التسميات

الخميس، 17 أغسطس 2017

مفهوم الجغرافية السياسية والجيوبولتك - محاضرات الجغرافية السياسية /المرحلة الرابعة / قسم الجغرافية ...


مفهوم الجغرافية السياسية والجيوبولتك

محاضرات الجغرافية السياسية /المرحلة الرابعة / قسم الجغرافية


كلية التربية / الجامعة المستنصرية 


مفردات مادة الجغرافية السياسية/قسم الجغرافية /المرحلة الرابعة

أولا_ مقدمة _مدخل في الجغرافية السياسية

_ مفهوم الجغرافية السياسية (تطورها ، تعاريفها ، مظاهرها)

_ الجغرافية السياسية والمفاهيم الجيوبولتيكية الحديثة

- مناهج البحث في الجغرافية السياسية

-علاقة الجغرافية السياسية بالعلوم الأخرى

ثانيا _ مقومات المؤثرة في قوة الدولة

_ مقومات الجغرافية الطبيعية وأثرها في بناء قوة الدولة

_ الموقع الجغرافي والمساحة والشكل

_ المناخ و والسطح والموارد الطبيعية

ثالثا_ مقومات الجغرافية البشرية وأثرها في بناء قوة الدولة

1_ مقومات الديموغرافية لسكان الدولة ،أ_حجم ونمو السكان ، ب_توزيع السكان ،ج_ تركيب السكان النوعي والعمري والهرم السكاني للدولة ، د_حركة السكان والهجرة

2_ مقومات الاثنوغرافية لسكان الدولة

أ-الدين ب- القومية ج- السلالة البشرية

رابعا_ مقومات الجغرافية الاقتصادية وأثرها في بناء قوة الدولة

_الموارد الغذائية والصناعية والنشاط الزراعي

_ توزيع الموارد المعدنية وانعكاسها في قوة الدولة

- النشاط التجاري والعلاقات الدولية وتطور التكامل الاقتصاد العالمي

خامسا_ النظريات الستراتيجية الدولية

1 نظرية المجال الحيوي

2 نظرية القوة البرية

ب- نظرية القوة البحرية

ج- نظرية الإطار القاري

د- النظرية الجوية

ه- النظرية النووية

سادسا: (الحدود السياسية –تعريفها- أنواعها أ- مدارس ونظريات الحدود السياسية

ب- الحدود الطبيعية والبشرية ج-الحدود الجوية والمياه الإقليمية والحدود البحرية

سابعاً: مشكلات سياسية دولية معاصرة

ثامناً: مفاهيم عامة ( الشرق الأوسط ، النظام الدولي الجديد والعولمة، الأمن وأنواعه القومي ،المائي ،الغذائي).

مفهوم الجغرافية السياسية والجيوبولتك

الجغرافية السياسية(Political geography) فرع متخصص من ضمن علم الجغرافية وأكثر ما تختص به في العلاقات بين العلاقات الجغرافية والوحدات السياسية.كما أنها احد فروع الدراسة الأوسع المعروفة بالجغرافية البشريةHuman geography)).

إلقاء محاضراته في الجغرافية الطبيعية.([1])

  في منتصف القرن السابع عشر كتب وليام بني ( وهو طبيب بريطاني ) كتابًا أوضح في كثير من البراعة العلاقة بين الدول ونظمها ونموها وبين ظروف البيئة الجغرافية، فقد تكلم عن المساحة المثالية للدولة التي تستطيع أنتسيطر عليها وتبسط نفوذها في أرجاء هذه المساحة، ويمكن للسكان استغلالها على الوجه الأكمل، وفطن إلى أهمية المدن الكبرى في ربط وتوجيه السكان نحو مراكز القوة والجذب في الدولة، وذكر أهمية كثافة السكان وغنى الدولةوانتشار العمران حتى تصبح الدولة وحدة سياسية متماسكة في الداخل وقوة لها اعتبارها في الخارج.

  ويعد العالم الجغرافي الألماني فريدرش راتزل (Fridrich Ratzel)(1844-1914). المؤسس الحقيقي لعلم الجغرافية السياسية ، حيث تعود نشأة الجغرافيا السياسية كفرع مستقل عن الدراسات البشرية في الجغرافيا إلي عام 1897، ففي ذلك العام صدر للجغرافي الألماني كتابا بعنوان الجغرافية السياسية الذي يعد أول مرجع علمي في ھذا الموضوع ، حيث ركز على العلاقة بين السياسية والبيئة الطبيعة خاصة الأرض والمناخ.([2])

  إن هناك فارقًا كبيرًا بين الجغرافية السياسية وبين علم السياسية برغم أن الموضوع في أسسه العامة مشترك بالنسبة الوحدة السياسية او الدولة ، فالدولة بالنسبة للجغرافية السياسية عبارة عن عنصرين أساسيين هما الأرضوالشعب، ينجم عنهما عنصر ثالث هو نتاج التفاعل بينهما أي(الأرض والشعب). وتشتمل دراسة الأرض على كثير من عناصر الدراسة الجغرافية الطبيعية على رأسها عنصر المكان الجغرافي والأقاليم الطبيعية للدولة، كما تشتملدراسة الشعب على عناصر كثيرة من الدراسة للحياة البشرية، وهي تبدأ بالسكان والنشاط الاقتصادي وأنماط السكن والمدن والتكوين الحضاري للناس من حيث سلالاتهم ومجموعاتهم اللغوية وتنظيمهم الطبقي، أما العلاقة بين الأرضوالناس فهي شديدة التعقيد والتشابك فهي التي تحدد عناصر قوة وضعف الدولة او الوحدة السياسية، وفي هذا المجال يضع الجغرافي السياسي نصب عينيه حدود الدولة كإطار محدد للوحدة الأساسية في الجغرافية السياسية، برغم ماتتعرض له الحدود من تغيرات، وبرغم أن خطوط الحدود في أحيان كثيرة إنما هي خطوط افتعالية ترتضى لزمن معين، ويؤدي هذا إلى عدم ثبات الوحدة . ([3])

  هدف الجغرافية السياسية هو تحديد كيف ان التنظيمات السياسية تكون متطابقة في الشروط الجغرافية الطبيعية والبشرية وكيف تؤثر هذه الشروط في العلاقات الدولية.

 ورغم الصلة بين الجغرافية السياسية والجغرافية البشرية إلا انه توجد فوراق بينهما فبينما الجغرافية البشرية تبحث في العلاقات بين المجتمعات وبيئاتها الطبيعية دون تقييد أو التزام بالإطار أو الأنماط السياسية الخاصة التي تتخذها تلك المجتمعات، نجد في المقابل أن الجغرافية السياسية توجه اهتمامها بالدرجة الأولى إلى المجتمعات في صورها وعلاقاتها السياسية. ([4])

  وتهتم الجغرافية السياسية بدراسة النظم السياسية واي نظام سياسي يعتمد على العملية السياسية التي عن طريقها يعمل ويمارس فعالياته ،كما ويعتمد على منطقة جغرافية يعمل داخل حدودها ونطاقها ، فلا يمكن ان يكون هناك نظام سياسي في فراغ.([5]) فالجغرافية السياسية تهتم بدراسة التفاعل بين الإقليم الجغرافي والعملية السياسية التي تعنى بتتابع الإحداث السياسية والإجراءات التي يتخذها الإنسان لخلق النظام السياسي او المحافظة عليه ومدى علاقتها المكانية مع تفسير ذلك.([6])

الوحدة الإقليمية للجغرافية البشرية هي الإقليم الجغرافيgeographical region)) الذي يعبر عن الوحدة النابعة من تكامل عناصره الطبيعية والبشرية، ذلك التكامل الذي يعطي للإقليم الجغرافي كيانه المتميز رغم صعوبة تعين حدود واضحة له.

 أما الوحدة الإقليمية للجغرافية السياسية هي الإقليم السياسيPolitical region))أو الوحدة السياسية بوجه عام والدولة بوجه خاص. و الإقليم السياسي هو عبارة عن وحدة إقليمية مصطنعة ، فهو نتيجة للمجهودات الذي يبذلها السكان لخلق وحدة سياسية قد تختلف اختلاف كلي عن الإقليم الجغرافي.

  ويمكن أن نحدد أوجه الاختلاف بين الإقليم السياسي والإقليم الجغرافي بعدة نقاط هي([7])

1 الإقليم الجغرافي عبارة عن وحدة طبيعية بشرية تشمل مساحة كبيرة من سطح الأرض كالإقليم الاستوائي أو إقليم البحر المتوسط أو الإقليم الموسمي وغيرها من الأقاليم الطبيعية ، إما الإقليم السياسي فهو منطقة مصطنعة محددة المساحة.

2 الإقليم الجغرافي غير محدد تحديدا قاطعا، بينما الإقليم السياسي محدد بحدود واضح المعالم .

3 الإقليم الجغرافي ثابت بدوام ثبات العناصر الطبيعية، أما الإقليم السياسي أو الوحدة السياسية فعرضه للتغيير المستمر ، سواء في المساحة أو في الحدود أو في الظروف الداخلية أو العلاقات الخارجية .... الخ نتيجة كونها ذات أساس بشري وان الإنسان نفسه عرضة للتغيير.

4- يتميز الإقليم السياسي بتوفر البيانات الإحصائية التي تجمع على أساس الدولة او الوحدة السياسية بينما الإقليم الجغرافي يفتقر إلى مثل هذه البيانات لعدم وجود جهاز معين مسؤول عن جمع المعلومات المماثلة الخاصة بالأقاليم الجغرافية.

5 الإقليم الجغرافي قديم بقدم الطبيعة والإنسان ، في حين أن الإقليم السياسي ظاهرة حديثة نسبيا ، نشأت بعد نشأة الجماعات السياسية.

ولقد مرت الجغرافية السياسية أثناء تطورها بعدة مراحل هي: ([8])

أولا: مرحلة العلاقات البيئية : وفيها فسر العلماء القدامى السلوك البشري وعلاقته بظاهرات البيئة الطبيعية ، فالذكاء والمهارة الفنية والروح كما يفسرها أرسطو طاليس(384-322 ق.م) لها علاقة وثيقة بنوع المناخ السائد. تناول أرسطو في كتابه (السياسة) الدولة المثالية وكيف ان الاعتبار السياسي يلعب دورا كبيرا في تحديد حجم السكان الأمثل للدولة المثالية من اجل تحقيق الرفاهية لكل فرد في المجتمع ، فينبغي ان لا يكون عدد السكان كبيرا يصعب حكمة او صغيرا بحيث يُستضعف من قبل الدول الأخرى.

  كما أشار إلى ضرورة ان الدولة ينبغي ان تكون في حماية قوية بحيث تؤمن على نفسها من الغزو الخارجي متخذا من اثنا عاصمة روما مثالاً التي كانت محمية بإحاطتها الجبال من كل جانب، كما ينبغي للدولة ان تكون لها إطلالة بحرية تضم ميناء بحري يفتح لها من خلاله أبواب التجارة الخارجية.

  ومن رواد هذه المرحلة أيضا أفلاطون (428-347 ق.م) في كتابه (الجمهورية) بعض الموضوعات التي ترتبط بالجغرافية السياسية حيث كان يرى ان (مدينة الدولة) هي الشكل المناسب للسكان ، وان نشأة الدولة وان وحدتها تتحقق من خلال ترابط سكانها وتجمعهم. ([9])

  وقد برز من العرب العالم ابن خلدون (1382-1305) عندما تناول ما يربط بالجغرافية السياسية في كتابه (مقدمة ابن خلدون) حيث أشار إلى القبيلة والدولة والصراع بين البدو والحضر ، كما ناقش نشأة الدولة وعوامل انهيارها واثر السلالة البشرية في تكوين الدولة.

  وبمضي الزمن تطورت دراسة البيئة حتى تحولت تدريجيا إلى حتم جغرافي ينسب العلماء كل مظهر من مظاهر السلوك السياسي إلى اثر البيئة الطبيعة.

ثانياً: مرحلة دراسة الوحدات القومية:في هذه المرحلة تطورت الجغرافية السياسية إلى دراسة الأساس الجغرافي للدولة وقد تقدمت هذه الدراسة على يد العالم الجغرافي الألماني فريدرش راتزل ، وما كتبه أرسطو طاليس وغيره من العلماء في العلاقة القائمة بين البيئة وبين الدولة كانت كتابات عامة ، أما راتزل ومن جاء بعده فإليهم يرجع الفضل في تطوير هذه العلاقة في تصنيف الآثار التي تحدثها البيئة في قوة الدول.

   وكان راتزل من أنصار الحتم الجغرافي وكان كتاباته السياسية تهتم بنوع خاص من نمو الدولة من خلال كتابه (الجغرافية السياسية) أوضح راتزل أن العوامل الجغرافية تتحكم في نمو الدولة وتكوينها وان حدود الدولة قابلة للنمو و الزحزحة حتى بلغ حدودها الطبيعية ، وتتعداها ان لم تجد مقاومة من دول الجوار وبذلك كانت بداية مفهوم أو نظرية المجال الحيوي(Lebensraum) من أراء العالم الجغرافي الألماني فريدرش راتزل .([10]) الذي يرى فيالدولة كائنًا حيٍّا تدفعه الضرورة للنمو عن طريق الحصول على الأعضاء التي تعوزه، حتى ولو دفعه هذا إلى استخدام القوة، وهذا الرأي هو نظرة بيولوجية بحتة للدولة. و راتزل أول من درس علاقات المكان place والموقعlocation, في كتابه(الجغرافية السياسية) دراسة أصولية للدول المختلفة، ولهذا السبب وحده يعد راتزل مؤسس الجغرافية السياسية عن جدارة.

ثالثاً: مرحلة دراسة الأقاليم السياسية: الدراسات التي وضعت في ميدان الجغرافية خلال السنوات الأولى من القرن العشرين لم تعن بالسياسة التي تطبقها الوحدات السياسية المختلفة التي يتألف منها لعالم ولا بوجهة نظرها في المشاكل السياسية . وقد بدا الجغرافيين السياسيون بدراسة المشاكل السياسية على نطاق أوسع دراسة تفصيلية على سبيل المثال ظهرت مجموعة من الكتب تعالج مشكلة الحدود بين الدول ، وهذا واضح كذلك من الدور الذي ساهم به الجغرافيون السياسيون من خلال ما أبدوه من آراء في المناقشات التي دارت في مؤتمر الصلح بين الدول عقب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وكان بمثابة تطبيق عملي لخبرتهم الجغرافية وتدريب لهم في الشؤون الدولية.([11]) 

تعاريف الجغرافية السياسية

   تعريف الدكتور عبد المنعم عبد الوهاب : يعرف الجغرافية السياسية بأنها الحقل الذي يدرس الوحدات السياسية و واقعيتها الجغرافية في العالم من حيث وجودها وتطورها في مضمار القوة ، وتحليل أسس العلاقات بين الدول ومدى أثرها في تطور الدولة وبقائها.

جيوبولتيكا (Geopoilitk) والجيوستراتيجية (Geostrategy)

  من خلال العلاقة بين الجغرافية السياسية وقوة الدولة برز مفهوم جديد لدى بعض الجغرافيين السياسيين الذين ركزوا اهتمامهم بهذه الناحية بذات (قوة الدولة )والتزم فريق منهم حدود المصلحة القومية الذاتية الضيقة معينة ، بينما استخدم فريق آخر هذه العلاقة بصورة أوسع واشمل سواء على المستوى العالمي او في حالتي السلم والحرب ، ومن هنا ظهر اتجاهان مختلفان في التطبيق الجغرافي السياسي الأول (الجيوبولتيكا) بمفهومه الضيق والثاني (الجيوستراتيجية) بمفهومه الواسع.

  وكان من نتيجة اهتمام بعض الجغرافيين السياسيين بالاتجاه الأول (الجيوبولتيكا) انكمش موضوعات الجغرافية السياسية في النصف الأول من القرن العشرين واقتصرت على الفكر الجيوبولتيكي الضيق وكان أكثر المتحمسينوأشدهم تطرفا في استخدام هذا الاتجاه الجغرافيون السياسيون الألمان والذي أصبحت في ما بعد سلاح فعال بيد السياسة النازية ، علما بان تسمية (الجيوبولتيكا) وردت لأول مرة في القرن التاسع عشر من قبل السياسي السويدي رودولف كيلين (1864-1922).

تعريف جيوبولتيكا

   مصطلح جيوبولتيكا تعبير مركب من مقطعين Geo وتعني الأرض، Politic ومعناها سياسية، وعلى ذلك تعني الجيوبولتيكا "علم سياسة الأرض". وهو ثمرة لعلمي الجغرافية والسياسة ويعتمد عليهما اعتماداً كبيراً وبخاصة الجغرافيا السياسية.
ويعد رودلف كلين أول من استخدم مصطلح الجيوبولتيكا، وعرفها بأنها البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي، في حين عَرّفها كارل هوسهوفر بأنها دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي، إذ ترسم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض الإطار للجيوبوتيكا الذي تتحرك فيه الأحداث السياسة.

   لذلك راى العالم بومان أن الجيوبوليتيكا التي ظهرت في الكتابات الألمانية كانت وهماً ومهزلة ومبرراً للسرقة.

  وكنتيجة منطقية للاتجاه الجديد المتمثل بالجيوبولتيكا الذي اتخذ نهجا جديد متميزا عن الجغرافية السياسية رغم انه وليد الجغرافية السياسية، برز اتجاه آخر معارض له هادفا إلى توسيع دائرة الجغرافية السياسية بما يتفق مع المفهومالأوسع والميدان الأرحب لعلم الجغرافية العام ، وبالتالي ظهرت الحاجة إلى اصطلاح آخر يتفق مع الأهمية الكبرى للجغرافية بالنسبة للعلاقات القومية والدولية ككل ، ولنُلاحظ صلة الموقع الجغرافي بالتجارة الخارجية أو الأحلافالعسكرية أو اثر طبيعة الحدود في الامتزاج الثقافي ، ان هذه المسائل وغيرها تتميز بالدينامكية أكثر مما تتميز بالثبات والجمود، وهي ذات صلة وثيقة في نفس الوقت بأبحاث السياسة والتخطيط، أنها باختصار الجغرافية التطبيقية في مجال العمل او هي (الجيوستراتيجية).

  والتعريف المألوف للإستراتيجية بأنها التخطيط العسكري في مجال التطبيق ، ومع ذلك فقد تجاوز مفهوم الإستراتيجية العمل العسكري إلى العمل الاقتصادي والسياسي في إطارها العملي والتطبيقي.

  وعلى ذلك فإن الجيوستراتيجية هي التخطيط السياسي والاقتصادي والعسكري ، الذي يهتم بالبيئة الطبيعية من ناحية استخدامها في تحليل وتفهم المشكلات الاقتصادية أو السياسية ذات الصفة الدولية . وتبحث الجيوستراتيجية في المركز الستراتيجي للدولة أو الوحدة السياسية متناولة بالتحليل إلى عناصره أو عوامله العشرة وهي (الموقع, الحجم, الشكل, الاتصال بالبحر, الحدود, العلاقة بالمحيط الإقليمي والدولي , الطبوغرافيا , المناخ , الموارد ,السكان) . 

مناهج البحث في الجغرافية السياسية

  في دراسة الجغرافية السياسية يوجد اتجاهان الأول يعتمد في الدراسات الأصولية التي تبحث في مفاهيم وأسس الجغرافية السياسية وطرق البحث فيها وأهدافها حتى يمكن وضع قواعد خاصة بهذا العلم لتطبيقها بعد ذلك على دراسة الوحدات السياسية ، أما الاتجاه الثاني فيعتمد في البدء في الدراسات الإقليمية أي بدراسة الوحدات السياسية مباشرة من الوجهة السياسية ، ويعتمد أصحاب هذا الاتجاه في البدء بدراسة الوحدات السياسية يمكن في النهاية من وضع مفاهيم و قواعد عامة وأهداف لهذا العلم ، ثم تطبيق هذه الأسس بعد ذلك في الدراسات الإقليمية ويؤيد هذا الفريق رأيه بان البدء في الدراسات الأصولية أدى إلى وضع قواعد للجغرافية السياسية ليس لها في الواقع ولا تنطبق عليه . 

   من خلال استعراض لتطور علم الجغرافية يبدو أن هذا العلم كان يسير في الاتجاهين معاً أي دراسة أصولية وأخرى إقليمية في الوقت نفسه كما فعل كل من ويتر وهمبولت . وعلى سبيل المثال درس همبولت ظاهرة الحرارة في نفس الوقت الذي درس فيه المكسيك وكوبا . ولذلك يمكن للجغرافية السياسية ان تسير في الاتجاهين معاً. 

  وهناك مناهج متعددة يمكن أتباعها في دراسة الجغرافية السياسية وهي : 

1- المنهج الإقليمي 

  وليست هذه الطريقة للبحث في الجغرافية السياسية ولا بمنهاج مناسب لتحليل عناصرها كما انه لا يساعد على تطوير الجغرافية السياسية .

2- المنهج التحليلي (تحليل القوة).

  ينسب المفكرون قوة الدولة الى خمس عناصر هي (جغرافي ، اقتصادي ،سياسي ،عسكري، نفسي ).ويقوم هذا المنهج بتحليل عناصر العامل الجغرافي كطرف في معادلة القوة .وقد قام بعمل حصر شامل للعناصر الجغرافية المؤثرة في قوة الدولة وقسمها إلى خمس أبواب على النحو الأتي :

1- البيئة الطبيعية: وتدخل فيها عدة عناصر جغرافية متكاملة مع بعضها، على رأسها أشكال السطح، المناخ، التربة، النبات الطبيعي، المجاري المائية والبحيرات … إلخ.

2- الحركة والانتقال: ويدخل فيها اتجاه حركة النقل للبضائع والأشخاص بواسطة وسائل النقل البرية والجوية والبحرية ، ونقل التيارات الفكرية( الأيدلوجية) بواسطة الوسائل المقروءة ( الصحف والمجلات) والمسموعة (محطات الإذاعة الأرضية والفضائية) والمرئية (محطات التلفاز الأرضية والفضائية).

3- المواد الخام والسلع المصنعة ونصف المصنعة: وتشتمل على المواد والسلع المنتجة فعلًا بالإضافة إلى تلك المرتقب حدوثها في المستقبل( الكشوف عن المعادن)، الأبحاث الزراعية والصناعية، التوسع والتخطيطالاقتصادي عامة.

4- السكان: دراسة إحصائية شاملة لسكان من عدد وتوزيع وتركيب النوعي والعمري والاقتصادي والاجتماعي لسكان الوحدة السياسية.

5- التركيب السياسي: ويشتمل على دراسة نظم وأشكال الإدارة السياسية وأهداف نظام الحكم ومُثُله الفعلية، وليست مجرد الأشياء النظرية والعلاقات السياسية الداخلية والخارجية.

6- المكان: يتناول علاقات الموقع وشكل الدولة وحدودها ومساحتها ، وتأثيرات المكان في العلاقات الداخلية والخارجية.

ويتم تحليل كل عنصر من العناصر السابقة من اجل توضيح مدى مساهمته قي بناء قوة الدولة .

  وأثبتت الدراسة أن هذا المنهج يؤدي إلى نتائج طيبة ويثير مجالات مفيدة تساهم في تطوير المعرفة الإنسانية.

ويعترض المنهج التحليلي إلى صعوبات منها مشكلة انتقاء المعلومات اللازمة من خضم المعرفة الجغرافية ويتلو هذه الصعوبة تعقيد عملية تقييم هذه المعلومات المنتقاة ، وانه من الخطأ سرد معلومات ليس لها علاقة ألبته بالموضوع قيد البحث ومن الخطأ أيضا حذف معلومات لها صلة وثيقة بموضوع البحث.

3- المنهج التاريخي .

  يركز هذا المنهج اهتمامًا كبيرًا حول الجغرافيا السياسية التاريخية من أجل فهم أعمق لمشكلات الماضي، وتكوين خلفية تحليلية لمشكلات الحاضر.

  ومثل هذه الدراسة تتناول بالبحث نمو الدولة من القلب إلى الأطراف، والأساليب التي اعتمدت عليها في جذب أو ضم الأقاليم المختلفة حتى حدودها الراهنة، وتحدث هذه الدراسة على ضوء الظروف الطبيعية والحضارية فيالمنطقة، إلى جانب الكثير من علاقات الأرض بالدولة النامية مثل دور بعض العوائق الطبيعية (الجبال – المستنقعات – الأنهار والبحيرات – الحافات والانحدارات … الخ) في حماية الدولة النامية كحدود طبيعية يتوقف عندها النموأم يتخطاها إلى حدود أخرى، ومن العلاقات الأخرى بين الأرض والدولة مدى سهولة الاتصال من القلب إلى الأطراف، وبعبارة أخرى؛ تأثير مركز أو عاصمة الدولة بالنسبة لبقية أراضي الدولة.

  وأن بعض مؤيدي المنهج التاريخي ينتهون من دراساتهم إلى وضع قواعد ومبادئ عامة يُخضعون لها الدول في نموها وتوسعها، لكن مثل هذه القواعد ( تحتم ) و( تحدد ) والمبادئ تُشكِّل أخطر منزلق تنتهي إليه الجغرافياالسياسية؛ ذلك لأنها الاتجاهات والميول ومحاور النمو والتوسع التي لا تحيد عنها الدولة في نموها، وفوق هذا فإن هذه المبادئ تنمط الدولة بمراحل لا تحيد عنها كما لو أن العلاقات المكانية والمواقع الجغرافية هي ثابتة وجامدة.

  وهذا غير صحيح بالمرة، إذ إن كل شيء يتغير على مر الزمن نتيجة تغير الطاقات البشرية وما يترتب عليه من تغير حقيقي في قيمة المكان وأهمية الموقع الجغرافي. ومن ثم فإن إسقاط هذه القواعد والمبادئ المستمدة من أحداثالماضي على حاضر الأمور يؤدي بالحكام والزعماء الذين يلتزمون بها إلى ارتكابهم أخطاء جمة ضد حياتهم وحياة شعوبهم.

4- المنهج المورفولوجي .

  يدرس هذا المنهج مشكلات الدولة السياسية من حيث الشكل بحيث تنطوي الدراسة على مجموعة من العناصر الجغرافية تنتظم تحت عنوانين رئيسيين هما النمط والقالب، والتركيب أو البناء.

   وتشير الدراسة النمطية إلى الترتيبات والتنظيمات التي يكوِّنها الارتباط السياسي للوحدات والأقاليم التي تكوِّن الدولة، وإلى الارتباطات السياسية للدولة ككل في التكتلات السياسية الإقليمية من ناحية، والاتجاهات والتحالفات العالمية منناحية ثانية.

   أما التركيب أو البناء فإنه يُشير إلى المظاهر المكانية التي تشترك فيها الوحدات السياسية مثل مراكز الثقل السكانية والاقتصادية داخل الدولة والعاصمة، ومكونات الدولة والحدود السياسية ومشكلات خاصة بالدولة كخطط التنميةومشكلات السكان والاقتصاد والأقليات، وتدرس هذه العناصر أيضًا على مستوى الدراسة المقارنة بين الدول المختلفة.

   ومن الأمثلة على الدراسة السياسية على ضوء المنهج المورفولوجي نمط الدولة الإيطالية، فموقع إيطاليا يمكن أن يُدرس داخل تنظيم إقليمي أوسع هو الاتحاد الأوروبي الاقتصادي، فلقد كسبت إيطاليا كثيرًا نتيجة عضويتها للسوقالأوروبية المشتركة، مثلًا صناعة الصلب في شمال إيطاليا ربحت مميزات كثيرة من بينها تخفيض أسعار النقل للحديد الخردة على السكك الحديدية من فرنسا إلى تورينو.

   وموقع إيطاليا كشبه جزيرة طويلة تمتد داخل البحر المتوسط قد جعلها تنتمي إلى حلف الأطلنطي كوسيلة من وسائل الدفاع المشترك، وترتب على ذلك بروز مهمة وأهمية إيطاليا عندما اعتُبِرت كقاعدة وركيزة لأساطيل الحلف فيالبحر المتوسط، وقد كان لانسحاب فرنسا من القيادة العسكرية لهذا الحلف ضعف في القوى البحرية في هذا البحر، وزاد من أعباء إيطاليا البحرية، وفي مقابل ذلك أصبح الأسطول الإيطالي يحظى بنصيب كبير من الدعم والعتادوالتدريب داخل الحلف.

  هذا فيما يختص بالدراسة النمطية لإيطاليا، ومن بين مظاهر البناء والتركيب الجيوبوليتيكي في إيطاليا نجد المشكلات التالية …

1- مناطق التركيز السكاني والاقتصادي

  يتركز في حوض نهر البو في شمال إيطاليا : (أ-الصناعة. ب -معظم مناطق الإنتاج الزراعي.

ج -نسبة لا بأس بها من السكان مع كثافة سكانية عالية. ولقد كان لوقوع هذا الحوض على أطراف الألب أثره في حصول الإقليم ككل على مصدر اقتصادي للطاقة المولدة من المساقط المائية والسدود، وفي هذا يجب أن نأخذ فيالاعتبار فقر إيطاليا الطبيعي في مصادر الفحم الحجري بأنواعه، وإلى جانب ذلك نجد أن حوض البو يرتبط بواسطة مجموعة من الممرات الطبيعية والأنفاق الاصطناعية بقلب أوروبا وشمالها عبر جبال الألب، ومن ثم كان لهذا أثرهالواضح في سهولة الاتصال والتجارة مع شمال وغرب أوروبا، وعلى هذا فإن مجموعة من الظروف الطبيعية المرتبطة بالموقع وعلاقات المكان والمناخ الملائم والتربة الفيضية والمساقط المائية قد أدت إلى أن يصبح شمال إيطالياعامة مركز الثقل الإنتاجي الزراعي والصناعي والتجاري والسكاني والحضاري، وذلك على عكس بقية إيطاليا التي تتكون من عدة أحواض نهرية صغيرة تمثل جيوبًا تمتد في وسط وحول سلسلة جبال الأبنين فضلًا عن المناخ غيرالمنتظم وقلة المياه لمدة طويلة خلال الصيف.

  وبطبيعة الحال تزداد الحالة سوءًا كلما توغلنا جنوبًا في شبه الجزيرة الإيطالية حتى نصل إلى أسوأ الظروف — بالنسبة لإيطاليا — في أقصى الجنوب وصقلية.

2- العاصمة

  روما مدينة كبيرة ذات تاريخ طويل، لكنها اليوم تقع بعيدة عن القلب الاقتصادي والسكاني لإيطاليا، وفضلًا عن ذلك فإنه لا يوجد في إقليم روما المحيط بها أي مصدر من مصادر العمالة الصناعية؛ ولهذا فإن الحياة الاقتصادية فيروما تقوم على العمالة الحكومية والإدارية والسياحة وصناعة السينما، وعدد من الصناعات الاستهلاكية كالملابس والأزياء والأغذية.

  وقد ترتب على عدم وجود العمالة الصناعية ضعف بارز في الانتماءات السياسية اليسارية عامة في منطقة روما، هذا إلى جانب وجود دولة الفاتيكان التي تؤثر — بطريقة أو أخرى — على تدعيم الأجنحة السياسية المعادية لليسارالإيطالي، وترتب على هذا أيضًا أن منطقة روما أهدأ كثيرًا من مناطق الشمال الصناعية اليسارية، ومن مناطق الجنوب الكثيرة القلاقل بسبب الفقر الذي يؤدي بالسكان إلى التطرف الأيديولوجي بين أقصى اليسار وأقصى اليمين.

3- الحدود الإيطالية

  لقد ظلت حدود إيطاليا الشمالية مصدرًا من مصادر عدم الاستقرار السياسي المستمر؛ مما كان يؤدي إلى تذبذب خط الحدود، وبعد الحرب العالمية الثانية كان أكبر تعديل في حدود إيطاليا هو ذلك الذي انتاب المنطقة الشماليةالشرقية حينما أعطيت يوجسلافيا شبه جزيرة إستريا وميناء أحرا في تريستا منذ عام ١٩٥٣ ، وفي منطقة الحدود الفرنسية الإيطالية عدلت الحدود في مساحات ضيقة لصالح فرنسا، وكانت المناطق التي انتابها التعديل هي: ممر سانبرنار الصغير الذي يشرف على طريق بريانسون-مودانا، هضبة مون كنيس التي تشرف على تورينو وتمدها بالطاقة المائية، ومنطقة تند بريجا التي تمد محطاتها المائية السكك الحديدية الإيطالية بالطاقة الكهربائية في منطقة ليجورياوالبيدمونت الجنوبية.

  وكل هذه المناطق في الواقع كانت المراكز التي هاجمت منها القوات الفاشية الإيطالية جنوب فرنسا خلال بدايات الحرب الثانية، ومن ثم فإن استيلاء فرنسا عليها كان وسيلة من وسائل تأمين حدودها استراتيجيٍّا.

  وأخيرًا فإن مشكلة التيرول الإيطالي — وخاصة ألت أديجو — لا تزال تشكل مصدرًا من مصادر القلق السياسي بين النمسا وإيطاليا نتيجة وجود عدد كبير من النمساويين في التيرول الذي ضُم لإيطاليا بعد الحرب العالميةالأولى.

4- مشكلات جنوب إيطاليا

  سبق أن ذكرنا أن جنوب إيطاليا يمثل منطقة ضعف اقتصادي وتخلف اجتماعي بالنسبة لشمال إيطاليا، وذلك بالرغم من وجود بعض المشروعات الصناعية التي تقيمها الحكومة في الجنوب لتحسين أحواله الاقتصادية — وهيمشروعات غير مربحة كثيرًا إذا نظرنا إليها من ناحية الأماكن الصناعية المثلى — إلا أن أهم مورد اقتصادي للجنوب يتمثل تصدير الأيدي العاملة إلى شمال إيطاليا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، وينظر كثير من زعماء الجنوببعين السخط على شمال إيطاليا الذي يحظى بالنصيب الأوفر من الاستثمارات الصناعية والتجارية.

  وعلى هذا النحو كان لشكل الدولة وبنائها المرتبط بعلاقات المكان والظروف الطبيعية المختلفة أثره في هذا التركيب غير المتكافئ بين الشمال والجنوب. 

5- المنهج الوظيفي

  يهتم هذا المنهج بدراسة وظيفة منطقة ما أو إقليم ما كوحدة سياسية، وكل منطقة أو وحدة سياسية تتكون من عدة وحدات سياسية أصغر وخاضعة لسلطان الوحدة الكبرى، ولا بد أن تكون الأقسام السياسية الصغرى مرتبطة ارتباطًاقويٍّا بالدولة أكثر من ارتباطاتها ببعضها البعض أو بدولة خارجية، فلكي تقوم الدولة بوظائفها على الوجه الأكمل، فإنه يلزمها أن تكون الوحدة السياسية لكل أقسام الدولة واضحة وقوية

  ومتناسقة في كل نواحي الحياة الاقتصادية والإستراتيجية، وفي علاقة الدولة ككل بالدول الخارجية.

  وعلى هذا فالمنهج الوظيفي يركز على دراسة نوعين من القوى المركزية للدولة، هي

1- قوى الطرد المركزية التي تؤدي إلى ضعف معين فيما يختص بالمساحة والمكان أي تعمل على عدم ترابط أجزاء الدولة مع بعضها وتشمل مكونات هذه القوى على الحواجز الطبيعية التي تعرقل اتصال حركة الإنسانونشاطه علما بأنه قد تغلب على كثير من هذه الحواجز عن طريق وسائل النقل والمواصلات الحديثة ، وهناك فواصل بشرية والاختلاف مع الدول في العلاقات الخارجية وتباين خصائص السكان من مكان لآخر واختلاف المصالح الاقتصادية والاتجاهات السياسية .

2 قوى الجذب المركزية وهي تعمل على ترابط أجزاء الدولة وتماسكها أي تسير في اتجاه معاكس للقوى السابقة ، وتعمل على تغلب على الآثار المناقضة لها وتشمل مكونات هذه القوة على الرغبة المشتركة في تكوين دولة لتوفير مقومات ايجابية لبناء الدولة.

  إن وظيفة الدولة في مجال التجارة الخارجية هي الإبقاء على ميزان تجاري لصالح الدولة وصالح المنتجات الوطنية، ولهذا تفرض كل دولة قوانينها الخاصة على التجارة الخارجية، وتشتمل هذه القوانين على القواعد الجمركية،والمساعدات التي تُقدَّم من أجل تشجيع صادرات معينة، والتشريعات التي تمنع دخول أو خروج سلع معينة، وهذه القوانين عامة ترمز إلى وظيفة الدولة في مجال التجارة الخارجية.

   فمثلًا تقود رغبة بريطانيا في تسويق سلعها — وخاصة السيارات والكيميائيات إلى أوروبا الغربية — إلى دخول السوق الأوروبية المشتركة، برغم أن ذلك يؤدي إلى إضعاف علاقات بريطانيا التجارية مع الولايات المتحدة، ويجعلهاخاضعة لقوانين الائتلاف الأوروبي الاقتصادي أكثر من خضوعها لمصالحها الخاصة، ولكن يبدو أن العلاقات التجارية مع أوروبا الغربية — بحكم القرب المكاني والكثافة السكانية — أحسن لبريطانيا من مجرد محافظتها علىتجارتها الأمريكية.

   وعلى وجه العموم فإن القوانين الخاصة بالتجارة لا تُرضي كل فئات المنتجين داخل الدولة الواحدة المتعددة الإنتاج، فمثلًا رفعت الولايات المتحدة الجمارك على وارداتها من القمصان الرجالية اليابانية لكي تحمي إنتاج القميصالأمريكي المركز في منطقة الساحل الشرقي الأمريكي، ويؤدي ارتفاع سعر القميص الأمريكي إلى التوسع بالنسبة لسوق العمل الأمريكي في شرق الولايات المتحدة — نظرًا لرواج الصناعة وتزايد إنتاجها بعد اختفاء المنافس الياباني— ولكن هذه النتيجة الجيدة في القسم الشرقي ليس لها نظير في منطقة الساحل الشمالي الغربي الأمريكي حيث لا تُوجد صناعة كبيرة للقميص؛ ولهذا فإن سكان المنطقة الغربية عامة سوف يقاسون من ارتفاع سعر القميص بدون أنيكون هناك تعويض مماثل لما حدث في الشرق.

  ومثال آخر هو عكس هذه الحالة تمامًا، فسكان الساحل الشمالي الغربي الأمريكي يطلبون من الحكومة إصدار تشريعات تحمي حرفة ومنتجات السمكية الأمريكية في هذه المنطقة من منافسة التونة والسلمون الياباني، وعلى هذافإن إرضاء منطقة ما أو صناعة ما لا يؤدي إلى إرضاء سكان كل مناطق الدولة أو كل صناعاتها، فالمنطقة الوسطى من الولايات المتحدة غير راضية على الحد من منافسة الإنتاج الياباني في مجال القمصان والأسماك على حدسواء، وهي في الوقت نفسه تشجع المساعدات الأمريكية لليابان؛ لأن ذلك يشجع ويرفع واردات اليابان من الأدوات الميكانيكية من أمريكا —وهي الصناعة التي تظهر بوضوح في المنطقة الوسطى من أمريكا — وبعبارة أخرى فإنهذه المساعدات الأمريكية سوف تعود بالنفع على سكان المناطق الوسطى، وتزيد من طاقتهم الإنتاجية في الوقت الذي ينظر فيه سكان شرق وغرب الولايات المتحدة إلى المساعدات الأمريكية لليابان بنظرة غير راضية؛ لأن هذهالمساعدات ترفع من قدرة اليابان على منافسة إنتاجهم.

6- منهج نظرية جونز

أي أن هذا المنهج (جونز) يركز على خمس حلقات متسلسلة هي

الفكرة القرار الحركة الحقل(المجال) المنطقة السياسية او الوحدة السياسية (الدولة)

علاقة الجغرافية السياسية بالعلوم الأخرى

• علاقة الجغرافيا السياسية بفروع الجغرافية

   تحتاج الجغرافيا السياسية إلى معرفة بالجغرافيا الطبيعية والثروات الاقتصادية في باطن الأرض وموارد المياه و أهمية ذلك في النواحي الإستراتيجية والاقتصادية

• علاقة الجغرافية السياسية بعلم السياسة :

• يبحث علم السياسة في النظريات التي تبنى عليها السياسات الخارجية والداخلية للدولة

• فعلم السياسة يدرس الظواهر السياسية للإنسان والمجتمعات

• الجغرافيا السياسية تفسر هذه الظواهر في ضوء المؤثرات الجغرافية

• تهتم الجغرافيا السياسية بدراسة التنظيمات السياسية وبناء هذه السياسات في الدولة له دور كبير في تكوين الأنماط الجغرافية للعلاقات السياسية

• توجد علاقة بين الجغرافية السياسية وعلم التاريخ لأن تاريخ الدولة أو تاريخ المنطقة يلقي الضوء على الأسس التاريخية لبعض المشكلات التي تواجهها الدولة ، مثل مشكلة فلسطين

• لابد من أن تستشهد الجغرافيا السياسية بصفحات التاريخ و أحداثه في صياغة المبادئ ووضع الأسس لتفسير المشكلات الجارية وتحليلها .

• ترتبط الجغرافيا السياسية بدراسة علم الديموغرافيا أو السكان من زاوية دراسة سكان الدولة وحركتهم على الأرض لمعرفة الكثير من الحقائق والمعلومات

• لذلك لفهم أوضاع الدولة ومشكلاتها ينبغي معرفة كل ما يرتبط بسكان الدولة من إحصاءات حيوية (مواليد ،وفيات ، الزواج ،الطلاق ) ونمو السكان ،والتركيب العمري والنوعي لهم .

تطور الفكر الجيوبولتيكي :

  ظهرت الأفكار الأولى التي وضعت قوانين الجيوبولتيك قبل أن يظهر تعبير الجيوبولتيك في كتابات الجغرافيين الذي يمثلون أصحاب الفكر السياسي ومنهم :

1 – فرردريك راتزل ( الألماني ) :

  يعتبر من مؤسسي الجغرافيا السياسية إذ ألف أول كتاب منهجي في الجغرافيا السياسية الحديثة إذ اعتبر ( الجغرافيا السياسية جزء لا يتجزأ من ميدان البحث الجغرافي ) ويعتقد أن المجال الأرضي يمثل قوة سياسية وينظر أن الدولة مثل الكائن الحي يمر بعدة مراحل فوضع ( نظرية الدولة العضوية والحدود الدينامكية ) وأهم أفكاره :
-  أن رقعة الدولة تنمو بنمو الثقافة والحضارة، فكلما أنتشر السكان وحملوا طابع خاص للثقافة فأن الأرض الجديدة التي يمثلها هؤلاء تزيد في مساحة الدولة.
-  أن نمو الدولة لمختلف مظاهر نمو سكانها، ذلك النمو الذي يجب أن يتم قبل أن تبدأ الدولة في التوسع وبذلك يسلم بأنه راية الدولة تتبع التوسع التجاري.
-  أن نمو الدولة يستمر حتى يصل الى مرحلة الضم بإضافة وحدات صغرى إليها والأرض ومن عليها من السكان يجب أن تميزها عن بعضها البعض إذا أراد إتمام عملية الضم.
حدود أي دولة هي العضو الحي المغلق لها والحدود تعني مدى سلامتها ونموها.
-  أن الدولة في نموها تسعى لامتصاص وضم الأجزاء ذات القيمة السياسية كالسهول الأنهار أو المناطق الساحلية أو الغنية بالثروات المعدنية.
-  أن الدافع الأول للتوسع في الأراضي يأتي من الدول الكبرى ذات الثقافة حيث تحمل أفكارها الى الجماعات البدائية.
-  أن الميل العام للتوسع والضم ينتقل من دولة الى أخرى ثم يتزايد ويشتد على أن الشهية تزداد نتيجة تناولها الطعام.

2 – كارل هاوسهوفر :

   وهو من الجغرافيين الذي وصفوا الدولة بالكائن الحي وخلق مجاله الحيوي تتنفس فيه لتصبح دولة عظمى وقد استمد هتلر نظريته في المجال الحيوي من آراء هاوسهوفر، ومن آرائه أن مقومات الدولة القوية خمسة هي :

1 – الموقع الذي تحتله العاصمة أن يكون مركزي وسط الدولة لتسهيل الدفاع عنه.

2 – عدد كبير من السكان لتوفير الأعداد اللازمة من السكان في سن التجنيد لإمداد الجيش.

3 – معدل مواليد مرتفع.

4 – اتحاد تام بين سكانها وتربتها.

5 – توازن عادل بين سكان الريف والحضر فيها.

  وحسب رأيه هذه المقاييس تشكل مبدأ الكفاية الاقتصادية للدولة وتأثر هاوسهوفر بنظرية (( ماكتدر )) (القوة البرية) من حيث السيطرة على قلب العالم الذي تتم من خلال :

أ – التحالف مع الاتحاد السوفيتي.

ب – السيطرة على وسط أوربا كخطوة لسيطرة على القارة بأكملها.

ج – التوسع الألماني والصراع والحرب الشاملة.

  ويرى هاوسهوفر أن للقوات المسلحة دور في الحرب والحروب أي أن لا يزال المشاة هو الذين يقررون مصير القتال لأنهم يستولون على المجال الأرضي.

   أما السلاح الجوي فيعتقد أنه مكمل للجيش والأسطول البحري. ويرى أن القواعد الحربية بدأت تفقد قيمتها الاستراتيجية وحلت محلها القواعد الكبرى. 

3 – رودلف كيلين :

   كان يؤمن بالقوة لأن القانون لا يمكن تطبيقه إلا بالقوة ولتحليل قوة الدولة أكد على الجوانب التالية :

* الجيوبولتيكا الجغرافية والدولة.

* الديموبولتيكا السكان والدولة.

* الشوسيوبولتيكا التركيب الاجتماعي للدولة.

* الكراتوبولتيكا حكومة الدولة.

وقد تنبأ بظهور ألمانيا كقوة عظمى في العالم القديم.

4 – كتابات معهد ميونيخ حددت الاستراتيجية العامة التي تقوم على :

أ – مبدأ الدولة العملاقة الذي دعا لها راتزل لتساعد في الدفاع عنها، إذ سقطت هولندا في أيدي الألمان في الحرب العالمية الثانية بسبب صغر مساحتها بعكس روسيا.

ب – مبدأ أزدواجية القارات واحدة بالشمال والأخرى في الجنوب لتكون كتلة إقليمية قارية ذات اكتفاء ذاتي، فالشمالية تقدم المصنعات والجنوبية تقوم في إنتاج المواد الخام والتسويق الذي دعا إليها سبكيمان عام 1944م.

ج – مبدأ الجزيرة العالمية الذي طورها ماكتدر.


_________________________

[1] ) محمد عبد الغني سعودي ، الجغرافية السياسية المعاصرة "دراسة جغرافيا والعلاقات الدولية" ، مكتبة الانجلوا المصرية، القاهرة ،2010، ص 2.

[2] ) محمد متولي ، محمود ابو العلا ، الجغرافيا السياسية ، مكتبة الانجلوا المصرية ، القاهرة، 1977، ص ص 25-26.

[3]) محمد رياض ،الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا "مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط"،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة،2012، ص15 .

[4]) نافع القصاب وآخرون، الجغرافية السياسية، دار الطباعة والنشر ،جامعة الموصل ،الموصل ، بدون تاريخ، ص6.

[5] ) محمد إبراهيم الديب ، الجغرافية السياسية (أسس وتطبيقات) ، القاهرة ، 1984، ص13.

[6] ) علي احمد هارون ، أسس الجغرافية السياسية، ط1 ، دار الفكر العربي ،القاهرة ، 1998، ص11 .

[7] ) نافع القصاب وآخرون، ص7.

[8] ) المصدر نفسه، ص7.

[9] ) علي احمد هارون ، مصدر سابق، ص14 .

[10] ) محمد عبد الغني سعودي ، الجغرافيا السياسية المعاصرة ، مكتبة الانجلوا المصرية ، القاهرة ، 2003، ص 2.

[11] ) محمد متولي ، محمود ابو العلا ، مصدر سابق ، ص 33.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا