المفاهيم الأساسية للنظريات والنماذج في العلوم الجغرافية
إعداد
أ.د. جھاد محمد قربة
كلية العلوم الاجتماعية - قسم الجغرافیا
جامعة أم القرى بمكة المكرمة
1432هـ
مقدمة الكتاب بقلم الاستاذ الدكتور صالح بن علي الشمراني، استاذ الجغرافيا في جامعة أم القرى
تقديم الكتاب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين وبعد:
تجمع قواميس اللغة العربية ومعاجمها على اختلاف أنواعها على أن الجغرافيا هي العلم المختص بدراسة سطح الأرض، وكلمة جغرافيا التي نستخدمها اليوم تعني ببساطة علم وصف الأرض. من ناحية أخرى تكاد تجمع أمهات الكتب الجغرافية التي ندرسها اليوم على أن الجغرافيا هي العلم الذي يدرس العلاقة المتبادلة ما بين عناصر البيئة الطبيعية والجنس البشري، وتوجد تعريفات أخرى تشير إلى أن الجغرافيا هي العلم الذي يدرس أينية أو مواقع الأشياء على سطح الأرض ودراسة الاختلافات المكانية، والتوزيعات المكانية. ومع كل ما ذكر سابقا يمكن أن نصوغ تعريفا جديدا للجغرافيا يتمثل في أن الجغرافيا هي العلم الذي يدرس شخصية المكان بملامحه الطبيعية والبشرية دراسة توزيع وتحليل وتعليل وتفسير. إن جوهر الدراسة الجغرافية هو دراسة المكان من حيث خصائصه الطبيعية والبشرية والعلاقات المتبادلة بينها، وهذا هو جوهر الدراسة الجغرافية، بل يعد ذلك من أهم ما يهدف إليه علم الجغرافيا.
أما عن ميدان علم الجغرافيا فلا خلاف بين المتخصصين في العلوم الجغرافية وغيرها من العلوم الأخرى على أن سطح الأرض هو ميدان الدراسة الجغرافية. ولكن يجب أن نلاحظ أنه لا جغرافيا إذا لم تتغير الظاهرات الجغرافية وتتباين من مكان لآخر، لأن التغيرات المكانية وتباين الظاهرات الجغرافية بين الأماكن هي التي تجعل الجغرافيا فرعا قائما بذاته له مكانة مرموقة بين العلوم الأخرى.
وكما هو معلوم أن الجغرافيا علم واسع المجال، حيث تضع قدما لها في العلوم الطبيعية وتضع الأخرى في العلوم البشرية ومن هذين المصدرين الكبيرين تستقي مادتها العلمية، لذلك عند دراسة الجغرافي للظاهرات الجغرافية نجده يعتمد التصنيف في التمييز بين الظاهرات، وباستخدامه لهذه الوسيلة، أصبح الجغرافي أول من طور أداة الكشف عن المناطق المتجانسة، ليس هذا فحسب، بل أن الجغرافي وجد في الدراسة الإقليمية أداة أو وسيلة تساعده على فهم العالم بأكمله، عن طريق دراسة الأجزاء أو الأقاليم التي يتكون منها هذا العالم.
لقد أدى اتساع ميدان علم الجغرافيا إلى تعدد مناهج البحث فيها، بحيث شملت هذه المناهج كل من المنهج الوصفي، والمنهج الإقليمي، والمنهج التاريخي، والمنهج الاستقرائي، والمنهج الرياضي، والمنهج الإحصائي، وغيرها من المناهج. تجدر الإشارة إلى أن العلم طريقة أي منهج بحث قبل أن يكون حقيقة، ومنهج البحث هو الذي يوصلنا إلى الحقائق والقوانين العلمية التي نطمح في الوصول إليها. لقد تطورت طرق وأساليب ومناهج البحث الجغرافي في عالم اليوم فلم تعد الدراسة الجغرافية مقتصرة على الوصف فقط، حيث تعدت ذلك إلى استخدام النماذج على اختلاف أنواعها في معالجة الموضوعات الجغرافية بغية الوصول إلى النظريات والحقائق والقوانين العلمية الجغرافية. لعل أهم ما تتميز به النماذج أنها تتيح للباحث فرضا يقابله بالواقع، وتنطوي على منافع أخرى كتوفير الوقت والجهد بشكل واضح على الباحث. ومن دراسة النماذج، يتضح لنا أن النموذج يسبق النظرية، ويمكن أن يستخدم للوصول إلى الفرضية العلمية، ويساعد الباحث على الاستنتاج بشرط وجود علاقة بين ظاهرتين أو متغيرين في عالم الواقع.
ويستخدم مصطلح النموذج كاسم بمعنى التمثيل، وكصفة بمعنى درجة الكمال، وكفعل بمعنى الوضوح، والحقيقة أن النماذج تعني كل هذه الخصائص. بعبارات أخرى يحتمل مصطلح النموذج ثلاثة معاني هامة تتمثل في كونها تمثيل لحقيقة معينة، وتتضمن معنى المثالية، وتحمل معنى الوضوح. ونتيجة لذلك فإن النموذج هو صورة مثالية للتعبير عن بعض الحقائق بقصد توضيح بعض خصائصها المميزة. أو هو عبارة عن وسيلة من وسائل الفهم الشامل لما يحدث على وجه كوكب الأرض. ومن خصائص النماذج أنها تستخدم كأدوات أو وسائل للتوضيح. كما أنها تعتمد على رأي الباحث بمفرده، ولا يمكن للنماذج أن تقدم لنا حلولا كاملة لكل المشاكل التي تعاني منها الظاهرة المدروسة، وتعد النماذج نظير لعالم الواقع، وأخيرا ترتبط النماذج بعضها ببعض بعلاقات قوية. ويلاحظ أن النماذج تنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية تتمثل في: النماذج الرياضية، والنماذج الطبيعية، والنماذج التجريبية، والنماذج البيانية. ويوجد عند الأقل نوعين من النماذج تابعة لكل نوع رئيسي منها.
ومما يجب لفت النظر إليه، أن بناء النموذج يمر بالعديد من المراحل المتمثلة في: التجريد، وتكوين صورة من عالم الواقع، وترجمة الظروف المدروسة وتحويلها إلى صيغ مشابهة للواقع، والاستنتاجات التي توصل إليها الباحث بواسطة استخدام النموذج، وأخيرا مرحلة مقارنة النتائج التي تم التوصل إليها من خلال النموذج وهذه مرحلة التحقيق. ولا يفوتنا الإشارة هنا إلى أن النماذج على اختلاف أنواعها يمكن أن تستخدم لأغراض الوصف والتنبؤ والتخطيط.
أما ما يتعلق بالنظريات والقوانين الجغرافية، فمن الواضح جدا أنها عبارة عن أفكار يرتبط بعضها ببعض بوسائل وأدوات وشيجة تكشف لنا عن النظام الذي يتحكم في سير الظواهر الجغرافية التي نقوم بدراستها، بالإضافة إلى محاولتها معرفة الخصائص الأساسية لهذه الظاهرات. ويعد المنهج الاستقرائي أفضل المناهج الجغرافية المتبعة في صياغة الفرضيات والقوانين الجغرافية، حيث يتم عن طريقه رصد الواقع وتسجيله وحذف التفاصيل والإبقاء على جوهر الحقائق. ومن الأمور التي يجب على الجغرافي أخذها بعين الاعتبار عند دراسة النظرية، أولا: ملاحظة أن علم الجغرافيا يعتمد على الملاحظة والمشاهدة وليس على التجارب، ثانيا: ليس كل النظريات والقوانين يمكن أن تنطبق على كل الظاهرات الجغرافية. ويلاحظ أن النظريات يمكن أن تقسم إلى أربعة أنواع هي: النظريات المتعلقة بالخصائص الفلسفية للعلم، والنظريات التي يمكن أن يطلق عليها اسم النماذج النظرية، مثل نظرية المراكز المركزية لكريستللر، والنظريات الناجمة عن أفكار أو فرضيات سبق وأن جربت ولم ترفض نتائجها، وأخيرا النظريات التي لا تخضع للاختبار أو التجربة وبالتالي لا يمكن أن ترقى إلى مرتبة القانون. ويتضح من العرض السابق أن الفرق بين النموذج والنظرية واضح جلي، فالنموذج عرض مبسط ولا يحتوي إلا على عدد قليل من الحالات الخاصة، أما النظرية فهي وصف منطقي وشامل، وتحتوي على كل الحالات الخاصة.
بالنسبة للقوانين، فإن كلمة قانون ليست محددة في ميادين العلوم، وهي تستخدم لعدد كبير من المعاني وذلك على النحو الذي أورده الصالح وزميله (1420هـ)، وخير(1410هـ) وغيرهم: القانون عبارة عن جملة ذات منطق رياضي، القانون عبارة عن علاقة رياضية تربط بين ظاهرتين فأكثر، ويمكن التمييز بين العديد من القوانين مثل: القوانين الرياضية، والاحتمالية أو الإحصائية ، والفيزيائية، والتجريبية، والافتراضية، وأخيرا القوانين العامة.
يتضح من العرض السابق أن النظرية تبدأ في الأساس بفرضية غير مؤكدة علميا، فإذا اختبرت وثبتت صحتها، صنفت على شكل نظرية، وعندما تتحقق نتائج هذه النظرية في العديد من الأماكن وخلال فترات زمنية متغايرة، يمكن أن تصبح هذه النظرية قانونا، وعن طريق القانون يمكن أن نتنبأ بحدوث ظاهرة ما إذا عرفنا الظاهرة الأخرى.
في الختام أود التأكيد على أن المكتبة الجغرافية العربية تفتقر مع شديد الأسف إلى مؤلف جغرافي يعالج موضوع النماذج والنظريات الجغرافية، خاصة وأن هذا الموضوع يعد لبنة أساسية ليس فقط لعلم الجغرافيا بل لكل علوم الأرض. ومن هذا المنطلق أقدم سعادة الزميل الأستاذ الدكتور جهاد بن محمد قربة عضو الهيئة الأكاديمية بقسم الجغرافيا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة بالمبادرة إلى تأليف كتاب قيم جدا في هذا المجال هو حصيلة جهد كبير وعمل دءوب أستمر لأكثر من خمس سنوات، وأحسبه يبتغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى ثم خدمة طلاب وطالبات العلوم الجغرافية وخاصة طلاب وطالبات الدراسات العليا في وطننا العربي الكبير، أشكر لسعادته إتاحة الفرصة لي بوضع هذه المقدمة المقتضبة والمستلة أصلا من العديد من المراجع العربية والأجنبية، سائلا المولى أن يجعل هذا العمل المتميز في ميزان حسناته، وأن ينفع به طلاب وطالبات المعرفة من منسوبي ومنسوبات أقسام مختلف العلوم التي تهتم بأرضنا الحبيبة وخاصة أصحاب العلوم الجغرافية، هذا والله أعلم، وما التوفيق إلا من عند الله سبحانه وتعالى.
أ.د. صالح علي عبد الرحمن الشمراني
قسم الجغرافيا -جامعة أم القرى – مكة المكرّمة
مقدمة المؤلف
مرت الدراسات الجغرافية الحديثة بتطورات هامة تعكس التقدم الكبير الذي عرفته العلوم الجغرافية في الفترة الحالية التي بدأت مع بداية الربع الأخير للقرن العشرين والتي تدعى بمرحلة الجيوماتيك.
وتتطلب العلوم الجغرافية الحديثة إعداداً خاصاً للجغرافي كونه مهندسا للمكان كي ينعكس هذا الإعداد في دراساته وأعماله العلمية أثناء مرحلة البكالوريس أو بعدها في مستويات الدراسات العليا. فلم تعد الجغرافيا من العلوم الوصفية الأدبية التي تتعرض لشرح فلسفة المكان، بل أصبح التعبير عن العلاقات المكانية التي توجز المهمة الجغرافية، تعبيرا متطلبا أي أن له متطلبات ومهارات علمية. فالاستقراء أصبح قائم على الرياضيات المكانية والإحصاء الرياضي، بل والأهم من ذلك العمليات على التقنية التي تتجسد بمختلف النظم التي باتت تشكل الذراع الأيمن للجغرافي العربي، من أجل تطوير أسمى وأمثل لعمليات الاستدلال التي تنته بتقديم التفسير العلمي المتسم بالفاعلية والدقة العالية للمسائل الجغرافية المدروسة، خاصة في مستويات الماجستير والدكتوراه....وهكذا نرى كيف استطاع الجغرافي في الدول المتقدمة اقتصاديا المحافظة على مكانته الاجتماعية الاقتصادية السياسية الهامة، وتطويرها ليصبح الجغرافي ودراساته وأبحاثه الحديثة هي القاعدة الأساس التي تبدأ منها الدراسات الفنية العلمية الأخرى من أجل تنفيذ برامج الاستخدام المستدام والأمثل للمكان أو لسطح الأرض ميدان وحقل الدراسات الجغرافية.
من جهة أخرى فإن من أهم أهداف هذا العمل الموجه إلى الطالب الجغرافي العربي الذي لا يتمتع بخلفية رياضية، يكمن في تشجيع الطالب على دراسة هذا الموضوع وفهم أسس وعمليات النمذجة وازالة الكثير من الغموض، وجعل الطالب يدرك المعنى الحقيقي للنموذج الكمي الجغرافي من حيث السلبيات والايجابيات وبأن هذا الأسلوب ما هو إلا من طرق الفهم الأفضل أو من الطرق العلمية التي تسمح بتحليل واستقراء وتفسير الاشكالية الجغرافية، وفي نفس الوقت فإن محاولة استعراض وشرح عدد من النماذج العامة في الجغرافيا ما هو إلا لتقديم بعض من الطرق الكمية تساعد الجغرافي في استقراء متغيراته الجغرافية وتضع بين يديه أسس للعمل البحثي...
ويعتبر موضوع هذا الكتاب من الموضوعات الكبيرة وشديدة التشعب وقد صمم بطريقة تسمح للطالب الجغرافي العربي بفهم واستيعاب النماذج والعلاقة بينها وبين النظريات، وبالتالي فإني أرجو من زملائي المتخصصين عذري عن أي تقصير ملاحظ من قبلهم في موضوعات هذا الكتاب الموجه للطالب بشكل أساسي، وأقدم رجائي للمتخصصين في الرياضيات والاحصاء ليعلموا بأن الجغرافيا العلمية ما زالت في طور النشوء وأن الجغرافيا العربية تحاول جاهدة المضي في المنهجيات العلمية وتطرق أبوابها بشكل ملح وفعّال للحاق بالركب الجغرافي العلمي العالمي الحديث، وأن يقدموا يد العون والمساعدة في هذه المواضيع التي تشكل موضوعات الساعة، والتي لا تقل أهميتها عن أية موضوعات في العلوم الجغرافية الأصولية. اخيرا نوجه كبير شكرنا لكل من الزميل الفاضل سعادة أ.د. أحمد البدوي الشريعي وسعادة الزميل الأخ أ.د. جمعة داوود لتفضلهما بمراجعة هذا العمل وكم أعتز وأفتخر بالتمهيد الخاص بهذا الكتاب الذي تشرفت الحصول عليه من قبل استاذي وزميلي سعادة أ.د. صالح بن علي الشمراني ، فلهم جميعا عظيم امتناني وحبي لهم في الله الذي اسأله سبحانه وتعالى أن يجعل ذللك في ميزان حسناتهم وجزاهم الله عنا كل الخير.
وفق الله الجميع........
وكان الله من وراء القصد، انه السميع العليم........
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مكة المكرمة 1432هـ
أ.د. جهاد محمد قربة
تقديم الكتاب
الفصل الأول:
المفاھیم النظریة الرئیسة لعملیات المحاكاة والنمذجة:
- الفرق بین النمذجة والمحاكاة
- میادین المحاكاة
- التجارب وسلبیاتھا
- أنواع المحاكاة
- النمذجة الریاضیة القائمة على تطویر علاقات ریاضیة بسیطة
- العوامل المحددة للمحاكاة : السلبیات
- النماذج الریاضیة الجغرافیة
- خصائص النماذج
- الأھداف الرئیسة من عملیات النمذجة الجغرافیة
الفصل الثاني : النظریات الجغرافیة:
- النظریة: التعریف العام والمفھوم
- التعریف الجغرافي للنظریة
- الأھمیة العلمیة الجغرافیة للنظریة
- أھم النظریات الجغرافیة
- مكونات النظریة
- تصنیف النظریات
- تطور النظریة
- التصنیف غیر الجغرافي – التصنیف الریاضي
- التصنیف الأولي للنماذج الجغرافیة
- تعریف النماذج الریاضیة الكمیة
- الأسالیب الریاضیة الأكثر استخداما من قبل الجغرافي في النمذجة الرقمیة
- المبادئ العامة لإنشاء النماذج
- تیبولوجیة النماذج
- خصائص النماذج
- نظریة النماذج
- اختبار النماذج
تطبیقات في النمذج ة وأدوات الجغرافي في النمذجة الكمیة
الأولیة:
- تصمیم نموذج كمي بسیط انطلاقا من إطار البیئة النظریة
- تحلیل الانحدار
- أولیات البرمجة الخطیة
الفصل الخامس: أمثلة عن النماذج الرقمیة الجغرافیة:
١ . أمثلة عن بعض النماذج العامة
٢ . أمثلة عن بعض النماذج في الجغرافیا الطبیعیة
٣ . أمثلة عن بعض النماذج في الجغرافیا البشریة
التحميل من قناة التليغرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق