الجماعات المحلية أداة للتنمية المحلية
المخطط الجماعي للتنمية نموذجاً
أشرف أولاد الفقيه - جريدة بريس تطوان - 12 يناير 2011 :
أصبحت اللامركزية اليوم تجربة معاشة، تمارسها مجالس ذات اختصاصات واسعة. وقد تعززت مشاركة المنتخبين في تدبير الشؤون المحلية بشكل واسع مع إحداث نظام أساسي جديد للمنتخب، و بلوغ إجمالي عدد المنتخبين أزيد من 22000.
و اللامركزية تعني تحويل مجموعة من الاختصاصات و الصلاحيات من المركز إلى الوحدات الترابية، على اعتبار أن هناك مصالح محلية متميزة يجب إسنادها إلى هيئات ترابية محلية تتميز بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و الإداري مع خضوعها إلى وصاية الدولة.
حيث يمكن أن نعتبر الجماعات المحلية مؤسسات للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية إذا توفرت الشروط الدستورية و القانونية و الاقتصادية الني تساعد فعلا على قيام تلك الجماعات بدورها المحلي الرائد، و يتمثل الشرط الدستوري في كون الدستور يكرس سيادة الشعب، و يعطي للجماعات المحلية سلطة القيام بالتنمية المحلية المتعددة الأوجه لصالح المواطنين. كما يكمن الشرط القانوني في توفير الضمانات اللازمة لممارسة الاختصاصات المخولة للجماعات المحلية بمقتضى النصوص القانونية و التنظيمية، و في وجود مجالس منتخبة بطرق ديمقراطية و نزيهة لإفراز مسؤوليين جماعيين يعبرون قولا و فعلا عن إرادة الناخبين الدين اختروهم للقيام بالعمل الجماعي.
أما الشرط الاقتصادي، فيتمثل في ضبط الموارد القائمة و البحث عن موارد جديدة بعيدا عن العشوائية في اتخاذ القرارات و التدبير اللاعقلاني للموارد الجماعية، و ترشيد تلك الموارد و صرفها في مشاريع تنموية تساعد على تحقيق التنمية المحلية بجميع مستوياتها.
حيث أصبح التخطيط الجماعي اليوم عنصرا أساسيا يكرس دور الجماعة ضمن المنظومة المؤسساتية لبلادنا. فإذا كان المجلس الجماعي هو الفاعل الأساسي و المسؤول الأول عن تدبير الشؤون المحلية بعلاقة مباشرة مع ظروف عيش الساكنة، فانه غالبا يظل تراب الجماعة مجال تدخل عدة فاعلين، ويكون موضع عدة أعمال و مشاريع و برامج، لاسيما تلك التي تقوم بها مصالح الدولة و المؤسسات العمومية التي بحكم صلاحيتها و مجالات عملها المتعددة، تعد برامج و تبادر بطرح مشاريع و تعتمد أدوات التخطيط و التدخل.فضلا عن تعدد المتدخلين و الفاعلين، تجدر الإشارة إلى المستويات الترابية للتقرير و التخطيط و التدخل، إذ تأتي في المرتبة الأولى الدولة ثم تليها المستويات الجهوية و الإقليمية، حيث تمارس الجماعات المتوفرة على الإمكانيات اختصاصاتها الذاتية و تقوم بأعمال تهم المجال الترابي للجماعة. و بالتالي لكي تكون الجماعة عنصرا فاعلا تجاه الفاعلين المؤسساتيين العاملين على ترابها، فعليها أن تتوفر على القدرة على التحكم في المؤهلات و نقاط الضعف و الرهانات ذات الأولوية لتحسين مستدام لظروف عيش ساكنتها. كما عليها أن أن تتوفر على رؤية واضحة، على المدى البعيد و المتوسط، حول استعمال مواردها الذاتية لفائدة التنمية الاجتماعية و الاقتصادية المستدامة للجماعة. و عليها أيضا أن تكتسب من خلال التخطيط قدرة اكبر على توقع ما قد يترتب على تدخل فاعلين آخرين في ترابها، فيما يتعلق بالتوقعات الميزانية و التدبير اللاحق. لهذا، على الجماعة أن تتوفر على مستوى إعلامي أفضل و على تحكم أنجع في تدخلات الفاعلين الآخرين، ذات الصلة على الخصوص بالاختصاصات المنقولة و الاستشارية للجماعة، و هنا بالضبط تكمن أهمية التخطيط الجماعي.
و حتى تتضح الرؤية أكثر سنتناول بالتحليل مفهوم الجماعات المحلية و المخطط الجماعي للتنمية، و دورهما التنموي، مما سيسمح لنا الوقوف على عوائق التنمية، التي تستدعي الحلول المناسبة لذلك.
مفهوم الجماعات المحلية
الجماعات المحلية حسب الفصل 100 من دستور المملكة هي الجهات و الأقاليم و العمالات و الجماعات الحضرية و القروية، أما المفهوم الشائع و المتداول بين الفئة العريضة من المجتمع، فهي عبارة عن مجموعة من السكان يقتسمون حدود ترابية معينة من خريطة الدولة يتميزون بخصائص محددة، و بقيم اجتماعية لها علاقة بالعادات و التقاليد و الأعراف التي تفرزها الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية للجماعة التي تنتخب من بين أعضائها من يمثلها في المجلس الجماعي الذي يشرف على تنظيم شؤونهم الخاصة. كما يعمل على إحداث تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية من اجل النهوض بالجماعة على جميع المستويات في إطار التنسيق مع الإقليم، و مع الجهة، و على المستوى الوطني.
هذا التصور الذي وقفنا عليه هو المفترض، إلا انه، ولحسابات سياسية ضيقة، قد تكون الجماعة مجزاة من عدة مكونات لا علاقة لها بالتكون الطبيعي للسكان، و بالتكون الجغرافي و التاريخي، مما يجعل العادات، و التقاليد و الأعراف متناقضة أحيانا. مما يجعل التنمية تتفاوت بين أجزاء تراب الجماعة. هذا الخلل الذي قد يحصل على المستوى الوطني، و في إطار التقسيم الجماعي، تلعب فيه السلطة الوصية دور أساسيا لخدمة جهات ترضى عنها، و تحت تأثير الهاجس الأمني الذي صار غولا مرعبا في تاريخ المغرب الحديث.
و ما تقوم به السلطة الوصية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة تكمن في إنضاج شروط التزوير الذي يتمثل في شراء الضمائر، و التلاعب في محاضر مكاتب التصويت، دون أشياء أخرى و لذلك نجد مفهوم الجماعات المحلية يتحدد من خلال ما ترسمه السلطة الوصية من اجل تسهيل تمرير مخطط التزوير في مختلف المحطات الانتخابية لصناعة الخريطة السياسية التي تراها مناسبة لها على مستوى الوطني، و هو أمر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعبر عن إرادة الناخبين بصفة خاصة.
و بذلك نصل إلى خلاصة، إن تدخل السلطة الوصية يؤثر بشكل كبير في تحديد مفهوم الجماعة بعيدا عن التشكيل الطبيعي، و الحقيقي للجماعة نفسها و الدور المفترض الذي يجب ان تلعبه في التنمية المحلية.
الدور التنموي المفترض للجماعات المحلية
شكلت الانتخابات الجماعية ليوم 12 يونيو 2009 موعدا هاما في حياة الديمقراطية المحلية بالمغرب و محطة أساسية في صيرورة اللامركزية التي عرفها المغرب مند حصوله على الاستقلال و ذلك لاعتبارات ثلاثة على الأقل:
- أولا: بالنظر للخدمات التي تقدمها أو تلك التي تنتظر منها، تشكل الجماعة مستوى اللامركزية الأقرب إلى المواطنين،
- ثانيا: و اعتبارا لاختصاصاتها، تعد الجماعة فضاء مناسبا لممارسة الديمقراطية المحلية و تكوين نخب جديدة تهتم بقضايا و إشكاليات التنمية المحلية،
- وأخيرا: و بالنظر لنضج صيرورة اللامركزية اللامركزية و الدور الاقتصادي المتزايد للمجالات الترابية، أضحت الجماعة ملتقى لكل الأعمال التنموية في بعدها الترابي.
من هنا تقوم الجماعات المحلية خاصة الجماعات الحضرية بمهام متعددة على مستوى التنمية المحلية، في حالة مجلس جماعي تم انتخاب أعضائه اعتمادا على الاختيار الحر و النزيه للمواطنين، فان هذا المجلس سيسعى إلى إحداث تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية.
1- على المستوى الاقتصادي
سنجد أنه يعمل على تنمية الموارد الجماعية بالشكل الذي يحافظ فيه على ممتلكات الجماعة، و جعل تلك الممتلكات أكثر مردودية مع الحرص على عدم إثقال كاهل المواطنين بالضرائب المباشرة و غير المباشرة.
- ترشيد صرف تلك الموارد لخدمة مصلحة المواطنين في مجالات السكن و الصحة و التعليم و توفير البنيات التحتية و الفوقية الأساسيتين التي يعتبران ضروريين لسير الحياة العادية بالاضافة إلى تشجيع الاستثمار و خلق مقاولات جديدة تساهم في الحد من البطالة من جهة، و في تنمية الموارد الجماعية من جهة أخرى.
2- على المستوى الاجتماعي:
سيسعى المجلس جاهدا إلى معرفة حاجيات السكان في التعليم و الصحة و السكن و الشغل، و سيعمل على بناء المدارس و المستوصفات الكافية و إعداد البقع الأرضية لبناء السكن الاقتصادي لتمكين ذوي الدخل المحدود من التوفر على سكن لائق يتناسب مع مستوى دخلهم، مع البحث المستمر عن مناصب الشغل الجديدة للعاطلين و المعطلين في نفس الوقت لوضع حد لآفة البطالة.
3- على المستوى الثقافي:
سيعمل المجلس على دعم الجمعيات الثقافية الجادة عن طريق إيجاد البنيات التحتية الضرورية لقيام أنشطة ثقافية لإنتاج القيم الايجابية التي تساعد على القضاء على مختلف الأمراض الاجتماعية بالإضافة إلى تقديم الدعم المادي و المعنوي لتلك الجمعيات حتى تستطيع التغلب على الصعوبات، و تأهيلها حتى تكون مساهمة في التنمية المحلية و فاعلا أساسيا إلى جانب الجماعات المحلية.
عوائق التنمية المحلية:
إن التنمية الجماعية لا تكون إلا بتوفير شروط محددة، يأبى على رأسها أن يكون المجلس الجماعي معبرا عن إرادة الناخبين بصفة خاصة، وعن إرادة المواطنين في الدائرة الجماعية بصفة عامة، أي أن تكون هناك ديمقراطية من الشعب إلى الشعب ديمقراطية حقيقية، و بمضمون اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و سياسي، إلى جانب المضمون الانتخابي الذي ليس إلا جزءا بسيطا جدا من الممارسة الديمقراطية، و لكنه الأكثر تأثيرا في الحياة العامة و في حياة الجماعة، و في الشؤون الخاصة للمواطنين، و غياب الديمقراطية بمضامينها المشار إليها بما فيها الانتخابات يعتبر اكبر عائق في التنمية الجماعية، إذ انه بدون وجود ديمقراطية حقيقية، لا يمكن أن تكون هناك انتخابات جماعية نزيهة. و هو ما يؤدي إلى إفراز مجالس مزورة سيسعى أعضائها إلى نهب خيرات الجماعة بدل توظيفها لصالح المواطنين، و إلى جانب غياب الديمقراطية، هناك عوائق أخرى لابد من الوقوف عنها ومن هذه العوائق نذكر:
- الاختلال القائم في الميثاق الجماعي الذي يجعل من السلطة الوصية هي الفاعلة الأساسية في مجال التنمية المحلية، ثم تداخل الاختصاص ما بين المجالس المحلية و هيئات اللاتركيز الإداري.
-غياب الكفاءة لدى أعضاء المجالس المنتخبة و جهلهم للقوانين المنظمة للعمل الجماعي، وعدم توفر القدرة لديهم في تدبير شؤون الجماعة، مما يؤدي إلى تبذير الإمكانيات المادية و المعنوية.
-انفراد الرئيس بالسلطة المطلقة التي تخول له مهمة تدبير الشؤون الجماعية تحت إشراف السلطة الوصية و هو ما يؤدي على القيام بممارسات لا علاقة لها بالعمل الجماعي.
-انعدام الموارد الجماعية و عدم كفايتها حتى لتسيير الحياة اليومية للجماعة مما يؤدي إلى فقدان إمكانية إحداث أية تنمية كيفما كان نوعها.
هذه العوائق و غيرها لم نذكرها تجعل الدور التنموي للجماعات المحلية شبه منعدم، إن لم يكن منعدما بتاتا، و بالتالي فان المجالس الجماعية لا يمكن أن تلعب إلا بدور التسيير بعض الشؤون المواطنين مما يمكن أن تشرف عليه السلطة الوصية نفسها.
إن اعتماد الجماعات المحلية أدوات تنموية و كما اشرنا إلى ذلك سابقا يحتاج إلى توفير شروط محددة يأتي في مقدمتها قيام ديمقراطية حقيقية و بمضمون اقتصادي و اجتماعي و ثقافي. و إجراء انتخابات حرة و نزيهة تفرز مجالس تعبر فعلا عن إرادة الناخبين بصفة خاصة و إرادة المواطنين بصفة عامة، ووجود ميثاق جماعي يعطي للمجالس المنتخبة ضمانات الاستقلالية التامة في عملية إحداث تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية تعود على الجماعة بالفائدة الكبيرة في مختلف المجالات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق