذه الحقبة الجغرافيين اليوغسلاف يطوعون الجغرافيا السياسية لتحقيق أهداف قومية، فلم يتورعوا معها أن يعبثوا بالخرائط السياسية لتحقيق مآربهم.
وكان المثال الأبرز هو الجغرافي اليوغسلافي الشهير يفيجييتش الذي "زيّف" في خرائط الحدود الإثنية للقومية المقدونية - مستغلا شهرته الدولية والثقة الممنوحة له في مؤتمر الصلح في باريس 1919- ليخدم أغراضاً مفادها "سحب" أراض مقدونية وضمها إلى الصرب، وكانت المحصلة إذكاء الروح القومية للصرب وطموحهم للتوسع.
من الجغرافيا السياسية إلى الجيوبوليتيك :
في الوقت الذي كان فيه راتزل وسبنسر يتحدثان عن الجغرافيا السياسية كان بعض الجغرافيين الألمان يتحدثون عن علم السياسات الأرضية أو ما اصطلح على تسميته الجيوبوليتيك.
وقد بدا أنه إذا كانت الجغرافيا السياسية تنظر إلى الدولة كوحدة إستاتيكية فإن الجيوبوليتيك تعدها كائناً عضويا في حركة متطورة.
في هذه الأثناء كانت ألمانيا تعيش بعد الهزيمة التي منيت بها في الحرب العالمية الأولى ، في انتكاسة قومية بسبب ما اقتطع منها من أراض كإجراءات عقابية لها من قبل المنتصرين، وتقسيم مستعمراتها بين إنجلترا وفرنسا ، كما فرض عليها حصار عسكري ومالي.
وفيما بين الحربين كرَّس الجغرافيون والسياسيون الألمان جهودهم للخروج بوطنهم من محنته، وخرجت لأول مرة دورية علمية تحمل عنوان "المجلة الجيوبوليتيكية" وضمت هجيناً من الفكر الجغرافي والتاريخي والسياسي والقومي والاستعماري.
وقد صيغ هذا الفكر في قوالب علمية رفعت شعار: "لا بد أن يفكر رجل الشارع جغرافياً وأن يفكر الساسة جيوبوليتيكياً".
وقد جاء هذا الشعار ليبرر الكم الهائل من المعلومات الجغرافية "المغلوطة" التي قدمت للشعب الألماني عن دول شرق أوربا والاتحاد السوفيتي.
كما تم توظيف نتائج بحث الجغرافيا التاريخية والآثار لتقديم معلومات عن أحقية ألمانيا في أراض وبلدان تبعد عنها مئات الأميال شرق أوربا. وبالرغم مما قد نظنه من مهام علمية بريئة للجمعيات الجغرافية فإن دورها في خدمة التوسع الألماني كان جلياً واضحاً.
وتحت رعاية الجمعية الجغرافية الألمانية أنشئت في ميونخ عام 1924 المدرسة الجيوبوليتيكية التي رأسها الجغرافي السياسي كارل هوسهوفر.
وبجهود هذه المدرسة وبالأعداد المتواترة للدورية الجيوبوليتيكية جهّـز الجغرافيون والسياسيون الفكر الألماني بعضوية الدولة وضرورة زحزحة حدودها لتشمل أراضي تتناسب مع متطلباتها الجغرافية وتحقق ضم الأراضي التي يقطنها الجنس الآري.
وقد جاء ذلك في ظل تنامي أفكار القومية الشيفونية الممزوجة بأغراض التوسع العسكري للحزب النازي.
وقد تلقف هتلر أفكار هوسهوفر وزملائه ، كما استعان بأفكار الجغرافي الإنجليزي الشهير ماكندر (الذي كانت مقالاته تترجم إلى الدورية الجيوبوليتيكية)، خاصة تلك الأفكار التي صاغ من خلالها نظريته عن "قلب الأرض"، والتي تقول فحواها : إن من يسيطر على شرق أوربا يسيطر على العالم ، وتنبأ فيها بانتقال السيطرة على العالم من القوى البحرية (إنجلترا وفرنسا) إلى القوى البرية (ألمانيا والاتحاد السوفيتي).
وجاءت أفكار هتلر بدءاً من كتاب "حياتي"، ومرورا بخطبه الحماسية، لتكرس مفهوم المجال الحيوي لألمانيا Lebensraum، أي مساحتها الجغرافية اللائقة بها وبالجنس الآري، ولتمثل أبرز مقومات القومية الاشتراكية (النازية) التي تبناها.
وهكذا زاد التداخل في المفاهيم وصار الفصل صعباً بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك والإمبريالية.
وصعِدت الجيوبوليتيك إلى مصاف العلوم الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية، حتى كتبت هزيمة ألمانيا نهاية لهذه المكانة.
وصار مفهوم الجيوبوليتيك بعد الحرب العالمية الثانية قرين التوظيف السيئ للجغرافيا السياسية، وهو ما أضر بتطوير الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية معاً.
ووصل الأمر في بعض الدول إلى منع تدريس الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك في جامعاتها، باعتبارهما علمين مشبوهين يسعيان إلى بذر العداء ويكرسان الأطماع القومية .

من الجيوبوليتيك إلى جغرافية التوسع الإمبريالي :

دون حاجة لتنظير أكاديمي ومصطلحات ضخمة كانت إمبراطورية روسيا القيصرية ومنذ منتصف القرن السادس عشر تطبق فكرة الدولة العضوية Organic State حتى قبل أن تصاغ في قوالب نظرية.
وأرست روسيا المنهج الذي قامت عليه الأطماع الاستعمارية فيما بعد باعتمادها على الدور المحوري لجمع المعلومات الجغرافية عن الشعوب المجاورة وتدعيم رحلات علمية "بريئة" تقدم أبحاثاً في ميادين شتى لخدمة التوسع فيما بعد، وكان ذلك يجري على قدم وساق حتى أفول شمس الإمبراطورية القيصرية في 1917.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي واحداً من تلك الدول التي منعت تدريس الجيوبوليتيك في جامعاتها ، استناداً إلى أن الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية في ألمانيا جلبَا الكوارث على القارة الأوربية والعالم بأسره.
ولم تظهر كتب في هذين العلمين ذات قيمة إلا في منتصف التسعينيات، هذا بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي نفسه كان أكثر النماذج وضوحاً في التطبيق الحرفي لمبادئ الطمع الجغرافي "السمعة السيئة للجيوبوليتيك" لدرجة أن من أكثر النكات شيوعاً في أوروبا في الستينيات كانت تلك التي يسأل فيها مدرس تلميذه سؤالا جغرافياً مباشراً : "من هم جيران الاتحاد السوفيتي ؟" وبدلاً من أن يعدد الطالب أسماء الدول المجاورة تأتي إجابته : "جيران الاتحاد السوفيتي هم مَن يرغب هذا الاتحاد في أن يصبحوا جيراناً له" ، في دلالة تهكمية على أن هذه الحدود متغيرة، وتعتمد على مستوى التوسع والضم الذي تمليه الأطماع الجغرافية السوفيتية.
وبتفكك الاتحاد السوفيتي مع نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وبتغير القدرات العسكرية النسبية له انكمشت الحدود، وصارت تطال الحدود الأصلية لروسيا ما قبل السوفيتية وقد دعا هذا أحد المفكرين السياسيين صبيحة تفكك الاتحاد السوفيتي إلى أن يعبر درامياً عن هذا بقوله : "يبدو أنه لا مفر من أن نتجرع الكأس حتى الثمالة؛ بالأمس انهدم البيت السوفيتي، واليوم تتهدم روسيا. وما الشيشان إلا مشهد في فصول تهدم البيت ، أما بقية المشاهد فستتوالى بخروج مناطق الحكم الذاتي ، تعقبها الأقاليم ، ثم تتعاقب المشاهد والفصول عبر انفصال وحدات أصغر فأصغر".
وعلى الجانب الآخر كان قد ظهر على المسرح الجغرافي -مع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية- مفهوم جديد الجيوبوليتيك وهو "الحدود الشفافة"، التي يقصد بها الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة. أو ما يسميه تايلور -أشهر باحثي الجغرافيا السياسية في العقدين الأخيرين- بـ"جغرافية السيطرة من دون إمبراطورية".
والسيطرة من دون إمبراطورية هي أفضل تجسيد لتطوير الأفكار الجيوبوليتيكية، بعيداً عن الأطر التقليدية للنمو العضوي للدولة.
وهذا التطوير يسمح بأن يصبح العالم كله "المجال الحيوي" للولايات المتحدة، بعدما عاشت الأخيرة حتى الحرب العالمية الثانية في عزلة جغرافية ممتعة اختارتها لنفسها.
وأهم سمة في هذا المجال الحيوي هو "اللامواجهة" ، استناداً إلى مزايا الحرب الإلكترونية، وتوظيف الخصوم المتناحرين في إدارة الحرب بالإنابة، أو التدخل في لحظة محددة باعتباره تدخلاً إنسانيا لصالح العدل والحرية.
وفي نفس الوقت تدفع الولايات المتحدة في هذا المجال الحيوي -دون حاجة لتوسيع الحدود- بمبيعات أسلحتها وتحصل شركاتها على أفضل فرص "إعادة الأعمار" وحقوق التنقيب عن الثروات، ناهيك عن الانفراد بغسل الأدمغة بأفكار جديدة أعد لها سلفاً .
الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي 
يمكن للباحث التعرف على الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الخليج العربي من وجهة نظر الجغرافيا السياسية من ثلاثة أبعاد مكملة لبعض ، وهي البعد الجغرافي ، والبعد الاقتصادي وأخيراً البعد النفطي ، لذا سيقتصر على تناول أهمية الخليج جيوسياسياً من خلال تلك الأبعاد، وذلك بالشكل التالي :
الأهمية الجغرافية لمنطقة الخليج العربي :
ليس في العالم مثال أفضل من ذلك الذي يقدمه الخليج العربي من حيث تأثير العامل الجغرافي على المجتمع والاقتصاد والسياسة ، حيث يتمتع النظام الإقليمي الخليجي بأهمية دولية متزايدة سواء من الناحية السياسية أو الجغرافية أو التاريخية أو الاقتصادية أو العسكرية، وهو ما يؤثر في طبيعة العلاقات بين دول هذه المنطقة من جهة ، وفي ميزان السياسة الدولية من جهة أخرى .
و إذا ما بدأنا بعلم طبقات الأرض ( الجيولوجيا ) فإن الخليج العربي يقع في حوض ضحل يمسك بزمام ثلثي الاحتياطي النفطي المؤكد للعالم . ودون هذه الحقيقة فإن الخليج لا يقدم مصالح محددة لأي شعب آخر عدا شعبه الذي يستقر على شواطئه . فبسبب ثروته النفطية في عالم يعاني من نقص حاد في الطاقة ، أصبح منطقة ذات أهمية دولية متعاظمة . ولهذا أصبح فهم شعب الخليج بصورة واقعية يقتضي البدء بتصور الواقع الجغرافي لوطنهم أولا.
وترى معظم الدراسات الجيولوجية ، بأن الخليج قد تشّكل نتيجة للهزات الأرضية العنيفة التي حدثت في العصر الميوسيني ، وقد أدت هذه الهزات إلى تقعر منطقة الخليج التي تفصل بين هضبتين كبيرتين ، هما : الهضبة الإيرانية وهضبة شبه الجزيرة العربية . وتجدر الإشارة إلى أن مضيق هرمز قد تشكّل بفعل عوامل النحت والتعرية التي أدت إلى صنع هذه الفتحة الأرضية ، وبالتالي تدفق مياه المحيط الهندي إلى هذه الثنية المقعرة ، وتكوين ما يعرف حالياً بمياه الخليج العربي.
وهكذا أصبح الخليج بحراً شبه مغلق ، ويبلغ طول الساحل الغربي منه حوالي (1357) كيلو متر ابتداءً من جزيرة رأس مسندم العُمانية وحتى شط العرب في العراق ، كما يتراوح عرضه ما بين (180-280) كيلومتر ، وتقدر مساحة سطحه بنحو (250) كيلومتر مربع ، وتبلغ أعمق نقطة فيه (100) متر بالقرب من جزيرة هرمز ، ولذلك تتميز مياه الخليج بالضحالة ولا سيما عند السواحل الشمالية والشرقية منه ، والتي ينحسر عنها المياه سنوياً بفعل ترسبات الطمي التي ينقلها إليه نهري شط العرب ونهر قارون( ) . وهو ما أدى إلى بروز العديد من الجزر التي تكونت بفعل هذا الطمي ، مثل : جزيرة بوبيان وجزيرة البحرين وجزيرة فيلكه وغيرها.
وإلى جانب هذه الجزر ذات الأهمية الاقتصادية والعسكرية ، والتي يكون بمقدور من يسيطر عليها أن يتحكم في جميع الممرات البحرية المتجهة من المحيط الهندي إلى داخل الخليج ، يوجد مضيق هرمز الذي يعتبر بوابة الخليج الوحيدة نحو العالم ، ولذلك يعتبر من أهم الممرات المائية الدولية بسبب مرور أكثر من مائة سفينة محملة بالنفط تمر من خلاله يومياً. وتكفي الإشارة إلى أنه في عام 1973 كان ينقل عبر مضيق هرمز ما يعادل (18.5) مليون برميل يومياً من النفط ، تتجه منها حوالي (9) مليون إلى اليابان وأوروبا.
وقد ساعدت الطبيعة على جعل الخليج بحيرة صالحة لإيواء الأساطيل المحاربة ، فأعمق أجزاء الخليج لا تتجاوز مائة متر ، بل لأنه فيه مناطق واسعة لا يتجاوز عمقها أربعين متراً ، وتمتد هذه المناطق المحدودة العمق في كثير من أجزائه إلى ما يتجاوز المائة كيلو متر من الساحل العربي ، في حين أن الأعماق الكبيرة في الخليج ، بصفة عامة تحيط بساحل هضبة إيران من جانب ، ومضيق هرمز من جانب آخر ، هذه الخصائص تمثل سلاحاً ذا حدين : فهي من جانب تجعل من المستحيل على السفن ذات الحمولة الضخمة الاقتراب من الساحل العربي ، ولكنها من جانب آخر تجعل من الخليج في مجموعه بحيرة يستطيع من يتحكم في مداخلها أن يخلق منها منطقة صالحة لإيواء وحماية الأساطيل من منأى هجوم أو صدام بحري. 
ونظراً لامتداد الخليج على شكل خنجر إلى أقصى عمق متصور في منطقة جنوب غرب آسيا حتى نقطة يتقابل معها خط عرض 30 بخط الطول 50 ، فإن هذه المنطقة أصبحت أقرب بقعة من المحيط الهندي وتوابعه إلى سويط روسيا الأوربية ، وإلى أهم مواقع التجميع السكاني والصناعات الثقيلة في روسيا الآسيوية ، فالمسافة التي تفصل شط العرب عن جنوب بحر قزوين حيث آبار النفط المهمة في جنوب الاتحاد السوفيتي (السابق) لا تتجاوز خمسمائة ميل. 
علاوة على ذلك ، فإن خصوصية هذا الموقع جعلت الخليج بمثابة قلب الشرق جغرافياً ، فعن طريقه وعبر نهر الفرات ، يمكن الوصول إلى سوريا والبحر المتوسط ، أو إلى تركيا فالبحر الأسود عن طريق نهر دجلة ، أو إلى إيران وبحر الخزر ، ومنه إلى روسيا عن طريق المعابر الطبيعية بين الجبال والهضاب الجنوبية والوسطى ، أو إلى أفغانستان.
وفي نهاية التسعينات وبعد افتتاح " طريق الحرير " بالربط التاريخي بين شبكة خطوط السكك الحديدية الإيرانية – التركمنستانية ، أصبح الخليج منفذا بحرياً استراتيجياً لجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية ، فعن طريق هذا الخط بات بمقدور هذه الجمهوريات الوصول بسهولة إلى إيران ومنها إلى الخليج مباشرة ومن الخليج إلى العالم. 
لأن الخليج العربي يعتبر بحراً شبه مغلق ، فان من يتحكم في مداخله يستطيع التأثير على الاقتصاد الدولي ، ومن يسيطر على مياهه يستطيع أن يتحكم في خطوط الملاحة الدولية، باعتبار أن هذا الإقليم يتوسط القارات الثلاث في آسيا وأوروبا وإفريقيا ، وهو ما أدى إلى تنافس القوى الكبرى في السيطرة على مياهه واستعمار ضفتيه منذ بداية القرن الخامس عشر، ومع وجود أكبر نسبة من احتياطي النفط العالمي في أراضيه ازدادت أهميته الإستراتيجية ، فأصبح محط أطماع هذه القوى التي تسعى لفرض سيطرتها على إقليم الخليج العربي.
الأهمية الاقتصادية لمنطقة الخليج العربي :
ليس هناك ثمة شك في أن الأهمية الاقتصادية للخليج العربي ، وخاصة اكتشاف النفط، هي من أعطت كل هذه الأهمية الدولية والعالمية لمنطقة الخليج ، فهي إلى جانب كونها تتمتع بموقع استراتيجي وجيوسياسي حيوي وحساس بالنسبة للمنافذ المائية ، كما ذُكر آنفاً ، تتمتع كذلك بمقدرات اقتصادية ونفطية ومالية هائلة ، حيث تعتبر المنطقة الأولى في العالم التي تشكل محور الاقتصاد العالمي باعتبارها نواة الإنتاج النفطي العالمي ومصدر قوة الحياة الصناعية طيلة عقود القرن المنصرم وحتى اليوم .
والحياة الاقتصادية هي أساس الحياة الاجتماعية والسياسية إذ لا يمكن أن يقوم تقدم اجتماعي دون ازدهار اقتصادي .
ولا شك أن موارد الخليج العربي الاقتصادية قبل اكتشاف النفط فيها كانت محدودة و قد تحددت بطبيعة المناخ شبه الاستوائي الجاف و بمساحة الأرضي الزراعية أو تلك التي يمكن استصلاحها.
والواقع أنه حتى وقت ليس بالبعيد كانت النشاطات الاقتصادية في منطقة الخليج العربي جد متشابهة فهي إما تعتمد على الزراعة البسيطة‌ الأولية ( في الواحات و حول منابع المياه المحدودة ) أو على الرعي الذي ينتشر في الأرضي الداخلية من الإمارات كما يمكن الإشارة أيضا إلى أهمية الغوص للحصول على اللؤلؤ و إلى التجارة بحرا وبرا.
فعملية صيد اللؤلؤ و استخراجه من أقدم النشاطات الاقتصادية التي اشتهر بها الخليج العربي ، و كما يثير نفط الخليج العربي الآن أطماع بعض الدول ، آثار اللؤلؤ قديما أطماع أكثرا من دولة استعمارية فالاحتلال البرتغالي للبحرين مثلا كان نتيجة طبيعية لهذه الثروة الضخمة من اللؤلو، و كذلك بسبب اللؤلؤ وقفت بريطانيا ضد تدخلات بعض الحكام المحليين في المنطقة وأمام اندفاع بعض الدول كالدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر و ألمانيا القيصريةْ في مطلع القرن العشرين .
ولكن بعد اكتشاف النفط العربي في الخليج ازدهرت المنطقة بشكل تدريجي وتحولت من الاعتماد على الصناعات والحرف اليدوية ومردود مياه الخليج والزراعة إلى الاعتماد على الوقود النفطي كمصدر رئيس في الحياة الاقتصادية الخليجية ، بيد ان ذلك لم يحفّز دول المنطقة إلى الاهتمام المباشر بالحياة الصناعية المتقدمة أو في الاستفادة من فائض النفط النقدي لتطوير مناحي الحياة الاقتصادية في دولها إلا في فترات متأخرة ، فضلاً عن اختلاف نسبة ما تقدمه نواحي الصناعة والتجارة والزراعة من دخول جيدة لميزانية الدولة من بلدٍ لاخر تبعاً لإمكانياتها ومقدراتها في تلك النواحي. 
وتحتوي هذه المنطقة على أهمية اقتصادية شديدة التأثير والفعالية في السياسة الدولية الراهنة ، فالقوة الاقتصادية لا تكتسب أهميتها ووزنها الدولي من حجمها أو نوعها فحسب ، بل بزمانها أيضاً ، أي مدى أهميتها في اللحظة التاريخية المحددة .
فالاعتماد المتزايد على النفط يكشف قيمته الاستراتيجية في الصراع الدولي على الموارد ، فمنذ اتخذ قائد البحرية البريطانية ونستون تشرشل قراراه عام 1910 باعتماد النفط بديلاً عن الفحم كوقود للأسطول البريطاني ، ومنذ أن ظهرت حركات الديزل والطائرات عام 1930 ، وابتكرت أساليب جديدة للتشحيم والتزيين ، باتت السمة الطاغية لمرحلة ما بين الحربين هي الصراع على النفط، وكانت الحرب العالمية الثانية بحق هي "حرب زيت" فالجانب الذي يستطيع وقف تدفقات المنتجات البترولية عن العدو ، ويتمكن في الوقت ذاته من إمداد قواته وسفنه وطائراته به في الوقت المناسب والمكان المناسب هو الجانب الذي سيحرز في النهاية النصر في هذا الصراع العالمي. 
وليس هناك شك في أن عصرنا الراهن هو عصر النفط ، لقد كان النفط على مدى قرن كامل، بالنسبة لأكبر قوة عالمية وهي الولايات المتحدة الأمريكية صانع الرخاء وقت السلم وضامن النصر وقت الحرب ، فالولايات المتحدة كما يقول كارل سولبرغ : " قوة نفطية أساساً النفط هو الذي يغذي هذه القوة ، كما يغذي الدم جسم الإنسان ". 
ولا أحد يجادل في أن النفط قد مكن الولايات المتحدة من أن تصل إلى ذروة القوة في العالم ، وهو الذي جعل من القرن الماضي بأكمله قرناً أمريكياً ، كما أن لا أحد يجادل في أن الولايات المتحدة تسعى لجعل القرن الحالي قرناً أمريكياً ، ولكي يتم لها ذلك ، فإنه لا بد من السيطرة على النفط ، وبخاصة نفط دول النظام الإقليمي الخليجي ، وهو النفط الذي تزداد حاجة العالم والولايات المتحدة إليه. 
ولا يمكن فهم أهمية النفط دون النظر إليه باعتباره قوة مركبة ، فهو أولاً المصدر الأساسي والهم للطاقة في العالم ، لكنه علاوة على ذلك هو مصدر لعائدات نقدية ضخمة ولصناعات واسعة ، ومجال نشاط شركات عالمية عملاقة . 
فالعائدات النفطية هي أضخم العائدات الاقتصادية ، وتشكل القسط الأكبر من العملات والأوراق المالية والسيولة النقدية اليومية ، وتؤثر في ميزان المدفوعات لكل دول العالم . والصناعات النفطية أيضاً هي أضخم الصناعات حيث تنتج أكثر من 12 ألف سلعة ، وتوظف ما لا يقل عن 12 مليون فرد في قطاعاتها الاستكشافية والإنتاجية والتكريرية والتسويقية والتوزيعية الواسعة ، بل أن الصناعات النفطية هي من الضخامة الاتساع بحيث أنها الصناعة الوحيدة التي تعمل بحرية تحت كل الظروف السياسية والأنظمة الاجتماعية كافة . أما الشركات النفطية فهي شركات عملاقة وما زالت محافظة على نفوذها وقوتها ، بل أن هذه الشركات تزداد ضخامة يوماً بعد يوم ، وتأتى على قائمة الشركات الدولية التي تحولت الى قوة رئيسية وفاعلة على لساحة الدولية. 
الأهمية النفطية بالنسبة لدول الخليج :
يعتبر النفط أكبر مكون لناتج الدخل المحلي وأضخم مصدر لعائدات كل الدول الخليجية ، فلا عجب أن يكون له دور مهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل المنطقة منذ سنوات عديدة ، سواء من جانب صنع الاستقرار السياسي في هذه الدول وترسيخه أو من خلال صنع الخلافات البينية مع دول الجوار والصراع على النفوذ والهيمنة السياسية والاقتصادية . 
فمن الناحية الداخلية لكل دولة نجد أن حقول النفط تمتلكها هذه الدول ، وعائدات النفط تذهب بصورة مباشرة من شركات النفط العالمية إلى خزائن هذه الدول ، وبالنتيجة فإن الصناعة النفطية قد ركزت مبالغ هائلة من الثورة الاقتصادية والقوة السياسية في أيدي الحكومات . وقد لعب تركز مصادر الدخل المالي الفائض في أيدي الأسر الحاكمة دوراً مهماً في فرض شروط العقد الاجتماعي بينها وبين رعاياها من مواطني هذه الدول منذ أوائل السبعينات ، حيث يحصل المواطنون على منافع مادية جيدة مقابل ولائهم السياسي لهذه الأسر، أو على الأقل قبلوهم " المهادنة السياسية" معها ، فخلال عقدي السبعينات والثمانينات امتلكت دول الخليج المقدرة والإرادة معاً على منح مواطنيها التعليم المجاني أو شبه المجاني والرعايا الصحية ، والخدمات الإسكانية ، ودعم البضائع الاستهلاكية ، إضافة إلى الكثير من الخدمات الاجتماعية الأخرى. 
أما من ناحية العلاقات البينية بين دول الخليج ، فلا يمكن إنكار أن الأزمة التي قادت إلى احتلال العراق للكويت هي أزمة نفطية بالدرجة الأساسية ، وهي تفتح ملف النفط الخليجي في علاقات دوله مع بعضها البعض ، وأن الصراع على النفط هو صراع على النفوذ في الخليج ، وبدون التصرف الواعي في هذه الأمور الشائكة ، فإن القوى الأجنبية تستغل الأخطار لتتدفق جيوشها بسرعة إلى المنطقة تحت شعار " الحفاظ على المصالح الحيوية " للغرب. 
ومنذ أن بدأت الشركات النفطية التنقيب على النفط في اليابسة والبحر ، نشب الصراع بين الدول الخليجية على الحدود البرية والبحرية وتمكنت بعض الدول من الوصول إلى ترسيم الحدود فيما بينها أو تحويل بعض المناطق إلى مناطق محادية يتم استثمارها من قبل البلدين المتجاورين ، أو يتم التنازل من طرف لآخر كما حصل بين أبو ظبي والسعودية عام 1974، وكان من المفروض أن تحل مشاكل الصراع على النفط بين الدول الخليجية بروح التعاون والأخوة القومية بين البلدان العربية ، وبروح حسن الجوار بين العرب والإيرانيين ، ومن هنا فإن الصراع على النفط لم يكن غائباً عن أي من حروب الخليج ابتداءاً بالحرب العراقية – الإيرانية عام 1980 وانتهاءاً بالحرب الأمريكية على العراق عام 2003 .
ففي الحرب الأولى كانت آبار النفط في عربستان (الأحواز) مغرية بالنسبة للعراق وبهدف إجبار إيران على التسليم بشروط العراق ، واستمرت الحرب ثمان سنوات تم خلالها تدمير الكثير من الإمكانيات النفطية في البر والبحر لدى الطرفين. 
وفي حرب الخليج الثانية ، كان الإعلان عن لأزمة من قبل العراق يتركز على زيادة الإنتاج من قبل الإمارات والكويت لإغراق السوق النفطية وبالتالي تخفيض الإنتاج ، وكون الكويت كانت تقوم "بشفط" النفط العراقي من حقل الرميلة المشترك ، فقد لجأ العراق إلى القوة العسكرية لحسم الصراع ، وضم الكويت ، مما وضع المنطقة في اخطر موقف تاريخي تمثل في طلب الدول الخليجية الحماية من الولايات المتحدة وحلفائها. 
وفي الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق ، ظهر جلياً أن النفط كان المحرك الرئيسي والأبرز لهذه الحرب التي انتهت بتحقيق أهداف الولايات المتحدة في احتلال العراق الذي "يرقد" على احتياطي فلكي من هذا المورد الثمين وقوامه 112 مليار برميل من النفط الخام، وهو ما يوازي 12 في المائة من إجمالي الاحتياطي العالمي ويأتي في المرتبة الثانية مباشرة (إن لم يكن المرتبة الأولى في تقديرات محدثة) من الاحتياطات العالمية المؤكدة فوق ظهر الأرض.. حيث لا يسبقه سوى السعودية التي تقدر احتياطاتها بنحو 262 مليار برميل أو ما يوازي 25 في المائة من الاحتياطي العالمي، ومن مفارقات الأحداث ان العراق تحت طائلة الجزاءات - العقوبات التي كانت قد فرضتها قرارات مجلس الأمن على مدار عقد التسعينات، كان بمنأى عن أيادي الشركات الأجنبية - الاحتكارات الأميركية المتطلعة في شراهة الى استغلال مقدراته. 
وفي جميع هذه الحروب كانت السعودية تواقة لتلبية احتياجات الغرب من النفط وزيادة الإنتاج للتعويض عن كميات النفط العراقي وتمكنت السعودية من التعويض عن "75%" من النقص في الإمدادات النفطية في حرب الخليج الثانية عام 1991 وخفضت من الضغوط الرامية إلى رفع الأسعار وبرهنت أنها مركز الثقل في المنطقة وتعززت مكانتها تلك في أعقاب الأزمة. 
وخلال هذه الأزمة كان المسئولون الأمريكيون يرددون بأنهم لن يسمحوا "لصدام حسين" أن يستولي على 10 % أخرى من احتياطي النفط العالمي ، وأن سيطرته على 20 % ستجعله في موضع تساومي كبير مع الدول العربية ، وكان التخوف في بداية الأمر أن يعمد العراق إلى الاستيلاء على المنطقة الشرقية من السعودية مما سيضع 45% من احتياطي النفط العالمي تحت تصرفه.



واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (2-2) ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا