المناطق والمحافظات السعودية: نظرة جغرافية ووجهة نظر
صحيفة الرياض - أ. د. رشود بن محمد الخريف :
لاشك أن نظام المناطق يعد نقلة نوعية في الإصلاح والتقدم الإداري الذي شهدته المملكة خلال العقدين الماضيين. فقد أضاف نظام المحافظات بُعداً جديداً في التنظيم الإداري، وأسلوباً جديداً في توزيع الخدمات، ونظاماً مكانياً للتخطيط الإقليمي والدراسات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية. وعلى الرغم من الإيجابيات وغيرها، الا أن استخدام هذا النظام قابل للتطوير والتحسين كغيره من الأمور الحياتية والشؤون المجتمعية. ومن هذا المنطلق، لعله من المفيد إعادة النظر في طبيعة تقسيم المناطق الإدارية والإشراف الإداري لزيادة فعاليته والتخلص من بعض السلبيات التي قد تظهر مع مرور الوقت. وفي هذه المقالة سنركز على الجوانب الجغرافية فقط ذات الصلة بالوحدات والتقسيمات المكانية ويمكن إيجاز بعض الملاحظات التي أحسب أنها تستحق التوقف والدراسة فيما يأتي:
1- هناك تفاوت كبير بين المناطق الإدارية في مساحاتها. فعلى الرغم من أن التجانس من حيث المساحة ليس ضرورياً، الا أن من المناسب أن يكون هناك بعض التقارب في المساحات، وما لم يكن هناك مبررات قوية. فعلى سبيل المثال، تتفوق محافظة الطائف من حيث المساحة والسكان على بعض المناطق الإدارية. كما تمثل مساحة المنطقة الشرقية بما فيها الربع الخالي نحو ربع مساحة المملكة، مما قد يشكل صعوبات إدارية.
2- تختلف مقار الإمارات في كل منطقة عن المحافظات، مما يجعل الحديث عن المحافظات ناقصاً مالم تضف إليه مقار الإمارات. ومن واقع التجربة، فإن الدراسات الجغرافية على مستوى المحافظات تصبح صعبة، إذ يتطلب الأمر إدخال مقار الإمارات التي يتركز فيها معظم سكان المنطقة الإدارية ومعظم الخدمات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يجعل تمثيل الظاهرات أو المسائل المدروسة خرائطياً شبه مستحيل في بعض الحالات، مما يؤثر سلباً على الدراسات المكانية التي تبرز مدى كفاءة التوزيع الجغرافي للخدمات وغيرها.
باختصار، ماذا نطلق على مقار الإمارات؟ هل نقول مقر إمارة منطقة الرياض، ومقر إمارة منطقة مكة المكرمة على سبيل المثال؟ أم نقول "مدينة الرياض وتوابعها" و"مدينة مكة المكرمة وتوابعها"؟! وإذا أطلقنا اسم "مدينة مكة المكرمة" أو "مدينة الرياض" فقط على مقر الإمارة، فإن هذا يؤدي إلى بعض اللبس. فمدينة مكة المكرمة (مقر الإمارة) يتبعها ثمانية مراكز من غير المحافظات مثل مركز الشعبية ومركز أم الراكة ومركز جعرانة. كما يتبع لمدينة الرياض (مقر إمارة الرياض) مراكز عديدة يصل عددها إلى (11) مركزاً، بعضها لاتتصل مكانياً بنطاق مدينة الرياض. باختصار، هذا اللبس يؤدي إلى خلط لدى الباحثين والمستخدمين لنظام المناطق والمحافظات، فعلى سبيل المثال، بعضهم يطلق اسم "محافظة" على مقر الإمارة، وبعضهم يسميها "مدينة كذا وتوابعها"، وبعضهم الآخر يطلق عليها مقر الإمارة (مدينة الرياض)، وهكذا.
3- يعاني تقسيم المناطق الإدارية إلى محافظات من بعض المشكلات التي تمثل صعوبات في التخطيط الإقليمي والدراسات الجغرافية فالرقعة المساحية لبعض المحافظات غير متصلة، إذا تتكون المحافظة من رقع (أو وحدات) مكانية منفصلة عن بعضها البعض، أي أن هناك محافظات أو وحدات مكانية أخرى تفصل بين جزء والآخر من المحافظة ذاتها. فمحافظة رياض الخبراء في القصيم - على سبيل المثال - تتكون من ستة أقسام غير متصلة. وتتكون بريدة (مقر الإمارة) من خمسة أقسام مكانية غير متصلة، وتنقسم محافظتا عيون الجواء والنبهانية إلى قسمين لكل منهما غير متصلين. ولايقتصر الأمر على القصيم فقط، ففي منطقة الرياض على سبيل المثال، يتبع مقر الإمارة في الرياض بعض المراكز غير المتصلة بها مكانياً، أي أنها منفصلة جغرافياً، مثل مركز "مرات" الذي تفصله عن الرياض مساحياً محافظة ضرما. وهذا التقسيم المتجزئ يشكل صعوبات للدراسات وتقويم كفاءة توزيع الخدمات على مستوى المحافظات. فعلى سبيل المثال، عندما يدرس توزيع الخدمات الطبية مقاساً بعدد السكان مقابل كل طبيب أو عدد السكان مقابل كل سرير أو ممرضة ونحوه، على مستوى المحافظات، فإن النسبة التي تحسب لمدينة الرياض ستكون هي نفسها لمركز مرات. وكذلك فإن النسبة التي تحسب لبريدة (مقر إمارة القصيم) ستكون هي نفسها للمراكز البعيدة التابعة لها.
وهذا غير منطقي من الناحية العلمية، لأنه لايظهر حقيقة توزيع الخدمات أو السكان. باختصار شديد، نحن نعانى عند إجراء الدراسات الجغرافية والسكانية.
وأعتقد أن المعاناة نفسها يواجهها المخططون على المستويات الإقليمية وكذلك المسؤولون عن التخطيط لتوزيع الخدمات.
4- لاتزال بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية غير ملتزمة بالتقسيم المكاني الذي صدر ضمن نظام المناطق، مما يجعل مقارنة البيانات الصادرة من جهة معينة بالبيانات الصادرة عن جهات أخرى في منتهى الصعوبة، إن لم تكن الحالة شبه مستحيلة. وعلى الرغم من التزام بعض الجهات الحكومية والخاصة بنظام المناطق وتقسيماته الجغرافية، إلا أنه ينبغي أن يكون الزامياً على جميع الجهات التي تقدم الخدمات للسكان، لكن يتوافر - في النهاية - بيانات قابلة للمقارنة ومفيدة للتخطيط والدراسات المكانية وغيرها.
وفي الختام ليس من السهولة بمكان اقتراح مجالات تحسين نظام المناطق والمحافظات وزيادة فعاليته، فالأمر يحتاج إلى دراسات عملية متعمقة. ولكن هناك بعض النقاط التي يمكن النظر في جدواها، والتفكير في إمكانية الاستفادة منها، وهي على النحو الآتي:
1- تقسيم بعض المناطق الكبيرة إلى أكثر من منطقة إدارية، مثل المنطقة الشرقية، مع أخذ الظروف الطبيعية والبشرية في الاعتبار.
2- إيجاد الحلول المناسبة للتخلص من التجزئة المكانية لبعض المحافظات إما بدمج الإجزاء البعيدة مع المحافظات المجاورة لها أو جعلها محافظات قائمة بذاتها.
3- النظر في موضوع مقار الإمارات. فإما أن تسمى محافظات كغيرها من الوحدات المكانية حتى ولو أنها تحتوي على مقار الإمارات، كأن يطلق اسم "محافظة بريدة" على مدينة بريدة وتوابعها، لتحتوي على مدينة بريدة (مقر الإمارة) والمراكز التابعة لها، أو أن تبقى ويطلق عليها رسمياً "مقر إمارة القصيم" على سبيل المثال، وتعامل معاملة المحافظة، على أنني أرجح الاقتراح الأول من واقع تجارب بعض الدول في هذا الخصوص.
4- لعله من الأفضل أن تكون المراكز التابعة لمقر الإمارة متصلة بها مكانياً، مما يستدعي دمج المراكز البعيدة للمحافظات المجاورة لها أو تسميتها محافظات قائمة بذاتها، مع الأخذ في الإعتبار مساحتها وعدد سكانها وإمكاناتها الطبيعية والاقتصادية والثقافية. وبوجه عام، فإن الوحدات المكانية الكبيرة مثل المناطق الإدارية يصعب التعامل معها من الناحية التخطيطية والإدارية لتداخل الظاهرات وتشابكها، مما يستدعي - في الغالب تقسيمها إلى وحدات مكانية أصغر، لتسهيل إدارتها والتخطيط لها ومن ثم تنميتها وتطويرها. ختاماً آمل أن يكون في وجهة النظر المذكورة أعلاه نفع وفائدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق