تحليل نمط التوزيع المكاني لمدارس البنات الثانوية
في أحياء مدينة بريدة : دراسة في جغرافية الخدمات
أ صفية بنت حمد الصقري
محاضرة في جغرافية الخدمات
د محمد بن إبراهيم الدغيري
أستاذ الجغرافيا الاقتصادية المساعد – جامعة القصيم
الملخص :
أدت معدلات الزيادة السكانية الكبيرة التي تشهدها مدينة بريدة بشكل خاص، والتوسع العمراني المصاحب لهذه الزيادة إلى ضغط كبير على الخدمات التعليمية وبذلك لا تستطيع هذه الخدمات الوفاء باحتياجات السكان المتزايدة، وذلك نتيجة غياب التخطيط المسبق لاحتواء أي زيادة محتملة في عدد السكان، وهذا يحتم تدخل المخططين وصانعي القرار ومسئولي التنمية لاتخاذ التدابير الكفيلة بتحقيق كل ما يتطلع إليه المواطن من خدمات تتميز بعدالة التوزيع واختيار الموقع المناسب لتقديم الخدمات بكفاءة عالية.
ومن هنا جاء ت أهمية هذه الدراسة التي تهدف إلى دراسة الخصائص المكانية لمدارس البنات الثانوية الحكومية بمدينة بريدة كأهم مراكز الخدمات التعليمية التي تهم ولي الأمر والطالبة في مختلف المراحل الدراسية للتعرف على الوضع القائم من حيث أنماط التوزيع المكاني للمدارس الثانو ية في الأحياء وكذلك التباعد بين مواقع المدارس الثانوية في الأحياء وأخيرا الكثافة المدرسية .
Analyzing patterns of spatial distribution
for girls' high schools in
districts of Burydah city
Safia Hamad Al-Sagri Lecturer of Services Geography
Dr. Mohammad Ibrahim Aldagheiri Assistant Professor of Economic Geography-Qassim University
The increase of population growth rate witnessed in Buraidah city in particular and the accompanying urban development have generated a great need for educational services offered to society. These services, however, have not responded to the increasing demands of the population due to the lack of early planning and preparation. There is an urgent need for planners, decision makers, and concerned development authorities to take the necessary measures that ensure even distribution of educational services. This paper aims at studying the spatial characteristics of public high schools for girls in Buraidah city in terms of the available spatial distribution models used district wise , the distance between these high schools, and the number of schools in each district.
مقدمة :
يعد التعليم أحد الركائز الرئيسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن عوامل استدامتها ،و إذا كان تحقيق رفاهية الإنسان في مجتمع متطور هو غاية التنمية فإن ذلك لا يمكن تحقيقه في غياب الإنسان المتعلم والمواطن المنتج وبالتالي فأن توفير الخدمات التعليمية وتمكين المواطنين من الالتحاق بالمؤسسات التعليمية والاستفادة منها بشكل كامل ومستمر يمثل احد اللبنات الأساسية على طريق التنمية البشرية وتوسيع الخيارات والمهارات في بناء المواطن المنتج . أن أولوية جعل التعليم متاحا لجميع مواطني المملكة العربية السعودية تعكسه بوضوح حصة نفقات التعليم من الناتج المحلي الإجمالي التي ارتفعت إلى أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقود الثلاثة الماضية من (٣.٥%) في عام ١٣٩٠هـ إلى (٩.٥%) في عام ١٤٢٢ (هـ وزار ة الاقتصاد والتخطيط ،١٤٢٥هـ) .
وشهدت المملكة تطور ايجابيا في مجال التعليم على الرغم من البداية المتأخرة نسبيا في تعليم البنات مقارنة بالبنين حيث توضح الأهداف التنموية للألفية ١٤٣٣هـ ارتفاع معدلات القيد لمرحلتي التعليم المتوسط والثانوي للبنين مابين عام ١٤٢٢-١٤٢٩هـ من (٥١-٥٦.٥%) وللبنات من(٦٠.٥- ٦٥,٨%)(وزارة التربية والتعليم،١٤٣١هـ) وتشير هذه النسب إلى النتائج الايجابية لسياسات المملكة في مجال تحقيق المساواة بين البنين والبنات في النظام التعليمي.
أدت الزيادة السكانية الكبيرة التي تشهدها مدينة بريدة بشكل خاص، والتوسع العمراني المصاحب إلى ضغط كبير على الخدمات وبذلك لا تستطيع هذه الخدمات الوفاء باحتياجات السكان المتزايدة، وذلك نتيجة غياب التخطيط المسبق لاحتواء أي زيادة محتملة في عدد السكان، وهذا يحتم تدخل المخططين وصانعي القرار ومسئولي التنمية لاتخاذ التدابير الكفيلة بتحقيق كل ما يتطلع إليه المواطن من خدمات تتميز بعدالة التوزيع واختيار الموقع المناسب لتقديم الخدمات بكفاءة عالية . ومن هنا جاءت أهمية الدراسة التي تعنى بدراسة الخصائص المكانية لمدارس البنات الثانوية الحكومية بمدينة بريدة دراسة في جغرافية الخدمات كأهم مراكز الخدمات التعليمية التي تهم ولي الأمر والطالبة في مختلف المراحل الدراسية للتعرف على الوضع القائم، من حيث التوزيع والموقع .
أهمية الدراسة :
يعتبر موضوع "تحليل أنماط التوزيع المكاني لمدارس البنات الثانوية في مدينة بريدة " أحد موضوعات الجغرافية البشرية وتحديدا ضمن دراسة جغرافية الخدمات حيث إن الخدمة التعليمية من حيث توزيع المدارس والاستخدام الأرضي التعليمي وعلاقة ذلك بنمو السكان وتوزيعهم والتنمية البشرية لأجل الوصول إلى رؤية جغرافية تساهم في برامج التخطيط والتنمية الحضرية.
وتأتي أهمية دراسة هذا الموضوع في جوانب عدة منها :
أولاً: ضرورة تبيين مدى توافق التوزيع الجغرافي للمدارس الثانوية للبنات مع النمو المطرد للنطاق العمراني بمدينة بريدة .
ثانياً :النمو السكاني المتزايد والتطور العمراني التي تشهده مدينة بريدة يتطلب دراسة جدية للخدمات التعليمية لما تحتل ه من الأهمية في الخدمات العامة التي يجب أن يحصل عليها السكان بطريقة مناسبة وسهلة .
ثالثاً : عدم وجود أية دراسة جغرافية متخصصة تتناول الخدمات التعليمية في مدينة بريدة.
رابعاً: تعد هذه الدراسة محاولة للإسهام الجغرافي في تقديم بعض المقترحات للجهات المختصة بهذا القطاع الحيوي إيمانا بالدور الذي تقوم به الجغرافيا في عملية التنمية ولأجل وضع نتائج هذه الدراسة أمام فريق المخططين كاشفة عن ايجابيات وسلبيات نمط الانتشار المكاني الحالي ٕ لقاء الضوء على مستقبل التوزيع المكاني للمدارس لهذه الخدمة في مدينة بريدة والقاء الضوء على مستقبل التوزيع المكاني للمدارس.
أهداف البحث :
يهدف هذا البحث إلى دراسة أنماط التوزيع المكاني لمدارس البنات الثانوية في مدينة بريدة كأحد الدراسات الخدمية المهمة في المنطقة دراسة جغرافية والخروج بعدد من النتائج والتوصيات في هذا المجال، وهذا من خلال تحقيق الأهداف التالية :
١- تحليل أنماط التوزيع المكاني لمدارس البنات الثانوية في أحياء مدينة بريدة .
٢- دراسة التباعد بين مواقع مدارس البنات الثانوية في أحياء مدينة بريدة .
٣- التعرف على التوزيع المكاني والحجمي لمواقع المدارس الثانوية للبنات في مدينة بريدة حسب الأحياء.
منهجية البحث :
منهج البحث يعرف بأنه الإطار الذي تعالج فيه الظاهرة الجغرافية في طبيعتها وذاتها وتوزيعها، والعلاقات المتأثرة بها والمؤثرة فيها، وما قد يظهر من ترابط نحو تلك العلاقات وهناك شبه إجماع لدى غالبية الجغرافيين على أن منهج البحث يحدد في ضوء ثلاث نقاط هي :
١- موطن الظاهرة وتوزيعها .
٢- خصائص الظاهرة الجغرافية .
٣- ارتباط الظاهرة بغيرها من الظواهر (الفرا، ١٤٠٤هـ) .
وتتناول هذه الدراسة مواقع مدارس النات الثانوية في مدينة بريدة وهي مكان له خصائصه التي تميزه عن الأماكن الأخرى ، كما أن المدارس تعد ظاهرة جغرافية لها خصائصها وتوزيعها وتنوعها وارتباطها بغيرها من الظواهر .
وسوف ترتكز هذه الدراسة في منهجيتها بشكل رئيس على المنهج التحليلي المكاني وهو المنهج المناسب لتنفيذ هذا البحث، وذلك لأنه يصور انتشار الخدمة في الأماكن المختلفة ومدى كفايتها ( مصيلحي،١٤٢٨ ) هـ كما أنه يبرز الاختلافات المكانية لتوزيع الخدمات التعليمية للمرحلة الثانوية ويتطلب تطبيق هذا المنهج عمل خرائط توزيعية لمواقع المدارس الثانوية داخل الأحياء وذلك لمحاولة تفسير التنظيم المكاني لهذه الخدمة والوصول إلى اقتراح أمثل يحقق الفائدة المرجوة من توزيع تلك المدارس ثم التحليل الكارتوجرافي للخرائط والأشكال البيانية للوصول إلى النتيجة العلمية.
كما يمكن تطبيق المنهج الوصفي الكمي لتوضيح الأسباب المباشرة لنشأة ونمو الخدمات التعليمية للمرحلة الثانوية في مدينة بريدة ومحاولة البحث عن الأسباب غير المباشرة، أي عن طريق مساهمة هذا المنهج في معرفة الأسباب غير المباشرة المؤثرة في نمو وانتشار الخدمات التعليمية للمرحلة الثانوية، كذلك إتباع المنهج الاستقرائي ودعمه بالمنهج الاستنتاجي القائم على دراسة المتغيرات وعلاقتها في صورة ونمط التوزيع لمواقع المدارس الثانوية بنات في منطقة الدراسة.
اعتمد الباحثان في جمع بيانات الدراسة على مصادر أصيلة من خلال المقابلات الشخصية مع المسؤو لين وأصحاب القرار في الإدارة العامة للتربية والتعليم في مدينة بريدة وكذلك مديرات المدارس بالإضافة إلى المعلمات والطالبات . كما أن هذه الدراسة اعتمدت على نتائج وملاحظات الزيارة الميدانية وتسجيل الملاحظات على الظاهرة قيد الدراسة بطريقة مباشرة والتي قام بها الباحثان بعد الانتهاء من الإطار النظري للدراسة، حيث يعتبر هذا الأسلوب مهم في الحصول على البيانات والمعلومات التي لم يستطع الباحثان الحصول عليها من مصادرها المكتبية .
كما استقت الدراسة معظم بياناتها النظرية من مراجع أولية، تمثلت في النشرات المطبوعة والتقارير الإحصائية المنشورة وغير المنشورة، أُعدت من قبل عدة جهات أهمها : أمانة منطقة القصيم ، وزارة الشؤون البلدية والقروية، إدارة التربية والتعليم .
النتائج والتوصيات :
- يتوزع السكان في مدينة بريدة على مساحة تبلغ ( ٤٩٢.٥كم٢) ويبلغ عدد الأحياء فيها(٧٠) حياً، في حين تركزت المدارس الثانوية للبنات في مدينة بريدة في ثلاثين حياً سكنياً بينما خلت منها أربعين حياً علماً بأن مساحة الأحياء التي لا توجد فيها مدارس ثانوية بلغت ٣٠٩.٧٥كم٢ بنسبة ٦٢% من المساحة الكلية،وبلغ عدد سكانها ٩٩٩١٣نسمة.
- من خلال تطبيق مقياس صلة الجوار للكشف عن نمط توزيع مواقع مدارس البنات الثانوية في المنطقة ، وذلك لبيان مدي قربه من نمط التوزيع العشوائي أو ىمد بعده عنه ، تبين سيادة النمط العشوائي للمدارس حيث بلغت قيمة متوسط المسافة الفعلية بين المدارس حوالي ( ١١٩٠م ) وهي أعلى من قيمة متوسط المسافة المتوقعة البالغة حوالي ( ١٠٦٤ ) مما ترتب عليه تسجيل الجار الأقرب لقيمة بلغت ( ١.١١) ويدل هذا النمط على تشتت المدارس في النطاق العمراني ذي الكثافة السكانية التي تتراوح مابين متوسطة وعالية الكثافة ،وأيضا على انعدام وجود مدارس في الكثير من الأحياء ، ومن المعايير التي تعتمد لاختبار معاملات صلة الجوار هو اختبار فرضية التوزيع الطبيعي أو ما يسمى z-score إذ بلغت قيمة z ( ١.٥ ) وإن هذه القيمة تؤكد أن نمط التوزيع غير طبيعي .
- من خلال استخدام تقنية الانحراف المعياري البيضاوي لمعرفة اتجاه التوزيع الجغرافي لمواقع المدارس الثانوية في مدينة بريدة، تبين أن اتجاه نمط التوزيع الجغرافي في مدينة بريدة تأخذ شكلا بيضاويا ، بسبب النمو والزحف العمراني و أن الشكل البيضاوي ضم ٤٠ حيا من أصل ٧٠ حيا . والملاحظ أن هذه الأحياء وجد بها ٣٠ مدرسة من أصل ٤٤ ؛ أي بنسبة ٦٨% ، مما يشير إلى أن المدارس متركزة في أحياء معينة في المدينة وهذه الأحياء تعد أحياء رئيسة بالنسبة للطالبات ، حيث تتميز هذه الأحياء بالكثافة السكانية العالية ،واحتوائها على المجمعات السكنية والتجارية .
- تبين أن الموقع المركزي لتوزيع المدارس يقع في حي الصفراء وهو أحد أحياء الوسط التجاري للمدينة وقد تركزت هذه المدارس وسط المدينة وقلبها التجاري ويتماشى هذا مع الامتداد العمراني للمدينة ، حيث أن ٦٨% من المدارس تمركزت في دائرة بلغت مساحتها ٩٣كم ، أي بمقدار ٤٠ حيا من أحياء مدينة بريدة ، أي ما نسبة ٥٧% من أصل ٧٠ حيا .
- نلاحظ أن متوسط التباعد العام بين المدارس الثانوية على مستوى بريدة يبلغ ( ٢.٢كم ) و أن متوسط التباعد ينحرف عن هذا المتوسط في معظم أحياء بريدة وهذا يدل على حاجة معظم الأحياء لإضافة عدد من المدارس لتغطية حاجتها وخاصة أن الطالبات لا يجب أن يقطعوا مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة ،ويرجع ذلك إلى أن أغلبية الأحياء واسعة المساحة وذات كثافة سكانية مرتفعة وقابلة للامتداد العمراني .
- بينت الدراسة أن هناك حياً واحدا تزيد فيها الكثافة المدرسية عن مدرستين لكل كيلو مترمربع وهو حي (الهلال ) وأن هناك أربعة أحياء تزيد فيها الكثافة المدرسية عن مدرسة واحدة لكل كيلو متر مربع وهي (الخبيب - السادة - الموطأ - الصالحية) في حين أن ٢٥ حياً تقل فيه الكثافة المدرسية عن مدرسة واحدة لكل كيلو متر مربع في حين ٤٠ حياً لا يوجد فيها مدارس ، وبذلك نجد عدم توافق بين هذه الكثافات مع الكثافة السكانية في بعض الأحياء .
- بينت الدراسة حساب معدل عدد المدارس لكل ١٠ آلاف نسمة فوجدت مجموعة من الأحياء تبلغ نسبتها ١١.٤٢% تقل فيها أعداد المدارس عن المعدل العام المحدد بمدرسة لكل ١٠ آلاف نسمة وقد تبين من الدراسة أن ١٠ % من الأحياء في مدينة بريدة تتفق بها أعداد المدارس مع المعدل السابق ، ،كما أننا نجد نسبة كبيرة من الأحياء في المدينة تصل إلى ٢١.٤٢% يزيد بها معدل المدارس عن المعدل المحدد بمدرسة لكل ١٠ آلاف نسمة .
- بينت الدراسة أن الكثافة السكانية تختلف بين أحياء المدينة ، حيث ترتفع الكثافة السكانية في بعض الأحياء لتصل إلى ١٩١ نسمة/٢كم كما في حي الخبيب ، في حين تنخفض الكثافة السكانية في بعض الأحياء لتصل إلى صفر نسمة/٢كم كما في حي الفاروق .
في ضوء نتائج هذه الدراسة يوصي الباحثان بالآتي :
- توصي الدراسة ببناء قاعدة بيانات شاملة عن المدارس ليمكن في ضوء ذلك وضع الخطط التنموية المناسبة لتطوير هذه الخدمات وتنميتها، كما لابد من بيان أهمية استخدام تقنية نظم المعلومات الجغر افية في دراسة وتحليل التوزيع الجغرافي للظواهر الجغرافية بشكل عام، ومرافق الخدمات على وجه الخصوص ويقع هذا العبء على الجهات المشرفة و المسؤلة عن المدارس .
- العمل على دراسة اتجاهات التطور العمراني ومعدلات النمو السكانية من أجل اختيار أفضل لأماكن المدارس الجديدة.
- تقترح الدراسة عبر إدارة المشاريع في الإدارة العامة للتعليم في مدينة بريدة أن تأخذ في الحسبان اختيار مواضع جديدة لمدارس البنات الثانوية في الأحياء التي لا توجد فيها مدارس وخاصة في الأحياء الحديثة الناشئة حتى يتسنى الاستفادة منها بأطول مدة زمنية ٕ ممكنة وفق معايير المسافة وإمكانية الوصول فضلاً عن الكثافة السكانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق