التمدين الضاحوي وإنعكاساته على البيئة نموذج مدينة القنيطرة
إن كوكبنا اصبح يشهد العديد من المتغيرات الديموغرافية والبييئية بحيث يؤكد العلماء أنه مع بداية القرن العشرين تشكلت العديد من المتغيرات.
بحيت يعيش 3,3 مليار شخص في الوقت الحاضر في المدن والمراكز الحضرية حول العالم وبحلول عام 2030 من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى خمسة مليارات شخص وسيحدث 95 بالمئة من هذا النمو في الدول النامية ففي العقود الثلاثة القادمة سيتضاعف عدد سكان المدن في أسيا من 1,36 مليار إلى 2,64 مليار نسمة كما سينمو عدد السكان في المدن الإفريقية بأكثر من الضعف من 294 مليون إلى 742 مليون شخص .
والمغرب بدوره لايخرج من دائرة الدول التي عرفت نموا كبيرا في ظاهرة التمدين بحيت أصبح عدد السكان الحضريين يتجاوز 56 في المئة هذا التزايد واكبه توسع مجالي سريع فاق كل التوقعات . إلا أن هذا النمو المجالي سيؤدي إلى ظهور مجموعة من المشاكل ومن بينها التمدين الضاحوي ومجموعة من المشاكل البيئية الناجمة عنه بالإضافة إلى العديد من المشاكل الإجتماعية .
الإشكالية
عرفت مدينة القنيطرة تزايد كبير لعدد سكانها سواء بسبب النمو الديوغرافي السريع أو الهجرة نحو هذه المدينة بحيث ساهمت مجموعة من العوامل التاريخية والجغرافية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية في تزايد حجم المدينة هذا التزايد أدى إلى ظهور مجموعة من التناقضات المجالية ومن بينها التمدين الضاحوي الذي إنعكس سلبا على البيئة وخاصة المجالات الغابوية والفرشات المائية . وعلى إثر ذلك تتطلب منا المنهجية العلمية طرح مجموعة من التساؤلات إذن :
كيف ظهرت وتطورت مدينة القنيطرة ؟
وماهي أهم الأسباب التي ساهمت في ظهور التمدين الضاحوي ؟
وأين تتجلى أهم مظاهر التمدين الضاحوي ؟
ونتساءل كذلك عن أهم الإنعكاسات البيئية الناتجة عن التمدين الضاحوي؟
I ـ تحديد المفاهيم
1- مفهوم البيئة
يمكن تعريف البيئة على أنها عبارة عن نسيج من التفاعلات المختلفة بين الكائنات العضوية الحية بعضها البعض (إنسان، حيوان، نبات، ...)، وبينها وبين العناصر الطبيعية غير الحية(الهواء، الحرارة، الضوء ...) ويتم هذا التفاعل وفق نظام دقيق، متوازن ومتكامل يعبر عنه بالنظام البيئي أو المنظومة البيئية.
والإنسان جزء لا يتجزأ من هذه البيئة أو المنظومة البيئية، لكن الميزة التي تميزه عن باقي عناصرها ومكوناتها أنه يعي دور الفاعل فيها، هذا الدور الذي يتوضح من خلال ممارسته اليومية لمظاهر حياته, وبفعل قدراته العقلية الجبارة، اصبح الإنسان عنصرا مهيمنا على البيئة المحيطة به, وساعده في ذلك تزايده السريع وتطوره العلمي والتكنولوجي, وسعيه الحثيث لتلبية حاجاته عن طريق الزيادة في الانتاج الزراعي, وتطوير الانتاج الصناعي وانشاء وتوسيع المدن ومد الطرق...... الشيء الذي تمخض عنه ضغط هائل على كثير من الموارد الطبيعية, وخلف آثارا واضحة على كثير من المنظومات البيئية.
2- البيئة الحضرية
أما البيئة الحضرية فيصعب إيجاد تعريف شامل ومتفق عليه بالنسبة لها.... وهذا يرجع إلى عدة عوامل منها مثلا:
صعوبة تقديم تعريف دقيق للمدينة في حد ذاتها، واختلاف هذه التعاريف من تخصص علمي إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، فالمدينة ظاهرة معقدة ومتطورة، ومتغيرة في الزمان والمكان تتميز بتنوع أنشطة سكانها، واختلاف مناظرها المورفولوجية، وتباين كبير في شرائح وأعداد سكانها، وفئاتهم المهنجتماعية (عمال، حرفيين، موظفين، أصحاب المهن الحرة، رجال الأعمال ...) ومن تم تتعدد المعايير المعتمدة في تعريف المدينة: نوعية النشاط،عدد السكان، المنظر المورفولوجي...
إن هذه الصعوبة، تجعل بعض الدول تعتمد المعيار الإداري لتحديد المدينة، والمغرب من ضمن هذه الدول. يعنيالمعيار الإداري: إصدار قرار إداري يضفي صبغة المدينة على تجمع سكاني معين إذا ما توفرت فيه شروط معينة. وهنا لابد من إبداء ملاحظة أساسية، وهي : أن حديثنا عن البيئة الحضرية في المغرب سيجعلنا نلامس موضوعا شديد التنوع والاختلاف. فالحديث عن المدينة المغربية يعني حديثا عن البيضاء، فاس، مراكش، اكادير، وفي الوقت ذاته يعني حديثا عن مدن متوسطة كتارودانت، ورزازات، العرائش و القنيطرة ... كذا عن مدن صغيرة كأولوز، أولاد برحيل، أيت إعزة .... ورغم شساعة الإختلاف الموجود بين هذه المدن لا من حيث عدد السكان، نوع الفئات المهنية والإجتماعية، المنظر المورفولوجي، حجم العمران وبطبيعة الحال وجود هذه الاختلافات سيجعل ما نسميه بالبيئة الحضرية يتميز بدوره بالاختلاف الكبير... لكن يمكن أن نجد بعض العناصر الموحدة لهذه الكيانات المختلفة عبر إبداء بعض الملاحظات:
* أن البيئة الحضرية هي من صنع الإنسان فهي إذن نتاج تأثير الإنسان في بيئته الطبيعية.
* أن وعي الإنسان بهذا الفعل وبتأثيره جعله يسعى إلى تنظيمه وإعادة خلق نوع من التوازن بين عناصره ومن تم ظهرت الخطط (خطط المدن) كما ظهرت مستويات من التصاميم المديرية ... والتي يبقى الهدف من ورائها : المحافظة على التوازن بين مختلف عناصر المجال الحضري، الطبيعية منها والمصطنعة (أي تلك التي هي من فعل الإنسان) من أجل خلق بيئة ملائمة لحياة هذا الإنسان. وضمان إستمراريته وسلامة صحته.
3- التمدين الضاحوي
يعتبر مفهوم التمدين الضاحوي مفهوما عالمي ظهر مع الثورة الفرنسية نتيجة لتقدم الحاصل في جميع المستويات وسيزداد تطورا بعد الحرب العالمية الثانية بحيث ظهرت التجمعات السكنية الكبرى .
أما في المغرب فيعتبر التمدين الضاحوي أحد أهم مكونات المشهد الحضري المغربي ، فهو نتيجة للإشكالية العالمة للمدن والتي تتمحور حول الأرض أو ما يسمى" بالريع العقاري " حتى غدت الأطروحة الحضرية في المغرب تقول بأن إنتاج الحيز الحضري يتم في إيطار مزدوج :
الأول رسمي يتم وفق قوانين التعمير الجاري بها العمل .
والثاني تعمير موازي يسمى بغير فانوني أو عشوائي غالبا ما تكون مواقعه على هوامش المدينة . اما رواده فهم من سكان المدينة أو من الوافدين عليها ممن لم تسعفهم إمكانياتهم لولوج السكن
4- الضاحية الحضرية :
الضاحية منطقة سكنية تقع بجوار المدينة أو تحوم بها ، وتُعتبر كثير من هذه الضواحي مناطق سكنية يُقيم بها أساسًا هؤلاء الناس الذين يسافرون يوميًا بانتظام للعمل داخل المدينة، ولكن بعض الضواحي تكون مناطق صناعية تحتوي على المصانع والمكاتب ومراكز التسويق الكبيرة. لقد نشأت كثير من المدن وتطورت في السنوات العشر الأولى للقرن الثامن عشر الميلادي خلال الثورة الصناعية. وفي أواخر تلك الفترة بدأت مقاييس الإسكان في بعض المناطق المزدحمة بتلك المدن تنهار وتتدهور وقد بدأ الناس مع تطور السكك الحديدية في الانتقال من داخل المدن إلى الضواحي، وزادت سرعة هذا الانتقال خلال الخمسينيات والستينيات من القرن التاسع عشر الميلادي حيث أصبح هناك عدد مُتزايد من العائلات يمتلك السيارات الأمر الذي ساعد الناس على السفر يوميًا بانتظام من الضواحي إلى داخل المدن دون الاعتماد على وسائل المواصلات العامة. وبصفة عامة فإن الضواحي تكون أكثر جاذبية بالمقارنة مع مناطق داخل المدينة لأنها تكون أقل تلوثًا وأكثر هدوءًا، وقد تمكن كثير من الناس من المعيشة في عائلات صغيرة في منازل تُحيط بها الحدائق، وفي بعض المدن أصبحت مناطق وسط البلد خالية من الناس حيث تم هدم المباني القديمة لتحل محلها العمارات الشاهقة التي تَضم المكاتب الفخمة وهذه المناطق تكون مزدحمة بالنهار وخالية من الناس تقريبًا بالليل ويُعتبر وسط مدينة لندن خير مثال على ذلك.
لقد أدت هجرة الناس من وسط المدينة إلى الضواحي في بعض المدن إلى توافر المساكن الرخيصة، وهذا بدوره أدى إلى جذب الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف معيشة بعض الضواحي الباهظة للإقامة فيها، وقد أقدم بعض الأغنياء بمناطق وسط البلد الأخرى على تجديد بعض تلك المنازل القديمة، ليقيموا بها وفي هذه الحالة لا توجد اختلافات واضحة بين وسط البلد والضاحية ولاكن في الجهة الأوخرى قد نجد ضواحي لاتتوفر على شروط الصحة والسلامة
IIـ السيرورة التاريخية لتمدين القنيطرة نمودجا
ساهمت الظروف التاريخية لمدينة القنيطرة في تعدد مراحل تطورها حيث إقترنت نشأتها بمرحلة الإستعمار بينما تميزت فترة الإستقلال بإنتشار مجالي وتطور ديموغرافي غير ملامحها الحضارية .
1 ـ قبل الإستقلال :
أ ـ مرحلة 1912 ـ 1930
ركز الليوطي خلال بداية إستعماره للقنيطرة على إنشاء مناء القنيطرة في البداية تم توفير السكن للمعمرين تم الأهالي مما أدخل نوعا من الإنتعاش والرواج بهذه المدينة التي عرفت بعد الإستقلال ،تطورا ديموغرافيا وإقتصاديا غير كل البنيات الإقتصادية والمجالية للمدينة .
فقد انشئت هذه المدينة في سنة 1912 بموجب قانون الحماية الفرنسية ذلك بعد التوقيع على معاهدة فاس 30 مارس 1911 وقد كانت القنيطرة خالية من سكانه تقريبا خصوصا في منطقة المهدية إلى أن جاء المعمر الفرنسي الذي أعطى أهمية كبرى لمناء مهدية .
ومن خلال شكل الموقع الذي كان ملائما لتطور المدينة فوق أرض منبسطة بحيث يقدم إمكانيات إستثنائية ناذرا ما تجمع في مكان واحد هذه الإمكانات هي كالتالي :
ـ موقع إستراتيجي يقع شمال التراب الذي يحتله المستعمر الفرنسي ..
ـ مناء بحري محاط بسهل الغرب وسايس
ـ منطقة غنية بإمكانات طبيعية هائلة
نقطة إلتقاء لطرق المدية للجهة الشمالية
وبناءا على هذه الإمكانات تم فتح مناء القنيطرة للملاحة التجارية بعدما كان خاص فقط بالنشاط العسكري
ولقد عمل اليوطي في تصميمه الحضري على التفرقة بين الاهالي والمعمرين ، وهكذا فإن مدينة القنيطرة كانت خلال المرحة الإستعمارية تتميز بوجود حي عصري يقطنه الأروبيين وحي الأهالي يقطنه المغاربة وكان يفصل بين الحيين التكنة العسكرية . والخريطة الموالية ستوضح ذلك .
خريطة رقم 1 : التصميم الحضري لمدينة القنيطرة سنة 1914.
المصدر: القنيطرة في أفق سنة 2000 |
ب ـ المرحلة الثانية مابين 1931 ـ 1951
تميزت المرحلة الإستعمارية الثانية بإرتفاع مهم لعدد السكان المغاربة والأوربيين حيث قدر
عددهم ب 16000 نسمة في سنة 1939 ليصل سنة 1951 حوالي 70 الف نسمة لذلك يمكن القول أن الثلاثينيات عرفت بداية الإنفجار الديموغرافي .
وبالتالي ظهور الانوية الأولى لدور الصفيح مابين الطريق المؤدية لعين السبع وكذلك قرب الفوارات أو الساكنية حاليا .
2 ـ فترة مابعد الإستقلال .
عرفت مدينة القنيطرة توافدا كبيرا للسكان من كل أنحاء المغرب مما أدى إلى ظهور أحياء سكنية عبر مراحل متعددة .
أ ـ فترة السبعينيات :
خلال هذه الفترة شهدت المدينة توسعا عمرانيا بواسطة تشييد مناء والمباني وأحياء سكنية جديدة فبلدية القنيطرة شهدت مابين 1975 ـ 1978 بناء مايلي :
ـ 85 بناية سكنية غطت جميعها 73291 ألف مترا مربعا .
ـ 166 فيلا شغلت مساحة 43772 متر مربعا .
ـ 1075 مسكن حضري تقليدي غطت مساحته 102119 مترا مربعا .
إيضافة إلى هذه البنايات فقد ظهر بعض أنوية الصفيح بهوامش المدينة كذوار ولاد وجيه ودوار الرجاء في الله .
خريطة رقم 2 : توزيع احياء بمدينة القنيطرة .
ب ـ فترة التماننيات
بلغت الكثافة السكانية بالمدينة سنة 1980 حوالي 6156 نسمة وبالتالي تطورت أحياء الصفيح حيث بلغت الكثافة السكانية في نفس السنة حوالي 211043 نسمة في الهكتار الواحد . من خلال هذه الأعداد توقع إستنفاد المدينة لرصيدها العقاري .
ج ـ فترة التسعينيات
تميزت هذه الفترة بظهور عمارات يفوق عدد طوابقها أربع طوابق وذلك بسبب إستنزاف المجال المخصص لتوسع مدينة القنيطرة ولذلك عملت السلطات على تشجيع هذا النوع من الإستثمار العقاري وقد إرتفع عدد العقارات خلال السنوات الأخيرة خاصة مركز المدينة حيث تم تعويض البنايات القديمة بعمارات يتجاوز عدد طوابقها سبع طوابق غير أن هذا النوع من السكن موجه فقط إلى الفئات الميسورة .
وبالتالي إقصاء شريحة مهمة من دوي الدخل المحدود من الإستفادة من هذا السكن . بموازات تطور التوسع الأفقي عرفت فترة التسعنيات تطورا سريعا للأحياء الهامشية خاصة الغير القانونية . وذلك لكون شريحة عريضة من سكان مدينة القنيطرة دوي الدخل المحدود لايمكنه من سكن العمارات أو السكن الإقتصادي بمركز المدينة وبالتالي اللجوء إلى الأحياء الهامشية .
خريطة رقم 3 : المدار الحصري لمدينة القنيطرة مابين 1982 ـ 1992
من خلال ملاحظتنا للخريطة يتضح لنا أن المدار الحضري لمدينة القنيطرة لم يكن يضم سيدي الطيبي والمهدية في سنة 1992 ـ 1982 بينما في سنة 2004 فإن منطقة المهدية ستصبح داخل المدار الحضري .والخريطة التالية تبين ذلك . وهذا يفسر على أن هذه المناطق أصبحت مغطات بوثائق التعمير
خريطة رقم 4 : المدار الحضري لمدينة القنيطرة
المصدر الوكالة الحضرية كامل البحث : للقراءة والتحميل اضغط هنا |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق