الجغرافيا
إيمي ميلز (Amy Mills) ترجمة: سهام عبد السلام :
إن جغرافيا المتحدثين باللغة الإنجليزية في القرن العشرين فرع متنوع من فروع المعرفة، تجتمع أهدافه المتنوعة تحت مظلة دراسة التفاعل المتبادل بين الإنسان والبيئة. أما الجغرافيا النسوية فهي مجال فرعي واسع، ركزت كتاباته السابقة أساسا على مناطق الثقافات الأمريكية والأوروبية، أما الجغرافيات النسويات الموجودات اليوم فيدرسن جميع أنحاء العالم.
ودراسات النساء اللاتي يعشن في الثقافات الإسلامية مجال جديد متنام في علم الجغرافيا، يتجلى فيه ما يميز هذا العلم ككل من تنوع في النظريات ومناهج البحث والموضوعات. وسوف تناقش هذه المداخلة مسألة هامة هي مسألة التوزيع الجغرافي للإسلام وتخصيص الإسلام للمكان حسب الجندر (gendering of space).
كما سيرد في هذه المداخلة عرض للدراسات الجغرافية عن النساء في الثقافات الإسلامية، في إطار مناقشة نظريات الجغرافيا ومناهج البحث المستخدمة فيها. تلتقي دراسات الجندر مع الجغرافيا في كون السلطة مرتبطة بالمكان دائما.
والجغرافيا هي السياق المشترك الذي يشكل الفعل الاجتماعي، وقد تتجلى فيه الأدوار الاجتماعية للجنسين (النساء والرجال)، أو يعيد إنتاج هذه الأدوار، أو يسمح بتجاوزها. يستكشف الجغرافيون نقاط الالتقاء بين الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء في إطار البيت وبين هياكل قوة أكبر، مثل السياسات القومية أو العمليات الاقتصادية العالمية. وتستكشف الدراسات الجغرافية المعنية بدراسة علاقات النساء بالمكان الطبيعة المكانية لتشكيل الهوية.
وحيث أن جميع العلاقات الاجتماعية الأخرى محكومة بالمكان، فالعلوم الجغرافية أساسية للأبحاث التي تدرس النساء في جميع الأمكنة.
صياغة المكان حسب الجندر في الإسلام
من أهم المسائل الجغرافية اللازمة لدراسة النساء في الثقافات الإسلامية مسألة ما إذا كان الإسلام يصيغ المكان حسب الجندر وكيفية ذلك. وهذه المسألة متجذرة في التوثيق التاريخي لنموذج "المدينة الإسلامية"، وهو نموذج لتصور استشراقي يصف سمات اجتماعية وثقافية معينة تشترك فيها مدن الشرق الأوسط من حيث أن أثر الإسلام يتجلى فيها. وفقا لهذا النموذج، لعب الإسلام دورا في صياغة المكان حسب انتماء الفرد إلى جنس دون الآخر من حيث إنشائه لبيئات معينة شكلت المحيط اللازم لعزل النساء وفصلهن عن الرجال كما أمر الإسلام.
وأدى هذا إلى التمييز بين الأماكن العامة والخاصة في البيوت، بإنشاء البدع المعمارية العثمانية المسماة بالحرملك والسلاملك مثلا (وهو معمار يفصل أماكن البيت اجتماعيا، بحيث يتميز كل مكان منها بنوع مستخدميه، فالحرملك للنساء والأسرة، والسلاملك للرجال والزوار)، وبمعالم معمارية مثل المشربيات التي تمنع عيون الذكور الغرباء من رؤية النساء اللاتي يشغلن المكان المخصص للأسرة. كما أن الطرقات المتعرجة الضيقة المسدودة في الأحياء تحدها الجدران التي تحمي نساء الحارة من نظرات الغرباء بالتحكم في الحركة. ولا يشجع نمط هذه الطرقات على وجود الغرباء عرضا في الحارة، إذ تلتصق المباني السكنية المتجاورة ببعضها البعض، وتفصلها الحارة عن الطرق العامة.
يزعم نموذج المدينة الإسلامية أن الإسلام يقدم القيمة الثقافية السائدة في المجتمعات التي يسود فيها كديانة. وهذا النموذج يعمل على تأويل المعمار ونظام المدن، حتى مستوى المسكن الخاص، على محمل أنه من مظاهر القيم الإسلامية.
حطمت جانيت أبو لغد (Janet Abu-Lughod 1987) في مقالها المنشور في عام ١٩٨٧م مستقبل استخدام نموذج "المدينة الإسلامية" كأداة في الدراسات الجغرافية الجادة عن المجتمعات التي تسودها الديانة الإسلامية، كما كشفت عن منبعه الاستشراقي، وأثبتت انه نموذج مستقى من دراسات فرنسية قليلة عن مدن فرنسية استعمارية قليلة كانت بداية سلسلة طويلة من الأبحاث التي تستشهد ببعضها البعض.
إن مجرد تشكيل نموذج يسمى المدينة الإسلامية يحمل زعما بوجود سمات جوهرية وحتمية للإسلام وقدرته على تشكيل البيئات الحضرية، وهو زعم يكشف عن المنظور الاستشراقي لهذا النموذج الذي بدأ بتحديد مدن المجتمعات الإسلامية من حيث موقعها من مدن أوروبا واختلافاتها عنها. فتتساءل جانيت أبو لغد: "لماذا يتوقع المرء أن تكون المدن الإسلامية متشابهة، وعلى أي نحو يكون تشابهها؟" (Abu-Lughod 1987, 160)، ويثير تساؤلها مشكلة الزعم بأن الإسلام مفهوم ويمارس ويظهر مكانيا بطرق متشابهة في مجتمعات متباعدة جغرافيا، كمجتمعات جنوب شرق آسيا وجنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، أو في غير ذلك من أنحاء العالم. كما يثير أيضا نقطة واضحة هي أن العلاقة بين الإسلام، وإنشاء المكان الاجتماعي واستخدامه في الحياة، وبين تقسيم المجتمع حسب الجندر قد لا تصلح للتعامل بشكل متسق مع التنوع الهائل في تاريخ المجتمعات والمناطق الجغرافية التي تشغلها وأوضاعها الاقتصادية والسياسية، أو مع الأماكن الأخرى التي تعني فيها هذه التساؤلات شيئا.
كما أن اعتبار عزل النساء وفصل أماكن النساء عن أماكن الرجال بمثابة سمة أولية من سمات "المدينة الإسلامية" يتجاهل أن "قصر وجود النساء على المجالات الخاصة من سمات المجتمعات الريفية والحضرية، الرأسمالية والاشتراكية" ( .S Ardner referenced in McDowell, 2000, 121)، وأنه ليس سمة خاصة بالمجتمعات ذات الثقافات الإسلامية.
لكن الوعي بمشكلات نموذج المدينة الإسلامية لم ينزع صفة الجدية عن السؤال عن العلاقات بين المكان والنوع الاجتماعي والإسلام. فمثلا، تستخدم آنا سيكور (Anna Secor) مدخلا مكانيا لدراسة ارتداء الحجاب في اسطنبول بتركيا، وتكشف دراستها عن علاقة مختلف طرق ارتداء الحجاب بالمكان عبر المدينة، وتلمح إلى أن حرية حركة النساء في المدينة ترتبط بإنتاج المعرفة الإسلامية بشكل يأخذ الجندر في الاعتبار. وتؤكد هذه الدراسة على أهمية دراسة تخصيص أماكن معينة للنساء يمارسن فيها حياتهن اليومية، وتلمح إلى أن الإسلام يلعب دورا هاما - وإن كان مركبا - في السياق الذي تفاوض فيه النساء بشأن ممارسات الحياة اليومية.
تفحص آنا سيكور مسألة تخصيص أماكن معينة لممارسة الأنشطة البدنية على أساس الجندر بالنسبة للفرد (رجل/امرأة)، ودراستها مثال لإسهام الجغرافيا المعاصرة في مسألة تعامل الإسلام مع الحيز المكاني حسب النوع الاجتماعي للفرد. ومن أهم التطورات النظرية الحديثة في الجغرافيا التحليل الجغرافي للجسد، حيث يفترض التحليل الجغرافي أن أنشطة الحياة اليومية التي تنتج الحيز الاجتماعي (أو تتحداه، أو تعيد تفسيره، أو تضفي عليه معنى) تبدأ في الجسد وتأخذ مجراها من خلاله. فنحن وغيرنا ننقش معان على الأجساد، فالجسد هو الذي يعرف الآخرين بالفرد، والفرد يحكي حكايات ذاته للآخرين بجسده، باستخدام العلامات أو الإيماءات أو اللغة.
وتتشكل الهوية الذاتية في سياق عملية حكينا للآخرين عمن نكون، ودائما ما يحدث هذا الحكي في علاقة اتفاق مع الآخرين أو اختلاف معهم. ويكتسب حكي الفرد، رجلا كان أم امرأة، عن ذاته معنى عندما يأخذ مكانه في صفوف الحكايات الجماعية الأكبر ويصير جزءا من الهوية الجمعية.
وجميع الحركات البدنية التي يعبر بها الفرد عن بوحه بحكايته الذاتية التي تميزه عن الآخرين ذات طابع مكاني، بمعنى أنها تنتج وتشكل الحيز الاجتماعي الذي تأخذ فيه مجراها. "المكان يشكل خلفية التفاوض الجماعي الحواري المستمر بخصوص بناء هوية الذوات الفردية - والجمعية -... وتسليما بأن بناء الهوية ذات المعاني المتعددة يحدث في المكان، لا عجب في اهتمام الكثير من الجغرافيين بفحص الأماكن باعتبارها مواقع للبناء الجسدي للذات ("Dear and Flusty 2002, 305).
وتفترض الجغرافيا النسوية أن الأماكن تصاغ تبعا لجنس من فيها من النساء والرجال، بالطريقة التي تنتج بها الحركات الجسدية لكل منهما المكان، ويمكن أن تفتح الدراسات الجغرافية للجسد في المجتمعات الإسلامية سبلا جديدة لدراسة العلاقة بين الإسلام وإنتاج المكان في الثقافات الإسلامية، وتشمل هذه السبل: المقارنة بين خبرات النساء والرجال من ارتياد أماكن معينة، والأبحاث التي تتناول الصفات الجنسية والهوية، والأبعاد المصطبغة بالجندر في الأماكن الجديدة التي خلقتها العولمة والتحول إلى النظام الرأسمالي، والأماكن المخصصة للنساء في الحركات الدينية السياسية. ويمكن أن تستلهم أبحاث أخرى تحرير أمكنة معينة من الارتباط بالجسد، مثل الأمكنة التي تخلقها تكنولوجيا الاتصالات. فمثلا، تستكشف دراسة سوزان بستاني (Susan Bastani) عن استخدام النساء المسلمات للإنترنت الطرق التي تشكل بها تكنولوجيا الاتصالات أمكنة متعددة القوميات والثقافات تلتقي فيها النساء المسلمات المهاجرات في أمريكا الشمالية، ويجدن فيها أشكالا من المساندة، ودون ذلك تعيش هؤلاء النساء معزولات عن المجتمع الإسلامي.
النسوية في الجغرافيا:
السياق النظري للدراسات الجغرافية عن النساء في الثقافات الإسلامية
لقد ورثت الدراسات الجغرافية المعاصرة عن الإسلام والجندر والمكان التاريخ الثقافي للنسوية في الجغرافيا. فحين أدخلت الجغرافيات النسويات مفهوم النسوية إلى الجغرافيا نقدن هذا العلم، لأن النزعة الذكورية كانت تتجلى في بنية المعرفة الجغرافية.
وقد أثارت هؤلاء الجغرافيات أسئلة معرفية جديدة تحتاج إلى بحث علمي لإجابتها، كما أعدن تقييم الافتراضات النظرية والمنهجية الصميمة لهذا العلم. ومنذ بدايات ثمانينات القرن العشرين، خصصت بعض المجلات الجغرافية العلمية مثل آنتيبود Antipode (أي النقيض)، وكاناديان جيوغرافر Canadian Geographer (أي الجغرافي الكندي)، وبروفيشونال جيوغرافر Professional Geographer (أي الجغرافي المحترف)، ومجلة جندر بليس آند كلتشر Gender, Place and Culture (أي الجندر والمكان والثقافة) أعدادا بكاملها للجدل الدائر حول أثر الجغرافيا النسوية على نظريات ومناهج بحث علم الجغرافيا.
وقد سعت الجغرافيات النسويات في سبعينات القرن العشرين إلى تثبيت أقدام الاختلاف الأنثوي، مؤكدات على أن جغرافيا النساء وأماكن النساء قد سبق تجاهلها (أنظري/أنظر المقال المبكر المؤثر الذي كتبته جانيس مونك Janice Monk في عام ١٩٨٢م). وقد جذب هذا الاتجاه الانتباه إلى التعبير عن هياكل القوة ذات الصبغة المتعلقة بالجندر بدلالة الأمكنة، كما قدم موضوعات بحثية جديدة عن غيرها، مثل دراسة العلاقات الاجتماعية المكانية للحياة اليومية.
وتسابقت المتخصصات الجغرافيات في مضمار دراسة النساء في الأماكن التي يقضين فيها حياتهن اليومية، موضحات أن حركة النساء في المجال العام محدودة بالأيديولوجية الذكورية السائدة التي تحدد موضع النساء بالحيز المنزلي الخاص داخل بيوتهن (Rose 1993).
وقد أدخلت الجغرافيا النسوية نشاط العمل العام في الجغرافيا كفرع أكاديمي وفي الجانب التطبيقي من ممارسة العمل الجغرافي المهني. وقد ظهرت الحركة النسوية المهتمة بالبيئة وتنامت كحركة سياسية في ثمانينات القرن العشرين، وهي من مظاهر الجغرافيا النسوية التي يتجلى وجهها السياسي بأصرح ما يمكن.
وقد نشأت الحركة النسوية المهتمة بالبيئة بإلحاح من نساء البلدان التي تقع خارج الكتلة الغربية والمهتمة بالعلاقات بين البيئات المحلية والمسارات العالمية واستغلال الموارد ومشاركة النساء في العمل البيئي العام.
والنسويات المهتمات بالبيئة يوحد بينهن اهتمامهن المشترك بالنساء والبيئة، لكنهن من أصول متفرقة ولهن أهداف مختلفة. فتذهب بعضهن إلى أن الربط بين الطبيعة والنساء يقوم على أساس من الأيديولوجية الأبوية التي تعمل على إخضاع كل من النساء والطبيعة، بينما تحتفي أخريات بالربط بين النساء والطبيعة ويجدن فيه مدعاة للقوة.
وقد جذبت النسويات المهتمات بالبيئة الانتباه إلى الاقتصاد السياسي للعلاقات بين مؤسسات التنمية الدولية والشعوب والبيئات المحلية، وحجتهن أن التباين ناتج عن تقسيم الأدوار الاجتماعية بين النساء والرجال من منطلق الجندر يختص كل منهما بأدوار معينة في المجتمع، فذلك التقسيم هو الذي يحدد طرق استخدام الرجال والنساء للموارد البيئية. وتعمل هذه الفئة من النسويات في حركات القواعد الشعبية لكشف الروابط المتبادلة بين نظم القهر، مؤكدات على أن استغلال البيئات الطبيعية مشتق من أساليب القهر في العلاقات الإنسانية.
وأدخلت النسوية أيضا زوايا نظر جديدة إلى مناهج البحث الأكاديمية في الجغرافيا، فبدأت مناهج البحث الجغرافي في التحول قصدا لتشمل النساء وتولي اهتماما خاصا إلى التباين بين الناس موضوعات البحث عموما.
وتحول اهتمام الباحثات أيضا إلى استخدام مناهج البحث الكيفية التي لا تعتمد على التراتب الهرمي، وبدأت الباحثات الجغرافيات في الوعي بالاختلاف بين الباحثة والناس الخاضعين للبحث، رجالا ونساء، من حيث موضعهم من بعضهم البعض في عملية جمع المعلومات وخلق المعرفة (أنظري/أنظر: Hanson1992).
وبالنسبة للباحثين والباحثات في علم الجغرافيا تتمثل خصوصية الموقع الخاص بطرفي البحث (أي الباحث والمبحوث) في الاختلاف المكاني الكامن، فمواقع المقابلة الشخصية تؤدي إما إلى قهر أو تمكين أحد طرفي المقابلة الشخصية. وفي عرف هؤلاء الجغرافيين، رجالا ونساء، فإن المعنى هو نتاج سياق مكاني، مثلما هو نتاج سياق اجتماعي وثقافي.
وقد تصادف ظهور اهتمام الجغرافيات النسويات بإنتاج المعرفة الجغرافية مع ظهور دراسات الجندر في العلوم، بالإضافة إلى الكتابات التي وثقت تاريخ الجغرافيا ووضعته في إطار تاريخ النزعة التوسعية الأوروبية والقهر الاستعماري. وقد ربطت النسويات المعرفة الجغرافية بالقوة والسلطة، وأوضحن الدور الذي لعبه الذكر الأوروبي الأبيض الاستعماري في تاريخ جمع المعلومات الجغرافية (أنظري/أنظر: Domosh 1991).
وهكذا، ركزت بعض الجغرافيات على إدخال النساء في دراسة إنتاج المعرفة الجغرافية، ودرس بعض آخر منهن الطرق الذكورية التي تم بها إنتاج المعرفة الجغرافية على المستوى النظري الأولي الذي تأسست عليه، وفي الأساليب والتصورات الذهنية التي أدركت بها العالم وشرحته (أنظري/أنظر: Massey 1994).
وقد غيرت الجغرافيات النسويات طريقة فهم وممارسة الجغرافيا في جميع تخصصاتها الفرعية. ويتجلى أثر هؤلاء الجغرافيات على البحث العلمي في الدراسات الجغرافية للنساء في الثقافات الإسلامية، كما تقدم هذه الدراسات سبلا جديدة للبحث تشمل: أدوار النساء في المبادرات التنموية وإدارة الموارد البيئية، والدراسات الحضرية للهجرة والإسلام السياسي، وتخطي الإناث للمعايير الثقافية للمكان في الأدب، والعلاقة بين الإسلام وصياغة المكان تبعا للجندر.
علم العلاقات البيئية السياسية ودراسة النساء في الثقافات الإسلامية
ركز الباحث الجغرافي كارل سوير (Carl Sauer) على دراسة دور العمل البشري في تحويل البيئة الطبيعية، وما زال المفهوم الذي أتى به هذا الباحث يشكل لب الدراسات الأكاديمية في الجغرافيا الثقافية، ألا وهو مفهوم تركيب المجال الطبيعي العام (landscape morphology).
وقد صارت المداخل النظرية والمنهجية لدراسة تركيب المجال الطبيعي العام علامة مميزة لـ"مدرسة بيركلي"، التي اعتبرت مجال الطبيعة المادية "أثرا ثقافيا" يمكن ملاحظته بصريا وتحليله باعتباره التعبير "الحقيقي" عن الثقافة مطبوعا على الأرض. وقد أشار علم دراسة تركيب المجال الطبيعي العام إلى عملية التغيير التي تركتها بصمات النشاط الإنساني على البيئة المادية.
فعلى سبيل المثال أدرك هذا العلم أن استخدام التكنولوجيا الزراعية وأنماط الاستيطان لهما خصوصية بيئية وثقافية، ودرس الجغرافيون الانتشار المكاني لهذه العمليات إلى مناطق الثقافة. وقد كانت الدراسات الميدانية أساسا لمناهج البحث الجغرافية التي شملت دراسة اللغات الأجنبية، واعتمدت اعتمادا شديدا على الملاحظة البصرية للمناظر الطبيعية في شكلها المادي. وقد تفرع التخصص الفرعي المعاصر في دراسة الوجه الثقافي لعلاقة الكائن الحي ببيئته من دراسات تركيب المجال الطبيعي العام المبكرة لمدرسة بيركلي، وهو تخصص يركز على التقنيات التي يستخدمها الرعاة والصيادون وجامعو الثمار والمزارعون في البلدان النامية للتواؤم مع بيئتهم الطبيعية.
ويستكشف باحثو علم العلاقات البيئية السياسية ( political ecologists) هذه الممارسات في سياقها الاجتماعي والسياسي الأوسع، ومن بين هؤلاء الباحثين الجغرافيات النسويات اللاتي عنين ببحث علاقات القوى التي تؤثر في التواؤم الثقافي مع البيئة.
وتوجد أكثر الدراسات عن النساء في الثقافات الإسلامية تطورا في ساحات علم العلاقات البيئية السياسي، رغم أنها ليست بمثل كثرة الدراسات عن أثر العلاقة بين الرجال والنساء من منطلق الجندر على إدارة الموارد البيئية في مناطق أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ومن أمثلة هذه الدراسات دراسة ديانا دافيس (Diana Davis) التي بحثت قضايا الجندر في إطار دراستها لإدارة أعمال الرعي ومزارع تربية الماشية في المغرب، حيث بحثت ديانا دافيس الأدوار التي تلعبها النساء في رعاية الحيوانات ومعالجتها بالوصفات الطبية المتوارثة في إطار العرق البشري الذي ينتمين إليه، وأثر هذه الأدوار على التغيرات البيئية في منطقة تتعرض للتصحر.
وقد أخذت الباحثة في اعتبارها أثر السياقات الاجتماعية والاقتصادية وسياق العلاقة بين الناس والبيئة التي يعيشون فيها على تخصيص مهام معينة من مهام إدارة الموارد وفقا للأدوار الموكلة للنساء والرجال على أساس الجندر.
ويقع الجندر في بؤرة اهتمام هذه الدراسة، الأمر الذي يدخل منظورا هاما في دراسات التغيرات البيئية في الساحل. وقد أجريت أيضا دراسات جغرافية أخرى عن دور النساء في الزراعة والموارد البيئية في بنغلاديش وتركيا ومصر، وبين طوائف المسلمين في تنزانيا.
وباستكشاف اصطباغ الديناميكيات الاجتماعية وآليات التفاعل التي تتطلبها ممارسة الحياة اليومية في الأسرة بطابع الجندر في مجال رعاية قطعان الماشية وإدارة الموارد الطبيعية، يلقي هذا المنظور الضوء على أبعاد سبق تجاهلها بشأن تفاعل الإنسان مع البيئة.
"الجغرافيا الثقافية الجديدة" والدراسات الحضرية
تحصل الكثير من الدراسات الجغرافية المعنية بالنساء في الثقافات الإسلامية على معلومات من الأماكن التي تخصص لكل من الرجال والنساء كنوعين اجتماعيين ومن معاني الحياة الحضرية. والدراسات الثقافية الحضرية جزء من الحركة الفكرية التي نشأت بعد عام ١٩٨٠م، والتي بدأ الجغرافيون فيها في إعادة تقييم فهم الثقافة التي تشكل خلفية المفاهيم المؤسِّسة للمجال الطبيعي العام والإقليم الثقافي.
وقد تعرض تركيز العلوم الجغرافية على الشكل المادي للانتقاد بسبب رؤيته للثقافة كعامل وحيد غير متمايز، تتجلى فيه السياقات الخاصة بالجندر والسياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تم إنتاج الثقافة فيها.
ونجد أن وراء هذه التحولات النظرية في الجغرافيا هو الاهتمام الجديد بالعمليات التي تشكل المجال الطبيعي العام، وهو مسار نشأ للمرة الأولى من الماركسية، لكنه تأثر أيضا بالنسوية والنقد الأدبي ونظرية ما بعد الكولونيالية والدراسات الثقافية، وغير ذلك من الاتجاهات الثقافية للعقود القليلة الماضية.
وأخذ الجغرافيون الثقافيون بأفكار هنري لوفيبفر (Henri LeFebvre) عن إنتاج المكان، كما تأثروا بميشيل دي سيرتو (Michel de Certeau) وغيرهما، فأخذوا في التركيز صراحة على علاقات القوى المتأصلة في العمليات الاجتماعية التي تشكل البيئة. وتحول موضوع الدراسة إلى بيئات وثقافات الحياة الدنيوية اليومية.
وبدأ الجغرافيون في تصور المجال الطبيعي العام باعتباره نتاجا مستمرا لعديد من الفاعلين الذين يخضع عملهم لشروط مواقعهم السياسية أو الاقتصادية بالنسبة لبعضهم البعض، كما رأوا أن المكان ليس مجرد نتاج للفعل البشري، بل هو أيضا نتاج للسياق الذي حدثت فيه الأفعال وتشكلت بتأثيره.
إن الحركة النقدية المهتمة بالفرضيات الكامنة وراء علم الجغرافيا هي حركة عرفت باسم "الجغرافيا الثقافية الجديدة"، وتأسست مجلات مثل آنتيبود Antipode (النقيض)، وإكيومين Ecumene (العالمية) وسوسايتي آند سبيس Society and Space (المجتمع والمكان) كمنابر لمناقشة القضايا المثارة. لقد درست الجغرافيا الثقافية في بداياتها المبكرة البيئات الريفية والتقليدية أو "الشعبية"، ومنذ ذلك الحين كانت البحوث الجغرافية قد اتسع نطاقها لتضم موضوعات التهجين الثقافي والثقافات العابرة للقوميات، والبقاع الثقافية غير المادية، كتلك التي نجدها في الكتابات الخيالية التي تبحث الجوانب الجغرافية للصور التمثيلية المكتوبة والمرئية، والخواص المكانية للعلاقات في وسائل الإعلام الجديدة مثل الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات، وتشكيل الهوية في سياق العولمة.
ومن أهم مؤلفات هذه البحوث الدراسات الجغرافية الحضرية التي تناولت التوزيع المكاني للامساواة التي نتجت عن الاقتصاد الرأسمالي في العقود القليلة(كتابات مثلا أنظر/أنظري الماضية : Mike Davis, Michael Dear, David Harvey, Edward Soja, and Sharon Zukin). حيث درس هؤلاء المؤلفون والمؤلفات تشكيل البيئات الجديدة التي تتطابق مع الاقتصاد السياسي الجديد، واستكشفوا موقع المدينة، ومواقع المدن الجديدة من عملية تشكيل الثقافات العالمية والمحلية.
أما الدراسات الحضرية للنساء في الثقافات الإسلامية فقد استكشفت بعدة طرق مختلفة التوزيع المكاني في المدن وفقا للأدوار الموكلة للنساء والرجال على أساس الجندر، وأحوال النساء والإمكانات الجديدة التي تتاح لهن بفضل نمو الحيز الحضري الجديد. فعلى سبيل المثال درست هذه الدراسات أثر الهجرة على الأدوار الاجتماعية للنساء، ودور النساء في إنشاء شبكات علاقات اقتصادية وغيرها من استراتيجيات البقاء في التجمعات السكنية الجديدة، وتقسيم المكان على أساس الجندر في التجمعات السكانية التي تعيش في مساكن أقيمت بوضع اليد ومخيمات اللاجئين، وبنية هوية النساء المهاجرات كما تبدو في تواريخهن الشفهية التي تحكي عن الأماكن التي نشأن فيها.
ونجد وراء هذه الدراسات الفرضية الفكرية القائلة بأن جميع الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لها آثار تمس النساء والرجال على أساس الجندر، كما تشكلها دراسات الخواص المكانية لهذه الأحداث التي تكشف عن سبل جديدة يمكن أن تطرقها أسئلة البحوث وتصل من خلالها إلى الفهم. ويكشف مسح حديث أجري عن رسائل الدكتوراه في العلوم الجغرافية أن مؤلفيها قد درسوا الهجرة والنساء في أماكن متفرقة، مثل مخيمات اللاجئين في أفغانستان، وأرياف السودان وسيريلانكا وتونس وتركيا، والبدو الذين يعيشون في صحراء النقب. ويشهد العالم الإسلامي تحولا متصاعدا نحو الحياة الحضرية، مما سيزيد من أهمية الدراسات الثقافية الحضرية للنساء وعلاقاتهن بالبيئات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية للمدن.
دراسات المكان
استخدمت الدراسات التي تناولت النساء في الثقافات الإسلامية مفهوما جغرافيا، هو مفهوم المكان، لاستكشاف العلاقة بين الجندر والمكان والهوية، بالإضافة إلى الطبيعة المكانية لعلاقات القوى القائمة على أساس الجندر. وجاءت بداية دراسات المكان استجابة للثورة الجغرافية الكمية في ستينات القرن العشرين، التي حثت بعض الجغرافيين على التأكيد على أهمية قيام مقاربة أكثر إنسانية في دراسة العلاقة بين الناس والبيئة. ويشمل مفهوم المكان عناصر كيفية، مثل عنصر المعنى الذاتي. فإذا كان الحيز هو الوعاء الذي يحدث فيه النشاط الاجتماعي، فالمكان هو الحيز الذي اكتسب معنى: وقد استكشف جغرافيون مثل آن بوتيمر ( Anne Buttimer)، وإدوارد رالف (Edward Ralph)، ويي فو توان (Yi Fu Tuan) المكان كموقع للإدراك الحسي والحضور الروحي والذاكرة والمعنى والخيال والمشاعر. والمكان مفهوم مؤسِّس لدراسات الجغرافيا الثقافية، شأنه في ذلك كشأن المجال الطبيعي العام.
وقد أثرت الأفكار المحيطة بالإنتاج الاجتماعي للمكان على دراسات المكان من خلال النقد الذي أشار إلى أن هذه الأفكار أدت إلى فهم المكان على أنه ساكن لا يتغير، وموضع فريد من نوعه يمكن أن تتهدد التغيرات هويته فيصير "بلا مكان". وقد قدم الجغرافيون والجغرافيات من أمثال دورين ماسي (Doreen Massey) فهما للمكان بصفته موجودا من حيث علاقاته المكانية بغيره من الأماكن الأخرى، ويؤدي تدفق هذه العلاقات بين الأماكن إلى إنتاج وإعادة إنتاج استمرارية المكان.
لقد صار المكان موقعا أو موضعا للحركات الاجتماعية المترابطة التي تبطن الموقع بالمعاني، والتي لا تكف عن الظهور، وتكون أحيانا متعارضة ومتضاربة، ولا تكون أبدا ذات نزعة جوهرية ولا ساكنة.
وقد صار المكان مهما أيضا لدراسات تكوين الهوية. ويؤثر المكان والهوية على تكوين بعضهما البعض على المستوى القاعدي، وينتجان الذكريات التي نكون بها تواريخنا الخاصة، والتي تحدث بالضرورة في أماكن معينة، لذا تجسد الأماكن الروايات التي تدور حول ذواتنا.
ومع توسع البحث لاستكشاف العلاقة بين المكان والهوية، بدأت دراسات المكان تضم موضوعات الاختلاف والموقع المكاني والمثال المجسد والانعكاس، وهي موضوعات شديدة الأهمية للجغرافيا النسوية. وقد خرجت من ثنايا هذا المسار البحثي دراسات عن إضفاء الصبغة السياسية على المكان، ودراسة المكان كموقع يمكن ساكنيه من المقاومة.
وبدأ الجغرافيون والجغرافيات في استكشاف كيف يمكن لمعاني المكان أن تقوي هؤلاء الذين يتحدون الثقافة السائدة، أو كيف يمكن لروايات معاني الأمكنة أن تعزز أو تهدم علاقات القوى للأنشطة الاجتماعية التي تخلق المكان.
وتصير دراسة المكان دراسة للسياق المكاني الذي يمارس فيه النساء والرجال أدوارهم وأدوارهن الاجتماعية على أساس الجندر ويتضح فيه تأثير علاقات القوى القائمة على أساس الجندر. وبناء على ذلك بدأت الدراسات الجغرافية عن النساء في الثقافات الإسلامية في استكشاف العلاقة بين النساء والمكان.
فعلى سبيل المثال أشار كارل بيرترام (Carl Bertram 1998) إلى أن علاقات النساء بالمكان كما وردت في الأدب التركي تجسد الأدوار الثقافية التقليدية الموكلة إليهن واحتجاجهن الإيجابي على هذه الأدوار. ويعكس مثل هذا البحث الاتجاهات الناشئة عن تأثير نظرية الدراسات الثقافية في العلوم الجغرافية.
جغرافيا النساء في الثقافات الإسلامية
تتباين النظريات والمنهجيات الجغرافية بقدر تباين المناطق والبيئات والثقافات التي يدرسها الجغرافيون.
فالجغرافيون الذين يدرسون الموضوعات المتعلقة بالنساء في الثقافات الإسلامية لا يستخدمون منهجيات ثابتة، إذ تختلف المناهج وفقا لأدوات البحث المتاحة لكل باحثة جغرافية، والسياق الاجتماعي أو السياسي لبحثها، وطبيعة أسئلة بحثها. فمناهج البحث الكمية مثل الاستشعار عن بعد، وجمع عينات من التربة، وتحليل المجال الطبيعي العام، يمكن أن تستخدم مع المقابلات الشخصية والملاحظة بالمشاركة لتحديد ثقافة استخدام الأرض في منطقة معينة وأبعادها الخاصة بالجندر.
ومن مناهج التحليل التي استخدمها باحثو وباحثات الجغرافيا الحضرية منهج المسح متسع النطاق ومنهج المجموعات البؤرية، كما استخدموا منهج الملاحظة بالمشاركة لفترة زمنية طويلة، والمقابلات الشخصية التي تشمل أسئلة مفتوحة. لكن هنالك جغرافيين آخرين يتوقفون أمام الأعمال الأدبية والأفلام بحثا عن المعاني المطمورة في حيز الأماكن المتاحة للنساء في الثقافات الإسلامية.
ويوضح المنظور الجغرافي أن خلق حيز الأماكن واستخدامها، وتفسير النساء لها واختصاص أنفسهن ببعضها، هي أمور مرنة ومرتبطة بالسياق. ويتصل الإسلام بهذه السياقات المعقدة بطرق مختلفة. إن النظريات والمنهجيات الجغرافية تقدم عبارات لوصف وتحليل الطابع المركب لحيز الأماكن الخاصة بالنساء في المجتمعات الإسلامية، ومختلف العناصر التي تشكل حياتهن اليومية (وتتشكل بها)، سواء كانت عناصر اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ذات طبيعة دينية.
ولا توجد أية قاعدة بيانات أو أرشيف للدراسات الجغرافية عن النساء في الثقافات الإسلامية، لكن جماعة المتخصصات الجغرافيات المسماة "جيوغرافيك بيرسبكتيفز أون ويمين" (Geographic Perspectives on Women أي رؤى جغرافية عن النساء) التابعة لجمعية الجغرافيين الأمريكيين تتكفل بقاعدة بيانات موجودة على شبكة الإنترنت في الموقع الإلكتروني على شبكة المعلومات وعنوانه: . كما توجد مقالات عن النساء في الثقافات الإسلامية منشورة في مجلات مثل جندر Gender، وسبيس آند كلتشر Space and Culture (المكان والثقافة)، وآراب جيوغرافرArab Geographer (الجغرافي العربي)، وجيوغرافيك ريفيو Geographic Review (العرض الجغرافي)، وآنالز أوف ذا آسوسييشن أوف أميركان جيوغرافي Annals of the Association of American Geography (حوليات الجمعية الجغرافية الأمريكية).
المراجع
J. Abu-Lughod, The Islamic city – historic myth, Islamic essence and contemporary relevance, in International Journal of Middle East Studies 19 (1987), 155–76.
S. Bastani, Muslim women on-line, in Arab World Geographer 3:2 (2000), 40–59.
C. Bertram, Restructuring the house, restructuring the self. Renegotiating the meanings of place in the Turkish short story, in Z. Arat (ed.), Deconstructing images of the Turkish woman, New York 1998, 263–74.
D. Davis, Gender, indigenous knowledge, and pastoral resource use in Morocco, in Geographical Review 86:2 (1996), 284– 8.
M. Dear and S. Flusty, Emplaced bodies, embodied selves, in M. Dear and S. Flusty (eds.), The spaces of postmodernity. Readings in human geography, Oxford 2002, 306–6.
M. Domosh, Towards a feminist historiography of geography, in Transactions of the Institute of British Geographers 16 (1991), 95–104.
S. Hanson, Geography and feminism. Worlds in collision? in Annals of the Association of American Geographers 82:4 (1992), 569–86.
J. P. Jones III, H. J. Nast, and S. M. Roberts Thresholds in feminist geography. Difference, methodology, representation, Lanham, Md. 1997.
D. Massey, Space, place, and gender, Minneapolis, Minn. 1994.
L. McDowell, Towards an understanding of the gender division of urban space, first appeared in Society and Space 1:1 (1983), 59–72, reprinted in M. Dear and S. Flusty (eds.), The spaces of postmodernity. Readings in human geography, Oxford 2002, 120–6.
J. Monk, On not excluding half of the human in human geography, in Professional Geographer 34:1 (1982), 11–23.
G. Rose, Feminism and geography. The limits of geographical knowledge, Minneapolis, Minn. 1993, 17–40.
A. Secor, The veil and urban space in Istanbul. Women’s dress, mobility, and Islamic knowledge, in Gender, Place and Culture, 9:1 (2002), 5–22.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق