تحديات وآفاق النمو الإقتصادي الطويلة الأمد
في الدول العربية
مصطفى النابلي
كبير الخبراء الإقتصاديين
ومدير قسم التنمية الإقتصادية والإجتماعية
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
البنك الدولي
بحث ُقدّم خلال مؤتمر مؤسسة الفكر العربي
بيروت 4-6 كانون الأول 2003
تمثل الأفكار المعروضة في هذا البحث آراء صاحبها فقط ويرجى عدم نسبها للبنك الدولي أو المنظمات المتعلقة به، أو مجلس إدارته أو الدول الذي يمثلها.
- المقدمة
يمثل الحديث عن اقتصاد عربي وتحليل إمكانياته وقدراته تحدياً كبيراً. فدول العالم العربي عبارة عن مجموعة متنوعة في الحجم والجغرافية ومستوى الدخل والموارد الطبيعية والبنية الاقتصادية ورأس المال البشري والمهارات والهيكلية الاجتماعية والسياسات الاقتصادية والمؤسسات وعوامل أخرى عدة.
ومع ذلك، تكثر أوجه الشبه بين اقتصادات دول العالم العربي إذ تربط المنطقة قاعدة موارد مشتركة. فقد شكل النفط أساس التنمية الاقتصاديةوالاجتماعية السريعة عبر المنطقة. ولا يقتصر ذلك على الاقتصادات المنتجة للنفط فحسب ولكنه يشمل الاقتصادات المفتقرة للموارد الطبيعية أيضاً، من خلال التحويلات المالية للعمال ودفق المساعدات الخارجية. وتتضمن قاعدة الموارد المشتركة هذه نقصا في موارد المياه، إذ يعتبر منسوب المياه للفرد في العالم العربي أكثر النسب انخفاضاً في العالم.
تجمع الدولَ العربيةَ سياساتٌ تعكس نماذج متشابهة من التنمية الاقتصادية اعتُمدت في عهود الاستقلال. اتبعت معظم هذه الدول، منذ خمسينات وستينات القرن العشرين نماذج تنموية ارتكزت على التخطيط الموجه من الدولة، مع السياسات اجتماعية أًَُعدّت بهدف إعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
نظراً لهذا التشابه الملحوظ بين السياسات الاقتصادية والموارد الطبيعية وقواعد الإنتاج المشتركة لجهة النمو الاقتصادي والتنمية، ليس من المفاجئ أن تتشابه التحديات التي تواجه الدول العربية في يومنا هذا. وقد واجهت معظم هذه الدول ركوداً في النمو إثر انخفاض أسعار النفط، وبالرغم من بعض الإصلاحات الاقتصادية في معظم الدول، لا يزال النمو ضعيفاً عبر المنطقة ككل. بالإضافة إلى ذلك، عانت الدول العربية كافة من الصراعات وعدم الاستقرار بصورة مباشرة حيناًَ وغير مباشرة أحياناً، من خلال الاستثمارات المعوّقة.
وتواجه معظم الدول العربية الآن إحدى أكثر التحديات التنموية إلحاحاً وهو يتمثل بتفاقم مشكلة البطالة نتيجة تقلّص الإمكانيات المتعلقة بأنماط خلق فرص العمل الأساسية في الماضي، أي هجرة اليد العاملة والتوظيف في القطاع العام، من جهة وتزايد اليد العاملة المتسارع من جهة أخرى.
وأصبحت الدول العربية تدرك بصورة متزايدة أن مسارات التنمية التي اعتمدت في الماضي لم تعد قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية المرجوّة. مشكلة النقص في خلق فرص العمل في المنطقة العربية تتفاقم، وفي حال عدم إنجاز تحوّلات محورية في اقتصادات الدول العربية لضمان خلق فرص عمل بصورة أكبر وأكثر استدامة، سوف يصبح تحدي العمالة أسوأ بكثير وفي آجال قصيرة.
سوف نعرض في الصفحات التالية، التصورات العريضة للتحولات اللازمة في الاقتصادات العربية[1]. سنصف في القسم الثاني تحديات التنمية التي تواجه العالم العربي، وتحديات العمالة بشكل خاص. ونتناول في القسم الثالث قصور نموذج التنمية القديم في مواجهة هذه التحديات. يقترح القسم الرابع مجموعة من الانتقالات ترسم الخطوط العريضة لنموذج تنموي جديد. يقدّم القسم الخامس الملامح الكبرى للتغيرات المحورية اللازمة لإنجاز هذه الانتقالات، بما في ذلك تحسين إدارة الحكم وتأمين نوعية تعليم أفضل ومساواة أكبر بين الجنسين. يتضمن القسم السادس والأخير بعض الملاحظات حول إمكانيات إنجاز هذه التحولات والمسائل المتعلقة بتطبيقها.
II- تحدي القرن الواحد والعشرين الأساسي: العمالة
تواجه المنطقة العربية مع بداية القرن الواحد والعشرين العديد من التحديات الاقتصادية. هناك أولا التحدي المتمثل بمسألة شح المياه ونتائجه على توصيل هذا المورد الحيوي للمواطنين وعلى إمكانيات التنمية.
وهناك التحدي المتعلق بالبيئة ومدى استدامة استهلاك الموارد الطبيعية، بما فيها تدهور التربة وقطع الغابات والتصحّر وحماية الشواطئ والموارد البحرية. هناك أيضا مسائل الفقر والإقصاء، ومسألة النمو السكاني الذي تباطأ كثيرا في بعض الدول، لكنه ما زال مرتفعا في دول أخرى. وربما أكثر التحديات إلحاحا وضغطاً على العالم العربي تحدّي العمالة، وهذا ما سيركّز عليه هذا البحث.
جيل مخيَّب الأمل...... إن إحدى خصائص العالم العربي([2]) البارزة صغر سن سكانه. لم يبلغ ثلثا السكان في المنطقة سن الثلاثين، مما يجعلها ثاني أكثر منطقة شباباً بعد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. في المقابل، تبلغ نسبة من هم دون الثلاثين في أوروبا ثلث مجموع السكان فقط. تصل هذه النسبة إلى النصف في منطقة شرق آسيا والباسيفيك. ويتّسم العالم العربي بعنصر شبابي أكثر تعليما، تفوق توقّعاته طموحات الأجيال السابقة. لكن في الوقت نفسه يعاني هذا الشباب الذي يشكّل وجه العالم العربي الجديد من خيبة أمل كبيرة ومتزايدة على صعيد سوق العمل. استمرّ وضع سوق العمل في المنطقة العربية بالتفاقم خلال العقدين الأخيرين. منذ أواسط ثمانينات القرن العشرين ومعدل البطالة آخذ بالارتفاع حتى بلغ في أيامنا هذه، بحسب الأرقام الرسمية أكثر من 15% من اليد العاملة. وقد تكون الأرقام الفعلية للبطالة أعلى بكثير.
تطال البطالة الشباب العربي بشكل غير متناسب. تبلغ نسبة الذين يبحثون عن أول فرصة عمل في مصر 90% من مجمل العاطلين عن العمل في حين تصل نسبتهم في اليمن والإمارات إلى ثلثي العاطلين عن العمل تقريباً. وهؤلاء عاملون قد دخلوا سوق العمل وبحوزتهم مستويات تعليم أعلى نسبيا من الجيل الذي سبقهم: منذ عشرين عاماً كان معدل مستوى التعليم في العالم العربي سنتين أما اليوم فقد ارتفع إلى خمس سنوات(3). غير أن البطالة، وبشكل متزايد، حالت دون تحقيق تلك المكاسب في التعليم عائداتٍ اقتصاديةً في سوق العمل.
ليست الزيادة في العنصر الشبابي هي الميزة الوحيدة للعمالة في العالم العربي، فتشهد هذه الأخيرة تزايداً في العنصر النسائي أيضاً. في حين كانت نسبة مشاركة النساء العربيات في اليد العاملة هي الأكثر انخفاضا في العالم، بدأت بالتزايد بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة. إلا أن عددهن المتزايد يتزامن مع انخفاضاً في فرصهنّ للعمل.
إنّ معدّل البطالة لدى النساء أعلى من معدّل البطالة لدى الرجال بـ 30%، وتتسع هذه الهوة بين الجنسين بشكل ملحوظ في دول كالبحرين وسوريا ومصر والمملكة العربية السعودية حيث يبلغ معدل بطالة لدى النساء ضعفي إلى ثلاثة أضعاف معدل البطالة لدى الذكور. بالإضافة إلى العوامل المتعدّدةالتي أحبطت عزيمة النساء العربيات على الانخراط بسوق العمل، لا شكّ أن الإمكانيات الضعيفة التي عانين منها في سوق العمل خفّضت من مشاركتهن.
ليست البطالة الميزة الوحيدة لأسواق العمل المتردية، إنما هناك أيضاًَ تدنّي أجور العاملين. ارتفعت إنتاجية العامل (التي تشكل أساس الارتفاع الفعلي للأجور) بشكل هامشي خلال العقد الماضي، ولا تزال متأخرة جداً بالنسبة إلى شرق آسيا والباسيفيك، وجنوب آسيا، وأميركا اللاتينية والكاريبي. كانت النتيجة ركود الأجور الفعلية أو انخفاضها في نصف الدول العربية منذ ثمانينات القرن العشرين في حين ازدادت بشكل ضعيف في النصف الأخر من هذه الدول.
وتحديات لا سابق لهل ستبرز في سوق العمل... بالإضافة إلى ضعف إمكانيات العمل الذي اتصف به العالم العربي خلال العقدين الماضيين، هناك عامل آخر هو استمرار الضغط على أسواق العمل بالتزايد خلال العقدين القادمين. إن ما خلفته المرحلة الممتدة من 1950 الى 1990 من ارتفاع معدلات نمو السكان في المنطقة العربية والذي بلغ 3.2% عام 1985 ينعكس الآن بشكل أكبر في ضغوط سجلتها أسواق العمل مقارنة مع أي من مناطق العالم العالمية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. حالياً تزداد اليد العاملة بنسبة 3.3% سنوياً، أي حوالي 37 مليون عامل سيدخلون سوق العمل بين عامي 2000
و2010، مما يؤدي على رفع مجمل اليد العاملة في العالم العربي بنسبة تقارب الـ40% على مدى عشر سنوات فقط. وسينمو معدّل اليد العاملة في الدول العربية بين عامي 2000 و 2020 بنسبة 75%، مما يعني ضرورة خلق 74 مليون فرصة عمل جديدة فقط لاستيعاب اليد العاملة المتزايدة خلال فترة العشرين سنة المقبلة. بل يجب أن يكون عدد فرص العمل الجديدة أعلى من ذلك إن أرادت المنطقة التعامل مع مشكلة البطالة الحالية.
لذلك إذا أرادت المنطقة العربية أن تحقق الهدف الأكثر طموحاً والمتمثّل باستيعاب العاطلين عن العمل آخذة بعين الاعتبار اليد العاملة الجديدة في سوق العمل، لا بدّ إذن من خلق ما يقارب 90 مليون فرصة عمل حتى نهاية العقد القادم، أي ضعف عدد فرص العمل الموجودة حالياً في العالم العربي.
تواجه المنطقة العربية تحدياً لا سابق له على الصعيد التنموي. قد تشكل الضغوط في سوق العمل تحدياً تنموياً لأي منطقة في العالم. إنما تواجه المنطقة العربية ضرورة خلق فرص عمل بصورة متسارعة في زمن أصبح اثنان من أبرز موارد العمالة خلال العقود الأربعة الماضية يوفران معدلات أقلّ ثمّ أقل من الوظائف، وهما: القطاع العام والهجرة من أجل العمل.
III- قيود نموذج التنمية القديم
تأثر خلق فرص العمل في المنطقة العربية بالنموذج التاريخي للتنمية الذي اعتُمد عبر المنطقة. بغية إصلاح إرث من اللامساواة والفقر خلال النصف الأول من القرن العشرين، اعتمد صانعو السياسات العرب في مرحلة الاستقلال نماذج تنموية ارتكزت على حكومات قوية وتخطيط مركزي للأولويات الاجتماعية والاقتصادية وسياسات إعادة توزيع وتحقيق العدالة الاجتماعية واسعة النطاق. تتضمن هذه الاستراتيجية تأميم العديد من الموجودات الخاصة والتخطيط من قبل الدولة والتنمية الصناعية من خلال حماية الأسواق المحلية وتحويل الكثير من الموارد نحو خدمة التنمية الاجتماعية وعمالة في القطاع العام واسعة النطاق.
حقق هذا النموذج نتائج إيجابية في مرحلة مبكرة. وكان لهذا النموذج مكاسب متينة. استفادت المنطقة كلها من النفط إما بشكل مباشر (اقتصادات الدول المنتجة للنفط) وإما من خلال المساعدات والتحويلات المالية للعمال. بفضل عائدات النفط والعائدات المتعلقة به، وجهت الاقتصادات العربية العديد من الموارد نحو البنى التحتية العامة، وخصّصت موارد كثيرة للتعليم وكانت النتيجة ارتفاع مستوى متوسط التعليم من أقل من سنة واحدة عام 1960 إلى أكثر من ثلاث سنوات عام 1985. من جهة أخرى، بفضل التحسينات في التعليم الأساسي والاستثمارات الضخمة في مجال الصحة، تحسنت المؤشرات في هذا المجال بشكل ملحوظ وتم تقليص الفقر بشكل جذري.
ولكن دُفع ثمن مرتفع. فأدى هذا النموذج نتائج على صعيد التوجه الاقتصادي للدول العربية وإدارة الحكم وخلق فرص العمل. في المجال الاقتصادي، أدّت الحماية المكثفة للصناعة والتنظيم المفرط لها- بالإضافة إلى أسعار الصرف المقيمة بأكثر من قيمتها الفعلية وغير التنافسية – إلى إضعاف الحوافز لنمو قطاع السلع القابلة للتجارة في الدول العربية.
أعفت الموارد النفطية معظم الدول العربية من الحاجة إلى فرض الضرائب على المواطنين، وسمحت لها بإعادة توزيع الموارد عن طريق أنظمة الرفاهية والخدمات الاجتماعية. في الوقت عينه، قلّصت إعادة التوزيع الثروة هذه مطالبة المواطنين العرب بمؤسسات عامة تتسم بالمساءلة والتضمينية.وافتقرت إدارة الحكم في البلاد العربية إلى الشفافية وتبلور هذا القصور بصعوبة التوصل إلى معلومات تخص الحكومات وبرقابة مشددة على حرية الإعلام.كما كان ينقصها القدرة على التنافسية وتجلّى ذلك في كون هذه الأنظمة هي الأكثر مركزية في الدول النامية كافة.
أخيراً، افتقرت إدارة الحكم إلى التضمينية وبدا ذلك واضحاً في اللامساواة بين المدن والأرياف في التوصل إلى الخدمات العامة، واللامساواة بين الجنسين في المشاركة في المجتمع وفي محاباة الأقارب والمحسوبيات التي تحدد من يحصل على الخدمات العامة أو من تتاح له فرص عمل مربحة ومن يحرم منها.
إن القطاع الخاص في هذا النموذج، لئن نما تحت رعاية الحكومات، لم يزدهر لكونه قطاعا ديناميكياً في محيط تنافسي إنما نما عبر تموين الأسواق المحلية المحمية، و"عاش على حساب الدولة" بشكل عام. بالرغم من معدلات نمو سريعة خلال سنوات الطفرة النفطية، أصبحت الاستثمارات في المنطقة العربية غير منتجة تدريجياً. كما تقلّص نمو الإنتاجية الكلية للعناصر إلى النصف في المنطقة العربية في الفترة الممتدّة من الستينات إلى السبعينات، مع أنها لا تزال إيجابية.
كان لهذا النموذج التنموي أيضاً أثره على خلق فرص العمل. ومع قيام أنظمة الرعاية الاجتماعية الواسعة النطاق، أعادت الحكومات توزيع الموارد من خلال التوظيف في القطاع العام. هكذا أصبحت الحكومات الموِظفة المفضلة في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي فترة ارتفاع عائدات النفط، كان بإمكان القطاع العام أن يوظّف كل المواطنين الوافدين إلى سوق العمل تقريباً. حتى في الاقتصادات غير المنتجة للنفط سمح دفق المساعدات والتحويلات المالية التي كان يقوم بها مواطنون يعملون في الخليج بالمساهمة بنمو القطاع العام وبلوغه مستويات لم يسبق أن وصل إليها.
تمثّل مصدر العمالة أيضاً في هجرة اليد العاملة حيث هاجر عدد كبير من العمال العرب إلى دول الخليج من أجل العمل. في ذروة الطفرة النفطية في بداية الثمانينات من القرن العشرين، كان يعمل قرابة 3.5 مليون عربي تقريباً في دول الخليج. بين عامي 1973 و1984 بلغت التحويلات المالية الرسمية 22مليار دولار في حالة مصر و8.2 مليار دولار في حالة المغرب و6.5 مليار دولار في حالة الأردن. وكان ذلك يخفف كثيرا من عبء أزمة شحّ فرص العمل في البلد الأم.
إنهيار أسعار النفط وعقد من الأزمات. عندما إنهارت أسعار النفط في أواسط الثمانينات من القرن العشرين تأثرت عائدات الحكومات في المنطقة بالضربة بدءاًبالدول المنتجة للنفط ووصولا إلى تلك غير المنتجة للنفط. بالرغم من مساهمة المساعدات الخارجية المكثفة في تخفيف الأزمة، تراجع دفق الموارد إلى القطاع العام بشكل ملحوظ وتقلصت نفقات الحكومات المخصصة للأنظمة الاجتماعية كما تقلّص رأس المال المادّي. كما تراجع الاستثمار العام الثابت وانخفض معدّل نمو رأس المال المادي للعامل بنسبة أكثر من 60% مقارنة بما كانت عليه في سبعينات القرن العشرين. تراجع النمو إثر ضربات متعددةتمثلت بتراجع الإنفاق العام ومناخ الاستثمار الخاص غير الملائم، والخسارات المستمرّة على صعيد الفعالية. بلغ النمو الاقتصادي للفرد معدل 0.7 سنوياً فقط.
في الوقت عينه، وللمرة الأولى، بدأت البطالة تظهر كمشكلة حقيقية في الدول العربية، إذ لم تعد العمالة في القطاع العام مضمونة إثر تقلص عائدات هذا القطاع. أضف إلى ذلك تقلص فرص العمل في المهجر. هناك عوامل أخرى عملت على خفض طلب دول مجلس التعاون الخليجي ليد عاملة من الدول العربية الأخرى، وهذه العوامل تتمثل بانخفاض أسعار النفط والارتفاع السريع للعرض الداخلي لليد العاملة.
الجهود الأولية المبذولة في الإصلاح.
دفع القصور في النمو الاقتصادي من جهة، وازدياد عجز الميزانيات إلى اعتماد برامج لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية بهدف تشجيع تنمية القطاع الخاص ليصبح محركاً للتطور وخلق فرص العمل. و قد أنجزت مشاريع تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، غير أن وتيرة الإصلاحات الهيكلية اختلف بشكل ملحوظ من منطقة إلى أخرى.
طبّقت مجموعة من الدول الفقيرة الموارد هي تونس، المغرب والأردن إصلاحات باتّجاه اقتصادات معتمدة على قطاع خاص منفتح قبل الدول العربية الأخرى وبشكل مكثّف. في بدايات سبعينات القرن العشرين، اعتمدت تونس منطقة تجارية غير موطنة بغية تسهيل التجارة، كما انضمت كل من المغرب وتونس إلى اتفاقية الـGATT وتضمنت الإصلاحات تحرير أسعار الصرف، إصلاحات ضريبية، وتحرير قطاعي التجارة والمالية، والخصخصة. وقعت هذه الدول الثلاث اتفاقات Euro – Med في تسعينات القرن العشرين، في حين وقعت الأردن اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. بشكل عام، كان الإصلاح متواصلاً في هذه الدول بدون أي سياسة مضادة.
تابعت دول عربية أخرى فقيرة الموارد، من بينها لبنان ومصر، بعض الإصلاحات، غير أنه كانت بطيئةً ومتقطعةً. بالرغم من الإصلاحات التي اتبعت في مصر وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي في تسعينات القرن العشرين انتكست هذه الإصلاحات مع تزايد قيود "ما وراء الحدود" التي فُرضت على التجارة، ومع تقييم أسعار الصرف بأكثر من قيمتها. مؤخراً، استؤنفت الإصلاحات عندما وقعت هاتان الدولتان على اتفاقية Euro – Med عام 2001. في ما يتعلق بلبنان، فهو يشكو من اختلال في توازن الاقتصاد الكلي لا سيما أنه بلد ضعيف المؤسسات يحمل إرثاً من البنى التحتية المحطمة على الصعيدين الاقتصادي والمادّي.
في وقت لاحق، قامت مجموعة أخرى من الدول الغنية بالسكان وتمتلك موارد نفطية بإصلاحات أكثر تقطعاً وتدرجاً مما قام به المصلحون المبكرون.هذه الدول هي الجزائر، وسوريا، واليمن. فالجزائر، التي عانت من اختلال في توازن الاقتصاد الكلي ناتج عن تدهور أسعار النفط، تابعت بشدة محاولات تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي. غير أن الإصلاحات الهيكلية كانت محدودة.
انتكست الإصلاحات التجارية التي تم بدء العمل بها في بداية تسعينات القرن العشرين لعام 1998. ثم استؤنفت مرة ثانية عام 2001 عندما وقعت الجزائر اتفاق Euro – Med، في حين دامت الاصلاحات في المجالات الرئيسية محدودة، كقطاع المالية والخصخصة.
في سوريا، لم تستمر عملية تحرير الاستثمار والتجارة التي بدأت عام 1991،و في حين شهد توحيد أسعار الصرف والإصلاح التنظيمي للقطاع الخاص تطورات خجولة، ظلت الإصلاحات الهيكلية محدودة. في اليمن، لم تترافق سياسات تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي مع إصلاحات لتنويع الاقتصاد بالرغم من سياسات تجارية منفتحة نسبياً. هكذا، بقي مناخ الاستثمار اليمني ضعيفاً مما يعكس ضعفاً في حكم القانون وحقوق الملكية، وعدم فعالية الأطر التنظيمية بالإضافة إلى مشاكل أمنية.
حافظت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عمان، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة وقطر) على نظام تجارة مفتوح اتّسم بحركة رؤوس أموال حرة وأنظمة مالية متطورة. ومع تدهورأسعار النفط، قلّصت معظم هذه الدول نفقاتها، غير أن مجموع عجز الموازنة تزايد بشكل عام. شجعت بعض أصغر اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي النمو في بعض القطاعات المتخصصة كتجارة الجملة (الامارات)، والخدمات المالية والسياحية (البحرين والامارات).
وقامت سلطنة عمان بجهود كثيفة لتوسيع مدى مشاركة القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار عن طريق الخصخصة وتغيير قوانين استثمار رؤوس الأموال الأجنبية. أما في المملكة العربية السعودية، فتطورت الإصلاحات بشكل بطيء جداً – لا يزال القطاع العام مهيمناً على النشاطات الاقتصادية، وتستمر عائدات الحكومة بالاعتماد على النفط.
.... غير أن النمو لم يكن على الموعد. بشكل عام، وبالرغم من نواياه، كان أجندة agenda)) الإصلاح الهيكلي في المنطقة العربية حذراً وانتقائياً وغالباً ما كان خاضعاً لوقف التنفيذ أو الانعكاس. تجنّب أجندة الإصلاح إصلاحات إدارة الحكم و الانفتاح السياسي، وافتقر إلى الإصلاحات الأساسية العميقة التي تعتمد على مشاركة وتعاضد الكتل الاجتماعية التي يتعيّن تحسين مستوى عيشها. وكانت النتيجة حلول الجهد المبذول للإصلاح دون تأمين مناخ ملائم للتنمية والاستثمار، وكان تعافي التنمية ضعيفاً حيث بلغ معدل ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد 1.5% سنوياً.
تراجع خلق فرص العمل عما كانت عليه في النموذج القديم. في حين تواجه المنطقة العربية تحدياً لا سابق له على صعيد خلق فرص العمل، نلاحظ أن مصادر العمالة لم تعد على ما كانت عليه في السابق. فالقطاع العام لم يعد بعد الآن مخرجا لمأزق العمالة كما كان. باتت معظم فروع القطاع العام تشكو من زيادة عدد الموظفين بنسبة الثلث وأكثر في بعض الدول. والأهم من ذلك أن ليس بمقدور القطاع العام القيام بدور الملجأ للأعداد الكبيرة من العاطلين من العمل بسبب تغير الظروف المالية عبر المنطقة.
اعتمدت تنمية الدول العربية بشكل كبير على مصادر مالية ثلاثة: النفط، دفق المساعدات، والتحويلات المالية للعاملين في الخارج. أمّنت هذه المصادر دعماً أساسياً للعائدات العامة والمدخرات الخاصة، كما دعمت سياسات العمالة في القطاع العام على نطاق واسع في الماضي. غير أن هذه المصادر كافة تخضع حالياً لضغوط كبيرة. ستستمر عائدات النفط في انحدارها كما كانت عليه الحال خلال العقدين الأخيرين. تنذر النظرة البعيدة المدى بتراجع ثابت لأسعار النفط عن المستوى الحالي إلى المعدلات التي كانت عليه في سبعينات القرن العشرين. ستنفد موارد النفط المعروفة في بعض الدول، في الجزائر في فترة تقارب الأربعة عقود وفي مصر وجمهورية اليمن قبل ذلك بكثير. من جهة أخرى، ستنخفض الصادرات مع ارتفاع الاستهلاك الداخلي للطاقة ومع ازدياد عدد السكان. وهكذا، مع تراجع إنتاج النفط، سينخفض الريع للفرد، وسيكون هذا التراجع أكثر حدة من العقدين الماضيين.
من المتوقع أن ينخفض أيضاً دفق المساعدات، باستثناء مراحل مؤقتة من حيث الأهمية الاستراتيجية وحل النزاعات. أخيراً، لا تُبشر التحويلات المالية بالازدياد بشكل ملحوظ وذلك نتيجة تدهور إمكانيات الهجرة من أجل العمل.
خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين، أمّنت هجرة اليد العاملة مخرجاً أساسياً للعمال في العديد من الاقتصادات العربية غير المنتجة للنفط.في أواسط ثمانينات القرن العشرين، ما يقارب العشرة في المئة من اليد العاملة في مصر وتقريباً 15% من اليد العاملة اليمنية عملت في المهجرو بشكل خاص في دول الخليج. في جميع الأحوال، شهد العقد الماضي بطئاً في تدفق العمال العرب إلى الدول الأخرى في المنطقة وانخفضت الهجرة إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
ففي حين كانت الحاجة إلى زيادة في فرص العمل تكبر كانت المصادر التقليدية لخلق فرص العمل في المنطقة تتقلص.
IV الحاجة إلى ثلاثة تحولات محورية
إذا كان على المنطقة أن تضمن حصول اليد العاملة على فرص عمل كافية وإمكانيات لارتفاع الأجور على حد سواء، فلا بد أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي المنطقة ضعف معدّله الحالي أي من 3% خلال تسعينات القرن العشرين حتى 6 إلى 7 % سنوياً ولفترة مستدامة. إن هذا لتحدٍ هائل يعادل تحدّي سوق العمل. بغية وجود حل لتحديّي النمو والعمالة، لا بد أن تتبع الدول العربية مجموعة من السياسات الطويلة الأمد وأن تواجه التحديات المؤسساتية لاكمال ثلاثة تحولات محورية مترابطة في اقتصاداتها:
- من اقتصادات يسيطر عليها القطاع العام إلى اقتصادات يسيطر عليها القطاع الخاص.
- من السياسات الاقتصادية المغلقة إلى سياسات أكثر انفتاحاً.
- من السياسات الاقتصادية المتقلبة المتركزة على النفط إلى سياسات أكثر استقراراً وتنوعاً.
1- توسيع دور القطاع الخاص في اقتصادات الدول العربية.
تعتبر مساهمة القطاع الخاص في القيمة المضافة في المنطقة العربية منخفضة بالمقارنة مع المناطق الأخرى. في حين حاولت معظم الدول العربية توسيع نشاط القطاع الخاص منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين إلا أنه تطور هامشيا خلال تسعينات.إن مجال توسيع نطاق القطاع الخاص واسعة في المنطقة العربية إلا أنه يحتاج إلى اقتصاد ومناخ سياسي مواتيين.
تعزيز مناخ الاستثمار
تصطدم الشركات الجديدة في العالم العربي بعوائق إدارية وتنظيمية مكلفة من حيث الوقت والكلفة المادية. في ما يخص الشركات الجديدة، تبلغ كلفة التقيد بالتنظيمات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ضعف الكلفة ذاتها في أوروبا الغربية وخمس مرات معدّل هذه الكلفة في شرق آسيا أو أميركا اللاتينية والكاريبي.
يضاف إلى ذلك تكاليف مرتفعة متعلقة بالتراخيص والضرائب الداخلية والرسوم على الواردات والتنظيمات التي تبطئ عملية التصريح الجمركي.
تظهر الاستطلاعات أن المستثمرين المحتملين في العالم العربي يواجهون حواجز جمة تعرقل دخولهم الأسواق، مثل العمليات المعقدة للحصول على الرخص، والتنظيمات المعقدة واجراءات المناقصات غير الشفافة. أضف إلى ذلك تقبّل المسؤولين الرسميين للممارسات غير التنافسية.
في المغرب، أقرّت نصف الشركات بضرورة تعيين وسطاء أو موظفين لدوام كامل بغية القيام بالمعاملات البيروقراطية. أما في الأردن، يضطر المستثمر المحتمل الراغب بتسجيل شركته للانتظار ثلاثة أشهر – ويكون نصف هذه المدة مخصصاً للقيام بإجراء وحيد: المعاينة لدى الوزارة المختصة.
تشكو المؤسسات التجارية في المنطقة من عوائق النظام القضائي، فهو لا يسهل عمليات إعادة هيكلة المؤسسات القابلة للاستمرار وعمليات إيقاف المؤسسات غير القابلة للاستمرار. تتخلف المنطقة العربية " بالمقارنة مع المناطق الأخرى من حيث التعقيد والوقت الذي تتطلبه مباشرة وإتمام الإجراءات القانونية.
تعزيز النظام المالي والبنى التحتية لتشجيع الأعمال يشكل ضعف البنية التحتية والنظام المالي في المنطقة عبئا آخر على الأعمال والتجارة. تشكو نصف الشركات الخاصة في المنطقة تقريباً من كون حالة البنى التحتية تشكل عائقا تتراوح درجة خطورته من المتوسطة إلى الكبيرة. فقطاعا المواصلات والاتصالات، وهما نوعان أساسيان من الخدمات، غير متطوران للغاية. وبسبب هيمنة المصارف العامة التي تفضل الشركات المملوكة من الدولة والشركات الصناعية الكبيرة والمؤسسات غير الموّطنة، تعاني الشركات الصغرى من صعوبات كثيرة في مباشرة وتشغيل ما تحتاجه من رؤوس أموال.
تسريع عملية الخصخصة أخيراً، ما زال العديد من الخدمات ذات أهمية استراتيجية للقطاع الخاص – القطاع المصرفي والاتصالات، والنقل- ملكاً للدولة في معظم الدول العربية. ركزت الخصخصة في تسعينات القرن العشرين على شركات الصناعة التحويلية ولم تتوسع إلا مؤخراً لتشمل خدمات أخرى كالاتصالات. وحتى في حالات إحراز تقدما في خصخصة الخدمات، بقيت الاجراءات التنظيمية ضعيفة.
ب- الاندماج في العالم:
محدودية اندماج الاقتصادات العربية. فشلت الدول العربية في ركوب موجة الاندماج بالتجارة العالمية. انخفضت درجة اندماج المنطقة بالعالم، وهي تفاس بنسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 92% من الناتج المحلي الإجمالي في 1980 إلى 70 بالمئة تقريبا سنة 1985 وهي تعادل الآن 65%.ساعدت الطفرة النفطية المنطقة في تحقيق نسب عالية من الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي في المراحل الأولية، لكن استمرت هذه النسبة بالهبوط بسبب استثمار عائدات النفط في الداخل، في قطاعي البنى التحتية والخدمات (وليس في القطاعات المتاجر بها).
إن مجال توسيع نطاق التجارة في المنطقة كبير للغاية. تبلغ الصادرات غير النفطية ثلث ما يمكن أن تكون عليه إن أخذنا بعين الإعتبار خصائص المنطقة من حيث التمتع بالموارد، الحجم والجغرافيا. واردات الصناعات التحويلية هي فقط نصف ما يمكن ان تكون عليه. معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر ممكن أن تكون أعلى مما عليه الآن بخمسة إلى ستة أضعاف.
تتميز التجارة العربية بدرجة عالية من التركيز على صعيدي الجغرافيا والمنتوجات. وحين انخفضت حصة النفط ومشتقاته في مجموع الصادرات، لا يزال هذا الأخير يشكل السلعة المصدرة الرئيسية في المنطقة. في سنة 1978، كانت نسبة النفط ومشتقاته 76% من صادرات البضائع، وتراجعت هذه النسبة إلى 58% سنة 2001. إن قطاعات الصناعة التحويلية في معظم الدول صغيرة حسب المقاييس العالمية، وتعادل نصف معدلات دول ذات الدخل المتوسط المنخفض. شهدت بعض البلدان الفقيرة الموارد، مثل تونس والمغرب، أنخفاضا كبيرا في تركيز منتوجاتها التجارية، تعادل معدلات دول مثل تشيلي وماليزيا. شهدت الدول الغنية بالموارد واليد العاملة مثل الجزائر ومصر وسوريا، وتنوعا محدودا. أما بالنسبة لمنتجي النفط الكبار (ليبيا واقتصادات مجلس التعاون الخليجي) فلم يعرفوا أي تحسين يذكر على صعيد التنوع.
العوائق في طريق الاندماج.
ساهمت حواجز عدة في منع الدول العربية من الاندماج في العالم. تعد الأنظمة التجارة في الدول العربية من أكثر الأنظمة حماية، و لا تزال الرسوم الجمركية مشتتة ومرتفعة. ولا تزال الحواجز غير الجمركية كالاجراءات الطويلة للتقيد بالمعاملات الجمركية ومقاييس مراقبة النوعية، متفشية في المنطقة. وتضاعف تأثير هذه الحواجز لكون أسعار الصرف مقيمة بأكثر من قيمتها الفعلية.
بالإضافة، الحواجز "ما وراء الحدود" كثيرة. إن تكاليف النقل والسوقيات والاتصالات مرتفعة ً وتساهم برفع كلفة التجارة. أضف إلى ذلك ضعف مناخ الاستثمار الذي لا يشجع نشوء الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتواجد هذه الشركات عاملا أساسيا لنجاح التجارة.
إزالة العوائق أمام التجارة.
تحتاج المنطقة العربية إلى تسريع وتيرة اندماجها في الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ، كما تحتاج إلى تخفيض درجة الحماية الجمركية، وتفكيك الحواجز غير الجمركية غير الفعالة، وإزالة عوائق"ما وراء الحدود"على التجارة التي رفعت تكاليف التجارة ولم تشجع الاستثمار الداخلي والأجنبي في المنطقة. ولا بد من تصحيح أسعار الصرف التي ُقيمت بأكثر من قيمتها الفعلية طوال العقدين الماضيين.
ضرورة الاصلاح التجاري.
أصبحت سياسات الانتظار والترقّّب مكلفة بخصوص الاندماج في التجارة العالمية. تواجه المنطقة منافسة شديدة في الأسواق العالمية على صعيدي المهارات واليد العاملة، مما يؤثر على الصناعات والأنشطة الرئيسية كالنسيج والألبسة والهندسة الخفيفة والصناعة التحويلية. في ما يختص بكثافة المهارات، تواجه المنطقة تهديدين يتمثلان بلنصمام دول أوروبا الشرقية بالإتحاد الإوروبي، والوحدة الجمركية بين تركيا والغتحاد الأوروبي، وهو أضخم سوف للصادرات العربية. وتمثل كتل إقليمية وإتفاقات للتجارة الحرة أخرى تحديات أخرى. واستفادت منطقتا أوروبا وأسيا الوسطى وأميركا اللاثينثة والكاريبي وكلتاهما منطقتان ذات دخل متوسط ومواصفات مشابهة للمنطقة العربية من حيث مهارات اليد العاملة، من إصلاحات تجارية وإندماج بالأسواق العالمية على نمط متسارع في السنوات الأخيرة، مما جعلها تكسب حصة سوق بسرعة في حين مال زال العالم العربي يتأخر. وما ُيعمّق مشكلة التنافس عدم التناسق بين المهارات المطلوبة من الشركات وتلك التي ينتجها نظام تعليم لا يزال مرتكز على تخريج دفعات من موظفي القطاع العام.
تواجه المنتوجات والسلع ذات التركيز على العمالة تحديا جديدا من جهة الإقتصادات ذات الاجور المتدنية والإنتاجية العالية مثل بنغلادش، الصين، الهند، إندونيسيا وفييتنام. ستزداد المنافسة مع إلغاء الكوتا التفضيلية على الإقمشة والألبسة في سنة 2005، والتي هي ذات إهمية للعمالة في الصناعة التحويلية وأرباح الصادرات في المنطقة. إن هذه القطاعات المعتمدة على اليد العاملة، والتي تشغّل أكثر من مليون عامل، هي من القطاعات القليلة التي تشهد المنطقة من خلالها زيادة في حصة السوق – ويعود ذلك جزئيا إلى أسواق الإتحاد الأوروبي المحمية. إن أخذنا بعين الإعتبار إنتاجية العمالة، نرى أن كلفة العمالة في قطاع الألبسة في الدول العربية أعلى بكثير من ما هي عليه في دول آسيا الكثيرة السكان، لكنها أدنى من الكلفة ذاتها في دول أوروبا الشرقية. ومع تأجيل الإصلاحات التجارية والإصلاحات المتعلقة بها، تتزايد الصعوبات التي يواجهها المصدرون في مجابهة هذه الضغوط التنافسية.
كيف يمكن أن تزدهر التجارة العربية.
سوف يستجوب مستقبل التجارة العربية تخصص في الصناعات التحويلية، لتقليص سلسلة الإنتاج والسماح بدرجات تخصص أكبر ضمن هذه السلسلة في مجالات المهارات وكلفة العمالة والإنتاجية. بإمكان الدول ذات الموارد الفقيرة في المنطقة الاستفادة من سلاسل الانتاج هذه، ونظراً لحجمها الصغير تصبح الإمكانيات غير محدودة في الاسواق العالمية. كما تستطيع دول أكبر الاستفادة من تخصص مماثل، إذ ستؤدي أسواقها المحلية الأوسع وقربها من الأسواق العالمية الأساسية إلى توفّر احتمالات صناعية محلية على نطاق واسع.
دور الاتفاقات التجارية الاقليمية
يمكن أن تكون الاتفاقات التجارية الاقليمية أداة مهمة للاصلاح. إن التجارة مع أوروبا، الشريك الجغرافي الطبيعي للمنطقة العربية أقل من ما يمكن أن تكون عليه بكثير. قد تؤمن الاتفاقات مع الاتحاد الاوروبي توصلا مباشراً وموسعا داخل أسواق الاتحاد في مضمار الزراعة، كما أنها قد تزيد من الهجرة المؤقتة، وتوفر الأموال لادارة تكاليف المرحلة الانتقالية وقواعد منشأ أكثر فعالية.
في الوقت عينه، تحتاج الدول العربية إلى الحفاظ على منفذ إلى الأسواق العالمية، وأن تربط الاصلاحات على صعيدي الاستثمار والتجارة بإطار متعدد الأطراف كمنظمة التجارة الدولية مما يمنح هذه الدول مصداقية أكبر. تعيش نصف الشعوب العربية فقط في دول أعضاء في منظمة التجارة الدولية وهي أقل نسبة بين كل المناطق النامية. ويعود ذلك جزئياً إلى عدد الدول العربية تحت عقوبات التجارة والاستثمار الأجنبي. إلا أن هذه الحالة نتيجة خيارات هذه الدول أيضاً.
اختارت الدول العربية بشكل عام التدبيرات التجارية التفضيلية مع الاتحاد الأوروبي مما كان محبذاً مباشرا بسبب القرب الجغرافي ودعم الاتحاد الأوروبي التقني والمادي. بالإضافة، كان مصدرو النفط الرئيسيين حذرين تجاهإخضاع تجارة النفط لقوانين منظمة التجارة الدولية. إلا أن تسريع عمليات العضوية في منظمة التجارة الدولية أمر ضروري- المرحلة الانتقالية للدول العربية تعتمد على مؤشرات ثقة، إذ أن مصداقية سياسات الحكومة التي تبدي التزاماً أمام منظمة العمل الدولية تمنح المستثمرين الخارجيين أكبر ثقة في عمليات الاصلاح.
تجارة اقليمية محدودة وإمكانيات للتوسع
جرت محاولات عدة للإسراع في اندماج الدول العربية بين بعضها خلال منتصف القرن الأخير، إلا أن أغلب هذه المحاولات فشلت في تدعيم التجارة داخل المنطقة. وبلغت نسبة الصادرات الاقليمية البينية 8-9% منذ ثمانينات القرن الماضي، بالمقارنة مع 22% لدول مجموعةASEAN الاسيوية و 25% لدول MERCOSUR )الأرجنتين والبرازيل والاوروغواي). تساهم عوامل عدة بالحيال دون تهيء مناخ ملائم للتجارة بين الدول العربية، من هذه العوامل: الحواجز أمام الواردات، سواء مباشرة من خلال الجمارك أم بطريقة غير مباشرة عن طريق القطاع المالي. أضف إلى هذه العوامل، عدداً كبيراً من عوامل أخرى تمنع تكوين هذا المناخ الملائم. هناك مسائل عديدة تتعلق بالبنى التحتية كالاتصالات غير الملائمة، والحماية المفرطة للتجارة، وعوائق ولّدتها الخلافات الحدودية وأخيراً الاختلاف على صعيد مقاييس الانتاج. تحتاج المنطقة العربية إلى إزالة هذه العوامل وأن تتيح للصادرات الفرصة لكي لتكون على نفس مستويات صادرات باقي العالم.
إن احتمال تزايد التبادل التجاري بين الدول العربية والاستثمار كبير ويمكنه أن يؤدي إلى زيادة في الاستثمار والانتاج والعمالة. وتعززالاتفاقية العربية لإقامة منطقة التجارة الحرة الموقعة منذ فترة وجيزة الجهود السابقة وتفتح الآفاق أمام فرص جديدة. غير أن تأثيرها يبدو محدوداً للأسباب التي نوقشت سابقاً من جهة ولكونها بقيت محدودة فيما يخص مجالي الزراعة والخدمات،كما بقيت قواعد المنشأغير واضحة تاركة الباب مفتوحاً أمام احتمالات استمرار استعمالها لسياسات حمائية.
في جميع الأحوال لن تحل عملية الإندماج الإقليمي بين الدول العربية محل الإندماج في الإقتصاد العالمي. أثبتت التحليلات والدروس السابقة أنالإندماج الإقليمي يكون أفضل وأنجح إذا ترافق مع إنفتاح على باقي العالم. بالإضافة، قد يبقى الإقتصاد العربي المُدمَج صغيرًا نسبيا مما لا يمكنه من تسخير فرص الاقتصاد العالمي في ما يتعلق بالإنتاج و للتكنولوجيا والاستثمار.
ج. إدارة الموارد النفطية:
بالإضافة إلى مشاركة وانفتاح أكبر من قبل القطاع الخاص ، تحتاج الدول العربية إلى تنويع إقتصاداتها عبر الإبتعاد عن قطاع النفط، وسيتطلب ذلك تغييرات في المؤسسات التي تدير الموارد النفطية وفي كيفية توسيطها.
يتطلب التنوع الاقتصادي سياسات مالية وأخرى متعلقة بإدارة النفقات العامة ملائمة بالإضافة إلى إجراءات بغية توسيع القطاع الخاص التنافسي خارج قطاع النفط. هذا يعني إقامة المؤسسات المناسبة، وإدخال الضوابط على ميزانية الدولة التي تكفل حماية الإنفاق الحكومي من تقلّبات أسعار النفط، كما تحقّق المحافظة على عائداته بما يُمكّن الأجيال القادمة من استمرار الاستفادة منها عندما تنضب موارده. هذا يعني أيضاً تحسين فاعلية الإنفاق العام من خلال تطوير نظم الميزانية العامة والتأكيد على رفع مستوى الأداء وعلى مبدأيْ الفاعلية والمساءلة.
إنّ تنويع النشاطات الإنتاجية هو أولوية متنامية، ليس فقط بالنسبة للدول المعروفة باقتراب نضوب احتياطاتها النفطية، ولكن بالنسبة لجميع الدول المنتجة للنفط. إنّ معدّل صادرات المنتجات الهيدروكربونية للفرد ظلّ في تدهور مستمر في مختلف بلدان المنطقة، وقد صحب هذا التدهور انخفاض في الطلب المحلي على الطاقة مع تسارع نموّ السكان. ومن ثمّ فإنّه يتحتّم على حكومات المنطقة أن تطوّر مصادر جديدة لإيراداتها من أجل أن تضمن فعالية نفقاتها العامّة.
كما يُعد التنويع أساسيا لخلق فرص العمل. تزداد اليد العاملة بشكل سريع بحيث لا يستطيع القطاع العام وحده تحمل مسؤولية توظيفها، خاصة إثر انهيار عائدات النفط. فلا بد من خلق فرص عمل جديدة كثيرة في اقتصادات الدول العربية. بغية تحقيق هذا الهدف، لا بد من اللجوء إلى التنويع نشاطات المنطقة الإنتاجية على نطاق واسع، مما يؤسس لمعدلات عمالة أكبر. لا يكتفي التنوع في النشاطات بخلق فرص العمل المطلوبة إنما يساهم بحماية اليد العاملة من تذبذب أسعار النفط.
V تحولات تعتمد على إدارة حكم أفضل و مستوى تعليمي أعلى ومساواة بين الجنسين:
لا يمكن تحقيق التحولات الثلاثة – وهي محوريّة لمعالجة تحدّي العمالة في المنطقة بمجرد تغيير السياسات. فأسس أي من هذه التحوّلات يكمن في تحسين شامل لإدارة الحكم على كل المستويات. ينطوي كل تحوّل على تغييراتٍ عميقةٍ في دور الحكومات وعلى تحسيناتٍ جديّةٍ في فعاليتها. لذا لا يجب أن يُعتبر جدول أعمال إدارة الحكم تحدّياً منفصلاً يُعالج على وتيرة خاصةٍ به. بل هو جدول أعمال يكمّل ويعزّز جهود الإصلاح في الاستثمارات الخاصة، والتجارة، والتنويع الاقتصادي. وذلك من خلال تغيير آليات إدارة الحكم، ما يؤدي إلى تحسين القدرات والحوافز ضمن الحكومات على إعطاء دور أكبر للمجتمع المدني في عملية إدارة الحكم. ورغم أنّ تحسين إدارة الحكم لا يضمن سياسات اقتصادية مثالية، إلاّ أنه يشكّل حماية لا غنى عنها لتفادي استمرار السياسات الرديئة، ولضمان أن السياسات الجيدة المطلوبة لتحقيق إمكانيات النمو في منطقة الـ "مينا" تحظى بشرعية وتنفذ بإخلاص وسرعة.
يتمثل التحدي الأساسي أمام إدارة الحكم بتدعيم الحوافز والآليات والقدرات من أجل مؤسسات عامة أكثر مساءلة و تضمينية، كذلك نشر الامتثال بالمساواة والمشاركة في المجتمع. تمثل آليات الحكم الجيد هذه الخطوات الأولى في تعزيز السياسات الإقتصادية التي تشكل أدوات لتحسين المناخ والحوافز لنمو فعال.
بغية تحسين إدارة الحكم في المنطقة لا بد أن يتعهد كل من الحكومات والشعوب علنا بوضع وتطبيق برنامج لتعزيز تضمينية ومساءلة الحكومة، وزيادة الشفافية والتنافسية في الشأن العام. تتنوع هذه البرامج عبر الدول، غير أن عملية صياغتها يجب أن تتبع مقاييس عالية لتتضمن فئات المجتمع كافة و لتقوم بالمداولات لعلنية لضمان شفافية العملية.
تعزيز التضمينية
تكمن الخطوة الأولى لتعزيزالتضمينية في اعتماد القوانين والتنظيمات التي تؤمن التوصل إلى حقوق وحريات أساسية أوسع، من بينها:المشاركة و المساواة أمام القانون خاصة للنساء. أما الإجراءات الأخرى الثي تعزز التضمينية فهي على سبيل المثال: آليات استشارية أفضل، و حرية وسائل الإعلام والحد من القيود المفروضة على المجتمع المدني، وتوصل إلى الخدمات الإجتماعية أكثر مراعاة للمساواة ووضع حد للقوانين والتنظيمات التمييزية. لا بد من تكميل هذه الإجراءات كافة بأجهزة رقابة قوية تضمن معاملة المسؤولين للمواطنين بالتساوي.
...و المساءلة
غير أن التركيز يجب أن يكون على آليات المساءلة وخاصة الشفافية والتنافسية. المساءلة الخارجية والمساءلة الداخلية مرتبطتان. إن الأولى أساسية لتأمين الحوافز للحكومات من أجل تدعيم هيكلية المساءلة الداخلية ولذايتوجب الإصلاح على الجبهتين. قد تتمثل المساءلة الخارجية بإجراءات على الصعيدين المحلي والوطني لأجل مساعدة المواطنين في المشاركة في إدارة الحكم ومراقبتها. تتضمن هذه الاجراءات حرية إعلام أكبر وتوصلا تاما إلى المعلومات عن أفعال الحكومات بما فيه الإفصاح عن أعمال الحكومة والحصول على المعطيات عن نوعية خدماتها، و نقاش عام أوسع عبر وسائل إعلام مستقلة ومسؤولة ومنظمات المجتمع المدني، وأخيراً انتخابات تنافسية ومنتظمة تخضع لرقابة خارجية تؤكد على نزاهتها. أما على الصعيد المحلي فقد ترتكز إصلاحات المساءلة الخارجية حول إعطاء المواطنين آليات تمكنهم من إبداء رأيهم عن الهيئات العامة بشكل فعّال، وتوسع خياراتهم في الحصول على الخدمات العامة وتعطي صلاحيات أكبر للتجمعات المحلية.
يمكن تدعيم المساءلة الداخلية بخلق آليات وحوافز داخل الحكومات تضمن عملها بشكل فعال ولاجل المصلحة العامة. على الصعيد الوطني يستلزم تدعيم الضوابط داخل الحكومة، و بخاصة استقلالية السلطات القضائية والتشريعية، وخلق هيئات رقابية مستقلة كالوسيط ombudsman)). في ما يتعلق بالتنفيذ فهو يتطلب اصلاح الإدارة العامة، وتطوير الميزانيات الحكومية بجعلها تتمحور حول الأداء، وتدعيم قدرة الموظفين على تقديم الخدمات وتحسين قدرات السلطات المحلية وضمان استقلالية الأجهزة التنظيمية.
تدعيم نوعية التعليم أمر بالغ الأهمية يستلزم التحول إلى إقتصاد السوق مندمج في الإقتصاد العالمي توسيع رأس المال البشري و تعميقه، كما يستلزم تغييرات في نتائج نوعية أنظمة التعليم في المنطقة. تؤكد استطلاعات الشركات في الدول الغنية باليد العاملة كما في الدول المستوردة لها، أن النقص في المهارات يشكل عائقاً كبيرا أمام التوظيف. يعود القصور في نوعية التعليم إلى عوامل عديدة منها المركزية المفرطة في إدارة التعليم و التقييم النادر للاداء والترقية المعتمدة على الأقدمية لا على الاداء.
يجب أن ينبثق تحسين نتائج التعليم في المنطقة من داخل القطاع التعليمي إنما من الممكن أن تساهم التحولات الثلاثة المذكورة أعلاه بإنجازه. أدّت السياسات الماضية التي منحت الوظائف في القطاع العام لأصحاب الدراسات المتوسطة أو العليا بدون الإطلاع على مضمونها أو نوعيتها، إلى اتجاه الطلاب العرب إلى تحصيل شهادات عليا قلما ترتبط بالمهارات المطلوبة سواء في القطاع الخاص أم في العمل الفعال في اطار القطاع العام. ومع توسيع دور القطاع الخاص في الإقتصاد، ستبعث مؤشرات ملائمة أكثر للطلاب بشأن أنواعع الاختصاصات المطلوبة والكفيلة بالمكافأة.
من جهة أخرى، يؤدي انفتاح أكبر إلى تعزيز التعليم إذ يشجع المنافسة والتكنولوجيا الحديثة ويزيد الطلب على اليد العاملة الماهرة ويمكّن مستوى التعليم عن طريق الممارسة. يحث الانفتاح الصناعات على مواجهة عدم فعاليتها،إذ يجبرها على التكيّف لأجل المناافسة الناجحة يولد ذلك طلباً على المهارات الجديدة.
مشاركة أفضل للمرأة في الحياة الاقتصادية أمر ضروري إن نجاح هذه التحوّلات مرتبط بإحراز تقدّم في تعزيز المساواة بين الجنسين. قد سبق وحصل تقدّم مذهل في ردم الهوّة بين الجنسين في مجالي التعليم والصحّة. غير أن هذا التقدّم لم يُتَرجم في زيادة مشاركة المرأة في القوة العاملة بنسبة ملائمة. إن نسبة مشاركة المرأة في القوة العاملة لا تتعدّى الـ33% في العالم العربي وهذه أدنى نسبة في العالم (بالمقارنة مع بين 45% و 75% في مناطق أخرى من العالم)، وينجم ذلك عن مجموعة قوانين مدنية وتوظيفية وتجارية لا تشجع المرأة على دخول سوق العمل.
في هذه المرحلة من الضغط الاستثنائي على العالم العربي لخلق فرص العمل، لم نشاهد حوافز لتعزيز فرص عمل المراة، حيث يعتقد البعض أن مشاركة المراة في مجال العمل سيزيد من حدة البطالة لدى الرجال في ظل المناخ الحالي المتمثل بضعف النمو وارتفاع نسبة البطالة. لكن لا تدل التحليلات التجريبية على ذلك. فتثبت التجربة الدولية أن على المدى الطويل، زيادة مشاركة المرأة في القوة العاملة ليست مرتبطةً بارتفاع معدلات البطالة الكلية.
المنطقة بحاجة إلى استخدام كل طاقاتها البشرية ومواهبها ومشاركة المرأة في القوة العاملة تساهم في تنمية المنطقة. تعاني المنطقة من أعلى معدلات تبعية اقتصادية في العالم (أي كل عامل يعيل شخصين غير عاملين، وهذا ضعف ما نراه في شرق آسيا مثلا)، وذلك يخسّر المنطقة العربية فرصاً لزيادة رخاء العائلة والمجتمع. إن مشاركة أنسائية أكبر في القوة العاملة تتناسب مع ما يمكن توقعه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مستوى تعليم المرأة وهيكاية الأعمار ومعدلات الخصوبة، قد تسمح بزيادة دخل العائلة ما بين 15 و30% في معظم الدول. أضف إلى ذلك أن هذه الزيادة في المشاركة تمكن العائلات من التكيف مع ظروف الاقتصاد المتغيّرة.
يتضمن برنامج العمل لردم الهوة بين الجنسين تعديل القوانين التي تحول دون الاعتراف بحقوق متساوية للجنسين في دساتير معظم الدول. كما قد يتضمن هذا البرنامج ضمان بنية تحتية داعمة تسهل عملية مشاركة المرأة في المجال العام، بما فيه استمرارالاهتمام بتعليمعا، خاصة في المجالات التي تؤمن مهارات أفضل لجهة سوق العمل. أخيراً، يتضمن هذا البرنامج تغيير قوانين العمل التي ترفع كلفة عمل المرأة نسبةً إلى كلفة عمل الرجل مما أدّى إلى عدم تشجيع القطاع الخاص على توظيف النساء.
VI برنامج عمل طموح لكن قابل للتحقيق.
نمو كبير ومكاسب على صعيد العمالة. قد يكون تأثير رزمة تحوّلات متكاملة في السياسات تحسّن المناخ التجاري والاستثماري للقطاع الخاص وتنمّي التكامل مع الاقتصاد العالمي كبيرا جدّا. بناءً على خبرات دولٍ مقارنة، يمكن زيادة إنتاجية العمال بما يعادل 2 إلى 3 في المائة سنوياً. كذلك يساهم تحسين مؤسسات المساءلة والإدارة العامة بزيادة نمو الإنتاج للفرد بنسبة 0.8 و 1.3 في المائة سنوياً. ورفع مستوى مشاركة المرأة في القوة العاملة إلى مستويات شبيهة بالتي تميّز دول المنطقة العالية الأداء ، فيمكنه أن يزيد نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7 في المائة سنويا. مع أن هذه التأثيرات ليست قابلة للجمع، تشير تقديرات تحفظيةً لمجموع هذه التأثيرات إلى نمو أكبر لإنتاجية العامل الواحد بين 2.5 و 3.5 في المائة سنوياًا.
إن التحوّلات الاقتصادية والإصلاحات العميقة المقترحة كفيلة بخلق الملايين من فرص العمل الجديدة والمزيد من فرص العمل الأكثر إنتاجا في القطاعات المتاجر بها كالصناعات التحويلية والخدمات. مثلاً، سيتسبب ردم نصف الهوة فقط بين حصة الصادرات السلعية غير نفطية من مجموع الصادرات الحالية وهي تبلغ 6 في المائة حاليا في المنطقة العربية، وبين الحصة نفسها في منطقة شرق آسيا والباسيفسك وتبلغ 20 في المائة، بخلق أكثر من 4مليون فرصة عمل جديدة خلال الخمس سنوات المقبلة، من خلال زيادة الاستثمارات الخاصة الأجنبية والمحلية. يوازي ذلك تخفيض نسبة البطالة بنسبة 4في المائة من القوة العاملة. وكلما توسع جدول أعمال الإصلاح، كلما زادت الفوائد المرتقبة.
ولكن هل ذلك قابل للتحقيق؟ يبقى سؤال يطرح نفسه على الاقتصادات العربية: هل هذا التغيير قابل للتحقيق؟ أثبتت التجارب في العالم أن هذا التحول ممكن، إذ واجهت دول عدة أزمات سوق العمل تجاوبت مع التحديات السياسية بالإصلاح. فقلّصت الحكومات من مدى تدخلها في الأسواق وأعادت تأسيس الأطرالتنظيمية، وتعهدت إعادة هيكلة اقتصادية واسعة النطاق تضمنت خصخصة المؤسسات العامة على نطاق واسع، مع محاولة الحفاظ على أنظمة الرعاية الإجتماعية وحماية العمالة والأجور.
في مرحلة ما بعد الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية والوسطى سهلت ضرورة قيام أنظمة إدارة حكم سياسية واقتصادية جديدة عمليات الانتقال.في أماكن أخرى، طوّر السياسيون الاصلاحات الاقتصادية ضمن نطاق سياسات مستمرة. على سبيل المثال، في دول عدة في أميركا اللاتينية، اجتاز السياسيون والمصلحون مناخات سياسية معقدة تتضمن مصالح محصنة ومتنافسة. بالرغم من وجود موالين لفكرة إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه أقامت الحكومات ائتلافات لأجل اصلاح فعال وأعادت تنظيم أقتصاداتها على أسس إقتصاد السوق. أما الدول العربية فنجحت بإتمام اصلاحات انتقائية مع نتائج ايجابية وإن محدودة على مستوى أداء الاقتصاد.
لا تنبثق التحديات أمام الحكومات العربية من نقص في المعلومات والمعرفة حول الحاجات الأساسية، إذ إن السبل لتحقيق الإصلاح هي اليوم أفضل مما كانت عليه منذ عقدين. جرى في العقود الماضية تخزين قسطا كبيرا من الخبرة والمعرفة عن استراتيجيات التنمية والسياسات الإصلاحية التي تعطي نتاج جيدة وتلك التي لا تعطي النتائج المرجوة.
طريق جديد لعمالة أفضل.. وعقد اجتماعي جديد يتجلى قصورالمقاربات السابقة للإصلاح في تردّي ظروف أسواق العمل في العالم العربي. فالنموذج التنموي الذي ساد في المنطقة خلال الـ40 عاماً الماضية لم يعد اليوم يقدّم خلق فرص عمل اللازمة. لذلك، بغية الضمان أن مواطني العالم العربي يملكون هذه الفرص في ظل تعاظم الحاجة إلى فرص العمل، لا بد أن تتحول المنطقة نحو استراتيجيات للنمو ترتكزعلى إقتصاد السوق وتؤمن معدلات نمو أكثر ارتفاعاً لأجل نتائج أفضل في سوق العمل. هذا كله يستلزم تحولات أساسية في كل من الاقتصادات المنطقة.
تحتاج المنطقة إلى عقد اجتماعي جديد كأساس لعلاقات أكثر انتاجية بين الدولة، والعمالة والقطاع الخاص. سيقيم هذا العقد الجديد توازناً بين الاحتياجات لسوق أكثر ليونة من جهة وحقوق العمال من جهة أخرى.
ويربط هذا العقد بين الاصلاح ومبادئ تقليص الفقر، والمساواة في الدخل وحماية الدخل. كما سيعيد النظر في ظواهر العقد الاجتماعي القديم الاقصائية وغير الفعالة، على أنه سيختلف الأجندة التفصيلي وتسلسل الاصلاحات ونطاقها من بلد إلى آخر.
لا بد من الربط بين الاصلاح السياسي والاصلاح الاقتصادي
إنّ هذه الحكومات، إذا ما أرادت لعملية الإصلاح أن تتجاوز محدداتها الحالية، سوف تحتاج إلى إحياء الحوارات القومية، حول إصلاح سوق العمل، وحول إعادة هيكلة برامج إعادة توزيع الدخل، وإعادة تحديد مقومات العقد الاجتماعي. فإنّ المقاربات الموجّهة من أعلى لأسفل، ومتجنّبة الحاجة إلى تغيير سياسي من شأنه أن يؤمّن شرعية الإصلاح ويضمن وفاء الحكومة بالتزاماتها ، لم تعد تفي بعد الآن بالمراد.
في الواقع، لطالما كان ميل الحكومات العربية إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي ُيقدَّم كعذر لعدم تطبيق أجَندَة الإصلاحات العميقة التي تحتاجها المنطقة العربية لاستعادة حيويتها فتتمكن من مواجهة التحديات. إلا أن تكاليف الحفاظ على وضع قائم لم يعد قابل للتطبيق أصبحت عالية الآن وقد تهدد هذا الاستقرارنفسه، في ظل ظل تنامي الضغط على أسواق العمل.
في الوقت عينه، صارت الحاجة إلى التوصل إلى إجماع حول عقد اجتماعي جديد أمرا مصيرياً، كما أصبح الإصلاح السياسي الذي يدعم التضمينية والمساءلة، مرتبطاً بالاصلاح الاقتصادي.
قد يكون الإنتقال مكلفاً ويحتاج إلى إدارة.
ستترجم هذه التحولات بشكل تقدم في مناخ الأعمال والاستثمار، وفي فرص عمل جديدة، وظروف معيشية أفضل ونسبة فقر أقل في المنطقة العربية. إلا أن التكاليف اللازمة لتحقيق هذه الانتقالات قد تكون مرتفعة جداً. قد تعني عدم استقرار وخسارة الوظائف لبعض الأطراف كما قد تؤثر سلباً على بعض القطاعات الاقتصادية. وقد تزداد اللامساواة عندما تصبح الأجور ومردودية التعليم خاضعة لنظام السوق.
لذا، هناك حاجة لصياغة وتسلسل دقيقين للاصلاح ولإيجاد استراتيجيات تخفف من وطأة هذه التكاليف. كما هناك حاجة إلى مراقبة وتصويب دائمين للسياسات، لكن بدون التراجع عنها أو توقيفها ثم معاودتها.
المسؤوليات الداخلية مقابل المسؤوليات الخارجية.
تُعتبرالمباشرة ببرنامج طموح كهذا للإصلاح السياسي والاقتصادي تحدياً كبيراً. غير أن التحدي الأكبر هو إنماء شعورلدى مجتمعات المنطقة بملكية هذا البرنامج و إنماء ثقتهم بإمكانية تحقيقه. إن التشاؤم متشفي في المنطقة العربية. تشاؤم بخصوص إمكانيات تنافس المنطقة في التجارة، وخوف من منافسة الأسواق العالمية. تشاؤم بخصوص إمكانيات الإبداع وقدرة الأسواق والقطاع الخاص، وبخصوص القدرة على تعزيز إدارة حكم تتّسم بالتضمينية والمساءلة. إلا أن هذا كله لا أساس له.
أثبت التاريخ الحديث أن المنطقة قادرة على تحقيق التغيرات والتطورات إذا ما تحلت بالنية والعزم. ويروي تاريخ المنطقة أيضاً سلسلة من النجاحات على صعيد التطور، لذا لا بد من إحلال الثقة والطموح مكان التشاؤم.
تكمن المسؤولية في مواجهة التحديات في الداخل، أي هي بيد الحكومات والشعوب.
لا شك في أنه كان للعوامل والتدخلات الخارجية تأثيرها على المنطقة. كما أن العنف والخلافات اعترضت الطريق إلى الاصلاح، في حين لم يشجع الصراع المستمر والمنتشر في المنطقة الاستثمار الخارجي والقومي. أدّت النزاعات الإقليمية المزمنة إلى أثر للجوار طال المنطقة برمتها وقلّص من جاذبية المنطقة حيال المستثمرين في الخارج والداخل وزاد من كلفة الاستثمار فيها. استنفدت الصراعات الموارد وحولتها إلي استعمالات أقل انتاجية: الجيش والأمن، اللذان أضعفا جهود تعزيز إدارة الحكم. يتحمل الشركاء الخارجيون جانب من مسؤولية مساعدة المنطقة العربية على خلق الاستقرار والأمان، غير أن المسؤولية الأساسية لا تزال في داخل وصميم المنطقة.
[1] (1) اعتُمدت لاستخلاص التشخيصات و النتائج أربعة تقارير إقليمية هامة للبنك الدولي بمناسبة اللقاءات السنوية لصندوق النقد الدولي – البنك الدولي في دبي، أيلول 2003. تناولت التقارير المواضيع التالية: التجارة والاستثمار وإدارة الحكم و النوع الاجتماعي و العمالة.
[2] (2)تضم المنطقة العربية في هذه الدراسة الدول التي تُعد جزءاً من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي: الجزائر والبحرين وجيبوتي ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وعمان وفلسطين وقطر والمملكة العربية السعودية وسورية وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن، غير أن البيانات المتعلقة بالعراق وليبيا ناقصة دائماً، لذا فهاتان الدولتان لا تدخلان حيز الدراسة. كما استثنت الدراسة أربع دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي: جزر القمر وموريتانيا والصومال والسودان. غير أن هذه البلدان أخذت بعين الاعتبار في الأرقام والنسب الخاصة بإجمالي السكان واليد العاملة. عام 2000 قُدرت نسبة مجمل السكان في المنطقة العربية بـ 287 مليون نسمة وبلغ معدل الناتج المحلي الإجمالي 1.850 دولاراً للفرد وهو يتراوح بين 315 دولاراً في اليمن والسودان و13900 دولار في
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق