التسميات

آخر المواضيع

الاثنين، 24 أكتوبر 2016

الدراسة الميدانية من منظور جغرافي : د. مجدي شفيق السيد صقر ...


الدراسة الميدانية من منظور جغرافي

د. مجدي شفيق السيد صقر

أستاذ الجغرافيا البشرية المساعد

كلية الآداب - جامعة المنصورة


الأهداف العامة لمنهج الدراسة:

تأتي أهمية الدراسة الميدانية في أنها تنمي لدى طالب الجغرافيا عدة جوانب تدريبية وعملية نجملها في الآتي: 

أولاً: إتاحة الفرصة أمام الطلاب لمشاهدة أقصى ما يمكن معاينته من ظاهرات جغرافية طبيعية وبشرية في بيئات جغرافية تختلف عن البيئة المحيطة بهم. 

ثانياً: التغلب على اعتماد الطالب على التلقين والكلمة المطبوعة داخل قاعات الدرس وتعليه اللاندسكيب الطبيعي والبشري واستئناف ظاهراته، وبالتالي يتمكن الطالب من تحصيل المعلومات الأولية من مصادرها الأصلية سواء من الطبيعة أو من المقابلات الشخصية والاستبيان مع الأهالي. 

ثالثا: تدريب الطلاب على العديد من المهارات العلمية في مجالات متنوعة باستخدام الخرائط وتوجيهها بتوقيع بعض الظاهرات المستحدثة وعمل المقاطع والتدريب على رسم الكروكيات من الميدان الحقلي، واستخدام بعض الأجهزة كالبوصلة، وميزان إنبي والشريط في قياس المسافات ودرجة الانحدار، واكتساب خبرة التصوير الفوتوغرافي العلمي السليم للظاهرات الجغرافية باستخدام كاميرات التصوير وأفلام الستالايز. 

رابعاً: تحقيق مبدأ الشمول العلمي للمادة باعتبار علم الجغرافيا ميدان كلي متكامل، يرفض الازدواجية أو الفصل بين الجوانب البشرية والطبيعية، كما يلمس الطالب في العمل الحقلي بنظرة واحدة تشابك عناصر البيئة الجغرافية الطبيعية البشرية وتفاعلها في إطار من العلاقات المتبادلة بشكل قد يتعذر إبرازه في قاعات الدرس، عندما يجزأ ميدان الجغرافيا إلى مناهج ومقررات متخصصة.

الباب الأول

الفصل الأول : الدراسة الميدانية (ماهيتها – أهميتها – أهدافها )

الفصل الثاني: مستويات العمل الميداني

أهداف الباب الأول

أن يكون الطالب بعد دراسته للفصل الأول قادراً على الآتي :

1- معرفة بدايات الدراسة الميدانية في علم الجغرافيا بشكل أساس 

2- ملماً بشكل علمي سليم لمفهوم الدراسة الميدانية 

3- إدراك قيمة الدراسة الميدانية في اكتسابهم العديد من جوانب التعليم 

4- استشعار أن الدراسة الميدانية هي المختبر الجغرافي الأصلي.

5- معرفة العوامل التي تحكم التغير في أهداف الدراسة الميدانية.

6- استخلاص الأنواع المختلفة للأهداف التي يمكن أن يحققها العمل الحقلي.

7- معرفة الضوابط الرئيسية التي يجب الاعتماد في اختبار الدراسات الحقلية .

8- التمييز بين خصائص كل من الدراسة الميدانية في المراحل الجامعية الأولى والمستوى الجامعي المتقدم.

9- أن تستنتج الضوابط التي تحكم مختلف الدراسات الميدانية في مختلف الفرق الدراسية .

10- أن تقدر قيمة بعض النماذج التدريبية المفيدة للعمل في الميدان.

11- التمييز بين المستويات المختلفة للدراسات الميدانية.

الفصل الأول 

الدراسة الميدانية

(بداياتها – ماهيتها – أهميتها – أهدافها)

نبذة تاريخية عن بدايات الدراسة الميدانية في علم الجغرافيا:

   الإنسان منذ أن وطأت قدماه سطح الأرض بدأ في البحث والكشف والدراسة وتدقيق النظر ليكشف غموض كل ما يحيط ببيئته من أجل العيش عيشة آمنة، وما يكتنف تلك البيئة بكل مشتملاتها ومواردها وظاهراتها، وبذلك فقد كانت البدايات الأولى لعلم الجغرافيا تعتمد على المشاهدة المباشرة، وهي علاقة تفاعل تأثير بين الإنسان بالأرض، ومن هنا كان على الإنسان في ذلك العهد السحيق أن ينظر ويتأمل ويلاحظ ويفكر في كل ما يشاهده من ظاهرات تشكل في مجملها إطاره البيئي الذي يحيا فيه، وبالتالي فالدراسة الميدانية كانت بداية علم الجغرافيا. 

   لقد أشار بيكر (J. Baker) إلى أن العمل العظيم لمستكشفي (ق 20)، الذي قام ليكمل ما بدأه من سبقوهم لم ينته بعد ولعل في ذلك دعوة للأجيال إلى مواصلة البحث والدراسة، وهي دعوة للأجيال القادمة في أثناء اكتسابهم خبرات علمية أن يضيفوا إلى هذا الجهد العظيم، مما يدعو الأجيال الحالية إلى تخطيط مناهج جغرافية تثير الاهتمام بالدراسة الميدانية وتزيد من مستوى الحماس نحو هذا الأسلوب. 

  إن أعظم الدراسات والإضافات الجغرافية تلك التي جاءت من الدراسات الحقلية والملاحظة الميدانية، وعلى سبيل المثال نذكر ما قام به القدماء المصريون بتسجيله من المشاهدات والمعلومات الجغرافية، وما سجلته الحضارة البابلية، منن مشاهدات ميدانية على قوالب الحجارة منذ 4500 سنة، وكذلك جهود العرب مقتفي الأثر وما قدموه من كتابات جغرافية ظلت مصدراً للمعرفة قروناً طويلة، فقد قطعت الجغرافيا الوصفية عند العرب شوطاً بعيداً – خاصة – في عصر الخلفاء الراشدين، فنجد كتباً تصف بلاد الهند والبلاد الإسلامية في هذا المجال، كما نضيف إلى ذلك العامل عامل الاهتمام بفريضة الحج، حيث كان العرب على معرفة بالأمصار المفتوحة والمسالك التي تربطها بشبه الجزيرة العربية بصفة عامة ومكة المكرمة بصفة خاصة، وهنا يجب أن نشير إلى أهم الجغرافيين العرب الذي كانت لكل منهم بصماته الواضحة في مجال الدراسات الميدانية، فنجد ابن خرداذبة الذي ألف كتاب «المسالك والممالك» وتقدم فيه دراسة لأهم الطرق التي كانت توجد في العالم آنذاك، كما أشار إلى مواقع كثير من المدن والمسافات بينها، والسلع التجارية التي يزيد عليها الطلب في الأماكن المختلفة، كما نجد أيضاً معلومات ابن حوقل الذي قضى نحو 30 عاماً في تنقل وترحال، حيث تضمنت دراساته الحقلية وصف أنواع المناخ المختلفة والأقاليم الموجودة على سطح الأرض والتي تقع في دائرة الدولة الإسلامية، وقد ذكر كل شيء شاهده وحدوده ومدنه، وجباله، وأنهاره، وبحيراته والصحراء الموجودة به. ومن الرحالة العرب ذوي الشهرة (ابن بطوطة) الذي قطع رحلته من طنجة إلى الإسكندرية وزار الجزائر وتونس وليبيا، ثم رحل إلى فلسطين وسوريا ومكة المكرمة والمدينة المنورة وترك وصفاً للطريق الصحراوي بين القاهرة وفلسطين وأهم مدن فلسطين وسوريا التي مر بها، كما وصف طريق الحج إلى مكة وصفاً تفصيلياً ثم رحل حيث زار غرب إيران والعراق وغيرها من البلدان. 

  ومن العلماء العرب أيضاً المقديسي الذي زار أقاليم الإسلام المختلفة، وجمع معلومات كثرة عن تلك البلدان، ومنهم أيضاً ابن جبر وأبو الفدا. 

   هكذا ساهم الجغرافيون العرب في حركة الكشف الجغرافي، وجعلوا في أسفارهم الميدان سبيلهم نحو جمع المعلومات والحقائق الجغرافية عن الأقاليم التي زاروها، وكان طابع أسلوبهم للعالم المعمور، وذكر أهم المظاهر التضاريسية والمدن المهمة وأوجه النشاط المختلفة التي يمارسها أهالي الأقاليم وحياتهم الاجتماعية والإنتاج النباتي والحيواني والمعدني وهكذا كانت الجغرافيا عند العرب ما هي الإدارية ميدانية للنواحي الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية والطبيعية للبلاد التي زاروها. 

  كما نجد المكتشفون من غير العرب ومنهم «همبولت» الذي كان رائداً من رواد الملاحظة والتفحص لما يوجد على سطح الأرض من ظاهرات، حيث تجول في كثير من البلاد مثل إنجلترا وسويسرا وأمريكا الجنوبية والمكسيك (1799-1804)، وفي كل رحلة كان يلاحظ ويدون المعلومات، وقد قدم لنا كتابه «الكون» الذي عرض فيه فلسطين في علم الجغرافيا على أساس ما جمعه من حقائق جغرافية من خلال رحلاته الميدانية في أربعين مجلداً علمياً. 

   ومن أشهر الباحثين في مجال الدراسة الميدانية «ريتر» Ritter، حيث سجل مع طلابه من خلال رحلات طويلة العديد من الظاهرات الجغرافية، وكان يؤمن بمبدأ الترابط «Zusammenhang» ويدور هذا المبدأ على اعتبار الجغرافيا علم يعتمد على التأليف والترابط، كما نجد أيضاً هربرتسون الذي قام بعديد من الدراسات الحقلية مع تلاميذه في ادنبره، كما وضح ماكندر برنامجاً للدراسات الميدانية في بريطانيا، وكذلك تشجيع الجمعية الجغرافية الملكية R.G.S والرابطة الجغرافية (Geographical Association)، ومجلس الدراسات الحقلية Field studies وغيرها من المؤسسات على تدعيم الطرق المستخدمة (التكنيك في الدراسات الحقلية في جميع أنحاء بريطانيا). 

   وقد كان الأستاذ كون «G. J. Cons» الأصغر رئيس قسم الجغرافيا في كلية جولد سمث الجامعية رائد من وراد الدراسة الحقلية، وأحد واضعي منهج مناسب لها، متخذاً طريقة تنمية (الوعي لدى الطلاب مع الناس الذي يختلطون بهم في حياتهم اليومية بقصد الاستفادة بذلك في الدراسة الميدانية، حيث يكتسب الطالب الخبرة والمعرفة، ويتسع إدراكه للبيئة المحلية المحيطة من ثم يمكن تطبيق هذه الخبرة على البيئة الخارجية، ومن هنا يتعلم الطالب منهج الدراسة الميدانية من خلال البيئة المحلية التي هي بمثابة المعمل الجغرافي الذي تنضج فيه تجربة التدريب على المشاهدة الحيوية والتفسير العلمي، والتي يمكن نقلها بعد ذلك في دراسة الأماكن البعيدة عن بيئته المحيطة به لأن المنهج هو أساس المعرفة التي تأتي فيما بعد. 

   ويعتبر دولي ستامب من أكثر رواد الدراسة الميدانية المشهود لهم بالكفاءة على المستوى العالمي حيث استغرقت أبحاثه نحو «10 سنوات» أجرى خلالها مسحاً شاملاً لاستخدام الأرض في بريطانيا، وكذلك هتشبخر الذي أشار إلى أن المصدر الأساسي للمعلومات يتمثل في دراسة الأفراد والمجموعات في الحقل في البيئة المحلية المحيطة أو الخارجية من خلال ما يقدم للدارسين، وما يترك لهم للملاحظة وتسجيله. 

  وقد كان لهذا كله صدى تمثل في عدد من الدراسات الميدانية في مصر، كان بعضها دراسات علمية وتدريبية، وبعضها الآخر على المستوى التدريب الطلابي، ومن أمثلة النوع الأول دراسة نصر السيد نصر الأشموني «1950» وصبحي عبد الحكيم للإسكندرية، ومحمد حجازي العمران والمراكز العمرانية في محافظة شمال سيناء دراسة ميدانية (1986)، والسعيد البدوي وعبد اللطيف عصفور لقرية الدرعية عام 75/1976م، كما نجد دراسة خميس الزوكة لمركز رشيد، ودراسة فتحي محمد مصيلحي المجتمعات الحضرية الفقيرة عند الهوامش الحرجة بمدينة القاهرة 1990م، وفتحي بكير عزبة خورشيد «1990»، ودراسة سمير الدسوقي قرية شيبة النكارية عام 1986، ومحمد محمد الغلبان لمدينة طنطا عام 1987، والدراسة الميدانية لأحمد عبد الله حميد للمحلات العمرانية على طريق القاهرة – الإسكندرية الزراعي عام 1982م كما قام المؤلف بدراسات ميدانية عديدة عن العمران في مركز أولاد صقر عام 1990، وإقليم بحيرة المنزلة عام 1997، وفي قرى عديدة نذكر منها قرية ميت خميس «2002»، وقرية ميت حبيش «2004» وقرية تفهنة الأشراف عام «2003» ودراسة ميدانية للمسكن الريفي بالواحات البحرية عام «2000» وغيرها كثير، أما الدراسات التدريبية للطلاب فقد تم العديد منها على طول الربع الأخير من القرن العشرين الماضي في أقسام الجغرافيا في جامعات القاهرة وكان رائدها في ذلك صبري محسوب، وجامعة عين شمس وكان رائدها نبيل امبابي وكذلك في جامعات الإسكندرية، والزقازيق، وطنطا، كما دأب قسم الجغرافيا بكلية الآداب – جامعة المنصورة منذ سنوات على ترسيخ برامج الدراسات الميدانية خاض تجربتها عبد الحميد مع الطلاب ثم الكاتب ثلاثة عشر مرة متتالية حيث تركزت مناطق الدراسة الميدانية في خمس مناطق تختلف عن بعضها اختلافاً ملحوظا الأولى : منطقى أسوان والمناطق المجاورة لها، والثانية : منطقة الدراسات البحرية والفرافرة، والثالثة : منطقة جنوب سيناء والرابعة : منخفض الفيوم، والخامسة : منطقة البرلس وبلطيم .

الدراسة الميدانية (ماهيتها وأهميتها):

   أصبحت الدراسة الميدانية في وقتنا الحاضر أسلوباً من أساليب التدريس الناجحة في الجغرافيا الحديثة، حيث سبق أن ذكر العالم « راتزل» أسلوبه المعروف في دراسته لعلم الجغرافيا وهي :

أنا أسافر، أنا أرسم، أنا أصف « I traveled , I s;eched , I described»

   وهذا يعني أن تمر الدراسة الجغرافية بمراحل الأولى : المشاهدة الفاحصة للظاهرة الجغرافية ورسمها والثانية : أن تدون وتسجل المعلومات وتأتي المرحلة الثالثة من خلال التحليل واستنباط النتائج . وتتم هذه المراحل من خلال زيارة الطلاب للمنطقة المختارة للعمل الميداني ثم يبدأ الطلاب في استطلاع الظاهرات الموجودة بها والتعرف عليها وتحديدها ثم يقوموا بالمقابلات الشخصية وتوزيع استمارات الاستبيان وإلتقاط الصور الفوتوغرافية ثم تدوين وتسجيل المعلومات، ثم يقومون بعد ذلك ما تعرفوا عليه، وهذه الخطوات تعد روح ولذة الدراسة الميدانية.

  ولما كانت الجغرافيا في ذات الوقت جمعاً للمعلومات، وأسلوبا متميزا للدراسة والتدريس كانت الوسائل الميدانية أفضل الوسائل لتحقيق هذين الغرضين في أحسن صورة وأسرعها، حيث نجد الدراسة الميدانية« وسيلة وتخطيط» لاكتشاف تخطيط بعده اساتذة الجغرافيا، لخلق مواقف يستطيع طلابهم من خلال التعلم الذاتي لحقائق وأفكار جغرافية، ومن هنا لابد أن يكون أعضاء هيئة التدريس الجغرافيين على علم سابق بطبيعة العمل الميداني، وما يمكن اكتشافه من حقائق وأفكار، وهذا يعني أن الاستاذ الناجح هو الذي يقدم لتلاميذه منهجاً قائماً على خبراته الشخصية وقناعية أكثر مما يحفظ من معلومات، ويتوقف مدى نجاح الطلاب على ما يحصلون عليه من خبراتهم ومعلوماتهم عن طريق العمل الحقلي الميداني واكتساب الخبرات، وما تقدم الدراسة الميدانية من اهتماما عاليا لدى الطالب، بحيث تعني شيئا ما بالنسبة له، كما أنها وسيلة تمكن من تطبيق ما تلقاه من معلومات جغرافية داخل قاعات الدرس في الميدان، وتعلم نفسه بنفسه، وذلك بالمشاهدة الدقيقة والتسجيل الصحيح للظاهرات التي رآها، وتفسير ذلك في إطار علمي، وبالتالي تكوين طالب جغرافي تكوينا علميا ونظريا وتطبيقات في نفس الوقت 

   وقد اقترن مفهوم العمل الحقلي « field work» - تقليديا – بزيارات المجموعات الطلابية لمناطق خارج البيئة المحلية، فليس بالضرورة عمل زيارات ميدانية لمناطق بعيدة تحتاج لوقت وجهد ونفقات مالية كبيرة، ولكن يمكن أن تتم في أي مكان وفي أي وقت، بأبسط أساليب اكتساب الخبرة، وتحقيق أغراض الدراسة الميدانية ( جمع مادة علمية – اكتساب خبرات جديدة – تدريب الطلاب ) بطريقة بسيطة وعلى مسافة قصيرة من قاعات الدرس، كأن مثلا دراسة استخدام الأرض لأحد الشوارع التي تطل عليه الجامعة، وهو ما أكد عليه موريس J . A . morris عندما ذكر في محاضرته التي ألقاها عام 1966 في مؤتمر الرابطة الجغرافية « إن الجغرافية التطبيقية تبدأ من شاطئ النهر المحلي»

   ومن هنا نرى أن مفهوم الدراسة الميدانية والحقلية أنها تلك الزيارات القصيرة « تستغرق يوماً واحداً» والزيارات الطويلة « بضعة أيام »، تزور خلالها مجموعة من الأفراد منطقة معينة تدرسها ثم تقدم تقريراً عنها، وتبدأ بعملية تحضير لهذه الرحلة الميدانية ورسم خطوات التنفيذ والتقييم وكتابة التقارير والأبحاث الطلابية، يمكن أن تكون هذه الدراسة داخل الحرم الجامعي في كل درس لدراسة بعض الظواهر الجغرافية المحلية كالطرق، ومواقع البنية التعليمية، وعلامات المكان، ثم تتسع حلقة المنطقة المختارة للدراسة الميدانية إى الحي الذي تقع فيه المنشأة التعليمية، إلى المدينة التي ينتمي إليها الحي، ثم الدراسة الميدانية إلى إحدى المحافظات النائية، ثم نجد الدراسة الميدانية التي تتصل بالبحث العلمي في مستوياته المختلفة تلك الدراسات التي تتصل بتخفيض محدد، والدراسات الميدانية المشتركة بين أكثر من متخصص في الجغرافيا ـو بين الجغرافيا والعلوم الأخرى.

   وتفيد الدراسات السابقة لعدد من المناطق المتنوعة في إجراء المقارنات، وبذلك تتكون لدى الطالب فكرة عن هذه المناطق التي توجد خارج بيئته المحلية فمثلا نقارن بين بعض التلال بمنطقة الواحات البحرية بتلك التي توجد في منطقة أسوان، أو مقارنتها ببعض الأودية الجافة والتكوينات الصخرية بين منطقة جنوب سيناء ومنطقة الفرافرة والهضبة الشرقية في منطقة أسوان.

1- الاستخدام المتكرر لدى الطالب للخرائط ذات المقاييس المختلفة، عندما يقوم الطالب برسم خريطة للحرم الجامعي على سبيل المثال أو استخدامات الأراضي في الشوارع المجاورة لقاعات الدرس فهي دراسة ميدانية تلائم مستوى معين تعتمد على قياس وملاحظة وتوقيع وكتابة تقرير على خريطة، والزيارة اليومية لمحطة الرصد الجوية دراسة ميدانية يتم فيها التسجيل اليومي لعناصر الطقس المختلفة من خلال تصميم جداول وترجمتها بعد ذلك في شكل خرائط طقس، كذلك متابعة حركة النقل والمرور على مداخل إحدى المدن، حيث يتم رصد عدد السيارات في الساعة وحمولتها، ومدى الكثافة المرورية وتباينها خلال ساعات النهار والليل وأيام الأسبوع والمناسبات الخاصة، ويمكن تطبيق ذلك على مدينة مثل القاهرة في أحد مداخلها وليكن المدخل الشمالي مثلا، أو ميناء الإسكندرية، وميناء دمياط، فهذه دراسة ميدانية تتطلب المتابعة والاستمرار للمقارنات، كما أن الاعتماد على شريط قياس، حول المساكن وداخلها لرصد التركيب الداخلي والخارجي للمسكن الريفي أو الحضري، كذلك رصد صور النشاط الخدمي في حي أو مدينة معينة مثل حي جامعة المنصورة فهي دراسات ميدانية لا تقل أهميتها عن دراسة ميدانية للطلاب تستغرق أسبوع أو أسبوعان في منطقة نائية بعيدة عن البيئة المحلية للطلاب، ولكن في كل الحالات يجب اختيار المنطقة وتحديدها بعناية، لتحقق دراسة ظاهرة أو ظاهرات جغرافية بشرية أو طبيعية ووضع خطة لدراستها، مع توفير الخرائط المناسبة ثم الخروج إلى الميدان بعد توزيع العمل على الطلاب حتى تتكامل عناصر الملاحظة والتسجيل، ثم الربط والتحليل والتوزيع على الخرائط . من هنا نجد أن الدراسة الحقلية تنمي لدى الطلاب الإحساس باستخدام الخريطة وتفسيرها، ويكتسب القدرة على الربط بين الظاهرة وتوقيعها على الخريطة، وكذلك تعلم طرق مقياس الرسم وكيفية توجيهها التوجيه السليم، وقراءتها بشكل علمي سليم فضلاً عن قدرة الطلاب في تسجيل ملاحظتهم عن الاضافات الجديدة غير الموقعة في الخريطة التي لديهم وتلك الموجودة في الطبيعة، كما يمكن تسجيل هذه الظاهرات بالرسوم البيانية والشرائح وعمل المقاطع العرضية والطولية للظاهرة المدروسة، بما يحقق مبدأ تطبيق الأسلوب الكارتوجرافي لدى الطلاب.

2- الدراسة الميدانية أسلوب التعلم الذاتي لدى الطلاب:- إن الدراسة الميدانية أسلوب تعلم بالغ الأهمية، فمن خلال العمل الميداني نتاج للطلاب التعايش والتعرف والتفاهم مع أساتذتهم لا يمكن أن يتحقق داخل قاعات الدرس، وهنا يتأكد إنماء حب الاستاذ للأجيال الصاعدة، ويتحقق حب الاتجاه نحو العمل الجماعي، واكتساب أفراد رحلة العمل الميداني للمهارات العلمية والقدرة على التعلم الذاتي، وفرصة للنمو الاجتماعي للطلاب يتحقق من خلالها تقديرهم للآخرين، وممارسة الحياة مع زملائهم وتأكيد وتنمية الثقة بالنفس، ومن خلال القدرة في التعامل مع الآخرين ومن خلال ذلك يتوفر استقلال الرأي، ونمو الشخصية، كما أن العمل الميداني مجال نشاط ممتع، كما تخلق من الطالب القدرة على المساهرة في اتخاذ القرار وبالتالي ينقل الطالب من حاسة البصر إلى فن البصيرة.

3- أن الدراسة الميدانية تساعد الطالب في تحقيق استعداداته ونوازعه الفضولية ورغبته في التعامل مع البيئة وظاهرتها الطبيعية والبشرية في مراحل شبابه، والخروج عن نطاق جدران القاعات الدراسية للتعايش الفعلي مع الطبيعة حيث يكتسب شخصيته لملاحظة – التحليل – والتعاون، من خلال عمله في الحقل والذي لا يمكن تحقيقه في قاعة الدرس، وبالتالي تكوين الشخصية المستقلة القادرة على التفكير الحر، والابتكار من خلال مناقشة الأمور وعدم تقبلها كأمر واقع.

4- الدراسة الميدانية في المقام الأول خدمة وطنية بقدر ما هو خدمة للفرد، وأن المادة العلمية التي توفرت من خلال المسح الميداني في منطقة معينة استمرت لسنوات طويلة هي الآساس الذي يرجع إليه القائمين عن العمليات التخطيطية، كما أنها تقدم جيلا من الشباب الناجح هم من قادة الصغار رواد مجال الدراسات الميدانية .

1- أهداف الدراسة الميدانية:

تستهدف الدراسة الميدانية لطلاب قسم الجغرافيا تنمية وتحقيق عدة جوانب تدريبية وعملية وتربوية وعلمية نجملها في الآتي :

1- إتاحة الفرصة أمام الطلاب لمشاهدة أقصى ما يمكن معاينته من ظاهرات طبيعية وبشرية في بيئات جغرافية تتميز بتنويع عناصرها، وبروز معالمها كمظاهر نمطية تجسد الكثير من نواحي المعرفة التي ناقشها أساتذتهم من كافة التخصصات في قاعات المحاضرات، أو تلك التي اشتقوا معلوماتهم عنها من الكتب والمصادر المختلفة، وتحويل الصورة العقلية التي رسمها الطالب في ذهنه إيان ذلك إلى واقع ملموس لا يمكن أن تعبر عنه الكلمات أو وسائل الإيضاح على النحو الذي ينطبع في ذاكرته عندما يشاهد المعلم الجغرافي ذاته، ويتعامل معه مباشرة.

2- جعل الجغرافيون الذي ينزلون إلى الميدان، يلاحظون بأنفسهم ويسجلون ويحللون، ويجددون الخرائط هم وحدهم القادرون على رفع الجغرافيا مستقبلاً إلى الأمام بدل عملية الدفع التي تقوم على أساس استقبال ما كتبه الآخرون من معلومات الدرجة الثانية – وتوارثه جيل بعد جيل.

3- يأتي دور الدراسة الميدانية في إعداد الطلاب إعدادا دقيقاً على القدرة على المشاهدة بأنفسهم، والتسجيل المرتب للظاهرات، وتنمية قدراتهم على الاستنتاج والتحليل والاستكشاف والاستماع بما يكتشفون من الصور والخرائط والنماذج والأفلام، وبالتالي يقود الأستاذ طلابه إلى الفلسفة الحقيقية للجغرافيا في سعة مبكرة، ولكن لا شك في أن أفضل سبيل لتحقيق هذا الهدف السابق هو من خلال العمل الميداني في الميدان.

4- تحقق الدراسة الميدانية هدف تنمية المعلومات الشخصية لدى الطلاب من خلال ملاحظتهم الشخصية وأن يعوا أكثر ما تحتويه كتبهم من دروس ومعلومات وفوق ذلك يستطيع أبناء القرى والمناطق الداخلية أن يفهموا دراسات الساحل وأن يعي أبناء المدينة دراسات الريف، وأبناء الحقل والمزرعة توطن الوظائف المتعددة للمدينة وخطتها، واستخدامات الأرض فيها، كما يعي طلاب مناطق السهول الفيضية لخصائص المناطق العمرانية و الصحراوية.

5- تدريب الطلاب على العديد من المهارات العلمية في مجالات متنوعة كاستخدام الخرائط وتوجيهها، وتوقيع بعض الظاهرات عليها وعمل المقاطع، ثم التدريب على رسم كروكيات الميدان واستخدام بعض الأجهزة كالبوصلة والبلانيوميتر وشريط القياس وجهاز أبني لقياس الوحدات العمرانية ودرجات الميل، وتقدير المسافات بالخطوة، واكتساب القدرة على التصوير الفوتوغرافي في الحصول على وسيلة إيضاح لظاهرات جغرافية مختارة.

6- إرشاد الطلاب إلى أهمية الحصول على التقارير والجداول الإحصائية والخرائط المنشورة وغير المنشورة من المؤسسات والوزارات والهيئات مثل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والهيئة العامة للتخطيط العمراني، ومكاتب الإدارات الحكومية، ومعاهد الأبحاث العملية وغيرها.

7- تنمية قدرة الطلاب على الفهم الصحيح لمسميات الظواهر الطبيعية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية عن التي يصادفونها، وبالتالي الفهم الكامل لحقيقة اللغة والمفاهيم والمهارات الجغرافية وانتقالهم من مجرد مفاهيم الملاحظة والمستويات الأولى إلى مفاهيم الربط والتحليل والتركيب واستنتاج الكلمات في المستوى الأعلى فالجغرافيا في التمرس في مجال الدراسات الحقلية هو وحده الذي يستطيع أن يضع المصطلح الدقيق لقرار يستخدم في منطقة معينة لم تستغل بعد مثل قرار تخطيط خدمات الطريق وأشكال استعمالات الأراضي .

8- تهدف الدراسة الميدانية إلى إطفاء صفة الثقة الكارتوجرافية، حيث نستطيع من مقارنة الخريطة بمعالم سطح الأرض، مقارنة الواقع مع الرسم، وتحديث الخريطة، خاصة أن معظم الخرائط التي نستخدمها خرائط قديمة، كما يصعب تصور العلاقة بين اللاندسكيب الطبيعي ومظاهر النشاط البشري – خاصة العمران – كما هو واضح في قرى شرق أسوان ولكن الزيارة على الطبيعة مع الخريطة تخفف من طلاسم هذه الصعوبة، حيث نجد خطوط الترع والمصارف، أو مد الطرق، أو النمو العمراني في مناطق التضرس لا يتضح إلا في الميدان وعلى الطبيعة.

    ومن خلال الدراسة الميدانية يعيش الطالب خبرة رأي العين والحس لبعض مظاهر سطح الأرض الشاذة مثل تحرك الكثبان الرملية وأشكالها المختلفة وخطورتها على الطرق والعمران والأرض الزراعية كما هو الحال فر قرية الزبورمنديشة بالواحات البحرية، وقد لا يبقى من ذاكرته الغابات المتحجرة أو البطيخ المسخوط أو المساكن القديمة في قرى الواحات الخارجة إلا الاسم فقط، ولكن يتضح تماماً إذا ما زاره على الطريق إلى الواحات البحرية، وقرية الزبد القديمة أو أي مكان آخر ليرى فعلاً شكل الحقل والغابات المتحجرة ممدودة على الأرض، والعمران القديم المتهدم على الربوة الصخرية، وكذلك المصاطب النهرية على الجانب الغربي لمدينة أسوان أسفل مقابر النبلاو، كما يستطيع في خلال عدة سنوات متتالية تتبع الجزر الفيضية منذ نشأتها حتى نضوجها وقيام بعض مظاهر النشاط البشري عليها كما في نيل أسوان.

9- أحد أهداف الدراسة الميدانية الرئيسية مساعدة الدارسين على فهم الاختلافات المكانية ووصفها سواء كانت هذه الاختلافات تتصل بالجانب الطبيعي- اختلافات على الحدود بين التكوينات الجيولوجية كما هو الحال في التكوينات الطباشيرية في منطقة الصحراء البيضاء بواحة الفرافرة وغيرها من التكوينات البركانية الموجودة بالجيل الأسود في منخفض الواحات البحرية، واختلاف مظاهر السطح بين الحافة الهضبة الشرقية لنيل أسوان ونظيرتها بالحافة الغربية، وما يتصل بالجانب البشري كالاختلاف بين العمران في قرى غرب أسوان، وقرى جزر نيل أسوان « سهيل – بهاريف - الفنتين» وقرى أبو الريش بحري ومبكى في شر النيل، والحدود بين أنواع التربة المختلفة في جزر نيل أسوان ما بين الجزر الصخرية « سالوجا»، والجزر المركبة « جزيرة أسوان » والجزر الطميية « سهيل»، وكذلك الحدود بين نواة المدينة القديمة والامتدادات العمرانية الحديثة فالدراسة الميدانية تجعل الطالب يعيش خبرة الظاهرة الجغرافية.

10- تتفوق الدراسة الميدانية على المحاضرات الدراسية النظرية وحتى على الخريطة في إبراز عدد من الاستخدامات المختلفة الذي لا يمكن إبرازها بشكل أو بآخر إلا من خلال الدراسة الميدانية، فعلى سبيل المثال اختلاط الاستخدامات الوظيفية للمساكن في المدن من استخدام خدمي، وعيادات خاصة، ومتاجر، ومصالح حكومية، ومكاتب شركات خاصة، ومطاعم، ومؤسسات مالية، وغيرها من الصعب كرتوجرافيا رسمها بدقة على خريطة، أو تصورها نظرياً،ولكن من واقع الدراسة الميدانية تصبح صورة الاستخدام واضحة.

11- تحقيق مجموعة من الأهداف الوجدانية مثل اكتساب الطالب اتجاهات وقيم وميول حيث تعلم الطالب العمل الجماعي بدلاً من العمل الفردي وأثر ذلك في تكوين شخصيته تستطيع العمل في فريق عند مواجهة العديد من المشكلات الاجتماعية مما ينعكس في مشاركة الطالب لأهالي المنطقة التي يعيش فيها والمساهمة في حل مشكلاتها ووضع خطط التنمية لها كما تحقق الدراسات الميدانية مبدأهم وهو احترام النظام والمحافظة على البيئة من خلال التفاعل مع كافة ظواهر تلك البيئات، مثل الذي يحدث مع طلاب قسم بجامعة المنصورة من خلال المحافظة على النظام ونظافة المحميات الطبيعية عند زيارتهم لها ويتمثل ذلك سالوجا وغزال ورأس محمد بشرم الشيخ والصحراء البيضاء بواحة الفرافرة وحقول الكدوات بالواحات البحرية كما تهدف الدراسات الميدانية نحو تنمية مبادئ احترام العمل والرأي الآخر من خلال حضور الطلاب في المساء جلسات مناقشة «سينمار» بين بعضهم البعض وبين مجموعات العمل والعلم، حيث يتعلم الجميع أن من حق كل طالب أن يبدي رأيه مدعماً بالأدلة، وأن من واجبه أيضاً أن يستمع إلى آراء الآخرين ويحترم هذه الآراء حتى ولو كانت مخالفة لرأيه، كما يجب أن يدرك الطالب مدى أهمية جهود السابقين وجهود الدولة في التطوير وتنمية للعملية الإنتاجية.

12- تدريب الطلاب على تعلم كيفية التنظيم والعرض لاستمارات الاستبيان واستمارات استطلاع الرأي وكيفية تصميم الجداول، إلى جانب ذلك كيفية توظيف أدوات أخرى توظيفاً يخدم دراسته الميدانية، والبحث الميداني فيما بعد مثل الكاميرات وأجهزة التسجيل الصوتي، كما يتم تدريب الطلاب على آداب الحديث والاستماع من خلال ما يقومون به من مقابلات مخططة يكون عليهم التحدث وتوجيه الأسئلة والاستماع إلى من يتحدثون في الحقل الميداني، مما يتيح لكل طالب فرصة التدرب على الحديث وانتقاء الألفاظ المناسبة، والاستماع الجاد والذكي، وتركيز الانتباه وتسجيل الملاحظات، مما يساهم في بناء شخصية مواطن قادر على التعامل مع الآخرين.

13- تدريب الطلاب على كيفية استخدام مصادر المعرفة مثل المصادر المكتبية من كثب ومراجع عربية وأجنبية وأطلس وخرائط ودوريات ودوائر المعارف بالإضافة إلى المكاتب الحكومية وما تقدم من تقارير وخرائط وإحصارات، وتدريبية أيضاً على استخدام المصادر السابقة من خلال نظرة فاحصة وناقدة ومفيدة في خدمة موضوع البحث، وكيفية العرض المنطقي للآثار الواردة به، وكيفية التوصل إلى خلاصات ونتائج، وتوصيات تساعد في عملية التغير نحو الأفضل.

الفصل الثاني

مستويات العمل الحقلي

أولاً - ضوابط اختيار الدراسات الحقلية:

   عند إجراء الدراسات الحقلية وضع تصور واضح للشروط الأساسية التي يجب توافرها يختارها أستاذ المادة مع طلابه وهذه الشروط أو الضوابط هي:

1- مدى ارتباط الدراسة الحقلية بالمقرر الدراسي:

  يقصد بذلك أن تكون الدراسة الحقلية أو الميدانية التي يتم اختيارها ذات صلة بأهداف المقرر الدراسي، بمعنى أنها تكون مع محتوى المادة الدراسية الذي يعد تعبيراً عن هذه الأهداف، ومن ثم فإن أهداف المنهج سواء كانت مهارية أو معرفية أو وجدانية يجب أن يتم التعبير عنها سواء في محتوى المادة العلمية بالكتاب، أو في مضمون المادة العلمية التي يتوقع أن يكتسبها الطلاب عندما يقومون بالدراسة الحقلية، ويعنى ذلك أن اختيار إجراء دراسات ميدانية ليس اختبارا عشوائيا، ولكن اختيار يقوم على معايير وأسس مخططة، ومنظمة، وله وظيفة أساسية وهي المشاركة في تحقيق أهداف المقرر الدراسي، ولعلنا لا نغالي إذا قلت أن الدراسة الحقلية يجب أن تشكل بعض المحاور الرئيسية التي تنطلق منها عملية التنفيذ، وإن كان هذا لا يعني أن يعتمد كلية في تنفيذ المنهج على الدراسات الحقلية.

   على سبيل المثال نجد أن طلاب الفرقة الأولى الجامعية يدرسون مقررات مثل مقرر جغرافية العمران الريفي وبالتالي توجه الدراسة الميدانية التي يقومون بها نحو دراسة بعض القرى المنتشرة في البيئة المحلية، بحيث يكون هناك هدف محدد، كأن يكون مثلاً دراسة المسكن الريفي وتركيبه الخارجي والداخلي، القديم منه والحديث، ورسم الكروكيات، والتقاط الصور الفوتوغرافية التي تفيد في عمل المقارنات، والتطور الذي طرأ عليه في فترات زمنية معينة كما أن هناك مقررات دراسية طبيعية تتمثل في مادة البنية والتضاريس، وبالتالي فالهدف المتوخي تحقيقه يختلف عن الهدف عن دراسة جغرافية العمران الريفي، ويصبح موجها نحو دراسة اللاندسكيب الطبيعي في البيئة المحلية أيضا، كأن يقوم الطلاب في دراساتهم الحقلية بالتوجه نحو دراسة نهر قريب، أو أحد التلال المتوفرة في البيئة المحلية وإن لم تتوفر الظاهرات الجغرافية الطبيعية في البيئة المحيطة، يصبح الهدف الأساسي للدراسة الميدانية، دراسة لكل الظاهرات في بيئة أخرى تتوفر بها من خلال تنظيم رحلة علمية ميدانية لمدة لا تقل عن يومان، حتى يستطيع أستاذ المادة وطلابه بعض أهداف مقرره الدراسي.

2- مدى ملائمة الدراسات الحقلية لمستويات الطلاب وخبراتهم السابقة:

   المقصود بذلك أن يكون هناك وعي بمستويات الطلاب وما يمتلكونه من خبرات سابقة، والوقوف على مفاهيم هؤلاء الطلاب، ومهاراتهم ومستوياتهم العلمية والثقافية، واطلاعاتهم، فطلاب الفرقة الأولى على سبيل المثال تقل لديهم الصفات السابقة عن طلاب الفرقة الرابعة بصفة عامة، وبالتالي يجب مراعاة الدراسة الميدانية، والمستوى المراد تحقيقه، ويبدأ بالتدرج من مستوى الدراسة الميدانية الأولى « البيئة المحلية وتتمثل في الحرم الجامعي، أو استخدام الأراضي في أحد الشوارع المجاورة لقاعات الدرس، وأحيانا دراسة لأحد المصانع القريبة، وتعرف برحلات اليوم الواحد » حتى نصل إلى المستوى الأعلى من الفرقة الرابعة، حيث أن طلابها قد اكتسبوا خبرات، ومهارات علمية وثقافية تؤهلهم إلى الانتقال إلى بيئات بعيدة عن بيئتهم المحلية لمدة بضع أيام ويجب أن تتوفر في هذه البيئة الجديدة مجموعة من الظاهرات الجغرافية الطبيعية والبشرية على السواء وهو الأمر الذي يحقق في أغلب الأحيان نجاح الدراسة الميدانية وما حدد لها من أهداف، حيث يجب الإشارة هنا أن الخبرات التي تتيحها الدراسة الميدانية يجب أن تعتمد على ما يوجد لدى الطلاب من خبرات سابقة كما أنها يجب أن تمهد لخبرات تالية تنتقل من فرقة دراسية لأخرى، وتكتمل بشكل كبير في طلاب السنة النهائية للمرحلة الجامعية الأولى، وبالتالي يكتسب خريج قسم الجغرافيا خبرات ومهارات ومفاهيم تمكنه من عمل الدراسات الميدانية بمفرده إذا حاول أن يستكمل دراساتهم العلمية في المراحل الجامعية المتقدمة « الدراسات العليا » . 

3- تعدد مصادر التعليم:

  يقصد بذلك أنه لا يكفي التخطيط لدراسة ميدانية وتنفيذها من أجل الحصول على بعض المعارف أو المعلومات، ولكن المطلوب من أي دراسة ميدانية أن يستخدم الطلاب العديد من مصادر التعليم، فالبيئة بكل ما يوجد بها من ظاهرات جيمورفولوجية، وأشكال للنشاط البشري، وصور متنوعة للعمران، وغير ذلك من المؤسسات الحكومية والخاصة كلها تمثل مصادر عديدة للتعليم، ومن ثم يجب أن يتعلم الطلبة من خلال الدراسة الميدانية أن مصادر التعليم كثيرة ومتعددة، ويصبح المقرر الدراسي، أو الكتاب المقرر بين أيديهم هو إحداها، ويجب تنبيه الطلبة إلى أن أفضل طرق التعلم هو ذلك الذي يعتمد على البحث والملاحظة والتسجيل والتحليل في الحقل الميداني .

4- الارتباط الفكري بين الدراسات الميدانية والحياة اليومية للطلبة:

   يقصد بذلك أن ما يتم رصده من ظاهرات خلال الدراسة الحقلية يجب أن تضح علاقاته، وتفاعلاته في الواقع الذي يعيشه الطلبة يومياً، بحيث أن ما يتعلم الطلبة في الحقل يكون له صلة وثيقة بمجرى حياتهم اليومية، على سبيل المثال هناك ظاهرات بشرية مثل ظاهرة التلوث التي نعاني منهم يوميا سواء بسبب تلوث التربة بالمبيدات الحشرية، أو تكون مياه الترع والمصارف بإلقاء الملوثات البشرية فيها، وكذلك يكون الهواء نتيجة الأدخنة المتصاعدة من مصانع الطوب أو عوادم السيارات، هذه ظاهرة يمكن للطالب ملاحظتها يومياً، وكذلك مشكلة الزحف العمراني على الأراضي الزراعية وتناقص المساحة المنزرعة، وكذلك مشكلة اعتماد أهل الريف في سد احتياجاتهم اليومية من المواد الغذائية على المدن المجاورة ومشكلة الازدحام المروري، كما أن هناك إيجابيات توضح جهود الدولة والشركات في تحقيقها مثل المدارس الجديدة، والمصانع، واستصلاح أراضي جديدة ومشكلات الصرف الصحي، وإقامة محطات تنقية مياه الشرب، كل هذه الظاهرات هي واقع ملموس لدى الطلاب يجب أن توجه الدراسات الميدانية إليها، حتى لا يجد الطلبة في الوقت الحاضر أنهم ما يلمسون بين ما يدرس وواقع حياتهم، لدرجة تدعوهم للملل، الانطراق عن مثل تلك الدراسات التي لا جدوى لها، وتصبح المادة الدراسية التي تقدم لهم داخل قاعات المحاضرات جامدة وجافة.

5- تنوع الدراسات الحقلية المختارة:

   من المعروف أن تكرر الدراسي أو المحاضرة وبأسلوب متكرر يؤدي إلى الملل , ولذلك نجد أن من أهم المبادئ المسلم بها في مجال التدريس هي امتلاك أستاذ المادة الكفاءات الأساسية لاستخدام العديد من الطرق , ومعني هذا أنه من غير الجائز أن تكون جميع الدراسات الميدانية في قرية معينة أو عدة قرى متشابهة، أو في مصانع، أو حتى دراسة ظاهرة طبيعية لفترة طويلة مثل التلال المنعزلة، أو الأودية الجافة، أو الكدوات، أو النباك وغيرها، ولكن المطلوب أن يتاح المجال أمام الطلبة للخروج في زيارات ميدانية عديدة، ومتنوعة، بل في الزيارة الميدانية الواحدة يجب أن يكون الميدان به مجموعة متنوعة من الظاهرات الطبيعية والبشرية، فعلى سبيل المثال نجد أن الزيارة إلى منطقة أسوان لطلاب الفرقة الرابعة بآداب المنصورة تحدد برامج يومية متنوعة، فنجد في اليوم الواحد يجد الطلبة أنفسهم أمام ظاهرات طبيعية متنوعة مثل الجزر الوليدة، والحفر الوعائية والجزر الصخرية والمركبة والطينية، وكذلك المدرجات النهرية، كما يقوم الطلاب بدراسة أحد الأودية الجافة مثل وادي بربر على سبيل المثال، وهذه الدراسة الطبيعية تكون مقترنة بدراسة بشرية تتمثل في دراسة قرى نوبية مثل قرية سهيل، وبعض الزراعات على عدد من الجزر، ونضيف إلى ذلك أن الطلبة يستمعون برحلة نيلية وزيارة لبعض المناطق الترفيهية مثل جزيرة النباتات، وقبر الأغا خان، ومقابر النبلاء، كل هذه الظاهرات المتنوعة تجعل الطلبة يقبلون على الدراسة الميدانية باشتياق وبجدية، مما يساهم في نجاح مثل تلك الدراسات الميدانية اليومية، ويحقق الأهداف الموضوعة، وقياساً على ذلك بقية الأيام التالية في الرحلة، وكذلك الرحلات الميدانية إلى جنوب سيناء، والفيوم والواحات البحرية.

6- مدى الإمكانات المادية والبشرية المتاحة:

   من المعروف أن الدراسات الميدانية أو الحقلية تحتاج إلى توافر حد أدنى من الموارد المادية والبشرية، ويقصد بذلك القوى البشرية التي تشارك في التخطيط والتنفيذ الجيد وكذلك مصادر التمويل الكافية لمواجهة نفقات النقل والإعاشة والإقامة، فالدراسة الميدانية تحتاج إلى تمويل يتفاوت قدره تبعاً لمستوى الرحلة والمنطقة المحددة لها، وعدد المشاركين فيها، فإن كفاءات الأساتذة القائمين على الرحلة، وتوافر الموارد المالية اللازمة، وأماكن الإقامة والتنقلات الداخلية، كله أمور مهمة يتوقف عليها مدى نجاح الدراسات الميدانية أو فشلها.

7- مدى ارتباط الدراسات الميدانية بعملية تقويم الطلبة:

   من الأمور الأساسية والجديدة بالملاحظة أن الدراسات الميدانية يجب أن تكون مجالا لتقويم الطلبة، حتى تؤخذ الأمور مأخذ الجدية، وتصل الاستفادة من الرحلة الميدانية إلى أقصاها فمثلاً يجب بعد انتهاء والعمل الميداني اليومي، وبعد أخذ قسط من الراحة والوقت، أن يكون في المساء سينمار يناقش فيه ما تم رؤيته وتسجيله من معلومات، وتوجه الأسئلة ليقيم كل طالب على حده، كما يفيد ذلك توضيح وتبسيط بعض المعلومات الغامضة عن عدد من الطلبة وهي فرصة لقياس جهد كل طالب ومدى تحمله للمسئولية وتنفيذه للمهام التي وكلت إليه.

المصدر: الجغرافيون العرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا