استخدامات الأقمار الصناعية فى الأرصاد الجوية
استخدامات الأقمار الصناعية فى الأرصاد الجوية :
لقد عانى الإنسان منذ تواجده على سطح الأرض من الظواهر الجوية ، وقد حاول تذليلها والتعامل معها ، وعندما أعياه فهمها وأخافته ضراوتها جعل لكل ظاهرة إله وقدم له القرابين ، فجعل للرعد إله و للمطرإله مثلما جعل نبتون إله البحر ، وقد ظل الجو بما به من رعد ومطر وزوابع وأعاصير مصدر قلق وارهاب بالنسبة للانسان كما كان ولازال مصدر رزق وخير له، وفى كل الأحوال ظل فهمه للظواهر الجوية وقدرته على التنبؤ بأحوال الجو مسألة يحاول السعى اليها ، حيث أن هذه الأحوال تؤثر فى حياته ورزقه عن طريق الصيد والزراعة بطريق مباشر.
ونظراً لأننا نعيش فى المنطقة العربية وجنوب حوض البحر المتوسط فى ظروف جوية مستقرة نسبياً، إلى جانب عدم وجود الفوارق الواضحة بين فصول السنة، فاننا لا نستطيع أن نقدر بشكل دقيق أهمية الأرصاد الجوية، ويمكن أن نلاحظ هذه الأهمية فى بعض مدننا الساحلية ، فمثلاً فى مصر من يعيشون فى مدينة الاسكندرية وبخاصة الصيادين الذين يحسبون مواعيد النوات ، وكيف يستطيع الفرد منهم أن يتنبأ بالأحوال الجوية اعتماداً على خبرته الطويلة ، وكيف أن هؤلاء الصيادون يرتبون حياتهم على حسب أهواء البحر وتغيراته السريعة ، بينما فى دول أخرى مثل الولايات المتحدة واليابان وبعض دول غرب أوربا تلعب التنبأت الجوية دوراً اقتصادياً كبيراً فى تقدير المحاصيل والغلات ، وفى متابعة الأعاصير والزوابع ، والتى قد تتحول فى بعض الأحوال إلى كوارث طبيعية .
ومن الأمثلة على هذه الكوارث الطبيعية ما يحدثه اعصار " أندرو " الذى يهب على الساحل الشرقى للولايات المتحدة من خسائر هائلة خاصة فى ولاية فلوريدا، فان هذا الاعصار يسبب خسائر تقدر بعدة بلايين من الدولارات، كما يؤدى إلى تدمير شامل لمناطق واسعة داخل الولاية ، وكثيرا ما تمد الحكومة الفدرالية يد العون والمساعدة لحكومة الولاية لمواجهة هذه الكوارث ، ولا شك أنه بالامكان تقليل حجم الخسائر فى الأموال والأرواح بشكل كبير ، وذلك عندما يتمكن السكان من الرحيل بعيدا عن المناطق التى تقع فى مسار الاعصار ، ويتطلب ذلك متابعة شبه لحظية ، لأن هذه الأعاصير تغير مساراتها بشكل فجائى وسريع ولا يمكن التبنؤ به ، ومن حسن الحظ أن الأقمار الصناعية يمكنها القيام بهذه المهمة ومتابعة مسارات هذه الأعاصير بشكل دقيق كما سيرد ذكره .
علم الأرصاد الجوية علم قديم ، أقدم بكثير من اطلاق الأقمار الصناعية وغزو الفضاء ، ويتم عن طريق محطات للأرصاد الجوية منتشرة فى جميع أنحاء العالم ، وتمد هذه المحطات مراكز التنبؤات الجوية بمعلومات كثيرة عن الجو وعناصره من درجات الحرارة وضغط وسرعة رياح وغيرها ، ويتم التنبؤ بالجو عن طريق نماذج رياضية ضخمة ومعقدة ويحاول بها خبراء الجو ، وهم فى الأصل دارسو فيزياء ـ محاكاة ما يحدث فى الطبيعة وبالتالى استنتاج زمن وموقع الأحداث الجوية المختلفة واذاعتها للتصرف بما يمليه الموقف للاستفادة من خيرها أو لتجنب النتائج الضارة للزوابع والأعاصير .
وينقسم التنبؤ الجوى إلى ثلاثة أنواع : تنبؤ قصير ومتوسط وطويل المدى ، وتقل دقة التنبؤ بطبيعة الحال كلما زادت مدته ، ومن ثم يمكن الاعتماد على التنبؤات الجوية الدقيقة إذا لم تزد مدتها عن يوم أو جزء من اليوم ، ومع ذلك عند استخدام تنبؤ ليوم قد يصادفه خطأ كبير كما يحدث فى النشرات الجوية التى نطالعها فى التليفزيون ، ولذلك تستخدم بعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة حاسبات أكثر تعقيد وقوة مثل الحاسب الفائق Super Computer المعروف باسم كراى .
وكلما زادت دقة وآلية المعلومات المتاحة لحاسبات التنبؤ الجوى ومراصده، كان التنبؤ أكثر دقة ، وقد كانت الأرصاد الجوية هى أحد التطبيقات المدنية التى استفادة مبكراً من الأقمار الصناعية ، ويمكن النظر إلى القمر الصناعى فى هذه الحالة على أنه برج مراقبة عالٍٍ جداً ويستطيع أن يكشف مساحة واسعة جداً من سطح الأرض والغلاف الجوى المحيط بالكرة الأرضية ، ومن ثم فانه يستطيع أن يعطى معلومات دقيقة تماماً عن بعض الظواهر الجوية مثل تراكيب السحاب وتحركاته .
ويتم استخدام الأقمار الصناعية فى الرصد الجوى فى شكل نظامين للأقمار هما :
1- أقمار فى مدارات قطبية :
المدار القطبى مدار عمودى على خط الاستواء ، ويمكن تمثيله بحلقة حول الكرة الأرضية تشبه تلك التى تستعمل فى النماذج التعليمية للكرة الأرضية، وتدور الكرة الأرضية كلها تحت هذه الحلقة من الغرب إلى الشرق بينما يدور هذا النوع من الأقمار الصناعية فى هذه الحلقة المدارية القطبية من الشمال إلى الجنوب ، وبذلك يغطى القمر الصناعى كل نقط الكرة الأرضية التى تمر تحته فى لحظة ما على عكس المدار الاستوائى الثابت الذى يغطى نقطة واحدة طوال الوقت ، وليس هناك ارتفاع معين للمدار القطبى ، ولكنه يختلف حسب الاستخدام ، وتستطيع هذه الأقمار التى تدور حول الأرض فى فترات محددة لرصد وتصوير الظواهر الجوية التى تقع تحت مسارها .
2- الأقمار الساكنة أو الثابتة جغرافيا :Geostationary Satellites
وتطلق إلى المدار الثابت على ارتفاع 36 ألف كيلو متر من سطح الأرض ، وتستغرق دورة القمر الصناعى على هذا المدار الوقت نفسه الذى تستغرقه الأرض فى الدوران حول نفسها ، وعلى ذلك يبدو القمر ظاهريا وكأنه ساكن أو قابع فوق بقعة معينة من سطح الأرض ، كأن يكون فوق المحيط الهندى مثلاً وذلك لمتابعة الظواهر الجوية التى تحدث فى منطقة الرصد .
تطور استخدام الأقمار الصناعية فى الأرصاد الجوية :
وقد مرت استخدامات الأقمار الصناعية بعدة مراحل على النحو التالى:
1- أقمار تيروس وكوزموس :
كان أول قمر استخدم فى الرصد الجوى هو القمر الصناعى المستكشف ـ 7 ( Explorer ـ 7 ) الذى أطلقته الولايات المتحدة فى عام 1959 ، وكان يحمل أول تجربة لقياس التغيرات فى الجو ، وتبع ذلك سلسلة أقمار تيروس Tiros وكان القمر تيروس ـ 1 الذى أطلق فى أول ابريل 1960 هو أول قمر صناعى يسجل صور بالأشعة تحت الحمراء لتكوينات السحب فى طبقات الغلاف الجوى المنخفضة ، وقد أطلق من هذه المجموعات سبعة أقمار بين 1960 ـ 1963 وضعت فى مدار شبه قطبى على ارتفاع 800 كم ، وكان القمر يتم دورته حول الأرض كل 100 دقيقة، ولقد أثبتت هذه المجموعة فعالية استخدام الأقمار الصناعية لرصد ومراقبة الأحوال الجوية .
وشمل البرنامج الثانى للأرصاد الجوية باستخدام الأقمار الصناعية اطلاق تسعة أقمار على ارتفاع 1600 كيلو متر، وذلك فى الفترة من 1966 ـ 1969 ، وفى عام 1970 تم اطلاق أول قمر من طراز تيروس المحسن والمسمى " أتيوس Itos " وقد استخدم فى التقاط صور مرئية وحرارية لتجمعات السحب بدقة تبلغ كيلو متر واحد ، وتعتبر هذه الدقة كافية لتمييز تكوينات السحب المهمة العالية منها والمنخفضة ، وفى ذات الفترة نفسها تقريباً أطلق الاتحاد السوفيتى سلسلة أقمار كوزموس ، والتى كانت تخدم أغراضاً مختلفة عسكرية ومدنية ، ومنها رصد الأحوال الجوية، ومن هذه السلسلة كان القمران كوزموس ـ 144 و كوزموس ـ 156 أساساً لنظام أرصاد جوية يسمى " ميتور ".
2- سلسلة أقمار نيمبوس Nimbus الأمريكية :
فى عام 1964 أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية " ناسا " أول قمر صناعى من سلسلة سميت " نيمبوس Nimbus " وخصصت هذه المجموعة لاختبار التكنولوجيات الجديدة ، وحملت هذه المجموعة سلسلة من الأجهزة المتطورة ، فخصص القمر الأول منها للتصوير المرئى والحرارى وحمل القمر نيمبوس ـ 4 فى ابريل 1970 أول أجهزة لقياس التدرج الحرارى الرأسى .
وفى ديسمبر 1972 حمل نيمبوس ـ 5 كاميرات ميكروموجية قادرة على الرؤية خلال السحب ، أما الأجهزة التى حملها نيمبوس ـ6 فهى التى تحملها الأقمار الصناعية منذ 1978 للقياسات الحرارية والميكروموجية وتستخدمها الوكالة القومية الأمريكية للمحيطات والجو NOAA وهى الهيئة المنوط بها متابعة بحوث الأرصاد الجوية فى أمريكا ، والجيل الثالث من أقمار " إيسا Essa " وأمكن اختزان الصور فيها على شرائط مغناطيسية لتذاع على محطات المتابعة فى عدة بلاد حسب الطلب ، وقد أطلق منها ثمانية أقمار واشتركت مصر والكويت فى استقبال صور القمر " إيسا ـ 8 " لتطعيم النشرات الجوية لرفع مستوى دقتها .
ـــ كيف يتم استخدام الأقمار فى الأرصاد الجوية :
إن مفاتيح النماذج الرياضية لحركة الجو هى توزيع الضغط ودرجات الحرارة وسمك كثافة الطبقات الجوية ، ويمكن حساب حركة الرياح عن طريق غير مباشر برصد حركة السحب من أقمار ساكنة ، ويمكن لهذا الغرض تمثيل القمر الصناعى براصد على ارتفاع كبير جداً من الأرض مزود بتلسكوبات ذات قدرة عالية فى كل من النطاقين المرئى والحرارى ، ويسجل هذا الراصد حركة السحب قريباً من سطح الأرض وتدرج درجات الحرارة داخل طبقات السحب .
ويشبه رصد حركة السحب رصد التفاصيل المرئية على سطح الأرض،فالسحاب يمكن رؤيته وتصويره بوضوح ، وتستنتج حركة السحب من تغير مواقعها مع الزمن ، ومنها يمكن تحديد سرعة الرياح ، وتستطيع الأقمار تحديد سمك طبقات الغلاف الجوى ايضاً ، ويفيد ذلك فى تحديد مناطق الضغط الجوى المرتفع والمنخفض وتيارات الهواء وتوزيع درجات الحرارة ، ويتم ذلك عن طريق قياس ما يسمى بالتدرج الحرارى الرأسى .
وحيث أننا لا نستطيع استخدام ترمومترات لقياس درجة الحرارة عند كل كيلو متر من ارتفاع الغلاف الجوى ، لذلك لابد لنا من استخدام طريقة أخرى لقياس درجات الحرارة فى طبقات الغلاف الجوى المتتابعة ، وإن كان القياس فى الترمومترات يتم عن طريق ظاهرة التوصيل الحرارى ، فان قياس درجات الحرارة بواسطة الأقمار الصناعية يتم عن طريق قياس الاشعاع الحرارى ، ويتم ذلك لأن الغلاف الجوى يمكن أن تنفذ خلاله الأشعة الضوئية ، إلا أنه يمتص الأشعة الأخرى بداية من الأشعة فوق البنفسجية إلى أشعة جاما بدرجات متفاوتة ، ويساعد امتصاص الأشعة تحت الحمراء بواسطة مكونات الغلاف الجوى المختلفة على قياس التدرج الحرارى فى طبقات الجو .
إن الأشعة تحت الحمراء التى تخرج من أعلى الغلاف الجوى ، والتى يتم قياسها بواسطة الأقمار الصناعية هى أشعة خرجت بعد أن تم امتصاص بعضها ، وهى لذلك تحتوى على معلومات عن مقدار الامتصاص الذى تم بكل الطبقات واحدة بعد الأخرى والذى يعتمد على درجة الحرارة فقط ، وبذلك فقياس درجات الاشعاع الحرارى على ارتفاعات مختلفة ُيمكن من حساب درجات الحرارة عند هذه الارتفاعات ، ويدمج نتائج التدرج الحرارى مع قياسات الضغط عند ارتفاعات مختلفة يمكن حساب كثافة طبقات الغلاف الجوى فى منطقة معينة من الكرة الأرضية .
ويتم ادخال المعلومات الخاصة بكثافة طبقات الغلاف الجوى مع معلومات حركة الرياح وغيرها من المعلومات فى النماذج الرياضية الحاسوبية الكبيرة ، التى سبق الحديث عنها والتى تستطيع ـ بناء على هذه المعلومات ـ اعطاء معلومات وتنبؤات أكثر دقة عن حالة الجو عليالمدى الطويل.
لقد تحسنت الأرصاد الجوية بإستخدام الأقمار الصناعية كثيراً ، واذا كانت الصورة التى رسمناها فى الفقرات السابقة تبدو مجردة ورياضية بعض الشىء ، فان هناك صورة أخرى تجسد أهمية الأقمار الصناعية بشكل ملموس ، وهذه هى صورة العواصف الرملية فى شمال افريقيا وفى صحراء العرب مثل أعاصير المحيطين الأطلنطى والباسفيكى على سواحل الولايات المتحدة واليابان ، وفى بحر الشمال تأخذ كلها صورة مرئية وتتحرك حركة ملحوظة يمكن رصدها من الأقمار ، بل يمكن تحديد عين الاعصار ورؤية اتجاه دورانه من الصور الملتقطة من هذه الأقمار .
ـــ أنواع أقمار الأرصاد الجوية :
أدركت دول كثيرة الفائدة المباشرة التى تعود عليها من أقمار الأرصاد الجوية فأطلقت عدة دول ـ ومنها دول نامية ـ أقمارها الخاصة بالأرصاد ، ومن هذه الدول اليابان وأوربا والهند ، وهذه الأقمار أقمار ساكنة ويغطى كل منها منطقة معينة من سطح الأرض ، ولذلك تستفيد منها مباشرة دول معينة أو مجموعة من الدول تكون هى عادة التى ستتولى اطلاق القمر الصناعى وتحمل نفقاته وتغطى هذه الأقمار فى مجملها الكرة الأرضية كلها ، وتنقسم إلى مجموعتين متكاملتين :
المجموعة الأولى : فى مدار ثابت جغرافياً عند خط الاستواء وتتكون من أربعة أقمار وهى موزعة على النحو التالى :
1- سلسلة جويز Goes الشرقية والغربية : وهما قمران أطلقتهما الولايات المتحدة على المدار الثابت جغرافياًGoestationary Orbit ويغطيان أمريكا الشمالية والجنوبية والمحيط الهادى الغربى ، وقد أطلق من مجموعة جويز Goes سبعة أقمار فى الفترة من 1975 إلى 1987 .
2- ميتوسات Meteosat : أقمار أوربية فى المدار نفسه بدأ اطلاقها عام 1977 وتغطى أوربا وافريقيا والشرق الأوسط ، وقد أطلق من مجموعة متيوسات خمسة أقمار فى الفترة من 1977 إلى 1981 وتتعدد الاطلاقات فى حالة تعطل بعض وظائف القمر أو لاستبداله بعد انتهاء عمره الفتراضى.
3- انسات Insat : قمر هندى فى مدار ثابت حول خط الاستواء ، ويغطى شبه القارة الهندية والمحيط الهندى وجزءا من آسيا ، وقد أطلق من هذه المجموعة من الأقمار انسات 1أ ، 1ب ،1جـ من 1982 إلى 1988 ثم انسات –2 فى 1990.
4- سلسلة أقمار ج.م.س GMS اليابانية أطلق منها Gms2 , Gms1 Gms3، فى الفترة من 1977 إلى 1984 وتغطى استراليا وغربى المحيط الهادى .
المجموعة الثانية : فى مدار قطبى عمودى على المدار الاستوائى الثابت وتتكون من الأقمار الآتية :
1- تيروس Tiros : وهى أقمار أمريكية على ارتفاع 800 كيلو متر، وقد أطلق منه سبعة أقمار .
2- NOAA قمران أمريكيان على الارتفاع نفسه تقريباً ويعطيان بيانات جوية لكل الكرة الأرضية كل ست ساعات .
3- ميتور METEOR روسى على ارتفاع 800 كيلو متر تقريباً فى مدار قطبى ، وقد أطلق من METEOR I ثلاثون قمراً فى الفترة من 1969 إلى 1978 وتلاه برنامج METEOR II , METEOR III .
المصدر: الجغرافيون العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق