التسميات

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر ...

الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر


 الاقتصاد العالمي، الدولة القومية المحليات

 تأليف: بيتر تيلور و كولن فلنت

 ترجمة: عبد السلام رضوان و إسحق عبيد

سلسلة عالم المعرفة

كتاب جديد صادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب بالكويت 


الجزء الأول العدد : 282، يونيو 2002. (324 صفحة)















الجزء الثاني العدد : 283 ، يوليو 2002 ( 242 صفحة).















الجزيرة نت - عرض - إبراهيم غرايبة

يحاول هذا الكتاب الربط بين العمليات الكونية والخبرة اليومية وتحقيق التكامل بين السياسات المتباينة المنتشرة عبر الدروع الجغرافية، كما يحاول فهم التغيرات العالمية التي تجري من خلال وصفها في سياق نظري يستند إلى منظور منهج تحليل النظم العالمية ضمن الإطار العام للتاريخ وحسب النمط الجغرافي للتطور السياسي للعالم.



غلاف الكتاب-اسم الكتاب: الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر

-المؤلفان: بيتر تيلور وكولن فلنت، ترجمة: عبد السلام رضوان وإسحق عبيد

-عدد الصفحات: 579

-الطبعة: الأولى 2002 

-الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت

ويدرس مؤلفا الكتاب قضيتي الجغرافيا السياسية والاستعمار اللتين ظلتا تعتمدان على مفهوم القوة السياسية والتراث الماركسي الثوري وهما يشتركان في التركيز على الدولة. وتتطلب المرحلة العالمية الجديدة (العولمة) البحث في نموذج الممارسة السياسية للاقتصاد العالمي.

وتتشكل الجغرافيا السياسية من ثلاثية تقليدية هي: الأرض والدولة والأمة، وقد ارتبطت دراسات الأرض بالتنمية والموارد، والقومية بالأيدولوجيا. ويحاول المؤلفان أن يطورا أفكارا حول الدولة كآلية للتحكم والسيطرة، وعن الأمة كمستودع للإجماع السياسي، ويقدمان أفكارا وتفسيرات جديدة للبنية المكانية للدولة وموقعها في الاقتصاد العالمي.

ويراجع المؤلفان النظرية الليبرالية للانتخابات أو الجغرافيا الانتخابية لتفسير أداء وممارسات الأحزاب في مختلف أرجاء العالم، وموقع الشؤون المحلية في الممارسات السياسية بوصفها ساحات الفعل السياسي والصراعات الرسمية وغير الرسمية. وفي فصل المدن العالمية يربطان بين الكوني والمحلي والسياسات الجديدة للهوية والأمكنة المتقدمة أو ما وراء الدولة.

” الجغرافيا السياسية واحدة من الحقول الواعدة في محاولة فهم عمليات وآليات التحول السياسي على المستوى الدولي من خلال بحث العلاقات القائمة بين الحقائق المكانية والعمليات السياسية أو بعبارة أخرى دراسة الخصائص المكانية للعمليات السياسية
”والحصيلة النهائية هي جغرافيا سياسية تسعى إلى إعادة النظر في بحوث شروط النظم العالمية أو كما يعتقد المؤلفان إضافة أفكار جديدة للعلوم والنظريات القديمة ومعالجة النظريات الحديثة بالأفكار العتيقة وقد تكون المحصلة علما لم ينضج بعد، ويقد يجعله ذلك سبب صدمة وحيرة.

ازدهار الجغرافيا السياسية 
يستخدم الكتاب مصطلح الجغرافيا السياسية للتعبير عن معنيين متكاملين: أولهما الممارسة السياسية لبلد ما كما تحددها الجغرافيا والموارد البشرية، والثانية العلم الذي يبحث في ذلك. وقد بدأت الدراسات في حقل الجغرافيا السياسية عام 1897 على يد العالم الألماني راتزل، ولكنها أهملت بعد أن ساء صيتها نتيجة للتوظيف النازي لها، ولم تعد إلى دائرة الضوء إلا منذ منتصف القرن العشرين لتصبح واحدة من الحقول الواعدة في محاولة فهم عمليات وآليات التحول السياسي على المستوى الدولي من خلال بحث العلاقات القائمة بين الحقائق المكانية والعمليات السياسية أو بعبارة أخرى دراسة الخصائص المكانية للعمليات السياسية.

وبقيت رؤية ماكندر للجغرافيا السياسية العالمية تحكم السياسات والصراعات الدولية طوال القرن العشرين وهي الرؤية المسماة نظرية "القلب - الحافة" أي قلب الأرض وحافتها، ويمثل القلب القوة البرية التي مثلها الاتحاد السوفياتي وألمانيا من قبل، ويمثل الحافة القوة البحرية التي مثلتها الولايات المتحدة وبريطانيا من قبل، أو المواجهة بين القوة البرية والبحرية.

وقد أجرى سول كوهين مراجعة لهذه النظرية وبخاصة مع التطور التكنولوجي ونشوء القوات الجوية والصواريخ العابرة للقارات وتنامي القوة البحرية السوفياتية. ويستند كوهين في مراجعته أساسا إلى أن العالم ليس كتلة واحدة كما رآه ماكندر وإنما وحدات إقليمية أساسية مستقلة، وهو يرى أن العالم يتكون من تسع وحدات أساسية هي: القلب وأوروبا الشرقية، وشرق آسيا، وجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، والصحراء الكبرى، والحدود المائية لأوروبا والدول المغاربية، وأميركا الجنوبية، والمناطق الآسيوية الأوقيانية المحاذية للشاطئ، والحدود الأميركية الإنجليزية والكاريبية.

وهو يرى إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ثلاث قوى عالمية جديدة هي اليابان والصين وأوروبا، ثم تأتي مجموعة ثانية في المقام الأول تضم 27 دولة مثل الهند والبرازيل ونيجيريا، ثم تأتي مجموعة ثالثة وأخرى رابعة وهكذا.

” 
بقيت رؤية ماكندر للجغرافيا السياسية العالمية تحكم السياسات والصراعات الدولية طوال القرن العشرين وهي الرؤية المسماة نظرية "القلب-الحافة" أي قلب الأرض وحافتها، ويمثل القلب القوة البرية التي مثلها الاتحاد السوفياتي وألمانيا من قبل، ويمثل الحافة القوة البحرية التي مثلتها الولايات المتحدة وبريطانيا من قبل 
وكانت نهاية الحرب الباردة بداية لجغرافيا سياسية جديدة. وقد لقي كتاب بول كنيدين "سقوط القوى العظمى" إقبالا كبيرا من القراء ربما لأنه نشر في نهاية الثمانينات عندما بدأت الحرب الباردة بالأفول وبدأ نظام عالمي جديد بالتشكل. وقد حدثت تحولات عالمية كبرى بين عامي 1989 و1991 منها انهيار أنظمة الحكم الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي وقيام الوحدة الألمانية وتفكك الاتحاد السوفياتي، وسعت الولايات المتحدة في بناء نظام عالمي جديد بقيادتها وتبدى نجاحها في ذلك في حرب الخليج الثانية. ولكن المؤلفين يعترفان بأن السنوات التي مرت منذ عام 1992 لم تكن كافية لمعرفة كيفية توزيع القوى على الساحة العالمية في الوقت القريب.

لقد أتاحت الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي مرت بها الولايات المتحدة أواخر الثمانينات المجال للتنبؤ بقيام قوة عالمية جديدة ناجحة اقتصاديا وتقنيا مثل اليابان، ولكن ما بعد الحرب الباردة تمخضت عن جيوبولوتيكا معقدة المعالم والأبعاد.
ومن الأفكار التي طرحت في أوائل التسعينات للجيوبولوتيكا الجديدة هي عودة روسيا كقوة منافسة للولايات المتحدة وتستعيد دور الاتحاد السوفياتي، ومنها أيضا صعود الإسلام كقوة عالمية محتملة فالعالم الإسلامي يغطي مساحات واسعة من العالم في آسيا وأفريقيا ويملك موارد هائلة تؤهله للقيام بدور عالمي مؤثر.
وطرح جون أولوفلن عشرة بدائل أدرجها وفق احتمال حدوثها، وأهمها:
  • تفرد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم.
  • حدوث صدع في التحالف الغربي بين الولايات المتحدة وأوروبا كما حدث صدع في المعسكر الشرقي بين الصين والاتحاد السوفياتي عام 1962 فتصبح أوروبا منافسا للولايات المتحدة وقطبا ثانيا في النظام العالمي.
ولكن العولمة بتغيراتها الكبيرة وتحديها للدولة والأقاليم تفرض البحث في جيوبولوتيكا جديدة تواكب هذه الظاهرة والسياسة العالمية التي تتشكل.
جغرافية الاستعمار 
ارتبط ازدهار علم الجغرافيا بالحركة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، وقد أسست الرغبة في التوسع والصراع لنظريات مهمة عن الاستعمار أهمها نظرية هلفلردنغ الماركسي النمساوي وهو الذي اعتمد عليه لينين في كتابه عن الاستعمار والذي نشر في أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد حظي كتابه هذا بشعبية كبيرة.
وبدأ الاهتمام بالاستعمار يتراجع بسرعة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، واتجهت الدراسات إلى تفسير الحروب والصراعات على أسس اقتصادية وتاريخية واجتماعية وثقافية.
ومن المؤكد أن الحركة الاستعمارية وإن تلاشت بعد الحرب العالمية الثانية فإن آثارها وتفاعلاتها مازالت ممتدة وحاضرة، مثل تقسيم الدول والأقاليم ونشوء دول واختفاء أخرى، والصراعات العرقية والدينية القائمة حتى اليوم مثل الصراع بين الهندوس والمسلمين، والقبارصة الأتراك واليونانيين، والعرب واليهود في فلسطين، فقد أنشأ الاستعمار شعوبية وفرقة مازالت تنخر الدول والمجتمعات الحديثة وتهددها.
ونشأت حركة هيمنة واستعمار جديدة غير رسمية تستخدم الدبلوماسية والعمليات الاقتصادية والثقافية والمعونات الاقتصادية للهيمنة وإدارة الصراع، وفي مرحلة العولمة تجلت هذه الإمبريالية في الشركات المتعددة الجنسية وبرامج صندوق النقد الدولي والسيطرة على المعلوماتية والاتصالات والتقنية وسيادة النموذج الغربي الليبرالي الاقتصادي والثقافي. وعلى سبيل المثال فقد تدفق من دول أميركا الجنوبية إلى الولايات المتحدة أكثر من 200 بليون دولار في الفترة مابين عامي 1983 و1991. 
عمليات تحليل الانتخابات لا تفيد فقط في تقييم ودراسة البرامج وعمليات التنافس ولكنها أيضا توضح الأبعاد الجديدة للجغرافيا السياسية وتأثيرات العولمة والاتصال وأدوار الدولة الجديدة
”الدول الإقليمية
يعتمد التكامل الإقليمي على مجموعة من القوى: قوى طاردة تمزق أوصال الدولة وقوى جاذبة تلملم الأطراف جميعها في شمل واحد. والقوى الطاردة هي الخواص الطبيعية لأراضي الدولة وأقاليمها، والقوى الجاذبة هي فكرة الدولة.
ويرتبط بذلك أيضا سيادة الدول وحدودها وعواصمها وما يتبعها من إدارات وجمارك أصبحت رموزا للدولة إلى جانب بعدها الوظيفي. ونشأت أنظمة حكم مركزية أو فدرالية وتجري الانتخابات والانقلابات والصراعات السلمية وغير السلمية للوصول إلى الحكم، وتتعدد أشكال الدول في طبيعة أنظمة الحكم والاقتصاد فيها ودرجة الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وقد بدأت سلطة الدولة في مرحلة العولمة تتعرض للتآكل بسبب تطور التقنية العسكرية والمعلوماتية والاتصالات والاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول، ولكن مقولة انحلال الدولة أو أفولها وانهيارها أمر مبالغ فيه، ولكن الدول تتكيف مع مرحلة جديدة فتتخلى عن أدوار سيادية كانت تمارسها وتتجه إلى مواقع وأعمال أخرى وتعيد ترتيب أوضاعها، ولكن الدولة الحديثة ليست شيئا أزليا وقد تؤول إلى زوال في يوم ما، وتبقى الدول لا غنى عنها وشيئا ليس كفؤا في الوقت نفسه.
الأمة والقومية 
تمثل أيدولوجية القومية أهم ركائز العصر الحديث إذ لم تترك أي رؤية في العالم أثرها على الخريطة العالمية مثلما فعلت القومية في تحريك الوجدان والوعي بالهوية والصراعات والتنافس. وقد أعد تيفي وسميث فرضيات حول الدولة والأمة تصلح للتحليل والقياس وهي:
  1. يتألف العالم من فسيفساء من الأمم.
  2. يتوقف النظام والاستقرار في المنظومة العالمية على التفاعل الحر لهذه الأمم.
  3. الأمم هي الوحدات الطبيعية للتعبير عن المجتمعات.
  4. تتمتع كل أمة بثقافتها الخاصة القائمة على نسب وتاريخ مشترك.
  5. كل أمة تحتاج إلى دولتها السيادية التي تعبر من خلالها عن ثقافتها.
  6. تتمتع الأمم (وليس الدول) بالحق المطلق في أرضها أو وطنها.
  7. لابد لكل إنسان فرد أن ينتمي إلى أمة.
  8. الولاء الأول لكل إنسان فرد إلى أمته.
  9. لا حرية حقيقية للإنسان الفرد إلا من خلال أمته.
وتعمل الدولة-الأمة في جوهرها على تزويد مواطنيها وقومها بالمتطلبات الأساسية التي تؤكد لهم هويتهم المكانية-الزمانية وتحدد لنا الأبعاد الزمانية والمكانية التي تنتمي إليها.
الجغرافيا الانتخابية 
تفسر الجغرافيا الانتخابية الاتجاهات العامة والسياسية للناس وتلاحظ جغرافيا التصويت والتأثير الجغرافي في التصويت، وتعرض تحليلات جغرافية للدوائر الانتخابية، وهي في ذلك توجه السياسيين والأحزاب في اختيار برامجهم السياسية والانتخابية والحفاظ على ناخبيهم وزيارتهم، وفي ذلك كله أيضا صيانة الديمقراطية والتنافس السلمي على السلطة.
وتتأثر الانتخابات بوضوح وقوة بالمجريات العالمية وإن كانت عملية محلية بحتة تعبر عن الانتماء المذهبي والعرقي والمكاني أو السياسي والثقافي.
إن عمليات تحليل الانتخابات لا تفيد فقط في تقييم ودراسة البرامج وعمليات التنافس ولكنها توضح الأبعاد الجديدة للجغرافيا السياسية وتأثيرات العولمة والاتصال وأدوار الدولة الجديدة، ولكن ماذا لو توقف الناس عن المشاركة في الانتخابات؟ وماذا سيكون مصير أنظمة سياسية ارتبطت بمشاركة الناس في التصويت؟
الحركة الاستعمارية وإن تلاشت فإن آثارها مازالت ممتدة وحاضرة، مثل تقسيم الدول والأقاليم ونشوء دول واختفاء أخرى، والصراعات العرقية والدينية المستمرة مثل الصراع بين الهندوس والمسلمين والعرب واليهود في فلسطين، فقد أنشأ الاستعمار شعوبية وفرقة مازالت تنخر الدول وتهددها
”الجغرافيا السياسية المحلية
العولمة لا تلغي التنوع وإنما تعيد ترتيب هذا التنوع وتبقى لكل محلية حالتها المتفردة. والدولة المحلية ليست مجرد وكالة للدولة المركزية ولا هي من أدوات المعارضة للسلطة في العاصمة، وتنسق المحليات مع منظومة الاقتصاد العالمي، والعالم ليس كالآلة الميكانيكية البسيطة التي يمكن إدارتها بمجرد معرفتنا لعدد من الخطوات والمعادلات، ولكنه منظومة مركبة تتألف من تناقضات حادة تفصح عن نفسها في صيغة أزمات سياسية تصيب رجال السياسة بالحيرة والارتباك وعليه فإن الجغرافيا السياسية لهذا العالم المتشابك لابد أن تكون هي أيضا مربكة ومتشابكة.
ومن الظواهر الجغرافية الجديدة التي تختلط -خاصة المحلية والعالمية- في آن واحد هي: المدن العالمية إذ المدن عوالم صغيرة تضم من يملكون ولا يملكون في تفاوت صارخ، ومكاتب التجارة العالمية والعمال البائسين، والتشرد، والسوق السوداء، والنشاط الاقتصادي الخفي، والمصارف الأجنبية، ومراكز النظام المالي العالمي.

الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر

الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر عاطف معتمد عبدالحميد تأليف: بيتر تيلور وكولن فلنت

العدد 529 - 2002/12 - مكتبة العربي - عاطف معتمد عبدالحميد

في عالمنا المعاصر الذي يمور بأشكال الصراعات والتزييف والهيمنة الكبرى وتسلط الأقوياء كان لا بد من هذا الكتاب ليكشف بعض أساليب المتلاعبين بالجغرافيا.

في وقت مناسب للغاية, يأتي هذا الكتاب ليقدم لقراء العربية كثيرا من المفاهيم التي يعتورها اللبس والغموض في أحد أهم فروع علم الجغرافيا ألا وهو (الجغرافيا السياسية). أما المجال الذي يغطيه التحليل في هذا الكتاب فهو (عالمنا المعاصر), وهو مجال يخرج بالكتاب من الدائرة الضيقة التي يتصورها البعض - خطأ - حينما يشرع في قراءة كتاب في الجغرافيا. فمشكلات العالم المعاصر على اختلاف ألوانها, من العولمة, والاقتصاد العالمي, وصراعات مناطق المركز والأطراف, إلى مشاركة المرأة في العمل السياسي والتزوير في الانتخابات على أساس جغرافي وغيرها, هي أهم موضوعات هذا الكتاب.

وضع المؤلفان الكتاب بعد مسح شامل ومركز لقضايا عديدة على أسس نظرية وتطبيقية. أما المترجمان - عبدالسلام رضوان ود.إسحق عبيد - فقد نقلا لقراء العربية بدقة واقتدار أفكاراً ومعلومات كان يصعب على الكثيرين قراءتها في نصها الأصلي.

العولمة... اقتصادية

يُستهل هذا الكتاب بمناقشة قضية تشغل مجتمعنا المعاصر ألا وهي الصراع بين الفقر والثراء في عصر اصطلح على تسميته بعصر العولمة. ومفاهيم العولمة بأطيافها المتباينة (اقتصادية, ثقافية, سياسية, بيئية, سوسيولوجية, مالية, تكنولوجية) ليست بدعة جديدة في علم الجغرافيا. ففي مطلع الخمسينيات أشار ماكيندر (عالم الجغرافيا السياسية الأشهر) إلى مدى ارتباط الأحداث العالمية بعضها بالبعض الآخر لدرجة جزم معها بكوكبية تأثير النظم السياسية والقوى الاجتماعية. وبدهي أن تستأثر العولمة الاقتصادية نصيب وافر من معالجة الفصل الأول والذي يحمل عنوان (منهج النظم العالمية في تحليل الجغرافيا السياسية).

وينتقل الفصل من عرض للعناصر الثلاثية للاقتصاد العالمي - اقتصاد السوق, النظام الاقتصادي متعدد الأطراف, الاستغلال التجاري - إلى تحليل توجه الاقتصاد العالمي وصياغته في دورات متعاقبة من الركود والازدهار (وأشهرها دورة العالم الروسي كوندراتييف) إلى تحليل الاقتصاد العالمي على أسس مكانية (جغرافية) والذي بدأ يتشكل مع التوسع الاستعماري الذي ربط مناطق شاسعة من الأرض بنظام اقتصادي واحد (النظم الاقتصادية الإمبريالية). ويعقب هذا التحليل عرض لصراع العلاقات الاقتصادية بين مناطق المركز (الدول الغنية - نموذج الولايات المتحدة) ومناطق الأطراف (دول العالم الثالث - نموذج الهند) والمناطق المتداخلة (ما بين الدول الغنية ودول العالم الثالث - نموذج روسيا). وبعد أن تكون قراءتك لهذا الفصل قد وصلت إلى درجة حماسية يأخذك المؤلفان إلى قضية أكثر تركيزاً وهي استكشاف العلاقة المتشابكة بين قوة الدولة سياسياً وموقعها في الاقتصاد العالمي (النهب الاستعماري القديم ونهب الشركات متعددة الجنسيات حالياً).

الجيوبوليتيكا وعودة الروح

الاشتباك والتداخل التاريخي (منذ منتصف القرن العشرين) بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا هما السمتان المميزتان لعلاقة العلمين كل منهما بالآخر. ويلفت الكتاب نظر القارئ - في الفصل الثاني منه الذي يحمل عنوان (الجيوبوليتيكا تزدهر من جديد) - إلى تشابك آخر بين الجيوبوليتيكا والإمبريالية, ويفترض لفض الاشتباك التمييز بينهما باعتبار أن الجيوبوليتيك علم يعنى بالبحث في طبيعة التنافسات بين القوى العظمى (دول المركز وأشباه الأطراف الصاعدة) بينما الإمبريالية هي ترجمة مباشرة لهيمنة دول المركز القوية على دول الأطراف الضعيفة. وإذا كانت الجيوبوليتيكا قد عنيت بعلاقات التنافس بين الشرق والغرب فإن الإمبريالية هي ترجمة مباشرة لهيمنة الشمال على الجنوب.
وفي هذا الفصل, يتناول المؤلفان تطور قضايا الجيوبوليتيكا بداية من تتبع التوظيف (السيئ) للجيوبوليتيكا فيما بين الحربين وخاصة في ألمانيا حيث تطور علم الجيوبوليتيكا مروراً بنظرية ماكندر الشهيرة حول السيطرة على مركز العالم (الاتحاد السوفييتي), والانتقال إلى تغير مفهوم المركز على أسس جغرافية - اقتصادية (التكتلات الاقتصادية). ثم تناول الصياغة الأمريكية الجديدة لمفهوم المركز والأطراف بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية (بموقعها البحري) كأكبر قوة عالمية, وتوجهها إلى تطويق الاتحاد السوفييتي والوقوف على أعتاب بيته, إما بإقامة تحالفات عسكرية كحلف الناتو والسينتو (وريث حلف بغداد) أو بالتدخل العسكري المباشر كحرب كوريا وحرب فيتنام, ودور الردع النووي في إعادة تقييم مناطق المركز والأطراف في الصراع العالمي. ويسلم القارئ نفسه - بعد عرض دسم للقضايا السابقة - إلى عرض سلس للتحليل الجغرافي السياسي للحرب الباردة, لينتقل بعدها إلى قراءة نماذج من السياسات الجيوبوليتيكية لبعض الدول والتي يختتم بها المؤلفان هذا الفصل الموسوعي, فمن الأبعاد الجيوبوليتيكية للهيمنة الأمريكية على العالم إلى المبادئ التي اتكأت عليها الديجولية الفرنسية وصولا إلى نموذج الهند - نهرو في عدم الانحياز يجد القارئ نفسه في حاجة للتأمل, لا يلبث أن يهجرها لينتقل إلى الفصل التالي (جغرافية الإمبريالية).

جغرافية السيطرة

مع بداية الفصل الثالث يصدم المؤلفان القارئ في اعتقاده بالمهمة العلمية البريئة للجمعيات الجغرافية الأوربية بالإشارة إلى الدور المحوري الذي لعبته هذه الجمعيات في خدمة الاستعمار. ومنذ الحرب العالمية الأولى صارت الجغرافيا تعمل في خدمة الاستعمار والتوسع الإقليمي للدول الكبرى. وبعد أن يستعرضا (قصة) الإمبريالية من بدايتها إلى تصفية الاستعمار ينتقل المؤلفان إلى تحليل للسمات الاقتصادية للإمبريالية (مستعمرات إفريقيا وأمريكا الوسطى).

ومن الموضوعات الرشيقة العرض في هذا الفصل المساعدات الاقتصادية بوصفها إمبريالية مستترة. فقد واصلت دول المركز ممارسة نفوذها في بلدان الأطراف - بعد انتهاء الاستعمار الرسمي - باستخدام برامج المساعدات الاقتصادية. ولو كان هدف هذه المنح رفع المعاناة عن كاهل الفقراء في العالم لما كان هناك تمييز في تقديم الدعم, غير أن واقع الحال يشير إلى تسخير هذه المساعدات لخدمة أغراض جيوبوليتيكية بعينها. ومن ثم فإن الدول التي تحصل على المساعدات الاقتصادية هي تلك التي يمكن أن تقدم (خدمات جليلة) للدول المانحة. ولعل أفضل توضيح لذلك هو مراجعة برنامج المساعدات الأمريكية لدول العالم (وأبرزها في منطقة الشرق الأوسط) سواء إبان حقبة الحرب الباردة أو فيما بعدها. وعلى الجانب الآخر يبرز نموذج المساعدات اليابانية ذو التوجه الاقتصادي والذي ربط المنح اليابانية بضرورة استيراد المنتجات والبضائع اليابانية الصنع. ويختتم الفصل بتناول قضيتين مهمتين, الأولى الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة على العالم (كصورة من صور الاستعمار الاقتصادي الجديد), والثانية هي العلاقة الوثيقة بين الإمبريالية والعولمة. ومن الصور المميزة التي يعرض لها هذا الفصل الهيمنة الثقافية وتشويه صورة (الآخر) باستخدام أدوات الحرب الإعلامية والتي يغطي نفوذها مناطق جغرافية واسعة.

المتلاعبون بالقومية

يُعرف القرن العشرون بأنه قرن القومية والأيديولوجية, وبالفعل فالقومية المولودة في أواخر القرن 19 وأوائل القرن العشرين صارت قوى وحركات اجتماعية - اقتصادية متعددة استطاعت أن تحدد المحاور الأساسية لتطور الدول والشعوب. وتحت دعاوى القومية ثارت أحداث أفضت في النهاية إلى اشتعال الحرب العالمية الأولى.

وتمخضت هذه الحرب ذاتها عن تشكيل سلسلة من الدول القومية الجديدة, وهو ما أكد أهمية وتأثير أفكار ومبادئ الهوية القومية. وتباينت صور القومية ما بين قومية (برجوازية), وقومية (ليبرالية) إلى قومية (البرجوازية الصغيرة) والقومية (الشوفينية) والقومية (الفوقية) وغيرها, وذلك لتصديق ودعم أهداف أيديولوجية سياسية والوقوف خلف برامج اجتماعية - سياسية مستهدفة.
ويقدم الفصل الخامس كرنفالا من الأفكار التقليدية والحداثية عن مفاهيم (الأمة والقومية). وينتقل المؤلفان في هذا الفصل من الخلفيات الأيديولوجية للحركات القومية إلى مكانة الرمز والتقاليد في الفكر القومي (سواء كانا موجودين بالفعل أو تم اختراعهما لتحفيز الشعوب). كما يُفصّل المؤلفان لأنواع القومية وتطورها التاريخي. ومن الموضوعات الساخنة جغرافيا في هذا الفصل الخداع بالخرائط.
ويضرب المؤلفان لذلك مثال الجغرافي اليوغسلافي الشهير يفيجيتش الذي (زيّف) في الخرائط الاثنية لمقدونيا - مستغلا شهرته الدولية والثقة الممنوحة له في مؤتمر الصلح في باريس 1919 - ليخدم أغراضا مفادها (سحب) أراض مقدونية وضمها إلى الصرب, وكانت المحصلة إذكاء الروح القومية للصرب وطموحهم للتوسع. ولعل هذه سابقة جغرافية جاءت مبكرة للتوظيف السيئ للجغرافيا السياسية لاحتلال أي أرض يقطنها ناطق بالألمانية في أوربا إبان العهد النازي.

وفي هذا الفصل أيضاً تناول لموضوعات وثيقة الصلة كحقوق السكان الأصليين والتوجه نحو الاستقلال الذاتي, وتحليل الحركات القومية من زوايا مختلفة كالنظر إلى القومية بوصفها مقاومة وفاعلا أساسيا في كفاح الشعوب ضد الاستعمار, والكفاح القومي بوصفه صراعاً طبقياً, والنضال القومي بوصفه حركة ضد النظام.

التزوير الانتخابي على أساس جغرافي

لغير المتخصصين, قد لا تبدو ثمة علاقة قوية بين العملية الانتخابية والخصائص الجغرافية. غير أن (المكان) هو ببساطة الملعب الذي تجرى فيه تلك العمليات الديمقراطية المعروفة بالانتخابات. ويمكن أن يستغل (المكان) في الخداع والتزييف الانتخابي. فالحكومات المحتكرة لعمليات رسم حدود الدوائر الانتخابية على دراية بمواطن تركز الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم للمعارضة, ومن ثم فهي لن تعدم الحيلة في رسم حدود مكانية واسعة تشمل أماكن هؤلاء الناخبين (المعارضين) مع إعطاء هذه الدوائر عددا من المقاعد يساوي العدد نفسه الممنوح لدوائر أصغر مساحة وأقل سكاناً ولكنها ستصوت لأنصار الحكومة. وهذا التزوير الانتخابي هو إحدى الصور العديدة للتزييف الانتخابي على أساس جغرافي. ومثل هذه التجاوزات غير الدستورية لا تُتهم بها الدول الديكتاتورية فحسب, فتاريخ التزييف الانتخابي عبر العبث في الحدود المكانية وعلى أسس جغرافية هو صناعة أوربية - أمريكية في الأساس. ونقلتها الدول الديكتاتورية بشكل سافر فيما بعد.

والكتاب - في الفصل السادس منه - يقدم (قراءة جديدة لجغرافية الانتخابات) من خلال دراسة موضوعات شديدة الترابط كتحليل المؤثرات الجغرافية في التصويت الانتخابي, ومعالجة الأبعاد الجغرافية للتمثيل النيابي, والعوامل الجغرافية المتحكمة في عملية الانتخابات. كما يتناول الكتاب في هذا الفصل خريطة تقلبات السلطة التنفيذية من خلال مقارنة دول المركز بدول الأطراف, وكذلك معالجة جديدة لخريطة الديمقراطية العالمية بتقسيم دول العالم إلى فئات حسب درجة الديمقراطية.

ويعرض الكتاب لأفكار عديدة في تبني وقبول الديمقراطية في دول العالم المختلفة مع الرجوع إلى بعض الأفكار الكلاسيكية في هذا الشأن. من ذلك المفاهيم المتناقضة في الأيديولوجيات الليبرالية والتي ترى أن جرعات الديمقراطية الزائدة في دولة ما قد تنذر بوقوع الكارثة, وذلك لأن هذه الديمقراطية ستأتي بعناصر من الطبقات الدنيا إلى سدة الحكم وسينتهي بهم الحال إلى نهب ثروات الشعب. ويختتم الفصل بتناول العلاقة بين الانتخابات والديمقراطية الليبرالية بمقارنة هذه العلاقة بين دول المركز ودول الأطراف. وقد قام المؤلفان بمراجعة ذلك في فترة الحرب الباردة بين العالم الرأسمالي ونظيره الاشتراكي.
ولا بد لك حتى تقرأ هذا الكتاب الدسم المؤلف من جزأين - في كل جزء أربعة فصول - أن تعقد العزم على أن تقتطع وقتا كافيا تجلس فيه إلى موضوعات تجمع معالجتها بين الفكر النظري والتطبيقي, بين الأفكار التقليدية والحداثية, لأنك لن تتلقى جرعة فكرية جغرافية فحسب بل وتاريخية وسياسية واقتصادية وقانونية في آن واحد, ولكنها جميعاً تستحق منك القراءة والتأمل.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا