التسميات

الأحد، 28 فبراير 2016

السكن العشوائي والمراقبة الاجتماعية - أشرف بلحاج ...


السكن العشوائي والمراقبة الاجتماعية

أشرف بلحاج - الحوار المتمدن - العدد : 4518 - 2014 / 7 / 20 :

مقدمـة 

  لقد أدى النمو الحضري المتزايد في المغرب كما في العديد من الدول العربية والدول النامية في ظل غياب رؤية استراتيجية وسياسات عمرانية مبنية على دراسات علمية تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة والمتوقعة على المدى المتوسط والبعيد، إلى عــدة مشاكل بنيويــة وتعتبــر أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن خاصــة المدن الكبرى كالدار البيضــاء فاس ، سلا ، مراكش و طنجة من أهم هذه المشاكل، حيث ظهرت الأحياء العشوائية التي تفتقر في كثير من الأحيان للخدمات الضرورية مثل الكهرباء ومياه الشرب وشبكة الصرف الصحي كما أن العديد من البيوت في هذه المناطق تتسم بالهشاشة وهي مهددة بالإنهيار، في أي وقت مما يزيد في تأزم وضعية سكان هذه المناطق ، ومن جهة أخرى أدى تغيير وضعية السكن في البيوت المتواجدة داخل المدن العتيقة. وحتى المدن الجديدة حيث الاكتظاظ وغياب الصيانة والتجهيزات العصرية إلى تدهور حالات المساكن حيث أصبح العديد منها مهددا بالإنهيار.
  و يمكن التطرق لمفهوم السكن العشوائي في المغرب، من خلال مجموعة من العناصر كظروف الإسكان ، واستعماله وخاصياته وتجهيزاته ومستوى وقايته من العوامل الطبيعية والمشاكل والاختلالات المرتبطة بالبناية ومواد البناء المستعملة، كما تدخل في تحديد مفهوم السكن العشوائي عوامل خارجية ليست لهل علاقة مباشرة بالسكن في حد ذاته، والتي يمكن أن ترتبط بالمجال والبيئة التي يتواجد بها السكن أو الحي، وبمستوى اندماجه في النسيج الحضري خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية والولوج للخدمات الحضرية والتجهيزات الاجتماعية.
  و فــــي هذا الصــــدد يصعب تحديد مفهوم السكن العشوائي أو السكن الغير اللائق بشكل دقيق حيث يرتبط هذا المفهوم بعوامل مختلفة منها ما هو مرتبط بظروف النشأة ، ونوعية البناء وجودته ومنها ما هو مرتبط بالتجمعات السكنية التي يكونها. لكن على العموم يعتبر سكنا عشوائيا كل سكن لا يخضع للقوانين والمعايير المعمول بها في مجتمـــع وفي مجال معيـــن . فعلى سبيل المثال يختلف السكن العشوائي بين دولة وأخرى كما يختلـــف بين المجال الحضري والمجال القروي في الدولة الواحدة.
  و يخفي مصطلح السكن غير اللائق حقائق متعددة و متباينة و هذا ما يجعل المتخصصين يختلفون حول تعريفه فعبارة " غير لائق " تعني وجود انماط من السكن تفشت في جل المدن المغربية بشكل غير عادي و استحوذت على اهتمام السلطات العمومية ، لكن دون ان يترجم هذا الاهتمام عبر نص تشريعي و تنظيمي خاص بالسكن غير اللائق .
   لذلك فإننا لا نصادف اليوم تعريفا قانونيا للسكن غير اللائق لسبب بسيط هو أن المشرع المغربي لم يتصدى لهذا النوع من السكن من خلال نص تشريعي محدد و المصطلح ذاته لم ترد الإشارة إليه في النصوص القانونية إلا مؤخرا في المادة 38 الفقرة 3 من الميثاق الجماعي الجديد التي تحدد اختصاصات المجلس الجماعي في ميدان التعمير و اعداد التراب " يقرر -أي المجلس – في إنجاز برامج إعادة الهيكلة العمرانية و محاربة السكن غير اللائق و حماية و إعادة تاهيل المدن العتيقة و تجديد النسيج العمراني المتدهور ".
  أما المادة 102 المتعلقة باختصاصات مجلس المقاطعة الذي له الحق في أن " يقترح كل الأعمال التي من شانها لإنعاش السكن و تحسين مستوى الحياة و حماية البيئة و أن يبدي رأيه حول برامج إعادة الهيكلة و القضاء على السكن غير اللائق و حماية و إعادة تأهيل المدينة العتيقة و إعادة تجديد النسيج العمراني المتدهور " .
   كما استعمل المصطلح أيضا في المادة 36 من القانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم العمالات و الأقاليم الذي اسند لمجلس العمالة أو الإقليم " المشاركة في إنجاز برامج الإسكان أو إعادة هيكلة النسيج الحضري و السكن غير اللائق بالوسط الحضري و القروي" .
  و من خلال هذا العرض سنحاول التطرق لأهم أسباب السكن العشوائي و تجلياته في الجزء الأول اما في الجزء الثاني سنخصصه للسياسات المتبعة للحد من هذه الظاهرة .

الجزء الأول : أسباب ظهور السكن العشوائي و تجلياته 

  ترجع ظاهرة السكن العشوائي في المغرب إلى فترة الاستعمار حيث أدت السياسات الاستعمارية في المجال الحضري المرتكزة على التمييز بين السكان الأصليين و المعمرين إلى تدهور المجال المخصص للسكان الأصليين ، فالمدن الأوروبية شيدت طبقا وفق معايير تتميز بالجودة العالية و كافة التجهيزات في حين تفتقد مثيلتها في المغرب إلى هذه المعايير، و تم تهميش المدن المغربية العتيقة مما سرع في تدهورها ، وهكذا ارتفعت الكثافة السكانية داخل هذه المدن و نشات و تنامت الأحياء الصفيحية التي تفتقد بدورها للخدمات الأساسية .
  و بعد الاستقلال عرفت هذه الظاهرة تزايدا ملحوظا حيث أصبحت تهم ربع سكان المدن حسب تقرير 50 سنة للتنمية .
تأسيسا على ما سبق يمكن القول أن هناك مجموعة من العوامل و الأسباب التي أدت إلى تنامي هذه الظاهرة و لقد خصصنا ( كفقــرة أولى) أما في ( الفقرة الثانية) فسنتطرق بالشرح و التحليل لأهم تجلياتها. 

الفقـــرة الأولى : أسباب ظهور السكن العشوائي 

   عرفت حركة التعمير بالمملكة المغربية في العشرين سنة الأخيرة نموا سريعا و متزايدا فاق بكثير معدل النمو العمراني الذي عرفته في بداية القرن. وترجع هذه الظاهرة لعدة أسباب منها على وجه الخصوص:

أولا : العوامل السوسيو اقتصادية 

  ترتبط ظاهرة السكن العشوائي بالنمو الحضري فخلال الثلاث العقود الأخيرة -عرف سكان الحواضر نموا متزايدا بحيث إنتقل من 29 في المائة من مجموع السكان سنة 1960 الى 58.30 في المائة سنة 2011 حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط و- تعتبر الهجرة القروية العامل الأساسي في النمو الحضري و الذي يرتبط بطلب متنامي على الوحدات السكانية ، و لم تستطيع الوحدات المنجزة من طرف الدولة أو الخواص أن تلبي الطلب المتزايد خاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود من جهة ، و من جهة أخرى أدى الفقر و تدهور القدرة الشرائية لشرائح كبيرة من المواطنين سواء أولائك القادمين من القرى بسبب تهميش العالم القروي ( غياب البنية التحتية ، الجفاف ، العزلة ...) أو سكان المدن أنفسهم الذين لم يعد بإمكانهم إقتناء مساكن لائقة وغياب سياسة عمرانية ذات بعد اجتماعي إلى تنامي ظاهرة السكن العشوائي بكل تجلياته .

ثانيا : العوامل الخاصة بنوع السكن العشوائي 

  يعتبر السكن الصفيحي ملجأ لشرائح كبيرة من المواطنين الذين يضطرون بفعل الجفاف و تدهور أوضاعهم المادية و غياب أي استراتيجية للدولة للنهوض بالعالم القروي للهجرة من القروى وإن كانت أثمنة هذا النوع من السكن عرفت ارتفاعا كبيرا ابتداءا من سنوات الثمانينات اضافة لما يضطر هؤلاء السكان لدفعه كرشاوى لرجال السلطة و أعوانهم حتى يتمكنوا من إقامة مساكنهم و قد ساهم الفساد المتفشي في الأوساط الإدارية و السياسية في تفشي هذا النوع من السكن نظرا لما يمثله من وعاء انتخابي تلجأ السلطات و المنتخبون الموالون لها لاستعماله في كل المحطات الإنتخابية محلية كانت أم وطنية لترجيح كفة مرشح بعينه .
  أما بالنسبة للمدن العتيقة و المدن الجديدة فيشكل السكن غير اللائق مظهرا من مظاهر تدهور أحوالها حيث تصبح هذه المساكن غير صالحة نتيجة لتدهور ظروف السكن المزرية بهذه المساكن و ليس نتيجة لغياب التجهيزات الأساسية .
   و يعتبر السكن الغير القانوني تعبيرا عن التغيرات التي تمس النسيج الاجتماعي الحضري ، فهو يهم جزءا من الطبقة الوسطى في غالبيتهم من المدينة .و يعد ظهور هذا النوع من السكن كنتيجة لحركة السكان داخل المدنية و ليس للهجرة القروية الناجمة أساسا في تدهور مستوى عيش السكان و المضاربات العقارية .

ثالثا : مختلف العوامل

 بالإضافة إلى العوامل السالفة الذكر هناك عوامل لا تقل أهمية عن سابقتها و تتمثل فيما يلي : 
- تركز التصنيع في المدن وعدم اعتماد مدن صناعية منفردة.
- تكوين أنسجة حضرية متفككة ناتجة عن التمدن المفرط وأنعدام الإنسجام في المباني.
- تقاعس الأجهزة المسؤولة في تدبير ومراقبة التعمير والبناء.
- تعدد وتداخل المتدخلين في ميدان التعمير.
- غياب التكوين التقني والقانوني لدى المنتخبين وبعض المسؤولين عن القطاع .
- عدم الإسراع في إخراج برامج إعادة الهيكلة إلى حيز الوجود .
- تجاهل بعض رؤساء المجالس الجماعية قانون التعمير وتسخير هذا القطاع من أجل تحقيق أغراض ذاتية وأهداف انتخابوية على حساب المصلحة العامة. 
- غياب التعاون بين الجهات المتدخلة في ضبط مخالفات التعمير، الذي يحتاج موارد بشرية كفيلة بالقيام بمهامها على أحسن وجه ، ولمراقبة فعالة للحركية العمرانية ، فالمراقبة التي تمارسها الإدارة الجماعية تظل مقتصرة على الوثائق والمستندات أكثر من ارتكازها إلى المراقبة في عين المكان بشكل دوري ومباغت كما انها تبقى مراقبة بعدية أي بعد انتهاء أشغال البناء.
- عدم تمكن رؤساء المجالس الجماعية من ممارسة صلاحياتهم في مجال رخص التعمير نظرا لكثرة الاختصاصات في مجال الضبط الإداري أو مجالات أخرى مما يسمح له المشروع بالتفويض بقرار مكتوب في بعض سلطاته إلى أحد النواب طبقا للقانون المنظم للتعمير .
- الرغبة غي احتكار السلطة في مجال التعمير من طرف رؤساء الجماعات نظرا لأهمية بالنسبة لمراكزهم .
- التفويض في بعض الحالات لبعض نواب الرئيس وانعدام التخصص القانوني الملائم في القطاع مما يجعل منح رخص البناء رهينة مزاج المنتخبين وفق مصالحهم الخاصة.
- عدم توفر بعض الجماعات على تقنيين مؤهلين ومهندسين بإمكانهم استيعاب محتوى الوثائق ومن تم اتخاذ القرار الملائم بشأن العديد من المشاريع.
- تعقيد المساطر والمراحل القانونية والإدارية.
- عدم التطبيق الصارم لزجر المخالفات الناتجة عن عدم احترام ضوابط البناء العامة وقوانين التعمير 12-90 أو 25 -90 ما يفسر محاضر المخالفات التي تظل رهينة الرفوف وعدم إرسالها إلى وكيل الملك كما تنص على ذلك القوانين الجاري بها العمل.
- عدم الإسراع في إخراج قانون 04-04 المتعلق بالتجهيز إلى حيز الوجود.
- عدم تطبيق الدوريات الوزارية في الميدان وخاصة الدورية المشتركة المتعلقة بزجر ومراقبة التعمير والبناء الصادرة بتاريخ 12 ماي 2008 .
- غياب تحديد المسؤوليات وتوضيح مسؤولية كل الفرقاء المتدخلين في القطاع لبتر الفساد الذي أفضى إلى وجود أرض ثقيل ترجمه تفشي كل أنماط السكن الغير اللائق .
- غياب التنصيص الدقيق على لائحة الأشغال التي تتطلب رخص الإصلاح نظرا لاتصالها في البناء الأساسي.
- عدم اعتماد دفتر الورش وغياب التتبع والمراقبة التقنية من قبل المصالح المختصة.
- دراسة الملفات على ضوء وثائق التعمير دون الأخذ بعين الاعتبار تواجد التجهيزات الأساسية وبالتالي يتم إحداث تجمعات سكنية غير مهيكلة .
- عجـز الدولـة عـــن توفيـر سكن لائق لشرائح واسعة من المواطنين الذين يتصفون بضعف دخلهم و التي تقع على الدولة مسؤولية كبيرة في توفير سكن مناسب ولائق لها.
- الارتفاع الحاد لأسعار الأراضي بسبب المضاربات العقارية مما أبعد شريحة من المواطنين الفقراء من إمكانية حصولهم على قطعة سكنية يمكن بناؤها بالإمكانيات الذاتية.
- تقاعس الأجهزة المسؤولة في تدبير ومراقبة البناء والتعمير.

الفقــــرة الثانية : تجليات و مظاهر السكن العشوائي 

   كما سبقت الإشارة فقد نشات ظاهرة السكن العشوائي في المغرب و ترعرعت مند الحقبة الاستعمارية حتى أصبحت تهم سنة 2003 نحو 900 الف أسرة أي ما يعادل 5 مليـــون شخص و أكثر من 30 في المائة من سكان المناطق الحضرية .
  و تتواجد في المغرب أشكال مختلفة من السكن العشوائي أو الغير اللائق من حيث خصائص النسيج الحضري الذي ينتجه و من حيث النشأة و التنمية ، و يدخل في هذه الخانة كل من السكن الصفيحي ، السكن غير القانوني ، السكن الهش او العتيق ، السكن القروي الهامشي و أحياء السكن الاقتصادي الأهلة بالسكان..، و يتميز في معظم الأحيان بغياب الحد الأدنى من الخدمات الأساسية من التجمعات السكنية بالإضافة إلى عدم توفر الحد الأدنى من الجودة و التي تعتبر ضرورية لضمان شروط الراحة و الصحة و السلامة كما أنه يتميز بضيق المساحة تضاف إلى ذلك ظاهرة إشتراك أكثر من أسرة في مسكن واحد ...
 
أولا : السكن الصفيحي 

  يشكل السكن الصفيحي أقدم أنواع السكن غير اللائق و هو يتكون من سكن هش يعتمد على مواد قصديرية أو خشبية في غالب الأحيان و يفتقر إلى مقومات السكن اللائق و تتميز التجمعات الصفيحية بانعدام ابسط التجهيزات التحتية و شبكات الماء و الكهرباء و قنوات الصرف الصحي ،هي أحياء تتكون من مساكن من الصفيح أو القصدير تتواجد على هوامش المدن أو بداخلها حيث أصبحت تتشكل مكونا هاما في المجال الحضري للمدن الكبرى خاصة ( حوالي 13 بالمائة من سكان المجال الحضري يعيشون في سكن صفيحي سنة 2004 ) و تتميز باستعمالها لمواد بسيطة ( الصفيح أو القصدير ، الخشب البلاستيك ......) و يمكن أن تستعمل أيضا مواد عادية في البناء خاصة بالنسبة للجدران .
   بالنسبة للأراضي التي تقام عليها هذه الأخيرة فهي في غالب الأحيان أراضي الجموع أو الاحباس أو أراضي مخزنية و قد تكون في ملك خواص ، وعلى العموم يتم استغلال تلك الأراضي بدون أي سند قانوني لكن في بعض الأحيان يتم أما شراؤها أو كراؤها و تقام غالبا في ضواحي المدن على شكل أنوية متناثرة و تعتبر أغلب المنازل الصفيحية في ملكية السكان حتى وإن كانت الأراضي في ملك الغير.
   كما أنها تتميز بافتقادها للبنية التحتية الأساسية و خاصة المياه و الكهرباء و الصرف الصحي و قد نجد بعض الأحياء مجهزة بشكل بسيط من طرف السكان أنفسهم و يتزود السكان بالماء الشروب عن طريق سقايات جماعية تقام من طرف المجالس التي تتكلف بدفع الفواتير للشركات المكلفة بتوزيع مياه الشرب ، أما فيما يخص الإنارة العمومية فتقتصر في غالب الأحيان على الشوارع الجانبية التي تحد الحي الصفيحي و التي توجد بالقرب من أحياء أخرى عادية .
  و من بين خاصيات السكن الصفيحي كذلك إشكالية الاكتظاظ داخل الحي و داخل المسكن الواحد حيث لا نجد داخل الحي سوى أزقة ضيقة جدا لا تسمح بمرور العربات و تنعدم فيها الأنشطة التجارية و الخدمات كما أن المساكن تحتضن في غالب الأحيان أكثر من أسرة. 
  و تتسم الأحياء الصفيحية بالتنوع حيث نجد الأشكال العفوية أو التلقائية التي تمت إقامتها بدون أي تصميم أولي للحي و الأشكال المنظمة في بنيات استقبال .

ثانيا : السكن الغير القانوني 

  يعتبر السكن الغير قانوني نوعا خاصا من السكن الحضري أو الموجود على هوامش الحواضر و يتميز عن باقي أنواع السكن العشوائي بخصائص سوسيو اقتصادية متنوعة و متغيرة، فسكان هذا النوع من السكن هو غالبا من الطبقة الوسطى ( موظفين مدرسين ) الذين لم يعد بإمكانهم إقتناء سكن لائق بسبب تقهقر مستواهم الاقتصادي كما توجد في هذه الأحياء شرائح اجتماعية أخرى إقتناء هذا النوع من المساكن كمؤشر على الإرتقاء الاجتماعي بالنسبة لها.
  و يتميز السكن الغير قانوني بالتنوع من حيث الخصائص الفزيائية و طرق استعمال المجال و أيضا من حيث الأشكال .
   فيما يخص التنظيم المجالي ، و كما بالنسبة للسكن الصفيحي هناك أنواع مختلفة من السكن الغير قانوني حيث نجد أحياء منظمة نسبيا طبقا لتصاميم هندسية كما نجد أحياء تلقائية بدون أي تصميم مسبق غير أنه لا يعاني من ظاهرتي الاكتظاظ و ضيق الطرق بنفس الحدة، و يمكن لهذا النوع من السكن أن يشكل تجمعات كبيرة في وسط المدن أو مجموعات متناثرة على هوامشها و تتوفر هذه الأحياء على الأنشطة التجارية و الخدمات مختلفة. 
  و يتميز السكن الغير قانوني بغياب البنية التحتية الأساسية و في بعض الأحيان تتوفر هذه على شبكات مياه الشرب و الكهرباء لكن دون قنوات التطهير و دون طرق معبدة .
   و يقع السكن الغير قانوني في بعض الأحيان في أماكن خطرة من حيث الخاصيات الطوبغرافية للأراضي المقامة عليها ( أراضي مهددة بالفياضانات ) و يتواجد غالبا على أراضي ذات الملكية الخاصة و أن كان في بعض الحالات يقام على أراضي جماعية ( أرضي الجموع الأحباس الجيش) و يتميز بغياب الصريح بالتجزئ و البناء و عدم احترام معايير التعمير و البناء و يمتلك معظم قاطني السكن غير القانوني لمساكن، و يتوفرون على رسم الملكية العدلي و فردي أو جماعي بدل رسم التحفيظ العقاري لكن ظاهرة الإيجار متواجدة أكثر مما هو عليه الحال في السكن الصفيحي .

ثالثا: السكن العتيق أو المتقادم 

   يتواجد السكن المتقادم بشكل كبير في مختلف المدن المغربية العتيقة التاريخية و حتى في المدن الجديدة ، و ترجع أسباب تنامي هذا النوع إلى تغيير وضعية السكن في البيوت القديمة الناتج خصوصا عن انخفاض مستوى السكان و إلى الاكتظاظ أو عدم استعمال هذه البيوت ، و إلى غياب الصيانة و التجهيزات العصرية .
   و ترتبط أهمية السكن في المدن العتيقة باختلاف مساحته و عدد سكانه و دور المدينة في النسيج الحضري ، يمكن أن تهم هذه الإشكالية المدينة كلها أو جزءا منها و تعد المساكن المهددة بالإنهيار أهم مظاهر السكن غير اللائق في المدن العتيقة. 
   و ترتبط إشكالية السكن غير اللائق في المدن العتيقة أيضا بالتعقيدات التي تهم الوضعية العقارية حيث هيمنة نظام الملكية التقليدية مع وجود حالات كثيرة للملكية الجماعية و في بعض الأحيان حقوق الانتفاع كما أن العديد من هذه المساكن توجد في ملكية الأحباس التي تتنازل عن حق الانتفاع أو تؤجرها بأثمان زهيدة لا تكمن من صيانتها.
   و تتميز مساكن المدن العتيقة بكونها مبنية بواسطة المواد و التقنيات التقليدية ( جدران من الإسمنت و الطوب أرضيات من الخشب و من التراب ) و لا زالت هذه التقنيات جلية في هذه المباني رغم الإصلاحات التي همت بعضها و المتمثلة في استعمال الإسمنت المسلح .
    و على عكس السكن الصفيحي و السكن غير القانوني تتوفر المدن العتيقة على التجهيزات الأساسية ، من قنوات لمياه للشرب و شبكات الصرف الصحي لكنهــا في وضعيـــة مهتزئة و مختلفة و تنظيم الأحياء داخل المدن العتيقة بشكل غير منظم بواسطة أزقة ضيقة حيث تتواجد أهم التجهيزات و الخدمات .
    و ينتمي سكان المدن العتيقة إلى شرائح سوسيو اقتصادية مختلفة حسب المدينة نفسها و داخل نفس المدينة من حي لآخر ، حيث نجد أحياء الفقر و التهميش التي تسود فيها ظاهرة التشارك و أحياء أخرى يعاد تأهيلها و تسكنها شرائح ميسورة ( مراكش ، فاس ، الصويرة ) .
   و لا تختلف المدن الجديدة كثيرا عن المدن العتيقة لكنها أكثر فوضوية بسبب السياسات التعميرية المتبعة و يعود إنشاء المدن الجديدة إلى فترة ما بين الحربيين العالميتين ، حيث كان يقطن المغاربة و قد شيدت طبقا لخصائص التعمير التقليدية المغربية و قد عرفت هذه المدن تغيرات عميقة تتمثل في رحيل السكان الميسورين و تنامي ظاهرة الاكتظاظ داخل هذه المدن ، حيث تشترك أكثر من أسرة في البيت الواحد مما يؤدي إلى تدهور المباني و ضعف التجهيزات ( حي العكاري بالرباط حي فاس الجديد بمدينة فاس ...) 
  و تجدر الإشارة أن هناك مظاهر أخرى للسكن العشوائي مثل السكن القروي الهامشي الذي يتواجد بضواحي المدن، و قد يكون على شكل مجموعات سكنية أو مساكن متناثرة ، و بحكم التوسع الحضري أصبحت هذه المساكن تدخل ضمن المجال الحضري ، و يتميز هذا النوع من السكن باستعمال الطين في البناء و بافتقاره للتجهيزات الأساسية و يشبه السكن القروي في غالب الاحيان و كذا وجود سكن كالأكواخ و الغرف على أسطح المباني و مرائب السيارات ، و تنتشر هذه الظواهر في المدن الكبرى كالدار البيضاء ، طنجة ، فاس و مراكش .

الجزء الثاني : السياسات المتبعة للحد من ظاهرة السكن العشوائي 

  لقد اهتمت السلطات المغربية بإشكالية السكن غير اللائق منذ الاستقلال حيث وضعت أول برنامج للسكن الجماعي للقضاء على السكن العشوائي و منذ ذلك الحين نهجت مجموعة من السياسات في مجال السكنى و التعمير، ففشلت في القضاء على ظاهرة السكن العشوائي أو حتى الحد منها بسبب تركيزها على الهاجس الأمني و توفير بعـــض الخدمـــات الأساسية كالماء و الكهرباء .
  و لقد عملت خلال التسعينيات بعقد شراكة مع القطاع الخاص باعتباره فاعلا أساسا و مهما في تنفيذ البرامج التي تطمح الدولة إنشاءها، بهدف الحد من ظاهرة السكن العشوائي ، و تعتبر السياسات المتبعة للحد من هذه الظاهرة و متجسدة في إطار المراقبة الاجتماعية التي تشكل بدورها وسيلة ناجعة و فعالة للتصدي لهذه الظاهرة ، و سوف نتطرق في (الفقرة الأولى) إلى الشراكة بين القطاع العام و الخاص للحد من ظاهرة السكن العشوائي فيما ( الفقرة الثانية) سوف نخصصها لدور المراقبة الاجتماعية في هذا الخصوص.

الفقرة الأولى : الشراكة بين القطاع العام و الخاص للحد من هذه الظاهرة 

أولا : القطــــــاع العــــام 

  و لم تكن السياسات العمومية في البداية تولي اهتماما كبيرا بالسكن الصفيحي ، حيث كان ينظر إليه كظاهرة مؤقتة و لم تكن تعترف بالسكن غير القانوني .علما أنه كان يشكل نوعا من التوازن بالنسبة للولوج إلى السكن بالنسبة لذوي الدخل المحدود ، و انطلاقا من أوساط السبعينيات تم الإعتراف بالسكن الصفيحي و السكن غير القانوني العشوائي عن طريق برنامج التنمية الحضرية الذي يهدف لإدماج هذا السكن بواسطة تحسين تدريجي لظروف السكن ، و يتركز هذا البرنامج على مفهوم إعادة تأهيل الأحياء العشوائية عبر تجهيزها بالتجهيزات الأساسية و تقنين السكــن و ذلك عبر إصلاح المباني من طرف السكان أنفسهم بتاطير تقنين و بواسطة قروض تصرف لهم على شكل أدوات البناء كمـــا يرمي هذا البرنامج إلى إنشاء تجهيزات جماعية و تأطير السكان من خلال برنامج التكوين المهني و كذلك إنشاء مناطق حيوية تهدف إلى توظيف اليد العاملة المحلية .
  و بمساهمة من البنك الدولي تم تفعيل البرنامج لأكبر الأحياء الصفيحية في أربعة مدن ( الدار البيضاء ، الرباط ، مكناس ، القنيطرة ..) لكن سرعان ما تم التخلي عن مدينة الدار البيضاء ففشل هذا البرنامج في تحقيق أهدافه المعلنة، بل ستتفاقم الأوضاع في بعض المواقع التي كانت مهددة بالإنهيار بعد ذلك ستحاول الدولة إعادة تاهيل الأحياء الصفيحية الصغيرة عبر برنامج الأحياء الصفيحية الصغيرة و المتوسطة، حيث يقتصر تدخل السلطات في توفير الخدمات الأساسية كمياه الشرب و الكهرباء و الصرف الصحي و الطرق إستنادا إلى معايير معينة حددها البرنامج .
   و أمام فشل هذه السياسات و خاصة تلك الموجهة لأحياء الصفيحية الكبرى ستلجأ الدولة إلى سياسة إعادة إسكان قاطني دور الصفيح و هكذا تم منح هؤلاء السكان بقع ارضية مجهزة مقابل اثمان مدعمة من طرف الدولة على ان يتحمل المستفيدون اثمان البناء، بدون أي دعم و لا أي مساعدات للحصول على قروض بنكية، و قد تم تمويل البرنامج في البداية من طرف الميزانية العامة للدولة ، و سهرت على تنفيذه المصالح الخارجية للوزارة المكلفة بالقطاع ، فقد تم إحداث مؤسسات عمومية خاصة ممثلة في الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق و الشركة الوطنية للتجهيز و البناء، التي ستتكلف بتنفيذ البرنامج لصالح المصالح الخارجية للوزارة . و قد ساعدت هذه الآلية لتعويض نقص الموارد المالية ، لكنها لم تتمكن رغم ذلك من القضاء على ظاهرة البناء العشوائي .

ثانيا : القطــــاع الخــــــاص 

  ابتداءا من الستعينيات لجأت الدولة إلى مجموعة من البرامج بشراكة مع القطاع الخاص مع اقتصار تدخل القطاع العام في محاربة السكن الصفيحي و السكن غير القانوني ، حيث استفاد المنعشون العقاريون من مجموعة من الإمتيازات، نذكر منها تخفيض نسبة الأرباح على القروض تسهيلات ضريبية، تفويت أراضي الدولة لفائدة المنعشين العقاريين في القطاعين العام , الخاص بأثمنة منخفضة ، تفويت أراضي الدولة و تسهيلات للحصول على رخص البناء اعتمادا على مجموعة من البرامج : 
- برنامج 200 ألف سكن الذي تم اعتماده ابتداءا من سنة 1995 و الذي كان الهدف منه توفير السكن للشرائح ذات الدخل المحدود ( أقل من 3600 درهم في الشهر ) .

و لقد تم تسجيل مجموعة من النقائص من بينها نقص في الخدمات الأساسية في الأحياء الجديدة كالمدارس و المرافق الصحية و وسائل النقل بالإضافة إلى نقص في جودة البناء . كما أن البرنامج ركز على المدن الكبرى و غيب المدن الصغرى و القرى و ركز على الشرائح الاجتماعية المتوسطة و على المقاولات الكبرى .
- البرنامج الخاص لمحاربة السكن غير اللائق الذي كان الهدف منه هو محاربة السكن غير اللائق و إنجاز 100 ألف وحدة سكنية لفائدة ذوي الدخل المحدود .
- برنامج بدون صفيح يهدف هذا البرنامج للقضاء على السكن الصفيحي في أفق سنة 2012 و يهم 326 ألف أسرة موزعة على 85 مدينة مغربية و إلى غاية نهاية سنة 2010 استفادت 164700 أسرة من هذا البرنامج. كما تم إعلان 42 مدينة بدون صفيح إلا أن هذا البرنامج إصطدم بمجموعة من المعيقات أهمها : 
• صعوبة الحصول على عقار في بعض الأحيان. 
• العسر المادي لكثير من سكان دور الصفيح. 
• عدم صلاحية المساكن أو المجالات التي تم ترحيل السكان إليها .
• نقص التجهيزات في مجالات الاستقبال. 
• عدم التزام بعض الفرقاء المحليين. 
• نقص الرعاية الاجتماعية للأسر
• مشكل ضبط أعداد سكان الصفيح 
   كما أن التلاعبات التي عرفها هذا البرنامج و التي تهم جميع أطواره ابتداءا من إحصاء السكان المعنيين إلى عملية توزيع المساكن أو البقع الأرضية، و المتمثلة أساسا في الرشوة و المحسوبية و التي يتزعمها رجال و أعوان السلطة المحليون، حالت في الكثير من الأحيان دون استفادة أسر كثيرة من هذا البرنامج مما فتح الباب على مصراعيه لاحتجاجات السكان على هذه الممارسات .
- برنامج تأهيل السكن المهدد بالإنهيار الذي تم وضعه سنة 2005 و يهدف إلى معالجة المباني الآيلة للسقوط عبر عمليات الترميم، و إن إقتضى الأمر إعادة تأهيل النسيج الحضري للمدن العتيقة عبر إصلاح شبكات الصرف الصحي و الطرق و الأسوار و عرف هذا البرنامج صعوبة في التنفيذ نظرا لعدد الأسر المستهدفة ، و أهدافه التي تبقى غير واضحة بحيث يجمع بين عملية الإصلاح من جهة و بين التدخل الاستعجالي في حالة المباني المهددة بالإنهيار من جهة أخرى و التي تحتاج إلى استراتيجية عامــة و مندمجة تخص جميع المجالات الحضرية المعنية .
- برنامج تأهيل أحياء السكن غير القانوني يرمي هذا البرنامج إلى فك العزلة و إدماج هذه الأحياء عبر إنشاء الطرق و تاهيل المحيط بعد توفير الخدمات الأساسية من مياه الشرب و الصرف الصحي و الكهرباء ، من طرف السكان أنفسهم عن طريق جمعيات الأحياء أو من طرف المصالح المكلفة بتلك التجهيزات في تلك المدينة .
- برنامج السكن دون 14 ألف درهم يرمي هذا البرنامج إلى توفير السكن لذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون الاستفادة من البرامج الأخرى حيث لا يتعدى ثمن هذه الشقة ذات المساحة بين 50 و 60 متر مربع 14 ألف درهما و يتم تنفيذ هذا البرنامج بشراكة مع القطاع العام و الخاص .
- برامج التنمية و البناء كبرنامج المناطق الحضرية الجديدة الذي أقيم على أراضي الدولة أو أراضي الجموع و برنامج المدن الجديدة الذي يرمي إلى تخفيف حدة الكثافة السكانية عن بعض المدن الكبيرة كالرباط و البيضاء مراكش و طنجة حيث يتم تجهيز هذه المشاريع من طرف مؤسسة عمومية كمؤسسة العمران ليتم تفويتها بعد ذلك للخواص في إطار الشراكة بين القطاع الخاص و الدولة .

   و يمكن أن نستنتج من السياسات المغربية في مجال السكن أنها لم تنجح في القضاء على اشكالية السكن العشوائي لأنها افتقرت دائما لرؤية مندمجة و إرتكزت بالأساس على الهاجس الأمني في سياستها الخاصة بالمدينة مع محاولة التوفير بعض الخدمات الأساسية كمياه الشرب و الكهرباء فبعد إنتفاضة مدينة الدار البيضاء سنة 1981 أدى الهاجس الأمني إلى تغيير السياسات المنتهجة في مجال المدن بصفة عامة و في مدينة الدار البيضاء بصفة خاصة حيث سيتم تقسيم الدار البيضاء إلى عمالات و اعتماد تصميم التهيئة الحضارية تم سيتم إنشاء الوكالة الحضرية للدار البيضاء سنة 1984 .

     و في سنــة 1985 و بعـــد الانتفاضات التـــي عرفتها بعض المدن على رأسها مراكش فاس و الناظور تم الحاق مديرية التعمير و مديرية التنمية المجالية لوزارة الداخلية ، و تم تقسيم كل من مدينة فاس ، مراكش ، مكناس أكادير إلى عمالات على غــرار مدينة الدار البيضاء و قد تم تم في نفس السياق تعميم الوكلات الحضرية في أغلب المدن .
   و إجمالا يمكن القول بأن مجموع السياسات الإصلاحية التي قامت بها الدولة في هذا الباب كإعادة إسكان قاطني دور الصفيح تظل غير كافية ، اذا ما علمنا بأن السكن العشوائي يتزايد يوما بعد يوم وبشكل لافت للنظر، الأمر الذي يتطلب من الدولة اعتماد مقاربة تشاركية تقوم بإعداد إستراتيجية واضحة المعالم ، يتم من خلالها رصد سقف زمني من أجل القضاء على هذه الظاهرة، هذا دون أن ننسى بأن تطبيق العقوبات الزجرية على كل المخالفين ستكون بطبيعة الحال ركيزة أساسية من ركائز إصلاح الخريطة السكنية ببلادنا.

الفقرة الثانية: المراقبــــة الاجتماعيــــة
 
   إن الغاية التي كان يسعى إليها المشرع من خلال المهام التي أسندها على المجالس الجماعية وتحديدا في شخص رئيسها هو مسايرة التطور العمراني السريع، وضبط حركة البناء في المدن والقرى ، في إطار قانوني ورقابة إدارية وتقنية فعالة. غير أن الواقع المعاش أثبت وجود تجاوزات في مجال حركة البناء، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن جدوى وجود الجهات المعنية والمسؤولة، مع العلم أن اغلب حالات المخالفات تتم عن مرأى من مجالس الجماعات ، و باقي الأجهزة المختصة و كذا أفراد المجتمع دون تحريك ساكن في هذا الشان .
   و أول أمر أدى إلى تفاقم الوضع هو تحمل الجهات المكلفة لمسؤوليتها كاملة وتحويلها الاختصاصات المخولة إليها كأداة زبونية وانتخابية لجلب الأصوات بمنح رخص غير قانونية والتشجيع الضمني للسكن الغير اللائق و سوف نعالج هذه الفقرة من خلال التطرق إلى دور الأجهزة الدولة الإدارية المختصة (أولا) ، تم فيما بعد سوف نقترح مجموعة من الحلول للقضاء على هذه الظاهرة ( ثانيا ).

أولا : دور أجهزة الدولة المختصة في هذا المجال 

دور السلطة الإدارية ، يتجلى دور السلطة الإدارية في الأمر:
- إما بإيقاف أشغال البناء أو التجهيز.
- إما إعادة الحالة إلى ما كانت عليه.
- هدم الأبنية المقامة حسب ما تقتضيه الحالة.
   و ذلك بواسطة السادة ولاة وعمال بطلب من السادة رؤساء الجماعات أو من أنفسهم على حد السواء.
  و يلزم عامل العمالة أو الإقليم بإصدار أمر يرمي إلى إيقاف أشغال التجهيز أو البناء الجاري فيها العمل و التي تهدف إلى إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية غير مأذون لها في:
- الأملاك العامة.
- الأملاك الخاصة التي لا يسمح بالبناء فيها بموجب وثيقة من وثائق التعمير.
    و يحق للسادة الولاة و العمال أن يأمر بإعادة حالة العقار موضوع التجزئة إلى ما كانت عليه باتخاذ قرارات عملية تعتبر بمثابة أمر فوري بإيقاف الأشغال و إعادة الحالة إلى ما كانت عليه إن اقتضى الحال ذلك مع تحديد المدة الزمنية بتطبيق هذا الأمر.
  و إن لم يجد أمر العامل آذانا صاغية لدى مرتكب المخالفة بحيث لم ينفذ كلا أو جزءا مما هو مأمور به في الأجل المحدد له يحل السيد العامل أو الرئيس المعني محله في ذلك ليتحمل المخالفة ومصاريف الأشغال المنجزة )المادة 71من القانون المنظم للتجزءات العقارية ) .

دور السلطة القضائية:

  دور السلطة القضائية جد جلي إذ تبقى المحاكم في جميع الحالات مختصة للنطق بالعقوبات الجنائية سواء تدخلت السلطة الإدارية أو لم تتدخل، أم عدل مرتكب المخالفة عـن مخالفته, فالمحكمة ملزمـة بالأمر بهدم الأبنية أو التجهيزات المنجزة بدون سابق على نفقة المخالف دون اعتبار هل هي موجودة بمنطقة مسموح بالبناء فيها أولا)المادة 68 من نفس القانون (.
غيــــــر أن الهدم سواء صدر عن السلطة الإدارية أو السلطة القضائية لا يمكـــــن أن يشمــــــل إلا الأشغال المنجزة بدون الحصول على الإذن الإداري دون سواه.

ثانيا : الحلول المقترحة للحـــد على ظاهرة السكن العشوائي
 
  ولتجاوز هذه الظاهرة ومعالجتها يمكن طرح مجموعة من الحلول من بينها :
- تسهيل الإجراءات المعتمدة في تدبير ملفات الحصول على رخص البناء خصوصا ما يرتبط بملكية العقار والتصاميم النموذجية و مراجعة الرسوم المفروضة لفائدة الجماعات.
- تسريع معالجة الملفات وتبسيط المساطر المتعلقة بإحداث التجزئات.
- تقليص أجل الترخيص و إحداث شباك وحيد خاص بالتجزئات .
- تدخل مباشر من الدولة من خلال بناء وحدات سكنية جديدة بأثمان منخفضة .
- إشراك المجتمع المدني عند انجاز تصاميم التهيئة الأولية وفي الرقابة (رسالة الملكية بتاريخ 3 أكتوبر 2005) .
- تعميم الوكالات الحضرية بجل مدن المملكة المغربية .
- العمل على ملائمة وثائق التعمير مع الواقع المحلي و ذلك بتحديد "قواعد" التعمير بدل "وثائقه" .
- ضرورة إنشاء جهاز مستقل يقوم بمعاينة المخالفات المرتكبة في هذا المجال وهو الأمر الذي يسعى إليه المشروع من خلال مشروع 04-04 المتعلق بالتعمير ، فهذا الأخير تم إعداده من طرف وزارة التعمير ومن دون إشراك الجماعات المحلية المنتخبة ، الأمر الذي سيمنع على رؤساء الجماعات تسليم رخص البناء أو الإذن في إحداث التجزئة العقارية ، وهو إجراء سيقزم من دورها . وهذا التوجه يدل على أنه بمثابة رد فعل ضد الجماعات المحلية التي أتبتت التجربة العملية فشلها في لعب الدور الذي أنيط بها في التعمير.
- الإسراع في إخراج القانون 04-04 الذي سيأتي لتدارك العجز في تأهيل المجال ، وصيانة مشروع أرواح المواطنين وممتلكاتهم وضمان الجودة والسلامة والمهنية في الانجاز وتحديد المسؤوليات في قطاع يشكل النهوض به وتنظيمه الأولويات المستعجلة ، فهو يحدد خمس محطات رئيسية تشكل أساسا مباشرا في تفشي السكن الغير اللائق ، وثائق التعمير، الترخيص، الانجاز ، المراقبة والزجر، رخصة السكن .
- فعلى صعيد وثائق التعمير يجب التحيين الكلي لها والأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الزلزالية والأخطار بالنسبة للمناطق المغرب المختلفة إلزامية وثائق التعمير في العالم القروي ، تشجيع السكن المنخفض التكلفة و تسمية الوكالات الحضرية بوكالات التعمير لتكريس اختصاصاتها في الوسط القروي.

  وبالنسبة للترخيص يجب أن يحدد في أجل معين وأن تسلم رخصة البناء على أساس شهادة مهندس معماري مختص، و توحيد نماذج رخص البناء والسكن وشهادة المطابقة في مجموع التراب الوطني بما فيها العالم القروي ، وملء الفراغ القانوني بخصوص إشكالية السكن المهددة بالانهيار و السقوط .
- ضرورة متابعة الورش من طرف المهندس المعماري المختص مع الاحترام التام لدفتر الورش. 
- وفي باب المراقبة والزجر يجب أن تحدد المسؤوليات بشكل دقيق مع وضع مقتضيات جديدة ترمي حماية الملك العام، ومنع كل تغيير في واجهة المباني. ومعاقبة المشاركين بعقوبات سالبة للحرية.
- الضرب على أيدي المضاربين والمتاجرين في الميدان دون سند قانوني .
- وضع معايير للبناء وتقنين استعمال مواد البناء مع مراقبة جودتها.
- إلغاء شرط الحد الأدنى للمساحة بالنسبة للراغبين في العالم القروي.
- تفادي الازدواجية : جهة ترخص هي" الجماعة " وأخرى تراقب "السلطة المحلية".
- تجريم المخالفات في ميدان التعمير مع تحديد مسؤوليات جميع المتدخلين.
- حذف مسألة التنازل المخولة لرؤساء المجالس في مباشرة المتابعة القضائية.
- عدم فتح الباب في قضايا التعمير للاستئناف المقصود منها إطالة امد الدعوى.
- تكوين فرق مختصة ومتكونة في ميدان البناء ومراقبة الفرق ذاتها عبر التفتيش من خلال العينات الإحصائية "contrôle par sondage" والصرامة في تحميل المسؤولية لمن أخل بنظام المراقبة.
- إدراج المخالفات ضمن المس بالبيئة و التنمية و إلحاق الضرر بالجمالية و الرونق الهندسي
- إعفاء الأعوان والمنتخبون بالجماعات المحلية من عملية المراقبة وإسنادها لهيئة تتمتع بصلاحيات واسعة و وسائل مادية و بشرية خاصة للتدخل في الوقت المناسب
- ملائمة النظام البنكي لتمكين جميع الشرائح الاجتماعية من الحصول على قروض من أجل هذا الغرض .
- التقليص من الاختصاصات المخولة لرؤساء المجالس في ميدان التعمير نظرا لضعف التكوين والاختصاص في القطاع.
- إدراج القانون رقم 80 - 22 لحماية التراث في بنود القانون الجديد 04-04 وذلك حفاظا على التراث العمراني وتنميته . 
- إدماج مقتضيات القوانين المتعلقة بالبيئة ضمن مدونة التعمير والمتمثلة في : القانــون رقم 03-12 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة والقانون رقم 05-11 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة و القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء. واعتبار عنصر الموافقة البيئية من عناصر الملف لطلب الحصول على رخصة البناء. 
   من هنا يظهر في نظرنا أن حل المشاكل المتعلقة بالتعمير و السكن الغير اللائق رهين بتطبيق القانون الجديد 04-04 الذي أضفى صبغة إضافية وتغيير ضمني لقوانين 12-90 و 25-90 من حيث الإحاطة بجميع أصول وجذور المشكل.

خاتمـــــــة

  و تأسيسا على ما سبق و بعد عرضنا لمختلف المشاكل الهيكلية و البنيوية و القانونية التي يعاني منها قطاع الإسكان في بلادنا ، باعتباره قطاعا حيويا يضمن كرامة المواطن و حقه في الحصول على سكن تتوفر فيه جميع المعايير المعمول بها دوليا ، و باعتبار هذا الحق منصوص عليه في الدستور و المواثيق الدولية كان لزاما على الدولة و القطاع الخاص و المجتمع المدني و باقي الفعاليات الأخرى، الانخراط في ايجاد حلول أنية و ناجعة على المدى المتوسط و البعيد للمحافظة على هذا الحق دون الإضرار بالمجال البيئي و كذا المحافظة على رونق المدن و جماليتها .

   و يبدو أن الخطاب الملكي الأخير الذي تحدث عن المشاكل التي جعلت من الدار البيضاء مدينة فاشلة لا ترقى أن تكون قطبا ماليا دوليا، كان محفزا لمجلس المدينة لينتبه للاختلالات التي تعرفها هذه المدينة فيما يخص مجال التعمير و البناء و المحافظة على البيئة .

قائمة المراجع المعتمدة

كتب باللغة العربية 

* متمير فاطمة : المسؤولية المعمارية للمقاول بين أزمة النص و متطلبات الإصلاح 2010 مطبعة الأمنية الرباط .
* محجوبي محمد : قراءة عمليـــة في قوانين التعميــــر المغربيـــة الطبعة الثانية 2011 دار النشر المغربية 2006.
كتب باللغة الفرنسية 
Mohamed Anis, 2010 .L’habitat Insalubre au MAROC a la fin du xxéme siècle. UNIVERSITY OF CRAIOVA séries : Geography. Vol 13( new series) 2010.

المنشــــورات 

- الفاخوري إدريس : السكن في ظل التشريعات العقارية الخاصة .الحق في السكن و تدبير مجال العقار أعمال الندوة العلمية التي نظمها مختبر الدراسات القانونية المدنية و العقارية و مختبر الدراسات و الأبحاث في حقوق الإنسان 8 و 9 ماي 2009 جامعة القاضي عياض منشورات كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش ، سلسلة الندوات و الأيام الدراسية العدد 36/2010 . 
- شويكي المصطفى : الاتحاد الجغرافي المغربي منشورات فرع الدار البيضاء عين الشق ( السكن غير اللائق المفاهيم و الدلالات ) EURO- IMPRESSION s.a.r.l 2004 
- حفيف عز الدين : الاتحاد الجغرافي المغربي منشورات فرع الدار البيضاء عين الشق ( السكن غير اللائق من زاوية قوانين و وثائق التعمير ) EURO- IMPRESSION s.a.r.l 200 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا