علاقة الجيرة في المدينة
دراسة مقارنة بين الأحياء العتيقة والأحياء الجماعية
( حارة أولاد عتيف ، حي القصر وحي 110 السكن الجماعي)
بمدينة بو سعادة - نموذجاَ
مذكــرة مكملة لنيل شهادة الماجستير
تخصص علم الاجتماع الحضري
جامعــــة المسيلة - كلية الآداب و العلوم الاجتماعية
قسم علم الاجتماع
إعداد الطـالب: عسلي سعد
إشراف . د: السعيد بن يمينة
مقدمة:
الجيرة في المدينة تشكل وحدة أساسية لدى سكانها، فمجتمع الجيرة فضلا عـن كونه وحدة فيزيقية فهو إطار اجتماعي فعـال فـي تشـكيل العلاقـات الاجتماعيـة الحضرية، إذْ أن السلوك الإنساني يؤثر ويتأثر إلى حد ما بالبيئة المحيطة به . إن الأسس الاقتصادية ، الاجتماعية، والثقافية التي قامت عليها البيئة التركيبيـة للسكان في الأحياء السكنية الجماعية أدت إلى نوع من التمايز الطبقي، مما قلـل مـن التكامل والتكافل الاجتماعي الذي اتسمت به الأحياء السكنية العتيقة ، في الوقت نفسـه يمكن القول أن الأحياء السكنية الجماعية قد عملت على انصهار طبقات المجتمع مـع بعضها مقابل الأساس الاجتماعي العشائري الذي كان سائدا فـي الأحيـاء السـكنية العتيقة .
والمدن الجزائرية كغيرها من مدن العالم تمر في الوقت الحاضـر بتحـولات اجتماعية واقتصادية هامة، فالتغير ضرورة حيوية للمجتمعات البشرية، وهـو سـبيل بقائها ونموها، وبه يتهيأ لها التكيف مع واقعها ويتحقق التوازن والاستقرار في أبنيتها وأنشطتها، وعن طريقه تُواجه الجماعات متطلبات أفرادها وحاجياتهم المتجددة .
المجتمع الجزائري من المجتمعات العربية الإسلامية التي تولي اهتماما خاصا بالجيرة، لأن ديننا الإسلامي يحثنا على ذلك حيث نجد الرسول "صلى الله عليه وسـلم " يقول: " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ضننت أنه سيورثه".
وتكمن أهمية الدراسة في ضرورة معالجة موضوع علاقات الجيرة بين السكان في المدينة، ومدى مساهمة الخلفية الثقافية والاجتماعية والمستوى السوسيو اقتصادي للسكان وكذا التصميم المعماري والعمراني للحي في إضعاف أو تقوية علاقات الجيرة بينهم، لكون هذه العلاقات أصبحت محدودة ويغلب عليها طابع الشخصية والمنفعة والسطحية، ودليلنا على ذلك ضعف العلاقات ومحدوديتها، والتي نعيشها في مجتمعنا اليوم كما تكمن أهمية الدراسة في ضرورة معالجة إشكالية محدودية علاقات الجيرة بين السكان، إن على مستوى الأحياء السكنية الجماعية والأحياء السكنية العتيقة بصفة خاصة، أو على مستوى المدينة بصفة عامة، والتي أدت إلى تفكك العلاقات الاجتماعية في المدن، وفقدان الترابط الأسري، والعزلة النفسية والاجتماعية لأفراد المجتمع .
تبرز أهميتها في مدينة بوسعادة في كل من الأحياء السكنية الجماعية ممثلة في حي (110) مسكن، والأحياء السكنية العتيقة ممثلة بحارة " أولاد عتيڤ" بقصر مدينة بوسعادة، حيث يمثل الأول نمط سكني حديث يتميز بعمارة وعمران منفتح عن الخارج ومنغلق على الداخل تسوده علاقات اجتماعية ذات خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة، والثاني يمثل نمطا سكنيا قديما يتميز بعمارة وعمران منفتح عن الداخل منغلق على الخارج تسوده علاقات اجتماعية أساسها الترابط القرابي والأسري .
أما أسباب اختيار الموضوع فتعود إلى النقاط التالية :
• موضوع بحثنا يعالج ظاهرة اجتماعية مرضية تستدعي الدراسة تعـاني منهـا معظم مدن الوطن، إن لم تكن جميعها، ويتجلى ذلك في:
- التفكك الأسري الملاحظ .
- العلاقات الاجتماعية السلبية التي تؤدي إلى الصراع والاختلاف وتفكـك المجتمع وانهياره.
- الروابط النفعية بين الأفراد والأسر.
- سيطرة الفردية والمصلحة الخاصة.
• الدراسات حول هذا الموضوع قليلة في مدينة بوسعادة وخاصة مـن الجانـب الاجتماعي، ولهذا يمكن أن تكون هذه الدراسة كمساهمة متواضعة لمعرفة هذا الجانب .
• اهتمام مصممي الأحياء السكنية الجماعية بالجانب المادي وإهمال هم للجوانـب الثقافية والاجتماعية للسكان، عكس ما هو موجود في الأحياء السكنية العتيقة. وتهدف دراستنا هذه إلى التحقق مما يلي :
• الكشف عن طبيعة علاقات الجيرة في الأحياء السـكنية الجماعيـة والأحيـاء السكنية العتيقة.
• الكشف عن العوامل المساهمة في تقوية أو إضعاف علاقات الجيرة بين السكان في كل من الأحياء السكنية الجماعية والعتيقة.
• معرفة مدى مساهمة الخلفية الثقافية والاجتماعية للسكان في تقوية أو إضـعاف علاقات الجيرة بينهم في كل من الأحياء السكنية الجماعية والأحيـاء السـكنية العتيقة.
• معرفة مدى مساهمة المستوى السوسيو اقتصادي للسكان في تقوية أو إضعاف علاقات الجيرة بينهم في كل من الأحياء السكنية الجماعية والأحيـاء السـكنية العتيقة.
• الكشف عن مساهمة التصميم المعماري والعمراني للأحياء السكنية في تقويـة أو إضعاف علاقات الجيرة بين السكان في كل من الأحياء السكنية الجماعيـة والأحياء السكنية العتيقة.
ونحاول في بحثنا هذا التعرف على العوامل المساهمة في إضـعاف أو تقويـة علاقات الجيرة بين السكان في الأحياء السكنية العتيقة والأحيـاء السـكنية الجماعيـة بمدينة بوسعادة الكائنة بولاية المسيلة
ومن أجل ذلك احتوى هذا البحث على مايلي:
الفصل التمهيدي وشمل: الإشكالية، الفرضيات، تحديـد المفـاهيم، الأصـول النظرية للبحث، الدراسات السابقة، منهجية البحث، المنهج المتبع في الدراسة والتقنيات المستعملة، العينة وكيفية اختيارها.
وأما الفصل الأول فقد تضمن المدينة وفيه تناولنا: مفهوم المدينـة ، المـداخل النظرية لدراسة المدينة، نشأة المدن وتطورها، عوامل تطـور المـدن فـي العصـر الحديث، خصائص مجتمع المدينة والمدينة في الجزائر
واحتوى الفصل الثاني على الجماعات الاجتماعية والعمليات الاجتماعية وفيـه تطرقنا إلى: مفهوم الجماعة، بنية الجماعة، الجماعات الاجتماعية، نماذج وصـورعن الجماعات الاجتماعية، مفهوم العملية الاجتماعية، أنواع العمليات الاجتماعية
أما الفصل الثالث فقد تضمن العلاقات الاجتماعية وعلاقات الجيرة وفيه تناولنا: مفهوم العلاقة الاجتماعية، العلاقات الاجتماعية من منظور علـم الاجتمـاع، أنمـاط العلاقات الاجتماعية، مفهوم الجيرة، المفهوم السوسيولوجي للجيرة، الجوار عند لويس ويرث، الجيرة في الإسلام، العلاقات الاجتماعية وعلاقـات الجيـرة فـي ا لمجتمـع الجزائري
وشمل الفصل الرابع خصائص الأحياء السـكنية العتيقـة والأحيـاء السـكنية الجماعية، وتطرقنا فيه إلى: الأحياء السكنية العتيقة، الأحيـاء السـكنية الجماعيـة، خصائص التشكيل الحضري للأحياء السكنية الجماعية
والفصل الخامس تضمن المجال العام للدراسة والتعريف بميدان الدراسة وفيـه تناولنا: تقديم المدينة، مراحل التوسع العمراني لمدينة بوسـعادة، الدراسـة السـكانية لمدينة بوسعادة، خصائص مجتمع مدينة بوسعادة، التعريف بميدان الدراسـة، لمحـة تاريخية عن ميدان الدراسة، لمحة جغرافية عن ميدان الدراسة، لمحة ديموغرافية عن ميدان الدراسة، أهمية ميدان الدراسة ومدى ملاءمته للبحث والمجال الزمني للدراسة .
أما الفصل السادس فتناولنا فيه: تحليل وتفسـير البيانـات، عـرض النتـائج واستخلاصها ثم التوصيات والاقتراحات اعتمادا على النتائج المتوصـل إليهـا فـي البحث .
خاتمــــة
إن فهم طبيعة علاقات الجيرة بين السكان في كل من الأحياء السـكنية الجماعيـة والأحياء السكنية العتيقة، يقودن ا إلى تدارك الأخطاء التي تحدث من جراء إنجـاز وتطبيق الخطط الشاملة للبلاد من إسكان وتعميـر دون تفكيـر فـي خصوصـية المجتمع الجزائري . فالأحياء السكنية العتيقة جاءت كنتاج عمراني ومعماري لنمط أصيل يعبِـر عـن إبداع وعبقرية المجتمع المنتج له، في التعامل مع البيئة وتكييفها لصالحه، بـالرغم من قلة التقنيات المتوفرة.
فقد تميز هذا النتاج الذي يجسد حضارة برمتها باستيعابه لجل الأبعاد الإنسانية، حيث جاء التنظيم المجالي تجسيداً لذلك التنظيم الاجتمـاعي وفق علاقة متبادلة بين السلوك البشري والبيئة الطبيعية التي تحويه .
عكـس هـذا الطرح جاءت البيئة العمرانية الحديثة التي تجسدها الأحياء السكنية الجماعية والتي أعطت صورة جديدة للمجال الحضري وفقاً لظروف طبعت زمن وجودها،خاصـةً ما يتعلق بالنمو الديمغرافي الكبير الذي جرنا للبحث عن حلول استعجاليه في ظـل تفاقم أزمة السكن، فقد تم اللجوء إلى تصاميم دخيلة أُقحمت قسراً مما يتنافى وأبسط الخصوصيات المحلية، فانتشرت على إثرها الأحياء السكنية الجماعية في أطراف النسج العمرانية لجل مدننا ، وكنتيجة حتمية فقد أصبح المجال الحضـري عمومـاً والسكني على وجه الخصوص مسرحاً لمواجهات رمزيـة بـين هـذه التصـاميم المفروضة والمستعمل ، تجلت من خلال التحويرات التي تتـراوح بـين المجـال الداخلي والخارجي للمسكن كدليل على رفض الأخيرة وعدم تكيفهـا ومتطلبـات سكانها،مما أدى إلى تدهور وتدني صورة المجال الحضري .
إن اختيار حي (110) مسكن جماعي وحارة "أولاد عتيڤ" بحي القصـر بمدي نـة بوسعادة كميدان لمعرفة طبيعة تلك العلاقات كان لإبراز انعكاس هـذه التصـاميم على القيم الاجتماعية لسكانها (علاقات الجيرة). لقـد كـان للتصـميم العمرانـي والمعماري لهذه الأحياء تأثير كبير وعميق بتغيير العلاقات بين الناس، خاصةً في الأحياء السكنية الجماعية، حيث كان هذا التغيير في العلاقات نابع من التغيير الذي يحدث في الأسرة الجزائرية على قيمها وتقاليدها وحتى سلوكياتها، والذي أثر على c D 233 معيشتها في هذا النمط الجديد من الأحياء، الشيء الذي أكسبها تحضرا في حياتهـا وأبعدها عن عاداتها وريفيتها. لقد سكنت الأسرة الجزائرية العمارة فأثر ذلك بشكل كبير على علاقاتها مع جيرانها، فبعد أن كانت علاقاتها حميمية يغمرهـا الحـب والتعاون والمشاركة الاجتماعية، تغيرت وأصبحت سطحية تغمرها الأنانية وحـب الذات والفردية والاستقلالية .
إن تحقيق علاقات جيرة جيدة يتطلب ضرورة ملائمة المشاريع السكنية لـذهنيات وتصورات السكان حتى يكون هناك ارتباط وثيق مع أنماط معيشتهم ومسـتوياتهم الاجتماعية والثقافية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق