الدستور وتشكيل الأقاليم في العراق
المفهوم..ومقترحات في التطبيق
أ.د. كـامل الكـنانــي
جامعة بغداد
المقدمة
أكد الدستور العراقي في الديباجة على وحدة العراق أرضاً وشعباً " نحن شعب العراق آلى على نفسه بكل مكوناته وأطيافه أن يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه ". إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادة، وهو بذلك يهدف الى تأكيد الوحدة الوطنية ويحارب التمييز بجميع أنواعه وأشكاله، في إقرار شكل النظام الدستوري الذي سيكون عليه العراق، كما جاء في المادة (1) منه بأن : " جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ( برلماني ) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق".
وتقترن وحدة العراق هذه بتساوي العراقيين في الحقوق والواجبات دون تمييز كما جاء في المادة (14) : " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز ... ". مع التأكيد على تكافؤ الفرص لجميع العراقيين: المادة (16)، وبما يضمن العدالة في الفرص الممنوحة لجميع العراقيين في المساهمة في التنمية واستغلال الامكاناتالمتاحة في كافة مناطق القطر دون استثناء، وبما يعزز توزيع ثمار هذه التنمية على جميع العراقيين بشكل متوازن وعادل في جميع المحافظات في نظام اتحادي يقوم على النظام الإداري اللامركزي .إذ جاء في المادة ( 116 ) من الدستور أن النظام الاتحادي في العراق يتكون من:
1. عاصمة
2. أقاليم
3. محافظات لا مركزية
4. إدارات محلية
وإذا كانت الإدارات المحلية هيئات تنظيمية تهدف الى ضمان حقوق القوميات المادة (125)، فان المكونات الثلاث الأولى هي التي تشكل الهيكل التنظيميللدولة العراقية. هذا الهيكل هو مثار الجدل والنقاش بين العراقيين حول الآليات الممكن اعتمادها في تنفيذ هذه الهيكلية وبما يضمن وحدة العراق التي كفلها هذا الدستور، وما هذه الدراسة إلا محاولة في هذا الاتجاه. وبدءاً لا بد من إعطاء تصور معرفي حول مفهوم الإقليم والأساليب المعتمدة في تحديده وصولاً إلى طرح البدائل الممكنة لتشكيل الأقاليم في العراق بعد استعراض لأهم المحاولات السابقة.
· ماهية الإقليم ... المفهوم وأساليب تحديده
مفهوم الإقليم:
الإقليم تعبير غير متفق على تحديد مفهومه، فهناك بعض الاختلافات في تحديد ماهيته ومضامينه، ويعود السبب في ذلك الى:
1. اختلاف التراكيب الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية للأقاليم.
2. حداثة هذا العلم وطبيعته ذات التخصصات المتعددة، فقد ساهم في تطويره عدد كبير من العلوم كالاقتصاد والجغرافية والاجتماع والهندسة المعمارية.
إن تنوع مفاهيم الإقليم إنما يرتبط بتنوع وتعدد مشاكل أو إمكانيات كل إقليم والتي تميزه عن بقية الأقاليم. إذ أن أحدى حقائق عملية التنمية هي انه لا توجد هناك إمكانيات أو مشاكل متشابهة تماماً بين المناطق المختلفة للبلد الواحد. هذه الخصوصيات تفرز لنا تعاريف متعددة للإقليم، فهو قد يكون:
" مساحة من الأرض تتوفر فيها صفات معينة تجعل من السهولة تحديدها وتميزها عن المناطق الأخرى، وهذه الصفات يمكن أن تكون عمرانية، اقتصادية أو اجتماعية"(1).
وهناك من يستند في تحديد مفهوم الإقليم على الأساسيات المعتمدة في تشكيل هذه الأقاليم والتي يمكن ادراجها في ثلاثة آراء رئيسية(2):
الاول : تحدد الإقليم ضمن المفهوم الشكلي أو الاصطلاحي (Formal Region) من خلال التأكيد على التشابه في الصفات، فهو عبارة عن مساحة من الأرض متشابهة في بعض الصفات المختارة لأغراض التحديد أو التعريف. لذلك يطلق عليه الإقليم المتجانس (Homogenous Region ). فقد يكون هذا التشابه مناخياً بين أجزاء الإقليم في مظاهرها الداخلية، وبما يميزها عن الأقاليم الأخرى. وقد يكون إقليماً نباتياً أو تضاريسياً تتشابه أجزاؤه في هذا المظهر الطبيعي وتميزه في ذات الوقت عن غيره من الاقاليم ضمن هذه العناصر الطبيعية الأساسية والتي أهمها: الموقع، التضاريس، المناخ، النباتات،... الخ، كما هو الحال في الاقليم الجبلي أو الاقليم الصحراوي، مثلاً.
ولا شك أن اثر هذه العوامل مجتمعة سوف ينعكس على سكان الاقليم اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً. وهذا يعني أن مفهوم التجانس قد تطور من المفهوم الجغرافي الى المفهوم الاقتصادي – الاجتماعي.
الثاني : يقوم على أن الأقاليم تمتاز بوجود تباين بين أجزاء الاقليم في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية من خلال وجود قطب للنمو يمثل مركز جذب للإقليم. هذا التباين يخلق علاقات وظيفية وتماسك بين أجزاء ذلك الاقليم، وهو ما يطلق على تسميته بـ "الاقليم الوظيفي" (Functional Region) ويسمى أحياناً بـ "إقليم الاستقطاب".
إن أجزاء هذا الاقليم هي مجموعة من الوحدات (الإدارية) من المدن والقرى والقصبات ترتبط فيما بينها بعلاقات وظيفية: اقتصادية واجتماعية عديدة تتمثل بتبادل وتجهيز عوامل الإنتاج ومدخلات ومخرجات عدد كبير من السلع والخدمات. فمثلاً، عندما يتم تصنيع الحمضيات، التعليب، في بعقوبة لمزارع ديالى والتي يتم تسويقها الى بغداد،؛ أو أن زراعة القطن تتركز في الصويرة والعزيزية ومصانع النسيج في بغداد؛ أو أن إنتاج النفط في ميسان والبصرة ومصانع تكرير النفط في الزبير، كل ذلك علاقات وظيفية تؤهل أطراف العلاقة لأن تشكل إقليما وظيفياً فيما بينها.
الثالث : يرى أن الاقليم هو عبارة عن " وحدة جغرافية محددة المعالم، ضمن الهيكل الإداري للدولة تتلاءم وأهداف التحليل الاقتصادي وتنسجم مع أهداف التخطيط وأساليبه. فالإقاليم هي تلك المناطق التي تعتبرها حكومات الدول وحدات تخطيطية، تتغير خصائصها وحدودها مع تقادم الزمن ودينامية التنمية وأهدافها ووسائلها"(3). وهذا يعني أن الاقليم هنا عبارة عن المنطقة التي تطبق عليها القرارات السياسية والاقتصادية التي تلعب دور الموحد للإقليم؛ وتسمى أقاليم إدارية أو تخطيطية.
وهكذا تتعدد مفاهيم الاقليم بتعدد الأسس التي تبنى عليها تلك المفاهيم. وهذه الأسس لها علاقة قوية بتحديد المشكلة أو الامكانات التنموية المتاحة في المنطقة لأغراض وضع خطة إقليمية تنموية لها.
أساليب تحديد الأقاليم
أن الأساليب المتبعة في تشكيل الأقاليم إنما تعتمد على الخلفية المعتمدة في تحديد مفهوم الاقليم، كما مر ذكره آنفا، وخاصة عند اعتماد المفهوم الوظيفي أو التخطيطي للإقليم. هذه الأساليب متنوعة وتحتاج الى بيانات ومعلومات إحصائية تتعلق بطبيعة النشاطات الاقتصادية أو الفعاليات المعتمدة في حالة عملية استحداث الأقاليم.
ان التحديد الوظيفي لا يعتمد الحدود الإدارية كأساس في تشكيل الأقاليم، إذ ربما تتداخل مناطق هذه المحافظة مع تلك أو قد يشمل الاقليم مناطق لا تغطي المحافظة ككل وهكذا. في حين يعتمد المعيار الإداري على الحدود الإدارية للمحافظات مع أجراء بعض التغييرات في هذه المحافظة أو تلك وبما يضمن تحقيق التنمية المتوازنة اعتماداً على صفة التجانس للفعاليات الاقتصادية والاجتماعية بين مناطق القطر المختلفة.
وعلى أية حال فمهما تعددت الآراء فإنها جميعاً تتفق على أن الاقليم هو:
جزء معين من سطح الأرض، بغض النظر عن الحجم والمساحة، لان ذلك يعتمد على المعايير المعتمدة في تشكيل الاقليم. ولكن مع ذلك فان الاقليم يضم عدة مراكز حضرية مع ظهيرها الريفي، شريطة أن تكون تلك المناطق ذات علاقات وظيفية متبادلة.
لا يشترط فيه الشكل سواء أكان دائريا أم مستطيلا أم مربعا، منتظما أو غير منتظم، ولكن يشترط فيه التناسق والتشابه في المقومات والصفات والمشاكل بما يجعله متميزاً عن غيره من الأقاليم، وبما يضمن تحديد اتجاهات وطبيعة تطوره الاقتصادي والاجتماعي والعمراني بشكل يؤمن الاستغلال الافضل لامكاناتهالتنموية ومعالجة المشاكل القائمة والمتوقعة فيه.
محاولات سابقة لتشكيل الأقاليم في العراق
جرت عدة محاولات لتشكيل أقاليم في القطر منذ مطلع السبعينات، من قبل الدوائر المختصة (دائرة التخطيط الإقليمي/ وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، ودائرة التخطيط العمراني/وزارة البلديات والأشغال العامة) سواء عن طريق الاستعانة بخبراء من الأمم المتحدة أو محاولات بعض المخططين العراقيين. أهمها محاولات روبنسون ( Robinson - 1972 ) وزارمبا (Zaremba - 1974 ) وكذلك مخطط الإسكان العام في العراق لعام 1974 والباحث العراقي الدكتور نعمان ألجليلي (1975). والخرائط المرفقة طياً توضح هذه المحاولات.
خارطة رقم (1)
محاولة Robinson لعام 1972
خارطة رقم(2)
محاولة Zaremba لعام 1974
خارطة رقم(3)
محاولة مخطط الاسكان العام لعام 1974
محاولة نعمان ألجليلي المقترح الأول
محاولة نعمان ألجليلي المقترح الثاني
محاولة نعمان ألجليلي المقترح الثالث
خارطة رقم (4) محاولات نعمان ألجليلي لعام 19975
تقييم المحاولات
أن جميع تلك المحاولات كانت تعتمد في الواقع على الحدود الإدارية للمحافظات كأساس لتشكيل الاقاليم في العراق، مع إبراز دور المحافظات الرئيسية الثلاث بغداد، البصرة، الموصل، كمراكز لتلك الاقاليم. وكما مر ذكره فان اعتماد المعيار الإداري قد يترتب عليه إغفال، وربما غير متعمد، لإمكانات ومحددات التنمية في كل منطقة، حيث ان الاقليم قد يشكل جزءاً من منطقة ( جزءاً من محافظة مثلاً ) أو أكثر من منطقة إدارية واحدة (أكثر من محافظة واحدة )؛ كما يشيرالى ذلك مفهوم الاقليم الوظيفي.
ومع ذلك، فان جميع هذه المحاولات ما زالت بصيغة مقترحات ولم يتم إقرارها أو العمل بموجبها رسمياً، وان ما معمول به الآن لأغراض التنمية الإقليمية هو حدود الوحدات الإدارية للمحافظات، كما تشير الى ذلك خطط التنمية في القطر. ان هذه المحاولات تبقى تمثل الخطوات الأولى في هذا الميدان الشائك والمعقد، وان أية محاولة لتشكيل أقاليم في العراق ينبغي ان تراعي الأمور الآتية:
1. صفة التجانس الطبيعي والاقتصادي والاجتماعي بين المناطق المختلفة، وهذا يتطلب دراسة تفصيلية عن خصائص السطح والظروف المناخية والتكوين الجيولوجي وتماثل النشاطات والفعاليات الاقتصادية.
2. تهيئة البيانات التفصيلية التي تمكن المخططين من وضع آليات في تشكيل الأقاليم، باعتبارها من الأساليب الناجعة في تحقيق التوازن في توزيع الاستثمارات لخطط التنمية واستغلال الموارد المتاحة في المناطق المختلفة للقطر، اعتماداً على الحدود الإدارية للمحافظات قدر الإمكان.
· الدستور وآليات تشكيل الأقاليم
جاء في الدستور العراقي 2005 ، المادة (116): إعادة تشكيل النظام الإداري في العراق كأقاليم ومحافظات لا مركزية، مع وضع آليات في تحديد هذه الأقاليم اعتماداً على المشاركة المجتمعية كما جاء في المادة (119) منه، وكما يلي:
"طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم".
"طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم".
أما المحافظات التي لا ترغب في تكوين إقليم أو الانضمام الى إقليم فقد منحها الدستور صلاحيات إدارية ومالية واسعة تمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية. وان مجلس المحافظة لا يخضع لسيطرة أو أشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله مالية مستقلة ( المادة 122). وبذلك فان هذه المحافظة يفترض ان تتمتع بصلاحيات مقاربة لصلاحيات الأقاليم على ان ينظم ذلك بقانون.
وقبل الدخول في تقديم مقترحات لتشكيل اقاليم في العراق، فان السؤال الذي يمكن ان يثار هنا، لماذا هذا التوجه في إيجاد أقاليم وظيفية أو تخطيطية للعراق بموجب الدستور. للاجابة على ذلك نجد ان من الضروري التطرق الى المبررات التي نراها ضرورية، على الأقل من وجهة النظر الاقتصادية-التخطيطية، في اعتماد هذه الهيكلية، والتي يمكن تركيزها في الفقرة الآتية.
مبررات تشكيل الأقاليم أو المحافظات اللامركزية
يعاني الاقتصاد العراقي من مشكلات التفاوت التنموي في مستويات التنمية بين المحافظات والتباين في توزيع الاستثمارات فيما بينها منذ عقود طويلة. حيث استحوذت محافظات أو مدن معينة لمعظم الاستثمارات بفعل آليات التخصيص القائمة على التخطيط المركزي بتأثير رجال السلطة أو الحكومة للمناطق التي ينتمون إليها.
وبمرور الزمن وبفعل آليات التراكم الرأسمالي اتسمت هذه المناطق بقدرتها على تحقيق المزيد من الاستقطاب للاستثمار وبما انعكس على ظهور هيكل مكاني يتميز بوجود مدن غنية ومدن وأرياف فقيرة تعاني من تخلف في البنيان الاقتصادي والاجتماعي لها، سواء من خلال خدمات البنى الارتكازية أو المشاريع الاقتصادية المتنوعة، وبالنتيجة تباين كبير وفجوة حادة في مستويات الدخول والمعيشة بين سكان هذه المناطق وسكان المراكز الحضرية الكبيرة. والأشكال المرفقة طياً تعكس حالة التفاوت الكبير في الأهمية النسبية للاستثمارات بين المحافظات المختلفة، إذ يلاحظ تركز الاستثمارات في محافظات معينة وحرمان معظم المحافظات الأخرى، وخاصة الجنوبية منها باستثناء محافظة البصرة، بفعل موقعها الجيوستراتيجي في البنية المكانية للاقتصاد العراقي.
وبذلك برزت الحاجة الى وضع استراتيجية للتعامل مع مشاكل التباين في مستويات التنمية المكانية من خلال الاهتمام بإستراتيجية تنمية المناطق والقطاعات المؤهلة للنمو ( Growth-Oriented Development Strategies ). وبموجب هذه الاستراتيجية فان عملية التنمية يجب توجيهها اجتماعياً لمصلحة الطبقات ذات الدخل الاوطأ، ومكانياً باتجاه المناطق الجغرافية ( محافظات، مدن، أرياف) والمحرومة من الاستثمارات. وبتحديد أدق، المناطق المتخلفة قياساً الى المناطق الأكثر حظوة في استقطابها للاستثمارات، وبما يضمن العدالة في توزيع هذه الاستثمارات مع تأكيد خاص على المناطق التي حرمت ولعقود طويلة من ثمار برامج التنمية. وتحقيق ذلك يتطلب وجود نظام لا مركزي يستند في تخصيص الاستثمارات على وفق سياسة تنموية قائمة على ضرورة الموازنة بين اتجاهين رئيسيين في عملية التنمية، احدهما اجتماعي وهو تحقيق العدالة الاجتماعية والآخر اقتصادي يتعلق بموضوع الكفاءة الاقتصادية والتي تتضمن الكفاءة الفنية والموقعية للاستثمارات.
هذا النظام يرتكز في جوهره على توزيع المسؤوليات والصلاحيات اللازمة للقيام بها بين الحكومة الاتحادية( المركزية ) والحكومات المحلية على وفق هيكلية إدارية كأقاليم أو/و محافظات لا مركزية تتحمل مسؤولية النهوض بمهام التنمية في مناطقها، وبما يضمن الحد من التفاوت التنموي بين هذه المناطق واستثمارالامكانات المتاحة فيها لبلوغ التنمية المستدامة في تلبية حاجات السكان حاضراً ومستقبلاً، كما جاء في المادتين (121) و(122) من الدستور، في توجيهات تنموية قائمة على فسح المجال أمام السلطات المحلية لتأخذ دورها في التنمية المحلية.
امكانات ومحددات الهيكلية المقترحة
نعتقد أن آلية تشكيل الأقاليم يفترض أن تخضع للدراسة والتحليل للخصائص الاقتصادية والاجتماعية للمحافظات، وبما يعزز إيجاد أقاليم مترابطة ومتماسكة في أدائها الاقتصادي وخصائصها الاجتماعية ليس داخل الاقليم فحسب وإنما أيضا بين الأقاليم نفسها.
والسؤال المطروح هنا، ما هي البدائل المقترحة في تشكيل الأقاليم؛ هل ستكون الأقاليم من محافظة واحدة، أي أن كل محافظة تصبح إقليماً أم سيكون تشكيل الأقاليم من أكثر من محافظة (المادة 119). ثم كيف يمكن حل إشكالية الاستفتاء الواردة في المادة أعلاه، عندما يكون هناك خلاف بين سكان المحافظة الواحدة أو عدد من المحافظات حول تشكيل الإقليم، وهل يحق مثلاً تشكيل أقاليم في محافظة أو محافظتين وبعد مرحلة زمنية معينة تقرر هذه الأقاليم الاندماج في إقليم أوسع؟ وما هي أساسيات هذا الاندماج وضوابطه؟
نعتقد أن آلية تشكيل هذه الأقاليم إنما تنبع من حقيقة المشاكل التي تعاني منها المحافظات العراقية وحالة الحرمان التي اتسمت بها لفترة طويلة من الزمن، وبما ينعكس على مدى رغبة سكانها ونظرتهم الى آلية حل مشاكلهم التنموية في ضوء الامكانات والمحددات المتوفرة في محافظتهم. فهل يرغبون في ان تكون المحافظة إقليماً ينافس الأقاليم الأخرى كما معمول به في الإمارات العربية المتحدة، إذ تتنافس إمارتاً دبي وأبو ظبي مثلا في المجالات التنموية والعمرانية والتي تنعكس بالتأكيد في آثارها الايجابية على المواطنين. أم أن رغبة المجتمع المحلي تتجه نحو تشكيل الاقليم بالتعاون مع محافظات أخرى لتحقيق التكامل فيما بينها لمعالجة مشاكلها المتناظرة وتحقيق استغلال أفضل لامكاناتها المتاحة. وفي كلا الخيارين يجب تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في تحديد هيكلية النظام الإداري للعراق وبما يضمن تفعيل أدائه التنموي لتحقيق تنمية متوازنة تقوم على العدالة الاجتماعية لفئات الشعب وفي كافة المناطق: محافظات وأقاليم.
ان حقيقة تشكيل اقليم من محافظة او اكثر او في وجود محافظات لا مركزية او في اعادة تشكيل البنية المكانية لهذه المحافظة او تلك في اكثر من اقليم انمايعتمد في جوهره ليس على اساس الفهم الكلاسيكي في التعامل مع الحدود الادارية للمحافظات كحقائق ثابتة تكمن خلفها دوافع قد لا تدعم توجه العراق نحو الفيدرالية القائمة على تحقيق وحدة العراق شعبا وارضا، وانما المهم هو في تحديد :
أـ نوع المشكلة وحجمها (الخصوصية المكانية) .
ب ـ طرق واساليب معالجتها (آليات وضع الخطة الهيكلية للنظام الاداري في العراق واهدافها )
وهي في هذا وذاك تبقى مرهونة بارادة الشعب لا ان تفرض عليه فرضاً وهو ما اشار واكد عليه الدستور.
آليات مقترحة في تحديد الأقاليم
بدءاً أشارت المادة (119) من الدستور إلى انه " يحق لكل محافظة أو أكثر، تكوين إقليم" مع تأكيد المادة (124) منه " لا يجوز للعاصمة أن تنضم لإقليم" في حين تناولت المادة (140) وضع محافظة كركوك. وبذلك فان الوصف العملي لحدود الإقليم أو الأقاليم التي يمكن أن تستحدث في العراق ينبغي أن تراعى الحدود الإدارية الحالية أو " المعدلة "(4) للمحافظات، أي أن الأقاليم التي يمكن أن تستحدث قد تكون أقاليم ضمن حدود المحافظة الواحدة مثل إقليم البصرة أو إقليم نينوى أو مجموعة محافظات مثل إقليم كردستان أو إقليم "الوسط " أو "الجنوب " وغيرها من الاحتمالات التي تتماشى مع هذا الدستور.وأياً كانت المقترحات الواردة في هذه الدراسة أو أية دراسة أخرى في هذا المجال، يفترض ان تستند على ركائز أساسية تستمد جوهرها من مواد الدستور كأرضية مشتركة في آليات تشكيل هذه الأقاليم، والتي يمكن الإشارة إليها في الجوانب الرئيسية الآتية:
1ـ الدستور هو القاعدة التي يستند عليها للاتفاق على أية مباديء، إذ يجب أن يكون العمل قائماً على القواعد المشتركة المتفق عليها مع تأجيل نقاط الخلاف إلى مرحلة لاحقة، قد تساعد الظروف حينها على تقارب وجهات النظر فيها. المهم البدء بالعمل وعدم الوقوف عند نقاط الخلاف.
2ـ العراق وحدة لا تقبل التجزئة والتقسيم، والنظام الفيدرالي المقترح ضمانة في تعزيز هذه الوحدة، ويتم اختيار آليات تطبيقه استناداً إلى رغبة السكان المحليين.
3ـ المحافظات هي الأرضية التي يرتكز عليها النظام المقترح، وبغداد العاصمة لاتدخل في أي إقليم .
4ـ الابتعاد قدر الامكان عن اعتماد التشكيلة المقترحة للأقاليم على أساس طائفي أو عرقي وبما يثير التحفظ والمخاوف من تفسيرات تسيء إلى وحدة العراق أرضاً وشعباً، والتي أكد عليها الدستور في مادته الأولى.
· تشكيلات مقترحة للاقاليم في العراق
بعد هذا العرض السريع لمواد الدستور المتعلقة بآليات تشكيل الأقاليم في العراق، نقترح الهيكلية الإدارية التي نعتقدها أكثر ملائمة للبنية المكانية للنظام الإداري في العراق، في نماذج حول التشكيلة المقترحة للأقاليم في العراق اخذين بنظر الاعتبار المحاولات السابقة، إضافة إلى الحقائق الآتية:
1. بروز إقليم كردستان كحقيقة قائمة، كما في الدستور العراقي المادة (117) – أولا".
2. التعامل مع محافظة كركوك، كما جاء في المادة (140) من الدستور.
3. الوضع الخاص لمدينة بغداد ومحافظة بغداد كما جاء في المادة (124) من الدستور.
4. المسافة التي تعتمد في عملية تحديد الأقاليم يجب أن تكـون متوافقـة
ومتناغمة مع خاصية التجانس الاقتصادي-الاجتمـاعي والطبيعي عندما تكون المناطق المتجانسة بعيدة عن بعضها.
المقترح الأول؛ خارطة رقم ( 6 )
يقوم هذا المقترح على تشكيل الاقاليم والمحافظات اللامركزية كما يلي:
· بغــداد؛ حددت المادة (11) من الدستور أن "بغداد عاصمة جمهورية العراق" ثم جاءت المادة (124) من الدستور لتوضيح وضع مدينة بغداد في التمييز بين حدودها البلدية وحدودها الإدارية، وكما يلي:
1. حدد الدستور في الفقرة أولا من المادة أعلاه عاصمة جمهورية العراق مدينة بغداد بحدودها البلدية. وهو في ذلك وضع التشكيل الإداري للعاصمة على ما يطلق عليه بـ (أمانة بغداد)، والتي تمتد حدودها البلدية بدائرة نصف قطرها 25-30 كم ( من مركز مدينة بغداد: ساحة التحرير)، على أن ينظم وضع العاصمة بقانون.. ولا يجوز للعاصمة أن تنضم لإقليم (المادة ( 124- ثالثاً).
2. محافظة بغداد (خارج الحدود البلدية لمدينة بغداد) تقترح هذه الدراسة ضم مدينة خان بني سعد إلى محافظة بغداد (حدود 1977) لكي تأخذ المحافظة بعدها المكاني في تكوين الهيكل الإداري لها كإقليم أو محافظة لا مركزية، بحيث تتكون المحافظة من الوحدات الإدارية الآتية: انظر خارطة (5).
- المحمودية -اللطيفية- اليوسفية –الرشيد؛
- المدائن –النهروان- الجسر –الوحدة؛
- التاجي -الطارمية- المشاهدة؛
- بني سعد -الراشدية – الحسينية؛
-أبو غريب-.
حدود أمانة بغداد
|
حدود محافظة بغداد
|
حدود خان بني سعد
|
خارطة رقم (5) محافظــة بغــــداد
· إقليم كردستان؛ محافظات دهوك، اربيل والسليمانية.
· إقليم الشمال؛ محافظتا صلاح الدين ونينوى.
· إقليم الفرات الأوسط؛ محافظات بابل، كربلاء، النجف، القادسية والمثنى.
· إقليم الجنوب؛ محافظات البصرة، ميسان وذي قار.
· ولخصوصية موقع محافظة ديالى، واسط والانبار، فان هناك احتمالين لكل منها:
الاحتمال الأول؛ تمتع هذه المحافظات بما جاء في المادة (122) من الدستور بكونها محافظات لامركزية؛
الاحتمال الثاني؛ هو انضمام كل منها إلى الأقاليم المجاورة لها على وفق المعيار المحدد في المادة (119) من الدستور.
· أما فيما يتعلق بـ محافظة كركوك، فان المادة (140) من الدستور تضعها أمام احتمالين: إما أن تنضم إلى إقليم كردستان وإما أن تكون محافظة لامركزية حسب نتائج الاستفتاء الذي نصت عليه هذه المادة لأهالي هذه المحافظة.
خارطة رقم (6)/ المقترح الاول
المقترح الثاني؛ خارطة رقم ( 7 )
يستند هذا المقترح على الأفكار الواردة في المقترح الاول باستثناء:
· استحداث الاقليم الغربي للعراق من محافظات نينوى، صلاح الدين والانبار.
· اعادة تشكيل الحدود الادارية لمحافظة كربلاء لعام 1977 وذلك بانضمام مدينة النخيب الى المحافظة وامتدادها بأتجاه الحدود السعودية.
خارطة رقم ( 7 ) /المقترح الثاني
المقترح الثالث؛ خارطة رقم ( 10 )
تقوم احتمالية هذا المقترح على "أساس الأداء الوظيفي للمحافظات" في تجانسها وتكامل فعالياتها الاقتصادية. ان الحقيقة الاقتصادية القائمة في البنية المكانية للعراق هو هيمنة مدن بغداد والبصرة والموصل على كفاءة الاداء الاقتصادي للمدن العراقية وتباين في مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع مدن العراق الاخرى. ولقد خضعت هذه المدن الثلاث الى دراسات سابقة في التنمية الحضرية اطلق عليها " استراتيجيات المدن الجديدة في العراق "، والتي استندت على ثلاثة اعتبارات رئيسية في تحليل البنية المكانية لهذه المحافظات وبالتالي التعامل مع مشاكلها الخاصة في التنمية الحضرية على وفق الاساليب الآتية:
أ ـ أسلوب نشر المستقرات البشرية (D.S.) Disperse of Settlements في محافظة نينوى.
ب ـ أسلوب المحاور الحضرية (U.C.) Urban Corridor في محافظة بغداد.
ج ـ أسلوب قطب النمو (G.P.) Growth Pole في محافظة البصرة.
ان ذلك يقودنا الى استنتاج مفاده أن المحافظات ذات الامكانات الكبيرة يمكن أن تهيمن في الاقليم على المحافظات الأخرى بفعل كفاءة أدائها الوظيفي التنموي المتراكم عقب سنوات طويلة من الفعل الاستثماري. هذه الهيمنة تدفع هذه المحافظات إلى تشكيل أقاليم خاصة بها، لاسيما إذا كانت تعاني من ذات المشاكل التنموية، مما يستلزم التكامل فيما بينها في إطار الإقليم الواحد، وبما يمكنها من توحيد وتظافر الجهود وبناء القدرات لاستثمار امكاناتهاالمتاحة في أطار من العدالة والتنمية المتوازنة. هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فان من الضروري ان تمارس هذه المدن الرئيسية دورها التنموي على مستوى الاقتصاد الوطني ككل دون ان تسخر امكانياتها لهذا الاقليم او ذاك، وبما ينعكس على استمرارية مؤشرات التفاوت التنموي بين الاقاليم التي تحوي هذه المدنوالاقاليم او المحافظات الأخرى.
وعلى أساس هذه الرؤية يمكن ان يقترح تشكيل الاقاليم كما يلي؛
1- إقليم بغــــداد
خضعت مدينة بغداد إلى دراسات تخطيطية متعددة ، كان أهمها الدراسة التي أعدتها شركة Polservice (بول سيرفس) البولندية عام 1973، والموسومة "المخطط الإنمائي الشامل لمدينة بغداد". ثم الدراسة الموسومة "التخطيط الإنمائي المتكامل لمدينة بغداد 2001" والمعد من قبل مجموعة الشركات الاستشارية اليابانية JCCF عام 1986. وقد تناولت هذه الدراسات التأثير الإقليمي لمدينة بغداد في إعداد التصميم الأساسي لها على وفق ثلاثة مستويات؛ الإطار الإقليمي لمدينة بغداد، إعداد مخطط هيكلي لمنطقة بغداد الكبرى، ثم خطة استعمالات الأرض لمدينة بغداد(5).
وتم الاعتماد في تقديم هذا المقترح لإقليم بغداد على وفق ما اعتمدت عليه دراسة المخطط الهيكلي لـ "منطقة بغداد الكبرى" حدودا لمنطقة التأثير الوظيفيالمباشر في التطور الحضري والأداء الاقتصادي لمدينة بغداد، في إضافة المراكز الحضرية المحيطة بالحدود الإدارية للعاصمة بفعل عوامل الترابطات الوظيفية مع مركز مدينة بغداد، بدائرة نصف قطرها يتراوح بين 50 إلى 60 كم من مركز مدينة بغداد: ساحة التحرير. وقد استنتجت، منطقة التأثير هذه، من دراسة النقل الشامل (شركة سكوت ولسن) ومعيار سهولة الوصول (Accessibility) وكذلك من تحليل هيكل التوسع العمراني على المحاور الممتدة باتجاه هذه المراكز من مدينة بغداد(6).
وعلى ضوء ما ورد أعلاه، يتشكل إقليم بغداد المقترح كما يلي:خارطة رقم ( 8 ):
· محافظة بغداد بحدودها الإدارية، الواردة في المقترح الأول.
· منطقة بغداد الكبرى بموجب المخطط الهيكلي كما يلي:
- مدن الفلوجة والكرمة والصقلاوية من محافظة الانبار.
- مدن المسيب والإسكندرية وسدة الهندية من محافظة بابل.
- مدن الصويرة والحفرية من محافظة واسط.
- مدن بعقوبة والخالص وهبهب وكنعان من محافظة ديالى.
· وبهدف إيجاد ترابط مكاني يتوافق مع مقترحات هذه الدراسة في تشكيل الأقاليم في العراق نقترح انضمام المناطق الآتية، بالاعتماد على الاستفتاء لسكان هذه المناطق وكما يلي:
- مدن الدجيل، الاسحاقي وبلد من محافظة صلاح الدين، في الانضمام إلى الإقليم الشمالي المقترح في هذه الدراسة أو إلى إقليم بغداد.
- قضاء بلدروز (نواحي قزانية، مندلي وبلدروز) باتجاه الحدود الإيرانية في الانضمام إلى أحد الأقاليم الثلاثة المجاورة لها والمقترحة في هذه الدراسة: إقليم بغداد أو الإقليم الشمالي أو الإقليم الجنوبي.
خارطة رقم ( 8) / إقليــم بغــــداد
2. تشكيل إقليم أعالي الفرات، اعتماداً على الدراسة الموسومة " تخطيط إقليم أعالي الفرات" والتي تم إعدادها من قبل وزارتي التخطيط والبلديات عام 1979 وبالتعاون مع أحد المكاتب الأجنبية "مكتب التخطيط والعمارة والبحوث-Planner. خارطة رقم (9)، ويمتد هذا الإقليم غربا على امتداد نهر الفرات مرورا بمدن الحبانية-الرمادي إلى الحدود السورية، وتمثل حدوده الشمالية حدود محافظة الانبار مع محافظة صلاح الدين، إما حدوده الجنوبية فتمتد من بحيرة الرزازة (حدوده مع محافظة كربلاء) مرورا باتجاه مستقرتي الكعرة والعبيدي الى الحدود السورية.
3. على ضوء ما ورد في أعلاه يتم تشكيل إقليم الفرات الأوسط من محافظتي النجف والمثنى (باستثناء الجزء الصحراوي منهما والذي ضم الى الإقليم الصحراوي الوارد في الفقرة (4) أعلاه) ومحافظة كربلاء (بحدودها الإدارية الحالية) ومحافظة بابل (باستثناء ما تم ضمه الى إقليم بغداد الوارد في الفقرة (2) أعلاه).
4. يتكون الإقليم الجنوبي من محافظات ميسان وذي قار ومحافظة واسط (باستثناء ما تم ضمه الى إقليم بغداد ).
5. تشكل محافظتا صلاح الدين وما تبقى من محافظة ديالى (المقدادية، خانقين، العظيم) إقليما قائما بذاته.
6. تشكل محافظتا البصرة ونينوى أقاليمين قائمين بحد ذاتهما.
7. أما محافظة كركوك فيتم التعامل معها كما جاء في الدستور (المادة 140) وكم جاء في المقترح الأول.
خارطة رقم ( 9 )
8ـ تشكيل الإقليم الصحراوي في غرب العراق، الجزء الشمالي منه يمتد من جنوب إقليم أعالي الفرات واهم المستقرات البشرية فيه: الوليد والرطبة والنخيب. أما الجزء الجنوبي منه فان أهم مستقراته الشبكة والسلمان. ويتكون هذا الجزء من المنطقة الصحراوية لمحافظتي النجف والمثنى باتجاه الحدود السعودية. وتشكل محافظة البصرة الحدود الجنوبية لهذا الإقليم.
أن تشكيل هذا الإقليم (الصحراوي) يتطلب دعم وإسناد الحكومة الاتحادية في التخصيص الاستثماري لاستغلال إمكانيات الصحراء باعتبارها ثغرةجيوستراتيجية في البنية المكانية للاقتصاد العراقي، ومنها توقيع مشاريع صناعية تتطلب عملياتها الإنتاجية الابتعاد عن المدن، سواء الملوثة منها أو الثقيلة، خاصة إذا ما تم مد شبكة طرق حديثة مع المدن الرئيسة. إضافة إلى ما تزخر به الإطراف الشرقية منها من توفر مواد أولية لإقامة الكثير من الصناعات الإنشائية. كما يمكن تطوير المستقرات القائمة في الوقت الحاضر لتقديم الخدمات إلى سكان البدو وان تكون مناطق تجمع لهم في حركة السلع والتنقل وربما الاستقرار لاحقا بدلا من التوجه إلى المدن البعيدة، لاسيما وان تطوير الواحات وبعض المواقع الأخرى، وخاصة الحضرية منها سوف يدعم النشاط السياحي في هذه المنطقة. إن أهمية هذا الإقليم ينبع أيضا من موقعه الاستراتيجي في ربط العراق بدول مجاورة وهي سوريا والأردن والسعودية مما يتطلب إيلاء الاهتمام المطلوب في توفير خدمات البنى الارتكازية وتنشيط حركة التنقل والتجارة في طرق نقل متنوعة (سيارات، سكك حديد) تساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية في الإقليم. ولنا في تجارب العديد من الدول في تنمية مثل هذه المناطق فرص للاستفادة في النهوض بإمكانيات هذا الإقليم.
خارطة رقم (10)/ المقترح الثالث
المقترح الرابع؛ خارطة رقم (11 )
يستند هذا المقترح على منح المحافظات بحدودها الادارية الحالية صلاحيات اللامركزية الادارية في ادارة شؤونها على وفق المادة (122) من الدستور، وينظم هيكلها الاداري تبعاً للفقرات الواردة في هذه المادة. باستثناء اقليم كردستان الذي اقرّه الدستور في المادة (117).
هذا المقترح يمكن ان يجسد مرحلة من مراحل تطبيق اللامركزية الادارية على مستوى المحافظات ضمن أفق زمني معين، تتمكن من خلالها مجالس المحافظات، كمرحلة اولى، من بناء قدراتها وامكانياتها الذاتية في الادارة وفي كفاءة الاداء الوظيفي مع مسار موازٍ لذلك في فتح الحوار واللقاء فيما بين هذه المجالس، وبينها وبين الشعب بمنظماته وهيئاته المختلفة، لانضاج صيغ التعاون وتبادل المشورة والخبرة في امكانيات النهوض التنموي للمحافظات ذات المصالح المشتركة بما يؤهلها، في مراحل لاحقة، على تعميق آليات تطبيق النظام اللامركزي في العراق وبناء القدرات التي تؤهل هذه المجالس على تطبيق ما ورد في المادة (119) كمرحلة ثانية.
هذا الأفق الزمني يفسح المجال واسعا لرفع النضج والتأثير الشعبي والقدرة على تشكيل الأقاليم وممارسة الصلاحيات الممنوحة بموجب هذا الدستور للسلطات المحلية على وفق ما ورد في المادة (121)، وبما يضمن النجاح وتحقيق الهدف المنشود من تنمية متوازنة قائمة على الفهم الواعي والإدراك العميق للنظام الفيدرالي كنظام ضامن لوحدة العراق وتطويره.
خارطة رقم (11 )/ المقترح الرابع
الاستنتاج
بالتأكيد ان هذه المقترحات، قد استندت الى اعتبارات اقتصادية – اجتماعية مع المحافظة قدر الامكان على الحدود الادارية للمحافظات، ربما باستثناء المقترح الثالث الذي استند على الاداء الوظيفي لمناطق القطر في مسارها التنموي تحقيقا لمبدأ التنمية المتوازنة بين مناطق القطر كافة، فان المقترحين الأول والرابع ربما هما أكثر منطقية مع ظروف العراق الراهنة.
ان من المهم ان نعي جميعا ضرورة التأني في استثمار الفرصة وانضاجها وبالتالي تطبيقها ولو الى حين، حتى وان كان للجيل القادم بأرضية قوية ومتينة، افضلبكثير من ضياع هذه الفرصة ونحن في عجلة من التطبيق وشعبنا لازال غير قادر للتعامل بكفاءة مع هذه الفرصة. ان الموضوع بحاجة الى عمليات تثقيف وتعبئة مع توافق سياسي وربما وقت مناسب تنضج فيه الافكار وتبنى فيه القدرات للنهوض بالمهام الجديدة التي ترتكز على منح المزيد من الصلاحيات والمسؤوليات الى السلطات المحلية في اطار اللامركزية الادارية للنهوض بالواقع التنموي لعراق جديد اتحادي فيدرالي متطور يواكب عصر العولمة والنهوض الحضاري في العالم.
الهوامش
1ـ L . Keeble , " Theory and Practice of Town and Country Planning " , London , 1969 , p.46 .
2ـ J. Glasson , " An Introduction to Regional Planning " , London , 1974
3ـ مركز التنمية الصناعية للدول العربية ، تقرير عن الحلقة الدراسية الإقليمية المشتركة للتوطن الصناعي والتنمية الإقليمية :1986 ، ص28 – 29 .
4ـ أشارت المادة (143) من الدستور إلى إلغاء قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية باستثناء ما ورد في الفقرة (أ) من المادة (53) منه، وبذلك يمكن أن ترى تعديلات مستقبلية في حدود المحافظات وخاصة بين كركوك وصلاح الدين وديالى وبين كربلاء والانبار.
5ـ للإطلاع على تفاصيل هذه العوامل والآليات المعتمدة في تحليلها انظر:
- أمانة بغداد، التصميم الإنمائي الشامل لمدينة بغداد حتى عام 2000، بول سيرفس، 1973.
- أمانة بغداد ، دراسات التخطيط الإنمائي المتكامل لمدينة بغداد ، 1986.
6ـ من الضروري جداً إسناد هذا التحليل الابتدائي لمنطقة بغداد الكبرى (1986) بأساس تحليلي مباشر يستخدم المسوحات الحقلية للعوامل التي تحدد مناطق التأثير وعدم الاقتصار على عوامل محددة. وهذا ينسحب أيضا على تأثير المدن الكبرى الأخرى (مراكز المحافظات) لتحديد المدن التوابع لها والواقعة ضمن نطاق تأثيرها الوظيفي لبناء قاعدة علمية في إيجاد الأقاليم الوظيفية في القطر بدلاً من الحدود الإدارية الراهنة، والتي تم اعتمادها في هذه الدراسة، بما في ذلك مقترح الأقاليم الوظيفية الذي تأثر أيضا بهذه الحدود الإدارية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق