مجتمع القصور
دراسة في الخصائص الاجتماعية والعمرانية والثقافية
بمدينة تقرت
مذكرة مكملة لنيل درجة ماجستير في علم الاجتماع
فرع علم الاجتماع الحضري
إعداد الطالبة : زهية شويشي
فرع علم الاجتماع الحضري
إعداد الطالبة : زهية شويشي
إشراف : د. اسماعيل بن السعدي
جامعة منتوري قسنطينة - الجزائر
السنة الجامعية 2005 - 2006
مقـدمة:
تعالج هذه الدراسة مجالا قل ما تعرضت له الدراسات والبحوث الاجتماعية وهي دراسة مجتمع القصور، الواقعة في المناطق الصحراوية من خلال خصائصه المختلفة الاجتماعية والثقافية لهذا المجتمع، دون إغفال دور العمران الذي ساعد في احتواء الحياة الأسرية للسكان والمحافظة على خصوصياتهم الداخلية.
والحديث سوف يكون عن ثقافة هذا المجتمع وما يحمله من عادات وتقاليد وأصالة من الضروري المحافظة عليها، ونتيجة التحولات التي تشهدها المناطق الصحراوية على صعيد تنمية المناطق الحضرية الجديدة التي تستجيب لمتطلبات العصر، فقد بدأت الأنماط العمرانية التقليدية وعلى رأسها القصور تعرف تراجعا مما سيؤثر سلبيا على استمرارية قيم المجتمعات بما تحمله من سلوكيات محافظة ومعايير قائمة على التعايش والتجانس بين أفرادها، وما يلاحظ على هذا المجتمع محافظته على نسبة عالية من التفاعل والتكامل ورغبته في الحفاظ عليها من خلال أنماط سكنية قديمة. وقد جاءت هذه الدراسة لتأكد مدى صحة المعلومات التي جمعت عن عوامل ظهور هذه المجتمعات والتي لعبت فيها العوامل الاجتماعية دورا هامة في إنشاء هذه الأنماط السكنية " القصور " التي تمتاز بوحدة الشكل وإنشاءها بمواد محلية بسيطة، وقد برهن المنهج الوصفي المتبع والقائم على المعايشة والملاحظة المباشرة على أهمية العلاقات الاجتماعية وتأثيرها على نوعية التوافق والتكيف بين الناس مما جعلهم ينشئون نمط يتوافق مع متطلباتهم وهذا يتضح في الاتجاه السلوكي للجماعات والأفراد.
لكن ما هو جدير بالذكر أن هذه العلاقات ورغم عمقها وأصالتها إلا أنها مع مرور الوقت عرفت نوعا من التراجع، وهذا يظهر جليا في بعض التحولات الأسرية والعائلية وظهور نماذج من السلوكيات المغايرة وكذلك ما تشهده هذه المجتمعات من تغيرات هيكلية على مستوى المحيط العمراني و السكني، وتعرضه إلى مجموعة تحديثات على نطاق المساكن و الأحياء على غرار بعض المناطق المجاورة ، وهذا لجعل حياة سكانه أكثر حضرية بإدخال بعض المرافق والتجهيزات التي من شأنها أن ب تغير المحتوى الثقافي والبعد الاجتماعي الذي بدأ يعرف نوع من التراجع مرده ضعف التفاعل.
وعليه جاءت دراستنا الراهنة فلي شكل ل ثمانية فصول، أربعة منها نظرية وأربعة خاصة بالجانب الميداني تتلخص في الآتي :
- الفصل التمهيدي: ويضم الإشكالية والأسباب اختيار الموضوع وأهميته وأهدافه إضافة إلى الفروض والمؤشرات.
- الفصل الأول: تناولنا فيه أشكال المجتمعات المحلية وخصائصها وضمت أربع محاور تتحدث عن المجتمع الريفي والبدوي الحضري و التقليدي.
- الفصل الثاني: تعرضنا فيه إلى العمران التقليدي وأنماطه وقد ضم ثلاثة محاور استعرضنا فيه المدينة القديمة وأيضا تكلمنا عن القصبات ومكوناتها والقصور ومكوناتها.
- الفصل الثالث : تطرقنا فيه إلى الخصائص السكنية في مناطق العمران التقليدي وضم ثلاث محاور تحدثت عن المسك واستخداماته والعلاقات داخله لندخل إلى فصل تناولنا فيه التطور التاريخي لمنطقة وادي ريغ وحددنا هذه المنطقة من خلال التنظيم ألمجالي لمدينة تقرت التي تعد عاصمة المنطقة لتكون مجالات دراستنا الخاصة الحديث عن القصور التي تشكلها لتكون بعد ذلك مجالا لبحثنا الميداني.
لنختم هذه الدراسة بمقترحات وتوصيات تتعلق بمجال الدراسة والصعوبات التي اعترضت هذه الدراسة.
ثانيا : استخــلاص النتـائج:
إن عرض النتائج الميدانية يعني الوقوف على مجمل المعلومات الواردة عن مجتمع البحث والتي جمعت عن طريق الأدوات المعتمد عليها في ذلك ولها علاقة بمؤشرات الفرضية و الأهداف العامة للدراسة، وكذلك من خلال المناقشة السابقة للمعلومات الواردة من مجتمع البحث عن طريق الاستمارة و الملاحظة المباشرة بصفة أساسية، هذا ما يتعلق بأهداف البحث، ولكن يمكن كذلك القول عنه أن تجربة الدخول إلى ميادين لها مميزاتها الاجتماعية و العمرانية وذلك من خلال التعامل مع الأفراد المجتمع داخل مجال تقليدي يمثل ويحمل خصائص البساطة .
وفيما يلي سيتم التطرق إلى أهم النتائج التي تعبر عن الدراسة:
1. الخصائص العامة لمجتمع البحث:
1- يتميز مجتمع البحث بزيادة نسبة الشباب البالغة أعمارهم مابين 25 و 45 سنة والذين يمثلون الفئة الفاعلة والنشيطة لقيامها بأدوار مسؤولة على مستوى الأسرة والمحيط في مختلف جوانب الحياة في المنطقة.
2- معظم سكان المنطقة من السكان الأصليين الذين ولدوا وترعرعوا فيها وهذه الخلفية الاجتماعية انعكست على مختلف نواحي حياة السكان في المنطقة .
3- انتشار الأمية في أوساط مجتمع البحث بحيث أن معظمهم لا يعرف القرآن و الكتابة مع انتشار مستويات التعليم الابتدائي وهذا راجع إلى عوامل اجتماعية واقتصادية.
4- يرتكز نشاط أفراد المجتمع البحث في المهن الحرة و الأعمال البسيطة وهي نشاطات مؤقتة وغير محددة.
5- تميز مجتمع البحث بارتفاع عدد الأبناء ومن ذلك حجم الأسرة الذين يزيد عن معدل شغل السكن. 6- غياب ظاهرة التفكك الأسري في مجتمع البحث كظاهرة الطلاق التي مازالت قليلة في المجتمعات التقليدية لأنها مجتمعات مازالت تحافظ على قيم الأسرة التقليدية.
2. المسكن واستخداماته:
1- معظم المساكن في مجال مجتمع البحث ذات ملكية خاصة تعود في اغلبها إلى توارث أفرادها منذ فترات طويلة.
2- معظم مساكن المنطقة تتكون من 2 إلى 3 غرف ويستخدم أغلبها لأغراض متعددة للأسرة، مع وجود حالات أخرى يقوم أصحابها بتخصيص غرف مساكنهم حسب الاستعمال الحديث للمساكن الحضرية وهي حالات قليلة.
3- تخصيص غرف المسكن يخضع إلى اعتبارات عدد أفراد الأسرة و كيفية توظيف ذلك مع الحاجيات المادية الأخرى.
4- توفير المرافق الأساسية في أغلب مساكن المنطقة وهي في الغالب مرافق بسيطة من حيث الشكل و المظهر ذات ملامح تقليدية لا تتماش مع ما توفره المساكن الحديثة وهي تدل على خصوصية المسكن التقليدي.
3. المستوى الاقتصادي لمجتمع البحث:
1- يرجع توفر التجهيزات المنزلية الحديثة لدى معظم أفراد مجتمع البحث إلى وعيهم بأهمية هذه التجهيزات على الرغم من ضعف إمكانياتهم المالية و التي فرضتها عمليات الإنذماج مع الوسط الحضاري و الضروريات البيئية الصعبة.
2- تدني مستويات أفراد المنطقة المادية حرمتهم من الحصول على وسائل نقل كالسيارات و الشاحنات و الجرارات والتي تساعدهم في تحسين أوضاعهم الحياتية وخدمة أراضيهم الزراعية خاصة في ميدان نقل البضائع والمنتوجات المختلفة.
3- وعلى غرار وسائل النقل الغير متوفرة يعاني معظم أفراد العينة من قلة حيازتهم لممتلكات ثابتة كأراضي صالحة للزراعة أو البناء أو مساكن للإيجار أو محلات تجارية .
4- أغلب مداخيل أفراد العينة محدود نظرا للانتشار البطالة واعتمادهم على مجالات العمل الرئيسي الذي يقوم به إما أرباب البيوت أو أبناءهم المتكفلين بشؤون الأسرة على الرغم من امتلاكهم لأملاك خاصة كأراضي ولكنها محدودة الدخل لأنها تعتمد على المحاصيل الموسمية التي لا تحقق الهدف المطلوب.
5- تشكل أغلب جوانب الإنفاق الأساسية على المواد الغذائية وتكاليف الكهرباء و الماء مع المستلزمات الأخرى كلوازم الأطفال وتكاليف وصحة الأفراد.
4. العلاقات المكانية في مجتمع البحث:
1- يتميز مجتمع البحث بسيطرة العلاقات القرابية في المحيط السكني و محيط تسيطر عليه علاقات الجيرة مما يجعل الاتصال و الزيارات تتم بسهولة بين أعضاء هذا المجتمع و بالتالي ظهور مظاهر التكتل و التضامن العشائري الذي يستخدم لمواجهة الاهتمامات المشتركة و الأساسية.
2- وبحكم الصلة التي تربط سكان المنطقة في الإقامة فإن ذلك يسمح بتشكيل علاقات جيدة وحسنة بين هؤلاء السكان و أدى إلى زيادة التضامن الداخلي .
5. وضعية المنطقة و مشكلاتها:
1- يتميز واقع المنطقة بمشكلات عديدة كنقص الخدمات العمومية وشروط الحياة السكنية في المنطقة، مما جعل السكان يقومون بالتعبير عن عدم رضاهم بهذا الوضع ويقومون بجهود كبيرة لحل هذه المشاكل بتقديم الشكاوى إلى السلطات المحلية وانتظار الرد.
2- كما تعاني معظم المساكن من مشاكل التصنع و التشقق إلي جعل حياة أفراد مجتمع البحث صعبة وتتطلب حلول سريعة وفعالة.
3- بالرغم من الاستعداد الجزئي الذي أظهره السكان للتعاون فيما بينهم أو مع السلطات المحلية لحل المشكلات التي تعانيها منطقتهم، إلا أنهم يحملون المسؤولية في ذلك إلى السلطات المعنية.
4- يعتقد سكان المنطقة أنه يمكن أن ينظم الشكل العمراني لمنطقتهم من خلال اللجوء إلى هدم المساكن غير اللائقة و توفير المرافق الضرورية. 5- يمك أن تكون وضعية المسكن بالنسبة لبعض سكان المنطقة محل تغير وانتقال لرغبة هؤلاء في إدخال تعديلات جديدة على مساكنهم كزيادة حجرات جديدة بالرغم من الصعوبات التي تواجه كقلة الإمكانيات المالية.
6. الاهتمامات العامة و الخاصة للمبحوثين:
1- إن القضايا التي تشغل بال سكان المنطقة تعبر عن شعورهم و أحاسيسهم المرتبطة بواقعهم الخاص الذي يعيشون فيه بالمنطقة وان اهتمامهم يتقلص كلما ابتعد عن واقع منطقتهم.
2- ضعف المشاركة في المجالات السياسية و الثقافية و الاجتماعية مع حركية محدودة لا تقدم أي إضافة معنوية وهذا بحكم الخصائص التعليمية و الثقافية المختلفة.
3- عم الاهتمام بوسائل الإعلام إلا في نطاق ضيق ومحدود مع اقتصاره على فئة الأطفال و النساء الماكثات بالمنزل.
4- أما تنظيم وقت الفراغ في معظمه مرتبط بالإلتزامات اليومية أو أماكن قريبة من المساكن كالمقاهي و أغلب هذه الأوقات تخصص لزيارة الأهل و الأقارب لغرض الحفاظ على أواصر المودة.
7. أراء و اتجاهات المبحوثين :
في هذا المحور برزت لنا أشياء مهمة تخص المجال بكامله وهي
1- يتبين من خلال طرح أسئلة حول رغبة الأفراد البقاء في منطقتهم فكانت أغلب ردود أفعالهم وإجاباتهم بالقبول وهذا يعكس تمسكهم بالمنطقة وتعلقهم بها.
2- أما الذين فضلوا تغيير حياتهم بتغيرات منطقة سكنهم فيرجعون أسباب هذه الرغبة قلة أو انعدام ضروريات الحياة الكريمة من مرافق عامة وقدم مساكنهم مع اضطراب علاقتهم مع سكان المنطقة وتوترها على عكس رد أصحاب الرأي في ضرورة البقاء و إرجاعهم سبب ذلك إلى تواجد أقاربهم ومعارفهم في المنطقة وأيضا تمسكهم بأسلوب الحياة البسيطة غير المعقدة مع أملهم في تحسين أوضاعهم في المستقبل .
3- كما توصلنا إلى أن أفراد العينة الذين يرغبون في تغير مجال سكنهم يرغبون في الانتقال إلى مركز المدينة القريب من المنطقة أو مناطق مجاورة مع رغبة البعض في الهجرة إلى مناطق خارج الولاية بكاملها.
4- كما توصلنا في آخر المطاف عند طرح الأسئلة على المبحوثين رغبتهم الملحة الإبقاء على الحي وعدم إزالة نهائيا لأنه ورغم كل الصعوبات و الظروف يبقى بالنسبة لهم معلمها تاريخيا و تراثا معماريا و إرثا ثقافيا و يعتزون بالانتماء إليه وهذا حتى لا تزول أثار الأجداد المؤسسين لكن رغبتهم الوحيدة أن يتم المحافظة عليه و اتجاه الطرق المناسبة لذلك لحماية من الاندثار و بالتالي اندثار ثقافة عمرانية ذات أبعاد اجتماعية متجانسة و متماسكة وتصل إلى نتيجة من خلال هذا البحث أن هذه الدراسة حققت مجموعة الأهداف التي حددت منذ البداية وقد كشفت النتائج عن تماسك أفراد المجتمع على الصعيد الاجتماعي وتفاعلهم مع المجال العمراني الذي ساهم في احتواء حياتهم طيلة فترات زمنية طويلة على الرغم من ما يشهده من تحولات وعلى صعيد آخر أكدت النتائج تطابق الكثير منها مع مؤشرات الفرضية الاجتماعية و الثقافية على مستوى العلاقات الاجتماعية التي أساسها قرابي في الغالب و لارتباطه بالمحيط العمراني، كما أكدت عمق العلاقة بين الجانب الاجتماعي و الخصائص العمرانية التقليدية.
ثالثــا: الصعـــوبات:
- عرف بحثنا من بدايته جملة من الصعوبات التي غالبا ما يتعرض أي الباحث وفي أي ميدان من ميادين البحث العلمي وأهم المراحل التي عرفت درجة كبيرة من الصعوبات كانت عند مرحلة البحث الميداني وعلى رأس هذه الصعوبات بعد مسافة المجال المدروس الذي يقع في مدينة تقرت تبعد عن قسنطينة بأكثر من 450 كلم.
- ومن أهم الصعوبات التي تلقاها البحث أيضا كانت أثناء القيام بالمقابلات مع أفراد العينة المبحوثين و أثناء عملية ملئ الاستمارة وهذا راجع إلى جملة من الأسباب على رأسها ضعف مستوى المبحوثين العلمي الذي ساهم في صعوبة فهم أبعاد حياتهم خاصة الداخلية نظرا لتحفظهم الشديد حول تفاصيلها وهذا راجع إلى تمسك أغلبهم بقيم العادات و التقاليد.
لكن مع ذلك استطعنا ومن خلال مساعدة بعض الأفراد المنتمي إلى نفس المجتمع وعلى درجة من المعرفة التي يملكونها استطاعوا أن يقدموا لنا يد المساعدة خاصة أثناء عملية ملئ الاستمارات وإجراء المقابلات.
كما ساهمت صعوبة الظروف البيئية للمنطقة في عرقلة لعض مراحل البحث الميداني لكن مع ذلك استطعنا التغلب عليها و التأقلم مع الظروف المناخية الصعبة خاصة رمال الصحراء العاتية.
رابعــا: التوصيـات و الاقتراحــات: -
من أهداف هذه الدراسة الوصول إلى اقتراحات عملية كمساهمة لحل مشاكل المنطقة مجال الدراسة، وذلك بناءا على النتائج تم الوصول إليها فالمشاكل الحالية التي تعانيها المنطقة و المتعلقة بقدم المجال العمراني و تهديده بالسقوط و افتقاره إلى بعض أو أغلب المرافق و الخدمات العمومية ولحل مثل هذه المشكلات لا بد من وضع جملة من الاقتراحات التالية:
- إعادة هيكلة المنطقة بترميمها على نطاق واسع وهذا يتطلب تضافر الجهود بين مختلف الفئات الفعالة من سكان وسلطات محلية نظرا لارتفاع تكاليف الترميم.
- وضع حد لتجاوزات بعض الأفراد نظرا لقيامهم بالأعمال الفردية غير المدروسة و المتمثلة في تعديلات التلقائية التي يدخلونها على مساكنهم .
- إشراك السكان في اتخاذ القرارات المتعلقة بمنطقتهم لإزالة الشك حول مصيرهم في المستقبل وهذا راجع إلى تمسكهم بتقاليد الإقامة و العادات المكتسبة.
- إدخال وتوفير المرافق و الخدمات اللازمة حسب متطلبات الوقت الراهن لضمان استمرارية الحياة في المنطقة.
- إدخال الإقتراحات المتعلقة بالجانب المنهجي للبحث فتتعلق بضرورة اتصال الباحث بالمجال المدروس و الاحتكاك مع أفراد لأخذ أكبر قدر من المعلومات. - أثناء عملية ملئ الاستمارة لا بد من مراعاة ملاءمتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق