التسميات

آخر المواضيع

الاثنين، 18 يوليو 2016

السياسة السكنية في الجزائر: الواقع والآفاق - الفصل الأول : مدخل نظري للسياسة السكنية - ابتسام حاوشين ...



السياسة السكنية في الجزائر

 الواقع والآفاق

مــذكرة تخـــرج تنـدرج ضمـن متـطلبات نيل شهـادة ماجستيـر

 في العـلوم التجارية - تخصـص مالية

كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير - جامعة الجزائر

إعداد: ابتسام حاوشين

إشراف : أ.د. زعباط عبد الحميد

2013

خطة الرسالة ​

المقدمة العامة

​​. الفصل الأول : مدخل نظري للسياسة السكنية
​v المبحث الأول: مفاهيم حول السكن
المطلب الأول : مفهوم و أهمية السكن
​المطلب الثاني: التمويل السكني

​المطلب الثالث : عوامل إنجاز السكنات 17
​v المبحث الثاني :ماهية السياسة السكنية

​المطلب الأول : التعريف بالسياسة السكنية

​المطلب الثاني : أهداف السياسة السكنية 25
​المطلب الثالث :أهم المشاكل التي تواجهها السياسة السكنية 27
​المطلب الرابع :السياسة السكنية و التخطيط السكني 29
​v خاتمة الفصل      34 

​v الفصل الثاني : السياسة السكنية في الجزائر قبل الإصلاحات 35
​v المبحث الأول : وضعية قطاع السكن ما قبل مخططات التنمية 37
​المطلب الأول :لمحة عن حالة القطاع أثناء حقبة الاستعمار37
​المطلب الثاني :قطاع السكن غداة الاستقلال 42
​v المبحث الثاني : السياسة السكنية من خلال مخططات التنمية الجزائرية ..46
​المطلب الأول: مرحلة المخطط الثلاثي 1969 – 196747
​المطلب الثاني :مرحلة المخطط الرباعي الأول : 1973 – 1970 51
​المطلب الثالث :مرحلة المخطط الرباعي الثاني : 1977 – 1974.56
​المطلب الرابع : مرحلة المخططين الخماسيين 1989– 198059
​v المبحث الثالث : مدى نجاح المخططات في معالجة إشكالية السكن 66

​المطلب الأول: قطاع السكن ما بعد المخططات 66
​المطلب الثاني : أسباب فشل المخططات في حل أزمة السكن 71
​​v خاتمة الفصل .........78

​v الفصل الثالث : السياسة السكنية في الجزائر ما بعد الإصلاحات 79

​مدخل الفصل .80
​v المبحث الأول : السياسة السكنية في ظل تحولات و أنماط سكنية جديدة 81
​المطلب الأول : مرحلة . 1994 –1990     81
​المطلب الثاني : مرحلة . 2000 – 1995 4
​المطلب الثالث : مرحلة 2003 – 2001 ..110
​v المبحث الثاني : الوضعية الحالية والآفاق المستقبلية لقطاع السكن في الجزائر ......124
​المطلب الأول : مشكل السكن مازال قائماً.......124
​المطلب الثاني : ثقل أزمة السكن و أسباب تفاقمها ..133
​المطلب الثالث : الحلول المقترحة للحد من أزمة السكن ..140
​​v  خاتمة الفصل ......

​v الخاتمة العامة .......148
المراجع .........................


الفصــل الأول: مدخـل نظـري للسياسـة السكنيـة

مدخل الفصل

  إن التطور الذي عرفه مجال البناء و التعمير, يعتبر إحدى السمات الأساسية الهامة به, حيث ظهر هذا التطور عبر مراحل التاريخ و هو ينبع أصلا من تطور الحاجة إليه.
  إن ظهور العديد من الدراسات الحديثة و التي أخذ قطاع السكن نصيبا منها, أعطت دفعا قويا للإلمام بالمشاكل التي عرفها هذا القطاع في حياة الأمم أثناء مختلف برامجها التنموية.
فالاهتمام الكبير بالسكن بصفة عامة و بالسياسة السكنية بصفة خاصة من أجل معرفة التغيرات الجذرية و العميقة التي عرفتها مختلف الهياكل المشكلة لقطاع السكن, جعلت الكثير من المفكرين و على اختلاف تخصصاتهم الاقتصادية, و التقنية يولون الأهمية القصوى لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذه النقائض حتى يتسنى لهم في نهاية المطاف الخروج بالاقتراحات الكافية و الأزمة لمعالجة هذا الموضوع.
و عليه حاولنا في هذا الفصل أن نعطي صورة واضحة و مبسطة حول السكن و ذلك بإعطاء مفاهيم عامة حوله في المبحث الأول الذي عالج في ثلاث مطالب رئيسية, مفهوم السكن, أهمية, كيفية تمويل هذا الأخير من خلال مختلف المصادر التمويلية, و أخيرا و ليس آخرا, أهم العوامل التي تدخل في إنجازه, أماّ المبحث الثاني فتطرقنا فيه إلى بعض المفاهيم الخاصة بالسياسة السكنية من خلال أربع مطالب حيث أدرجنا مفهوم عام و بسيط للسياسة السكنية من خلال التعريف بها و بمختلف أدواتها, كما تعرضنا إلى أهم أهدافها و أخيرا حاولنا أن نعرض أهم المشاكل التي تواجه أو تعرقل مسار السياسة السكنية للوصول إلى أهدافها المسطرة.
أمّا المطلب الرابع و الأخير, فعالجنا فيه موضوع التخطيط السكني بصفة مختصرة مركزين على مفهومه, المراحل التي مرّ بها و علاقة هذا الأخير بصلب موضوعنا ي السياسة السكنية.

المبحـث الأول: مفاهيـم عامـة حــول السكــن:

يتميز السكن بعد خصائص اقتصادية و اجتماعية إذ يعتبر البذرة الأساسية لادخار العائلات ذوات الدخل المرتفع و المتوسط على السواء، حيث يسمح لهم بحجز مبالغ معتبرة و تخصيصها للاستثمار في مجال السكن الفردي و الجماعي على السواء.
فالسكن بهذا المفهوم يعتبر من المجالات الواسعة للاستثمار لأنه يدري دخلا منتظما، و إذا كان السكن ثابت من حيث الحيز المكاني إلا أن موقعه يجعله بالنسبة للأماكن المكملة له كشبكة مواصلات، و عليه فالسكن يعد أداة تنمية اقتصادية كلية ينبغي النظر إليه بوصفه مكملا للقطاعات الأخرى.

المطلـب الأول: مفهــوم و أهميــة السكــن:
للسكن أهمية كبيرة تتجلى من خلال مفهومه الواسع و من خلال دوره الكبير سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي و حتى السياسي، و هذا ما سنحاول طرحه فيما يلي:

أولا: مفهـوم السكـن:
إن المفهوم البسيط للمسكن و الذي يتألف عادة من الجدران و السقف، يبقى بعيدا كل البعد عن المفهوم الحقيقي و الشامل له، إن مفهوم السكن الذي يتطلع إليه الإنسان حتى يعيش فيه بكل راحة و استقرار، هو ذلك الحيز المكاني الذي يتجسد من خلال الخدمات المساعدة و التسهيلات التي يقدمها المجتمع للفرد، باعتباره كائن يسعى إلى تحقيق المزيد من الرفاهية في جميع مجالات الحياة (1).
و في هذا الصدد، يرى المفكر " نفيت آدم Nevitt Adam " من خلال كتابه " المشكل الاقتصادي للسكن " على أن السكن عبارة عن " حق و إحدى عناصر مستوى المعيشة شأنه شأن الغذاء و جميع متطلبات الحياة " (2).
و مما تجدر الإشارة إليه، أن للسكن خاصية مزدوجة، حيث أنه يمثل " استثمار مكلف investissement coûteux " و في نفس الوقت " سلعة استهلاكية دائمة un bien de consommation durable " فكيف ذالك؟ (3).

(1). J.E. HAVEL, habitat et logement, presse universitaires de FranceFrance, 1968 P 10.
(2). Nevitt Adam Adela, The economic problem of housing, Ed Land, Me camilllion, England 1975, P 189.
(3). Jean peythieu, Le financement de la construction de logement, édition sirey, Paris ,France,1991, P3,P4.

1-السكــن استثمــار مكلــف:
يعد أو يعتبر السكن كاستثمار مكلف، و تعطى له هذه الخاصية لعدة أسباب أو اعتبارات نذكر منها:
ارتفـاع تكاليـف إنجـازه:
باعتبار أن الطلب على السكن في تزايد مستمر بسبب ازدياد عدد السكان و كذا هجرتهم المتواصلة نحو المدن من جهة، و من جهة أخرى ندرة أو نقص مواد البناء و عدم كفايتها جعلت الطلب عليها يزداد مما أدى إلى ارتفاع تكلفتها.
أهمية الاستثمار في إنجاز السكنات:
و تظهر هذه الأهمية من خلال الدور الكبير الذي يكتسبه السكن سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي و حتى السياسي *، و عليه فإن من الضروري إنجاز السكنات خاصة مع تزايد عدد الأفراد و من ثمة زيادة الطلب عليها.
بما أن النشاط الصناعي المعماري يستقطب نسبة عالية و كبيرة نوعا ما من اليد العاملة (و التي تتراوح بين 40 إلى 50 %) و هذه الأخيرة تتطلب تكلفة تحسب ضمن تكلفة إنجاز السكنات، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفتها.
يعد دور المهندسين المعماريين في إعداد التصميمات الهندسية للسكنات، دور لا يستغني عنه، غير أن القيام يمثل هذا العمل من طرفهم يتطلب دقة و تركيز و جهد.....إلخ، من شأنه أن يرفع من كلفة هذه التصميمات التي تدخل ضمن تكلفة إنجاز السكنات.
تعد نسبة المخاطرة التي تواجهها مؤسسات إنجاز مواد البناء و المقاولين مرتفعة نسبيا مقارنة بباقي النشاطات الاقتصادية.
يهتلك السكن على فترة زمنية طويلة نوعا ما إذا قورنت بباقي المعدات أو الآلات التي تهتلك مما يتطلب أموال كبيرة من أجل تمويله بالإضافة إلى القروض الطويلة الأجل التي تدخل في تمويله.
(*)- سنتعرض إلى أهمية السكن على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بالتفصيل من سياق البحث.

2-السكـن سلعـة استهلاكيـة دائمـة:

يعتبر السكن كسلعة استهلاكية دائمة غير أنها ليست كباقي السلع الاستهلاكية الأخرى، حيث أنها لا تخضع لنفس المعايير و لا لنفس المقاييس ( و ذلك من حيث الشكل، كيفية الاستعمال، مدة الاستهلاك، التكلفة ...الخ)، حيث يعد السكن كسلعة – إن صح القول- ضرورية للفرد و لا يكن أن يستغني عنها رغم تكلفتها المرتفعة نوعا ما، و الملاحظ أنها سلعة دائمة كون أن الفرد و في غالب الأحيان بمجرد حصوله على مسكن عن طريق الملكية، لا يعاود استبداله أو التخلي عنه، خاصة إذا ما توفرت فيه الشروط الملائمة لمتطلبات الحياة، و لهذا على عكس السلع الاستهلاكية الأخرى.

ثــانيا: أهميـة السكن:

إن للسكن أهمية كبيرة في حياة الفرد باعتباره حاجة ضرورية لا يمكن أن يستغني عنها، غير أننا يمكن أن نحصر هذه الأهمية في ثلاث جوانب أساسية أو رئيسية و هي: الجانب الاقتصادي، الجانب الاجتماعي و أخيرا الجانب السياسي و لهذا سنتعرض إليه بالتفصيل.

1- الأهمية الاقتصادية للسكن:
يعد مشكل السكن من أهم المشاكل التي تواجهها المجتمعات، خاصة المجتمعات الحضريةـ فعلى الصعيد الاقتصادي، يمثل السكن في المتوسط نسبة تتراوح بين 60 إلى 70 % من مجموع النشاط الصناعي العمراني، و يشغل في المتوسط عمالة تتراوح ما بين 150000 إلى 170000 عامل (أي يتراوح بين 7 إلى 9 % من الفئة النشطة)، كما يمثل الاستثمار السنوي في إنجاز السكنات نسبة تتراوح بين 6 إلى 8 % من الناتج الوطني الخام و بين 25 إلى 33 % من مجموع الاستثمارات لفترة زمنية معينة (1).
إن الدراسات الاقتصادية التي قامت بها معظم الهيئات المالية الدولية و بالخصوص صندوق النقد الدولي من خلال مناقشته لموضوع إنجاز السكنات في إطار الاقتصادي الكلي، أدركت العلاقة الموجودة بين هذا القطاع الحساس في تركيبته للاقتصاد الوطني من جهة، و القطاعات الأخرى من جهة أخرى.

(1) Jean Peythieu, OP Cit, P1.

حيث أن التكامل الذي تحدثه هذه القطاعات فيما بينها من شانه أن يوفر العمالة لليد العاملة البسيطة بالخصوص و في مجالات واسعة، فهو بهذا المنظور، لا يعتبر خزانا لامتصاص هذا النوع من اليد العاملة فحسب، بل مجالا لتطورها و ترقيتها.(1).
فالسكن لم يعد ينظر إليه كمجرد خدمة تستنزف خيرات مادية و مالية للمجتمع و فقط، لكن ينبغي أن بنظر إليه على أنه محرك للتنمية الاقتصادية، وذلك عن طريق خلق فرص عمل مع إمكانية تدريبها و بصفة دورية، و كذلك دافع لرفع من إنتاجية العمل لتساهم بدورها في تنمية الصناعات المحلية في مختلف حاجيات مــــواد
البناء (2).
و عليه فإن إنجاز السكنات تكمن في مدى تشغيل أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة بنوعيها المتخصصة و البسيطة و التي تساهم في امتصاص البطالة بالنسبة لكثير من الدول النامية كانت أم متطورة
و عليه فإن أهمية إنجاز السكنات تكمن في مدى تشغيل أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة بنوعيها المتخصصة و البسيطة و التي تساهم في امتصاص البطالة بالنسبة لكثير من الدول النامية كانت أم متطورة و على سبيل المثال بلغت نسبة البطالة في المناطق الريفية في الجزائر أكثر من 40 % سنة ، بينما تتواجد بنسبة أقل في المدن لأن فرص العمل متواجدة نسبة أقل في المدن و قطاع السكن ينشط بكثرة في جانب السكنات الحضرية (3).
كما نجد أن تنظيم برامج السكن المكثفة من شأنها أن تستخدم أكبر قدر ممكن من الموارد المحلية و يكون في الوقت ذاته وسيلة و مجالا لخلق استثمارات متنوعة و فتح مناصب شغل جديدة، و بهذا الصدد نجد أن صناعة مواد البناء تعتبر أداة مهمة في خلق مجالات العمل.
فلقد خصص قطاع البناء و الأشغال العمومية في الجزائر أكثر من 50% من نشاطه للسكن، كما أن نسبة 32 % من القوة العاملة كانوا يشتغلون بقطاع البناء و الأشغال العمومية، و هذا في سنة 1976، 1986، بينما تتواجد بنسبة أقل في المدن لأن فرص العمل متواجدة نسبة أقل في المدن و قطاع السكن ينشط بكثرة في جانب السكنات الحضرية (3).
كما نجد أن تنظيم برامج السكن المكثفة من شأنها أن تستخدم أكبر قدر ممكن من الموارد المحلية و يكون في الوقت ذاته وسيلة و مجالا لخلق استثمارات متنوعة و فتح مناصب شغل جديدة، و بهذا الصدد نجد أن صناعة مواد البناء تعتبر أداة مهمة في خلق مجالات العمل.

(1)- مرتا أنسويرت ، مقالة حول السياسة السكانية ، خبرة البلدان ، مجلة التموين و التنمية ، رقم 3 ، سبتمبر 1984 ، ص 18 .
(2)- Jean Peythieu , Ibid , p 3 .
(3)- عبد اللطيف بن أشنهو ، الهجرة الريفية في الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1986 ، ص 60 .

فلقد خصص قطاع البناء و الأشغال العمومية في الجزائر أكثر من 50% من نشاطه للسكن، كما أن نسبة 32 % من القوة العاملة كانوا يشتغلون بقطاع البناء و الأشغال العمومية، و هذا في سنة 1976، غير أنه و بعد قرابة 18 سنة من الإنجاز، تراجعت هذه النسبة إلى مادون النصف بسبب الإنجاز الضعيف و هذا لعدة أسباب اقتصادية أدرجت إلى الخوصصة "privatisation" بالرغم من نجاعة الكثير منها (1)
و تجدر الإشارة أنه لا يمكن حصر الأهمية الاقتصادية للسكن في توفير مناصب الشغل و امتصاص اليد العاملة و من ثمة القضاء على البطالة، بل نلتمس هذه الأهمية في جوانب أخرى، مثلا: تنمية السكن الريفي و ترقيته من شأنه أن يستخدم كأداة هامة لخدمة التنمية الشاملة و بالتحديد لخدمة الزراعة و الصناعة و في الوقت ذاته على تحقيق التوازن الجهوي الذي تنشده أي تنمية اقتصادية شاملة، فتوفير السكن الريفي من شأنه أن يجعل حد للهجرة الريفية نحو المدن و يربط الفلاح بالمناطق الزراعية لاستغلالها و هو بهذا يساهم في تحقيق التوازن الجهوي و يحد من عملية النزوح الريفي نحو المدن حيث مستوى المعيشة أعلى و فرص العمل متوفرة.

2- الأهميـة الاجتماعيـة للسكـن:
يعتبر السكن من أهم و أكثر الضروريات لحياة الفرد، فحرمانه منه يؤدي به إلى الإحباط النفسي و الاجتماعي و يجعله يسلك سلوكا غير سوي قد لا ترضاه لا الفضيلة، و لا القيم الإنسانية ولا الخلق الكريمة.
و الإشارة فقط، بغض النظر على حصول الفرد على سكن بصفة مجانية أو بأسعار رمزية لا تضاهي تكلفة إنجازه من طرف السلطات )كالسكن الاجتماعي في الجزائر، فإن الحصول على سكن يأخذ شكلين: إما الحصول على سكن بصفة الملكية، أو الحصول على سكن بصفة الكراء )2(.

فيما يخص الحصول على سكن بصفة الملكية :
  فهنا نجد الفرد يتحمل تكلفة عالية نسبيا أي يتحمل ثمن المسكن الذي يريد أن يحصل عليه، و تدفع هذه التكلفة عادة عند شرائه لهذه المسكن ) أي ثمن الشراء، غير أن ملكية السكن تعطي له جملة من الايجابيات، فمن جهة تعد كأداة استقرار اجتماعي له لأنها توفر له المؤوى الدائم و المؤمن، كما أنهـا تحمي أمواله المدخرة و التي استثمرها في شراء المسكن من ظاهرة الوهم النقدي érosion monétaire ، من جهة أخرى.

(1)- مرتا أنسويرت ، مرجع سبق ذكره ، ص 19 .
(2)- Jean Peythieu , OP Cit , p5 .

أما فيما يخص صفة الحصول على سكن بصفة الكراء:
فهذه الطريقة تعد كحل الذين ليس لهم موارد مالية كافية من أجل الحصول على ملكية سكن، و تسمح لهم بحرية تغيير مكان إقامتهم بسهولة أكبر من الحالة الأولى – السكن عن طريق الملكية – غير أن هذه الحالة رغم أنها تحل مشكل السكن لبعض الأفراد ذوي الدخول الدخول الضعيفة، إلا أنها تبقى كحل مؤقت و لفترة زمنية معينة و الفرد قادر أن بفقد سكنه في أي وقت.
و على الرغم من وجود هاتين الطريقتين للحصول على سكن ما زال قائما, خاصة للطبقات الفقيرة ذات الدخل الضعيف التي لا تستطيع اتخاذ هاتين الوسيلتين كحل للحصول على سكن.
إن عدم الحصول على مسكن لائق يجعل الفرد يقضي معظم وقته في الشارع لأنه لا يجد السكينة في مأواه البائس, بالإضافة إلى ذلك تعرضه لعدة انحرافات و دخوله مجال الآفات الاجتماعية.
و من هنا نجد أن مشكل السكن يعد من أهم المشاكل التي يواجهها المجتمع, نظرا لكونه حاجة أساسية للفرد من جهة, و من جهة أخرى تتمخض فيه كل العوامل التي تؤدي إلى تطوير المجتمع:
العمل, الإنتاج, التعليم, الصحة, و التجهيزات الجماعية ...الخ (1)
و عليه فالمسكن هو الخطوة الأولى لتحقيق البناء الأسري أولاّ, ثم سلامة المجتمع و استقراره ثانية, لأنه لا يمكن تصور الأمن و الاستقرار الاجتماعي إذا لم تكن هناك علاقة ودية و مبينة على أساس الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع, و لن يتحقق ذلك إلاّ إذا توفرت عدالة اجتماعية حقيقية في مجال توزيع السكنات بالخصوص لإرضاء الشريحة العريضة من المجتمع, و التي تتطلع لمثل هذه الخدمات الاجتماعية.

3 – الأهميــة السيــاسيـــة للـسـكــن
-إن ظهور بوادر الديمقراطية في الحياة السياسية للبلاد كثيرة, و تتمثل في الأحزاب السياسية التي تبنت و بقوة مشكل السكن في برامجها التنموية, و إذا كان هذا الأمر قد أضحى من العناصر الأساسية لأي تنمية وطنية, فإنه و بالمقابل يأتي في إطار كسب أصوات الناخبين لأي تجمع سياسي للوصول إلــى السلطة, إن يعد هذا الاهتمام بالأوضاع السكنية من الهيئات السياسية أحد مظاهر " الديمقراطية السكنية".

(). M.C BENARBIA, M.Atmani et autres, La question du logement à Alger, OPU, Algérie, 1976, p 13.

و من الأمور التي أصبحت تثير الانتباه, الاعتقاد السائد بين أفراد المجتمع على أن مشكل السكن في الوقت الحاضر قد أصبح في عداد المشاكل العالمية التي يصعب حلها, حتى أن الكثير من المسؤولين الذين تعاقبوا على السلطة أدركوا حقيقة واحدة و هي " حينما يكون قطاع البناء و السكن بخير, فإن كل القطاعات الأخرى تكون كذلك "( 1)
إن قطاع السكن بهذا المفهوم إذن, أصبح مقياسا للتطور الاقتصادي و الاجتماعي على السواء لأنه يعكس بحق المستويات المعيشية و الحياتية التي وصلت إليها هذه الأمة أو تلك ...
و مما تجدر الإشارة إليه أن الأوضاع السكنية المتدهورة اليوم قد أخذت نصيبها من الاهتمام الدولي, خاصة و أن مشكل السكن يقف جنبا إلى جنب المشكلات الاقتصادية الأخرى كالبطالة, التضخم, و نقص الغداء...الخ

الـمــطلــب الثـــاني : الـتـمويــل الســكــني
يحتاج قطاع السكن, كغيره من القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية الأخرى إلى المبالغ المالية التي يمكن أن تستخدم في تمويل كافة عمليات بناء السكنات التي تتطلب طرق تمويل مختلفة عن باقي الاستثمارات الأخرى و هذا راجع للطبيعة الاقتصادية و الاجتماعية للسكن, و عليه سنتعرض إلى مفهوم التمويل السكني و كذا مختلف الطرق المتبعة أو المصادر التمويلية التي يعتمد عليها لتمويل مشاريع إنجاز السكنات.

أولا : مفــهــــوم التمــويــل الســـكــني 
يمكن أن نعرف التمويل السكني على أنه عبارة عن إستثمار رؤوس الأموال في عمليات بناء السكنات المختلفة, و تكمن أهمية رؤوس الأموال المستثمرة من خلال زيادة الاحتياجات للمساكن من جهة, و الارتفاع المستثمر في تكلفة البناء من جهة أخرى.
ثــانيــا : أنــواع التمــويــل السـكـني (مصــادر التمــويـل السكـني ) 
عرفت المؤسسات التمويلية أشكالا و أصنافا عديدة من أشكال القروض، كما أنها و في الوقت نفسه قد شهدت اختلافات واسعة تتعلق بشروط الاقتراض، إلا أنها تتطلع إلى توفير الموارد المالية اللازمة لقطاع السكن من جهة، و المحافظة على ما يتواجد لديها من أصول مالية سائلة و العمل على تنميتها بكل الوسائل المتاحة لها من جهة أخرى.
إن معرفة التمويل السكني يتطلب معرفة المعايير التي تستخدم لهذا الغرض، و بهذا يمكن تصنيفه كما يلي:

1- التمويـل حسب مـدة القــرض:
تعتبر الفترة الزمنية للقرض من المؤشرات المستخدمة لإيجاد أصناف القروض التي ترتبط بالنشاط السكني، فهي غالبا ما تصنف إلى قروض قصيرة الأجل و قروض طويلة الأجل.

1-1- القـروض القصيـرة الأجـل:
نقصد بالقروض القصيرة الأجل أنها القروض التي لا تزيد مدتها عن السنة، و تتجدد في الغالب عند تاريخ استحقاقها بشكل دوري و تسمى في هذه الحالة بـ Roll-over crédits، و عادة تقوم بتقديمها البنوك التجارية و بنوك الادخار، و من المعروف أن البنوك التجارية تعتبر من مكونات النظام المصرف، كما أنها متخصصة و منذ القدم في تقديم الائتمان لفترات زمنية قصيرة و لأغراض تجارية بحتة (1).
إن تمويل استيراد مواد البناء من الخارج، و تنفيذ بعض المشاريع الإنجازية السكنية، عادة ما يستدعي تمويلا عن طريق قروض قصيرة الأجل و التي تتكفل بها بنوك متخصصة كما هو الحال بالنسبة لصندوق التوفير و الاحتياط " CNEP " في الجزائر و الذي أصبح يعرف في الآونة الأخيرة بنك الإسكان تطورا تمويلية للعديد من المشاريع السكنية في الجزائر.

(1) ب. محمد سويلم، إدارة المصارف التقليدية و المصارف الإسلامية، دار الطباعة الحديثة، القاهرة، مصر،1987 ، ص 280.

2-1- القروض الطويلة الأجل:

  نقصد بالقروض الطويلة الأجل أنها عبارة عن تلك الافتراضات التي تفوق مدتها في الغالب السبع (7) سوات، و يمكن أن تمتد أحيانا إلى غاية العشرين (20) سنة، و توجه تمويل نوع خاص من الاستثمارات مثل الحصول على عقارات (أراضي، مباني بمختلف استعمالاتها المهنية...إلخ) (1).
و عادة يقوم بتقديم هذا النوع من القروض, البنوك للسكنية أو البنوك العقارية أو المشابهة لما من شركات التأمين, حيث تدعم هذه الأنواع من المصاريف قطاع السكن و التعمير من خلال تقديم القروض لإقامة العقارات ضمانا للقروض الممنوحة, و طبيعة عمل مصاريف كهذه يختلف عن بقية المصارف التجارية الأخرى حيث ترتكز هذه الأخيرة على ظاهرة القروض القصيرة الأجل لذا فإن المصارف العقارية و بحكم عملها تعتمد أيضا على المصادر ذات التمويل الطويل الأجل(2)
و تعتبر بنوك الإسكان كما هو الشأن بالنسبة لبنك الإسكان في الجزائر(*), من البنوك التي تتولى تقديم الائتمان السكني الطويل الأجل للأفراد الذين يرغبون في شراء المساكن و إقامتها أو ترميمها.
لقد انتشرت بكثرة مثل هذه البنوك بغرض تقديم الائتمان السكني و ذلك لوجود الرغبة القوية من قبل الأفراد في امتلاك المساكن التي تتزايد تكلفة بنائها سنة بعد سنة.
كما تعتبر شركات التأمين من الهيئات التمويلية الوسيطية التي لا تتخذ من الأعمال المصرفية نشاطا أساسيا لها, بل تقوم بدور الوسيط لها يتوفر لديها من الأموال المتراكمة, و لقد انتشرت الإقتراضات الطويلة الأجل ذات الطابع التأميني في معظم دول العالم الثالث كمصر,الأردن, الجزائر, و تونس (3
و تجدر الإشارة هنا أنه لا يجب أن تقتصر وظيفة البنوك العقارية على التمويل بل يجب أن يمتد نشاطها إلى مجالات الدراسات الفنية و الاقتصادية, و تكوين الشركات العقارية للإسكان, و تقسيم الأراضي و بيعها بعد منّها بالمرافق, و تمويل مشروعات إنشاء المساكن الجاهزة, كما يمكن أن تساهم في تكوين اتحادات تعاونية للجمعيات الإسكان, و على هذا فإن هيكل هذه المؤسسات يجب أن يتمتع بالهيكل العام أو التعاوني مع ابتعاده عن البيروقراطية أو إتباعه أسلوب اللامركزية و الانتشار من الناحية المكانية

(1) الطاهر لطرش، تقنيات البنوك، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ، 2001 ،ص 75
(2) خالد أمين عبد الله، العمليات المصرفية و الطرق المحاسبية الحديثة، دار وائل لنشر، الأردن ، 1998، ص 137.
(*) أصبح الصندوق الوطني لتوفير و الاحتياط يسمى بنك الإسكان في الجزائر نظرا للدور الكبير الذي يلعبه في عملية تمويل المشاريع السكنية إلى جانب البنوك التجارية الأخرى و التي تستعرض إلى هذا الجانب بالتفصيل في الفصلين المتعلقين بالسياسة السكنية في الجزائر.
(3) وزارة السكن للجمهورية التونسية، تقرير حول تمويل السكنات، 1986، ص 29.

بالهيكل العام أو التعاوني مع ابتعاده عن البيروقراطية أو إتباعه أسلوب اللامركزية و الانتشار من الناحية المكانية. كما يجب عليه إتباع أسلوب تمييزي في منح القروض من حيث الأولوية أو أسعار الفائدة أو تقصير مدّة الإجراءات. (1)

- 2 – التــمـويــل تــبــعا للمــصـدر
لقد ظهر هذا النمط التمويلي تبعا للمصدر الجغرافي حديثا, على إثر نموا الجهود المشتركة على النطاق الدولي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية, كما أن قصور موارد التمويل المحلية كثيرا ما أظهرت الحاجة إلى مثل هذه الأنماط التمويلية و بمكن أن تقسمها إلى مصادر داخلية و مصادر خارجية للتمويل.

1-2 – المصــــادر الداخــليــة للتـــمــويــل
يعتبر المصدر الأساسي من حيث المبالغ التي يمكن أن تقوم بتقديمها لمختلف المقرضين, باعتبار وجودها على مقربة منهم, كما أنها تتميز بسهولة الإجراءات المتخذة من أجل الحصول على أي قرض, ذلك لأن ظهورها منذ القدم ساعد على إعطائها مثل هذه الأهمية التي يمكن أن يتصف بها التمويل المحلي.
و إن كان دور البنوك التجارية الذي يعتبر بنك الإسكان أحد مكوناتها يظهر و من جديد كأحد المصادر التمويلية المحلية, إلاّ أنها تختلف من حيث امتلاكها من قبل الحكومة أو كونها من المؤسسات الخاصة أو المشتركة, و تعود نسبة الامتلاك من قبل الحكومة لمثل هذه البنوك في الجزائر تفوق 98 % إلاّ أنها تتراوح مابين 50 % و, 80 % في المغرب.(2
لقد عرفت الدول العربية تقريبا وجود بنوك الإسكان, إلاّ أنها وجدت مسميات أخرى قد لا يدل الاسم عليها, و هي في العادة تمارس الصلاحيات نفسها التي تزاولها المصارف المتخصصة و في هذا المجال و من أمثلها الصندوق الوطني للتوفير و الاحتياط في الجزائر, و صندوق التنمية العقارية في السعودية.
غير أن الاختلاف كبير جدا بين هذه البنوك من حيث الفائدة على الأموال المقترضة, ومن الملاحظ أن البلاد النفطية عادة ما تقوم بإقراض الأفراد بدون أن تتقاضى أي فوائد ضئيلة مثل السعودية و ليبيا و الكويت و العراق قبل حرب الخليج, و كذلك الأمر بالنسبة للجزائر التي قامت بتقديم لمثل هذه الإقتراضات بنسبة 6.5 % ( و ذلك ابتداء من 1 جانفي 2003 ).(1

2-2 – المصـــادر الخــــارجيـــة للتمــويـــل:
مع تزايد الاعتقاد بأهمية التعاون الدولي في حل مشكل السكن, ظهر هذا النوع من المصادر الخارجية للتمويل, و لم يكن الائتمان المشترك من جانب الحكومات و المنظمات الدولية و الإقليمية ينحصر في القطاعات الاقتصادية البحتة, بل ظهر في العديد من الأنشطة الاجتماعية كالسكن, التربية, التعليم و الصحة العمومية و ذلك في سبيل قيام التوازن في عملية التنمية الشاملة.
يظهر الائتمان الدولي للسكن من خلال المؤسسات المالية العربية و الدولية على السواء, أماّ فيما يتعلق بالمؤسسات المالية الدولية فنجد:

 البــنــك الـــدولي لإنشــاء و التــعـمــيرà
يعتبر من أشهر الهيئات ذات الأطراف المتعددة التي تعمل على تقديم المساعدات و ذلك بتمويلها للعشرات من المشروعات السكنية في أنحاء متفرقة من دول العالم, علما بأن المملكة المغربية و لقد بلغ أكثر الدول العربية حصولا على الأموال من هذا المصرف لإنشاء 40000 وحدة سكنية و لقد بلغ مجموع المبالغ المقترضة منه 170 مليون دولار و بفائدة قدرها 9% و لمدة 17 عاما و بضمان من وزارة المالية للدولة (2).

( 1) Bulletin d'information de la CNEP, flache info, N° 02, janvier 2003, P2.
(2) وزارة السكن للمملكة المغربية، مرجع سابق ، ص 60.

   كما حصلت الجزائر على قرض في 25 جوان 1998 قرض قدر ب 150 مليون دولار من أجل تمويل مشروع إنجاز سكنات موجهة للطبقات ذات الدخل الضعيف(1).

 الصنــدوق المــركــزي للتــعــاون الإقتـصـــاديà
يهدف الصندوق المركزي للتعاون الاقتصادي أساسا إلى تقديم القروض السكنية لمجموع الأقطار الإفريقية الناطقة باللغة الفرنسية, حيث قدم نحو ثلثي قروضه إلى مؤسسات الإسكان في البلدان التي تقع جنوب منطقة الصحراء الإفريقية(2
و تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أنشط الدول العالم في مجال الائتمان السكني, حيث كثيرا ما نجد بعض مؤسساتها المالية مثل "التنمية للدول الأمريكية " أو" الوكالة الأمريكية للتنمية " التي تنشط في هذا المجال, و لقد اعتبرت تونس من الدول التي استطاعت أن تحصل على القروض من هذه الوكالة لإنجاز 2898 مسكنا و التي تمتد إلى ثلاثين سنة (3
بالإضافة إلى المنظمات و الهيئات الدولية, نجد منظمات عربية لتمويل الإسكان حيث يتم التمويل على الصعيد التعاون العربي من الأجهزة العربية العاملة في حقل الائتمان الإقليمي, نذكر منها:(4)

الصـندوق العـراقـي للتـنميــة الخــارجــيةà
حيث قدم الصندوق العراقي للأردن 6 ملايين دولار بفائدة قدرها 2.5 % لمدّة 20 عاما.

 المــؤسســات اللــيبيــة العــامـلــة في حقـــل الإئتـمــانà
قدمت قروضه يبلغ 45 مليون دولار إلى المغرب في سنة 1977 بسعر فائدة قدره 20 % سنويا و ذلك لإعادة بناء الأحياء القديمة.

(1) Habitat et construction, revue N° 01, sept oct 1998, P 8. 
(2). كلاوس ريغلبيغ، نهج تمويل جديدة في استراتيجية الدين، مجلة التمويل والتنمية، رقم ،1 مارس 88، ص 8.
(3) وزارة السكن لجمهورية التونسية، مرجع سبق ذكره، ص 34.
(4). كلاوس ريغلنبيغ، مرجع سابق ، ص 9.

 المؤسســـات المــاليـــة الكويتــيــةà
قدمت قروضه مختلفة في مجال الإنجاز و البناء و التعمير في الدول العربية و من بينها الجزائر.
كما نجد مؤسسات و هيئات مالية دولية تعمل على إقراض غيرها من البلدان سواء من خلال الجهود الجماعية أو الثنائية, و من أمثلتها: مركز الأمم المتحدة للإسكان و البناء و التخطيط, المجلس الاقتصادي و الاجتماعي التابع للأمم المتحدة, و مؤسسة تنمية الكومنولث.
و ممّا تجدر الإشارة إليه هو أن القروض الدولية الخارجية حتى و إن ساهمت في حل بعض المشاكل السكنية إلاّ أن دورها لا زال ضئيلا اتجاه الدول النامية.

التــمــويـــل تبــعــا لمـلـكيــة الأمــوال المسـتـثـمــرة 
إن ملكية الأموال التي يتم استثمارها في النشاط السكني, تعتبر أحد المقاييس المتبعة لمعرفة بعض الأنماط التمويلية, و من هنا يمكن تصنيف هذه الأخيرة إلى تمويل عام, تمويل خاص و تمويل تعاوني.

31– التمــويــل العـــام :
و هو ذلك التمويل الذي يعتمد على مقدار ما تخصصه الدولة من الاعتمادات المالية للأجهزة الإدارية المسؤولة عن قطاع الإنجاز و البناء, و إذا كان نشاط السكن يمثل في المتوسط 40 % من قطاع السكن و الأشغال العمومية, فإن ما يتم إعداده من الأموال الآزمة من الميزانية العامة للدولة عادة لا يزيد عن 6 % (1
غير أن ارتفاع التكاليف السكنية يتطلب من الدول أن يزيد ما تعتمده من جملة المبالغ التي يجب استثمارها في الأنشطة السكنية المختلفة, بالإضافة إلى زيادة الاحتياجات السنوية من المساكن نظرا لزيادة عدد السكان.
إن حجم الالتزامات المالية للدولة, يعتمد على مقدار تدخل هذه الأخيرة في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية, فهي في تزايد مستمر بالنسبة للدول النامية خاصة لتي تتخذ الأسلوب الاشتراكي منهجا اقتصاديا لها, فالجزائر سابقا عند إتباعها للنظام الاشتراكي وصلت حجم الالتزامات المالية إلى أكثر من 6 % من الميزانية العامة للدولة بينما لا تزيد عن 2 % من الميزانية العامة للمغرب(2)

(1) إسماعيل إبراهيم الشيخ درة، اقتصاديات الإسكان، مطبعة الرسالة، الكويت، 1974، ص 32.
(2) وزارة السكن للمملكة المغربية، مرجع سبق ذكره، ص 16.

    ليتكفل القطاع الخاص بالأدوات المعددة الباقية من خلال توفيره الأموال التي تحتاج إليها عمليات البناء و الإنجاز.
و عليه فإننا نستنتج في الأخير, أنه لا توجد قاعدة عامة, يمكن أن تحكم مقدار المشاركة المالية للسلطات العامة في تمويل السكن, حيث يختلف ذلك من دولة لأخرى بحكم سياستها المتبعة.

2-3 – التمــويـــل الخـــاص
و هو ذلك التمويل الذي يتم من خلال مساهمة الأفراد و الشركات ذات الشخصية الاعتبارية المتخصصة من أموال لبناء أو إنجاز السكنات, و يعتمد القطاع الخاص في أمواله على ما يتم توفيره من الإدارات الشخصية,كما أنه غالبا ما يلجأ إلى المصادر المحلية للتمويل و التي تتمثل في الأجهزة المالية للنظام المصرفي(1) .
و الملاحظ أن هذا النوع من التمويل يقل في الدول النامية التي تميل الحكومة عادة إلى التدخل المباشر في قطاع السكن و الأشغال العمومية.
و مما تجدر الإشارة إليه, أن هناك أسباب عديدة جعلت الحصة النسبية للتمويل الخاص كبيرة في بعض الحالات, خاصة في الآونة الأخيرة, و مع تحرير الأسعار و اعتراف الدولة بضرورة قيام الأفراد بالأدوار الملقاة عليهم و تشجيعهم بقدر الإمكان على ذلك من خلال التشجيعات و الحوافز القانونية, إلاّ أن هذه الجهود غالبا ما تكون بعيدة عن الحالات التي تعتبرها الحكومات من خلال أجهزتها المتخصصة من مهامها الأساسية مثل:
 تمويل التصاميم الهندسية و المعمارية..à
 تمويل عمليات تنفيذ المشاريع السكنية.à
 تمويل إستراد مواد البناء و عتاد الأشغال العمومية.à
 دفع الأجور العمالية...الخ.à

3-3 – التــمــويــل التـــعــاوني
يتمثل التمويل التعاوني في الاعتمادات المالية التي توفرها الجمعيات السكنية بقصد إنجاز نمط من السكنات, يطلق عليها إسم " السكنات التعاونية ".

(1). د.إسماعيل إبراهيم الشيخ ذرة، مرجع سبق ذكره، ص 36.

غير أنه, على الرغم من أهمية هذا النوع من التعاون السكني في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية بصفة عامة فإنه بالنظر إلى قطاع السكن, يعتبر حديثا عابرا لدى بعض دول العالم الثالث نظرا لعدم الوعي بأهمية هذا النوع من التمويل, فعلى سبيل المثال, عرفت الجزائر هذا النوع من التمويل على إثر تشكيل تعاونيات عقارية بفضل المرسوم رقم 76 - 92 الصادرة في 23 أكتوبر 1976(1).

المـطــلـب الثــالـــث: عــوامــل إنجــاز السكــنـات
إن عملية إنجاز السكنات ليست بالأمر السهل بل تحتاج إلى جملة من العوامل التي من شأنها أن تلعب دورا هاما, فغياب أي عامل من شأنه أن يعيق مسار عمليات الإنجاز غير أننا يمكن أن نضيف هذه العوامل إلى عوامل أساسية لإنجاز السكنات و التي لا يمكن الاستغناء عنها, و عوامل مكملة لإنجاز السكنات حيث تكون درجة أهميتها أقل من الأولى.

أولا – العوامــل الأســاسية لإنجــاز الســكنــات
ترتكز العوامل الأساسية لإنجاز السكنات على. (2)

1 – تــوفيــر الأراضـــي الســكنــية
تعتبر الأراضي من عناصر الإنتاج التي تقوم عليها مواقع ورشات إنتاج السكنات, و عليه أن يتوفر في هذه الأخيرة المعايير التي تحتاج إليها عملية إنجاز السكنات على اختلاف أنواعها.
و من هنا يظهر دور مجالس البلديات في تحضير الأراضي المطلوبة لعمليات الإنجاز, ومن الملاحظ أن الدولة في كثير من الأحيان, و نظرا لعدّة اعتبارات سياسية بالدرجة الأولى, قد وافقت على استعمال الأراضي المخصصة للبناء بطريقة غير منطقية و غير معقولة, فأصدرت أراضي شاسعة فلاحية في الوقت الذي لم تشغل الأراضي التي تصلح فعلا للبناء, و عليه فقد تضاءلت الأراضي المخصصة للبناء مماّ أدى إلى ازدياد قيمتها الاقتصادية مع مرور الزمن.

(1) CHEKIR Samia, Les coopératives immobilières, une formule pour accéder au logement, CNEP Neux, spécial salon immobilier 2003, p20. 
(2). Hervé Autin et Phillipe Auverny- Bemetot, Acheter et financier son logement, édition de veneuil, paris,France, 2000, p36,p37,p38 .

و من بين الإجراءات المتعلقة بتهيئة الأراضي السكنية هو تقسيم الأراضي الصالحة للسكن إلى مساحات أرضية صغيرة من أجل البناء حتى تستفيد أكثر الشرائح تضررا في المجتمع.

2 – تنظيــم ســوق الأراضــي الصالحــة للســكـن
يعتبر تنظيم سوق الأراضي الصالحة للسكن من الجوانب الهامة في عملية توفير الأراضي السكنية إن تتوقف عملية التنظيم على طبيعة نظام الملكية السائد فـــي الدولة, فمن البديهي إذا أن يتم انتقال الأراضي إلى الآخرين بواسطة عمليات البيع و الشراء كأي سلعة أخرى, و تتدخل الدولة غالبا بإيجاد الأجهزة الإدارية التي تتولى إثبات انتقال الملكية من البائع إلى المشتري وفقا لما يتم إصداره من النظم و القواعد من أجل المحافظة على حقوق الملكية و تسهيل عمليات تحويلها, غير أن الواقع العملي قد أثبت أن تعقيد هذه الإجراءات قد يؤثر في سوق الأراضي الصالحة للسكن خاصة حينما تعلق الأمر بدفع المستحقات للهيئات المشرفة على عملية التحويل, غير أن الواقع العملي قد أثبت أن تعقيد هذه الإجراءات قد يؤثر في سوق الأراضي الصالحة للسكن خاصة حينما يتعلق الأمر بدفع المستحقات للهيئات المشرفة على عملية التحويل.

3 – إعــداد التصــاميــم الهنــدسيـــة 
إن إعداد التصاميم الهندسية و المعمارية يعتبر من الركائز الأساسية التي تساعد في توجيه و زيادة الإنتاج في مجال السكن, و هي من المجالات الحيوية التي يتولاها رجال الهندسة و التعمير على اختلاف تخصصاتهم و من خلال مكاتب الدراسات المتعددة في المجالات المدنية التطبيقية لحاجات الأفراد المقررة لإقامة المشروعات السكنية لهم, و تقوم بهذه المهمة هيئات مختصة في مجال المراقبة التقنية.
و من الضروري أن تراعي هذه التصاميم الهندسية المنجزة من طرف المعماريين و المهندسين جملة من المبادئ أهمها:
à أن تراعي متطلبات المستفيدين و طريقة معيشتهم مع مراعاة وضعهم الاجتماعي  لهذا فإن الدراسات تختلف من مشروع لآخر.
 ينبغي أن يراعي في التصميم الجانب الاقتصادي و الذي ينعكس على كلفة التنفيذ..à
à أن تأخذ الدراسات مجموعة المعطيات الخاصة بفترة الصيانة و المواد التي تدخل في عملية التنفيذ أثناء قيام مشاريع السكن..
à ينبغي وضع التصاميم التي تهدف إلى الاستفادة من الموارد الاقتصادية المتاحة مع تقليل الاعتماد على استيراد بعض المواد و التي عادة ما تكلف المشروع في نهاية  المطاف.

4- توفيـر مـواد البنــاء:
يعتبر توفير مواد البناء بالنسبة لقطاع السكن من أهم العوامل الأساسية لإنجاز السكنات، غير أن إيجاد هذه المواد و بالمقادير المطلوبة و بالأسعار المناسبة، يعتبر من المهام التي ترتكز عليها أي سياسة حكومية في عملية الإنجاز و البناء التي تعرفها مختلف ورشات البناء.
و بناءا عليه، فإن دور هذه الجهات المشرفة على عملية الإنجاز يظهر من خلال إنجاز السكنات المقررة، و إذا كانت هناك أسباب عديدة تؤدي إلى ندرة المواد الإنجازية، إلا أن تزايد الطلب الكلي و بمقادير كبيرة قد يكون من أشدها تأثيرا، و في هذا الصدد أجمعت الدراسات الاقتصادية على أن تحقيق الوفرات الاقتصادية لهذه المواد، يتطلب وجود سوق كبيرة نسبيا، كما أن إزالة مظاهر نقص هذه المواد لا يمكن أن يتم إلا من خلال اقتصاد السوق، فتتحدد الأسعار ثم تأخذ مجراها نحو الثبات و لا ربما نحو الانخفاض، و هو ما يجعل مشاريع الإنجاز تأخذ نفسا آخر من حيث تكلفة المشروع.

5- تنفيــذ مشاريــع البنــاء:
يتضمن نشاط إنجاز مشاريع البناء، مجموع المؤسسات التي تتكفل بالإنجاز سواءا كانت عمومية أو خاصة، و هذا بعد الموافقة على جميع المواد التي تدخل في عملية الإنجاز و مطابقتها للمعطيات التقنية و الهندسية في فترات زمنية محددة.

6- القـوى العاملــة:
إن مختلف الدارسات الاقتصادية الحديثة اعتبرت الموارد البشرية العنصر أساسي و مهم في الاقتصاد الوطني، حيث تعتبر بمثابة الرأس المال الحقيقي الذي يتجدد من فترة زمنية لأخرى، خاصة حينما يتعلق الأمر بأصحاب الكفاءات بالأعداد و النوعية المطلوبة.
غير أن القوى العاملة هي قطاع البناء و الإنجاز تتميز بمجموعة من الخصائص و المؤشرات يمكن إنجازها فيما يلي:
باعتبارها خزان للعمالة، فإن قطاع البناء يمتص ما بين 20% إلى 25% من اليد العاملة الإجمالية و بهذا تعتبر المحرك الرئيسي للاقتصاد الوطني من خلال تنشيط و تحريك العمليات الإنتاجية التي لها علاقة بقطاع البناء بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
هناك جملة من العوامل التي تؤثر على نمو العمالة أو انكماشها في قطاع البناء و نذكر منها:
طبيعة النشاط الاستثماري في المجالات العقارية من حيث الرواج و الركود.
السياسة السكنية للدولة المتعلقة ببناء المساكن و البيوت.
حجم التسهيلات الائتمانية و القروض التي تقدمها بنوك الإسكان.
مدى توفر مواد البناء في الأسواق و سهولة الحصول عليها.

7 - التمويــل:
يحتاج قطاع السكن كغيره من القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية إلى المبالغ التي يمكن أن تستخدم في تمويل العملية السكنية و التي تزداد من نسبة إلى أخرى مع زيادة الاحتياجات السكنية و الارتفاع في تكلفة المباني.
إن تطرقنا إلى التمويل السكني يقودنا إلى الحديث عن مختلف المنظمات و الهيئات التي تقوم بذلك و هذا ما أشرنا إليه و بالتفصيل و بالأمثلة في مصادر تمويل السكنات في المطلب السابق، فلا داعي للذكر لعدم التكرار.

ثــانيــا: العوامـل المكملــة لإنجــاز السكنــات:
تعتبر المرافق العامة من قنوات صرف المياه الصالحة للشرب و المياه القذرة و كذلك الأمر بالنسبة لوسائل النقل و المواصلات، و معالجة الفضلات و المهملات...إلخ، من عوامل الإنتاج المكملة التي تدخل في العمليات الإنجازية للمساكن، ذلك لما لها من آثار على مقومات السكنات، لا بل و تدخل عليها تحسينات الضرورية (1).

(). د. إسماعيل إبراهيم الشيخ ذرة، مرجع سبق ذكره، ص 23.

فكيف يمكن لنا أن نقوم بإعداد مساكن بدون هذه المرافق الضرورية للحياة و التي يمكن الاستغناء عنها ؟.
إن قيام أحياء جديدة أصبح يلفت الاهتمام لقيام مثل هذه الخدمات العامة من قبل هيئات متخصصة توكل لمختلف وكالات التسيير العقاري مهمة التكفل بها من خلال مشاريع مختلفة لتضاف إلى تكلفة القطع الأرضية التي ستمنح لأصحابها.
إن ظاهرة تعدد مثل هذه المرافق العامة قد فرضت وجودها في السنوات الأخيرة ليس فقط في البناء المعد للسكن بل و حتى التي تعد إلى أغراض صناعية و تجارية، و من ذلك فإن مختلف برامج الأمم المتحدة للبيئة، قد أكدت على وجود مثل هذه المرافق: المياه، الطاقة، معالجة الفضلات و المهملات، النقل و المواصلات.....إلخ
و اعتبرتها من الضروريات التي يجب أن لا يخلوا منها أي مشروع معد للبناء، غير أن هناك فروقات كبيرة بين الرسومات المقدمة في مجال تقديم هذه الخدمات و التجارب المقدمة أثناء الإنجاز على مختلف المستويات.
إن ما يلفت الانتباه من حلال هذه التجارب هو وجود مثل هذه الخدمات و التي يجب أن تستند إلى تخطيط مسبق قبل استنادها لمختلف الإدارات و الهيئات المشرفة على القيام بها، و هو ما يسمح بتكامل الجهود المبذولة أثناء عمليات الإنجاز و بالتالي يقلل من التكاليف في نهاية المطاف (1).

المبحــث الثانــي: مــاهية السياســة السكنيــة

تعتبر السياسة السكنية من الجوانب الهامة التي تؤخذ بالحسبان لتقييم النتائج المحققة من طرف قطاع السكن، نظرا للدور الكبير الذي تلعبه في التوجيه، و تحديد النتائج التي يجب أن يتوصل إليها هذا القطاع الحساس، فكثيرا ما نسمع بعبارة " نجاح السياسة السكنية لبلد معين " أو عبارة " فشل السياسة السكنية لبلد ما "، غير أن هذه العبارات تجعلنا نطرح جملة من الأسئلة:

ماذا نقصد بالسياسة السكنية ؟، و إلى ماذا تهدف ؟، و ما هي الأسباب أو المسببات التي تجعلها تفشل للوصول إلى أهدافها ؟ و عليه حاولنا هذا المبحث الإجابة على هذه الأسئلة و عرضها في مطالب هذا المبحث.

(1) CLAUDE Alphandery collection Jean Moulin, Pour une politique de logement, édition le seuil, France, 1985, P85.

المطلـب الأول: التعريـف بالسياسـة السكنيـة:
يتجلى التعريف بالسياسة السكنية من خلال إعطاء تعريف شامل و دقيق حولها و لذلك إبراز أهم الوسائل و الآليات أو الأدوات التي تضعها للتدخل و التحكم بشكل أدق في السوق السكني أو قطاع السكن.

أولا: تعريـف السياسـة السكنيــة:
نستطيع أن نعرف السياسة السكنية على أنها " عبارة عن مجموعة منتظمة من المقاييس المتبناة و الموضوعة من طرف الدولة، و الهدف الرئيسي منها يكمن في وضع الوسائل و آليات التدخل في السوق السكني، و ضمان التوازن العام بين العرض و الطلب و ذلك في ظل احترام معايير السعر و الكمية المحددة ".(1)
و من هذا التعريف يمكن أن نستخلص جملة من الخصائص المتعلقة بالسياسة السكنية و من أهمها:(2)
تكتسي السياسة السكنية طابع هام و استراتيجي لنمو تطوير بلد ما، حيث أنها ترتبط و في نفس الوقت تواكب هذا التطور سواء أكان على الصعيد الاقتصادي و حتى الاجتماعي.
توجه السياسة السكنية لمحاربة الفروقات الاجتماعية، حيث أنها تترجم في الواقع مبدأ حق الحصول على سكن و ذلك عن طريق تصحيح الاختلافات في مستويات دخول الأفراد من أجل تحقيق عدالة اجتماعية.
توجه السياسة السكنية من أجل الحد من سوء توزيع السكان على مستوى قطر البلد عن طريق تشجيع السكنات الريفية، باعتبار جل السكان يتمركزون و بكثرة في المناطق الصناعية و المدن الكبرى، مما خلق ظاهرة النزوح الريفي.
تأخذ السياسة السكنية بعين اعتبار مشكل الندرة الاقتصادية نتيجة نقص الموارد الاقتصادية من جهة، و زيادة الحاجات من جهة أخرى، حيث أنها تحارب ظاهرة سوء استغلال الأراضي، و سوء استغلال مواد البناء و طرق استعمالها بالإضافة إلى ظاهرة سوء استغلال الموارد المالية

ثــانيــا: أدوات أو آليــات السياســة السكنيــة
تعتمد الدولة في رسم سياستها السكنية على جملة من الأدوات أو وسائل التدخل في السوق السكني، غير أن هذه الوسائل تختلف من دولة إلى أخرى و ذلك حسب طبيعة النظام المتبع من جهة، و إلى درجة تطور أو نمو الدولة (بمعنى دولة متطورة أو متخلفة) من جهة أخرى، بالإضافة إلى سبب هام و يكمن في مدى تحكم و توجيه لسياستها السكنية على حسب الأهداف المسطرة، غير أننا و في الغالب، يمكن أن نميز بين ثلاثة آليات أو وسائل رئيسية للتحكم في السياسة السكنية و هي:(1)

1- القوانين و المراسيم التنفيذية المتعلقة بالسكن:
تحدد القوانين و المراسيم التنفيذية المتعلقة بالسكن جميع القواعد المتعلقة به من حيث الملكية، التمويل، التوزيع، الحيازة، تنظيم سوق السكن ...إلخ، و عليه تعتبر القوانين و المراسيم المتعلقة بالسكن كأداة توجيه هامة للسياسة السكنية خاصة إذا أخذت بعين اعتبار و راعت الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية للبلد المعني، و كذا مدى تطوره و مدى توفره للإمكانيات اللازمة لإنجاز السكنات، حتى تصل في الأخير إلى نتيجة مرضية و هي القضاء حتى و إن لم يكن بصفة مطلقة على أزمة السكن.

2- خلق مؤسسات متخصصة ذات طابع اجتماعي:
يعد خلق المؤسسات المتخصصة ذات طابع اجتماعي كطريقة أخرى تستعملها الدولة لرسم سياستها السكنية حيث أنها تشجع خلق هذا النوع من المؤسسات مثل مؤسسات البناء، الوكالات السكنية، الديوانات العقارية..إلخ، و حتى تتكفل كل واحدة بجميع الإجراءات المتعلقة بإنجاز السكنات و توزيعها و بيعها و تمويلها...إلخ، و من ثم تخفف العبء على الدولة من جهة و تنظم سوق السكن من جهة أخرى، و كأمثلة على ذلك: نجد في الجزائر هذا النوع من المؤسسات المتخصصة مثل :
الديوان الترقية و التسيير العقاري OPGI *، وكالة تطوير و تحسين السكن AADL**، مؤسسة ترقية السكن العائلي EPLF ***. 

3- الضــرائـب و الإعانـات المفروضـة و المقدمـة من طـرف الدولــة
1-3 – الضــرائــب:
   من المتعارف عليه أن الدولة تستعمل الضرائب كأداة للتحكم و توجيه الاقتصاد من جهة, و كذلك تعتبر كمورد لخزينتها من جهة أخرى, بالإضافة إلى الأدوار الأخرى التي تلعبها أو تقوم بها الضريبة, تستعمل هذه الأخيرة كأداة من أدوات السياسية السكنية, فعن طريق تخفيض في نسبة الضرائب على العقارات أو كل ما يتعلق بإنجاز السكنات مثلا, من شأنه أن يقلل من تكلفة إنجاز هذه الأخيرة و من ثمة زيادة عرض السكنات في السوق السكني, و من هنا نجد أن سياسة السكن توجه من أجل تلبية حاجيات الأفراد و القضاء على مشكل أزمة السكن و من ثمة نجاحها.
2-3 – الإعــانـــات :
  تعد الإعانات أو المساعدات المالية التي تقدمها الدولة للأفراد من أجل الحيازة على السكنات من إحدى الطرق أو وسائل السياسية السكنية للتدخل في السوق السكني و ذلك بما يتماشى مع متطلبات الأفراد, والمخطط أن هذه الإعانات تأخذ شكلين:
إمـا إعــانــة مــاليــة مبــاشــرة:
  و المقصود بالمباشرة أي أنها تقدم لغرض الحيازة على سكن, حيث أنها تقدر على أساس نسبة من مبلغ شراء المسكن, و تقدم للفرد المعني بعملية الشراء و ما عليه إلاّ أن يكمل ما تبقى من باقي المبلغ للحصول على ملكية سكن, ففي الجزائر مثلا نجد هيئة تابعة للدولة متخصصة في منح هذا النوع من الإعانات ( أي الإعانات المباشرة ) و المتمثلة في " الصندوق الوطني للسكن ****CNL"، الذي يقدم إعانات مالية للفرد بغرض شراء سكن معين و ذلك وفق شروط موضوعة ( كقيمة دخل الفرد, نوع السكن...الخ )
أو إعـانــة مــاليــة غـيـر مبــاشــرة:
   و نقصد بغير المباشرة أن الإعانة ليست موجهة بصفة مباشرة من أجل الحيازة على سكن كالحالة الأولى, بل هي موجهة للأفراد خاصة ذوي الدخل الضعيف وذلك من أجل الرفع من قدراتها الشرائية, و من شأن هؤلاء أن يخصصوا هذه الإعانة من أجل الحيازة على سكنات بصفة الملكية أو الكراء.
و مما تجدر الإشارة إليه, أنه من الناحية الاقتصادية, هذه الوسائل أو اللآليات( الضرائب والإعانات ) تؤدي دائما إلى نفس النتائج, غير أن الخيار بينهما يكون حسب طبيعة نظام البلد و كذا مدى تطوره أو نموه

الـمطلــب الثــاني: أهــداف السيـاسـة السـكـنيـة
تكتسي السياسة السكنية صفتها الأساسية من خلال أهدافها المسطرة, إن أنها تهدف في الأساس إلى إرضاء الطلبات و الحاجات مع رفع النشاط الخاص بمجال السكن من جهة, و القضاء على ظاهرة البطالة من جهة أخرى, و الملاحظ أن هذه الأهداف تندرج في الأهمية التي يكتسبها قطاع السكن و آثاره على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية.
غير أننا يمكن أن نميز ثلاث أهداف رئيسية للسياسة السكنية و المتمثلة في:(1)

أولا – الأهداف الأساسية للسياسة السكنية 
les objectifs tutélaires 
نظرا للأهمية الكبيرة التي يكتسبها السكن, يعتبر هذا الأخير حاجة أساسية و ملك مفيد نظرا للشروط التي يفترض أن تتوفر فيه, سواء أكانت تتعلق بجودته أو تكلفته (ثمنه) اللذان من الممكن أن يساء تقديرها من طرف المستهلك, و عليه فإن من بين الأهداف الأساسية للسياسة السكنية هو أن توفر لكل فرد (أو عائلة) مسكن أو بعبارة أدق, هو القضاء على هاجس تعاني منه معظم الدول و المتمثل في " أزمة السكن ", كما يجب أن تراعي تكلفة القدرة الشرائية للفرد, و تكون شروط الحيازة على ملكية السكن واضحة و مبسطة في نظر المستهلك.
و عليه فعلى السياسة السكنية أن تحدد جميع المعايير و المقاييس المتعلقة بالسكن و أن تأخذ بعين الاعتبار مستوى نمو البلد المعني و مماّ مدى توفره للإمكانيات المتعلقة بإنجاز السكنات, كما أنها تأخذ بالحسبان طبيعة النظام المتبع من طرف الدولة سواء أكان نظام اشتراكي أو نظام اقتصاد السوق.

ثانيـا – الأهداف الإقتصادية للسياسة السكنية 
les objectifs économiques
نظرا للدور الكبير الذي يلعبه قطاع السكن إن أنه مرتبط إرتباطا وثيقا بالنشطات الاقتصادية الأخرى بواسطة ميكانزمات مالية, ضريبة و اقتصادية, و أن أثر هذا الارتباط على النشاط الاقتصادي يتمثل في تمويل نشاطات البناء, شراء السكن و كذا شراء التجهيزات المتعلقة بالسكن, أماّ أثار الضريبة على قطاع السكن فإنها تتمثل في النسب الضريبة المفروضة و الإعفاءات المقدمة.
و عليه, فعلى السياسة السكنية أن تراعي مدى هذا الترابط بين هذا القطاع الحساس أي قطاع السكن و باقي القطاعات الأخرى, و ذلك من خلال أدواتها و آلياتها ( القوانين و المراسيم التنفيذية, خلق مؤسسات متخصصة, الضرائب و الإعانات), و التي تنبثق عنها أسعار الفائدة و تأطير القروض و فرض الضرائب و الرسوم الجمركية و كذا تشجيع الاستثمارات العمومية و إقرار حقوق الملكية..الخ, كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تسيير و تطوير قطاع السكن, و انتعاش هذا الأخير يجذب وراءه كل القطاعات الأخرى، و من ثم زيادة في النمو الاقتصادي و التخفيض من بطالة و الارتفاع في الدخل القومي....إلخ .

ثالثـا: الأهداف الاجتماعية للسياسة السكنية les objectifs sociaux 
نظرا للأهمية الاجتماعية الكبيرة التي يكتسبها السكن و التي سبق الإشارة إليها, فحرمان الفرد منه يجعله يسلك سلوك يومي يؤثر سلبا على كل الأعمال التي يقوم بها بما في ذلك ضعف مردودية العمل الذي يقوم به.
و عليه, فعلى السياسة السكنية أن تراعي الجانب الاجتماعي للفرد و أن تأخذه بالحسان, و يتجلى ذلك من خلال الوسائل و الآليات المتعلقة بها و التي أخذت بعين الاعتبار المستوى الاجتماعي للفرد و ما مدى توفره لإمكانيات المادية و المالية من أجل الحصول على ملكية سكن, و كدليل على ذلك, الإعانات المباشرة و غير المباشرة التي تدم للمستهلك( الفرد) كدعم لتكلفة السكن, أو عن طريق تمويل الدولة لمشاريع السكنات الاجتماعية و تقديمها بصفة مجانية للطبقات الفقيرة ذات الدخل الضعيف أو المنعدم و التي من المستحيل أن تسمح لها إمكانياتها من الحيازة على ملكية سكن.
و عليه نلاحظ أن السياسة السكنية تهدف إلى الحد من الفوارق الاجتماعية و على تحقيق الرفاهية للجميع و حتى و إن لم يكن نسبة مطلقة غير أنها تأخذ بعين الاعتبار و بالاهتمام هذا الجانب في الحسان .

المطلــب الثالــث :أهــم المشـاكــل الـتي تــواجهها السياسـة السكنيـة 
رغم الدور الكبير و الفعال الذي تقوم به السياسة السكنية, غير أنها تبقى عرضة لمجموعة من المشاكل أو العوائق تعيق مسارها و تحول دون تحقيق أهدافها, غير أنه حل هذه المشاكل, تعاني منها الدولة النامية بصفة كبيرة و حادة مقارنة بالدول المتقدمة التي قلما تصادق مشكل في مسار سياستها السكنية. و لعل أهم هذه المشاكل و أبرزها, يمكن حصرها فيما يلي:(1

أولا – مشكل الاحتياطيات العقارية 
problème des réserves fonciers
تواجه مجمل أو مختلف المؤسسات أو الهيئات المشرفة على إنجاز السكنات مشكل الاحتياطيات العقاريةحيث أنها تجد نفسها أمام جملة من العوائق من بينها:
النزاع القائم و المنافسة حول المحيط المخصص للتهيئة العمرانية( أو إنجاز السكنات بعبارة أبسط) بين وزارة السكن و مختلف الوزارات الأخرى كوزارة الفلاحة.
عائق تحديد" قواعد نزع الملكية"*, من حيث عدم إيضاح قواعد التعويض للملاك من جهة و إجراءات التحكيم(arbitrage) من جهة أخرى, و الملاحظ أن هذه الأراضي المتحصل عليها أو المسترجعة من طرف الدولة يتم استغلالها لإنجاز السكنات و إعطاء الأولوية لـ:
البنايات العمومية الموجهة للكراء.
البنايات العمومية الموجهة للبيع.
البنايات الفردية المجمعة تحت شكل عمارات.
مشكل ندرة الأراضي أو قلة الأراضي يطرح نفسه بحدّة في مختلف المناطق خاصة الحضرية منها, و مع تزايد عدد السكان و الإكتضاض و تمركزهم في المناطق الصناعية الكبرى يزيد من الأمر تعقيدا.

(1). M.C BENARBIA, M. ATMANI et autres, OP Cit, P69-P70, P 71.
(*). نقصد ب " نوع الملكية الخاصة "، أي إعادة استرجاع الدولة لأراضيها من طرف الملاك الخواص

ثــانيــا : مشكـــل التمــويــل
إن تحليل عملية تمويل السكنات تخضع لجملة من المبادئ و المعايير نظرا لأهمية الكبيرة و الدور الفعّال الذي تلعبه في إنجاز السكنات, غير أن عملية التمويل تطرح نفسها كمشكل يعيق مسار السياسة السكنية لتحقيق الأهداف المرجوة منها.
فانعدام أو قلة المصادر التمويلية المختلفة, من شأنه أن يخلق مشكل تمويل السكنات و هذا ما يؤدي إلى نقص الموارد المالية اللازمة و الضرورية لإنجاز السكنات.

ثـالثــا : مـشكــل نــدرة مــواد البنــاء 
من المتعارف أن من بين العوامل الأساسية لإنجاز السكنات هو توفير مواد البناء, غير أن إيجاد هذه المواد و بالمقادير المطلوبة و بالأسعار ملائمة يعتبر من المهام الأساسية التي ترتكز عليها السياسة الحكومية حتى تتوصل إلى إنجاز السكنات بالقدر اللازم و لإرضاء طلبات الأفراد.
غير أن مشكل ندرة هذه المواد مقارنة بتزايد الطلب عليها يبقى كعائق في وجه ما تصبوا إليه السياسة السكنية لتحقيق الأهداف المرجوة منها.

رابعــا : مشـكـل تنـظيـم الـمهـن أو الـوظـائـف
نظرا لأهمية الكبيرة التي تكتسبها السياسة السكنية و يتجلى ذلك من خلال الأدوار و المهام التي تشرف عليها, و عليه فإنه من الطبيعي أن يصبح قطاع التهيئة العمرانية و الأشغال العمومية قطاعا استراتجيا, غير أنه قد يكون عرضه لتلاعبات عدّة خاصة من بعض المهن- أن صّح القول- الأخرى التي لها علاقة بهذا القطاع الحساس, و نذكر على سبيل المثال: مكاتب الدراسات, المقاولين الخواص, المهندسين المعماريين...الخ.
و كل هذا من شأنه أن يعيق مسار السياسة السكنية للوصول إلى الأهداف المسطرة.
و عليه و تجنبا لمثل هذه التلاعبات التي من شأنها أن تعيق مسار السياسة السكنية يجب أن يكون تدخل هذه المهن في إطار تشريعي منتظم و واضح و متكامل و ذلك تجنبا لزيادة المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع.
و من هنا, فإن تدخل الدولة ضروري للغاية, باعتبار أن هذا القطاع (قطاع السكن) يخص شريحة هامة في المجتمع خاصة و أنها تؤدي للحصول على السكن كحق من الحقوق, و كذلك هو عرضة للخداع و التلاعبات من طرف المقاولين أو المستثمرين الخواص, و عليه يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من هذه التلاعبات.

خامسا – مشكــل الإجــراءات الإداريــة
إن مشكل السكن, مشكل حساس, و يختلف في حدّ ذاته كيفية تدخل الدولة أو السلطات العمومية, فمن جهة الحاجة و زيادة الطلب عليه يستلزم الحاجة إلى البناء و إنجاز السكنات بكثرة, و لهذا يجب تفادي المعرقلات الإدارية و تسهيل الإجراءات اللازمة, كإجراءات تحصيل الأراضي الصالحة لذلك, كتوفير الموارد المالية الضرورية...الخ.
من جهة أخرى, يجب وضع مراقبة صارمة(لتفادي المضاربة) على المقاولين أو المتعاملين العقاريين, لأن عمليات إنجاز السكنات عملية صعبة و تخضع للمضاربة و عليه يجب على الدولة سن قوانين من شأنها تجنب مثل هذه التجاوزات
غير أن مراقبة البناء (الإنجاز) و ضمان سلامة هذه الإجراءات أمر صعب للغاية و ذلك يرجع لضخامة حجم المشاريع و من الصعب مراقبة الهيئات المشرفة على ذلك.
و عليه، نستخلص مما سبق ذكره أنه كلما اتسعت السياسة السكنية، كلما كان ذلك أفضل من أجل تخطي جميع العواقب أو المشاكل التي تعيق مسارها، و كلما كان تجاوبها مع المستجدات الاقتصادية ممكنا و مرغوب فيه.

المطلـب الرابــع: السياســة السكنيـــة و التخطيــط السكنــي
  لا يزال التخطيط السكني في الدول السائرة في طريق النمو بعيدا عن الأساليب العلمية المتعارف عليها، لذلك لم تحقق جميع الأهداف المرجوة فيه، خاصة و أنه و في جميع الأحوال، كان يخضع إلى إجراءات عفوية أسفر عن نتائج متواضعة أسفرت عنها تجارب التخطيط في كثير من دول العالم الثالث. و من هنا فالسؤال الذي يتبادر على أذهاننا، ماذا نقصد بالتخطيط السكني؟ و ما مدى علاقة هذا الأخير بالسياسة السكنية ؟.
أولا: مفهــوم التخطيـط السكنـي : يتخذ التخطيط السكني عدة أشكال و مفاهيم، و قد تختلف باختلاف في الأبعاد التي تأخذها أي سياسة اقتصادية كانت أو اجتماعية، غير أن المفهوم الشامل للتخطيط السكني يمكن في تبني سياسة مفصلة لتوفير السكنات لمواطنين في شكل برامج و مشروعات(1)
و الجدير بالذكر، أن التخطيط لمفهوم شامل يرتكز على العناصر التالية: (2)
التخطيـط الاجتماعـي: و يشمل على مجالات السكن، و تخطيط الخدمات و المرافق العامة و الصحة...الخ.
التخطيـط الاقتصـادي: يرتكز على النشاط الاقتصادي، الزراعي و السياحي و غيرها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
التخطيـط الفيزيائـي: هو عبارة عن التجسيد الحي للتخطيط الاجتماعي و الاقتصادي و هو ما يسمى بالتخطيط المكاني و العمراني.

ثـانيــا: المراحـل التـي مــر بهــا التخطيـط السكنــي :
لقد مر التخطيط السكني بمراحل عديدة حتى وصل إلى مفهومه الحالي، و يمكن حصر أهم المراحل التي مر بها في ثلاث مراحل أساسية و هي: (3).

1- مرحلـة التخطيـط السكنـي على مستوى المدينـة:
لقد عبر المخطط الأمريكي " أولمستد OLMESTED " عن مفهومه لتخطيط المدينة على أنه " عملية تنمية أرض المدينة " حيث يشمل هذا التخطيط الاستعمالات الخاصة و العامة للأرض، 
كما يحدد بالتفصيل مواقع و امتدادات المشروعات العامة و المنشآت الأخرى، و يحصر على أساس إجراء بحوث و دراسات شاملة لاستعمالات الأرض و الأنشطة المختلفة في عمليات التنمية التي تجري في الوقت الحاضر كما يقدر اتجاه المستقبل لنمو السكان و الصناعات و الأعمال و الأنشطة الأخرى.
لقد كان حجم المدينة قبل الثورة الصناعية متواضعا لبدائية الوسائل المستعملة في ذلك الحين و في جميع الموافق و المنشآت، لم يكن تعيين تخطيط المدن محتاجا إلى دراسة معقدة حيث كان يطلق عليه التخطيط المحلي أو تخطيط المدينة.

2- مرحلـة التخطيـط السكنـي على المستـوى الإقليمــي:
لقد كان من أثار الثورة الصناعية زيادة عدد و كثافة السكان في المدن حيث نمت هذه الأخيرة بمعدلات عالية تفوق معدلات نمو السكان، و ساعد هذا النمو و بهذه المعدلات التقدم التكنولوجي في المرافق العامة و مواد البناء، إلا أن الثورة الصناعية قد حملت بين طياتها آثار سيئة.
فلقد كانت حالة هذه المدن سيئة للغاية نتيجة تركيز الصناعات بها دون توجيه أو تخطيط بالإضافة إلى انتشار الأحياء المختلفة الغير صالحة للسكن، و اختلال التوازن الذي كان موجود أصل الثورة الصناعية بين المدينة و القرى المحيطة بها مما ترتب عليه هجرة مستمرة من البدو إلى الحضر، أو من الريف إلى المدينة.
لمثل هذه الأسباب، استحال حل مشاكل المدينة بتخطيط المدينة فقط، و إنما وجب أن يشمل التخطيط مساحة أكبر من مساحة المدن نفسها و هي المساحة التي تقع تحت دائرة تأثيرها و تشمل القرى، و التجمعات السكنية الأخرى التي يهاجر أهلها منها إلى هذه المدن و تسمى هذه المساحة بالإقليم و من هنا ظهرت فكرة الأخذ بأسلوب التخطيط الإقليمي لحل مشاكل المدن الكبرى.

3- مرحلة التخطيط السكني على المستوى الوطني:
  من نتائج الحرب العالمية الثانية أن بدأت معدلات التغيير و التطور في الصناعة تسير بوتيرة تزايدية هائلة نتيجة الثورة العلمية التكنولوجية و التي صاحبها الآلية في الإنتاج و ذلك باستعمال أجهزة الكترونية معقدة في تركيبها. و لقد أدى ذلك إلى التقسيم الواسع في العمل و كثرة التخطيطات الدقيقة و الإنتاج الكبير فاستلزم هذا التطور الكبير إنشاء كثير من المؤسسات المختلفة مثل الجامعات، المعاهد، المدارس و مؤسسات البحث لتخرج الأخصائيين في مختلف المهن و التخصصات.
و كذلك اعتمدت على الزراعة لمد العاملين في الصناعة بالمواد الغذائية مما يترتب عليه إنشاء الطرق و توفير وسائل النقل السريع و التنسيق بين هذه الأنشطة، و من هنا ظهرت فكرة الأخذ بأسلوب التخطيط على المستوى الوطني.

ثــالثــا: علاقة السياسة السكنية بالتخطيط السكني:
يرتكز التخطيط السكني على عدة أركان و هي كفيلة بتحقيق عدة غايات، و من بين هذه الأركان هي السياسة السكنية التي تعد كأحد المقومات للتخطيط السكني، و من هنا يظهر جليا العلاقة بينهما، و مدى الترابط الذي يجمعهما، و للمزيد من الإيضاح، سنوري بالتفصيل هذه المقومات التي يمكن حصرها فيما يلي: (1)
1- رسم سياسة سكنية و تحديد دور الحكومة:
إن حل مشكل السكن في أي دولة تستدعي أن تكون هناك سياسة عامة تسير عليها الدولة في بناء المساكن و أن تكون هذه السياسة شاملة، واضحة، واقعية، طويلة المدى، تحضى بتأييد سياسي شامل.
إن هدف أي سياسة يجب أن يبنى عل أساس دراسات مختلفة في مجال السكن و في حالة السكن و سوقه و التشريعات المنظمة له من جميع النواحي الإدارية و غيرها، كما يجب أن يكون دور الحكومة واضحا من خلال السياسة العامة في تحديد الأحياء المختلفة و مدى إدخال التكنولوجيا الحديثة في البناء مع تبيان دور القطاع العام و الخاص في تنمية القطاع السكني.
إن دور الحكومة يرتكز على ترشيد أي سياسة سكنية و ينبغي أن يرتكز على:
البنـاء: إن مختلف الإنجازات السكنية ينبغي أن تتم بشكل وحدات سكنية كاملة و شاملة للمرافق و الخدمات العامة.
التمويـل: ينبغي توفير الموارد المالية المتاحة عن طريق الاقتراض الداخلي أو الخارجي.
الإشـراف: ينبغي على الدولة أن تقوم بكل الأدوار المطلوبة منها لا من حيث الإشراف فحسب، و كذلك التوجيه و ذلك بوضع تشريعات واضحة إجراءات وضوابط للعمران صارمة في نطاق القطاع العام أو الخاص.

(1). ب.حنا ميلاد، الإسكان الحل و المصيدة، مطبعة دار المستقبل العربي ، مصر، 1986، ص 123.

  فالدولة إذا تعتبر وفي جميع الأحوال المسؤول الرئيسي الذي يوجه إليه الانتقادات, عندما تتعقد المشكلة و تتأزم و عندما ينتج عدد أقل من الوحدات السكنية و ترتفع الأصوات مطالبة بالمسكن كمطلب إجتماعي

2- دراسة وضعية البنية السكنية:
لقد ظهر في كثير من الدول الصناعية سلسلة من المعايير و المقاييس لتقييم مستوى البيئة السكنية و البيئة العامة المحيطة بها. و لا شك أن المعدلات تختلف من دولة لأخرى حسب ظروف المجتمع المحلية، الاجتماعية و الاقتصادية حيث تعطى المعايير الخاصة بالمباني السكنية من خلال التصميم و أشغال المساكن، أما المعايير الخاصة بالبيئة العامة فتظهر كثيرا في مجالات تصميم قطع الأراضي و الشوارع. أما في حالة عدم وجود مثل هذه المعايير يرجع إلى المعايير العامة التي يتم وضعها من طرف الهيئات العلمية كالهيئات الصحية و الهندسية. و من بين هذه المعايير، معيار دراسة وضعية البنية السكنية من خلال دراسة أوضاع الأحياء أو المساحات و التي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية و هي:
الأحياء أو المساحات السكنية المراد إعادة بنائها: و هي عبارة عن أحياء يتطلب إزالتها و إعادة بنائها لحدوث انهيار حضري فيها لدرجة لا تصلح معها أي عملية ترميمية أو إصلاحية. هذا الانهيار قد يكون ناتجا عن نقص الخدمات المرافقة للمساكن أو عدم استخدام الصيانات الدورية اللازمة أو تداخل المنطقة السكنية.
الأحياء أو المساحات المراد ترميمها: تتمثل في المباني التي تحتاج إلى إزالة أي مساحات يوجب بها خلل بسيط لم يصل بعد إلى الدرجة التي يحكم على الحي بالإزالة الكاملة حيث أن ميراثها العقاري يشكو إعادة من هرمه و فقدان الصيانة الدورية المنتظمة.
الأحياء أو المساحات السكنية التي يخشى عليها من البناء الفوضوي: و هي عبارة عن أحياء سليمة و لكن لعدم سريان التشريعات العمرانية التي تحميها أو حتى عدم جدية تطبيق هذه التشريعات إن وجدت في بعض الأحيان، لأنها لا تمس مصالح ذوي النفوذ في السلطة، لذلك فهي في كثير من الحالات تتعرض لمثل هذا الزحف العمراني العشوائي الذي يأخذ عادة في البداية شكلا مؤقتا ليدوم في نهاية المطاف، لذلك يجب الحفاظ على الأحياء و حمايتها عن طريق تطبيق المعايير و الأسس و المقاييس صارمة و جدية في التنفيذ

خاتمة الفصل :

ـ يعد السكن حاجة أساسية للفرد نظراً للأهمية التي يكتسبها ، فبالإضافة لكونه حاجة اجتماعية لا غنى عنها ، إلاّ أن أهميته تفوق ذلك لتمس الجانب الإقتصادي و حتى السياسي ، و إذا كان طابعه التمويلي يتعدد و يختلف بحسب المصادر التمويلية إلاّ أن هذا لا يمنع كونه عامل أساسي لإنجاز السكنات بالإضافة إلى عوامل أخرى من شأنها أن تساهم في إنجازه .
ـ و الجدير بالذكر أن أي دولة تعطي اهتمام لقطاع السكن يكون ذلك برسم لسياستها السكنية باعتبارها أداة توجيه و تحكيم لهذا القطاع و ذلك باستخدام أدواتها و مختلف آلياتها ، غير أنه لا يمكن تقييم و فهم هذه السياسة إلاّ بدراسة مسارها على قطاع سكن لبلد ما . و هذا ما سنقوم به في الدراسة التطبيقية الخاصة بالسياسة السكنية في الجزائر من خلال الفصل الثاني و الثالث .

تحميل.gif





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا