الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر
الاقتصاد العالمي، الدولة القومية المحليات
تأليف: بيتر تيلور و كولن فلنت
ترجمة: عبد السلام رضوان و إسحق عبيد
سلسلة عالم المعرفة
كتاب جديد صادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب بالكويت
الجزء الأول العدد : 282، يونيو 2002. (324 صفحة)
الجزء الثاني العدد : 283 ، يوليو 2002 ( 242 صفحة).
الجزيرة نت - عرض - إبراهيم غرايبة
يحاول هذا الكتاب الربط بين العمليات الكونية والخبرة اليومية وتحقيق التكامل بين السياسات المتباينة المنتشرة عبر الدروع الجغرافية، كما يحاول فهم التغيرات العالمية التي تجري من خلال وصفها في سياق نظري يستند إلى منظور منهج تحليل النظم العالمية ضمن الإطار العام للتاريخ وحسب النمط الجغرافي للتطور السياسي للعالم.
غلاف الكتاب-اسم الكتاب: الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر
-المؤلفان: بيتر تيلور وكولن فلنت، ترجمة: عبد السلام رضوان وإسحق عبيد
-عدد الصفحات: 579
-الطبعة: الأولى 2002
-الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت
ويدرس مؤلفا الكتاب قضيتي الجغرافيا السياسية والاستعمار اللتين ظلتا تعتمدان على مفهوم القوة السياسية والتراث الماركسي الثوري وهما يشتركان في التركيز على الدولة. وتتطلب المرحلة العالمية الجديدة (العولمة) البحث في نموذج الممارسة السياسية للاقتصاد العالمي.
وتتشكل الجغرافيا السياسية من ثلاثية تقليدية هي: الأرض والدولة والأمة، وقد ارتبطت دراسات الأرض بالتنمية والموارد، والقومية بالأيدولوجيا. ويحاول المؤلفان أن يطورا أفكارا حول الدولة كآلية للتحكم والسيطرة، وعن الأمة كمستودع للإجماع السياسي، ويقدمان أفكارا وتفسيرات جديدة للبنية المكانية للدولة وموقعها في الاقتصاد العالمي.
ويراجع المؤلفان النظرية الليبرالية للانتخابات أو الجغرافيا الانتخابية لتفسير أداء وممارسات الأحزاب في مختلف أرجاء العالم، وموقع الشؤون المحلية في الممارسات السياسية بوصفها ساحات الفعل السياسي والصراعات الرسمية وغير الرسمية. وفي فصل المدن العالمية يربطان بين الكوني والمحلي والسياسات الجديدة للهوية والأمكنة المتقدمة أو ما وراء الدولة.
” الجغرافيا السياسية واحدة من الحقول الواعدة في محاولة فهم عمليات وآليات التحول السياسي على المستوى الدولي من خلال بحث العلاقات القائمة بين الحقائق المكانية والعمليات السياسية أو بعبارة أخرى دراسة الخصائص المكانية للعمليات السياسية
”والحصيلة النهائية هي جغرافيا سياسية تسعى إلى إعادة النظر في بحوث شروط النظم العالمية أو كما يعتقد المؤلفان إضافة أفكار جديدة للعلوم والنظريات القديمة ومعالجة النظريات الحديثة بالأفكار العتيقة وقد تكون المحصلة علما لم ينضج بعد، ويقد يجعله ذلك سبب صدمة وحيرة.
ازدهار الجغرافيا السياسية
يستخدم الكتاب مصطلح الجغرافيا السياسية للتعبير عن معنيين متكاملين: أولهما الممارسة السياسية لبلد ما كما تحددها الجغرافيا والموارد البشرية، والثانية العلم الذي يبحث في ذلك. وقد بدأت الدراسات في حقل الجغرافيا السياسية عام 1897 على يد العالم الألماني راتزل، ولكنها أهملت بعد أن ساء صيتها نتيجة للتوظيف النازي لها، ولم تعد إلى دائرة الضوء إلا منذ منتصف القرن العشرين لتصبح واحدة من الحقول الواعدة في محاولة فهم عمليات وآليات التحول السياسي على المستوى الدولي من خلال بحث العلاقات القائمة بين الحقائق المكانية والعمليات السياسية أو بعبارة أخرى دراسة الخصائص المكانية للعمليات السياسية.
وبقيت رؤية ماكندر للجغرافيا السياسية العالمية تحكم السياسات والصراعات الدولية طوال القرن العشرين وهي الرؤية المسماة نظرية "القلب - الحافة" أي قلب الأرض وحافتها، ويمثل القلب القوة البرية التي مثلها الاتحاد السوفياتي وألمانيا من قبل، ويمثل الحافة القوة البحرية التي مثلتها الولايات المتحدة وبريطانيا من قبل، أو المواجهة بين القوة البرية والبحرية.
وقد أجرى سول كوهين مراجعة لهذه النظرية وبخاصة مع التطور التكنولوجي ونشوء القوات الجوية والصواريخ العابرة للقارات وتنامي القوة البحرية السوفياتية. ويستند كوهين في مراجعته أساسا إلى أن العالم ليس كتلة واحدة كما رآه ماكندر وإنما وحدات إقليمية أساسية مستقلة، وهو يرى أن العالم يتكون من تسع وحدات أساسية هي: القلب وأوروبا الشرقية، وشرق آسيا، وجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، والصحراء الكبرى، والحدود المائية لأوروبا والدول المغاربية، وأميركا الجنوبية، والمناطق الآسيوية الأوقيانية المحاذية للشاطئ، والحدود الأميركية الإنجليزية والكاريبية.
وهو يرى إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ثلاث قوى عالمية جديدة هي اليابان والصين وأوروبا، ثم تأتي مجموعة ثانية في المقام الأول تضم 27 دولة مثل الهند والبرازيل ونيجيريا، ثم تأتي مجموعة ثالثة وأخرى رابعة وهكذا.
”
بقيت رؤية ماكندر للجغرافيا السياسية العالمية تحكم السياسات والصراعات الدولية طوال القرن العشرين وهي الرؤية المسماة نظرية "القلب-الحافة" أي قلب الأرض وحافتها، ويمثل القلب القوة البرية التي مثلها الاتحاد السوفياتي وألمانيا من قبل، ويمثل الحافة القوة البحرية التي مثلتها الولايات المتحدة وبريطانيا من قبل
”وكانت نهاية الحرب الباردة بداية لجغرافيا سياسية جديدة. وقد لقي كتاب بول كنيدين "سقوط القوى العظمى" إقبالا كبيرا من القراء ربما لأنه نشر في نهاية الثمانينات عندما بدأت الحرب الباردة بالأفول وبدأ نظام عالمي جديد بالتشكل. وقد حدثت تحولات عالمية كبرى بين عامي 1989 و1991 منها انهيار أنظمة الحكم الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي وقيام الوحدة الألمانية وتفكك الاتحاد السوفياتي، وسعت الولايات المتحدة في بناء نظام عالمي جديد بقيادتها وتبدى نجاحها في ذلك في حرب الخليج الثانية. ولكن المؤلفين يعترفان بأن السنوات التي مرت منذ عام 1992 لم تكن كافية لمعرفة كيفية توزيع القوى على الساحة العالمية في الوقت القريب.
لقد أتاحت الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي مرت بها الولايات المتحدة أواخر الثمانينات المجال للتنبؤ بقيام قوة عالمية جديدة ناجحة اقتصاديا وتقنيا مثل اليابان، ولكن ما بعد الحرب الباردة تمخضت عن جيوبولوتيكا معقدة المعالم والأبعاد.
ومن الأفكار التي طرحت في أوائل التسعينات للجيوبولوتيكا الجديدة هي عودة روسيا كقوة منافسة للولايات المتحدة وتستعيد دور الاتحاد السوفياتي، ومنها أيضا صعود الإسلام كقوة عالمية محتملة فالعالم الإسلامي يغطي مساحات واسعة من العالم في آسيا وأفريقيا ويملك موارد هائلة تؤهله للقيام بدور عالمي مؤثر.
وطرح جون أولوفلن عشرة بدائل أدرجها وفق احتمال حدوثها، وأهمها:
- تفرد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم.
- حدوث صدع في التحالف الغربي بين الولايات المتحدة وأوروبا كما حدث صدع في المعسكر الشرقي بين الصين والاتحاد السوفياتي عام 1962 فتصبح أوروبا منافسا للولايات المتحدة وقطبا ثانيا في النظام العالمي.
ولكن العولمة بتغيراتها الكبيرة وتحديها للدولة والأقاليم تفرض البحث في جيوبولوتيكا جديدة تواكب هذه الظاهرة والسياسة العالمية التي تتشكل.
جغرافية الاستعمار
ارتبط ازدهار علم الجغرافيا بالحركة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، وقد أسست الرغبة في التوسع والصراع لنظريات مهمة عن الاستعمار أهمها نظرية هلفلردنغ الماركسي النمساوي وهو الذي اعتمد عليه لينين في كتابه عن الاستعمار والذي نشر في أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد حظي كتابه هذا بشعبية كبيرة.
وبدأ الاهتمام بالاستعمار يتراجع بسرعة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، واتجهت الدراسات إلى تفسير الحروب والصراعات على أسس اقتصادية وتاريخية واجتماعية وثقافية.
ومن المؤكد أن الحركة الاستعمارية وإن تلاشت بعد الحرب العالمية الثانية فإن آثارها وتفاعلاتها مازالت ممتدة وحاضرة، مثل تقسيم الدول والأقاليم ونشوء دول واختفاء أخرى، والصراعات العرقية والدينية القائمة حتى اليوم مثل الصراع بين الهندوس والمسلمين، والقبارصة الأتراك واليونانيين، والعرب واليهود في فلسطين، فقد أنشأ الاستعمار شعوبية وفرقة مازالت تنخر الدول والمجتمعات الحديثة وتهددها.
ونشأت حركة هيمنة واستعمار جديدة غير رسمية تستخدم الدبلوماسية والعمليات الاقتصادية والثقافية والمعونات الاقتصادية للهيمنة وإدارة الصراع، وفي مرحلة العولمة تجلت هذه الإمبريالية في الشركات المتعددة الجنسية وبرامج صندوق النقد الدولي والسيطرة على المعلوماتية والاتصالات والتقنية وسيادة النموذج الغربي الليبرالي الاقتصادي والثقافي. وعلى سبيل المثال فقد تدفق من دول أميركا الجنوبية إلى الولايات المتحدة أكثر من 200 بليون دولار في الفترة مابين عامي 1983 و1991.
”
عمليات تحليل الانتخابات لا تفيد فقط في تقييم ودراسة البرامج وعمليات التنافس ولكنها أيضا توضح الأبعاد الجديدة للجغرافيا السياسية وتأثيرات العولمة والاتصال وأدوار الدولة الجديدة
”الدول الإقليمية
يعتمد التكامل الإقليمي على مجموعة من القوى: قوى طاردة تمزق أوصال الدولة وقوى جاذبة تلملم الأطراف جميعها في شمل واحد. والقوى الطاردة هي الخواص الطبيعية لأراضي الدولة وأقاليمها، والقوى الجاذبة هي فكرة الدولة.
ويرتبط بذلك أيضا سيادة الدول وحدودها وعواصمها وما يتبعها من إدارات وجمارك أصبحت رموزا للدولة إلى جانب بعدها الوظيفي. ونشأت أنظمة حكم مركزية أو فدرالية وتجري الانتخابات والانقلابات والصراعات السلمية وغير السلمية للوصول إلى الحكم، وتتعدد أشكال الدول في طبيعة أنظمة الحكم والاقتصاد فيها ودرجة الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وقد بدأت سلطة الدولة في مرحلة العولمة تتعرض للتآكل بسبب تطور التقنية العسكرية والمعلوماتية والاتصالات والاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول، ولكن مقولة انحلال الدولة أو أفولها وانهيارها أمر مبالغ فيه، ولكن الدول تتكيف مع مرحلة جديدة فتتخلى عن أدوار سيادية كانت تمارسها وتتجه إلى مواقع وأعمال أخرى وتعيد ترتيب أوضاعها، ولكن الدولة الحديثة ليست شيئا أزليا وقد تؤول إلى زوال في يوم ما، وتبقى الدول لا غنى عنها وشيئا ليس كفؤا في الوقت نفسه.
الأمة والقومية
تمثل أيدولوجية القومية أهم ركائز العصر الحديث إذ لم تترك أي رؤية في العالم أثرها على الخريطة العالمية مثلما فعلت القومية في تحريك الوجدان والوعي بالهوية والصراعات والتنافس. وقد أعد تيفي وسميث فرضيات حول الدولة والأمة تصلح للتحليل والقياس وهي:
- يتألف العالم من فسيفساء من الأمم.
- يتوقف النظام والاستقرار في المنظومة العالمية على التفاعل الحر لهذه الأمم.
- الأمم هي الوحدات الطبيعية للتعبير عن المجتمعات.
- تتمتع كل أمة بثقافتها الخاصة القائمة على نسب وتاريخ مشترك.
- كل أمة تحتاج إلى دولتها السيادية التي تعبر من خلالها عن ثقافتها.
- تتمتع الأمم (وليس الدول) بالحق المطلق في أرضها أو وطنها.
- لابد لكل إنسان فرد أن ينتمي إلى أمة.
- الولاء الأول لكل إنسان فرد إلى أمته.
- لا حرية حقيقية للإنسان الفرد إلا من خلال أمته.
وتعمل الدولة-الأمة في جوهرها على تزويد مواطنيها وقومها بالمتطلبات الأساسية التي تؤكد لهم هويتهم المكانية-الزمانية وتحدد لنا الأبعاد الزمانية والمكانية التي تنتمي إليها.
الجغرافيا الانتخابية
تفسر الجغرافيا الانتخابية الاتجاهات العامة والسياسية للناس وتلاحظ جغرافيا التصويت والتأثير الجغرافي في التصويت، وتعرض تحليلات جغرافية للدوائر الانتخابية، وهي في ذلك توجه السياسيين والأحزاب في اختيار برامجهم السياسية والانتخابية والحفاظ على ناخبيهم وزيارتهم، وفي ذلك كله أيضا صيانة الديمقراطية والتنافس السلمي على السلطة.
وتتأثر الانتخابات بوضوح وقوة بالمجريات العالمية وإن كانت عملية محلية بحتة تعبر عن الانتماء المذهبي والعرقي والمكاني أو السياسي والثقافي.
إن عمليات تحليل الانتخابات لا تفيد فقط في تقييم ودراسة البرامج وعمليات التنافس ولكنها توضح الأبعاد الجديدة للجغرافيا السياسية وتأثيرات العولمة والاتصال وأدوار الدولة الجديدة، ولكن ماذا لو توقف الناس عن المشاركة في الانتخابات؟ وماذا سيكون مصير أنظمة سياسية ارتبطت بمشاركة الناس في التصويت؟
”
الحركة الاستعمارية وإن تلاشت فإن آثارها مازالت ممتدة وحاضرة، مثل تقسيم الدول والأقاليم ونشوء دول واختفاء أخرى، والصراعات العرقية والدينية المستمرة مثل الصراع بين الهندوس والمسلمين والعرب واليهود في فلسطين، فقد أنشأ الاستعمار شعوبية وفرقة مازالت تنخر الدول وتهددها
”الجغرافيا السياسية المحلية
العولمة لا تلغي التنوع وإنما تعيد ترتيب هذا التنوع وتبقى لكل محلية حالتها المتفردة. والدولة المحلية ليست مجرد وكالة للدولة المركزية ولا هي من أدوات المعارضة للسلطة في العاصمة، وتنسق المحليات مع منظومة الاقتصاد العالمي، والعالم ليس كالآلة الميكانيكية البسيطة التي يمكن إدارتها بمجرد معرفتنا لعدد من الخطوات والمعادلات، ولكنه منظومة مركبة تتألف من تناقضات حادة تفصح عن نفسها في صيغة أزمات سياسية تصيب رجال السياسة بالحيرة والارتباك وعليه فإن الجغرافيا السياسية لهذا العالم المتشابك لابد أن تكون هي أيضا مربكة ومتشابكة.
ومن الظواهر الجغرافية الجديدة التي تختلط -خاصة المحلية والعالمية- في آن واحد هي: المدن العالمية إذ المدن عوالم صغيرة تضم من يملكون ولا يملكون في تفاوت صارخ، ومكاتب التجارة العالمية والعمال البائسين، والتشرد، والسوق السوداء، والنشاط الاقتصادي الخفي، والمصارف الأجنبية، ومراكز النظام المالي العالمي.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق