الخليج ٢٠١٣: الثابت والمتحول -4.3 ملف : الأمن المائي في دول مجلس التّعاون العربيّة
مركز الخليج لسياسات التنمية : تعتبر المياه العذبة قضية مصيَرية عالميًاً، باعتبار أن المياه هي المكون الرئيسي للحياة قبل أن تكون مورداً حيويَاً وإستراتيجيَاً.فبالإضافة إلى مركزية المياه للخلق واستمرارية الحياة؛ تعتبر المياه ركيزة أساسية في كافة مجالات التَنمية الشاملة. وعادت قضية توفَر المياه لتُسبَب هاجساً متصاعدا عالميًا، نتيجة الطفرة السكانيَة التي حدثت خلال القرن الماضي، وما واكبه من زيادة مطردة في الاستهلاك، وزيادة الأنشطة الحياتية والزراعية أو الصناعية، علاوة على مؤشرات التلوث المصاحبة لها. وفي ظل محدودية الموارد على مستوى العالم، أصبح شحَ المياه قضية عالمية، ومصدر قلق متزايد حول تبعاته المصيرية على مستوى تطور تاريخ الإنسان المستقبلي.
وبنظرةٍ فاحصة إلى خريطة منطقة دول المجلس؛ نجد أنَها من أكثر الدّول تأثرا بقضية ندرة ومحدودية المياه، وزيادة الطّلب عليها، خاصة وأن طبيعة المنطقة تتسم بصفةٍ عامة بمناخ صحراوي جاف، لا يوفّر إلا القليل نسبياً من المياه العذبة، إذا ما قورنت بمناطق العالم الأخرى، وتُصنّف بأنها من أفقر دول العالم مائياً. لذلك تعمل هذه الدّول، ومنذ وقت طويل، على تقليل الفجوة بين ما هو متاح من موارد مائية محدودة أساساً، وتتناقص مع مرّ الزمن، وما هو مطلوب للوفاء بالاحتياجات المتزايدة، نتيجة للزيادة السكانية، وزيادة الطلب على الغذاء، واستهلاك الفرد للمياه.
وفي ظل النّدرة النّسبية للموارد المتاحة، ومحدودية التّساقط المطري، والاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، وتدهور نوعيّتها؛ فإنّ المشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم، ممّا تتأثر معه الأحوال الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ما لم تُتخذ الحلول المناسبة للتّصدي لهذه المشكلة المائيّة المُلحّة.
إدارة المياه وحمايتها :
وتتفاقم هذه المشكلة اذا ما اخذنا في الاعتبار ضعف أجهزة إدارة المياه وحمايتها، وقلة الاعتمادات الماليّة اللّازمة لتنميّة الموارد المائيّة، والبحث عن موارد مائيّة اقتصاديّة جديدة، علاوة على عدم احترام القوانين والتّشريعات الخاصة بالمياه، وضعف الوعي الخاص بقضايا المياه ومشاكلها. هذا بالإضافة إلى تدهور نوعيّة المياه الجوفية نتيجة للاستنزاف المتزايد لتلبية الأنشطة الزراعية والسكانية والصناعية. ويمكننا إضافة تحدّياتٍ أخرى تتمثّل في وضع خطط وسياسات وبرامج ديناميكية آمنة تضمن تحسين وتطوير وبناء قدرات المؤسّسات العامة والخاصة في طرق إدارتها للمصادر المائية، وتدبير مصادر متجدّدة لضمان التنمية المستدامة للأجيال القادمة، مع ضمان الحدّ الأدنى للمحافظة على البيئة.
هشاشة الوضع المائي في دول الخليج قضيّة مصيرية بل وجودية، ولطالما عانت المنطقة تاريخيّاً من الجفاف والقحط في الفترات التي سبقت العصر النفطي، لذلك من المهم وضع الملف المائي في مقدمة الأولويات والتّحديات التي تواجه المنطقة. هناك حاجة فعلية لاتخاد خطواتٍ إيجابية لتنمية الموارد المائية، بما يُحقّق التنمية المُستدامة، ويبعد شبح شحّ المياه عن المنطقة بشكل نهائي. ولهذا، فإنّ توفير الاحتياجات المائية لكافة الأغراض الحالية والمستقبلية يعتمد في المقام الأول على دقة تقييم وتحديد الإمكانيات المائية التقليدية وغير التقليدية، مثل إعادة استخدام الصرف الزراعي والصحي، وتحلية مياه البحر، وحماية الموارد المائية من الهدر والتلوث في إطار تبني سياسات وطنية وإقليمية ملائمة، وتفعيل ودعم القدرات المؤسسية المسئولة عن إدارة المياه وتطبيق التشريعات المناسبة على أساس بيئي سليم. وتشكل هذه القضية المصيرية جوهر ما هو مقدم في هذا الملف، حيث نحاول تقديم صورة أولية حول الوضع المائي في دول الخليج، لطرح هذا الموضوع الحيوي بين الرأي العام وإثارة النقاش حوله.
المصادر المائية في دول المجلس :
أ- مصادر المياه السطحية:
- الأمطار:
يتراوح معدل الهطول المطري ما بين 1-100 ملم سنويا، وتعتبر المصدر الرئيسي للتغذية الطبيعية للعديد من الأحواض المائية الجوفية بالمنطقة، ومن هذه المؤشرات يتضح أن حوالي 85% من مساحتها شديدة الجفاف ولا تصلح للزراعة المطرية.
وعلى الجانب الآخر، فإنّ معدلات التبخّر تتراوح ما بين 1000ملم سنوياً على الشريط الساحلي وحوالى 3000 ملم سنوياً في المناطق الصحراويّة.
-الأودية الموسمية:
تنتشر في أنحاء دول المجلس شبكات من الأودية الموسمية متباينة في كثافتها تبعاً للطبوغرافية ونوع التربة والبيئة التي تسود، وكمية هطول المطر السنوي. تجري مياه هذه الأودية عادة لفتراتٍ محدودة سنوياً، تتراوح من بضع ساعات إلى عدّة أيام أو أشهر، وفي بعض المناطق شديدة الجفاف تفيض مرّة كلّ عدّة سنوات.
ب- مصادر المياه الجوفية:
وتقدر المياه المتاحة حالياً في المنطقة بحوالي 35 مليار متر مكعب سنوياً، بينما المخزون الجوفي من هذه المياه يفوق 7700 مليار متر مكعب، إلا أنّ المتجدّد منه حوالي 42 مليار متر مكعب. تختلف نوعية المياه الجوفية من حوض إلى آخر، كما أنّ معظم المياه الجوفية توجد في المنطقة الوسطى، ويعود تكوينها إلى عصور قديمة. ولا زالت المعلومات غير مكتملة حول حالة هذه المياه الجوفية، مما يحتّم وضع برامج لتنمية الأحواض الجوفيّة وتغذيتها من الأمطار بطرق مختلفة حتى يُمكن الاعتماد على هذه المياه عند الحاجة بناء على احتمالات الهطول الممكنة، ممّا يستدعي إجراء التسجيلات الدقيقة لها ومتابعتها وتقويمها.
ومن أهم خزانات المياه الجوفية الموجودة في المنطقة؛ أحواض المنطقة الشرقية، وحوض الحماد، والرياض، والربع الخالي.يقدر إجمالي الطاقة التخزينية لها بحوالي 500 مليار متر مكعب.
جـ - المصادر المائية الغير تقليدية:
في إطار البحث عن مصادر مائية جديدة؛ فإنّ دول الخليج تُعتبر من أكبر مناطق العالم إنتاجاً للمياه غير التقليدية، إما بواسطة معالجة مياه البحر، أو بواسطة تنقية مياه الصرف الصحي وإعادة استخدام مياه الإنتاج الزراعي. وعلى الرغم من أن تنمية هذه المصادر المائية غير التقليدية تُكلّف مبالغ باهظه بمقارنتها بالموارد المائية التقليدية؛ إلا أنه سيكون لها شأن يُعتمد عليه في المستقبل بسبب تزايد الطلب على المياه على مرّ الزمن، نظراً لشحّ المصادر الأخرى للمياه.
وتتمثل الاستخدامات الرئيسية للموارد المائية الناتجة عن تحلية مياه البحر في الأغراض المنزلية والزراعية بشكل رئيسي، خاصة في المناطق التي تُعاني من ندرة في المياه من حيث النوعية والكمية. وتستخدم هذه التقنية حيث تتوافر لها الطاقة ويصل إنتاجها إلى معدلاتٍ تصل إلى أكثر من 2.5 مليار متر مكعب في السّنة.
أمّا استخدامات مياه الصّرف الصّحي والصّناعي والزّراعي بعد المعالجة اللازمة طبقاً للمعايير الدولية؛ فتتمثل بشكل رئيسي في أغراض الرّي، ويمكن اعتبارها مصدراً مهماً لمياه الري، كما يمكن الاستفادة منها لتغذية الأحواض الجوفيّة.
الاحتياجات والاستهلاكات المائية:
تكاد تكون نسبة الموارد المائية المتجدّدة في دول الخليج معدومة، ممّا يجعل نصيب الفرد السنوي من المياه (الفقر المائي 1000 متر مكعب للفرد في العام)؛ من أكثر المستويات تدنّياً في العالم.
وإذا كان عدد السكان قد تضاعف بشكل مطرد في الأعوام الثلاثين الماضية، وهو قابل لأن يتضاعف مرّة ثانية خلال السنوات الثلاثين المقبلة، فضلاً عن زيادة نسبة نمو المدن التي تضمّ الاغلبية الساحقة من سكان المنطقة وتفتقر في نفس الوقت نسبة كبيرة إلى المياه المأمونة متطلبات الصرف الصحي الأساسية (كما هو الحال في جدة)؛ فمن المتوقع أن تتفاقم المشكلة بشكل تصاعدي على مدى السّنوات القادمة .
في مقابل شحّ الموارد المائية المتجددة وتناقصها، نجد أنّ معدّلات استهلاك المياه في الخليج تُعتبر الأعلى عالميّاً. الكويت، مثلاً، تستهلك أكثر من مرتين معدل استهلاك الفرد للمياه في بريطانيا.
وتمثل الاستخدامات المنزلية المستهلك الأساسي للمياه في الخليج، ويليها الاستخدام الصناعي والتجاري.
ويتوقع ان تستمر معدلات الاستهلاك في الارتفاع بشكل مضطرد على مدى السنوات القادمة نظرا لمعدل الزيادة السكانية العالية والتوسع العمراني.
يتضح لنا عمق المشكلة عند النظر إلى تكلفة إنتاج المياه في دول المجلس في مقابل سعر البيع للمستهلكين. فتعتبر أسعار استهلاك المياه في دول مجلس التعاون، على رغم ندرتها، وتكلفة إنتاجها العالية؛ من أرخص الأسعار الاستهلاكية في العالم، ممّا يفاقم من قضية الإسراف في الاستهلاك وعدم دفع القيمة الحقيقة للمياه في دول تعاني من هشاشة في المياه.
في المقابل، ونظراً لأن أغلبية المياه المنتجة تأتي عن طريق تحلية مياه البحر والمياه المعالجة، والتي تعتبر من أكثر الطرق تكلفة وأكثرها استنزافا للطاقة.
ولقد أدّى هذا الاستهلاك المفرط إلى استغلال الأحواض الجوفية بمعدلاتٍ تفوق التغذية السنوية، ويتسبّب ذلك في انخفاض مستويات المياه الجوفية وتدهور نوعيتها، وقد يصل الأمر إلى تداخل مياه البحر المالحة واختلاطها بالمياه الجوفية، خاصة في حالة الأحواض المائية القريبة من السواحل. وأكثر الدول استغلالاً للأحواض الجوفيّة في السعوديّة والبحرين والإمارات وقطر. وغني عن القول أّن استغلال الأحواض الجوفية بمعدلات تفوق التغذية السنوية ليس مستداماً على المدى البعيد، ممّا يتطلب وضع تشريعات عاجلة لحماية هذه الأحواض ووضع خطط محددة لزيادة تغذيتها السنويّة من الأمطار.
ومن جهةٍ أخرى، تعاني أنظمة المياه في المدن من عدم الكفاءة، إذ يفوق الهدر نسبة 30% من المياه المُخصّصة لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي، بسبّب تدني مستويات الصّيانة والتخلّف التكنولوجي وضعف الإدارة الفنية والماليّة. وهذا الهدر غير مقبول بسبب التكاليف العالية لهذه المياه المحلاة، مقارنة بالكلفة الزهيدة لخفض الهدر، كما يقلل الكلفة الرأسمالية والتشغيلية أيضاً.
ومازال الفاقد المائي في قطاع الزراعة، رغم محدوديتها، كبيرة نتيجة استخدام طرق الري التقليدية، وتزيد نسبة الفاقد عن 80% وكثيراً ما يؤدي هذا الفاقد - إلى جانب الضغط على المورد المائي- إلى تملّح التربة وارتفاع مستوى الماء الأرضي، ممّا تؤثر على الإنتاجية الزراعية المحدودة.
إن مفهوم تعظيم إنتاجية وحدة المياه أصبح اتجاها أساسياً وعاماً لدى العالم، سواء من لديه فائض منها أو من يعاني نقصاً. ويتطوّر هذا المفهوم مع الزمن بتطوّر التكنولوجيا وتقدّم الصّناعة والتنمية بشتى صورها. وفي عالمنا الجديد، هناك ضرورة لتبنّي النظرة التكامليّة لمفهوم إنتاجية وحدة المياه، آخذين في الاعتبار المؤثرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة.
ضعف المخزون الإستراتيجي للمياه :
وقد يكون من أكبر التحدّيات التي تواجه دول المجلس؛ هي ضعف المخزون الإستراتيجي للمياه في بعض دول المجلس، وهي القدرة الاستيعابية للدولة من كمية المياه للاستعمال الفوري. ففي الإمارات، مثلا، والتي تعتبر الدّولة الأكثر تطوّراً في المنطقة في هذا المجال؛ يصل مخزون المياه الإستراتيجي إلى حوالي الشّهر، بينما لا يتعدى المخزون الإستراتيجي الحالي للبحرين يوماً واحداً، ممّا يعني الحاجة إلى إعادة تعبئة المخزون يوميّاً لتفادي نفاذه، ممّا يثير أسئلة أساسيّة حول جاهزيّة الدّولة لأية كوارث أو حالات طارئة محتملة لا قدر الله. وقد ذاق البحرينيون جزءاً من هذا السيناريو الأسود في عام أغسطس 2004م فيما عُرف بيوم الاثنين الأسود، حين انقطعت الكهرباء ليوم كامل في ذروة حرارة الصّيف، ممّا أدّى إلى توقّف محطّات تحلية المياه، وبنهاية اليوم كان المخزون المائي في الدّولة قد وصل إلى درجة النفاذ.
التحديات التي تواجه إدارة الموارد المائية في دول المجلس:
بالإضافة إلى التحدّيات الماديّة التي تمّ ذكرها سابقاً؛ تواجه دول المجلس تحدياتٍ تنظيميّة في إدارة الموارد المائية، والتي هي في الأساس ناتجة عن سوء إدارة بالإمكان تطويرها وتفاديها، وهذا ما نسلّط الضوء عليها في هذا القسم من البحث.
- التحديات الداخلية :
ا - تعدد المؤسسات المسئولة عن المياه وضعف دورها في أحكام الرقابة:
نظراً لأن المياه تمثل العنصر الحيوي والركيزة الأساسية للتنمية المستدامة، ممّا حدا بدول المجلس إلى التوسّع في إنشاء الهيئات والمؤسّسات المسئولة عن المياه. هذا الأمر أدّى إلى تعدّد المؤسّسات وتداخل مسئولياتها، علاوة على عدم التنسيق فيما بينها، مما انعكس بالسّلب على أدائها في معالجة قضايا المياه. وبإمكاننا الأخذ، مثلاً، إنشاء وزارات مياه في أغلب الدول، بالإضافة إلى هيئات عامة للإشراف على المياه. هذا بالإضافة إلى تولي القطاع العسكري أحياناً مسؤولية إنشاء محطات تحلية المياه في بعض الدول. ونجد في العديد من دول المجلس أن مسئولية المياه موزّعة على عدة مؤسّسات مختلفة، وتُدار بمعزل عن بعضها البعض، فمثلا المياه الجوفية ومياه الزراعة ومعالجة مياه الصرف الصحي والتحلية والشبكات؛ كثيراً ما تُدار من قبل أجهزة مختلفة.
كما تفتقر معظم المؤسّسات المائيّة إلى مقوّمات البحث والدّراسة الإقليميّة، كما تعاني أنشطة البحث العلمي التي تتولاّها الجامعاتُ ومراكز البحوث بالمنطقة؛ من ضعف مقوّمات التشجيع، وقلّة الدّعم من الجهات المختصّة.
ب - ضعف القدرات المهرية البشرية ونقص الكوادر الفنية المؤهلة:
وعلى الرغم من زيادة أعداد الخريجين من الجامعات والمتدربين، إلا أنه ما زال هناك قصور في المهارات الفنيّة، والكوادر المدرّبة، مع غياب التّنسيق، وغياب قواعد البيانات المشتركة، والاكتفاء بالبحوث الفرديّة أو النّظريّة. و تتواجد حالياً برامج دراسيّة عليا متخصّصة في المياه في دول الخليج، ولكن بشكلٍ محدود جدّاً.
جـ - محدودية الوعي الجماهيري والمشاركة في صنع القرار:
من المظاهر الواضحة؛ انتشار الأمية في مجال استخدامات المياه، وتدنّي مستويات الوعي، وخاصة بين القطاع الأكبر من المستفيدين من المياه (قطاع الزّراعة والقطاع السّكني).
لذلك كان لتنظيم التّوعية الاجتماعيّة أهمية كبيرة في مجال العمل على تغطية المعلومات التي تهم مستخدمي المياه، وذلك بمناشدة الجماهير عن طريق حملات توعية وبرامج تعليمية ومبادرات مماثلة من شأنها أن تلعب دوراً مهمّاً في تغيير السلوك البشري المتعلق بكيفية الحفاظ على المياه واستخدامها بكفاءة عالية. وآليات التّوعية في مجملها غير مكلفة، ولذلك فلابد أن تكون ذات أولويّة متقدّمة لتحقيق فاعليتها.
د- زيادة معدلات النمو السكاني وازدياد الفجوة بين إمدادات المياه والطلب عليها:
تتأثر الاحتياجات المائيّة بالزيادة السّكانيّة وبالأحوال الاجتماعية الاقتصادية للسكان. ومن المتوقع في المستقبل أن ترتفع الاحتياجات المائيّة نظراً للزيادة السّكانيّة. وتعتبر المنطقة من أكثر المناطق في العالم، حيث يُقدّر معدّل النّمو السّكاني في المنطقة. والحالة الاجتماعيّة والاقتصادية للسّكان لها تأثير على الاحتياجات المائيّة، فاستعمالات المياه لسكان المدن مثلاً تزيد على مثيلتها لسكان المناطق الأخرى.
ويرتبط أيّ مخطط قومي لتحقيق الأمن الغذائي، ارتباطا وثيقاً بإستراتيجية الأمن المائي، وما يتطلّبه ذلك من توفير المزيد من المياه، آخذاً في الاعتبار النّمو السّكاني، وخطط التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة بكلّ فاعليتها.
وهنا تنشأ أسئلة حقيقيّة حول مدى استدامة وفاعلية خطط المنطقة في التواصل من أجل بناء مشاريع عقاريّة ضخمة، ومدن جديدة، والتواصل في نمو سكاني مطّرد، في خضم الموارد الطبيعية الشّحيحة، وخاصة في المياه.
هـ - محدودية المعلومات عن الموارد المائية:
إنّ المشكلة الأساسيّة التي تعاني منها دول المجلس هي عدم وجود معلومات كافية، والمعرفة غير الوافية لكلّ من الموارد المائية الطبيعية والمحتملة، وكذلك الاحتياجات المائيّة الحالية والمستقبلية. كما أنه يحكم تجدّد الموارد المائية عددٌ من المتغيّرات، ومن الضّروري معرفة القيم المتوسّطة لهذه الموارد، وتحديد توزيعها وفتراتها، وما إذا كانت دائمة أو مؤقتة، والتوزيع الزماني والمكاني.
لذلك كان لابد من تكثيف الجهود لتجميع المعلومات المائيّة الأساسيّة وتبويبها وتنظيمها وتبادلها لتحقيق الفائدة للجميع، وإمكان مواجهة أي عجز قد يحدث، كما يمكن أيضاً مواجهة الأخطار المحتملة، علاوة على ذلك يمكن التّعاون فيما بينهم في تجهيز خطة مشتركة بعيدة المدى للموارد المائية واستخدامها.
وقد استفادت بعضُ الدّول من استخدام الحاسب الآلي في تخزين وعمل برامج وأنظمة معلوماتيّة للموارد المائيّة، كما يمكن إنشاء شبكات رصد وربطها ببعضها البعض، وكذلك العوامل الجوية والمناخية، علاوة على تطبيق نظم الاستشعار عن بُعد، وتقنية نظم وتحليل المعلومات الجغرافية (GIS) وذلك بهدف عمل قاعدة معلوماتية للموارد المائيّة والأحوال الجوية والمناخية والاستخدامات المائية وخلافه، ويجب العمل على تعميم هذه التقنيات في جميع دول المنطقة، وكذلك الدّول المشاركة في الموارد المائية.
و- تعدد وقصور السياسات المائية وغياب عنصر التكامل والشمولية:
يجب أن تقوم هذه السّياسات على أساس واقعي لمصادر المياه المتاحة، وتقييم دقيق للوضع المائي والاحتياجات الحاليّة والمستقبليّة، مع الأخذ بالتّقنيّات لمواكبة التقدّم السّريع في العلوم والتكنولوجيا والبحوث التطبيقية، والاستفادة من الدّروس والخبرة السابقة، وإدراك الوعي البيئي، والتّعامل مع المياه بسياسةٍ أكثر ديناميكية من خلال بعض الاختيارات والبدائل المختلفة، طبقاً للموقف السائد وطبيعة المكان والزمان.
ويتمثل ذلك في وضع سياسة شاملة لدول المجلس، بحيث يتم التّعامل مع الدّول بوصفها منطقة مترابطة واحدة، يجمعها مصير مائي مشترك بالنسبة للمياه، لتحقيق عملية التوزان المائي وتقليص الفجوة بين الموارد والاحتياجات، في ظلّ زيادة الطّلب على المياه.
وخلاصة القول، أنه يوجد قصور في البرامج الحالية لتنمية الموارد المائيّة، خاصة في المناطق التي تعاني نقصاً أو عجزاً في المياه، وكذلك البرامج التكميلية الأخرى لاستخدامات المياه غير التقليدية ومشروعات الصرف الصحي، علاوة على الغياب الخطير لسياسات شاملة لإدارة المياه بصورة شاملة ومتكاملة وملموسة وواقعية. وكذلك غياب الإستراتيجيات والخطط الطويلة المدى، مما ينعكس على بقاء قضايا المياه في دول المجلس باعتبارها قضايا حاسمة وحقيقية وتحتاج إلى كثير من الجهود لمواجهتها.
ز- تدهور نوعية المياه وتلوثها:
إنّ البيئة المائيّة في دول المجلس حسّاسة وهشّة، فاستثمار الموارد في التّطور الصناعي، وضغوط المدنيّة، وقلة الإلمام بالآثار السّلبية الناجمة عن إدخال التكنولوجيا؛ لها آثارها المعقّدة والمسبّبة لتدهور نوعية الموارد المائيّة، وتأثيرها بالسّلب على الصّحة العامة والإنتاجية والبيئية.
وتزداد المشكلة تعقيداً لعدم توفر معلومات أو بيانات شاملة عن نوعية المياه في دول المجلس، فضلاً عن أن قضية حماية الموارد المائية من التدهّور لم تحظ بالعناية اللازمة، ممّا يتسبّب عنه ندرة مائية مستقبلاً.
وترجع أسباب تلوث المياه العذبة السّطحية منها والأرضيّة؛ إلى أسبابٍ كثيرة، منها: تسرّب مياه الصّرف الصّحي غير المعالج، أو الصّرف الزّراعي المُلوّث بالمبيدات والمخصّبات، أو الصّرف الصّناعي، أو إلقاء المخلّفات في المجاري المائية، هذا بالإضافة إلى عمليات ردم البحر المطّردة في بعض دول المجلس، ممّا يؤدّي إلى ضرر أحواض المياه الجوفيّة القريبة من البحر بسبب تكسير الطبقات الصّخريّة العازلة للمياه الجوفية، وهو ما يؤدّي إلى اختلاط المياه الجوفية بالمالحة وارتفاع نسبة ملوحتها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن التّكاليف الاقتصاديّة والصّحيّة النّاجمة عن التلوث ربما تكون باهظة جداً، وبدون مواجهة حازمة ومؤثرة، فإنّ هذه المشاكل ستتفاقم وتزداد بسرعة إلى الدرجة التي تحتاج إلى تكاليف مُضاعفة لتصحيح هذه المشاكل.
وهذا يتطلب مساندة قوية عن طريق إجراء التحاليل اللازمة، وعمل برامج المتابعة، وإدخال نوعية المياه كمحدّد مهم عند عمل السّياسات المائية، خلال تجهيز النماذج الرياضية الحديثة ونظم القرار، ودراسة تقييم المخاطر أو الكوارث.
ي- التّصحر:
تبلغ مساحة دول المجلس حوالي 14 مليون كم مربع، وتمثّل الأراضي المنزرعة حوالي 3.4%. ويغلب على معظم المساحة النّطاق الصّحراوي الجاف، أو شبه الصّحراوي، شبه الجاف.
وتتطلب مكافحة التّصّحر، بوصفها مشكلة بيئية واقتصاديّة واجتماعيّة تُهدّد المجتمع في الخليج؛ ضرورة معاملة خاصة لإدارة البيئة والتخطيط وضبط الاستخدام، وصيانة الغطاء الشجري، وضبط ترشيد استخدامات المياه.
خاتمة: الرؤية المستقبلية لمواجهة التحديات المائية
ممّا لا شكّ فيه؛ فإن التّحديات المائيّة تمثّل هاجساً حقيقيّاً لدول المجلس، خاصة في ظلّ طبيعتها الصّحراويّة القاسية، وندرة الموارد المتجدّدة، والاستهلاك المفرط. وهذا يحتمّ جعْل مسألة المياه في أوّل اهتمامات دول المجلس مجتمعة. وقد يكون ركيزة أيّة خطة لمواجهة هذا التّحدي؛ هو النّظر إلى المسألة باعتبارها تحدّ مشتركاً يُهدّد المنطقة ككلّ، والعمل بشكل جماعي كوحدة مترابطة، ووضع رؤية واضحة وشاملة مستقبلية لكيفية معالجة الأمر على مستوى المجلس ككلّ، بدلاً من اعتماد خططٍ فئويّة على مستوى كلّ دولة.
قد تكون هذه الخطّة المشتركة وتطبيقها على أرض الواقع؛ هي المنطلقُ الأساسي لأية حلول جذريّة لمشكلة المياه، وهذه الخطة حالياً غير متواجدة على مستوى المجلس، دعك عن تفعيلها (هل قام المجلس بأية خطط مائية على مستوى المجلس؟) وإذا كان من الصّعب تحقيق هذا التكامل الآن لاعتبارات متعددة؛ فإنّ ذلك لا يمنع من وجود هدف إستراتيجي واضح لتحقيق التكامل بين مجلس التعاون لمواجهة هذه القضايا، مع الأخذ في الاعتبار أن المفهوم الأساسي للمياه؛ هو وسيلة للتّعاون والترابط الإقليمي أو الدّولي، وبالتّفاهم المتبادل لطبيعة المشكلات والقضايا ذات العلاقة بالمياه.
وفي حال تواجدت هذه النية بالعمل الجدّي الجماعي، فبالإمكان في ظلّ هذا الإطار؛ اقتراح الكثير من الاقتراحات العمليّة والإداريّة لمحاولة مواجهة خطرٍ بدأ يطلّ بوجهه على دول المجلس. ونطرح هنا بعض الاقتراحات على سبيل المثال من أجل إثارة النقاش حولها يجب أن يشمل المنظور العام للرؤية المائية للمنطقة الجوانب الأساسية الآتية:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق