العصر الحجري الحديث
NEOLITHIC
المحاضرة الثامنة
العصر الحجري الحديث
NEOLITHIC
ويشمل الموضوعات التالية:
أولاً: الإنجازات الاقتصادية:
1- الزراعة
2- استئناس الحيوان.
ثانياً: الإنجازات الحضارية:
1- الآلات والأدوات
2- الفخار.
3- القرى.
ثالثاً: أهم المراكز الحضارية في العصر الحجري الحديث.
1- حضارات العصر الحجري الحديث في إقليم جنوب غرب أسيا.
2- حضارات العصر الحجري الحديث في أوروبا.
3- حضارات العصر الحجري الحديث في شرق وجنوب أسيا.
4- حضارات العصر الحجري الحديث في الأمريكتين
تمهيد:
بعد أن انتهى عصر البلايستوسين حل الجفاف بمناطق العروض الوسطى والدفء بمناطق العروض العليا، واستمرت هذه الحالة سائدة لفترة مع حدوث ذبذبات مناخية ،إلى أن تحسنت الأحوال المناخية وساد شمال أفريقيا وإقليم جنوب غربي آسيا فترة مطر ثانوية في العصر الحجري الحديث.
ويعد العصر الحجري الحديث الثورة الإنتاجية الأولى في تاريخ البشرية، ويعبر عنه البعض أحيانا بالثورة الصناعية الأولى .
تأتي أهمية هذا العصر في أنه يمثل مرحلة اقتصادية قائمة بذاتها، إذ انتقل الإنسان من حياة الترحال وراء فريسة يقتنصها أو بحثا عن ثمار يلتقطها إلى حياة الاستقرار في قرى صغيرة شيدت بجوار قطعة أرض اختار لها نباتاً معيناً يضع فيها بذوره بنفسه ويظل يرعاها حتى تثمر وتؤتي أُكلها، فضلا عن ذلك يمكن أن نميز في هذه المرحلة حياة بدوية منظمة قام بها الإنسان برعي حيوانات معينة اختارها من المملكة الحيوانية وروضها واستأنسها.
ويختلف العصر الحجري الحديث عن العصور الحجرية التي سبقته، فهو عصر حضاري أكثر منه تاريخي، وبالتالي لم يبدأ في العالم كله في وقت واحد، ففكرة بذر الحب ورعي الحيوان كان من السهل انتشارها لأن تقبلها كان أسرع من تقبل التغيرات الطارئة في صناعة الأدوات مثلا، فتربة الأرض والمناخ المناسب دفعت الشعوب المختلفة إلى تقبل ثورة إنتاج الطعام، وبالتالي لائمت بالتدريج حضارتها لهذه الثورة.
واتصف العصر الحجري الحديث بملامح خاصة يمكن إيجازها على النحو التالي:
◄1- يعد إقليم المنطقة العربية أو شرق البحر المتوسط وخاصة مصر والعراق وفلسطين وآسيا الصغرى، هو الإقليم الأول الذي شهد البدايات الأولى للعصر الحجري الحديث في حوالي الآلف السادس قبل الميلاد، وفي بعض المواقع إلى تاريخ سابق، ومن هذا الإقليم انتشرت انجازات حضارات هذا العصر إلى مناطق العالم المختلفة خاصة نحو الغرب إلى شمال غربي أفريقيا وأوروبا، أو نحو الشرق حتى شبه القارة الهندية ونحو الجنوب إلى وسط أفريقيا وجنوبها.
◄2- تنوع الأدوات التي صنعها الإنسان في العصر الحجري الحديث وذلك كضرورة اقتضتها حياة الاستقرار والنظام الاقتصادي الجديد. وكانت الأدوات الزراعية سمة عامة في معظم حضارات هذا العصر التي ضمت المحراث والمنجل المستقيم والفأس ذات اليد الخشبية، وأدوات فصل الحب عن القش خاصة النورج (آلة زراعية لفصل المحصول عن القش ويسمى أيضا لوح دراس) والمذراة، كما ضمت الرحى الحجرية التي وجدت في بعض المواقع الحضارية، ولما كان إنتاج الطعام أو بالأحرى تخزين الحبوب في مخازن وجدت أحيانا بالقرب من المساكن كما في موقع حضارة مرمدة بني سلامة في مصر أو بعيدا عن القرى كما في موقع حضارة الفيوم، وارتبط بتخزين الطعام أيضا معرفة الفخار الذي يعبر عن استخدام مادة خام جديدة في صنع أدوات الإنسان والتي تتمثل في الطين، وللفخار أهميته الأخرى فهو لوحة أثرية تعبر عن المستوى الحضاري الذي عاشته مجتمعات هذا العصر.
◄3- شهد العصر الحجري الحديث قيام عدد من الصناعات بالإضافة إلى صناعة الفخار عرف الإنسان صناعة كل من الخشب ونسج الصوف والكتان والقطن، وصناعة السلاسل والحصر، وكان الكتان هو أكثر المواد الخام المستخدمة في النسيج في بداية العصر الحجري الحديث رغم أن إعداده تطلب مهارة وتمرين على عكس نسج القطن والصوف، ومع ذلك لا توجد بقايا صناعة صوفية في المراحل الأولى لهذا العصر بسبب عيوب الصوف أو نظرة بعض المجتمعات إليه باعتباره مادة غير نظيفة لصناعة الملابس كما في مصر، ومع ذلك يمكن أن نتصور أن رعاة الأغنام في المناطق الباردة قد فشلوا في صناعته. أما عن القطن فقد استخدم في الصناعات الهندية منذ قيام حضارة موهانجو دارو، كما كان معروفا لدى زراع بيرو.
◄4- عاش إنسان العصر الحجري الحديث في قرى صغيرة اختار مواضعها في أماكن بعيدة عن مستوى فيضانات الأنهار أو فوق سطوح الهضاب، وقد اختلفت قرى هذا العصر من منطقة إلى أخرى أو من موقع حضاري إلى آخر سواء في مواقع البناء التي شيدت منها أو في مستوى التنظيم، ففي العراق مثلا كانت أكثر تنظيما من قرى مصر مع وجود بعض الاستثناءات (قرية مرمدة بني سلامة)، وحيث توافر الطين شيدت من الطين أولا ثم من الطوب اللِبن في مرحلة تالية، وفي المناطق التي كانت تكثر فيها المياه شيدت من البوص أو فروع الأشجار (الفيوم في مصر، تل العبيد في العراق).
◄5- اتصفت حياة العصر الحجري الحديث بالاكتفاء الذاتي، فكل مجموعة سكانية في كل قرية كانت تشكل وحدة اجتماعية يتعاون جميع أفرادها في العمل الزراعي خاصة بناء الجسور وحفر قنوات الري، وكانت كل أسرة وحدة اقتصادية تكفي نفسها، كما كانت كل قرية كذلك ولكن على نطاق أوسع. فكل قرية كانت تزرع محاصيلها الغذائية وتصنع جميع الأسلحة والأدوات والحاجات الأخرى اللازمة لسد مطالب الحياة اليومية.
◄6- كان لسكان العصر الحجري الحديث صلات تجارية تمت بين موقع حضاري وآخر، أو حتى بين مناطق أخرى لم تتوافر لها مواقع حضارية في هذا العصر.
وتظهر الأدلة الأركيولوجية صلات تجارية تمت بين حضارات مصر من ناحية، ومناطق النوبة والبحر الأحمر وجزر البحر المتوسط وشبه جزيرة سيناء من ناحية أخرى، إذ جلب سكان هذه الحضارات من هذه المناطق مواد الترف والكماليات والأحجار التي استخدمت في صنع الأدوات، وبلا شك فإن مواد الزينة التي احتفظ بها أصحاب حضارات العصر الحجري الحديث، كان لها دور مهم في الصلات التجارية، تلك المواد التي شملت الذهب والنحاس والعاج والعقيق في نهاية العصر الحجري الحديث، والأصداف في أوائل هذا العصر.
◄7- كان لمجتمعات العصر الحجري الحديث حياتهم الروحية الخاصة، تلك الحياة استمدها سكان هذا العصر من حياتهم الاقتصادية:
أ- فقد اقتضى تأمين هذه الحياة تطلع الإنسان إلى القوى الطبيعية التي تتحكم في إنتاج المحاصيل الزراعية، فاتجه إلى تجسيد هذه القوى في
شكل عدد من الآلهة مثل آلهة الأمومة التي كانت رمزاً للخصوبة، وعند دراسة حضارات هذا العصر في العراق أو إيران سوف يجد القارئ عددا من الحضارات التي اجتمعت فيها هذه الصفة.
ب-استمد إنسان هذه العصور من دورة المحاصيل الزراعية فكرة البعث والخلود، تلك الفكرة التي تأصلت عند المصريين القدماء.
يتضح مما سبق أن العصر الحجري الحديث كان أهم العصور الحضارية التي مرت بتاريخ البشرية ، وفيما يلي دراسة لأهم الانجازات الاقتصادية في هذا العصر.
أولاً: الانجازات الاقتصادية في العصر الحجري الحديث : ص127
تعد الزراعة واستئناس الحيوان أهم انجازات الإنسان الاقتصادية في العصر الحجري الحديث، وتحاول الدراسة إلقاء الضوء على نشأة الزراعة ومواطنها الأولى وانتشارها من هذه المواطن إلى مناطق العالم الأخرى، مع الإشارة إلى الأصول الأولى لمحاصيل هذا العصر، ثم التوزيع الجغرافي للحيوانات المستأنسة.
1- الزراعة: ص 127
لم تأت معرفة الإنسان للزراعة بشكل فجائي، ولم تكن هذه المعرفة أيضا نتيجة اختراع يشبه ما نعرفه من الاختراعات المفاجئة، وإنما جاءت معرفتها بشكل تدريجي بحيث كانت مرحلة من الانتقال، من مرحلة الجمع والالتقاط والقنص والصيد إلى مرحلة حراسة الحقول البرية وذود الطيور عنها حتى ينضج الحب.
وكانت الزراعة الأساس الاقتصادي الأول لمجتمعات العصر الحجري الحديث، وارتبط بها كل نواحي التطور الحضاري والاجتماعي الذي شهدته البشرية خلال هذا العصر.
إن معرفة الزراعة وتحديد موطنها الأول كان مثار خلاف بين معظم دارسي عصور ما قبل التاريخ، وانقسمت الآراء إلى قسمين:
الأول: يضم الآراء والنظريات التي ربطت بين معرفة الزراعة والتغيرات المناخية التي تعرض لها العالم بعد انتهاء العصر الجليدي.
الثاني: يشتمل الآراء التي ربطت بين معرفة الزراعة وأسباب بشرية أو حضارية مع عدم إهمال الجانب الطبيعي ( التغيرات المناخية).
أ- الزراعة وعلاقتها بالتغيرات المناخية.
حاول بعض العلماء الربط بين معرفة الزراعة في العصر الحجري الحديث والتغيرات المناخية التي تعرض لها العالم بعد انتهاء العصر
الجليدي، وكان من أهم النظريات التي ناقشت هذه العلاقة:
1- نظرية سور:
حاول سور تتبع نشأة الزراعة من واقع المناطق التي كانت تنمو فيها المحاصيل بريا من قبل، ووضع سور في نظريته عن النشأة الأولى للزراعة عدة افتراضات هي:
1-عرفت الزراعة في المجتمعات التي تتميز بوجود وفرة في إنتاج الغذاء، على أساس أن مناطق الجوع لا تسمح للإنسان بالتفكير واختيار النباتات للزراعة.
2- عرفت الزراعة في مناطق تتميز بتنوع خصائصها الجغرافية، إذ يؤدى هذا التنوع إلى تنوع في النباتات والحيوانات، فيختار الإنسان منها ما يناسبه.
3- ابتعدت الزراعة في أول الأمر عن مناطق الأنهار التي تتميز بالفيضانات العالية، وقد حدد سور نشأة الزراعة في مناطق التلال
والأراضي الجبلية حيث تتوفر الحماية الطبيعية للزراعات.
4- عرفت الزراعة في مناطق الغابات حيث تتوافر التربة الصالحة للزراعة، كما أن هذه المناطق قد عرفت الفأس اليدوية الحجرية
من قبل.
5- كان مخترعو الزراعة يتمتعون بمهارات خاصة بحيث تمكنهم من معرفة الزراعة وتجريتها، وحدث نفس الشيء بالنسبة للصيادين،
بحيث ينتقلون إلى استئناس الحيوانات.
6- عرفت الزراعة في مناطق تميزت باستقرار السكان.
وقد اقترح سور بناءا على ما ساقه من افتراضات أن الموطن الأول للزراعة هو جنوب شرقي أسيا، إذ أن هذه المنطقة تتوفر فيها كل المقومات اللازمة لنشأة الزراعة، فالمنطقة تتميز بتنوع تضاريسي ونباتي كبير، كما يوجد بها مناخ رطب يمتاز بوجود رياح تسقط أمطاراً وفيرة، وفى نفس الوقت تمتاز بفترات جفاف، ذلك إلى جانب أن هذه المنطقة تمتاز بوجود عدد كبير من الأنهار التي تساعد على الاتصال بين أجزاء العالم القديم، كما تعد بيئات مواتية للصيد.
واقترح سور منطقة أخرى لمعرفة الزراعة، تتمثل في شمال غربي أمريكا اللاتينية خاصة في جواتيمالا، حيث عرفت الذرة والقرع والفول، ثم انتشرت بعد ذلك إلى أمريكا الشمالية وجبال الانديز، مستندا في ذلك إلى عوامل تشبه تلك التي تميز بها إقليم جنوب شرقي أسيا.
وقد واجهت نظرية سور عدة اعتراضات كان أهم ما جاء فيه.
أ- أن الاستقرار يجب أن يكون بعد معرفة الزراعة.
ب- الجوع والغذاء من أسباب بحث الإنسان عن مصادر أخرى للغذاء.
ج- أثبتت الأدلة الاركيولوجية أن الزراعة عرفت في مناطق الحشائش شبه الجافة.
2- نظرية تشيلد:
افترض تشيلد أن منطقتي شمال إفريقيا وغرب أسيا هما الموطن الأصلي للزراعة، بسبب ظروف المناخ التي سادت هاتين المنطقتين، بعد انتهاء الفترات المطيرة.
وحدد أيضا مناطق الواحات كموقع للزراعة في المنطقتين بسبب توافر المياه الجوفية التي تنبثق من العيون.
وخلاصة رأى تشيلد أن الظروف المناخية في أواخر البلايستوسين حتمت على الجماعات القليلة المتناثرة في مساحات واسعة، أن تعيش في أماكن محدودة ضيقة كوادي النيل الأدنى ودجلة والفرات، وفى بعض الواحات المتناثرة في إقليم التركستان.
ب - الرأي الثاني ويشتمل الآراء التي ربطت بين معرفة الزراعة في العصر الحجري الحديث وأسباب بشرية أو حضارية، وأهمها: ص130
1- نظرية بريد وود
فسر نشأة الزراعة بعوامل حضارية، على أساس أن التغيرات المناخية في إقليم جنوب غربي أسيا وشمال إفريقيا في نهاية البلايستوسن لم تكن مختلفة كثيرا عن التغيرات المناخية التي حدثت في فترات أخرى من هذا العصر.
وفى رأيه أن مناطق التلال الواقعة بالقرب من إقليم الهلال الخصيب كانت بمثابة نطاقات بؤرية أو مركزية لقيام الزراعة، لتميزها بتنوع البيئة الطبيعية من ظروف مناخية ونباتية وحيوانية، وهو ما سمح للإنسان باستغلالها، ولا يمكن معرفة الزراعة في هذه المناطق قبل نهاية البلايستوسين، على أساس أن المستوى الحضاري للإنسان لم يصل إلى الحد الذي يمكنه من معرفة الزراعة، ومن هذه النطاقات البؤرية انتشرت الزراعة إلى جهات مختلفة من العالم.
ونُقدت النظرية على أساس:
أ- لم تسمح الظروف المناخية الدفيئة في البلايستوسين الأسفل والأوسط بمعرفة الإنسان للزراعة، كما أن نقص الأدلة يعجز عن إثبات معرفتها في الأمريكتين.
ب-عدم توفر أدلة أثرية (اركيولوجية) تثبت تفسير نشأة الزراعة لأسباب بشرية حضارية.
2- نظرية بينفورد. ص131
قدمت عام 1964 وافترض فيها بينفورد أن الأقاليم التي تتميز بوفرة المواد الغذائية سواء عن طريق القنص أو الجمع والالتقاط، يحدث فيها توازن بين أعداد السكان والغذاء، وقد حاول بينفورد تفسير نشأة الزراعة في نهاية البلايستوسين بعاملين رئيسيين هما:
أ- التغير في عناصر البيئة الطبيعية والذي ارتبط به تقلص في صورة الحياة الطبيعية، وبالتالي تناقص فرص الحصول على الغذاء، ومن ثم اختلال التوازن بين حجم السكان والكميات المتاحة من الغذاء.
ب- حدوث تغير في توزيع السكان، بحيث يؤثر كل إقليم في الأخر، وبالتالي يحدث اختلاف في التوازن بين حجمي السكان والغذاء، إذ ترتفع الكثافة السكانية في منطقة على حساب أخرى.
وبمعنى آخر أن بينفورد يعتبر أن التغيرات المناخية التي حدثت في البلايستوسين الأعلى كانت سببا ثانويا في تفسير نشأة الزراعة، بينما يعتبر العامل الديموجرافى هو العامل الأول.
نقد النظرية:
لم تتلق الجهات الداخلية التي تجاور الأراضي السهلية الساحلية خلال البلايستوسين إلا كميات محدودة من الأمطار سمحت بنمو حياة عشبية أو نباتات تتحمل الجفاف، عاش عليها الإنسان قانصا للحيوانات وجامعا للغذاء، وقد تأثرت الجهات الساحلية بالتغيرات في مستوى سطح البحر خلال البلايستوسين، وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى قيام مجتمعات شبه مستقرة أو مجتمعات أخرى مستقرة تمارس حرفة الصيد البحري.
وبناء على ذلك تصبح تحركات السكان من المناطق الساحلية إلى الجهات الداخلية المجاورة لها قائمة في الأجيال المتأخرة، وقد نمت هذه التحركات بعد معرفة الزراعة في الجهات الداخلية وليس قبلها, وهو عكس ما تصوره بينفورد.
3- نظرية فلانرى:
قدمت عام 1968 لمعالجة القصور في النظريتين السابقتين (بريدوورد وبينفورد)، واعتمد على مبادئ عدة طبقها على وادي تيهواكان في المكسيك. وقد افترض فلانرى في نظريته، أن الانتقال من حياة القنص والجمع إلى حياة الاستقرار وممارسة الزراعة، قد تم بشكل تدريجي مع حدوث تغير في أنماط العمران والتركيب الاجتماعي. واعتقد فلانرى أن معرفة الإنسان للزراعة كانت لظروف أجبرته على ذلك، أو بعبارة أخرى لم يكن له حق الاختيار.
--------------------------------
يتبع الاركيولوجيون في تحديد الموطن الأصلي للزراعة من خلال البحث عن الآثار الخاصة بنشأتها، في مواطن الحضارات القديمة، فحيثما وجدت:
أ- الآلات الحجرية المستخدمة في الزراعة كالمناجل أو أدوات أخرى مثل الطواحين أو الفخار، كان هذا دليلا على وجود الزراعة.
ب- بقايا نباتات مثل القمح والشعير اللذان يعدان من أقدم الحبوب التي عرفت في العصر الحجري الحديث.
وتشير الأدلة من تتبع أصول الأنواع البرية للنباتات والحيوانات إلى أن إقليم جنوب غربي آسيا كان هو الوطن الأول للزراعة، ففي عدة مواقع من السواحل الشرقية للبحر المتوسط وهضبة الأناضول وأراضي الرافدين، عثر على بقايا أنواع برية من القمح والشعير، وبعض محاصيل البقول خاصة العدس والحمص والجلبان بالإضافة إلى كتان. كما وجدت بقايا عظام حيوانات خاصة الماعز والأغنام والماشية والخنازير.
وقد اختلفت أسباب انتشار الزراعة من موطنها إلى الجهات الأخرى:
أ- نمو الحياة المدنية في مراكز الحضارات القديمة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط وفى
شرقي أوروبا والهند.
ب- طريقة الزراعة البدائية التي اتبعها الزراع الأوائل التي سببت إجهاد التربة باستثناء مناطق الأودية التي توافرت لها مقومات تجديد خصوبة التربة، بما تحمله الأنهار من طمى، ولذلك كان على مجتمعات المزارعين أن تهجر محلاتها من آن لأخر لتبحث عن حقول جديدة في
أماكن غير مأهولة، أو تستولي على أراض مازالت في أيدي جامعي القوت وصيادي البر والبحر.
ج- الزيادة السكانية في مناطق الحضارات القديمة والمرتبطة باختراع آلات جديدة وزيادة إنتاجية الأرض أثره في الوصول إلى مرحلة زاد فيها السكان عن إنتاج الطعام، وبالتالي حدثت تحركات سكانية إلى مناطق اقل ازدحاما لم تصلها الزراعة.
ص134
2- استئناس الحيوانات
يعتقد أن استئناس الحيوان قد بدأ في تاريخ مبكر عن معرفة الزراعة ، ففي غرب آسيا عرف أصحاب الحضارة الناطوفية الكلب في العصر الحجري المتوسط ، وارتبط استئناس الحيوان أيضا بالجفاف الذي جاء بعد انتهاء البلايستوسين، وتحسن الإشارة إلى بعض الملاحظات التي ترتبط باستئناس الحيوان في العصر الحجري الحديث والتي تتلخص في:
أ- أخذت عملية ترويض الحيوانات وقتا طويلا بعكس النباتات التي زرعها الإنسان ، وقد اتصف استئناس الحيوان بأعداد قليلة .
ب- بدأ استئناس الإنسان للحيوان بتربيته في المنزل بغرض الاستمتاع بصغار الحيوانات لوجود نوع من الألفة بين الأطفال وصغار الحيوانات.
ج- استغرقت فترة الاستفادة من الحيوانات فترة طويلة بغرض الحصول على اللحم، ومن ثم اللبن فيما بعد، وكانت أول الحيوانات التي استفاد منها الإنسان في العصر الحجري الحديث هو الكلب ثم الماعز والأغنام والرنة، وانتهت بحيوانات الحمل والجر كالحصان والحمار واللاما
والجمل وغيرها.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق