التسميات

الخميس، 12 سبتمبر 2013

الجغرافيا والبيئة - نضوب النفط والمياه ...

الجغرافيا والبيئة - نضوب النفط والمياه

الدكتور محمد محمود سليمان 
الجغرافيا والبيئة

منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب

وزارة الثقافة – دمشق 2009

مقدمة عامة


تعاني البيئة بمختلف مكوناتها الطبيعية والبشرية، من مشكلات بيئية كثيرة ومتفاقمة يعج بها عالم اليوم، وجلها مشكلات تستدعي تفكيراً عميقاً، ودراسة متأنية تساعد في وضع الحلول المناسبة لها، وتخفيف أعبائها ونتائجها السلبية، عن كاهل البشرية المصدومة بها هنا أو هناك، ناهيك عن الخوف من أن تتجاوز التأثيرات البشرية الحالية قدرة النظام البيئي في المحافظة على توازنه واستقراره، وقدرة كوكب الأرض على البقاء بوصفه كوكباً حيّاً يعيش عليه الإنسان وغيره من الكائنات الحية.
ولأن معظم هذه المشكلات البيئية ذات أبعاد جغرافية مكانية محددة، ولأنه منذ القدم كانت العلاقة بين الجغرافية والبيئة قوية ومتنامية، وعكست اهتمام الإنسان بالبيئة وعناصرها المختلفة، كما أنه في الفترة الأخيرة تعمقت الاتجاهات العلمية للجغرافيا كالاتجاه التطبيقي والاتجاه البيئي وغيره، وذلك كله يتم في إطار سعي الجغرافية للإسهام في تحديد المشكلات البيئية التي يعاني منها الإنسان والمجتمع، والقيام بدور مهم في حل هذه المشكلات.


واستجابة لهذه الرؤى والحاجات فقد حاولت الكثير من أقسام الجغرافية في الجامعات العربية، ومنها أقسام الجغرافية في الجامعات السورية، اللحاق بركب أقسام الجغرافية في جامعات العالم المتطورة، وعمدت إلى وضع خطط تدريسية جديدة أدرج فيها الكثير من المقررات ذات الصفة البيئية، ومنها مقررات: جغرافية البيئة، التلوث البيئي، التخطيط البيئي، حماية البيئة  وغير ذلك من المقررات، وذلك انطلاقاً من إيمان أعضاء الهيئة التعليمية في هذه الأقسام، وبدعمٍ من الجهات الرسمية المشرفة عليها بأن الجغرافية بوصفها علماً يمكنها ويجب أن يكون لها دور مهم في حل المشكلات البيئية والتعريف بأبعادها الجغرافية، وفي هذا الاتجاه كان تأليف هذا الكتاب لكي يسد فراغاً واضحاً في هذا المجال، وللتأكيد على الصلة القوية بين علمي الجغرافية والبيئة، وشرح الكثير من المفاهيم والمعطيات ذات الصبغة الجغرافية والبيئية المشتركة، وإظهار دور الجغرافية في حماية البيئة، وحماية الموارد الطبيعية، والاستغلال الرشيد والعقلاني لها، وبذلك فإن من أهداف هذا الكتاب:
1 - تحديد مفهوم البيئة، والنظام البيئي، والتوازن البيئي.
2 - معرفة العلاقة بين النظام البيئي والنظام الجغرافي، و بين الإنسان والبيئة وتوضيح هذه العلاقة.
3 - توضيح عناصر النظام البيئي، وبيان مكونات النظم البيئية الطبيعية والبشرية.
4 - دراسة أهم المشكلات البيئية وأكثرها شيوعاً، وخصوصاً تلوث الماء والهواء والتربة والتلوث الفيزيائي (البارامتري)، واستنزاف الموارد الطبيعية وعلاقة ذلك بالنمو السكاني وغير ذلك.
5 - توضيح وبيان العواقب والآثار الناتجة عن المشكلات البيئية ومخاطرها.
6- توضيح العلاقة بين علمي الجغرافية والبيئة، وإظهار دور الجغرافية وبعض العلوم الأخرى في حماية البيئة.
7 - توضيح أهم الإجراءات التي يمكن القيام بها لتحقيق الأمن البيئي وحماية البيئة، وصيانة عناصرها المختلفة، بما يؤدي بالنتيجة إلى تعزيز الوعي البيئي وزيادة الاهتمام بالبيئة ومكوناتها.

ويتضمن هذا الكتاب أحد عشر فصلاً متتالياً ومرتباً بشكل منسجم، بعيدا عن الاستطراد والحشو أو التعقيد غير الضروري.
جاء الفصل الأول بعنوان البيئة وعلم البيئة، وفيه توضيح لمفاهيم البيئة، وعلم البيئة، والنظام البيئي وعناصره، والنظام الجغرافي والعلاقة بينهما. وفي الفصل الثاني تحدثنا عن الدورات الطبيعية (البيوجيوكيميائية)، كدورة ثاني أكسيد الكربون، والأكسجين، والنتروجين، والفوسفور, والكبريت والدورة المائية، ثم عن السلسلة الغذائية ومكوناتها. أما الفصل الثالث فكان بعنوان البيئة والإنسان، وتم فيه توضيح العلاقة بين الإنسان والبيئة والتأثير المتبادل بينهما، والعلاقة بين النمو السكاني والموارد الطبيعية، وبين البيئة وصحة الإنسان، وتعريف البيئات الجغرافية البشرية والاجتماعية، بوصفها منظومات بيئية معينة، والتفاعل بين هذه المنظومات.
وقد جاء الفصلان الرابع والخامس جديدين ومميزين، فدرس الفصل الرابع العلاقة بين الجغرافية والبيئة، انطلاقاً من تعريف علم الجغرافية وتطوره، ثم الحديث عن المدارس البيئية الجغرافية، وأسبقية علم الجغرافيا بالاهتمام بالبيئة وعناصرها، والعلاقة بين علمي الجغرافيا والبيئة، وأسباب تراجع الاهتمام بالجغرافية مقابل تزايد الاهتمام بعلم البيئة.
بينما تصدى الفصل الخامس لتحليل دور الجغرافية في حماية البيئة ودراسته، مبتدئاً بتعريف الجغرافية البيئية والجيوإيكولوجيا، وتقديم بعض الآراء في مكانة الجغرافية، ودور الجغرافية في حماية البيئة بشكل عام، وفي حماية الموارد الطبيعية كالتربة، والغطاء النباتي، والهواء، والماء، والمناطق السياحية وغيرها، وفي السياق نفسه تمت الإشارة السريعة أحيانا إلى دور بعض العلوم ذات الصلة في حماية البيئة مثل العلوم الإنسانية، والدينية، والتاريخية، وغيرها.
ومن الفصل السادس وحتى الأخير تم الاهتمام بعرض المشكلات التي تعاني منها البيئة وعناصرها المختلفة في الجو والبر والبحر، وكيف تنعكس هذه المشكلات سلباً على الإنسان والمجتمع البشري، مع السعي دائما للبحث عن الحلول، واقتراح أهم الإجراءات التي يمكن إتباعها لحماية البيئة وعناصرها، والتخفيف ما أمكن من التأثيرات السلبية الواقعة عليها.

ففي الفصل السادس، تم التعريف بالغلاف الجغرافي والمجال الجغرافي وعلاقته بالأغلفة الجغرافية الأخرى، والتعريف بالغلاف الحيوي (البيوسفير)، ونشأته وتطوره، والكوارث التي تعرض لها وأسبابها المحتملة، والإشارة إلى أفكار مهمةٍ تحدث عنها بعض العلماء، تتعلق بأهمية الانتقال من الغلاف أو الوسط الحيوي إلى ما يسمى بالوسط العقلي أو غلاف التفكير، باعتباره شكلاً من أشكال حماية الغلاف الحيوي، مع خاتمة عن تأثيرات الإنسان في الغلاف الحيوي في سوريا والوطن العربي.
وفي الفصل السابع، جرى الحديث عن الغلاف الصخري والتربة والتعريف بهما، وبيان مكانة التربة وأهميتها في الأغلفة الجغرافية، باعتبارها أحد الموارد الطبيعية الهامة، وإظهار أهم المشكلات التي تعاني منها، وأسباب هذه المشكلات ومصادرها مع التركيز على مشكلة التصحر، والإجراءات التي يمكن إتباعها في سبيل حماية التربة والمحافظة عليها، ودور الجغرافية في ذلك.
وخصص الفصل الثامن، للحديث عن الغلاف الجوي (الاتموسفير)، تعريفه وأهميته، وتركيبه الغازي، وبنيته العمودية، وأهم مصادر تلوثه الطبيعية والبشرية (المصطنعة)، والآثار الناجمة عن هذا التلوث، وأهم الظاهرات الجوية ذات الصلة بتلوث الغلاف الجوي، ومنها غاز الأوزون، وعامل البيت الزجاجي، والضبخان، والأمطار الحمضية، وأخيرا أهم الإجراءات التي يمكن القيام بها لحماية الغلاف الجوي، ودور الجغرافية وبعض التجارب الجغرافية العالمية في هذا المجال.
وعالج الفصل التاسع موضوع الغلاف المائي (الهيدروسفير)، ليشمل معلومات مهمة عن مصادر المياه وتوزعها في الغلاف المائي، وأهمية المياه باعتبارها أحد أهم الموارد الطبيعية التي خلقها الله وجعل منها كل شيء حي، ثم بعض خصائص المياه، ومصادر تلوث المياه، وعواقب ومخاطر هذا التلوث، لينتهي الفصل بذكر بعض الأمثلة عن مشكلة المياه في الوطن العربي، وإجراءات حماية المياه، ودور الجغرافيا في ذلك.
في الفصل العاشر تم الحديث عما يسمى بالتلوث الفيزيائي (البارامتري)، بأشكاله المختلفة، الضوضائي والإشعاعي والكهرومغناطيسي والضوئي والحراري، وكذلك الداخلي، وبيان مصادر كل نوع من أنواع هذا التلوث، والمخاطر الناتجة عنه، وسبل مكافحته، وحماية البيئة والإنسان منه. 
وفي الفصل الحادي عشر والأخير جرى الحديث بشكل موجز عن الأمن البيئي العربي، والمخاطر التي تهدده في البر والبحر والجو، وتهدد الإنسان في صحته وحياته ومستقبله، وتم اقتراح مبادئ أولية لوضع برنامج محدد للأمن البيئي العربي.
وفي جميع موضوعات الكتاب تم الاستعانة بالأشكال والمخططات والجداول المناسبة، وذيل الكتاب بقائمة مهمة للمصطلحات العلمية المستخدمة في الكتاب، وكذلك قائمة بالمراجع والمصادر العربية والأجنبية، و فهرس الجداول والأشكال، وفهرس الموضوعات.
وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب مفيد للطلاب وللمختصين والمهتمين بالبيئة والجغرافيا، وكذلك العاملين في الهيئات والمؤسسات المهتمة بحماية البيئة والمحافظة عليها، ونأمل أن يشكل لبنة متواضعة في هذا المجال، وبالتأكيد فيه بعض النواقص والهنات العائدة لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، ونأمل تداركها وتصويبها في المستقبل بإذنه تعالى.

أ. د. محمد محمود  سليمان
جمادي الآخرة  1428 هـ  تموز (يوليو) 2007م







الفصل الأول
أسس ومفاهيم بيئية

- تعريف البيئة
- تعريف علم البيئة
- تطور علم البيئة
- النظام البيئي
- عناصر النظام البيئي
- الأرض والمناخ والمياه والنظام البيئي
- توازن النظام البيئي واختلاله
- تعريف النظام الجغرافي
- العلاقة بين النظام الجغرافي والنظام البيئي





1–1- تعريف البيئة (Environment):
البيئة هي وسط أو مجال أو حيز، يشمل مساحة معينة، قد تكون صغيرة أو كبيرة، بكل ما تحويه هذه المساحة من عناصر حية وعناصر جامدة موجودة في هذا الوسط تؤثر فيه وتتأثر به، وتتفاعل معه، وفي نفس الوقت ترتبط فيما بينها بعلاقات متبادلة، وجميع هذه العلاقات والتأثيرات المتبادلة تتم في نظام معين، وفي إطار عملية تبادل المادة والطاقة في النظام البيئي.
وقد عرف مؤتمر استكهولم عام 1972م، البيئة بأنها كل ما يحيط بالإنسان، وهذا يعني أن البيئة تضم البيئة الطبيعية وتشمل كل ما يحيط بالإنسان من ظاهرات خارجة عن إرادته وليس له دخل فيها، وتضم أيضا البيئة البشرية، وقد عرفها البعض بأنها: الإطار الذي يعيش فيه الإنسان، ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى، ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر([1]).
 أي أن البيئة تشمل الطبيعة التي تحيط بالإنسان، وتشمل الإنسان وتأثيراته المختلفة السلبية والإيجابية التي يحدثها في البيئة، وهي تختلف باختلاف دور الإنسان، وباختلاف البيئة التي ينتمي إليها ويعيش فيها.
والبيئة هي العائلة ودفؤها، وهي البيت يحوي ويحمي الحياة على طبيعتها وعفويتها، وهي المدرسة وتفاعلاتها وتأثيراتها، وهي المجتمع وتداخلاته وتعقيداته، هي الحياة المنسجمة المتجاوبة مع قوانين الطبيعة، البيئة هي نحن، أنت وأنا، هي وهو، وكل ما يحيط بنا والتفاعل المستمر بيننا وبين مكونات هذا المحيط([2]).
إن البيئة بصفة عامة تشمل الأحوال الفيزيائية والكيميائية والإحيائية للإقليم الذي يعيش فيه الكائن الحي، وتعد الكرة الأرضية كلها بمثابة البيئة لبني البشر ولكافة الكائنات الحية، وتتكون من الهواء والمياه والتربة([3]).
إن البيئة المكونة من العناصر السابقة في تفاعل دائم، وفي توازن يؤمن حماية الحياة والمحافظة عليها.
أما البيئة الجغرافية أو الوسط الجغرافي فهي الظروف الطبيعية التي تشكل شرطا ضروريا لحياة الإنسان ولوجود المجتمع البشري وتطوره، علما أن تأثير الطبيعة على الإنتاج الاجتماعي يتغير إلى حد كبير تبعا لمستوى تطور المجتمع وتغير أسلوب الإنتاج، ولا يمكن للبيئة الجغرافية أن تحدد تطور المجتمع، رغم أنها قد تساهم في تسريع هذا التطور أو عرقلته([4]).    
والبيئة في اللغة العربية مشتقة من الفعل باء -  بوأ، ويقال تبوأ المكان أي نزل فيه وأقام به (المعجم الوسيط) وقال تعالى مخاطباً قوم ثمود:
]وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ[   (الأعراف 74).
ويقول تعالى: )وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ[.   (الحشر 9)، أي الأنصار الذين سكنوا المدينة واستقروا فيها وثبتت قلوبهم على الإيمان.
والآيات القرآنية في هذا المعنى كثيرة منها:
(وبوأنا لإبراهيم مكان البيت)، وفي آية أخرى (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأ لقومكما بمصر بيوتا) وغير ذلك من الآيات.
وفي الحديث النبوي الشريف، من استطاع منكم الباءة فليتزوج. أي من استطاع تأمين مسكن فليتزوج، وجميع هذه المفاهيم تدل على أن البيئة تعني المكان وجميع العناصر الموجودة فيه، سواءً أكان مكاناً كبيراً أم صغيراً، في الماء أم اليابسة، في الريف أم المدينة أم غير ذلك.
1-2- تعريف علم البيئة (Ecology):
يسمى هذا العلم أحيانا بعلم التبيؤ أو الإيقولوجيا، وهي اتجاه علمي يضم ميادين عدة، ويدرس قوانين العلاقة بين العضويات (النباتات والحيوانات والإنسان) بعضها ببعض، وبينها وبين البيئة([5]). إن كلمة إيكولوجيا تعني علم البيت أو المسكن الذي يسكنه الإنسان، وهو مفهوم يدل على العلم الذي يهتم بدراسة العلاقات القائمة بين مكونات البيئة من كائنات حية مختلفة - بما في ذلك الحيوان والنبات والإنسان - وبين مكونات البيئة غير الحية من تربة وماء وغازات جوية وأشعة كونية وغيرها، ومعرفة ودراسة القوانين والمبادئ المتحكمة في هذه العلاقات وتوازنها وتفاعلها وغير ذلك. إن علم البيئة علم حديث النشأة، تلك النشأة التي أطلقها مؤلف مصطلح الإيكولوجيا، (Ecology) العالم البيولوجي الألماني المعروف ارنست هيجل (Ernest Haekgl) 1834 - 1919 م، وقد استخدم هيجل مصطلح   Okologie لأول مرة عام 1866 م، في كتابه تاريخ الخلق (The History Greation) ونشره عام 1876 م، وأصل الكلمة مشتق من كلمتين يونانيتين هما كلمتي Oikos تعني مسكن، مأوى، و Logos تعني علم، مبحث، نظرية الخ...
وقد وضع هيجل هذا المصطلح بدافع من تأثره المباشر بنظرية النشوء والتطور التي وضعها تشارلز داروين، وبكتابه  أصل الأنواع (The Origin Of Species)، الذي ألفه عام 1859م، ويمكن اعتبار هذا الكتاب الأساس العلمي الأول عن الإيكولوجيا.
ومن وجهة نظر هيجل فإن استخدام مصطلح الإيكولوجيا والتوجه إلى دراسته كان يعني بالنسبة إليه تأسيس بيولوجيا جديدة أو اتجاهاً جديداً في علم البيولوجيا. وتعريف الإيكولوجيا الذي وضعه هيجل هو: علم يدرس العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية وبينها وبين المكان الذي توجد فيه، إنه فيزيولوجيا العلاقات المتبادلة بين عناصر الوسط الطبيعي، سواء أكانت علاقات الصداقة والانسجام أم علاقات التعارض والاختلاف وربما العداء بين هذه أو تلك من مفردات البيئة بشكل مباشر أو غير مباشر.
 ومع تطور علم البيئة وزيادة الاهتمام به ظهرت مصطلحات ومفاهيم جديدة في هذا المجال مثل علم البيئة الذاتية، وعلم البيئة الاجتماعية، وعلم البيئة الجغرافية، والكونية والكيميائية والرياضية وغيرها. وتم تعريف علم البيئة بأنه العلم الذي يبحث ويدرس قوانين وسنن الأعمال والنشاطات التي تقوم بها الكائنات الحية أثناء حياتها في الوسط الطبيعي الموجودة فيه، والتغيرات التي يحدثها الإنسان في هذا الوسط. وتم أحيانا تصنيف الإيكولوجيا إلى إيكولوجيا الإنسان، وإيكولوجيا الحيوان، وإيكولوجيا النبات، وإيكولوجيا الكائنات الدقيقة وغير ذلك([6]).
1-3- تطور علم البيئة:
إن علم البيئة باعتباره علماً مستقلاً هو علم حديث الظهور بالرغم من أسسه القديمة، إذ إن دراسة البيئة والاهتمام بها مسألة ليست حديثة العهد، فقد حظيت البيئة وعناصرها المتنوعة باهتمام كبير من قبل الكثير من المفكرين والفلاسفة والعلماء لدى اليونان والرومان والعرب والروس والفرس والصينيين والهنود وغيرهم. ويمكن القول: إن العلاقة بين الإنسان والبيئة وأثر البيئة على التجمعات البشرية شغلت أذهان الجغرافيين على مر الزمن حيث تغيرت النظرة البحتة لهذه العلاقة على مدى القرون الثلاثة الأخيرة لتستقر في النهاية على مضمون التفاعل العضوي الإيكولوجي بين العنصرين([7]).
وكان لتأخر ظهور هذا العلم بوصفه علماً محدداً أسباب عديدة، ويوصف بأنه علم معقد، ويعد طريقة تفكير مجملة لمشاكل فيها عدد من المعطيات والمجاهيل غير قابل للقياس، ودراسته ليست تابعة لاختصاص محدد([8]).
وإذا كان علم البيئة قد بقي محصورا ضمن إطار عدد محدود من العلماء والمثقفين، وبخاصة في الأوساط الأكاديمية لمدة قرن من الزمان، وبعد ذلك أخذ بالانتشار والتوسع وزادت معرفة الإنسان بالمشكلات البيئية، سواء ما يتعلق منها بتلوث الهواء أو الماء أو التربة، والتلوث البارامتري (الفيزيائي)، والتلوث بالنفايات الصلبة والقمامة، والانفجار السكاني، والقضاء على الغطاء النباتي والحيواني، وغير ذلك من المشكلات البيئية والعواقب الناجمة عنها. وجميع هذه التأثيرات تؤدي إلى تدهور البيئة وتغيير معالمها الطبيعية وتخريب اللاندشافت (شكل سطح الأرض)، مما يجعل الغلاف الحيوي لكوكب الأرض الذي يشكل أفضل مكان لحياة الإنسان وتطوره في خطر، ويهدد مقومات توازنه والإخلال بهذا التوازن.
انطلاقا من هذا الواقع ومن هذه الأهمية فقد أخذ علم البيئة يحظى باهتمام كبير ومتنام في السنوات الأخيرة، وقد مر علم البيئة منذ نشوئه حتى الآن بعدة مراحل أساسية أهمها:
1 - المرحلة الأولى:
وهي مرحلة علم البيئة الذاتية أو الفردية (Autoecology):
وقد امتدت هذه المرحلة قرابة قرن من الزمن أي من ستينيات القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن العشرين، وفي هذه المرحلة تركز اهتمام علم البيئة بدراسة علاقة نوع ما من الكائنات الحية بالعوامل الحية وغير الحية الأخرى، ودراسة انتشار مختلف الكائنات الحية وتوزعها وتعدادها، ودراسة العوامل والعناصر غير الحية الموجودة في البيئة المحيطة، وتأثير هذه العوامل في الكائنات الحية. واهتم هذا العلم بدراسة نوع واحد من الكائنات الحية في مجموعة مترابطة من الأنواع في بيئة محددة، بالاعتماد على التجربة والدراسة المخبرية والميدانية للحصول على المعلومات المطلوبة. وفي هذه المرحلة تم اكتشاف العديد من القوانين الأساسية في علم البيئة كقانون ليبج (Law Liebig) الذي وضعه العالم الألماني ليبج(§).
 وقانون ليبج هو أحد المبادئ التي تحدد دور العوامل البيئية في انتشار، وتكاثر الكائنات الحية وتطورها، وبحسب قانون ليبج فإن العوامل البيئية تتحكم في أنماط توزيع الحيوان وغيره من الكائنات الحية، وتختلف قدرة كل نوع من هذه الأنواع على تحمل الظروف البيئية، وهذا الأمر وضحه أيضاَ  قانون المناعة والقدرة على التكيف (Tolerance) الذي وضعه العالم ميدافار عام 1953م. وتعد هذه المرحلة هي مرحلة التمهيد والمطالبة والاهتمام بالتغيير.
2– المرحلة الثانية:
تسمى مرحلة علم البيئة الاجتماعية (Synecology):
تمتد هذه المرحلة قرابة عقدين من الزمن 1960 – 1980، واهتم العلم في هذه المرحلة بالاتجاه الاجتماعي لدراسة البيئة بسبب  تزايد الإحساس بخطورة تلوث البيئة في مختلف المجالات، واتسعت دائرة الاهتمام بالبيئة من قبل الكثير من المختصين في مختلف الفروع العلمية، وهذا العلم تناول في هذه المرحلة أيضاَ دراسة تفاعلات الجماعات أو الأنواع المتباينة التي تتعايش مع بعضها البعض في مجال بيئي قد يكون محدوداً جداً يسمى Biom وقد يكون أكثر اتساعاَ مثل البيئة الصحراوية، أو الغابات المطيرة، أو البحيرات كبيرة المساحة وما إلى ذلك([9]).
وقد ركز علم البيئة في هذه المرحلة على دراسة العلاقة المتبادلة بين الجماعات والكائنات الحية وتحليلها، وتوزعها وانتشارها في المدى الإيكولوجي الحيوي، وشهدت هذه المرحلة حركة احتجاج شعبية غاضبة ضد تلوث البيئة والمخاطر التي تتعرض لها خاصةً في الستينيات بعد نشر الكاتبة الأمريكية راشيل كارسون كتابها الربيع الصامت، الذي يحذر من مخاطر التلوث البيئي.
3– المرحلة الثالثة:
شملت هذه المرحلة العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وشهدت هذه المرحلة المزيد من الاهتمام بالبيئة، والمزيد من سن القوانين والتشريعات البيئية الوطنية والإقليمية والعالمية، وإعادة التقييم لمجمل النشاطات البيئية، والآثار الناتجة عنها، وتميزت هذه المرحلة بمحاولة علم البيئة بناء صورة متكاملة وواضحة عن المشكلات التي تعاني منها البيئة، وهي مشكلات متنوعة تتعلق بالتلوث البيئي، واستنزاف الموارد الطبيعية، وتأمين المواد الغذائية ومعالجة العجز المائي والتصحر والفقر وتدهور الأراضي والغابات الخ ….، وقد أدت الثورة التقنية العلمية المعاصرة إلى ضرورة الانتقال من الاعتماد على علم البيولوجيا واستخدام القوانين البيولوجية من أجل حل المشكلات البيئية إلى علم البيئة المعاصر متعدد الأغراض والاتجاهات والاهتمامات الذي يعتمد على مجموعة كبيرة من العلوم ذات الصلة، وهذا ما يعكسه ظهور مفاهيم وفروع جديدة في علم البيئة مثل الإيكولوجيا: (الكونية، الهندسية، الزراعية، الثقافية، الاجتماعية، وإيكولوجيا الإنسان، والإنسان والمحيط الحيوي (MAB)، ومفهوم الجيوبيئيGeo environment، والجيوإيكولوجي Geoecology، وغير ذلك من المفاهيم.
4– المرحلة الرابعة:
وهي المرحلة الحالية التي يمكن تسميتها بالمرحلة العالمية التي تتميز بثورة المعلومات والاتصالات، أو عصر الوسائط المعلوماتية، الإنفوميديا Infomedia Age، حيث الاستخدام الكبير لأنظمة المعلومات الجغرافية (GIS)، ونظم المعلومات الجغرافية طريقة في البحث المكاني تعتمد على تقانات الحاسب الآلي وبرمجيات خاصة لتأمين السرعة والدقة في جمع المعلومات المكانية ومعالجتها ونمذجتها وتحليلها، وإخراجها بالشكل المناسب بغية استخدامها في حل المسائل المكانية أو خدمة غرض محدد، وتستطيع أنظمة المعلومات الجغرافية أن تربط المعطيات المختلفة المتعلقة بالمكان كأن تربط بين الإحصاءات السكانية في مدينة ما مع معدل أسعار السكن، وعدد المؤسسات الإنتاجية، ونسبة انتشار البطالة، ومستوى الدخول، ومعدل الإصابة بالأمراض وغيرها من المتغيرات التي تتبادل التأثير([10]).
أضف إلى ذلك معطيات الاستشعار عن بعد وبنوك المعلومات البيئية وغيرها مما يمكن أن يقدم معلومات مناخية أو جيوبيئية أو غيرها، وكل هذا كان له انعكاسا كبيرا على علم البيئة، فمثلا يؤدي التقدم في مجال استخدام الحاسوب والأتمتة في الإدارات والمؤسسات المختلفة إلى الإسهام في حل المشكلات البيئية مثل أزمة المواصلات أو الازدحام في مراكز المدن وفي الدوائر والمؤسسات لأغراض وأهداف مختلفة. كما تزايدت الاستخدامات السلمية للأقمار الصناعية في الرصد والاتصال والبث حيث يدور حاليا حول الكرة الأرضية أكثر من 2500 قمراً صنعياً مختلفة الوزن والارتفاع والأهداف، ومن هذه الأهداف تأمين الاتصالات اللاسلكية والتلفزيونية والهاتفية الحديثة وتنبؤات الطقس، واستشعار سطح الأرض وباطنها، وتساعد تكنولوجيا الاستشعار عن بعد في حماية البيئة وكشف التلوث والتملح وتحسين الزراعة، وحماية التربة، وإعادة التشجير، ورصد الموارد الطبيعية، ومكافحة التصحر وغير ذلك.
 وكذلك استخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)(§).
هذا النظام الذي يفيد في استقبال المعلومات ونقلها من الأقمار الصنعية إلى الجهاز، وتفيد في مسائل الملاحة، ومعرفة الارتفاع، والعمق، ودرجات الحرارة، والمسافات وغيرها، و يفيد في دراسة الحركات الحديثة، وتشوهات القشرة الأرضية، كل هذه التقنيات جعلت العالم قرية كونية واحدة يمكن التعرف على مواردها المختلفة، ومراقبة التغيرات التي تتعرض لها البيئة وتسجيلها سواء الناتجة عن العوامل الطبيعية أو البشرية، وتساعد أيضا في التنبؤ بالتغيرات المحتملة الناتجة عن المشكلات البيئية مثل: التلوث، والجفاف، والتصحر، والفيضانات، وغيرها، وبالتالي دراسة هذه التغيرات وتأثيراتها على المدى القريب أو البعيد([11]).
وعرفت هذه المرحلة المزيد من النضج وتنامي الحركة البيئية وظهور المزيد من الجمعيات والأحزاب البيئية في مختلف مناطق العالم، وركزت أهدافها على حماية البيئة ووقف تلوثها وتخريبها واستنزاف مواردها.
1-4- النظام البيئي (Ecosystem):
يتألف مصطلح النظام البيئي Ecosystem من كلمتين يونانيتين هما Oikos بمعنى بيت أو مسكن أو وسط، و System بمعنى نظام أو اتحاد أو جملة، وهذا يبين أن المصطلح يعني نظام بيئة البيت أو المكان وهو جذر وأصل هذا المصطلح، والنظام البيئي هو وحدة تنظيمية تحوي عناصر حية وأخرى غير حية، أي أنه يشمل جماعات وعناصر بيئية مختلفة يحدث فيما بينها تفاعل ديناميكي خاصة من خلال تبادل المادة والطاقة بين هذه العناصر،  وللنظام البيئي الكثير من التعريفات أطلقها الكثيرون من العلماء والمفكرين والمنظمات المهتمة بالبيئة وعلومها، ورغم تعدد هذه التعريفات فقد ركزت على وحدة الجزء الحي والجزء الجامد من الطبيعة، وتفاعلهما مع بعضهما البعض وما ينجم عن ذلك من تدفق الطاقة وتبادل المواد ضمن هذا المجال. ويرى بعض الباحثين أن علم البيئة هو علم دراسة النظام البيئي، لأن دراسة أية ظاهرة بيئية مرتبط بمدى علاقتها بالنظام البيئي بالنتيجة.
أول من استخدم مصطلح Ecosystem هو العالم تنسلي عام 1935م، الذي يرى أن النظام البيئي هو أي وحدة، مهما اختلف حجمها واختلفت حدودها وتضم جميع مكونات البيوسينوز(*). الذي هو جزء رئيسي من مكونات البيو جيوسينوز.
1-4-1-  عناصر النظام البيئي:
إن عناصر النظام البيئي هي تلك العناصر الحية وغير الحية، ويعد الإنسان أهم هذه العناصر ومن خلالها يؤمن مختلف حاجاته ويمارس نشاطاته، وعناصر النظام البيئي تنقسم إلى مجموعتين تتميزان  بالتوازن والتأثير المتبادلين، وأي تأثير في أحدها ينتقل بشكل أو بآخر إلى العناصر الأخرى. ويرى هيسن (Husson)، أن النظام البيئي يقسم إلى قسمين الأول هو البيوسينوز  (Biocenos)، ويمثل مجموع الكائنات الحية من نباتية وحيوانية وبكتيرية وفطرية، والثاني هو الايكوتوب (Ecotope) والذي يمثل عناصر المناخ والتربة([12]).
ويتميز النظام البيئي بتنوع الجزء الحي فيه الذي يضم ملايين الأنواع من الكائنات الحية، الكثير منها غير معروف وغير مدروس أو مصنف حتى الآن.
 كما أن فهم النظام البيئي بشكل جيد يتم من خلال معرفة شاملة متكاملة للنظام الكوني الذي تترابط فيه الكائنات الحية بما فيها الإنسان بغيرها من العناصر البيئية غير الحية وفق قوانين طبيعية حيوية، يختلف فيها سلوك العناصر وخصائصها عندما تكون منفردة عن سلوكها وميزاتها عندما تكون مجتمعة، فالهيدروجين عندما يتحد مع الأكسجين يكونان الماء الذي يختلف عن كليهما عندما يكونان منفصلين.
وهكذا يصبح علم البيئة هو علم دراسة النظام البيئي الذي يتكون من عدد من المدغمات أو العناصر وهي([13]):
1 - العناصر الطبيعية الجامدة، الفيزيائية والكيميائية، Abiocenose.
2 - العناصر النباتية،  Phytocenose.
3 - العناصر الحيوانية، Zoocenose.
4 - العناصر البكتيرية، Bacteriocenose.
5 - العناصر الفطرية والمكروبية، Myeocenose.
6 - العناصر البشرية، Homesenose.
ويمكن القول: إن العناصر غير الحية في النظام البيئي A biotic Components  تشكل مع العناصر الحية  Biotic Components  نظاما بيئيا متحركا، متوازنا ومستقرا في الظروف العادية الطبيعية، ويمكن تصنيف عناصر النظام البيئي في المجموعات التالية:
أولا - مجموعة الكائنات الحية (Biotic Components أو Organisms Biotic) وتشمل:
1 - الكائنات الحية المنتجة (Producers):
 وهي كائنات حية ذاتية التغذية، وتشمل النباتات الخضراء التي تكون غذائها من خلال عملية التركيب الضوئي، حيث تقوم النباتات من خلال هذه العملية بتحويل الطاقة الشمسية المستمدة أثناء النهار إلى طاقة كيميائية تقوم بتخليق المواد الكربوهيدراتية مثلH2O   و CO2، وفي الليل يتم تخليق مواد عضوية أخرى.
وكيمياء التركيب الضوئي معقدة جداً ولكن الناتج النهائي بسيط، تتحد مادتان غير عضويتان، هما ثاني أكسيد الكربون من الجو، والماء من الأرض لصنع مركبات عضوية مشحونة بالطاقة تبني الأنسجة النباتية وتغذي نمو النبات، وتنقل طاقة النبات إلى الكائن الحي الذي يأكله([14]).
وهكذا فإن النباتات الخضراء هي صلة الوصل بين الكائنات الحية وبين العناصر غير الحية في النظام البيئي لأنها الكائنات الحية الوحيدة القادرة على تخليق المواد العضوية من مواد غير عضوية، إن النباتات الخضراء أو محركات الكون (كما يسميها جان دوست). تقوم أثناء عملية التمثيل الضوئي وبفضل الطاقة الشمسية بعملية إنتاج ضخمة توفر من خلالها الغذاء لها ولغيرها من الكائنات الحية.
2 - الكائنات الحية المستهلكة (Consumers):
وهي كائنات حية لا تستطيع تكوين غذائها بنفسها، وهي تحصل على غذائها من كائنات حية أخرى، والكائنات المستهلكة منها نباتية تتغذى بالنباتات، ومنها لاحمة تتغذى باللحوم، ومنها مشتركة تتغذى على النباتات واللحوم معاً، وتضم هذه المجموعة الكثير من الكائنات الحية بما في ذلك الإنسان، وهذه الكائنات الحية قد تكون مستهلكة أولية مثل البلانكتون الحيواني واليرقات أو مستهلكة ثانوية مثل الأسماك، أو مستهلكة ثالثية (من الدرجة الثالثة) مثل الطيور الجارحة.
3 - الكائنات الحية المحللة (Decomposers):
هذه الكائنات الحية تشمل الفطريات والبكتريا التي تعتمد في غذائها على تحليل بقايا الكائنات النباتية والحيوانية وتفكيكها وتحويلها إلى كائنات بسيطة، والكائنات الحية المحللة قد تكون هوائية أو لا هوائية أو كلاهما معا، وهذه الكائنات على درجة كبيرة من الأهمية، فمن دونها سوف تتراكم بقايا الكائنات الحية وسوف تختفي العناصر الغذائية اللازمة لنمو النباتات كالآزوت والفوسفات وغيره، وبالتالي سوف تتعرض السلاسل الغذائية كلها إلى التشوش والخلل.
ثانيا - مجموعة العناصر الجامدة  ( Abiotic Components):
وهذه العناصر تشمل الجزء غير الحي في النظام البيئي وتمتاز بخلوها من مظاهر الحياة، ومن أهم هذه العناصر:
1 - عناصر المناخ، كالحرارة والرطوبة والرياح والضوء وغيرها.
2 - عناصر المياه وخصائصها الكيماوية والفيزيائية والحيوية.
3 - العناصر الفيزيائية كالجاذبية والإشعاع.
4 - العناصر الغذائية([15]).
5 - عناصر التربة والجيولوجيا.
6 - شكل سطح الأرض أو العامل الطبوغرافي.
والشكل (3) يوضح عناصر النظام البيئي 
1-4-2- الأرض باعتبارها نظاماً بيئياً:
تمثل الكرة الأرضية نظاماً بيئياً متكاملاً، يهيئ للإنسان ولغيره من الكائنات الحية مهما كانت بسيطة مقومات الحياة وعوامل البقاء، وهذا مؤكد في قوله تعالى: )وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُل شَيْءٍ مَّوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ[  (الحجر 19-20). وهنا فإن القرآن الكريم يستخدم مفهوم الأرض مرادفاً للبيئة الطبيعية العالمية وللدلالة عليها([16]).
وحتى الآن رغم جهود الإنسان الكبيرة في هذا المجال لم يكتشف ويتأكد وجود أي شكل من أشكال الحياة في أي كوكب أو مكان آخر غير كوكب الأرض، فالأرض رغم أنها لا تشكل سوى ذرة صغيرة في هذا الكون، فإنها هي النظام البيئي الوحيد  الذي يشكل مأوى للكائنات الحية، وهي البيئة المناسبة لحياة الإنسان، يؤكد ذلك قوله تعالى: )وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ* فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ*[ (الرحمن 10 - 11).
وموقع الأرض وعناصرها هيأت وتهيئ الظروف المناسبة للحياة بكل أشكالها، هذه الحياة التي توجد وتتركز في الجزء الحي من الكرة الأرضية، أي في الغلاف الحيوي (البيوسفير) وخارج هذا الغلاف وخاصة فوق طبقة الأوزون يقل أو ينعدم وجود غاز الأكسجين وينخفض الضغط الجوي، مما يعيق استمرار الحياة، وكذلك الأمر في أعماق الأرض حيث الظروف تعيق وجود الحياة، باختصار فإنه ومع كل التقدم العلمي الذي بلغه الإنسان، فإن الغلاف الحيوي لكوكب الأرض هو البيئة الوحيدة التي توفر الظروف المناسبة لحياة  مختلف الكائنات الحية بما فيها الإنسان. والشمس هي مصدر كل أشكال الحياة، حيث تمد الأرض بالحرارة والطاقة التي تدفع قدماً العديد من العمليات العضوية والكيميائية مما يجعل الحياة ممكنة.
1-4-3- تأثير المناخ في النظام البيئي:
تعد العوامل المناخية من أكثر العوامل الفيزيائية غير الحية  تأثيراً في النظام البيئي من خلال تأثيرها في انتشار الكائنات الحية النباتية والحيوانية وتوزعها، بل وتؤثر في تشكيل سطح الأرض، وفي طبيعة الغطاء النباتي والحيواني، و في توزع السكان وأنشطتهم المختلفة. ومن العناصر المناخية المؤثرة في ذلك، درجة الحرارة والأمطار والرطوبة النسبية، والرياح، فدرجة الحرارة تختلف من مكان إلى آخر على سطح الأرض وذلك بحسب الموقع الجغرافي والفلكي لهذا المكان، وبحسب ما يتلقاه من أشعة الشمس، وعادة فإن كمية الأشعة الشمسية الواصلة إلى سطح الأرض تتناقص كما هو معروف بالاتجاه من خط الاستواء باتجاه القطبين شمالا وجنوباً (النطاقية المناخية)(§)، وكذلك تختلف باختلاف توزع التضاريس الذي يتماشى مع خطوط الطول (اللانطاقية المناخية)(§)([17]).
كما أن أشعة الشمس  واختلاف درجات الحرارة، يؤثر في تغير درجة حرارة المحيطات العالمية، وفي حركة الرياح، وفي قيم الضغط الجوي، وتنعكس بشكل أو بآخر على ظروف الطقس والمناخ، وهذه العوامل جميعها تؤثر في توزع النباتات والحيوانات على سطح الكرة الأرضية، وتؤثر في عمليات  التركيب الضوئي وفي درجة النتح والتبخر وغير ذلك.
ومن المعروف أن لكل نوع من النباتات  درجة حرارة دنيا يبدأ عندها النبات بالنمو، وتسمى صفر النمو، ودرجة حرارة قصوى تجاوزها يؤدي إلى توقف النمو وربما الموت، والعناصر المناخية لا تؤثر فقط في النبات والحيوان، وإنما في الإنسان أيضاً.  
1-4-4- تأثير المياه في النظام البيئي:
إن عنصر المياه يتأثر بعناصر النظام البيئي الأخرى خاصة بالمناخ وعناصره المختلفة، حيث إن درجة الحرارة تؤثر في الهطول وفي الرطوبة النسبية، ومن المعروف أنه من دون الهطول والرطوبة النسبية، فإنه لا يمكن لأشكال الحياة المختلفة أن تنشأ وتتطور، وكمية المياه تحدد إلى حد كبير نوع النباتات التي تنتشر أو تسود، فبعض الأشجار والنباتات تنمو في المناطق المغمورة بالمياه أو في المستنقعات، وبعض النباتات تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه وبعضها الآخر لكميات أقل وهكذا، وبعض النباتات تتكيف مع ظروف توفر الرطوبة والمياه بينما بعضها الآخر لا تستطيع التكيف وتموت،  وبعضها تستطيع التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض قيم الرطوبة بشكل كبير كما هو الحال في بعض النباتات الصحراوية.
وبالطبع فإن انتشار الحيوانات والطيور وتوزعها تتأثر أيضاَ بالعوامل والظروف الجوية ولو أنها تمتلك قدرات أكبر على التكيف أو الاختباء نهاراَ أو ليلاَ، صيفاَ أو شتاءَ هرباَ من القر والحر، كما أنها تمتلك قدرات أكبر في الانتقال والهجرة من مكان إلى آخر بشكل دائم أو موسمي، ورغم كل ذلك فإنه يجب التأكيد أن هذا الانتشار أو التكيف يبقى ضمن حدود جغرافية بيئية لا يمكن تجاوزها.
1-4-5-  تأثير شكل سطح الأرض في النظام البيئي:
توجد علاقة قوية بين شكل سطح الأرض من جبال وهضاب وسهول ووديان، وبين عناصر النظام البيئي من نبات وحيوان وإنسان، كما أن فهم الوضع الجيولوجي والعمليات الجيولوجية كحركة القارات وغيرها يساعد في فهم توزع الكائنات الحية على سطح الكرة الأرضية، وأسباب هذا التوزيع، وكذلك في  فهم الكثير من الظواهر البيئية. فالظروف الجيولوجية تؤثر في تنوع النبات والحيوان، وتؤثر في طبيعة التربة لأن التربة  تتكون أصلاَ من الصخر الأم الذي يحدد التركيب العضوي للتربة، وهكذا فإن نوع الصخر يحدد نوع التربة، ونوع التربة يحدد نوع الغطاء النباتي، والخصائص الفيزيائية والكيميائية للتربة تؤثر في نمو النباتات وانتشارها، حيث إن غنى التربة أو فقرها بعنصر أو معدن معين يؤثر في مدى انتشار النباتات  المحبة لهذا المعدن والعكس صحيح.
ويؤثر شكل سطح الأرض في التوزيع الجغرافي للسكان وفي كثافتهم، وفي طريقة استغلالهم لهذه الأشكال التضاريسية في العمران والزراعة والمواصلات والتعدين والسياحة وغير ذلك، وكل هذه الأمور السابق ذكرها تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في النظام البيئي وفي استقراره وتوازنه.
1-4-6-  توازن النظام البيئي:
احتاج التوازن البيئي إلى ملايين السنين حتى بلغ هذا التوازن ما هو عليه الآن، والإحاطة الجيدة بهذا التوازن وديناميكية تحقيقه ومسيرته هي مفتاح مهم جداً لمعرفة أسرار البيئة ومعرفة عناصرها، وأهمية هذه العناصر، ودور كل منها في النظام البيئي، لأن جميع هذه العناصر ترتبط بعضها ببعض، ويوجد فيما بينها علاقات تأثير وتأثر متبادلة، وأي تغير في أحد هذه العناصر قد يؤدي إلى تغير في العناصر الأخرى، لأن عناصر النظام البيئي تشبه عناصر الجسد الواحد الذي إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
 ولكن هذا الأمر لا يتم بهذه البساطة، لأن العناصر البيئية تحاول دائماً تعويض النقص وإصلاح الضرر الذي يتعرض له عنصر ما وإعادة التوازن البيئي إلى ما كان عليه، والبيئة في حالة تغير ديناميكي قد يكون تغيراً بسيطاً وتعود إلى حالتها الطبيعية خلال فترة قصيرة من الزمن، وقد يكون تغيراً عميقاً وجذرياً بحيث يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن لكي تعود البيئة إلى وضعها السابق، وذلك بحسب شدة التأثير وقد يكون تأثيراً غير عكوس، ولا رجعة فيه.
 وما يتميز به النظام البيئي، أي نظام بيئي، هو وجود شبكة من العلاقات بين مكونات هذا النظام، أي بين الكائنات الحية، والعناصر غير الحية، وتتجلى بنوعين من العلاقات: علاقة النوع الواحد (الفرد) مع عنصر أو أكثر من عناصر البيئة المحيطة به، وثبات أعداد هذا النوع ضمن المجموعة، وعلاقة المجموعة (أكثر من نوع  Communities)، مع غيرها من المجموعات والعناصر البيئية المحيطة بها، وقدرتها على التكيف والاستقرار ضمن نظام بيئي مستقر ومتوازن، ومحافظ على حالته الأصلية، أو قادر على إعادة التوازن والاستقرار ضمن مدة زمنية محددة، لأن أي تغيير في جزء أو أكثر من أجزاء النظام البيئي، قد يؤثر في الأجزاء الأخرى، وإذا كان سلبياً سيؤدي بالنتيجة إلى اختلال التوازن والاستقرار البيئي في هذا النظام.
ومن المعروف أنه كلما كان النظام البيئي أكثر تعقيداً وغنىً، كان أكثر توازناً واستقراراً، وأكثر قدرة على التكيف مع التغيرات التي يتعرض لها. والعكس صحيح أي أنه كلما كان النظام البيئي بسيطاً وهشاً وفقيرا بالتنوع الحيوي، كما هو الحال في المناطق الجافة وشبه الجافة، كان أكثر عرضة للخلل والتدهور، وأقل استقرارا وتوازنا، وغير قادر على التجدد وإعادة التوازن في فترة زمنية محدودة، وقد تطول هذه الفترة جدا، وقد لا يستطيع العودة إلى التوازن مطلقاً، وهذا بالطبع يرتبط بعوامل كثيرة ومؤثرات مختلفة طبيعية وبشرية وحيوية تشكل في مجملها عوامل الإخلال بالتوازن البيئي.
ويعد الإنسان من أهم العوامل المؤثرة في التوازن البيئي، وكان هذا التأثير بطيئاً ولكنه اشتد وتزايد مع الزمن، وقد بدأ هذا التأثير مع اكتشاف النار - أهم حدث في التاريخ - وكان ضعيفاً عندما كانت موارد البيئة وخيراتها تزيد عن حاجة السكان تلك الأيام، ولكن زيادة عدد السكان، وزيادة معارف الإنسان، وقدراته العلمية، والتقنية، وتعلمه الزراعة، وتأهيل الحيوان، ثم انتقاله إلى عصر الثورة الصناعية واستخدام الوقود الاحفوري من فحم وغاز وبترول، وصولاً إلى استخدامه الطاقة النووية، وارتياد الفضاء، وتغيير الكثير من مكونات البيئة والتدخل فيها. كل هذا شكل خطرا متزايداً على البيئة والتوازن البيئي، وأصبح الإنسان يعيش أزمة بيئية حقيقية عامة وشاملة في جميع أوجه نشاطه وحياته، وهذه الأزمة تتخطى الجانب الطبيعي إلى الجانب الاجتماعي والثقافي، ولهذا فإن حماية البيئة تتعدى حماية الجانب الطبيعي والحيوي فيها إلى حماية الجانب الثقافي والحضاري.
1-4-7- عوامل الإخلال بالتوازن البيئي:
كما نوهنا سابقا فإنه يوجد مجموعة من العوامل التي قد تسبب الإخلال بالتوازن البيئي، ويمكن إجمال هذه العوامل فيما يلي:
1 - العوامل البشرية:
 وهي تلك العوامل الناجمة عن نشاطات الإنسان المختلفة: الزراعية، والصناعية، والتجارية، وغيرها، في إطار سعي الإنسان لتأمين حاجاته من هذه الفروع الإنتاجية، ولكن الإنسان في كثير من الأحيان يبالغ في استنزاف الموارد الطبيعية بقصد أو بدون قصد، وهذه التأثيرات بشكل عام أدت إلى الإخلال بالتوازن البيئي، وتحتاج إلى إعادة النظر فيها وحماية البيئة منها، وترشيد استخدام الموارد البيئية.
2 - العوامل الطبيعية:
 وهي تلك التأثيرات والعوامل التي لا دخل للإنسان فيها، وتنجم عن تغير الظروف الطبيعية، ومنها التغيرات المناخية، أو الكوارث الطبيعية كالزلازل، والبراكين، والعواصف، والأعاصير، والفيضانات، وما ينتج عنها من إخلال في التوازن البيئي، والتأثيرات البشرية قد تساعد في زيادة حدة هذه العوامل وخطرها أو التعجيل في حدوثها الخ..
3 - العوامل الحيوية:
 وهذه العوامل تحدث بشكل خاص بسبب تغير العلاقات بين الكائنات الحية وزيادة أحدها على حساب الآخر، وهذا الأمر يمكن أن يحدث لأسباب طبيعية، أو لأسباب بشرية مصطنعة ناتجة عن تدخل الإنسان، ومهما يكن السبب فإن القضاء على الكثير من الكائنات الحية أو على نوع محدد منها قد يؤدي إلى الإخلال في التوازن البيئي كله، إن الصيد الجائر أو التدخل غير المدروس وغير الصحيح في حياة الأنواع الحية مثل  إدخال كائن حي ما، نبات أو حيوان غريب، أو القضاء على نوع معين منها، أو تدمير موطنه، أو حدوث التلوث البيئي، خاصة جراء استخدام المبيدات والمواد الكيميائية، كل هذا من العوامل التي تسبب الخلل في التوازن البيئي.
1-4-8- سريان وتبادل الطاقة في النظام البيئي:
إن المصدر الأساسي للطاقة المتوافرة في النظام البيئي هو الشمس، التي ترسل أشعة كهرومغناطيسية على شكل أمواج مختلفة منها:
1 - الأشعة الشمسية فوق البنفسجيةUltraviolet Light، وتكون قصيرة الموجة، وموجاتها تقل عن 390 ميلي ميكرون، وزيادة هذه الأشعة يؤثر سلباً في الغلاف الحيوي (البيوسفير)، وبسبب امتصاص غاز الأوزون لها فإن ما يصل منها إلى سطح الأرض لا يشكل إلا جزءاً بسيطا منها.
2 - الأشعة الشمسية المرئية Visible Light، وهي ذات موجات متوسطة الطول وتتراوح بين 390 - 760 ميلي ميكرون، وهي ضرورية للقيام بعملية التركيب الضوئي، وتشمل الأشعة الزرقاء والحمراء والصفراء والخضراء.
3 - الأشعة الشمسية تحت الحمراء Infrared Light، وهي ذات موجات طويلة أكبر من 760 ميلي ميكرون، وهذه الأشعة تشكل نحو 51% من إجمالي الطاقة الشمسية، وتؤدي إلى رفع درجة حرارة الأرض والغلاف المحيط بها.
أصبح من المعروف أن الشمس هي المصدر الرئيسي للطاقة والحرارة في النظام البيئي، وهي طاقة منتظمة وتتحرك بدقة من خلال المراتب أو السلاسل الغذائية، خاصة عبر عملية التركيب الضوئي. وعملية التركيب الضوئي تعني قيام كائنات حية بتحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية، ومادة اليخضور في النباتات هي التي تمتص الطاقة الضوئية، وتحدث عملية التركيب الضوئي حتى عمق حوالي 200 متر تحت سطح الماء حيث توجد نباتات أو طحالب تستطيع امتصاص الضوء.
حيث تدخل الطاقة الشمسية إلى الأوراق الخضراء في النباتات، وبوجود الكلوروفيل في هذه الأوراق فإنه يستفاد من هذه الطاقة في عملية التركيب الضوئي ويتحول قسم من الطاقة إلى مواد غذائية يستفيد منها النبات في نموه.
وهذه الطاقة تنتقل عبر السلسلة الغذائية، من النباتات التي تشكل الحلقة الأولى في هذه السلسلة إلى بقية الكائنات الحية، ثم إلى المتعضيات أو الرميات التي تختزن بعضاً من هذه الطاقة بحيث يتم إطلاقها من جديد في الأنظمة البيئية الغذائية. وكمية الطاقة المحجوزة في أي مرتبة غذائية ضمن نظام بيئي ما تشكل دلالة على مدى أو كمية النشاط في ذلك الجزء من النظام، وحتى الآن فإن قياس مقدار تدفق أو فقدان الطاقة في كل حلقة غذائية ليست عملية سهلة، وغالبا يتم هذا القياس بشكل نسبي وغير مباشر، وتقدر بما يسمى بالسعر كالوري (الحرة) / سم2 في وحدة  الزمن.
ومن المعروف أن الطاقة الشمسية طاقة نظيفة أو من أنظف مصادر الطاقة، ويمكن تصنيف النظم البيئية من حيث مصادر الطاقة في ثلاثة أصناف هي:
أ - أنظمة بيئية طبيعية، وهي التي تتعرض إلى طاقة شمسية طبيعية، ولا تتأثر بنشاطات الإنسان وتأثيراته المختلفة.
ب - أنظمة بيئية غير طبيعية، وهي التي تتغذى بالطاقة الشمسية ولكنها تتأثر ببعض نشاطات الإنسان الذي يقوم باستبدال أنواع من النباتات بأنواع أخرى، أو إضافة عناصر جديدة إلى البيئة كالأسمدة والمبيدات وغيرها، مما يؤثر في مصادر الطاقة فيها.
ج - أنظمة بيئية مصطنعة، وهي التي لا تتغذى أو تدار بالطاقة الشمسية بشكل مباشر، وإنما يديرها الإنسان بأنواع أخرى من الطاقة كطاقة الوقود الاحفوري أو النووي.  
1-5-  النظام الجغرافي ( Geosystem):
النظام الجغرافي (Geosystem) هو نظام طبيعي يتطور ذاتياً ويتميز بالتوازن المتحرك، ويشمل العناصر غير الحية والعناصر الحية في مكان جغرافي محدد، ويخضع كل عنصر من هذه العناصر إلى تأثيرات متبادلة مع العناصر الأخرى، ويتميز كل نظام جغرافي بخصائص وظيفية تبرهن على قدرة هذا النظام على الثبات والصمود وإعادة التوازن أمام عمليات التلوث والتخريب من خلال التقلبات، أو الدورات اليومية والفصلية والسنوية، ومن خلال العلاقة بين عناصر النظام الجغرافي، وطبيعة التأثير الذي تتعرض له هذه العناصر يتم تحديد الحدود الدنيا والقصوى لثبات هذا النظام الجغرافي، وخارج هذه الحدود يبدأ الانتقال التدريجي نحو تخرب النظام الوظيفي القائم وتشوشه([18]).
لقد رأى الجغرافي الفرنسي جورج برتاند   G. Bertand  في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين أن المنظومة الجغرافية  Geosystem  تتألف من العلاقات المتبادلة بين الأنشطة البشرية (اقتصاد، سكان)، وبين العناصر الطبيعية (تضاريس، مناخ، نبات)، وهو في ذلك حاول الجمع بين ما هو طبيعي وما هو إنساني في إطار بنية جغرافية متكاملة.
وعلى هذا النحو صاغ ب - هاجت P. Haggett   نظريته بالجمع بين العناصر الطبيعية والبشرية. ومن المآخذ على أفكار برتاند وهاجت، أن المنظومة الجغرافية التي روجا لها ليست سوى المنظومة الإيكولوجية Ecosysteme   البشرية، أي أن البعد الإحيائي فيها يغلب على البعد البشري، والمنظومة التي يتحدثان عنها هي من اهتمامات العلوم الطبيعية والإحيائية بالدرجة الأولى([19]). وبحسب رأينا فإن هذا يؤكد وجود تشابه بين النظام البيئي والنظام الجغرافي.
1-6- النظام الجغرافي والنظام البيئي:
إذا دققنا النظر بمكونات النظام البيئي والنظام الجغرافي الحية والجامدة فإننا نلاحظ وجود تشابه كبير بين كل من النظام البيئي (الإيكوسيستم) والنظام الجغرافي (الجيوسيستم)، ولكنه تشابه لا يخلو من وجود بعض الفروقات، وبعض أوجه الاختلاف بينهما، ومنها: 
1 - في النظام البيئي، يتم الاهتمام بالمميزات الحيوية الرئيسة التي تبين تأثير مختلف العوامل في العناصر الحية بشكل عام، وعلى كل عنصر من العناصر المختلفة بشكل خاص، حيث يتم الاهتمام بالعلاقات الغذائية بين الكائنات الحية.
2 -  في النظام الجغرافي الطبيعي، تكون الدراسة شمولية ولا يتم مثل هذا التدقيق، وتجري دراسة العناصر والعلاقات بينها بشكل وحيد الجانب سواء أكانت علاقات مباشرة أم غير مباشرة.
3 -  النظام البيئي غير محدد المساحة، وقد يشمل نقطة ماء فقط، أو يشمل العالم ككل.
4 -  النظام الجغرافي يكون عادة محدد بحدود معينة.
5 -  في النظام البيئي يتم النظر إلى العلاقة بين الكائن الحي والعناصر المتفاعلة معه بوصفها وحدة منتظمة ومتكاملة.
6 -  في النظام الجغرافي يتم النظر إلى العلاقة بين الإنسان والبيئة باعتبارها علاقة مواجهة مختلفة التأثير والتأثر.
وكما هو الحال بالنسبة للتشابه بين مفهومي النظام البيئي والنظام الجغرافي، فإن بعض الباحثين يرى أنه يوجد تطابق بين مفهوم النظام البيئي ومفهوم البيوجيوسينوز بينما يرى آخرون أنه يوجد تشابه ولكنه لا يصل إلى حد التطابق، لأن العوامل المترابطة في مفهوم بيوجيوسينوز هي شكل سطح الأرض والترب والماء والهواء والكائنات الحية، أي أن هذا المفهوم له ميزات طبيعية جغرافية بينما مفهوم النظام البيئي ليس له ميزات مساحية جغرافية وإنما له ميزات حيوية وغذائية.
إن النظام البيئي غير محدد المساحة ولكل مساحة أو نموذج من سطح الكرة الأرضية نظام بيئي محدد زراعي، أو صناعي، أو مستنقعي، أو مناطق ساحلية، أو شاطئيه، أو أنهار، أو بحيرات أو بحار، أو محيطات الخ.. ويختلف النظام البيئي في كل منها وفي بعض أجزائها ولكل منها خصوصية وميزات محددة، ففي أعماق المحيطات أو البحار يختلف عنه في الطبقات السطحية أو الضحلة القليلة المياه.



(1) رشيد الحمد، محمد سعيد صباريني، البيئة ومشكلاتها عالم المعرفة، العدد 22، الكويت ط 2 1984 ص 29 .
(1) صلاح الدين بوجاه، حاتم بن عثمان، مختار بوخريص وآخرون، مقالات ومقولات في البيئة والتربية البيئية، جمعية حماية الطبيعة والبيئة بالقيروان، تونس 1994، ص 30 .
(2) ترافس واجنر، البيئة من حولنا، دليل لفهم التلوث وأثاره، ترجمة د . محمد صابر، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة 1997 م، ص 19 .
(3) المعجم الفلسفي المختصر، دار التقدم، موسكو، 1986 ص 98 .
(1) المعجم الفلسفي المختصر، المرجع السابق ص 82 .
(1) محمد محمود سليمان، ناظم عيس، البيئة والتلوث، جامعة دمشق، 1999-2000، ص12.
(1) يسرى الجوهري، فلسفة الجغرافية، الناشر، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، 2001م، ص 82 .
(2) جان دوست، قوة الحي، مبادئ في علم البيئة، ترجمة المهندس ميشيل خوري، منشورات وزارة الثقافة السورية، دمشق 1998، ص 162 .
(§) يوستوس فون ليبج، عالم ألماني يعد مؤسس علم الكيمياء الزراعية، وقوانين التغذية المعدنية للنباتات وقد بين بأن عودة مواد الأحماض (الفوسفور والبوتاسيوم والكلس وغيرها ) إلى التربة يمكن أن تحول الأرض الجرداء أو البور إلى أراض خصبة .
(1) محمد محمد الشاذلي، علي علي المرسي : علم البيئة العام والتنوع البيولوجي، دار الفكر العربي، القاهرة،  1420 هـ - 2000 م، ص 7 .
(1) بهجت محمد : بعض تطبيقات المعلوماتية في الجغرافية، منشورات جامعة دمشق، 1420 هـ، 1999 - 2000م، ص 27.
(§)Clobal  Positioning System  (GPS )، نظام ملاحي عالمي تم تأسيسه من قبل القوات الأمريكية، وقام الجغرافيون بالاستفادة منه بتصميم برنامج كمبيوتر، يعرف بنظام الربط الخرائطي (GeoLink ) كوسيلة سهلة ورخيصة نسبياً في جمع المعلومات الجغرافية ورسم الخرائط وتحليلها بالحاسوب..... .
(1) لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى كتاب الفضاء الخارجي واستخداماته السلمية، عالم المعرفة، العدد 214، الكويت 1996 م .
(*) البيوسينوز (Biosainose  ): مصطلح علمي يعني المحيط النشوء حيوي، ويشمل مجمل الكائنات الحية (النباتات والحيوانات والفطريات والكائنات الحية الدقيقة، التي تعيش مجتمعة في حدود معينة على اليابس أو في المياه، وضع هذا المصطلح العالم (Meubios  ) عام 1877 م . والبيوسينوز هو جزء من البيوجيوسينوز .
(1) فياض سكيكر، محمد سليمان، ناظم عيسى: مقدمة في الثقافة البيئية، مطبعة الصفا، دمشق 1417 هـ، 1997 م، ص 32 .
(1) اللجنة الوطنية لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي، الجمهورية العربية السورية، العدد الأول، حلب، 1991 م، ص 19 - 20 .
(1) ديفيد بورني، تعرّف على علم البيئة، ترجمة هاني حداد: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2007 م، ص 21 .
(1) سامح غرايبة، يحي الفرحان، المدخل إلى العلوم البيئية، عمان، دار الشروق، 1987 ص 33 .
(1) حسين مصطفى غانم: الإسلام وحماية البيئة من التلوث، جامعة أم القرى، مكة المكرمة 1417 هـ -1997 م، ص 13 .
(§) مفهوم النطاقية المناخية أو القانون النطاقي، وهو نظام التغير القانوني والمنطقي لجميع العناصر والعوامل والوحدات والمركبات الجغرافية، الصغيرة منها والكبيرة، مع تغير خطوط العرض، ابتداءً من خط الاستواء وحتى القطبين الشمالي والجنوبي، ويشمل هذا التغير سطح اليابس والبحار والمحيطات على السواء .
(§) مفهوم اللانطاقية المناخية، أو القانون اللانطاقي، هو وجود عوامل أخرى (غير العوامل النطاقية )، تحدد قانونية التباين الجغرافي، وهي لا تساير خطوط العرض، وإنما تساير خطوط الطول، أو ترتبط بعامل الارتفاع عن سطح الأرض، أو بالنشاط البشري أو غيره .
(1) أمين طربوش، شاهر آغا، التقسيم الإقليمي والمركبات الجغرافية الطبيعية، منشورات جامعة دمشق، 1417 هـ، 1997 م، ص 60 و 137 على التوالي بتصرف .
(1) ميلانوفا . ي . ف، ريابتشيكوف . أ . م، الجوانب الجغرافية في حماية الطبيعة، ترجمة د. أمين طربوش، دار علاء الدين، دمشق 1996 م، ص 11 و23 بتصرف.
(1) معين حداد : الجغرافيا على المحك، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 2004 م،  ص 165 .



حمله من هنا أو من الجغرافيا والبيئة - نضوب النفط والمياه - إضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا