التسميات

الأحد، 20 أغسطس 2017

إشكالية ترسيم الحدود العراقية الكويتية والخروج من أحكام الفصل السابع ...


إشكالية ترسيم الحدود العراقية الكويتية والخروج من أحكام الفصل السابع

           Problematic demarcation of the Iraq-Kuwait border and out of the provisions of Chapter VII 
ا.م.د. قاسم محمد الجنابي                                           م.م ربا صاحب عبد
كلية العلوم السياسيةجامعة النهرين                  مركز الدراسات الفلسطينيةجامعة بغداد


مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية - جامعة بابل - العدد 12 - حزيران 2013 - ص ص 335 - 349:

       لعبت الجغرافية السياسية دورا مهما في تحديد طبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية بين العراق والكويت بحكم الجوار بينهما، واذا كانت العلاقات بين الجوار حتمية-اي لاتوجد دول جوار بدون علاقات - فأن العلاقات العراقية الكويتية قد شهدت خصوصية في جميع المجالات، حيث كانت مشوبة بالحذر والتهديدات والتناقضات في اغلب الاحيان، حتى وصل تدهور العلاقات الى درجة عالية من التصعيد العسكري انتهت باحتلال العراق للكويت في 2/8/1990.واصبح الامر لايتعلق بمشكلة حدودية وانما الغاء كيان سياسي معترف به دوليا. وسرعان ماتحولت الى ازمة دولية بعد ان تعددت اطرافها، مما ادى الى تدويلها لتدخل القضية الى اروقة الامم المتحدة ومجلس الامن والذي عمل منذ بداية الازمة طبقا لاحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الخاص بما يتخذ من اجراءات في حالات تهديد السلم والامن الدوليين ووقوع العدوان، اذ اصدرمجلس الامن العديد من القرارات طبقا لاحكام الفصل السابع من الميثاق الاممي، وتضمنت عددا من التدابير الوقتية والتدابير غير العسكرية والعسكرية واستعمال القوة المسلحة لحل هذه الازمة واخراج العراق من الكويت، وماتلاها من احداث سياسية وعسكرية انتهت باحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية. وبالرغم من تنفيذ العراق لكافة قرارت مجلس الامن الا انه لايزال تحت احكام الفصل السابع ولم يخرج منه الا جزئيا اذ لم تشير قرارات مجلس الامن 1956و1957و1958 الى تسوية الملفات العالقة بين العراق والكويت، الا اشارة ضمنية قي القرار1956 الى ان العراق قد خرج من طائلة احكام الفصل السابع ... باستثناء مايسمى (بالحالة مع الكويت)، اي ان العراق لن يخرج من احكامه الا اذا اوفى بالتزاماته مع الكويت.

     فاذا كان البعد التاريخي يمكن ان يشكل اساسا تقوم عليه هذه الدراسة، فان التحولات الجيوسياسية التي شهدها العراق منذ احتلاله للكويت وحتى احتلاله من الولايات المتحدة الامريكية يمكن ان تشكل البعد الاستراتيجي لهذه الدراسة، فالمتغيرات السياسية التي عصفت بالعراق ومن ثم الاحتلال الامريكي قد تركت للعراق ارثا من المشاكل والتحديات التي يعجز في بعض الاحيان ان يتصدى لها، ومنها اشكالية ترسيم الحدود العراقية الكويتية وتحديات القرار833 تجاه الامن الوطني العراقي والذي يدفع به الكويت الى الواجه كلما اقترب العراق من الخروج من احكام الفصل السابع، وبالرغم من توقيع العراق على اتفاقية الاطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والتي تشير في ديباجيتها الى زوال الخطر الذي كانت تشكله حكومة العراق على السلم والامن الدوليين وبان العراق سيعود بحلول 31/12/2008الى مكانته القانونية والدولية التي كان يتمتع بها قبل صدور قرار مجلس الامن 661في 1990 الا ان الولايات المتحدة لم تفي بالتزاماتها للعراق تجاه الكويت حليفتها وصديقتها والمتحمسة لاحتلال العراق فيما يتعلق بمسالة الحدود وترسيمها فضلا عن الملفات العالقة الاخرى كالتعويضات والديون.
   ومن هذا المنطلق تسعى هذه الدراسة الى البحث في اشكالية مفادها (لقد كان للبعد التاريخي والجيوبوليتيكي والدولى –الاحتلال البريطاني والامريكي –الدور الفاعل والسلبي في اشكالية ترسيم الحدود العراقية الكويتية فضلا عن السياسيات غير الرشيدة للانظمة السياسية التي تعاقبت على حكم العراق، وان العراق كان يعاني ولايزال من وطأة موقعه البحري وما لحق به من غبن وتضرر جغرافي مما فرض عليه العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية)واذا كانت الفرضية تقدم حلا معقولا وممكنا للمشكلة وان المشكلة والفرضية يقودان عملية البحث على حدا سواء فان فرضية البحث انطلقت من الاتي(على صانع القرار السياسي والاقتصادي في العراق ان يدرك خطورة الترسيم المجحف للحدود وفق قرار مجلس الامن 833لسنة1993لانه فرض على العراق واقعا جغرافيا وسياسيا وقانونيا يعجز العراق ان يتصدى له طالماالعراق يرزخ تحت احكام الفصل السابع من الميثاق الاممي اذ ان عملية اخراج العراق من هذه الاحكام اصبحت مرهونة بعملية الترسيم النهائي للحدود)، وللاحاطة بذلك فقد كان عماد هذه الدراسة منهجين هما المنهج التاريخي الذي يركز على فهم الماضي لتحليل الاحداث الحاضرة والمنهج التحليلي الذي يسعي الى تلحليل الظاهرة زمكانيا والاحاطة بالعوامل الداخلية والخارجية المسببة لها، وبذلك فقد وقع البحث على اربعة محاور الاول منها وصف جغرافيا الحدود بعد ترسيمها وفق قرار833 اما الثاني فقد خصص للبعد التاريخي لاشكالية الحدود العراقية الكويتية في حين وقف الثالث على التداعيات والتحديات التي تواجه العراق جراء ترسيم الحدود بهذه الصيغة اما الرابع فقد بحث في جدلية الحدود والفصل السابع واتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية باعتبارها كانت(دولة احتلال) والزمت نفسها من خلال هذه الاتفاقية بالعديد من الالتزامات تجاه العراق. وقد شفعت ذلك بخاتمة وتوصيات عسى ان تسهم اوتساعد صانع القرار السياسي والمفاوض العراقي في حل هذه الاشكالية بما يؤمن للعراق مصالحه وامنه الوطني.
اولا: الوصف الجغرافي للحدود العراقية الكويتية.
تبدأ من العمود الحدودي (1) على مثلث الحدود العراقية الكويتية السعودية من تقاطع وادي العوجة مع الباطن ثم باتجاه الشمال على طول الباطن الى نقطة تقع جنوبي خط عرض صفوان، ثم باتجاه الشرق لتمر جنوبي ابار صفوان (الرميلة)وجبل سنام وام قصر وذلك حتى التقاء خور الزبير بخور عبدالله، اما جزر وربة وبوبيان ومسكان اومشجان وفيلكا وعوهه وفارورة وام المردام فانها تتبع للكويت. وقد رسم هذا الخط في هذه المنطقة بموجب الخريطة (5594 – 1) التي اعدتها المساحة العسكرية في المملكة المتحدة، ويتبع ادنى خط انحسار المياه حتى الموضع المقابل مباشرة لتقاطع خور الزبير وخور عبد الله(1)، وكما مبين في الخارطة (1). ويبلغ طول خط الحدود العراقي الكويتي حوالي (242 كم) وتشكل نسبة (7%) من مجموع اطوال الحدود العراقية مع دول الجوار البالغة ( 3433كم) (2).
وان هذا الوصف الجغرافي هو طبقا لقرار مجلس الامن 833 لسنة 1993 والذي بموجبه تمت المصادقة على القرار الذي اعتمدته لجنة ترسيم الحدود بموجب الفقرة 3 من قرار مجلس الامن المرقم 687 لسنة 1991، اما قبل ذلك التأريخ فلا يوجد لخط الحدود اي ترسيم على الارض او اعتراف دولي او عراقي.
ثانيا: التطورات التأريخية لمشكلة الحدود العراقية الكويتية.
خضعت مشكلة الحدود للعديد من المؤثرات السياسية التي ساهمت في تأزم او دفئ العلاقات بين البلدين، ولعل ابرز هذه المؤثرات هي التغيرات الحاصلة في انظمة الحكم في العراق، اذ كان لكل نظام حاكم وجهة نظره الخاصة تجاه دول الجوار او قضايا الحدود المشتركة، فمنذ تأسيس الدولة العراقية في 23/ 8/ 1921 وحتى ترسيم الحدود من قبل مجلس الامن بقراره 833 لسنة 1993 ظهرت العديد من الازمات السياسية تراوحت ما بين التهديد او المطالبة بالانضمام وانتهت باجتياح عسكري للكويت ترتب عليه العديد من القرارات الدولية ادخلت العراق في دوامة سياسية انتهت باحتلاله.
جاءت اول محاولة لتحديد الحدود بين العراق والكويت ضمن الاتفاق البريطاني ـ العثماني عام 1913 والذي اتخذ فيما بعد اساس لترسيم الحدود من خلال تبادل المذكرات بين الشيخ احمد امير الكويت والمندوب السامي البريطاني في الكويت (الميجور مور) حول الحدود عام 1923، واستمر الوضع على حاله حتى عام 1932 عندما قررت بريطانيا منح العراق الاستقلال والتمهيد لقبوله عضوا في عصبة الامم، فطلبت منه بريطانيا ترسيم حدوده مع الكويت فوافق العراق في مذكرة بعثها رئيس وزراءه انذاك نوري السعيد في 21/ 7/ 1932 ومن الجدير بالذكر ان هذه المذكرة اعتبرت وثيقة رسمية من قبل الامم المتحدة في قرار ترسيم الحدود 833(3). وكما مبين في الخريطة (1)
غير ان العراق تراجع عن قراره بترسيم الحدود في 1938 من خلال مطالبة بعض الصحف العراقية بضم الكويت للعراق، ودعمت هذه المطالب من قبل الملك غازي من خلال تأكيده على ان الكويت ارض عراقية، وان العراق وريث الامبراطورية العثمانية، وتم تأكيده اثناء المباحثات التي اجريت في شباط 1938 بين السفير البريطاني في بغداد ووزير الخارجية العراقي انذاك توفيق السويدي باعتراف وزير بريطانيا بان الكويت كانت قضاءا تابعا للواء البصرة الا ان السفير البريطاني رفض الحجة العراقية لانه طبقا للمادة السادسة من معاهدة لوزان عام 1923 تنازلت تركيا عن كافة حقوقها على الاقاليم التي تقع خارج حدودها(4).
وفي ايلول 1938 اقترح العراق بايجاد اتحاد كمركي بين البلدين على ان تتنازل الكويت عن المنطقة الشمالية على خط عرض 29.5 شمالا وهذا يعني تنازل الكويت عن ما يقارب من ثلث مساحتها للعراق الا ان بريطانيا رفضت هذا العرض. وفي 18 / 12/ 1950 وجهت السفارة البريطانية في بغداد نيابه عن الكويت مذكرة للخارجية العراقية داعية اياها اجراء الترتيبات اللازمة لترسيم الحدود بين العراق والكويت، طبقا للرسائل المتبادلة بين الجانبين عام 1932، بحيث تكون نقطة الحدود الواقعة جنوب صفوان تقع على بعد 1كم جنوب مركز الكمارك العراقي، وقد وافقت الكويت على هذا العرض الا ان العراق اشترط موافقته بتأجير جزيرة وربة وقدم العراق هذا العرض في مذكرة وجهت الى السفارة البريطانية في 26 / 5/ 1952، وخلال عامي 1954 ـ 1956 عادت مسألة تأجير جزيرة وربة الى صدر المباحثات العراقية الكويتية عندما ربط العراق تجهيز الكويت بالماء العذب بتأجير الجزيرة ولكنه لم يتوصل الى اتفاق بهذا الشأن مع الجانب الكويتي(5).
وبعد تشكيل الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن في 14/ 2/1958 طرح نوري السعيد رئيس وزراء العراق انذاك فكرة انضمام الكويت للاتحاد واجرى اتصالات مع المملكة العربية السعودية لتأييد هذه الفكرة ووافقت عليها كما اجرى اتصالات مع الولايات المتحدة الامريكية وابدت موافقتها ايضا، وكان نوري السعيد يهدف من ذلك تحقيق امرين الاول تقديره لاهمية انضمام الكويت وشيوخها الذين لا يرتبطون بصلة الى الاسرة الهاشمية مما يجعل من فكرة الاتحاد اكثر تقبلا في المنطقة العربية اما الامر الثاني ان تتحمل الكويت عبئ الاردن اذا ما اضيفت عائدات نفط الكويت الى العراق، هذا وقد اخبر السفير البريطاني في بغداد بموافقة بريطانيا المبدئية على فكرة انضمام الكويت الى الاتحاد العربي الهاشمي على ان تدرس التفاصيل في لندن الا ان قيام ثورة 1958 قد حالت دون تحقيق ذلك(6).
خريطة (1)
التغيرات الجيوتاريخية للحدود العراقية الكويتية


المصدر: من عمل الباحث بالاعتماد على
-1    وثيقة رئيس وزراء العراق نوري السعيد الى المندوب السامي البريطاني في 21/7/1932.
2-   قرار مجلس الامن رقم 833 في 1993.
وفي ايلول 1938 اقترح العراق بايجاد اتحاد كمركي بين البلدين على ان تتنازل الكويت عن المنطقة الشمالية على خط عرض 29.5 شمالا وهذا يعني تنازل الكويت عن ما يقارب من ثلث مساحتها للعراق الا ان بريطانيا رفضت هذا العرض. وفي 18 / 12/ 1950 وجهت السفارة البريطانية في بغداد نيابه عن الكويت مذكرة للخارجية العراقية داعية اياها اجراء الترتيبات اللازمة لترسيم الحدود بين العراق والكويت، طبقا للرسائل المتبادلة بين الجانبين عام 1932، بحيث تكون نقطة الحدود الواقعة جنوب صفوان تقع على بعد 1كم جنوب مركز الكمارك العراقي، وقد وافقت الكويت على هذا العرض الا ان العراق اشترط موافقته بتأجير جزيرة وربة وقدم العراق هذا العرض في مذكرة وجهت الى السفارة البريطانية في 26 / 5/ 1952، وخلال عامي 1954 ـ 1956 عادت مسألة تأجير جزيرة وربة الى صدر المباحثات العراقية الكويتية عندما ربط العراق تجهيز الكويت بالماء العذب بتأجير الجزيرة ولكنه لم يتوصل الى اتفاق بهذا الشأن مع الجانب الكويتي(5).
وبعد تشكيل الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن في 14/ 2/1958 طرح نوري السعيد رئيس وزراء العراق انذاك فكرة انضمام الكويت للاتحاد واجرى اتصالات مع المملكة العربية السعودية لتأييد هذه الفكرة ووافقت عليها كما اجرى اتصالات مع الولايات المتحدة الامريكية وابدت موافقتها ايضا، وكان نوري السعيد يهدف من ذلك تحقيق امرين الاول تقديره لاهمية انضمام الكويت وشيوخها الذين لا يرتبطون بصلة الى الاسرة الهاشمية مما يجعل من فكرة الاتحاد اكثر تقبلا في المنطقة العربية اما الامر الثاني ان تتحمل الكويت عبئ الاردن اذا ما اضيفت عائدات نفط الكويت الى العراق، هذا وقد اخبر السفير البريطاني في بغداد بموافقة بريطانيا المبدئية على فكرة انضمام الكويت الى الاتحاد العربي الهاشمي على ان تدرس التفاصيل في لندن الا ان قيام ثورة 1958 قد حالت دون تحقيق ذلك(6).
ومما سبق يتضح ان الموقف العراقي الرسمي في تلك الفترة تأرجح ما بين اتجاه يرى اهمية ترسيم الحدود واخر يدعوا الى ضم الكويت بالقوة وثالث تراجع عن فكرة الانضمام ودعى الى العمل على تحقيق حالة من التعاون بجعل الكويت تابعة للعراق من خلال دمجها بالاتحاد الهاشمي قد تفضي الى وحدة اندماجية في المستقبل وكان عراب هذا الاتجاه نوري السعيد خاصة في اواخر العهد الملكي.
وفي 19/ 6/ 1961الغت بريطانيا اتفاقية الحماية البريطانية الموقعة عام 1899 ومنحت الكويت استقلالها مع استعداد بريطانيا بتقديم المساعدة للكويت متى ما طلب منها ذلك. وعلى اثر ذلك بعث رئيس وزراء العراق انذاك عبد الكريم قاسم ببرقية الى امير الكويت عبد الله السالم الصباح صيغت وكأنها برقية تهنئة الا انها تضمنت نقاط عدة منها:
1- ان العراق يرحب بالغاء معاهدة 1899 باعتبارها معاهدة غير شرعية لانها عقدت دون علم الدولة العثمانية.
2- ان الذي عقد هذه الاتفاقية كان قائمقاما للكويت التابع لولاية البصرة.
3- لم تشر البرقية الى استقلال الكويت.
وتفجرت الازمة باعلان قاسم في 25/ 6/ 1961 ان الكويت جزء من العراق وان الجمهورية العراقية قررت حماية الشعب العراقي في الكويت وانه سوف يصدر مرسوما بتعين امير الكويت قائمقاما تابعا للبصرة. واثر ذلك اعلن رئيس وزراء العراق قاسم رغبته في استعمال الوسائل العسكرية لضم الكويت في حين سارعت بريطانيا بارسال اسطولها لمساعدة الكويت في مواجهة رغبة العراق في ضم الكويت اليه، وعلى ما يبدو ان عبد الكريم قاسم لم يتمثل لاراء مستشاريه الذين اشاروا عليه ضم الكويت بغته وبالقوة(7).
وفي 2/ 7/ 1961 قدم الكويت شكوى ضد العراق الى مجلس الامن وقدم العراق شكوى مماثله، واعترض المندوب العراقي اثناء عقد الجلسات على اعتبار ان الكويت ليست دولة مستقلة ولم تكن مستقلة، واعاد تأكيد حجج العراق في عائدية الكويت له التي تنحصر في الجانب التاريخي والقانوني فالكويت كانت تابعة لولاية البصرة وتحت السيادة العثمانية فلماذا تقبل شكواها، ولم يستطع مجلس الامن اتخاذ قرارا بسبب الفيتو السوفيتي. وخلال هذه الفترة انعقد مجلس جامعة الدول العربية في 15/ 7/ 1961 ولم يتخذ قرارا حاسما في القضية لكنه كلف الامين العام بالاتصال بالعراق والكويت والسعودية لتسوية النزاع، واثر ذلك تم تشكيل قوة طوارئ عربية من (سوريا ومصر وتونس والسوادان) لصيانة استقلال الكويت بعد ان عقد مجلس الجامعة جلسة في 29/7/ 1961 تقرر خلالها مناقشة طلب الكويت بالانضمام الى جامعة الدول العربية وتم قبول الطلب بشرط ان يقوم الكويت بالطلب من بريطانيا بسحب قواتها منه. ويشير البعض الى ان عبد الكريم قاسم استند في مطالبته بضم الكويت على اساس الانتماء التاريخي للكويت باعتبارها كانت تابعة للواء البصرة ومن جانب اخر اراد ان يوسع من واجهة العراق البحرية عبر الحصول على جزيرتي (وربة) و (بوبيان) فضلا عن الاحتياطي النفطي الذي تملكه الكويت، وبخاصة ان حقل الرميلة النفطي جعلته الصدفة يقع تماما تحت خط الحدود الذي رسمته الاتفاقية الانكليزية ـ الكويتية في 1988 والميثاق الانكليزي ـ العثماني في عام 1913(8).
وبعد تولي السلطة الرئيس عبد السلام عارف عام 1963 اعترف العراق باستقلال وسيادة الكويت وحدودها المفصلة في رسالة رئيس الوزراء العراقي عام 1932 وتم تحسن العلاقات السياسية بين البلدين من خلال اقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء. وفي 4/ 6/ 1966 تم الاتفاق خلال الزيارة التي قام امير الكويت الى بغداد على تشكيل لجنة لتحديد الحدود بين البلدين، ويتم تشكيلها وتحديد اختصاصها بالاتفاق بين الطرفين خلال شهرين، وتم تشكيل اللجنة وعقدت اجتماعاتها الاولى في بغداد والثانية في الكويت ولم تسفر هذه اللقاءات عن اي اتفاق وذلك لان مقترحات الكويت لم تحقق للعراق منفذا بحريا كافيا على الخليج العربي(9).
وبدأ العراق في بداية السبعينات باجراء مفاوضات مع الكويت بشأن جزيرتي (وربة و بوبيان) اللتان تقعان في الخليج العربي وبالقرب من مدينة الفاو العراقية، خاصة بعد ان اخذت العلاقات العراقية الايرانية بالتأزم بسبب الخلافات حول شط العرب، وتنامي حاجة العراق الى تحسين الخدمات الملاحية للسفن الزائرة لميناء ام قصر حيث تتحكم الجزيرتان المذكورتان بهذا الميناء. الا ان العلاقات ازدادت سوءا بسبب دخول القوات العراقية الى مركز الصامتة الحدودي وحدوث مواجهات عسكرية مسلحة، وان سبب الدخول هو لصد هجوم ايراني محتمل نتيجة الغاء شاه ايران اتفاقية عام 1937 بشأن شط العرب. ويمكن تلخيص مقترحات العراق التي قدمها في السبعينات بشأن جزيرتي وربة وبوبيان بالاتي:-
1- اما اعتبار جزيرتي وربة وبوبيان والشريط الساحلي المقابل لهما تابع للعراق وهذا ما تم اقتراحه في نيسان 1973.
2- او قسمة جزيرة بوبيان قسمين شرقي وغربي بخط طولي ويكون الجزء الشرقي تابعا للعراق والغربي للكويت وهذا ما تم اقتراحه عام 1975.
3ـ او تأجير نصف جزيرة بوبيان لمدة 99عاما وان تتنازل عن سيادتها على جزيرة وربة وهذا ما تم اقتراحه في عام 1975 ايضا.
ولكن الجانب الكويتي رفض جميع هذه المقترحات فاعلن مجلس الامة الكويتي في تموز 1975 ان سيادة الكويت تشمل جميع اراضيه في اطار حدودها التي تقررت في الاتفاقيات الدولية والثنائية بين الكويت وجيرانها، بعد توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 التي انهت الخلافات العراقية ـ الايرانية ظهرت مشكلة الحدود مرة اخرى الا ان اندلاع الحرب العراقية الايرانية عام 1980 قد حال دون التوصل الى اتفاق خاصة وان العراق كان بحاجة ماسة للموانئ الكويتية في عمليات الاستيراد المختلفة، وبعد انتهاء الحرب في 8/8/ 1988 برزت مشكلة الحدود مرة اخرى خاصة بعد ان اشتكى العراق من ان الكويت قامت بانشاء مخافر حدودية ومنشآت عسكرية ونفطية داخل الحدود العراقية بما يقارب 70 كم واستيلائها على حقل نفط الرميلة وبروز الخلافات السياسية بسبب سياسة الكويت النفطية، لذا تبادل الطرفان العديد من الزيارات وتشكيل اللجان الحدودية ودخول وساطات عربية ودولية لانهاء الازمة الحدودية الا انها سرعان ما تطورت ـ الازمة ـ وتحول الى متعددة الاطراف فبعد ان بدأت نزاعا حدوديا بين بلدين عربيين تحولت الى ازمة عربية وذلك على اثر دخول القوات العراقية في الكويت في 2/ 8/ 1990(10). الامر الذي نقل القضية من خلاف حدودي الى قضية كيان ووجود دولة. وسرعان ما تحولت الى ازمة دولية بعد ان تعددت اطرافها مما ادى الى تدويلها لتدخل القضية في اروقة الامم المتحدة ومجلس الامن الذي عمل منذ بداية الازمة طبقا للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الخاص بما يتخذ من الاعمال في حالات تهديد السلم والامن الدوليين ووقوع العدوان. بدأ بالمادة (39) التي تقرر ان ما وقع كان تهديدا للسلم واخلالا به ويعد عدوانا سافرا، ومرورا بالمادة (40) الخاصة باتخاذ التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة وانتهاءا بالمادة (42) التي تجيز استخدام القوة المسلحة لحفظ السلم والامن الدوليين واعادته الى نصابه. حيث بلغت القرارات التي اصدرها مجلس الامن بحق العراق طبقا لاحكام الفصل السابع للفترة من 2/8/1990 ولغاية 31 /12/ 2002 نحو ثلاثة وستون قرارا، وهو أمر غريب على عمل المجلس وجديد عليه، سواء في الطريقة التي عالج بها المجلس الازمات الدولية، أم في الاسلوب الذي تعامل به معها من حيث السرعة والوقت، الامر الذي يستدعي التحقق والتثبت من مدى التزامه بمراعاة مبادىء وأهداف الامم المتحدة والتقيد بنصوص ميثاقها أثناء اتخاذه للقـــرارات المتعلقة بهذه الازمات (11).
ثالثا: تداعيات ترسيم الحدود العراقية الكويتية في ضوء قرارات مجلس الامن
اذا كان من المسّلم به في ضوء مبادىء القانون الدولي العام، ان عملية ترسيم الحدود الدولية، هو أمر خاضع الى رغبة الدول المتنازعة نفسها وموافقتها وارادتها الحرة والصريحة في هذا الجانب، وفقا لمصالح كل منها، وعلى اساس ان تحقيق هذه العملية بجو من الثقة المتبادلة والتوافق والتراضي والقناعة المشتركة وحسن الجوار، يشكل عامل استقرار وتعاون وديمومة في العلاقات القائمة بينهاواذا كان ذلك هو أمر ثابت ومستقر في العلاقات الدولية، فأن مجلس الامن قد نحى منحا آخر بهذا الشأن، عندما تدخل بشكل مباشر في ترسيم الحدود العراقية الكويتية، من دون أن يكون للعراق أي رأي أو ارادة أو اختيار. وهذا ما شكل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية وفي دور ووظيفة مجلس الامن نفسه (12)
فمنذ اندلاع ازمة الخليج الثانية اثر الغزو العراقي للكويت، سارع مجلس الامن الى اصدار جملة من القرارات المتتابعة، و مايهمنا منها في هذا البحث، هي القرارات المعنية بترسيم الحدود بين العراق والكويتومنها القرار 687 الصادر في 3/4/1991 الذي طالب كلا من العراق والكويت باحترام حرمة الحدود الدولية، وبتخصيص الجزر على النحو المحدد في المحضر الموقع عليه بين الطرفين في 4/10/1963 بشأن (استعادة العلاقات الودية والاعتراف والامور ذات العلاقة)(13). كما طلب القرار من الامين العام للامم المتحدة أن يساعد في اتخاذ الترتيبات اللازمة مع العراق والكويت لتخطيط الحدود بينهما، مستعينا بالوسائل اللازمة، بما فيها الخريطة الواردة في وثيقة مجلس الامن 22412 / S، وأن يقدم الى مجلس الامن تقريرا عن ذلك في غضون شهر واحد. وقد ضمن القرار حرمة الحدود الدولية المذكورة، وأوصى باتخاذ جميع التدابير اللازمة حسب الاقتضاء لتحقيق هذه الغاية وفقا لميثاق الامم المتحدة (14).
وكانت الخريطة المشار اليها في هذا القرار، قد سلمها مندوب الكويت في الامم المتحدة الى الامين العام في 28/3/1991، موضحا له بانها تتضمن الاشارة الى الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت، وان حكومته تعترف بها باعتبارها شكلت الاساس في توقيع المحضر المؤرخ في 4/10/1963بينما الواقع يشير الى انها لاتعدو عن كونها خريطة طوبوغرافية للكويت.وتبين عدم وجود اساس قانوني للخريطة المزعومة الواردة في الوثيقة 2412/S الانفة الذكر التي شكلت مستندا اساسيا في عمل اللجنة باعتبارها واردة في محضرعام 1963، في حين ان هذا المحضر لم يشرالى هذه الخريطة أو الى غيرها من الخرائط، وهذا واضح لمن يريد أن يرجع الى تفاصيل المحضر الكاملة التي نشرت في الوثيقة 7063 من سلسلة معاهدات الامم المتحدة لعام 1964 المجلد 485(14).
وفي 2/5/1991 أعلن الامين العام للامم المتحدة عن تشكيل لجنة دولية خماسية لترسيم الحدود بين العراق والكويت (يونيكوم UNICOM)، تضم ممثلا واحدا عن كل من الطرفين وثلاثة خبراء مستقلين، اضافة الى سكرتير خاص بها، وقد اشار الامين العام الى ان المهمة الرئيسة لهذه اللجنة، هي ترسيم الحدود الدولية في خطوط الطول والعرض الجغرافية طبقا لما تضمنته بنود المحضر المذكور لعام 1963 والخريطة المرفقة به المشار اليها آنفا. وهي تتمتع في سبيل انجاز هذه المهمة، بجميع الحصانات والامتيازات اللازمة،ولها حرية الحركة والانتقال الى أية منطقة حدودية دون أي عائقكما لها أن تلجأ الى كافة الوسائل القانونية والمادية المتاحة، أما القرارات الصادرة عنها فتكون بأغلبية الاصوات*، وهي قرارات ملزمة ونهائية لاتقبل الطعن أو الاستئناف أمام أية جهة ومن أي طرف كان،علما ان اكتمال النصاب القانوني لعمل اللجنة بحسب الآلية التي أعتمدتها، هو حضور ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس اللجنة، على أن يحضر ممثل حكومة واحدة في الاقل(16).
واذا كان ثمة مايمكن قبوله في عمل اللجنة المذكورة بشأن ترسيم الحدود البرية بين العراق والكويت، استنادا الى القرار 687، وطبقا لوجود خريطة مسبقة، بافتراض ان عملها ذو طبيعة فنية محضة، فان الامر مع القرار 773 الصادر في عام 1992 الذي أوكل بشكل صريح الى نفس اللجنة مهمة ترسيم الحدود البحرية ــ وهي حدود لم يجر الاتفاق بشأنها مطلقا، ولم تعين أو تحدد على ارض الواقع بين الدولتين ــ لايمكن قبوله أو تفهمه بالمرة.فمجلس الامن سعى ممثلا بالولايات المتحدة الامريكية وحلفائها داخل المجلس وبدوافع سياسية واقليمية متعددة، الى ايجاد حدود بحرية جديدة للكويت، من خلال انتزاع حق العراق في ممر بحري واسع وحر، وتضييقه الى أقصى قدر ممكن(17). وهكذا، فبعد ان قدم رئيس اللجنة تقريرا الى الامين العام للامم المتحدة بتاريخ 20/5/1993 يتضمن النتائج النهائية لعمل اللجنة مع نسخة لقائمة الاحداثيات التي ترسم الحدود العراقية الكويتية مع خارطة توضيح الرسم، رفع الامين العام هذا التقرير في اليوم الثاني الى مجلس الامن، حيث جرى نقاش واسع بصدده انتهى باتخاذ المجلس للقرار 833 طبقا لاحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وقد صادق المجلس فيه على تقرير اللجنة، وأكد ثانية على نهائية قراراته المتعلقة بهذه الحدود وقطعيتها (18).
وبعيدا عن الدخول في تفاصيل هذا القرار وظروف اتخاذه واسبابها، فأن بنوده ولاشك قد ألحقت ضررا فادحا بحقوق العراق الاقليمية والتأريخية، لاسيما في ترسيم الحدود البحرية، ويزداد هذا الامر صعوبة اذا علمنا بأن العراق هو من الدول المتضررة جغرافيا بسبب اطلالته الضيقة والصغيرة على بحر شبه مغلق هو الخليج العربي، كما انه يبتعد عن منفذه الوحيد المفتوح على البحار العالية (مضيق هرمز) بنحو 407 كم. الامر الذي يجعل من خطوط الملاحة النفطية والتجارية له عبر هذا الطريق تمر في مناطق البحار الاقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة لكل من ايران ودول الخليج العربية (19). أما بشأن الساحل العراقي فيمتد من رأس البيشة شرقا الى أم قصر غربا، ويقع معظمه داخل قناة خورعبد الله الضيقــة ولايتبقى منه الامسافـة صغيرة واقعـة بمواجهـة الخليج مباشرة، لاتزيد على بضعة أميال.وعلى وجه العموم، فأن الساحل العراقي يمتاز بكونه طيني وضحل، تتخلله مستنقعات تتسع مساحتها وقت المد، مما يحد من امكانية بناء منشآت أو مباني بحرية، ويعيق حركة الملاحة. مع العلم ان خور عبد الله وهو الممر المائي الوحيد للعراق للوصول الى ميناء أم قصر، يمتاز بضيقه وضحالة سطحه الملحي، مما يجعله بحاجة الى عمليات حفر مستمرةونفس الشيء يقال بالنسبة الى شط العرب في الجهة الشرقية مع ايران، مما يجعل السفن المارة عبر هذين الممرين أو القناتين بغاطس لايزيد على 10.6 متر في أفضل أوقات المد العالي للخليج. كما ان طول الممرين تضاعف المسافة التي ينبغي على السفن قطعها للوصول الى مينائي البصرة أو أم قصر(20). وكما مبين في الخريطة(1)
أما بالنسبة للبحر الاقليمي العراقي**، فبسبب تقعر الساحل العراقي وضيقه ومجاورته للبحرين الاقليميين لكل من الكويت وايران، وبسبب وقوعه أصلا في اقصى نقطـة من شمال الخليج العربي، يعد أصغر بحر اقليمي في المنطقة، اذ لاتتجاوز مساحته 75 ميلا مربعا في أحسن الاحوال، وهي مساحة صغيرة جدا بالقياس الى دولة بمساحة العراق البالغة (438,317كم2). وفي عرف الجغرافية السياسية يجري التعبير عن الموقع الجغرافي بالنسبة للبحار عن طريق قسمة الحدود البرية على الحدود البحرية وناتجها يمكن ان يحدد اذا كانت الدولة قارية او بحرية، اذا كلما كان المقام كبيرا كلما كانت صفة القارية هي الغالبة والعكس صحيح وطبقا لهذا المعيار الحسابي فان النسبة تساوي (1/17)*** اي ان صفة القارية هي الغالبة او بعبارة اخرى ان العراق دولة شبه مغلقة، ولاشك ان مثل هذه الخصائص تجعل من البحر الاقليمي خاليا تقريبا من الثروات الطبيعية والمعدنية التي يمكن أن يستغلها العراق. على عكس الكويت وايران اللتان تحصلان على مناطق ولاية بحرية أكبر على حساب حقوقه فيها، سواء في استغلال هذه الموارد أم في تحديد الممرات المائية المؤدية الى موانئه في البصرة وأم قصر (21). اضافة الى ان هذا الوضع يؤدي الى استطالة خطوط الملاحة هذه، والى كثرة الموانىء وتقييد استقبالها للسفن ذات الغاطس العالي، مما يكون له آثار سلبية على حركة تصدير النفط العراقي. وهذا ما حدا بالحكومة العراقية الى أن تفكر ومنذ عقد الخمسينات من القرن المنصرم، في انشاء موانىء بحرية بعيدة عن الساحل. فانشأت الميناء العميق في خور العميّة على بعد نحو 15 كم من الساحل العراقي لاستقبال ناقلات النفط التي يزيد غاطسها على 10 متر. كما أنشات ميناء البصرة (البكر سابقا) في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي على نحو أبعد من الميناء العميق بحوالي 12 ميل بحري، بمساحة 625 م2 وبثلاثة طوابق لاستقبال ناقلات النفط التي تزيد حمولتها على 350 ألف برميل، لكي تصل الطاقة الاجمالية الى 5، 2 مليون برميل يوميا بعد أن تم ربط المينائين بخطوط لنقل النفط ممتدة من الساحل عبر البحر(22).
وتطبيقا للمادة 70 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 والتي صادق عليها كلا من العراق والكويت، فان العراق يعد من أكثر الدول المتضررة جغرافيا كما بينا ذلك، وللاسباب التي أوردناها آنفا. وبعد صدور القرار 833 ازدادت وطأة الموقع البحري اذ نص على ان الحدود البحرية الجديدة تبدأ في منطقة أم قصر من الدعامة الحدودية رقم 107 وفق الاحداثيات 60/30 شمالا و 02/57/47 شرقا لغاية الاحداثيات 02/51/29 شمالا و 08/24/48 شرقا بين العوامتين 12 و 14 في خور عبد الله، وهي بذلك تحرم العراق من مناطق بحرية واسعة أمام الساحل العراقي في هذا الخور، كما تفرض عليه منطقة منزوعة السلاح بعمق 10 كم وكما موضح في الخريطة(2)، أما عن حاجات العراق في الاشتراك في استغلال الموارد الحية لاسيما صيد لاسماك، فقد انخفضت على نحو كبير جدا حتى في منطقة البحر الاقليمي العراقي قياسا الى ما يصطاده الصيادون الكويتيون والايرانيون (23).
ونستطيع القول، بأن عملية ترسيم الحدود البحرية الجديدة من قبل اللجنة الدولية التي شكلت لهذا الغرض، قد تجاهلت حق العراق الثابت والتأريخي في الوصول الحر والمتيسر الى ساحل الخليج، وهو حق قد كفلته الاعراف والمواثيق الدولية منذ القدم، مع ان القرار 833 نفسه قد اعترف بهذا الحق، عندما نص في الفقرة الخامسة منه على ان المجلس (يطالب العراق والكويت باحترام حرمة الحدود الدولية كما خططتها اللجنة، وباحترام الحق في المرور الملاحي وفقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الامن ذات الصلة).
وبالرغم من تمتع الكويت بخطوط ساحلية مفتوحة على البحر بطول (115)ميل بحري ولها موانئ تخصصية واسعة في الشعيبة والاحمدي والقليعة وعندها مجموعة كبيرة من المرافئ والمراسي العميقة، لكنها اختارت بالرغم من ذلك ان تنفذ مشروعها الجديد(ميناء مبارك الكبير) على جزيرة بوبيان و في اضيق الاماكن اي في خاصرة ساحل الفاو وكمامبين في الخريطة (3) لتخنق الرئة البحرية الوحيدة التي يتنفس منها العراق في هذا المكان الحساس الذي يعترض خطوط السفن المتوجهة الى الموانئ العراقية، وتصر على فرض واقع جغرافي /سياسي استفزازي في منطقة تعد من احرج المناطق الملاحية في العالم وكانها تريد غلق اخر ماتبقى من بوابات الموانئ العراقية وبالتالي حرمان العراق من ارتباطاته البحرية، سيما وان العراق يعاني من زحف بحري شرقي من الحدود البحرية الايرانية وانحراف مسار شط العرب باتجاه الغرب وهو مايقلص مساحة الساحل العراقي على حساب تمدد الساحل الايراني، ويمكن ان نجمل التاثيرات السلبية لميناء مبارك بالاتي(24):-
  • اصابة الموانئ العراقية الواقعة شمال خور عبدالله بالشلل التدريجي بعد انجاز المشروع وبالتالي فقدان الموانئ العراقية لتعاملاتها المعتادة مع خطوط الشحن العالمية، وفقدان الاف الايدي العاملة العراقية العاملة في هذا المجال.
  • الامتدادات الناجمة عن أرصفة هذا الميناء بحسب مراحل المشروع، سوف تلحق الضرر الأكيد بمساحة الجرف القاري العراقي الذي لم يتم تحديده أو الاتفاق عليه لحد الآن. لان المسطحات البحرية المشتركة، بين العراق والكويت وإيران، لم تخضع بعد لاتفاقية مشتركة بين الدول الثلاث، حول استغلال الجرف القاري، والمنطقة المتاخمة، والمنطقة الاقتصادية الخالصة، إضافة لمناطق الصيد والتجارة البحرية لما تمثله كل تلك العناوين من موارد لا تستنزف بسهولة، ولتداخل هذه المناطق فيما بينها بالنسبة لكافة الدول الثلاث سيكون من الضروري السعي المشترك لاستغلالها في صالح الجميع، والحقيقة إن بناء مشروع بهذه الضخامة ستكون له تأثيرات سلبية ضارة على الاقتصاد العراقي بشكل مباشر.
  • عمليات الحفر والردم، وإنشاء السواتر الخراسانية في خور عبد الله سوف تلحق الضرر بالثروة السمكية في المياه الإقليمية العراقية، والتي تعتبر مصدر رزق آلاف العراقيين
  • إجهاض مشروع ميناء الفاوالكبير، وجلب استثمارات وأموال عربية وأجنبية لتوظيفها في جزيرة بوبيان لكي لا تكون مصالحها مهددة في حال مطالبة العراق مستقبلا بعائدية الجزيرة له، وبالتالي مواجهة تلك المطالب.
  • الأضرار التي ستلحق بالبيئة من جراء الفضلات الناجمة عن المشروع، والسفن الراسية فيه، أو من المشاريع الخدمية المزمع إلحاقها بالميناء.

خريطة (3)
موقع ميناء مبارك الكويتي

المصدر: وزارة النقل، وقائع مؤتمر ميناء مبارك واثاره على العراق، 2011. وللمزيد من الخرائط التوضيحيه انظر:قاسم محمد عبيد وجواد كاظم البكري، ازمة ميناء مبارك الكويتي واثارها على العراق، كراسة استراتيجية، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية،2011، ص73-84.

    اما بشان عملية ترسيم الحدود البرية، فانها قد انتهت بدورها الى اقتطاع أراض عراقية جديدة لصالح الكويت، فقد شملت هذه العملية مسافة تمتد بطول 240 كم، من الجنوب الى الشمال ثم الى الشرق، ثبّت خلالها 106 عمودا كونكريتيا، ابتداءا من العمود رقم واحد الذي يمثل نقطة التقاء الحدود العراقية الكويتية السعودية في وادي حفرالباطن، مرورا بالنهاية الشمالية لهذا الوادي المتقاطعة مع خط العرض المار بالنقطة الواقعة جنوب مدينة صفوان (وهي نقطة واقعة على بعد 1430 متر، في الطرف الجنوبي الغربي لجدار مبنى الجمارك القديم، على طول الطريق القديم المؤدي من صفوان الى مدينة الكويت)، ثم الى نقطة في جنوب مدينة ام قصر، حيث تمر الحدود في الموقع المبين في الخريطة البريطانية (5549 ــ 1) من سلسلة الطبعة الثانية /1990 المعدة من قبل المساحة العسكرية في وزارة الدفاع البريطانية لتتقاطع مع الساحل الغربي لخور الزبير، ثم تنتهي بنقطة التقاء خور الزبير مع خورعبدالله (25).
    والمتتبع لهذا الخط الحدودي الجديد، يرى بانها قد تحركت الى مسافات جديدة غربا وشمالا على حساب الاقليم العراقي، اذ تم اقتطاع وقضم مساحــات شاسعة من الاراضي العراقية المسلّم بها حتى من الجانب الكويتي نفسه، وقد ادى هذا الزحف الجديد الى حرمان اعداد كبيرة من المواطنين العراقيين من مساكنهم واراضيهم ومزارعهم التي تشكل مورد رزقهم المتوارث عبر أجدادهم، وكذلك حرمان العراق من العديد من المنشآت والمباني الحكومية التي شيدها منذ مدة طويلة، ناهيك عن المناطق الجنوبية لحقل الرميلة العراقي التي تمثل ثروة وطنية كبرى للشعب العراقي.
رابعاً: الحدود والبند السابع واتفاقية الاطار الاستراتيجي
من نافلة القول، ان الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة يختص فيما يتخذ من الاعمال في حالات التهديد للسلم والاخلال به ووقوع العدوان، اذ نصت المادة (39) من الميثاق على ان (يقرر مجلس الامن ما اذا كان قد وقع التهديد للسلم او اخلال به او كان وقع عملا من اعمال العدوان).. ويقدم في ذلك توصياته او يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لاحكام المادتين (41و42) من الميثاق لحفظ الامن او اعادته الى نصابه(26).
    تم التوقيع على هذه الأتفاقية في 17 / تشرين الثاني / نوفمبر / 2008 على ان تدخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني / يناير / 2009، وتبقى هذه الأتفاقية سارية المفعول ما لم يقدم أي من الطرفين إخطارا خطيا للطرف الآخر بنيته على إنهاء العمل بهذه الأتفاقية، ويسري مفعول الأنتهاء بعد عام واحد من تاريخ تقديم مثل هذا الأخطار. ولاتختلف ديباجة هذه الأتفاقية عن ديباجة إتفاقية سحب القوات الأجنبية من العراق، بل وتكاد ان تكون نسخة طبق الأصل عنها، وبالذات ما يتعلق منها بزوال الخطر الذي كانت تشكله حكومة العراق على السلام والأمن الدوليين، وبأن على العراق أن يعود بحلول 31 / كانون الأول 2008 إلى مكانته القانونية والدولية التي كان يتمتع بها قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 661 لعام 1990(27)، سيما بعد خروج العراق جزئيا من الفصل السابع عدا الحالة المتعلقة بالكويت، وتتكون هذه الأتفاقية من (11) قسما، سنقوم بعرض ما نعتقد أنه ضروري لهذا البحث منها، من خلال طرح النص الوارد فيها كما هو، والتعليق عليه كلما كان ذلك ضروريا.
1-   بموجب القسم الأول (مباديء التعاون) فأن هذه الأتفاقية تقوم على عدد من المباديء العامة لرسم مسار العلاقة المستقبلية بين الدولتين أهمها (أن وجود عراق قوي قادر عن الدفاع عن نفسه أمر ضروري لتحقيق الأستقرار في المنطقة).
2-   بموجب القسم الثاني (التعاون السياسي والدبلوماسي) فأن على الولايات المتحدة أن تبذل أقصى جهودها للعمل ومن خلال حكومة العراق المنتخبة ديموقراطيا من أجل (دعم جهود حكومة العراق في إقامتها علاقات إيجابية مع دول المنطقة قائمة عللى أساس الأحترام المتبادل وعدم التدخل والحوار الأيجابي بين الدول والحل السلمي للخلافات بما في ذلك ممارسات النظام السابق التي لازالت تلحق الضرر بالعراق بدون إستخدام القوة أو العنف بما يعزز أمن وأستقرار المنطقة ورفاهية شعوبها)
3-   بموجب القسم الخامس (التعاون في مجالي الأقتصاد والطاقة)فأن الأتفاقية تنص على (أن بناء إقتصاد مزدهر ومتنوع ومتنام في العراق ومندمج في النظام الأقتصادي العالمي وقادر على توفير الخدمات الأساسية للشعب العراقي والترحيب بعودة المواطنين العراقيين الذين يعيشون خارج البلاد في الوقت الحالي سوف يتطلب إستثمار رأسمال غير مسبوق في إعادة البناء وتنمية موارد العراق الطبيعية والبشرية المتميزة ودمج العراق في الأقتصاد العالمي ومؤسساته) (28) وتحقيقا لهذه الغاية يتفق الطرفان على التعاون من أجل:-
اولا: دعم جهود العراق من أجل إستثمار موارده من أجل التنمية الأقتصادية والتنمية المستدامة والأستثمار في مشروعات تحسّن الخدمات الاساسية للشعب العراقي.
ثانيا: حث كل الأطراف على الأمتثال للألتزامات التي قدمت بمقتضى العهد الدولي مع العراق بهدف إعادة تأهيل مؤسسات العراق الأقتصادية وزيادة النمو الأقتصادي من خلال تنفيذ إصلاحات تضع الأساس لتنمية القطاع الخاص وإيجاد الوظائف.
ثالثا: تشجيع التنمية في مجال النقل الجوي والبري والبحري وكذلك تأهيل الموانيء العراقية وتعزيز التجارة البحرية بين الطرفين. وبمراجعة بسيطة لما ورد في أقسام هذه الأتفاقية سنجد تناقضات صارخة ومفارقات مذهلة بين ما ورد في نص هذه الأتفاقية وبين المواقف الفعلية للولايات المتحدة الأمريكية على أرض الواقع ومن ذلك (على سبيل المثال لا الحصر) ما يأتي:-
1- كيف سيكون العراق قويا وقادرا عن الدفاع عن نفسه (بكفالة ودعم الولايات المتحدة)، وبما يحقق الأستقرار في المنطقة، مع إستمرار الكويت بأنتهاك سيادته على أرضه وموارده وحدوده الأقليمية والتدخل في شؤونه الداخلية وهي صديقة وحليفة للولايات المتحدة،وتحظى بدعمها اللامحدود سياسيا وعسكريا.
2- لماذا تحتكر الكويت وحدها حق إستخدام القوة أو العنف للدفاع عما يفترض أنها حدودها ومواردها (بموجب القرارات الأممية ذات الصلة وجميعها صادرة بعد 2 /8 /1990) ولايحق للعراق حتى مجرد الأعتراض على هذه الممارسات، رغم أن العراقيين يعتقدون أن هذه هي أرضهم وحدودهم ومواردهم منذ مئات السنين، وأن القرارات التي اقتطعتها منهم هي قرارات باطلة. لأنها صدرت وطبقت في ظل سياقات ونظم وممارسات وانماط للعلاقات الدولية لم تعد قائمة الآن.
3-كيف يمكن تشجيع التنمية في مجال النقل الجوي والبري والبحري وتأهيل الموانيء العراقية وتعزيز التجارة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية (راجع القسم الخامس من الأتفاقية).. بينما تصرّ الكويت (بدعم وضغط سياسي ودبلوماسي أمريكي معلن ومباشر) على تنفيذ أحكام القرار 833 لعام 1993 و لم يعد للعراق منفذ بحري حقيقي يسمح بتسيير خطوطه التجارية والملاحية المتصلة بموانئه التجارية المحتجزة بين مينائي أم قصر وخور الزبير، وبالذات بعد ان أعلنت الكويت عن البدء بتنفيذ ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان غير المأهولة، والقريبة من شبه جزيرة الفاو. ويأتي هذا الأعلان ليقطع الطريق على قيام العراق بأنشاءميناء الفاو الكبيرالذي وضعت الحكومة العراقية حجر الأساس له منذ أكثر من عام، وبدأت بدراسته مع الشركات العالمية المتخصصة دون ان تباشر بتنفيذه.وكان من المؤمّل ان يكون ميناء الفاو الكبير منفذا للعراق على البحر، وبوابة لشرق آسيا على اوروبا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي حال انشاء ميناء مبارك الكبير سيصبح ميناء الفاو الكبير أقل أهمية منه بكثير وسيكون من الصعب استخدامه لتحقيق الأهداف الرئيسة التي حددت لأنشائه اصلا. ان جميع هذه التفاصيل تقدم الدليل على ان مجرد عقد الاتفاقات مع الجانب الأمريكي لن يسهم في حل مشاكل العراق المستعصية (في الداخل والخارج). ومشكلة العراق الأساسية في هذا الصدد هو غياب المؤسسات والسياسات والأستراتيجيات الوطنية الكفيلة بالتصدي لهذه المشكلات.
اما قرارات مجلس الأمن 1956 – 1957 – 1958 لعام 2010 وإشكالية الخروج (الجزئي و الكامل) من أحكام الفصل السابع، فهي لاتشيرالى تسوية الملفات العالقة بين العراق والكويت (27). ومع ذلك فأن القرار 1956 يشير ضمنا إلى ان العراق قد خرج من طائلة أحكام الفصل السابع، بالنسبة لجميع القضايا ذات الصلة بتهديده للسلام والأمن الدوليين، بأستثناء ما يسمى (بالحالة مع الكويت). وهذا يعني (بعبارة أكثر دقة ووضوحا) بأن العراق لن يخرج من طائلة عقوبات الفصل السابع إلا إذا أوفى بألتزاماته إزاء الكويت كاملة غير منقوصة (وعلى وفق تفسير دولة الكويت المتعسف لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بهذا الموضوع).. وأن العراق لن يخرج من طائلة عقوبات الفصل السابع، وسيبقى دولة ناقصة السيادة، بل وسيبقى يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين، إلا اذا قررت الكويت عكس ذلك، أو طالبت - هي وليس العراق - بذلك.
4- تحظى الكويت بدعم مطلق من الولايات المتحدة الامريكية، ومن المجتمع الدولي (من خلال مجلس الأمن)، وتستخدم جميع أوراق الضغط لفرض شروطها على الجانب العراقي، و أرغامه على الالتزام بتنفيذ أحكام القرار 833 (1993) سيئ الصيت رغم جميع ما يمكن ان يترتب على تنفيذه من عواقب وخيمة بالنسبة لعلاقات المواطنين العراقيين والكويتيين المستقبلية وليس ما يترتب على تنفيذه من مكاسب سياسية آنية للحكومة الكويتية الحالية. و في تقريره الى مجلس الأمن في(نيسان / 2011) جدد الأمين العام للأمم المتحدة دعوته للحكومة العراقية الى إعادة تأكيد التزامها بقرار مجلس الأمن 833 (1993) المتعلق برسم الحدود البرية والبحرية مع الكويت في اقرب وقت ممكن واتخاذ خطوات عاجلة لاستئناف أعمال صيانة العلامات الحدودية بما في ذلك إعادة تحديد موقع المزارعين العراقيين بعيداً عن خط الحدود مع الكويت. وشدد على أن أحراز تقدم ملموس في هذا الشأن يعد شرطاً أساسياً لتطبيع مكانة العراق الدولية المساوية لما كان عليه قبل تبني القرار 661، أي أن قبول وتعهد العراق بتنفيذ أحكام القرار 833 بالكامل هو القرار الوحيد الذي على العراق أتخاذه للخروج من طائلة أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبعكسه فأن العراق ورغم كل ما حدث فيه من تغيير جوهري في طبيعة وتوجهات النظام السياسي منذ العام 2003 وحتى الآن سيبقى من وجهة نظر الكويت ومجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية هو عراق 2/8 / 1990 الخاضع لأحكام القرار 660 في2 /8/1990.
الخاتمة
من كل ماتقدم، نستطيع القول، بأن ترسيم الحدود العراقية الكويتية بهذه الطريقة ما هي الا محاولة لمنع العراق من التمتع بأي اطلالة بحرية ذات معنى على الخليج العربي، ليتم استبعاده في مرحلة لاحقة من ان يعد دولة خليجية لغايات سياسية واقتصادية وجيوبوليتكية بالدرجة الاساس، ومن الجدير بالذكر ان موافقة (مجلس قيادة الثورة المنحل) و(المجلس الوطني) اذبان النظام السابق على القرار 833 في 10/4/1994 بعد زيارة وزير الخارجية الروسي(28)، وتعهده برفع العقوبات عن العراق هي غير قانونية لان دستور العراق المؤقت لعام 1970 لم يمنح الصلاحية لهما بالتنازل عن الاراضي العراقية ولاي سبب كان ورد في المواد(3) و(37)(29)، وان ترسيم الحدود من قبل مجلس الامن بشكل متحمس ومتحيز لجانب واحد، قد عرّض حقوق العراق ومصالحه الحيوية الى الغبن والاجحاف، ونبّه في الوقت نفسه الدول الاخرى ذات النزاعات المماثلة، الى خطورة هذا التصرف أو التوجه في عمل المجلس، وانعكاساته مستقبلا على علاقات الدول المتجاورة. ولاشك ان هذا الترسيم قد تجاهل حقوق الشعب العراقي، ولم يحترم القواعد والمبادىء الدولية المرعية في مثل هذه القضايا، وان تدخل المجلس في ترسيم الحدود العراقية الكويتية لم يسهم أبدا في توطيد السلم والاستقرار بين البلدين، لانها فرضت من قبل مجلس الامن دون ارادة العراق حيث ان عملية الترسيم طالت اقليمه البري والبحري مما زاد من وضعه البحري المتضرر بالاساس وللعراق حقوقا تاريخية وجغرافية وقانونية في مياهه الاقليمية ثابتة لشعب العراق ولا يمكن لمجلس الامن او اي قوة مهما تعددت اوصافها او مسمياتها ان تتلاعب او تتصرف بها لان حق الارض غير قابل للتصرف وان الحاق الضرر بالعراق ليس بمصلحة الكويت ولا يساهم في تعزيز الامن والاستقرار في المنطقة لان حقوق الشعوب تبقى محفوظة حتى ولو في الاذهان ونرى ان نهاية مشكلة الحدود العراقية الكويتية بهذه الصيغة وخاصة البحرية منها ما هي الا صيغة قانونية للابقاء على النزاع بين الطرفين ومن الممكن تأجيجه مستقبلا.
التوصيات
1- العمل على مراجعة ودراسة جميع الاتفاقيات المبرمة مع دول الجوار والتوقف عند نقاط الضعف والخلل واللجوء الى تحكيم المجتمع الدولي متمثلا بالامم المتحدة ومجلس الامن ومحكمة العدل الدولية لازالة الغبن والاجحاف الذي طال الحقوق الوطنية العراقية وخاصة الاتفاقيات التي كانت عبارة عن صفقات سياسية او وقعت بلغة المنتصر.
2- ربط العراق بشبكة نقل برية وخاصة النقل بالسكك الحديد مع دول الجوار العربية (الاردن وسوريا) لتقليل الاعتماد على النقل البحري ولتفادي الضغوطات السياسية التي يواجهها العراق بسبب موقعه البحر ي.
3- تامين حضور بحري قوي في الخليج من خلال انشاء قوة عسكرية بحرية موازية للتحركات السياسية والدبلوماسية فضلا عن استخدامها للدفاع عن مصالح العراق البحرية.
4-   ان لا يغيب الحس البحري عن مخيلة صانع القرار السياسي وان يدرك ما يعانيه العراق من ضعف جيوبولتيكي في بنية الدولة العراقية وقوتها الذاتيه وان يكون هذا الحس جزء من ستراتيجية الدولة العراقية.
5-   يتعين على المفاوض العراقي أن يتسلح ويستعين بكافة الوثائق والمستندات والادلة والخرائط والقرائن والحقائق والتعامل الجاري والعادات المتبعة وغيرها من الوسائل التي يمكن أن تثبت أو تدعم وجود هذه الحقوق او بعض منها رسمية كانت ام غير رسمية، مهما بدت قديمة أو ثانوية أو جزئية أو صغيرة أو غير متعلقة بالموضوع بشكل مباشر أو مهملة او غير ذات بال، سواء أكانت قانونية أم عرفية أم تاريخية أم جغرافية أم فنية أم غير ذلك، حتى تلك المتعلقة بعادات سكان المناطق الحدودية وأحوالهم وممتلكاتهموعليه أن يستند أيضا، الى احكام اتفاقية قانون البحار لعام 1982 في ابراز مظلوميته المتعلقة بموقعه الجغرافي المتضرر بسبب ساحله الضيق والصغير في أقصى شمال الخليج، كما له أن يستند الى القرار (833نفسه الذي نص في الفقرة الخامسة منه، على وجوب احترام الطرفين لحق المرور الملاحي وفقا للقانون الدولي وقرارات المجلس ذات الصلة خاصة بما يتعلق بميناء مبارك.
6-   يتوجب على الحكومة والبرلمان العراقيين معا، أن يعيدا بناء الثقة المفقودة مع الدول العربية والاسلامية والصديقة لاسيما المجاورة للعراق، وان يعززا أواصر العلاقات الثنائية والاحترام المتبادل معها، بجو من السلام والاخاء والتعايش المشترك وحسن الجوار ونبذ العنف واشاعة الكراهيةولهمـا أن ينتهجا في سبيل تحقيق هذه الاهداف، جميع أوجه التعاون الدولي المثمر سواء أكان ذلك بشكل ثنائي ام جماعي اقليمي أم دولي، كاقامة المشاريع الاقتصادية والتجارية والبنيوية المترابطة أو المشتركة معها من قبيل استغلال الثروات النفطية في الحقول المشتركة، والتعاون في مجالات الطاقة والكهرباء والمياه والبيئـة، أوفي أي مجال اخر يمكن أن يخدم مصالح الاطراف جميعا، ويصون حقوقها، ويحفظ ثرواتها وينمّيها.
7-   وعلى المستوى الدولي، نرى بأن على الحكومة العراقية أن تعيد النظر في حساباتها وتحالفاتها السياسية مع الدول الكبرى المؤثرة في القرار الدولي، أو التي لها وزن كبير في السياسة الدولية وفي منطقة الشرق الاوسط على وجه الخصوص، بما يحترم سيادة العراق ووحدة أراضيه واستقلاله ويحفظ حقوقه من جهة، ويعزز من موقفه الاقليمي والعالمي ومطالباته بحقوقه الاقليمية الضائعة من جهة اخرى.
المصادر والهوامش
1        اُنظر وثيقة التقرير النهائي عن تخطيط الحدود الدولية بين جمهورية العراق ودولة الكويت المقدم من لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت في 21 مايو 1993).http://www.un.org/ar/peace/
2        جمهورية العراق، وزارة التخطيط، المجموعة الاحصائية السنوية، 2005، ص5.
3        اروى هاشم عبد الحسن، مشكلات الحدود العربية العربية في منطقة الخليج العربي، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1996، ص120.
4        خالد السرجاني، جذور الازمة بين العراق والكويت، مجلة السياسة الدولية، مؤسسة الاهرام، القاهرة، العدد 102، 1991، ص14.
5        اروى هاشم عبد الحسن، مصدر سابق، 123.
6        خالد السرجاني، مصدر سابق، ص15.
7        محمد عزيز عبد الحسن، الامم المتحدة والازمات الدولية ـ دراسة في ازمة الخليج الثانية، رسالة ماجستير كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1994، ص107.
8        اروى هاشم عبد الحسن، مصدر سابق، ص127.
9        محمد عزيز عبد الحسن، مصدر سابق، ص108.
10     مجلس الامة الكويتي، العلاقات الكويتية العراقية (الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية)، شبكة المعلومات الدولية، 2003، ص17.
11     للمزيد:باسم كريم سويدان، مجلس الامن والحرب على العراق 2003دراسة في وقائع النزاع ومدى مشروعية الحرب، اطروحة دكتوراه، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2006، ص13-19.
12     محمد الحاج حمود: القانون الدولي للبحار / مناطق الولاية الوطنية، بــغداد ــ 1990، ص 473.
13     نص القرار 687 الصادر من مجلس الامن بتاريخ 1991.. http://www.un.org/ar/peace/
14     راجع الفقرات: 2 و3 و4 من القرار (687).. http://www.un.org/ar/peace/
15     محمد ثامر السعدون: الحدود البحرية العراقية، اطروحة دكتوراه، الى كلية القانون، جامعة بغداد، 2006، ص106.
*تُشكَّل اللجنة من ممثل واحد للعراق، وممثل واحد للكويت، وثلاثة من الخبراء المستقلين، يعينهم أمين عام الأمم المتحدة، ويكون أحدهم رئيساً لها، و يُشترَط لصحة اجتماع اللجنة حضور ثلاثة على الأقل من أعضائها بمن فيهم الرئيس وواحد على الأقل من ممثلَي الدولتَينوقرارات اللجنة تصدر بالأغلبية وبذلك ضمنت الكويت اصدار القرارت لصالحها وان وجود ممثل العراق لايقدم ولايؤخر مادام القرارات تؤخذ بالاغلبية. اُنظر وثيقة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المؤرخ في 6 مايو 1991 في شأن إنشاء لجنة تخطيط الحدود بين العراق والكويت
16     اُنظر وثيقة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المؤرخ في 6 مايو 1991 في شأن إنشاء لجنة تخطيط الحدود بين العراق والكويت. http://www.un.org/ar/peace/
17     اُنظر وثيقة التصريح الصحفي الرقم (1) الصادر من لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت في 24 مايو 1991. http://www.un.org/ar/peace/
18     اُنظر وثيقة التقرير النهائي عن تخطيط الحدود الدولية بين جمهورية العراق ودولة الكويت المقدم من لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت في 21 مايو 1993. http://www.un.org/ar/peace/
19    فخري رشيد مهنا: النظام القانوني للملاحة وتطبيقه على مضيق هرمز، اطروحة دكتوراه، كلية القانون والسياسة، جامعة بغداد، 1978،  ص 252.
20     باسم كريم سويدان، البحر الاقليمي العراقي، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2001، ص108.
** يأخذ البحر الاقليمي العراقي شكلا مثلثا، تستند قاعدته الى الساحل فيما يلتقي ضلعاه في منطقة تقع على بعد 12 ميلا بحريا، تتقاطع عندها البحار الاقليمية وامتداداتها مع كل من الكويت وايران، وبما يمنع العراق من امتلاك منطقة اقتصادية خالصة بموجب اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. انظر في ذلك: علي حسين صادق: حقوق العراق كدولة متضررة جغرافيا ومطلة على بحر شبه مغلق (الخليج العربي)، اطروحة دكتوراه، كلية القانون والسياسة، جامعة بغداد، 1980، ص209.
21     قاسم محمد عبيد، الموقع الجغرافي البحري العراقي (دراسة جيبولتيكية)، مجلة المؤتمر العلمي الثالث لجامعة واسط، 2010، ص61.
*** وذلك عن طريق قسمة طول الحدود البرية على طول الحدود البحرية.
22     عماد صادق علوان، التأثيرات الاستراتيجية للموقع البحري العراقي، سلسلة دراسات سوقية، جامعة الدفاع الوطني (البكر سابقا)، بغداد، 2001، ص7.
23     محمد ثامر السعدون، المصدر السابق، ص 152.
24     للمزيد انظر: قاسم محمد عبيد وجواد كاظم البكري، ازمة ميناء مبارك واثارها على العراق، كراسة استراتيجية، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، مطبعة الدار العربية، 2011، ص25-31.
25     محمد ثامر السعدون، المصدر السابق، ص 152.
26     للمزيد انظر:فكرت نامق عبد الفتاح، العراق بين قيود الفصل السابع وبنود الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة الامريكية، قضايا سياسية، العددان23و24، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2011، ص27-ص30.
27     خضر عباس عطوان، العراق والخروج من احكام الفصل السابع (الخيارات)، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد34، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011،
28     راجع نص اتفاقية الاطار الاستراتيجي.
29     للمزيد انظر:عماد عبد اللطيف سالم، العراق واشكالية الفصل السابع من الميثاق الابعاد الاقتصادية والسياسية واستراتيجيات الخروج، بيت الحكمة، بغداد، 2010، ص34.
30     قاسم محمد عبيد، الحدود العراقية الكويتية(دراسة جيوبوليتكية)، مجلة شؤون عراقية، العدد5، مركز الدراسات العراقية، جامعة النهرين، 2008، ص26.
31     رعد ناجي الجدة، التطورات الدستورية في العراق، بيت الحكمة، بغداد، 2005، ص435.

النص الكامل : حمله من هنا 

أو للقراءة والتحميل اضغط هنا أو اضغط هنا أو اضغط هنا



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا