بقلم: - عمر
هشام الشهابي - يوليو 2012 - ورقة رقم 2 - مركز الخليج لسياسات التنمية - سلسلة
االوراق الاستطلاعية :
تقديم :
لا يحزن المرء
أكثر من الحزن على أصوات ضاعت أدراج الرياح، وهي تحذر من الخطر. فمنذ عقود نبه
خبراء وعلماء ومحللون كثيرون -من أبناء المنطقة وخارجها - إلى حدة الخلل
السكاني الذي يجتاح التركيبة الديموغرافية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ورغم ذلك، بقيت
المشكلة عالقة واستشرى ما ترتب عليها من تبعات. واليوم تأخذ حدة الخلل السكاني
منحى جديدا، هو أخطر مما سبق، حيث تتدخل المشاريع العمالقة في سوق العقار
لتكريس تفاقم ذلك الخلل، وكأننا نكمل على البقية الباقية من الجذور، في سبيل
إقامة مدن إن سكنت فليست منا وليست لنا، وإن خوت فهي لسكنى الأشباح .!
الواقع أن
الحديث عن التركيبة السكانية، واختلالها، تتصاعد وتيرته مع كل أزمة مالية عالمية،
حيث ترتد هذه الأزمات مثل الكرة إلى ملعبنا، نرى حركتها ونسمع صداها ونتأثر
بما تحركه حولنا. تركز الأزمة الاقتصادية ضربتها بشكل رئيسي على القطاع العقاري
حيث تم توقيف جزء من تلك المشاريع. وقد وصلت قيمة المشاريع الملغاة أو
المتوقفة في دول مجلس التعاون ككل إلى 286 بليون دولار، حيث كان النصيب الأكبر 90
في المائة من المشاريع الملغاة أو المتوقفة في القطاع العقاري.
والغريب أنه في
كل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تشير الدلائل إلى أن أعداد الوافدين
تواصل النمو، على الرغم من الأزمة المالية، وهذا أمر يتناسق مع ما حدث في
مراحل الركود الاقتصادي السابقة، حيث تواصلت أعداد الوافدين في النمو،
متغلبة بذلك على الركود الاقتصادي، مما يدل على أن مسألة التركيبة السكانية هي
مسألة جذرية تتعدى في أبعادها النمو الاقتصادي الواقعي والمباشر.
يحاول البعض،
منذ خمسة عقود، أن يطرح حلولا لتقنين أعداد الوافدين والسيطرة على عملية تنظيمها،
بما في ذلك قانون الكفالة، إلى مؤسسة مركزية تابعة للدولة، حيث تكون لها
رؤيتها المتكاملة وخطتها الواضحة بالنسبة إلى الهجرة وتبعاتها، وتفعيل نظام
يضمن دفع القيمة الحقيقية لوجود الوافدين من قبل الكفلاء، هذا بالإضافة إلى زيادة
نسبة الوافدين العرب، والنظر بشكل جدي في إمكان توطين جزء من العمالة
الوافدة التي استوفت شروط مدة الإقامة وإتقان اللغة العربية، ولا سيما الوافدين
العرب ذوي الكفاءات العالية التي تحتاج إليها الدولة.
من هنا تأتي
أهمية الدراسة للباحث عمر هشام الشهابي. وتضع الدراسة ـ بشكل مباشر وصريح ـ يدها
على لب مشكلة الخلل السكاني، ألا وهو تنين سوق العقار واستثماراته التي تلفظ
نارها في كل حدب وصوب، حتى وصلت إلى فكرة ترويج بيع العقارات أو بيع حق
الانتفاع بها مقابل منح الإقامة الدائمة، وهو أمر تجده الدراسة عجيبا وفريدا من
نوعه في العالم، تأخذ به حكومات أربع من دول المنطقة حتى الآن.
_______________
«اقتباس بتصرف
من حديث الشهر: اقتلاع الجذور وتنمية الضياع» د. سليمان العسكري نشر في
مجلة العربي – العدد 647. ذو القعدة 1433هـ - أكتوبر2012م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق