التسميات

السبت، 4 نوفمبر 2017

استشـراف مستقبـل التعليـم عـن بعـد فـي المملكـة العربيـة السعوديـة - د . عبد العزيز بن عبدالله السنبل ...

استشـراف مستقبـل التعليـم عـن بعـد
فـي المملكـة العربيـة السعوديـة 

د عبد العزيز بن عبدالله السنبل
نائب المدير العام للمنظمة العربية
للتربية والثقافة والعلوم 

ملخص الدراسة باللغة العربية

ـــــ

استشراف مستقبل التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية

هدفت الدراسة الحالية التي تقع في 134 صفحة، إلى استشراف مستقبل التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية من خلال محاولة صياغة سيناريوهات محتملة مبنية على دراسة حصيفة ومتأنية لتأريخ التعليم في المملكة وحاضره، والصعوبات التي تواجهه، إضافة إلى دراسة الاعتبارات المرتبطة بطبيعة التحولات العالمية الكبرى والتغيرات التي يشهدها المجتمع السعودي دون إغفال لطبيعة المشهد الحالي لبرامج التعليم عن بعد في المملكة مقارنة بما هو معمول به على الساحة الدولية.

واعتمدت الدراسة على المنهج الاستشرافي الذي يعتمد على مؤشرات كمية وكيفية ترتبط بالأوضاع السكانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والثقافية، ودراسة العلاقات بينهم بما يمكّن من بناء فرضيات وتنبؤات للمستقبلوتمازج منهجية هذه الدراسة بين المقاربات الفنية والسياسية في محاولاتها للتنبؤ بالمستقبل.

وفي ضوء التحليل المتعمق للتطور التاريخي للتعليم في المملكة، وفي ضوء معطيات الحاضر ودراسة المؤشرات المجتمعية السعودية، توصل الباحث إلى رصد أربع سيناريوهات محتملة لمستقبل التعليم عن بعد في المملكة.وهذه السيناريوهات هي مشهد الوضع الراهن، ومشهد سياسة التوسع المنضبط، ومشهد مرحلة الانطلاق، ومشهد النكوص والتراجعوتضمنت الدراسة شرحا مفصلا لطبيعة كل مشهد، والفرضيات المحتملة لتشكلهواختتمت الدراسة بعدد من التوصيات الرامية إلى تطوير برامج التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية.


A Summary of the Study in English

__________

ENVISIONING THE FUTURE OF
DISTANCE EDUCATION IN SAUDI ARABIA

The purpose of this study was to envision the future of distance education via the attempt to build potential future scenarios based on studying the past and present educational situations in Saudi Arabia, and a thorough analysis of major changes taking place in all aspects of life both in the Saudi society and worldwide.

The study used the prospective analysis methodology that relies on quantitative and qualitative data about the population, socio-economic, educational, political and cultural indicators in ordered to study the relationship among all these factors so as to formulate potential future scenarios. The methodology used in this study combines both the technical and political considerations in its attempt to envision future scenarios.

In light of the in-depth analysis of the past and present educational situations and in light of studying all related indicators, the researcher managed to formulate four potential scenarios for distance education in Saudi Arabia. These scenarios are the status quo scenario, the controlled expansion scenario, the launching stage scenario, and the regression or worst case scenario.

The study included detailed in depth discussion of each scenario and the hypothesis it rests on.
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــ

استشراف مستقبل التعليم عن بعد

في المملكة العربية السعودية



المقدمة
شرط لجودة التربية في أي زمان ومكان أن تكون انعكاسا لثقافة مجتمعها ومتغيرات عصرها، تصنع مستقبل مجتمعها بصناعة أفراده ليعيشوا العصر ويعايشوه، يتأثروا به ويؤثروا فيه، كل ذلك في إطار من قيمهم الثقافيةإن تربية لا تعيش العصر ومتغيراته، تربية راكدة متخلفة لا تساعد أبناءها على العيش في هذا العصر، لأن وجهتها الماضي لا الحاضروالعصر عصر علم، وتقنيات، عصر اتصالات أرضية وفضائية وعقول إليكترونية، عصر استشعار عن بعد واتصال عن بعد، وتعليم عن بعد.   (عبد الجواد، 1985، ص 68 69)
إن قدر التربية في أي مجتمع، يحتم عليها السعي بكل حصافة ودقة وأمانة ومثابرة إلى تحقيق التواءم والتوازن بين أصالة الماضي، ومتطلبات الحاضر ومتغيراته، واحتمالات المستقبل القريب والبعيد لئلا تقع مجتمعاتها في ماضوية مدقعة تخرجها خارج التاريخ وخارج الفعل الحضاريإن هذه الموازنة السهلة الممتنعة لأطراف المعادلة، تستلزم من التربية، ضمن أمور أخرى، إعادة النظر في الرؤى والفلسفات الموجهة لعملها وما يرتبط بها من مضامين ومحتويات وآليات تنفيذ لتتجاوب وتتناغم مع روح العصر وجوهره ومعطياته.فالتربية العربية مدعوة إذن، ضمن ما هي مدعوة إليه، إلى الأخذ بأساليب التعليم عن بعد لتحقيق مساعيها من تعزيز مبادئ العدالة الاجتماعية، وتعميم التعليم للجميع وتوفير القوى البشرية المؤهلة القدرة على العطاء والإبداع والتميز والإنتاج في عصر معولم تشتد فيه روح المنافسة القائمة على التكتل الاقتصادي واقتصاديات المعرفة والمعلوماتية.
                  إن التعليم عن بعد في دلالته الحقيقية ليس مجرد تجديد للتعليم المدرسي كما قد يتصور البعض، ولا تكمن جدواه فقط في تلبية الطلبات المتزايدة على التربية، أو خفض الكلفة أو اكتساح أكبر رقعة تغطيها الآلية التعليمية، إنما هو نسق تتجسد به الثورة المرجوة في النظام التربوي، وهو بذلك كفيل بتحويل المؤسسة التعليمية الأساسية والعليا إلى مؤسسة متجاوزة إلى حد كبيروقد عجلت التطورات التكنولوجية المتسارعة بتشكيل وتبلور هذه الوضعية التربوية. (دولور، 1996، ص9).
فنظرة تاريخية فاحصة إلى المشهد التربوي في الدول النامية تبين أن كل الإصلاحات والتغيرات الجذرية المؤمل إصلاحها في صلب التعليم التقليدي، لم تثمر سوى تدابير وإجراءات طفيفة لم تلامس إطلاقا جوهر التعليم وعمقه، رغم أن السياسات الاجتماعية والعلمية والسياسية تفرض المراجعة الجذرية للنظام، لحاجة العصر إلى نموذج إنسان جديد (القباج، 2001، ص 31)، إنسان يستطيع أن يبدع ويتميز ويتعلم بحرية فائقة في ظل التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية الكبرى للعولمة.

إن التعليم عن بعد من هذا المنظور، هو تجسيد لما بشر به المفكر إيفان إيليتش في كتابه حول مجتمع بلا مدارس الذي بشر فيه بنهاية المؤسسة المدرسية بصيغتها التاريخية والمعهودة لتجاوز التاريخ لها، ودعوته إلى قيام أنماط تعليمية أخرى قائمة على حرية الاختيار، والشبكات المتخصصة، والمؤسسات ذات الاهتمامات العلمية المتعددة. (إيليتش، 1986، ص 18).

ويرى محمد مصطفى القباج أن التعليم عن بعد هو المستقبل المنظور للنظام التربوي، نظام غير جامد لأنه يعلم المهارات التي يتطلبها العصر، والسلوك المتجدد القابل في كل لحظة إلى التصحيح والتعديل وفق إرادة المتعلم نفسه، وبتقييم ذاتي صارموالأكثر من هذا، أنه النظام الكفيل بزرع روح الابتكار والإبداع وترسيخ قيم النقد الذاتي. (القباج، 2001، ص37).

وينطلق التعليم عن بعد كفكر وممارسة إنسانية مستحدثة إلى عدد من الأسس والمبادئ التي تشكل مجتمعه فلسفته وتوجهاته، هذه المبادئ والأسس هي ما يلي :
  1. مبدأ الإتاحة (ACCESSIBILITY): وهي تعني أن الفرص التعليمية في مستوى التعليم العالي متاحة للجميع بغض النظر عن كافة أشكال المعيقات الزمانية والمكانية والموضوعية.
  2. مبدأ المرونة (FLEXIBILITY) : وهي تخطي جميع الحواجز التي تنشأ بفعل النظام أو بفعل القائمين عليهلكن هذه الزاوية أخذت بكثير من الحذر في أكثر برامج التعليم عن بعد المعاصرة.
  3. تحكم المتعلم وتعني أن الطلبة يمكنهم ترتيب موضوعات المنهج المختلفة بحسب ظروفهم وقدراتهم، واختيار أساليب تقويمه كذلكإلا أن هذه الخاصية تأخذ بتحفظ شديد في معظم برامج التعليم عن بعد المعاصرة.
  4. اختيار أنظمة التوصيل (CHOICE OF DELIVERY SYSTEMS) : ذلك أنه نظرا لأن المتعلمين لا يتعلمون بنفس الطريقة، فإن اختيارهم الفردي لأنظمة التوصيل العلمي (بالمراسلة، بالحاسوب والبرمجيات، بالهوائيات، باللقاءاتيعد سمة أساسية لهذا النمط من التعليم.
  5. الاعتمادية (ACCREDITATION) : وتعني مدى مناسبة البرامج الدراسية ودرجاتها العلمية للأغراض المتوخاة منها مقارنة بغيرهاومن زاوية أخرى فهي تعني الاعتراف بهذه البرامج وآلياتها وقابلية محتواها للاحتساب في مؤسسات مختلفة. (الخطيب، 1998، ص  6).
ولقد ساعد تطور شبكة الإنترنت وتكنولوجيا الحاسبات والاتصالات على ظهور عشرات الجامعات والمعاهد التي تمنح شهادات للدارسين عن طريق التعليم عن بعد باستخدام شبكة الإنترنت في مختلف المجالات الإدارية والاقتصادية والعلمية والهندسيةكما أن كثيرا من الجامعات التقليدية أصبحت تستخدم الإنترنت في التعليم عن بعد للطلبة النظاميين، حيث يمكن لهؤلاء الطلبة استخدام معامل وأجهزة الحاسبات وبرامج التدريس، والتعلم الذاتي بالإضافة إلى الوسائل التقليدية الأخرىوبعض هذه الجامعات بدأت برامج خاصة للتدريس عن بعد مثل جامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة أكسفورد أعرق جامعات بريطانياكما تقدم العديد من الشركات الخاصة برامج تدريس تخصصية عن بعد وخاصة في مجالات علوم الحاسب وتكنولوجيا المعلوماتوقد بدأت العديد من المنظمات والهيئات الدولية مثل اليونسكو والبنك الدولي والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في دعم مبادرات ومشروعات التعلم عن بعد على المستويات الإقليمية والدولية. (هاشم، 1998، ص 20  21).
وحاليا قد لا تتوفر بيانات إحصائية دقيقة عن مدى انتشار التعليم عن بعد في الساحة الدولية إلا أن أقرب التقديرات تشير إلى تنامي أعداد المؤسسات التعليمية التي تقدم خدمات تعليمية عبر التعليم عن بعد، أو تلك التي أنشئت أساسا لتكون مؤسسات للتعليم عن بعد بصفة كليةوبعض الإحصائيات تشير إلى أنه في قارة أمريكا الشمالية وحدها توجد أكثر من 700 مؤسسة تعليمية معترف بها أكاديميا (ACCREDITEDتقدم خدمات تعليمية عبر نظام التعليم أو التدريب عن بعد في شتى الدرجات والبرامج والتخصصاتكما أشارت البيانات التابعة لجامعة الأمم المتحدة والمجلس الدولي للتعليم عن بعد إلى أن هناك ما يزيد عن 800 برنامج للتعليم عن بعد في شتى التخصصات في العالم. (الخطيب، 1998، ص3).
ومن منظور تاريخي، بدأ التعليم عن بعد كنمط تربوي جديد في القرن الماضي بنظام ما يسمى التعلم أو الدراسة بالمراسلة في العديد من المعاهد التربوية الخاصة في كل من الولايات المتحدة وبريطانياأما تجربة التعليم عن بعد واستخدامه في التعلم الجامعي الأكثر تنظيما، فكانت متمثلة في الجامعة البريطانية المفتوحة التي انطلقت في بداية السبعينات من القرن الماضيومنذ ذلك الوقت، تزايد الاهتمام بالتعليم المفتوح والجامعات المفتوحة، الأمر الذي أدى إلى ظهور العديد من الجامعات المفتوحة في كافة القارات لعل أهمها جامعة الهواء في اليابان، وجامعة جنوب إفريقيا، وجامعة كوينزلاند في أستراليا، وجامعات نورث وسترن والعلوم التطبيقية، والجامعة الأوكرانية للعلوم التطبيقية، وجامعة العلوم التطبيقية في كيروف في الاتحاد السوفييتي، وجامعة كوينز في كندا، والجامعة الحرة في إيران، وجامعة كل الناس في فلسطين المحتلة، وجامعة القدس المفتوحة، وجامعة العلامة إقبال في الباكستان، وجامعة التعليم عن بعد في كوستاريكا، وجامعة أبريتا الوطنية في فنزويلا، وجامعة البث المركزي والتلفزيوني في الصين، وجامعة سوكاتاي تماثيرات المفتوحة في تايلاند، والجامعة الشعبية المفتوحة بإسلام أباد، وجامعة تربوكا بإندونيسيا، والجامعة المفتوحة في كوريا والسويد.
وتمنح 30 جامعة من مجموع الـ 45 جامعة في ألمانيا درجات علمية عن بعد، و18 جامعة من الـ 75 جامعة فرنسية بها مراكز للتعلم عن بعد، وفي أمريكا اللاتينية تنتظم الدراسة في جامعتين للتعلم عن بعد هما جامعة(Antioquiaوجامعة (Joveriana). وفي عام 1979، قام 2.2 مليون شخص بالالتحاق بكورسات الجامعة للتعليم عن بعد، وهذا العدد يشكل     40 % من عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات في الاتحاد السوفييتي. (الخطيب، 1998، ص 27).
وبعض الجامعات المفتوحة توفر أكثر من 300 برنامج دراسي، بعضها برامج نظرية مثل اللغات والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والبعض الآخر برامج عملية مثل العلوم الطبيعية والكيمياء وخواص المواد والهندسة والعمارة والصيدلةوقد ساعدت التقنية الحديثة على التواصل بين الدارسين والجامعة، كما ساعدت على إيصال المواد العلمية للدارسين وبالإضافة  إلى استغلال عطلات نهاية الأسبوع والإجازات  الصيفية في التدريب العملي في المصانع والشركات والمعاملكل ذلك يتم بدون أن يضطر الدارس إلى ترك عملهوتمنح الجامعات المفتوحة درجات البكالوريس والدبلوم والماجستير، كما تمنح شهادات التدريب المستمر، والقليل منها يمنح شهادة الدكتوراه ويشترط في ذلك أن يكون هناك مشرف لكل دارس. (السباعي، 1998،    ص 3).
ولم يكن العالم العربي بمنأى عن مشهد الاهتمام بالتعليم عن بعد، حيث انطلقت هذه الاهتمامات منذ السبعينات، وبقيادة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي بذلت مجهودات وأنشطة متعددة تمخضت عن تبلور أفكار جادة في عدد من الدول العربية لإرساء أنظمة للتعليم المفتوح على هيئة جامعات مفتوحة تارة وعلى هيئة برامج للتعليم عن بعد ملحقة ببعض الجامعات أو ما يطلق عليه اصطلاحا منحى الأنظمة المزدوجة         (Dual Systems Approachتارة أخرىوتأثراً بمساعي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي بدأتها منذ عام 1976. قام مكتب التربية العربي لدول الخليج في أواخر الثمانينات بمحاولة جادة لإنشاء جامعة عربية خليجية مفتوحة إلا أن الظروف لم تمكن من انطلاقة هذه الجامعة رغم أن الاحتياجات التي تبرر قيام هذه الجامعة لا زالت ماثلة حتى اليوم.         (Al Sunbul, 2002, pp 65-68)

ولعل أهم تجارب التعليم عن بعد في الوطن العربي، جامعة القدس المفتوحة، ومركز التعليم المفتوح بجامعة القاهرة، والمعهد العالي للتربية والتكوين المستمر بتونس، وجامعة السودان المفتوحة، والجامعة الجزائرية للتكوين المتواصل، والجامعة المفتوحة في ليبيا، ومشروع الجامعة العربية المفتوحة المزمع انطلاقها في أكتوبر من عام 2002، وجامعة آل لوتاه الإلكترونيةوتوجد خطط متقدمة في كل من تونس ولبنان والمغرب ومصر والأردن لإطلاق جامعات مفتوحة، وهناك قرارات رسمية بذلكهذه التجارب هي نواة التعليم عن بعد في العالم العربي، وهي تجارب رائدة لها ما لها وعليها ما عليها.

وباستثناء الجامعتين الأخيرتين اللتين لم تنطلقا بعد، فإن التجارب العربية في ميدان الجامعة المفتوحة لا زالت تقليدية بشكل عام في مناهجها وطرائق التدريب فيها، وتعتمد على المواد المطبوعة، وتنتهج بشكل أو بآخر فلسفة لا تبتعد كثيرا عن فلسفة التعليم العاموهي بالتالي بحاجة ماسة إلى مراجعة مستمرة وتقويم دوري للارتقاء بعطاءاتها وجودتها، ولتتطابق مع موجهات فلسفة التعلم عن بعد واحتياجات المرحلة الراهنةوتبين دراسة علمية ميدانية أن الجامعات العربية المفتوحة تدرس اختصاصات علمية متعددة أهمها العلوم الاقتصادية، والزارعة، والهندسة،وعلوم الحاسوب، والعلوم الإنسانية، والتربية، والرياضيات، والشريعة والتنمية الاجتماعية والأسرية، والعلوم الطبيعية. (نشوان،1998، ص 41  46).

              وبطبيعة الحال، نمت هذه الجامعات وتطورت نتيجة لاعتبارات ومبررات جغرافية، وسياسية، واجتماعية وثقافية ونفسية يعتبر الحديث حولها من الحديث المكرر ولا يتسع المقام للدخول في تفاصيلهويمكن القول بأن تجارب التعليم عن بعد في الدول العربية هي تجارب فتية تحتاج إلى المزيد من الدعم ووضعها ضمن الأولويات لتستطيع الإسهام في عملية التنميةكما أن هذه التجارب مطالبة بتطوير نفسها وبربط برامجها بخطط التنمية والعمل على التعاون والتكامل مع مؤسسات التعليم النظامية وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة التي تؤهلها للوصول إلى المتعلمين أينما وجدوا وحيثما رغبوا في التعلمفالتعليم عن بعد سيكون هو تعليم المستقبل، وهو النظام القادر على مواجهة تغييراته المختلفة لما يتمتع به من مرونة وقدرة على تلك المواجهة. (الصايدي، 2001، ص 26).
ومن المتوقع أن تشهد العقود القادمة طفرة في نظم  التعليم وأساليبه وأهدافهوسوف يكون الاتجاه العالمي نحو التعليم الذاتي، والتعليم عن بعد، والتدريب على رأس العمل، والتعليم التعاوني وإنشاء كليات ومدارس بدون جدران.وكلها تنضوي تحت مفهوم التعليم المفتوح الذي يعد للدارس قدرا كافيا من الحرية في اختيار المكان والزمان للتعليم تحت إشرافهوسوف يسهم في بلورة هذا الاتجاه ثلاثة أمور هي ازدياد الوعي بالحاجة إلى التعليم والتدريب المستمرين، وعدم قدرة الجامعات والمعاهد على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب وتوفر التقنية الحديثة خاصة في مجالي البث الفضائي والكمبيوتر. (السباعي، 1998، ص 3).
إن الأسباب والمبررات التي حدت ببعض الدول العربية لتبني قيام مؤسسات وجامعات للتعليم المفتوح والتعليم عن بعد، تتقاطع إلى حد كبير مع المبررات والدواعي التي يمكن أن ترصد وتساق للتدليل على احتياج المملكة العربية السعودية لهذا النمط من التعلموسوف نناقش هذه الأسباب والدواعي بنوع من التفصيل المدعم بالإحصائيات الرسمية في الأجزاء اللاحقة من الدراسةوفي إطار الجهد المبذول لتقصي التطور التاريخي للتعليم في المملكة وفي فهم الواقع واشكالياته وتحدياته، يسعى الباحث إلى التنبؤ ببعض المشاهد(السيناريوهاتالمستقبلية التي قد تعين صناع القرار والمخططين التربويين في استشراف المستقبل وإعداد العدة لمواجهته.

  1. مشكلة الدراسة
بفضل التطورات التقنية وتزايد الطلب الاجتماعي على التعليم، يشهد العالم توسعا مذهلا في استخدامات التعليم عن بعد سواء في مجال التعليم الأكاديمي أو التدريب أو التعليم المستمرولم يكن الوطن العربي بمنأى عن هذه التطورات حيث برزت إلى حيز الوجود العديد من المؤسسات التدريبية والجامعات المفتوحة التي توظف تقنيات التعليم عن بعد وأساليبه في تقديم برامجها ومساقاتهاويلاحظ أن هذا التوجه في تزايد مستمر على المستويين العربي والدولي.
وللمملكة العربية السعودية تجربة ممتدة في هذا الميدان متمثلة في برامج الانتساب التي تقدمها بعض الجامعات والرئاسة العامة لتعليم البناتوفي يقين الباحث أن هذه البرامج رغم أهميتها، فهي بحاجة ماسة إلى تحديث وتطوير لتواكب التغييرات المتزايدة في ميدان التعليم عن بعد خاصة ما يتعلق بتوظيف التقنية في التعلموالدراسة الحالية محاولة لرسم سيناريوهات مستقبلية لما يمكن أن تكون عليه وضعية التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية.

  1. أسئلة الدراسة
تهدف الدراسة للإجابة على السؤال الرئيس التالي : " ما هي السيناريوهات المستقبلية المحتملة للتعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية ؟ "
وللإجابة على هذا السؤال الرئيسي، تتوجب الإجابة على عدد من الأسئلة الفرعية ذات الارتباط بماضي وحاضر التعليم في المملكة تمهيدا لرسم وصياغة السيناريوهات المستقبليةوهذه الأسئلة الفرعية على النحو التالي :
-         س 1 : ما هي طبيعة المشهد العالمي للتعليم عن بعد ؟
-         س 2 : كيف تطور التعليم في المملكة منذ توحيدها، وما هي أهم الإنجازات والتجديدات والتحديات في هذا الميدان ؟
-         س 3 : ما طبيعة التحولات العالمية الكبرى ذات المضامين الواضحة لميدان التعليم عن بعد؟
-         س 4 : ما هي التغييرات والتحولات الواقعة في نسيج المجتمع السعودي ومضامينها لميدان التعليم عن بعد ؟
-         س 5 : ما هي طبيعة المشهد الحالي لبرامج التعليم عن بعد (الانتسابفي المملكة العربية السعودية ؟
-         س 6 : ما هي المحاور الأساسية التي ينبغي الالتفات إليها لترسية نظام مستقبلي واعد للتعليم عن بعد في المملكة ؟
-         س 7 : ما هي الاعتبارات الأساسية الواجب الأخذ بها لضبط الجودة النوعية للتعليم عن بعد في المملكة ؟

  1. أهمية الدراسة
تكتسب الدراسة أهميتها من أهمية الموضوع المثار نفسه، إذ أن التعليم عن بعد أصبح ينظر إليه اليوم كخيار استراتيجي للأمة العربية ومحور أساسي من محاور تطور مشروعها التربوي (السنبل، 2002، ص21-22). كما أن هذه الدراسة تعد الدراسة الأولى من هذا النوع على مستوى الوطن العربي، إذ لم يسبق أن تناول أي باحث مسألة استشراف مستقبل التعليم عن بعديضاف إلى هاتين المسألتين مسألة إثارة الوعي لدى المسؤولين وصناع القرار بأهمية الانتباه إلى هذه القضية وإيلائها ما تستحقه من عناية واهتمامكما أن الدراسة تسد ثغرة في المكتبة العربية من خلال التطرق إلى موضوع متخصص يعد من موضوعات الساعة.

  1. منهجية الدراسة
الدراسة الحالية دراسة وصفية تحليلية استشرافية تعتمد على منهج الاستشراف القائم على استقراء الماضي وخصوصياته وفهم الحاضر ومعطياته من أجل التنبؤ بما يمكن أن تكون عليه المشاهد المستقبلية للظاهرة المدروسة.وتعتمد الدراسات الاستشرافية على مؤشرات كمية وكيفية ترتبط بالأوضاع السكانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والثقافية ودراسة العلاقات بينها مما يمكن من بناء فرضيات وتنبؤات للمستقبل (نصار، 1996، ص 10-35). وتمازج منهجية هذه الدراسة بين المقاربات الفنية والسياسة في محاولاتها للتنبؤ بالمستقبلوتتضمن الأجزاء اللاحقة شروحات وتفصيلات موسعة حول منهجية استشراف العمل التربوي. (البصام، 1997، ص237  247).
وتستمد الدراسة مادتها الأساسية من مصدرين أساسيين أولهما المراجع العلمية المتخصصة في هذا المجال، وثانيهما خبرة الباحث وعلاقته الوثيقة مع مؤسسات التعليم عن بعد والجامعات المفتوحة في الوطن العربي خاصة أنه ساهم في بلورة وتأسيس العديد من الجامعات والشبكات العربية المهتمة بالتعلم عن بعد، إضافة إلى مسئوليته كممثل للمجلس العالمي للتعليم عن بعد في الوطن العربي وما يعنيه كل ذلك من إدراك ومتابعة دقيقة لحركة التعليم عن بعد على امتداد الوطن العربي.
وتنقسم الدراسة إلى ستة أجزاء رئيسية، اشتمل الجزء الأول منها على المقدمة ومشكلة الدراسة وأسئلتها وأهميتها ومنهجيتها وتعريف مصطلحاتها، وحدودها، ويشتمل الجزء الثاني على السياق التاريخي للتعليم في المملكة.ويناقش الجزء الثالث التحولات العالمية الكبرى ومضامينها لحركة التعليم عن بعد، في حين يناقش الجزء الرابع التحولات الكبرى في المجتمع السعودي ومضامينها لمسألة التعليم عن بعدوالجزء الخامس في الدراسة يناقش الوضعية الحالية لبرامج التعليم عن بعد (الانتسابفي المملكة والاتجاه الذي ينبغي أن يتغير في ضوءهواهتم الجزء السادس من هذه الدراسة برسم عدد من السيناريوهات المستقبلية للتعليم عن بعد والتأكيد على دور ضبط الجودة كعامل حاسم للمحافظة على مستقبل مشرق للتعليم عن بعدواختتمت الدراسة بالخاتمة والتوصيات.

  1. مصطلحات الدراسة
الاستشراف جهد فكري علمي متعمق مبني على مؤشرات كمية و/أو نوعية منتقاة حسب طبيعة مجال الدراسة، يقصد منه التنبؤ بمستقبل ظاهرة معينة من خلال طرح احتمالات وبدائل تتفاوت في درجة إمكانية وقوع أي منها.
المستقبل مشهد ظني افتراضي حصيف يولده التفكير المنهجي حول الزمن الآتي في ضوء مؤشرات كمية ونوعية متوافرة حول ظاهرة أو مسألة معينةويتشكل المستقبل في هيئة بدائل وخيارات تتفاوت في درجة إمكانية وقوعها.ويؤثر النظام القيمي الثقافي السائد والاتجاه الفكري للباحث أو كليهما معا، بشكل مقصود أو غير مقصود على آلية تشكل السيناريوهات (المشاهدالمستقبلية.
التعليم عن بعد تعليم جماهيري ذاتي مرن لا يستلزم الحضور التقليدي إلى المؤسسات التعليمية ولا يخضع لإشراف مستمر من قبل المعلمينويستخدم لتنفيذه طرائق وتقنيات تعليمية متعددة تمازج بين المواد المطبوعة، والأشرطة السمعية البصرية، والبرامج المتلفزة، والبث الإلكتروني، واللقاءات العارضة المحددة خاصة في المواد العلمية والتطبيقيةويمكن  توظيف أساليب وتقنيات برامج التعليم عن بعد في جميع المستويات الدراسية، وبرامج التدريب أثناء الخدمة، ومحو الأمية، والتثقيف الاجتماعي.

  1. حدود الدراسة السقف الزمني المحدد للدراسة الاستشرافية الحالية لا يتجاوز العقود الثلاثة الأولى من الألفية الثالثة.

أولا منهجية صناعة الرؤية المستقبلية
إن مسألة فهم المستقبل وكنهه وطبيعته أمر قديم قدم الإنسان ذاتهفهذا الشوق إلى اكتناه الآتي لازم الإنسان عبر الدهور وتجسد لديه بأشكال وآمال مختلفةوطالما لجأ الإنسان إلى التنجيم والسحر والخرافات واستخدام الطلاسم وغيرها من الأدوات والأساليب لاستطلاع معالم الغيب، ودون جدوى، سوى زيادة أوهامه ومخاوفه وقيوده . (السليطي والصيداوي،   1417 هـ، ص 2).
وعبر التاريخ، حاول علماء ومفكرون استشراف المستقبل من خلال طرح بعض  الرؤى والتصورات المستقبلية المبنية على اعتبارات منطقية واستنتاجات تحليلية تولدت لديهم، نذكر منها على سبيل المثال، رؤية الجمهورية الفاضلة التي ذكرها أفلاطون في جمهوريته، والفارابي في مدينته الفاضلة، ومالتوس في نظريته المتشائمة لمستقبل البشرية، وأبي بكر بن طفيل في رسالته حي بن يقظان، وفوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخخيال هؤلاء ورغبتهم في استكناه المستقبل ولد هذه الرؤى والتصورات المستقبلية التي جادت بها مخيلتهم.
وانتشرت خلال العقود الثلاثة الماضية الدراسات المستقبلية وتضاعف الاهتمام بها إبان تقارب العد التنازلي لولوج البشرية إلى الألفية الثالثة التي لم يمض منها سوى سنتين حتى الآنومع كل هذا الانتشار الذي حدث، فقد ظل متركزا في أمريكا وأوروبا، وانتقل إلى بعض الدول الأخرى كالاتحاد السوفييتي سابقا واليابان وغيرهما بينما انحسر هذا المد من دراسات المستقبل عن المنطقة العربية ومعظم الدول الناميةولم تظهر العناية بهذا النوع من الدراسات في هذه المناطق إلا  في السنوات الأخيرةكما ظل كثير من هذه الدراسات جزئيا وغير قادر على تحقيق الطموحات التي كانت معلقة عليه. (سعيد، 1996).
وفي هذا الصدد يؤكد محمد نبيل نوفل أن كثيرا من المشكلات التي نعاني منها اليوم في العالم العربي وخارجه، هي في الأغلب نتيجة لقصر النظرة المستقبلية في الماضي، أو لأننا تجاهلنا النذر التي حاولت أن تنبهنا إلى ما نوشك أن نقع فيه الانفجار السكاني، تلوث البيئة، نفاذ الموارد، القضاء على بعض أنواع الحياة، إلى غير ذلكومن المؤسف أننا قد تجاوزنا في بعض المجالات نقطة اللاعودةوأن الوقت أو مجال الحركة في مجالات أخرى، قد أصبح من القصر أو الضيق بحيث يتعذر الإصلاح. (نوفل، 1998، ص 182).
وانطلاقا من أهمية الدراسات المستقبلية في حياة  الشعوب، فلقد اهتمت المنظمات الدولية بهذه المسألة وأقامت من أجلها العديد من المنتديات واللقاءات الفكرية لبلورة رؤية واضحة للمستقبل وما ينبغي عمله من إجراءات لمواجهته بكل تصوراته وتحدياتهولعل اليونسكو من أهم المنظمات الدولية التي اهتمت بهذه المسألة، وأهم ما صدر عنها في هذا الشأن، تقرير كل من ادغار فور الموسوم بـ تعلم لتكون الصادر عام 1972، وتقرير جاك ديلور وزملاؤه الموسوم بـ التعلم الكنز المكنون الذي صدر عام 1996. أما في نطاق الوطن العربي، فأهم مشروعات رصد مستقبل التربية والتعليم قام بها كل من منتدى الفكر العربي 1997، ومكتب التربية العربي لدول الخليج1998، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 2000. وجميع هذه التصورات والرؤى بنيت على دراسات متعمقة وجادة قام بها خبراء وعلماء لهم مكانتهم العلمية في أوطانهموتعد مسألة توظيف التقانة في التعليم والتعلم واستخدام بدائل جديدة لتمويل التعليم، واستخدام تقنيات التعلم عن بعد، والتعليم المفتوح من الرؤى المؤكد عليها بشدة في ثنايا هذه التقارير.
ودراسة المستقبل التي نحن بصدد  الحديث عنها، ليست رجما بالغيب أو ادعاء بالتنبؤ لأنها تقوم في الأساس على منطق الاحتمالات وأسلوب البدائل، وبذلك تنفي عنها صفة المعرفة الحتمية المطلقةفاستشراف المستقبل ليس تجاوزا لقدرات الإنسان أو اعتداء على حرمات الدين، بل نحن مأمورون بالعمل من أجل المستقبل الذي لا نتبينه ونظنه بعيدا عنا، ذلك هو اليوم الآخروهذا بالقياس والاستنتاج يقودنا إلى ضرورة العمل من أجل المستقبل القريب الذي نتبين ملامحه. (الرشيد، 1408 هـ).
ودراسة المستقبل ليست ولا ينبغي أن تكون مجرد رياضة عقلية بل هي علم عملي يهدف إلى تيسير عملية صناعة المستقبل، وتجسيد الآمال والأحلام، وتجنب المشكلات والمخاطر والكوارث التي تهدد المجتمعات، بل والإنسانية جمعاء، كما يهدف من جانب إلى مساعدة صانع القرار على تخطيط سياسات رشيدة وتنفيذها، كما يعمل من جانب آخر على تحديد غايات تكافح الجماهير من أجل بلوغها، وبلورة آمال تعمل على الوصول إليهاإن الهدف النهائي لمحاولة استشراف المستقبل هو التمكن من السيطرة عليه وصناعة مستقبل أفضل يعيش فيه الإنسان. (نوفل، 1998،  ص 182).
وتهتم الدراسات الاستشرافية بدراسة الأوضاع والتغييرات السكانية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التعليمية والثقافية بغية تحليلها من خلال مؤشرات كمية وكيفية متعارف عليها تسهل مسألة قياسها وتقويمها، الأمر الذي يمكن بالتالي من دراسة العلاقات المتبادلة بين هذه المتغيرات، مما يمكن من بناء وصياغة مجموعة فرضيات، وتنبؤات، ومشاهد وبدائل لملامح المستقبل في الميدان قيد الدرس. (Barbieri, 1993, & Hass, 1986)
وتعنى دراسات المستقبل بالبحث في بدائله للأجل الطويل، مستهدفة خلق الوعي حول تحديات المستقبل وثمن الاختيار بين البدائل اجتماعيا، ولذلك لعبت دورا غاية في الأهمية، منذ بداية السبعينيات وحتى الآن، في تطوير الفكر النظري والإيديولوجي، وفهم تشابك الحياة ومحدداتها، وفي صياغة الغايات والأهدافولا شك أن ما يستشرف من بدائل (سيناريوهاتيمكن أن يتراوح ما بين امتداد  ظروف قائمة (انطلاقا من افتراضات بعينهاإلى أخرى غارقة في المثالية أو الخيالولكن  الواضح من الخبرة التاريخية أهمية تصور كل تلك البدائل وحسابها والمقارنة بينها في خلق الوعي حول الحاضر والإبداع لأجل المستقبلوكثير من دوافع التغيير وآلياته يتمثل في وقت من الأوقات في خيالات نبنيها في أذهاننا ثم نبدأ العمل نحوها، وتعديلها عبر الوقت أو تعديل الواقع ليتواءم مع تلك التصورات. (نصار، 1997،   ص 19).
فالمستقبليون يهدفون من دراسة المستقبل إلى اكتشافه واختراعه وفحصه وتقويمه، فضلا عن اقتراحهم لمستقبلات ممكنة ومحتملة ومفضلةإنهم يسعون إلى معرفة ماذا يمكن أن يكون، وماذا قد يكون، وماذا يجب أن يكون.إنهم يحاولون أن يجعلوا عمليات اتخاذ القرارات، واختيار أهداف السياسات والتخطيط للعمل الاجتماعي أكثر فطنة وفعالية، بتقديمهم تفكيرا مستقبليا حول المستقبلات البديلة. (Bell, 1993, p333).
وللدراسات الاستشرافية المستقبلية مناهج وأساليب متعددة تطورت خلال العقود الثلاثة الماضية حتى أصبح استشراف المستقبل علما قائما بذاتههذا العلم يعتمد في أساليبه على منهج الدراسات البينية (Interdisciplinary Approachesحيث يستفيد من التطورات المتسارعة في ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية والديموغرافية والبيئية ومعطيات علم الحاسوب والأساليب الإحصائية الكمية والكيفية، إذ أن معطيات هذه العلوم وتوجهاتها ونظرياتها ذات أهمية قصوى للعاملين في ميدان الاستشراف المستقبلي.
ويعتمد المفهوم الشامل للدراسات الاستشرافية على أساليب مناهج متنوعة تجمع بين الحدسية (Intuitiveوالايكنومترية والاستكشافية والاستهدافية وتمزج ما بين اتباع الأساليب العلمية والركون إلى عامل الخبرة والتجربة والبداهة (نصار، 1997، ص 21).فتحديد المنهج الذي يحكم الدراسات الاستشرافية يتأثر إلى حد كبير بالنظريات والمعلومات المتوافرة للباحث، فمتى قلت المعلومات المرتبطة بالظاهرة قيد الدرس، كلما قربت هذه المناهج من الحدسية والشخصانية، وكلما توافرت المعلومات والنظريات، كلما تعقدت أساليب ومنهج البحث، ومالت إلى الأساليب السببية والاستهدافية.
وتنطلق الدراسات الاستشرافية من أربع فرضيات أساسية هي على النحو التالي :
  1.            إن المستقبل يتشكل في إطار العلاقة بين منظومة من المتغيرات التاريخية والحقائق الطبيعية لمعطيات الحاضر من جهة، وبعض المؤثرات غير المتوقعة من جهة ثانية، واختيارات البشر (Human Choiceمن جهة ثالثة، وأن العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة تختلف تبعا للاستعداد والعمل المبكر في استشراف المستقبل وطبيعة الاختيارات التي تمت من قبل المجتمع.
  2.            يوجد في أي فترة زمنية مدى واسع من البدائل المستقبلية التي يمكن أن تتحقق، وفي هذا الإطار فإن المتغيرات التاريخية والحقائق الطبيعية تحدد مدى المستقبل لكن المؤثرات غير المتوقعة، والاختيار  الإنساني لمسارات المستقبل هما اللذان يحددان الشكل النهائي للمستقبل.
  3.            أن الاختيار الواعي لا يتم إلا من خلال التعرف على جميع البدائل المحتملة والنتائج الممكنة من اختيار كل بديل.
  4.            إن الغرض من الدراسات الاستشرافية ليس التنبؤ بالمستقبل، ولكن لتبصيرنا بجملة البدائل المتوقعة التي تعين على الاختيار البشري الواعي لمستقبل أفضل. (الصايغ، 1999، ص 10).
ويتضمن المنهج الاستشرافي ثلاثة مراحل أساسية تتداخل فيما    بينها أولها رصد الاتجاهات والمؤشرات، وتعني هذه المرحلة بعض الاتجاهات الحاضرة والماضية والتي قد توضح لنا بعض الأدلة المستقبلية عن عناصر الظاهرة أو المجال محل الدراسةوتتسم المرحلة الثانية، مرحلة التوقع المستقبلي، بالانطلاق في رصد هذه المؤشرات وإيجاد العلاقات الثنائية أو المتعددة فيما بينها، وربطها بالمتغيرات والتحديات المحيطة بها إلى الخروج ببعض التوقعات المستقبلية  المبنية على الخلفية العلمية والخبرة المتميزةوتمثل المرحلة الثالثة مرحلة الوصول إلى البدائل المستقبلية غاية الدراسات الاستشرافية حيث ينتهي الأمر بتجميع المؤشرات والتوقعات المستقبلية وتحليلها وفحصها وتمحيصها من أجل الوصول إلى عدد من البدائل أو المشاهد المستقبلية. (الصايغ، 1999، ص 10  12).
ويميز دارم البصام بين أربعة تصنيفات (Taxonomyلبناء مشاهد استشراف الإصلاح التربويوهذه المجاميع أو المستويات الأربعة هي المستوى التقني الوحدي/الجزئي (Micro-Technical)، والمستوى التقني الكلي (Macro-Technical)، والمستوى السياسي الوحدي/الجزئي (Micro-Political)، والمستوى السياسي الكلي (Macro-Political) (البصام، 1997، ص 237  247). فطبيعة التوجه في مستوى الطرح والتحليل بين ما هو فني وما هو سياسي تحدد المستوى أو الصنف الذي تتم فيه مسألة  الاستشراف.
فيندرج المستوى الأول ضمن ما يسمى بمشهد الحد الأدنى الذي يهتم بالمقاربات الوظيفية الفنية ويهتم بالتغيرات التي لا تستلزم الابتعاد عن طبيعة الممارسات والتنظيمات القائمة، أي أن التوجه فني بحتفي حين نرى أن التوجه في المستوى السياسي الكلي يتضمن مشاهد تدعو إلى الإصلاحات الجذرية في اتساق  الظاهرة المدروسة، وإجراء تعديلات جوهرية وإجراء تحويرات كبرى في نسيج الظاهرة المدروسة دون تحرزات أو مخاوف سياسيةوالتحليل على المستوى السياسي الكلي هو ما تقوم به مراكز الدراسات الاستراتيجية التابعة للدول ويغلب على هذا النوع من الدراسات طابع السرية لأن الشفافية تكون في قمة درجاتها الأمر الذي قد لا يسمح بنشرها على نطاق واسع خاصة في المجتمعات النامية التي لا تود مناقشة المسائل الاستراتيجية الكبرى بشكل علني وموسع.
إن  العالم أو الباحث في مجال المستقبليات أو غيره من العلوم، ينبغي أن يكون موضوعيا ومحايدا في توجهاته بحيث لا يسقط أهواءه ورغباته وتوجهاته ويجعلها المسيَر لمنهجية البحث وفرضياته أو طرائقه، ولكن الانسلاخ التام المطلق عن التوجه والهوى قد يكون صعب المنال شئنا أم أبينافالاعتبارات الشخصانية والإيديولوجية قد تلقي بظلالها على مسيرة البحث وتوجهاتهفالبحث في المستقبليات قد تحكمه ثلاثة توجهات رئيسة أولها التوجه المتفائل الذي يرى أن ما وصلت إليه البشرية من تعقيد وتطور في مجال العلوم والتقانة كفيل دائما بوجود الحلول للإشكاليات القائمة، بمعنى أن البشرية قادرة، من منظور التنازل، على تجاوز إشكالياتها وتحدياتهافالمستقبل إذن، دائما يبشر بالخير، فبالأمل والعمل تصل المجتمعات إلى مبتغاها بصورة حتمية.
وعلى النقيض من الاتجاه المتفائل، يرى أنصار التوجه الثاني (المتشائمونأن إشكاليات المجتمعات الإنسانية قد تعقدت إلى درجة تفوق أية قدرة علمية أو خيالية على علاجهاوالمستقبل في منظورهم لا يحمل إلا مضاعفات من التحديات والصعوباتفاليوم بالنسبة لهم لا محالة ارحم من المستقبل وأقل تعقيدا من المستقبلهذه النظرة التشاؤمية لا تشكل إلا مشاهد وبدائل متشائمة للمستقبل وتشكلاته.
الاتجاه الثالث هو (العيش في كنف الماضيأو الحنين إلى الماضي ويسمى (مرض الحنين إلى الماضيوأنصاره لا يرون خيرا في الحاضر وشعارهم ما أحلى الماضي وما أحلى أيامه، بل ووسائله كذلك ". وهذا الاتجاه يرى في الماضي النموذج الأمثل للمستقبلإنه يسقط المستقبل إسقاطا خلفيا على الماضي، ويرى أن الحاضر عصر انحطاط بلا أمل، ومصيره مؤسفويتمنى أصحاب هذا الاتجاه أن يتجسد الماضي ويصبح مستقبل الأجيال القادمةولا شك أن هذه الاتجاهات الثلاثة اتجاهات سالبة وضارة في الوقت نفسهويقترح هاورد أن نأخذ بالاتجاه القائم على التفاؤل المنضبط في النظر إلى المستقبل، في مواجهة هذه  الاتجاهات السابقة، لمعقوليته وجدواه، وفعاليته ولأنه يثير فينا الدوافع لمواجهة التحديات أو المشكلات التي تواجه البشريةويستند هذا التفاؤل المنضبط إلى فرضية مفادها أنه بالمعرفة، والحكمة والنوايا الطيبة والعزم، والتصميم، يمكننا نحن البشر، أن نصنع مستقبلا مرغوبا فيه يحفظ للإنسان بيئته وللمجتمعات استمراريتها. (الرشيد، 1999، ص 11  12).
وهذا التوجه يحافظ على الوسطية في السلوك والتوجه والرؤى، حيث لا يدعو إلى ترك الماضي وشأنه تركا كليا ولا يدعو إلى التمسك بالماضي بحذافيره دونما تطوير يذكر خلال فهم الواقع وما يحمله من تنبؤات بالمستقبل.فالواقع يشهد بأن القطيعة الكاملة مع  الماضي تكاد تكون مستحيلة، كما أنها محاولة تحمل في ثناياها كثيرا من الأخطار، ولا سيما على صعيد الاستلاب والاغتراب والضياع. (السليطي والصيداوي،     1417 هـ، ص 4).

ثانيا خلفية الدراسة وسياقها التاريخي
لقد دخل الملك عبد العزيز الرياض في شوال 1319 هـ (1901) ولم يكن يوجد فيها من قنوات التعليم الحديثة شيء باستثناء مسجد عتيق في القدم يوظف كمدرسة للتثقيف الديني وإعداد الأئمة والخطباء والقضاة (دهيش، 1408 هـ، ص 25). أما المدارس بمفهومها الحديث، فكانت معدومة، ولم يكن هناك إلا المدارس القديمة التي اصطلح على تسميتها بالكتاب، ولم يكن للإحصاء دور مهم في ذلك الزمان، ومن ثم فلم ترد المصادر عدد الدارسين. (البدر، 1999، ص 7).
ومنذ اللحظة الأولى لتوحيد الحجاز ونجد، التفت الملك عبد العزيز جديا إلى مسألة التربية والتعليمفجاءت عناية الدولة بالتعليم ترجمة عملية لدعوة الإسلام إلى البشرية جمعاء الرامية إلى جعل التعليم وسيلة بناء الأرض وإعمارها ونبراسا مضيئا يضيء لها الطريق إلى الاستخلاف الأمثل للإنسان على هذه الأرضفكان الاجتماع التعليمي الأول في تاريخ العهد السعودي المعاصر الذي تبناه الملك عبد العزيز في جمادى الأولى من عام 1242 هـ (1922) ودعا إليه العلماء في مكة المكرمة منطلقا أساسيا لنشر العلم والتعليم. (السلوم، 1985، ص 12).
وبانتهاء عام 1372 هـ (1953)، أي قبيل انتقال الملك الموحد إلى جوار ربه بعام واحد فقط، كان يوجد في مختلف مناطق المملكة 226 مدرسة ابتدائية، أما المدارس لما فوق الابتدائية فقد كان عددها ثمان مدارس فقط بما فيها دار التوحيد بالطائف والمعهد العلمي السعودي بمكةأما مرحلة ما فوق الثانوية، فقد كانت هناك كلية الشريعة وكانت تضم 55 طالبا، وكلية المعلمين وتضمن آنذاك 35 طالبا، أي أن عدد طلاب ما دون المرحلة الجامعية بلغ 4199 طالبا إذا ما أضفنا إليهم طلاب ثلاث مدارس ليلية آنذاك، بلغ عددطلابها 302 طالباً.  والجدير بالذكر أن قنوات تعليم البنات لم تكن متوافرة إلا من خلال الكتاتيب والتي لا توجد إحصائيات حولها. (البدر، 1999، ص 9).

ويعد تشكيل الملك عبد العزيز يرحمه الله لمجلس المعارف في عام 1346 هـ نقلة نوعية للشروع في بناء نظام تربوي يناسب الدولة العصرية الكامنة في ذهن الملك المؤسس، ووضع لهذه المديرية إطارا وأهدافا محددة أولها توحيد التعليم، وثانيها جعل التعليم الابتدائي إجباريا، وثالثها كونه مجانيا، هذا في وقت كانت فيه ميزانية الدولة محدودة للغاية (المعارف، 1406 هـ، ص 30). ولكن هذا أمر لابد منه لترجمة المشروع التربوي إلى واقع حقيقي.
وشاءت إرادة الله ألا يشهد الملك المؤسس انعقاد المجلس الأول لمجلس الوزراء عقب تأسيس وزارة المعارف التي تحولت إلى وزارة عوضا عن مديرية في عام 1373 هـ وذلك في عهد الملك سعود بن عبد العزيز يرحمه الله الذي عين على رأسها الأمير فهد بن عبد العزيز ليشهد المشروع التربوي للملك المؤسس، مدخلا للتنمية، والتطوير، ووسيلة لتقليص الفجوة بين المملكة العربية السعودية وغيرها من بلدان العالم المتقدم. (الرشيد، 1419 هـ، ص 25).
وتولى الوزير الشاب الأمانة بجهد الشباب، وعزم القادة المؤمنين برؤاهم، وسلطة الوزير الواعي، الذي يمنح المسؤولية قبل المساءلة : " فكل موظف في وزارة المعارف هو الوزير لها،وعليه مسؤولية الوزير في حدود عمله، واختصاصاته، لذا يجب أن يعمل كل بقدر طاقته، وأن يخلص لهذا الجيل الصاعد من أبناء وطنه ". وبهذه الروح كان يعمل الوزير وبهذه الروح قابل المشكلات ووجه الإمكانات نحو الغايات، ساعده في ذلك أن الطريق كان واضح المعالم، فانطلق يبني ويطور، ويتابع المسيرة بلا قيد روتيني    أو خوف من الإخفاق فأنجز في سنين محدودة ما كان يتطلب إنجازه عدة عقودوظل المشروع التربوي يحظى برعاية خادم الحرمين الشريفين ووزيراً ووليا للعهد وملكا، مما استحق معه أن يعد بحق الرائد للتعليم في المملكة ومهندسه ومطوره. (الرشيد، 1999، ص 25).
والمستقرئ الواعي للتطور التاريخي للتعليم في المملكة، يدرك أن بداية الاتساع والانتشار الأفقي والرأسي في التعليم قد تنامى بشكل طفرات في المستويين الكمي والنوعي منذ تأسيس وزارة المعارف في عام 1373 هـ والتي أسندت حقيبتها كما ذكرنا آنفا إلى الأمير، آنذاك، فهد بن عبد العزيزولعل أهم الإنجازات التي أنجزتها الوزارة منذ تأسيسها صياغة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية التي اقرها مجلس الوزراء عام 1379 هـ، وافتتاح جامعة الملك سعود في عام 1377 هـ وإنشاء كلية المعلمين بمكة المكرمة ، وإنشاء الرئاسة العامة لتعليم  البنات، والتوسع في افتتاح معاهد ومن ثم كليات إعداد المعلمين والمعلمات في كافة أنحاء المملكةوتعد هذه الإنجازات النوعية الركيزة الأساسية التي ساهمت في بلورة المشروع التربوي السعودي الذي قاد دفته خادم الحرمين الشريفين إبانتوليه مسؤولية الوزارة وتابعها وأولاها جل عنايته عندما تولى الحكم في المملكةويوضح الجدولان التاليان التطور الحاصل في أعداد الطلاب بالتعليم العام (بنين وبناتوأعداد طلبة الجامعات. (الرشيد، 1999، ص 105).

جدول رقم (1)
التعليم العام للبنين بوزارة المعارف والجهات الأخرى
خلال خطط التنمية 89/1390هـ  14/1415هـ حتى عام 1418هـ
المرحلة الثانوية
المرحلة المتوسطة
المرحلة الابتدائية
السنوات
المعلمون
الطلاب
المدارس
المعلمون
الطلاب
المدارس
المعلمون
الطلاب
المدارس

504
14058
110
3292
55890
333
12851
277364
1446
89/1390
1683
31333
156
5668
98659
532
20893
411194
2147
94/1395
3377
64627
343
11239
165107
1027
28841
536891
3718
99/1400
6048
96931
583
16393
235552
1502
47087
720245
4517
404/1405
7978
137979
708
21214
292404
1844
56022
934027
4877
409/1410
12545
210278
10371
31839
431984
2606
75225
1114357
5694
14/1415
19122
299208
1345
38545
516426
2928
84790
1174411
5933
17/1418









جدول رقم (2)

التطور الكمي لأعداد طلبة الجامعات السعودية

من عام 1380 ـ 1416 هـ (1960 ـ 1996)
جامعة
أم القرى
جامعة الملك فيصل
جامعة الملك
فهد
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
جامعة الملك عبد العزيز
الجامعة الإسلامية
جامعة الملك سعود
إجمالي طلبة الجامعات
العام الدراسي
عدد الطلبة
عدد الطلبة
عدد الطلبة
عدد الطلبة
عدد الطلبة
عدد الطلبة
عدد الطلبة
المجموع
إناث
ذكور
-
-
-
536
233
-
45
1309
-
1309
1380/1381
-
-
73
1165
353
277
1215
3083
66
3017
1384/1385
-
-
450
2009
993
591
2899
6942
434
6508
1389/1390
-
-
1475
3370
5761
902
6710
18218
2047
16171
1394/1395
-
1158
2794
5919
19287
2271
13124
44553
9228
35325
1399/1400
12521
3357
3799
11906
19828
3083
25504
79314
19659
59655
1404/1405
15303
4845
4674
13948
36929
2468
32254
110421
36748
73673
1409/1410
16416
2665
5435
23933
35540
2772
31116
121477
41424
80053
1414/1415
18523
8921
6746
36436
38757
3312
42111
155797
45553
110244
1416/1417
  المصدر مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مشروع دراسة الوضع الراهن للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية، 1416/1417هـ (1996 – 1997م).  

والإحصائيات في هذين الجدولين تبرهن بالأرقام التطور الكبير والقفزات الكبيرة التي استطاع أن يحققها التعليم السعودي خاصة عندما نقارنه بمرحلة البدايات حين لم تكن تتجاوز أعداد الدارسين 4199 طالبا ولم يكن تعليم البنات أصلا قد بدأولعل التغييرات في أسعار النفط، وزيادة اهتمام الدولة بمسألة التعليم كعنصر أساسي من عناصر التنمية، إضافة إلى زيادة الوعي الاجتماعي، كل هذه الأمور أسهمت جميعا في تحقيق هذه الطفرات الكمية التي شهدها النظام التعليمي.
وفيما يتعلق بالإحصائيات الواردة في الجدول السابق حول التعليم العالي، فتجدر الإشارة إلى أن التعليم العالي في المملكة العربية السعودية يتضمن كليات ومؤسسات أخرى غير الجامعات ومنها كليات المعلمين التابعة لوزارة المعارف، ويبلغ عددها 18كلية، وكليات البنات التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات ويبلغ عددها 18 كلية متوسطة، بالإضافة إلى 15 كلية جامعة وعدد من المراكز الدراسية. (البنات، 1992، ص 60  65).

يضاف إلى هذه الكليات العديد من برامج التعليم الجامعي الخاصة بالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والهيئة الملكية للجبيل وينبعوالمؤسسات العسكرية والصحية التابعة لوزارة  الصحة وبعض البرامج الخاصة المرتبطة ببعض الوزارات كالخارجية وغيرهاورغم التقدم والإنجازات الكمية التي حققها  التعليم السعودي، إلا أن التعليم السعودي مثله مثل بقية الأنظمة التعليمية العربية والنامية، يعاني من بعض الإشكالات، ربما يكون أهمها مركزية صناعة القرار، وقصور التقنيات الإدارية، وقصور الاهتمام بالبحث العلمي والتقويم  المستمر، وتعدد الإشراف على المؤسسات التعليمية ذات الطبيعة الواحدة، وضعف الكفاءة الداخلية للنظام التربوي، وقصور المواءمة بين خريجي النظام التعليمي واحتياجات السوق، وغلبة الجوانب النظرية في الإعداد حتى في البرامج التقنية والفنية، وضعف برامج التدريب في أثناء الخدمة للعاملين في الحقول التعليمية. (السنبل وآخرون، 1417 هـ).

ومهما يكن من أمر فللمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، قد حققت إنجازات كمية ونوعية متميزة في مجالات التعليم الابتدائي والمتوسطي والثانوي والعالي، وتعليم الكبار والتعليم الفني والتقني ورعاية الموهوبين والمعوقينولقد تزامن هذا التوسع الكبير مع محاولات كثيرة للتجديد والتحديث، بعضها اثبت نجاحا والبعض الآخر لم يبد ميزاته، أو لم تقيم هذه الميزاتومن ذلك تجربة اليوم الدراسي الكامل، والتغذية المدرسية، تجربة المدارس النموذجية التي جربت في الثمانينيات، ثم تجربة التعليم المفرد كما في تجربة مدرسة الفهد بالرياض، ثم تجربة المدارس الثانوية الشاملة، ثم تجربة المدارس المطورة، وكل هذه التجارب تمت في ميدان التعليم العام للذكور. (البدر، 1999، ص 19).
ومعظم هذه التجديدات تمت بطريقة مجزءة وعلى نطاق تجريبي ضيق، ولم تحدث ضمن إطار خطة شمولية للإصلاح، وبعضها ارتبط باهتمامات شخصية لبعض المسؤولين في قمة  الهرم التربويومن بين هذه التجديدات ما اثبت نجاحه واستمر ومن بينها من تجاوزته الأحداث وألغي تماما، كنظام الساعات والمدارس الثانوية الشاملة والمطورة والتغذية المدرسية ونظام  اليوم الكاملولعل افتقاد الجانب التقويمي الحقيقي الجاد لهذه التجارب والتجديدات يعد من أهم جوانب القصور التي أضعفت دور هذه التجديدات، وأدت إلى إلغاء البعض منها نظرا لاعتبارات متعددة لم تكن جميعها بطبيعة الحال موضوعية.
ومن أهم التجديدات التي طبقت في مستوى التعليم العالي، هي مسألة استحداث نظام الدراسة بالانتساب والموجهة إلى الدارسين والدارسات الذين لا تسمح لهم ظروفهم العملية أو الأسرية أو الصحية بالانخراط والدراسة المباشرة في برامج التأهيل الجامعي(Al Homaidy, 1986). ولكل من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والرئاسة العامة لتعليم البنات جهود واضحة في هذا المجال، الأمر الذي أتاح فرصة لكثير من السعوديين والسعوديات الحصول على مؤهلات دارسة عليا مكنتهم من المساهمة نسبياً في سوق العمل وحركة الإنتاج.
ورغم أهمية هذه التجربة التي تعد تجربة من تجارب التعليم عن بعد، إلا أنه لم يتم تقويم عملي لها للوقوف على إيجابياتها وسلبياتها واقتراح آليات تطويرها، خاصة في زمن تتعالى فيه الأصوات منادية بأهمية مسايرة روح العصر والأخذ بمعطياته وتوجهاتهمن هذا المنطلق، أتت هذه الدراسة للحديث عن التعليم عن بعد ومستقبله في المملكة العربية السعودية بغية طرح حوار حضاري مع الجهات المسؤولة عن التعليم في المملكة بخصوص تطوير هذا الميدان ليواكب التجارب العالمية والعربية الرائدة.

ثالثا التحولات العالمية الكبرى ومضامينها لمستقبل التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية
إن أية محاولة جادة لفهم مستقبل التعليم عن بعد لابد أن تنطلق، ضمن اعتبارات أخرى، من خلال دراسة جادة، ومعرفة حقيقية بطبيعة التغيرات والتحولات العالمية الكبرى ذات المضامين الواضحة للمسألة التربوية بشكل عام، والتعليم عن بعد والتربية المستمرة بشكل خاصوفي الواقع أن العولمة بمفهومها الواسع توفر إطارا فكريا محددا لدراسة هذه التغيراتفمصطلح العولمة يعد من أكثر المصطلحات تعبيرا عن طبيعة المرحلة التي يعيشها العالم الآن وأدقها دلالة لفهم هذا التحول الحضاري الذي تمر به الإنسانية قاطبة في بداية الألفية الثالثة.
فلقد أدى تسارع الأحداث السياسية والتطورات العلمية والتقانية والاتصالية والثقافية على الصعيد العالمي في السنوات  القليلة الماضية إلى جعل هذا المصطلح ـ مصطلح العولمة ـ كلمة مفتاحية لا غنى عنها في مقاربة أي ظاهرة من الظواهر التي تسود العالم، وفي تناولها بالدرس والتحليل وبذلك عوضت كليا أو جزئيا كلمات مفتاحية أخرى راجت متعاقبة أو متزامنة في العقود الأخيرة على الصعيد الدولي مثل الحرب الباردة، وصراع الحضارات، وحوار الشمال والجنوب، والنظام العالمي الجديد، وعصر المعلومات، والحداثة.
فالعولمة التي بدأت بتحرير التجارة وإلغاء الحواجز والقيود أمام السلع والخدمات الاقتصادية تمهيدا لإيجاد سوق عالمية، تخترق فيها المنافسة حدود الدول، قد تجاوزت هذا المفهوم الضيق إلى عولمة شاملة لكل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسة على حد سواءولقد صاحب العولمة تزايد وتيرة التقدم العلمي والتقني بمعدلات عالية حتى أن ما انتج من المعلومات الجديدة خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر مما أنتج خلال الألوف الخمسة الماضية. (حداد، 1418 هـ، ص 1).
وقد اتسم الربع الأخير من القرن العشرين بالتطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نتيجة للتقدم المتسارع في علوم الحاسبات وشبكة المعلومات والتكنولوجيا الرقمية (Digital Technologyوسرعة انتشار استخدامات شبكة الإنترنت والبريد الإليكترونيوأدى تطوير سرعة معالجة البيانات بالحاسب ووسائل حفظ المعلومات والوسائط المتعددة وشبكات الاتصال إلى الدخول بسهولة من قاعدة عمل كمبيوتر شخصي إلى منابع المعلومات العظيمة في العالم (اليونسكو، 1997، ص 194). وطالت حدة الاهتمام بهذه التطورات التكنولوجية كافة أصقاع المعمورة وبنسب متفاوتة.
وتعزى ثورة الانفجار المعرفي هذه بشكل كبير إلى الاهتمامات المتزايدة بتكنولوجيا المعلومات وحفظها ومعالجتها، وتزامن مع هذا  التطور في تكنولوجيا المعلومات تطور في ميدان تكنولوجيا الاتصالات والبث التلفزيوني والتراسل الإليكتروني، مما أدى إلى قيام ثقافة دولية جديدة أثرت إلى حد بعيد في أساليب معيشة وتفكير المجتمعات المعاصرة رغم اختلافاتها العقدية والثقافية ومستوياتها  الاقتصادية (Toffler, 1991). هذه التغييرات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال عجلت في ظهور ما يسمى بمجتمع المعلومات أو ما بعد الحداثةوأدت هذه التغيرات المذهلة في تقنيات المعلومات والاتصال والمعرفة البشرية إلى إحداث تحولات جذرية في الاقتصاد العالمي.
وتتمثل التحولات الاقتصادية الكبرى اليوم في تنامي نشاط الشركات متعددة الجنسيات، وحرية المبادلات التجارية وإلغاء الحواجز الجمركية والتخلي عن نزعة الحمائية التجارية بمقتضى اتفاقيات القات "، وإنشاء منظمة التجارة العالمية وترسيخ إيديولوجيا اقتصاد السوق والاتجاه أكثر فأكثر نحو خصخصة المؤسسات الحكومية الصناعية والخدماتية، وتدخل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في التوجهات المالية والاقتصادية للدول، وتنامي ظاهرة الشراكة فيما بين الدول من جهة، والتكتلات الاقتصادية من جهة أخرى أو فيما بين التكتلات نفسها. (Miller, 1995, p30)
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن أبرز التحولات المرتبطة بالعولمة هو تحول الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد قائم على العلم والمعرفة، والمعلومات، والثقافة، والذكاء البشري، والخدمات أكثر من اعتماده على الصناعات الخفيفة أو الثقيلة أو التحويلية، وبذلك تضاءلت أهمية الاقتصادات التقليدية، واختفت كثير من الوظائف القائمة على الجهد العضلي والقوة الجسمانية والذكاء المحدود، وحل محلها وظائف تكون التقنية أساسها، والمعلومة محورها، والعلم موجههاهذه التحولات أحدثت هزات كثيرة في مواطن العمل في كثير من أرجاء المعمورة وأحالت كثيرا من القوى العاملة السابقة إلى مقاعد البطالة.
وتشهد المجتمعات الإنسانية اليوم انفجارا سكانيا مذهلا نتيجة لتحسن الظروف الصحية والاقتصادية، والتطور المذهل في ميدان الطب وتقنياته، وارتفاع معدلات طول العمرفلقد زاد سكان كوكبنا من 2.5 بليون نسمة في عام 1951، إلى بلايين نسمة عام1976، ويصل عددهم حاليا إلى بلايين نسمة، ويقدر أن طفل اليوم سوف يعيش في عالم تعداده 12 بليون نسمة عندما يصل إلى سن الستين (عبد الجواد، 1413 هـ، ص 11). ولهذه الزيادات السكانية التي ستطال جميع أجزاء المعمورة انعكاسات اقتصادية كبرى خاصة فيما يتعلق بتقديم الخدمات التربوية والصحية والأمنية والاجتماعية.
ولا شك أن من أبرز مظاهر التغير التي سوف تتسع وتزداد في بدايات القرن القادم، التغير الذي ينال المؤسسات الاجتماعية على اختلاف أشكالها (كالأسرة والزواج ومؤسسات العمل والمؤسسات النقابية والمهنيةوالعلاقات الاجتماعية بالتالي والقيم والأخلاق والإيديولوجيات وسائر أنماط السلوك المادية والمعنوية السائدة في أي مجتمعومن هنا فإن الثقافة بوجه عام، بالمعنى الانتروبولوجي الواسع للكلمة، تتعرض أكثر فأكثر لهزات كبرى وهي عرضة للتآكل والانمحاء، لا سيما بعد انتشار ثقافة العولمة، وسيطرة نمط واحد من الثقافات الطاغية، هو النمط السائد لدى الدول المتقدمة، بل لدى أكثرها تقدما. (عبد الدايم، 1998، ص 105  106).
وفي إطار التحولات السياسية والاقتصادية الكبرى، برزت إلى حيز الوجود مفاهيم وصيغ سياسية مستحدثة تختلف تفسيراتها ودلالاتها حسب مصادر الخطاب وتوجهاتهمن هذه الصيغ مسألة الديموقراطية وحقوق الإنسان والأمن الإنساني والمجتمع المدني، والتعايش، والسلم، وثقافة السلام وغيرها من المفاهيم المتداولة في قاموس اليومكما شهدت الإنسانية في إطار هذه التحولات إشكاليات جمة تأتي في مقدمتها قضية تلوث البيئة، والفقر، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والعنف، وانتشار المخدرات، والإرهاب الدولي، وزيادة حدة الصراعات المسلحة.
هذه التغيرات التي لامست كل بعد من أبعاد المنظومة الحياتية، جعلت المجتمعات الإنسانية تولي عناية أكبر للمسألة التعليمية وترصد لها موازنات ضخمة وتجعلها في أوائل أولوياتها، بحيث ارتقى الملف التربوي إلى مستوى الملفات الساخنة أكثر بكثير من ذي قبلويدل على ذلك بروز الكثير من المبادرات الأمريكية والبريطانية والآسيوية والعربية وغيرها، والداعية إلى تجويد التعليم وتطويره وتحسينه بوصفه القاطرة الأساسية للتطوير والتحديث، والأدوات الأساسية لمواجهة تحديات العولمة       (Dirr, 1987, & Rowntree, 1992).
وفي إطار ما يمكن أن يطلق عليه اصطلاحا أزمة التعليم    العالمية "، برز التمويل، خاصة في مستويات التعليم العالي، كإشكالية حقيقية تواجه دول العالم في توفير هذا الحق للمواطنين، وبرزت صيغ مختلفة للتغلب على هذه الإشكالية، أولها تطبيق مبدأ الشراكة بين القطاع الخاص والعام والمدني وفق ضوابط وشروط متفق بشأنها مع محافظة الدولة على اعتبارات السيادةوثاني هذه الصيغ ما طرحه البنك الدولي بخصوص استرداد التكلفة (Cost Recoveryخاصة في ميادين التعليم والصحة، حيث يعتبر خبراء البنك الدولي أنه في إطار الاقتصاد الحر فإن كل سلعة أو خدمة لابد أن يقابلها مدفوعات تعبر عن القيمة الحقيقية للسلعة أو الخدمةكما اعتبر خبراء البنك، أن كل خدمة تقدمها الحكومة لا يقابلها مدفوعات تغطي تكلفتها هو نوع من الأعباء المكبلة لحركة الاقتصاد وإنفاق لا يقابله موارد، وقد عزوا عجز الموازنات العامة لذلك، واعتبروا أن وجود مثل هذه النفقات العامة يعني وجود جوانب غير نقدية من النشاط الاقتصادي. (نوفل، 1998، ص 20).

وفي ظل التغييرات في النظام العالمي التي تمت بالفعل والتي لا زالت تحدث، فإن تعليم المستقبل سيتخذ مساره في مناخ دولي متغير، تشتد فيه حدة المنافسة في الأسواق العالمية، وتفتح فيه الأبواب على مصراعيها لتدفق السلع والخدمات والمعلومات بين أنحاء العالم، ومن ناحية أخرى تتزايد فيه التكتلات الاقتصادية والعلاقة التي ترتكز إلى إمكانيات جماعية هائلة كوسيلة لدعم القدرات، وإحراز سبق وتقدم على الآخرين (زيتون، 1997، ص 75  76). ويسود هذه التغييرات العالمية المتسارعة تطور هائل في مجال الاتصال والانفتاح الإعلامي وربما تتعقد السياسات التصحيحية       أو سياسات إعادة الهيكلة التي يمارسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على الدول لإجبارها على التحرك وفق منظومات سياسية واقتصادية وثقافية تمثل نوعا من الهيمنة الحديثة.
في خضم هذه التحولات الكبرى وبالتحديد منذ أوائل السبعينيات، تزايد الاهتمام الدولي بمسألة التعليم المفتوح والتعليم عن بعد، وظهرت العديد من المبادرات الجادة في الميدانوقادت هذه الحركة الجامعة البريطانية المفتوحة، وبذلك تكون قد مهدت الطريق أمام إنشاء ما لا يقل عن 850 جامعة مفتوحة متواجدة في أكثر من 90 دولة من بينها، كما ورد سابقاً، عدد من الدول العربيةواتجاه التعليم عن بعد اتجاه آخذ في التزايد، واثبت كفاءته وجودته كخيار مكمل للأنظمة  التربوية القائمة وليس بالضرورة بديلا عنهاوالجدير بالذكر أن كافة الأصوات البارزة المنادية بحتمية مراجعة الأنظمة التربوية وإعادة تشكيلها لتتواءم مع الواقع بدءا بإدجارفور وانتهاء بجاك ديلور، أجمعوا، ضمن ما أجمعوا عليه، على حتمية  الأخذ بأساليب التعلم الذاتي، والتعليم المفتوح، والتعليم غير النظامي، ومشاركة المجتمع في التعليم، وحتمية التعليم عن بعد كخيار تفرضه روح العصر ومعطياته.
إذن، هذه هي أبرز التحولات التي يعيشها عالم اليوم، وسوف تتواصل بشكل أكثر حدة في المستقبل المنظورهذه التحولات تنبئ بأن المجتمعات الإنسانية تواجه أزمات على أكثر من صعيد وكل أزمة لها طبيعتها ومؤثراتها، وتختلف في حدتها وطبيعتها ونسبتهامن مجتمع إلى مجتمع آخرفبالقدر الذي تستطيع فيه الدولة أن تتجاوب مع معطيات التغيير وتتجاوز هذه الأزمات، بقدر ما تستطيع أن تؤسس لنفسها مكانة وموقعا يليق بها في فضاءات العولمة الجارفة.
ولم يكن المجتمع السعودي، مثل غيره من المجتمعات العربية، بمنأى عن هذه التغيرات والتحولات الكونيةفكثير من هذه التغيرات والتحولات قد لامست بنيته ونسيجه العام كما سنذكر ذلك تفصيلا في الجزء القادم من الدراسةفبحكم موقعه الجغرافي، ودوره في الاقتصاد العالمي من خلال الثروة النفطية، فلقد أثر وتأثر بهذه التغيرات واستشعر كنه هذه التحولات ودلالتها الغزيرة بالنسبة لواقعه ومستقبلهفمسائل عدة من التحولات المذكورة آنفا كانت ولا زالت مطروحة بشدة على الأجندة السياسية والاقتصادية في المملكةفمسألة السكان المتوقع أن يصل تعدادهم حدود 35 مليون نسمة في غضون عام 2014، ومسألة الطلب المتزايد على التعلم العام، والتعليم العالي والصعوبات المالية في تلبية هذه الطلبات، والتغيرات المتوقعة في الأدوار المستقبلية للمرأة، والتذبذب في أسعار النفط، والحاجة إلى تحقيق التوازن بين برامج الإعداد والتأهيل واحتياجات العمل، وتطوير الاقتصاد، ونقل التقانه، والانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة (القات)، والتأهل لدخول عصر المعلوماتية، وتحقيق متطلبات السعودة، ومكافحة الأمية، وتحقيق التوازن بين متطلبات الأصالة والمعاصرة، وغيرها من الأمور تعد من المسائل الملتفت إليها بشدة لإحداث التغييرات النوعية والكمية اللازمة لمواجهة التحولات الكبرى المتشكلة على المستويات الدولية والإقليمية.
وشعار "وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة هو الشعار الذي أطلقته المملكة لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها في جميع المجالاتولكي يتسنى للمملكة تطبيق هذا الشعار قولا وعملا، فإن هناك جهدا مضنيا وعملا دؤوبا لابد أن يبذلفالتربية من أجل التغيير والتحديث تستلزم بداهة تطوير نظام تربوي جديد قادر على خلق الإنسان الجديد القادر على الإبداع والمنافسة والتميز والإنتاج في ضوء معطيات  المنافسة الدولية الشرسة، والاقتصادات القائمة على المعرفة والتقنية والمعارف القائمة على  التغير السريع، والإبداع الإنساني الخلاق.
وأول متطلبات هذا التغيير بداهة، مرونة النظام التربوي، مرونة تستجيب إلى حاجات التغيير المستمر، وثانيها الأخذ بالتربية المستمرة، التربية من المهد إلى اللحد، وتحطيم الحواجز بالتالي بين التربية النظامية وبين سواها من أشكال التربية غير النظامية، وثالثها بناء القدرة لدى المتعلم على التعلم الذاتي (على تعليم نفسه بنفسه باستمراروجعلها محور العملية التربوية وهدفها الأساس، ورابعها ربط التربية بحاجات العمالة المتغيرة والمتجددة وبمطالب التنمية  الاقتصادية والاجتماعية بوجه عام، وخامسها تجديد تقنيات التربية"والاهتمام بوجه عام بالربط بين التربية وبين التقنيات الإعلامية والمعلوماتية الجديدة، وسادسها ربط التربية بالتراث الثقافي العربي والعالمي، والاهتمام بتجديد التراث العربي من خلال منطلقاته ومن خلال تفاعله مع التراث الثقافي العالمي المتجدد. (عبد الدائم، 1998، ص110).
إن التغييرات المرجوة في النظام التعليمي السعودي بمستوياته ومراحله، ينبغي أن تتم في ثلاث مستويات أساسية مستوى الفلسفة والسياسات، ومستوى المضامين، ومستوى الهياكلفعلى مستوى الفلسفة والسياسات، لا مناص للأنظمة التربوية السعودية من الأخذ بفلسفة التربية المستمرة من المهد إلى اللحد وتوفير المرونة اللازمة للمواطنين للتنقل بيسر وسهولة بين الأنماط التعليمية المختلفة، واعتبار تعلم وتعليم الراشدين الكبار نمطا رابعا من التعليم كما هو معمول به في الساحة الدولية.
وعلى مستوى المضامين، يتوجب على التربية التحول من الحفظ والتلقين وتكريس ثقافة  الاختبارات والثقافة الماضوية النظرية البحتة، إلى تربية نوعية تزود الدارسين بالكفايات الأساسية التي تمكنهم من اكتساب مهارات التعليم الذاتي، والعيش في مجتمع متسارع التغير ومعقد الرؤى، وتمكنهم من مهارات التفكير الناقد والقياس والبحث العلمي، واستخدام الحاسوب وأدوات التحليل الرمزي، وتمكنهم من مهارات الحياة الأساسية والرياضيات والعلوم والعمل بروح الفريق، العلاقات الإنسانية، واللغات الحية، والاعتزاز بالمواطنة والتراث، وتحمل روح المسؤوليةهذه المضامين هي التي تمكن من خلق ثقافة جديدة ترى في التعليم عن بعد خيارا استراتيجيا ونمطا لا مناص من الأخذ به.
وعلى مستوى الهياكل والصيغ، فنرى أنه آن الأوان للنظام التربوي في المملكة العربية السعودية لأن يبحث ويمهد السبيل أمام تبني صيغ وبدائل حديثة ومجدية في التعليم النظامي والعالي على غرار ما هو معمول به في الساحة  الدوليةوهذا بطبيعة الحال يقودنا إلى الحديث عن دور القطاع الخاص والأهلي ودورهما في رفد الجهود الرسمية وكذلك أهمية إيلاء عناية خاصة بأنظمة التعليم عن بعد والتعليم المفتوح التي تتلاءم مع الاحتياجات المتزايدة للطلب الاجتماعي على التعليم والتدريب المستمر من قبل أبناء المملكة والمقيمين الأجانب والعرب في الدولة.
في ظل هذه التحولات، وفي ظل التغيرات المرجوة في المنظومة التربوية السعودية، يستشف الباحث المتابع الحصيف، أن الأخذ بمنظومات التعليم عن بعد قد أصبح ضروريا اليوم أكثر من ذي قبل لرفد الجهود الرسمية التي تقوم بها الأنظمة التربوية في مساعيها لتعميم التعليم الأساسي، ومحو الأمية، وتحقيق الطلب المتزايد على التعليم نتيجة الانفجار السكاني الكبير، وتلبية احتياجات المرأة المتعلمة والموظفة، وإعادة تدريب الموظفين الذين تغيرت طبيعة وظائفهم بسبب التحولات النوعية المتسارعة.
والأخذ بمنظومة التعليم عن بعد في المملكة، ينبغي دائما أن ينظر إليه على أنه قرار سياسي قبل أن يكون فنيا، إذ أن هذا التبني سيخلق ثقافة متعددة الأبعاد تنطوي على خيارات لابد من إقرارها سياسيا خاصة ما يتعلق بالعلاقة بين القطاع العام والخاص والدولي،وتوظيف القنوات التلفزية لأغراض التعليم، وتأسيس أنماط جديدة لصور التعاون العربي والدولي، واعتماد الشهادات عبر القارات وما إلى ذلك من مقومات أساسية لإرساء منظومة التعليم عن بعد.
إن التعليم عن بعد كما توضح بعض السيناريوهات، هو تعليم المستقبل  تعليم أتى ليبقى  لأنه تعليم يهتم بالتقنية وضبط  الجودة والاندماج في السوق الكوكبية من خلال التكامل العضوي بين الجامعات الإقليمية و/أو عابرة القارات مع التقليل من خطورة تهديدها للهوية القومية  أو الخصوصية الثقافية. (عبد الحميد، 2001، ص 26).
صحيح أن المملكة العربية السعودية أخذت ببعض الإجراءات لتطبيق نظام التعليم عن بعد كتطبيق نظام الانتساب وتدريب الفتيات عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، ولكن ما نفذ حتى الآن لا يتناسب إطلاقا مع حجم الإمكانيات المتوافرة والقابليات المتاحة والإسهامات التي يمكن أن يجدها هذا النظام في ميادين عدةفبقليل من الإبداع والخيال والمرونة وحسن التصرف والمزاوجة بين التعليم عن بعد الكلي والجزئي يمكن تطبيق هذا النوع من التعليم في كافة العلوم الطبيعية والتطبيقية والفنيةوتجارب الدول برهنت على ذلك.

رابعا تحولات المجتمع العربي السعودي ومضامين هذه التحولات لمسألة التعليم عن بعد
قبيل  الخوض في الرؤى المستقبلية للتعليم عن بعد ، ينبغي الإشارة إلى بعض الخصائص والتغيرات التي وقعت في نسيج المجتمع السعودي، إذ أن هذه الخصائص والتغيرات تحمل في طياتها مضامين بالغة الأثر بالنسبة إلى مبررات الأخذ بنظام  التعليم عن بعد، وللمسار الذي ينبغي أن يتشكل المستقبل في ضوئهفالمملكة منذ ما يربو قليلا على العقدين، شهدت تحولات اقتصادية وصناعية واجتماعية جذرية بسبب الازدياد المضطرد في عوائد أسعار النفط، وأفضى هذا التغير إلى انعكاسات مهمة أثرت في طبيعة المشهد الحياتي في المملكة.
وبسبب هذه التغيرات، فكرت الدولة جديا منذ أوائل السبعينيات في مسألة التخطيط المركزي لتنمية  البنى التحتية للمجتمع وتطوير قواه البشرية حيث انطلقت الخطة التنموية الأولى وتلتها عدد من الخطط حتى وصل عددها إلى سبع خطط تنموية انطلقت جميعها من قناعة بأن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها وغايتها، وأن هذه المجهودات التنموية لابد أن تصب في تمتين الهوية الإسلامية العربية في قلوب المواطنين ليقوموا بأدوارهم كمواطنين صالحين يعيشون في المجتمع  السعوديوحققت هذه الخطط إنجازات نوعية متميزة في كثير من الميادين أدت إلى تغييرات في المجتمع السعودي نقلته نقلة حضارية نوعية متميزة، وضعته في مصاف كثير من الدول المتقدمةونلخص فيما يلي أهم هذه التغيرات :
  1. ركزت خطط التنمية على إنشاء البنى التحتية الأساسية لتطوير المجتمع السعودي من خلال ربط أجزائه بعضها ببعض عبر شبكات متعددة من طرق الاتصال البري والبحري والجويوفي ضوء هذا التوجه، رصدت إمكانيات وموارد ضخمة مكنت من إنشاء شبكة واسعة للطرق السيارة السريعة، وتم توسع الأسطول الجوي والأسطول  البحريوانتشرت كذلك شبكات الاتصال من هواتف ثابتة ونقالة وإنترنت، وشبكات اتصال داخلية، وشبكات ميسرة للتراسل البريدي العادي والسريع على المستويين الداخلي والخارجي بصورة كفؤة تضاهي ما هو متوافر في كبريات دول العالموأدت هذه الشبكات إلى تيسير نوعي في إمكانية التحرك الاجتماعي والتنقل بيسر وسهولة للأفراد والبضائع والدارسين.
  2. التوسع المضطرد في التجارة والمؤسسات المصرفية وأعمال  البورصة عبر استخدام الوسائط الإليكترونية الحديثة وفي بعض الأحيان باستخدام الطرق التقليدية الأخرى، ويعود هذا التوسع إلى انتعاش الاقتصاد ووفرة السيولة لدى المواطنين بعد تزايد الدخل الفردي والوطني بسبب ارتفاع أسعار النفطوارتبط بهذا التوسع بروز الحاجة المتزايدة لقوى بشرية كفؤة ومدربة تستطيع إدارة هذه المؤسسات المستحدثة والعمل فيهاوتزامن مع هذا التوسع التجاري انتشار الشركات متعددة الجنسية والتي تكاد تعمل في كافة المجالات ومن المتوقع أن يتزايد حجم وجود هذه الشركات بعد صدور الأوامر السامية بمنح امتيازات وإعفاءات مشجعة لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والعربية للاستثمار في المملكة.
  3. التوسع في الاستثمار السعودي في مجال الصناعات البتروكيميائية والصناعات المتوسطة والخفيفة، الأمر الذي أدى إلى دخول الصناعة الحديثة في صلب النسيج المجتمعي بعد أن كانت الصناعات السابقة صناعات تقليدية حرفية بدائية لا تتناسب ورح العصر وطبيعتههذا الأمر أدى إلى اختفاء كثير من الصناعات والحرف وتطور كثير منها إلى صناعات تعتمد على التقنية الحديثةوأدى هذا إلى بروز صناعات ذات طبيعة معقدة لم تكن معروفة من قبل وهي بحاجة إلى أيد مدربة تستطيع إدارتها والتعامل معها بصورة كفؤةفظهرت في الميدان التقني عدة تقنيات جديدة تمثل تحولا جذريا (في استخدام الجهد العضلي إلى استخدام العقل وخزن واسترجاع المعرفة والمعلومات المنظمةوتطالب العامل المنتج بمشاركة في التصميم واتخاذ القرار.
  4. الاهتمام المتزايد بمسألة الصناعات الزراعية والحيوانية ومنتجاتها الأمر الذي أدى إلى أمرين أولهما الاختفاء التدريجي لأساليب الزراعة التقليدية وإحلالها بأساليب الميكنة الحديثة، وثانيهما تحول المملكة إلى دولة مصدرة للإنتاج الزراعي الأمر الذي جعل شريحة كبيرة من المجتمع تعمل في هذا القطاع الذي كان محدودا في السابق.
  5. لعل دخول المرأة السعودية إلى معترك سوق العمل يعد من أهم التغيرات التي وقعت خلال العقود الثلاثة الماضيةفقبل عام 1380 هـ لم تكن هناك مؤسسة رسمية تقوم بتوفير الحد الأدنى من التعليم النسوي باستثناء بعض الكتاتيب التي تشرف عليها وتدرس بها النساء المتطوعاتوبعد إنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات وما واجهه هذا الإنشاء من معارضة خمدت فيما بعد، انتشر تعليم الفتاة رأسيا وأفقيا حتى بدأت الفتاة السعودية تحظى بالتعليم في كل مستوياته حتى الدكتوراه وذلك من خلال الدراسة بالرئاسة العامة لتعليم البنات     أو الجامعات السعودية الأخرى باستثناء بعض الجامعات ذات الطبيعة الخاصة كجامعة الملك فهد للبترول والمعادن والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورةوتشير الإحصاءات المتوافرة أن عدد الدارسات المنتظمات في التعليم العام يبلغ 000 146 2 دارسة لعام 1416 هـ/ 1417 هـ (الصايغ، 1999، ص 22). في حين يبلغ إجمالي المنتظمات في سلك التعليم العالي610 202 ألف دارسة. (العالي، 1419 هـ/ 1420 هـ، ص 26).
وتدرس الطالبات في كافة التخصصات بما في ذلك الاقتصاد والإدارة والعلوم الطبيعية والهندسة والعلوم الطبية والزراعةوخريجات الجامعات السعودية يعملن اليوم في مواقع كثيرة خاصة في المدارس والمستشفيات والبنوك النسوية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية.ويلاحظ أن الفتاة السعودية تقبل إقبالا شديدا على التعليم نظرا لعوائده الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن هناك صعوبات واضحة في استيعاب هذه الأعداد الكثيرة من الطالبات الراغبات في الدراسة بالجامعات أو الكليات السعودية، الأمر الذي جعل كثيرا منهن يقعدن في بيوتهن ولا يواصلن تعليمهن الجامعيكل هذا يحدث بعد أن كان المجتمع قد اتخذ موقفا رافضا لتعليم الفتاة في بداية الثمانينات الهجرية.
عموما، إن هذا التغير الذي طرأ على المجتمع السعودي لا يمكن أن يقلل من أهميته لأنه بالفعل قد نقل المجتمع من موقع إلى موقع آخر ومن حالة مجتمعية إلى حالة أخرى، فلولا هذا التوسع في التعليم النسائي لبقيت نسبةكثيرة من فتيات اليوم قابعات في البيوت يضفن أعدادا لرصيد الأمية، ويجعلن المجتمع عاجزا عن تلبية احتياجاته الأساسية من الكوادر النسائية التي تتطلبها بعض القطاعات والتي تحتمها طبيعة المجتمع وثقافته السائدة.
  1. في ظل التغيرات المعرفية والعلمية والتقنية المتسارعة، أصبح التدريب ومعاودة التدريب نمط حياتي فرض نفسه بشدة في كافة نواحي المجتمع نظرا إلى العائد الكبير الذي يحققه التدريب الفاعل في أداء الأفراد وكفاءتهم وإنتاجيتهمهذا الجانب شغل بال الحكومة السعودية وأولته عنايتها، ومن أجل تحقيق هذا الهدف أنشأت عدة مراكز متخصصة في مجال التدريبولعل أهم هذه المراكز معهد الإدارة العامة لتدريب موظفي الدولة ومركز البحوث والتدريب التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، والعدد من إدارات التدريب التابع للوزارات وبالذات وزارة المعارف ووزارة الصحة ووزارة الزراعةفهذه الوزارات تولي عناية فائقة بالتدريب.
ورغم كل ما يقال عن التدريب في المملكة، إلا أنه يظل انتقائيا ومحدودا وأكاديميا في  طبيعتهوالممارسة الحالية في تدريب الكوادر وبالتحديد في القطاع العام، بحاجة إلى إعادة نظر جذرية لتؤسس في ضوء معطيات العصر وروحهفالأساليب التقليدية في تدريب كوادر الدولة والمعتمدة على الحضور الرسمي والتفرغ من العمل قد لا تكون مناسبة وكافية لتلبية احتياجات الجهات المتعددة والأعداد الكبيرة من الموظفين الأمر الذي يحتم التفكير في تبني أساليب التعليم عن بعد والحلقات التلفزيونية المغلقة والحقائب التعليمية وغيرها من أساليب التعلم المفتوح والتعلم عن بعدويمكن أن تسهم مؤسسات القطاع العام والقطاع الخاص في إحداث هذه التغييرات.
  1. لقد تركت مرحلة الطفرة آثارا متعددة على المجتمع السعوديفطرح الدولة للكثير من المشروعات الإنشائية وبروز العديد من الشركات المنفذة لمشروعات التنمية، أدى إلى إحداث طفرة ثراء لم تكن معهودة من قبل في المجتمع، الأمر الذي أدى بكثير من المواطنين خصوصا في منتصف وآخر السبعينات الميلادية، إلى التخلي عن وظائفهم الحكومية والدخول في معمعة الأعمال الخاصة التي حققت ثراءاً لكثير من المواطنينوكثير من الدارسين تركوا مقاعد الدراسة في سن مبكرة قبيل إكمال المرحلة  الثانوية أو حتى المتوسطة طمعا في تحقيق ثراء في مرحلة مبكرة ومنهم من حقق ذلك بالفعل ومنهم من لم يحالفه الحظ كثيرا.
واليوم وبعد أن اختفت مرحلة الطفرة بكل مالها وما عليها، يراود الأمل بعض هؤلاء الرجال والشبان آنذاك العودة إما إلى وظائفهم أو إلى مقاعد الدراسة من خلال صيغ جديدة وأساليب جديدة في التعليملكن طبيعة الوظائف قد تغيرت والشروط المطلوبة لشغلها قد تغيرت هي الأخرى، بمعنى أنه من الصعوبة بمكان قبول عودة موظفي الأمس إلى وظائفهم ما لم يتم تطوير مهاراتهم وخبراتهم ومؤهلاتهموبالنسبة للدارسين من جانبهم، لا يمكن لهم التخلي عن أعمالهم والعودة إلى مقاعد الدراسة التقليديةفالأمر يحتم التفكير في صيغ ونماذج جديدة لإتاحة الفرصة لهؤلاء وأولئك للانخراط في دواليب  الدراسة والتعليم التي هي حق من حقوقهم.
صحيح أنه لا توجد إحصائيات رسمية حول أعداد هؤلاء الذين تركوا الخدمة آنذاك ولكن ما حدث أثناء فترة  الطفرة شكل أزمة للنظام  التربوي لسبب كثرة الاستقالات التي كانت ملفتة للنظر، الأمر الذي حتم الاستعانة بكثير من الخبرات العربية الكفأة والمدربة.
يضاف إلى هاتين الفئتين فئات اجتماعية متعددة أخرى هي بأمس الحاجة إلى توفير بدائل للدراسة بأساليب التعليم التقليدية ولعل أهم ما يناسب أصحابها هو أساليب التعليم عن بعدومن هذه الفئات نذكر على سبيل المثال موظفي الدولة وبالذات العسكريين الذين حصلوا على الدراسة عن طريق التعليم الموازي الليلي والذين لا تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بالجامعات التقليدية، والفتيات الحاصلات على المرحلة الثانوية وتزوجن في سن مبكرة، والمقيمات في مناطق جغرافية نائية ولا تسمح ظروفهن بالابتعاد عن أسرهن، وذوي الأوضاع الصحية الخاصة الذين لا تسمح لهم بالدارسة النظامية، وأولئك الحاصلين على مؤهلات جامعية ويرغبون في تبديل تخصصاتهم عن طريق معاودة الدراسة الجامعية في حقل آخر، والمنقطعين عن  التعليم الجامعي لأسباب مختلفة بعد أن أمضوا عددا من السنوات في الدراسة الجامعية، وغيرهم الكثير ممن يحلمون بصيغ جديدة للتعليم المحقق لآمالهم وأحلامهم.
  1. لقد أدى ازدياد السكان في المملكة بشكل متواليات هندسية، كما سنركز على ذلك لاحقا، إلى إحداث تغييرات مهمة في الميدان التربوي نذكر على سبيل المثال بروز التعليم الأهلي كشريك مدعوم من الدولة ليساهم في توفير التعليم الرسمي خاصة في مرحلة التعلم العامأما الشراكة في توفير التعليم الجامعي، فلم يبدأ إلا بداية متواضعة للغاية خلال السنوات الثلاثة الماضية بعد أن أصبحت الحاجة ملحة إليه بسبب الزيادة السكانية وبسبب ازدياد الطلب الاجتماعي على التعليم العاليومن المتوقع أن تتضاعف أعداد الجامعات والكليات الجامعية الخاصة في السنوات القادمة لتلبي احتياج السوق والطلب الاجتماعي المتزايد.
ونجم عن التغيرات في طبيعة واحتياج سوق العمل في المملكة، إلى زيادة استثمار القطاع الخاص في ميدان التدريب والتأهيل، فانتشرت مؤسسات القطاع الخاص العاملة في ميادين تعليم مهارات الحاسوب، واللغات الأجنبية بشكل واضح وجلي وفي كل المحافظاتوانتعشت سوق المبيعات المرتبطة بالحواسيب والأقراص التعليمية المدمجة وما شابهها من صناعات تربوية وثقافية، وأصبحت سوقا استثمارية مربحة إذ أن طبيعة الأسرة السعودية بشكل عام قد تغيرت حيث أصبحت هذه الصناعات جزءاً من التركيبة الأساسية للأسرة خاصة في الحواضر وإلى حد ما في القرىوتوسعت برامج خدمة المجتمع والتعليم المستمر التابع للجامعات وتنوعت برامجها واختصاصاتهاهذه التغيرات والإضافات النوعية في بنية المجتمع السعودي وطبيعته، تعد لبنات أساسية تدعم أي مشروع مستقبلي للتعليم بصفة عامة والتعليم عن بعد بصفة خاصة، إذ أنه من الصعوبات بمكان تصور قيام شبكة    أو مؤسسة للتعليم عن بعد دون وجود الجهات المساندة وتوفير التقنيات الحديثة اللازمة للنهوض به.
  1. من  الإفرازات الأساسية للطفرة الاقتصادية في المملكة، بروز مسألتين مهمتين أولهما زيادة فرص ابتعاث المواطنين القادرين والراغبين للدراسة في الخارج في تخصصات تحتاجها الدولة خاصة في مرحلة التعليم العالي وتكوين أساتذة الجامعاتوبلغت مسألة الابتعاث أوجها في منتصف وأواخر السبعينيات الميلادية ؟ حين قاربت أعداد المبتعثين الثلاثين ألفا في كافة التخصصاتهؤلاء هم الذين عادوا وشغلوا المراكز القيادية في المؤسسات الحكومية اليوم، وبطبيعة الحال إن تجاربهم ومعاصرتهم لثقافات وحضارات مغايرة أثرت في ثقافتهم ورؤاهم وآليات تفكيرهم الذي بدوره أثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على النظام القيمي المجتمعي خاصة في الدوائر التي يتعاملون بها.
واستمرت سياسة الابتعاث حتى اليوم إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001 أجبرت كثير من هؤلاء إلى العودة إلى أرض الوطن وتم قبول جزء كبير منهم ممن تنطبق عليه شروط القبول بالجامعات السعودية وآخرون لم يقبلوا لأسباب وجيهةوبطبيعة الحال، لابد من التفكير بصيغ لاستيعابهم واستيعاب الآخرين الذين لن يتاح لهم الابتعاث بنفس الوتيرة السابقةوطالما أن باب الابتعاث قد يتأثر إلى حد كبير، فالحاجة ستصبح ملحة للتفكير في بدائل وصيغ حديثة لتعليم وتكوين من تتجه النية لإعدادهم على مستوى التعليم الجامعي الأولي والعالي.
ويعاني من مشكلة الابتعاث هذه أيضا أبناء الأسر الذين لديهم استطاعة في إرسال أبنائهم على نفقتهم الخاصة والذين سيضطرون هم الآخرون إلى البحث عن بدائل لتعليم أبنائهم خاصة إذا كانت معدلاتهم لا تؤهلهم إلى الدخول في الجامعات السعودية التي تشترط معدلات مرتفعة للقبول وذلك من أجل تنظيم مسألة دخول الجامعات والحفاظ عل جودتها النوعية واستيعاب من تستطيع استيعابه في ظل الموارد والإمكانيات المتاحة.
  1. إن التوسع في المشاريع الإنمائية والتطويرية في المملكة بسبب زيادة عوائد النفط أدت إلى استقدام أعداد هائلة من العمالة العربية والأجنبية يبلغ تعدادها ملايين وافد، ويتوقع أن يبلغ هذا العدد 12.6 مليون عام 2010. (الفارس، 1998، ص94). ونسبة كبيرة من هذه العمالة  الوافدة خاصة المعلمين وأساتذة  الجامعات والموظفين ذوي الدرجات العليا استقدموا عوائلهم وأبناءهم الذين وفرت لهم الدولة فرص التعليم المجاني في مرحلة التعليم العامإلا أن الإشكالية التي تواجه هؤلاء هي مسألة حصول أبنائهم وبناتهم على مقاعد في التعليم الجامعي إذ أن قبول غير السعوديين في الجامعات ينبغي أن يتم عن طريق الترشيح من دولهموتخصص مقاعد محددة لكل دولة الأمر الذي لا يتيح إلا لأعداد ضئيلة جدا من كل دولة الحصول على فرصة للالتحاق بالتعليم الجامعي السعودي.
وفي ظل عدم وجود فرص بديلة، يضطر أبناء هؤلاء الطلبة إما إلى إرجاعهم إلى بلدانهم الأصلية للدراسة في ظروف بعيدة عن الأسرة، أو ابتعاثهم إلى الخارج وبذل أموال طائلة في سبيل تعليمهمهذا الأمر هو الذي حدا بالسلطة الوطنية الفلسطينية إلى افتتاح فرع لجامعة القدس المفتوحة في الرياض لتوفير فرص التعليم الجامعي العالي عن طريق استخدام أساليب التعليم المفتوح لأبناء الجالية الفلسطينية في المملكةوالحاجة ملحة إلى التوسع في استخدام وسائط التعليم المفتوح والتعليم عن بعد للإيفاء بمتطلبات الأعداد الكبيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في المملكة.
  1. بعد أن تعمق النمو الاقتصادي للمملكة وتأصلت تجربته في المجالات الاستثمارية، تحول الاقتصاد السعودي من اقتصاد قائم على موارد النفط فقط إلى اقتصاد متنوع يشكل النفط هيكله الأساسيوتشكل الخدمات روافد أساسية لهذا الهيكل، فتوسعت تبعا لذلك خدمات الهاتف الثابت والجوال والفاكس، والبريد العادي والسريع والقنوات الفضائية واستقبال البث الفضائي الخارجي، واشتراكات الإنترنت، حيث منحت 37 شركة رخصة لتوفير خدمات الإنترنت في المملكة التي كان من المتوقع أن يشترك فيها حوالي 85,000 مؤسسة أو فرد في أواخر سنة 1999 (الدريج، 2001، ص126). ويتعاون القطاع الخاص من خلال اتفاقيات رسمية مع الدولة لتوفير هذه الخدمات التي تشكل ثاني مصدر دخل للدولة.
وفي ظل هذا التحول في الاقتصاد السعودي والالتفات إلى مسألة الصناعات الإلكترونية، وفي ظل الانفتاح السعودي على العالم الخارجي، تزايد الاهتمام بمسألة السياحة وأنشئت هيئة عامة لها وكلية وحيدة في أبها لتخريج الكوادر المدربة العاملة في هذا الميدانويعد هذان المجالان، مجال الخدمات الإلكترونية والخدمات السياحية، من الميادين المهمة التي يمكن أن تلعب مؤسسات التعليم عن بعد دورا مهما في تنميتها من خلال التكوين والتدريب لمن يتوقع أن يعمل بهما.
والمتمعن في وتيرة التغيرات المتسارعة في المملكة، والمتعمق في فهم احتياجات سوق العمل واحتياجات المتعلمين، يستنتج بأن الطريقة التقليدية والقائمة على إتمام الدراسة دفعة واحدة من الابتدائية حتى الجامعة هي طريقة آخذة في الزوال لظروف موضوعية، وستحل محلها طريقة المناوبة بين العمل والدراسة والانتقال من جامعة إلى أخرى، ربما بسبب سرعة الحراك الاجتماعيوطالما أن طبيعة الجامعات الحالية لا تسمح بهذا النوع من التناوب والانتقال، فإن الحاجة ستكون ملحة في المستقبل لاستحداث أنماط جديدة من التعليم تلبي هذه الرغبات وهذه الاحتياجات التي يطلبها الطالب وتحتاجها سوق العمل.
  1. انطلاقا من أهمية الصحة العامة في تحقيق التنمية المستدامة للمواطنين والوافدين، اهتمت المملكة بالبنية التحتية الطبية حيث أنشئت شبكة ضخمة من المستشفيات النوعية المتميزة، والمستوصفات والعيادات في كل أرجاء المملكة، وطرحت مشاريع ريادية لتعميق الوعي والتثقيف الصحي لدى المواطنينواهتمت بافتتاح الكليات الجامعية لتكوين الأطباء ومساعديهم وتم ذلك عن طريق الجامعات السعوديةومع تزايد الحاجة لأعداد كبيرة من الخريجين، كلفت وزارة الصحة بافتتاح معاهد للتعليم الصحي ومن ثم كليات جامعية للتعليم الصحي والطبي.
وأسهمت هذه الكليات والمعاهد الجامعية والمتوسطة بتخريج جيل حديث مدرب على أعلى المستويات، يتعاون فيه الأطباء والطبيبات السعوديين مع زملائهم في تحقيق رسالة العمل الصحي والطبيوالملاحظ على تجربة المملكة في مجال إعداد الأطباء ومساعديهم، أمرين أولهما قلة الأعداد التي تقبلها الجامعات والكليات الطبية إذ أن أكبر جامعة في المملكة جامعة الملك سعود لا تقبل لكل سنة سوى 250 طالبا وطالبة نظرا لارتفاع كلفة الإعداد، ولحاجة هؤلاء المتدربين لأعداد كبيرة من الأساتذة المتميزين لإعدادهموالجانب الآخر الملفت للنظر هو القلة النسبية لبرامج التدريب لهؤلاء العاملين في القطاعات الطبية، علما أن التطور والتغير في مجال العلوم الطبية يتم بشكل كبير إلى درجة جعلت أحد المختصين يقول إن ميدان الطب بأسره يتبدل مرة كل خمسة سنواتوإن كان في هذا القول شيء من المبالغة، إلا أنه يرمز إلى حدة درجة التغير في هذا الميدان.
الشيء الذي يؤكد عليه في هذا الصدد أن هذه المسألة، أي مسألة إعداد وتدريب الكوادر الطبية، بحاجة ماسة إلى صيغ ونماذج غير تقليدية تمكن الجميع من التعليم والتدريب واستكمال دراستهم بشكل متواصل ومستمر بعيدا عن الصيغ التقليدية الرئيسية.
  1. تعد التغييرات السياسية التي حدثت في عهد الملك فهد بن عبد العزيز من أهم التغييرات التي شهدتها البلاد في تاريخها المعاصروتجلت هذه التغييرات في إصدار النظام الأساسي للحكم، وإنشاء مجلس الشورى، وإصدار نظام المحافظاتوتعتبر هذه التغييرات نقلة نوعية للتفكير  المجتمعي سيكون لها بإذن الله الأثر البالغ في إثراء الحياة السياسية والمجتمعية في المملكة.
كما تدل هذه التغييرات على أن هناك ذهنية جديدة وعقلية حديثة وثقافة سياسية واعدة في المجتمع تؤمن بالتغيير والتحويل وقبول ما هو جديد ونافع، وتؤمن بدور التربية في تقدم الأمم وتطورها، كما يشير إلى ذلك النظام الأساسي للحكموهذه الذهنية أساسية لترسية نظم التعليم عن بعد سواء في المملكة أو غيرها من البلدان، إذ أن استنبات هذا النوع من البرامج بحاجة إلى قرار سياسي ومباركة سياسية ودعم سياسي لا يمكن للتعليم عن بعد أنيتبلور وينمو نموا واعدا بدونهفأول تجربة للتعليم المفتوح في بريطانيا إنما تمت في ظل انفتاح سياسي قاده حزب العمال الذي تحرك تحركات واسعة ليفرض قيام الجامعة البريطانية التي تعد رائدة التجارب في هذا المضمار.

خامسا حقائق وإحصائيات حول المجتمع السعودي :

1- التطور في أعداد الطلبة مقابل تطور السكان :

لقد تنامى التعليم بشكل متواليات هندسية غير مسبوقة وذلك نتيجة للاهتمام الذي توليه الدولة لهذه المسألة وإيمانها العميق بأن التطور رهن بتطوير القوى البشرية والاستثمار فيهاوخصصت لقطاع التعليم موازنات متعددة تمكن قطاعات التربية من القيام بالمسئوليات المنوطة بهافعلى سبيل المثال لا الحصر بلغت مخصصات الصرف على التعليم بوزارة المعارف عام 1419هـ/1420هـ، 17,3 بليون ريال سعودي، وهي تمثل 10,5% من إجمالي الميزانية العامة للدولة، والبالغة 165 بليون ريال (المعارف، 1420 هـ، ص34). وعند احتساب الأجهزة التربوية الأخرى بالدولة خاصة الرئاسة العامة لتعليم البنات والتي تساوي في موازناتها لوزارة المعارف تقريبا، ووزارة التعليم العالي فإن ما تخصصه الدولة للتعليم يكاد يقارب 23% من إجمالي الميزانية العامة للدولة ". (الصايغ، 1999، ص 5).
وتأتي هذه الموازنات لتلبي الاحتياج المتزايد على التعليم بسبب الزيادات المضطردة في أعداد السكان وازدياد الوعي الاجتماعي بدور التعليم وأهميته في الحراك الاجتماعيفبعد أن كانت أعداد الطلاب في جميع المدارس لا يتجاوز 920 39 دارسا في عام1372 هـ (1952) (الخطيب، 1999، ص 24)، نجد أن هذا الرقم تجاوز الاثنين مليون دارس من الطلاب ومثلهم من الدارساتويوضح الجدول التالي أعداد الطلاب المسجلين في المدارس التابعة للجهات المشرفة ونسبة ما يخص كل جهة منها (المعارف، 1420 هـ، ص 19) :

النسبة إلى المجموع الكلي
عدد الطلاب
الجهة المشرفة
88.2%
1911002
وزارة المعارف
1.9%
40795
وزارة الدفاع والطيران
1.3%
27921
الحرس الوطني
0,6%
14146
الهيئة الملكية للجبيل وينبع
0.1%
2622

الأمن العام

1.3%
28228
المعاهد العلمية
6.8%
146776
القطاع الأهلي
100.0%
2171130
المجموع

إن هذه الأعداد المتزايدة من الدارسين فرضت وستفرض في قابل الأيام تحديات كثيرة على التعليم العالي إذ أنها تفرض توسعا كميا ونسبيا ليتم استيعابها وإتاحة الفرصة لها لإكمال تعليمهاوبنفس الوتيرة التي نما بها التعليم العام، سارت وتيرة التعليم العالي فبعد أن اقتصرت بداية مسيرة  التعليم العالي على كليتين أحدهما للشريعة وأخرى للغة العربية، انتشرت جامعات وكليات متعددة الاختصاصات حيث بلغ عدد الجامعات جامعات إضافة إلى عدد من الكليات الجامعية التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات ولوزارة المعارف والمؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني وعدد من كليات المجتمع.
ويبلغ عدد الطلبة المسجلين في كافة المستويات في التعليم الجامعي 371,522 طالبا وطالبة 89,26% منهم يدرسون في مرحلة البكالوريوس، وتبلغ نسبة المقيدين في مجال التربية والتعليم 53,95% وهي أكبر نسبة للطلبة في مرحلة البكالوريوس، كما أن نسبة المقيدين في العلوم الطبيعية يمثلون 5.32%. ويبلغ إجمالي الطلاب المنتظمين 92,40%. وتعتبر جامعة الملك سعود هي الجامعة الأولى في المملكة في احتواء أكبر عدد من الدارسين  الطلاب الذين تصل نسبتهم إلى حوالي 19% من إجمالي الطلاب المقيدين في مستوى التعليم العالي، كما تحتوى الرئاسة العامة لتعليم البنات، أكبر عدد مقيد من الطالبات وذلك بنسبة 71,70 من إجمالي الطالبات في مؤسسات التعليم العالي (العالي، 1419/1420 هـ، ص 27). ويوضح الجدول التالي أعداد المنتظمين والمنتسبين في الدبلوم الجامعي والبكالوريوس حسب الجهة للعام الجامعي 1419/1420هـ :

جملة
طالبات
طلاب
الجهة
21954
9192
12762
جامعة أم القرى
3748
0
3748
الجامعة الإسلامية
26513
3828
22685
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
47553
17041
30512
جامعة الملك سعود
30110
11983
18127
جامعة الملك عبدالعزيز
7457
0
7457
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
10332
4756
5576
جامعة الملك فيصل
12113
0
12113
جامعة الملك خالد
20417
0
20417
كليات المعلمين
142225
142225
0
كليات الرئاسة العامة لتعليم البنات
13869
0
13869
التعليم الفني والتدريب المهني
2982
985
1997

وزارة الصحة

1985
0
1985
كليتي الهيئة الملكية للجبيل وينبع
341258
190010
151248
الإجمالي

ومن المتوقع أن يصل إجمالي عدد الطلاب في مؤسسات التعليم العالي في عام 1419/1420 قرابة 312 ألف طالب وطالبة منهم نحو 147 ألفا من الذكور و165 ألفا من الإناثوبالموازنة مع إجمالي طلاب هذه المرحلة في عام 1419/1420 هـ والذي يقدر بنحو 222 ألف طالب وطالبة منهم 110 ألفا من الذكور و112 ألفا من الإناث، فإن نسب الزيادة لإجمالي طلبة التعليم العالي تقدر بنحو 40.5 % ونسبة الزيادة لطلاب التعليم العالي من الذكور تقدر بـ 23,2 % ونسبة الزيادة لطلاب التعليم العالي من الإناث تقدر بـ47,3 % خلال العامين المشار إليهما (الصايغ، 1999، ص 36). وهذه الزيادات المتوقعة تفرض تحديات جمة على المشتغلين في حقل  التعليم العالي لمواجهتها.
ورغم التوسع الكمي والنوعي للتعليم العالي في المملكة، إلا أن مؤسساته تواجه تحديات جمة في استيعاب الأعداد المتزايدة المتدفقة عليه من خريجي التعليم الثانوي والراغبين في مواصلة دراستهم العليافالطاقة الاستيعابية للجامعات لا تتسع لجميع الخريجينالأمر الذي حدا بالجامعة إلى رفع نسب القبول فيها إلى 80 أو 85 % بالنسبة إلى الدراسات الأدبية و85 % لدراسة التخصصات العلمية و94 وما فوق للطب البشري والطب وعلوم الحاسوبهذه النسب المرتفعة أدت إلى وجود أعداد مرتفعة من الطلاب والطالبات خارج أسوار المجتمع في الوقت الذي لا يمكن لسوق العمل، المعتمد على العمالة الأجنبية، أن يستوعبهمومن ثم لجأ كثير من الخريجين السعوديين الذين لا يحصلون  على هذه النسب للدراسة في الأقطار العربية المجاورة، وهذاالأمر يفرض تحديا صريحا للتعليم العالي في المملكة الذي تحتم عليه هذه المسألة التفكير الجدي في بدائل التعليم الجامعي.

2- البعد الديمغرافي (السكانيفي المملكة العربية السعودية
يعد السكان بنموهم، وأعدادهم، وفئاتهم وحركة هجرتهم في الداخل والخارج وأوضاعهم الاقتصادية والصحية والعلمية من أهم مدخلات التخطيط الاجتماعي والاقتصادي بعامة، والتربوي على وجه الخصوص (الرشيد، 1999، ص 37). ولا شك أن هذا النمو السكاني على مستوى العالم والذي يبلغ أكثر من (90) مليون نسمة سنويا يفرض ضغوطا على الخدمات الأساسية التي ينبغي أن توفرها الدولة لأبنائها من صحة وإسكان وتعليم (كالن، 1996، ص 10).
وتزامن مع هذا التزايد السكاني تعاظم في زيادة الطلب الاجتماعي على التعليم وازدياد الآمال التعليمية للسكانوكانت  المملكة العربية السعودية مثل غيرها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيةمن المناطق الطاردة للسكان، لقلة الموارد الطبيعية وشح المياه، وقسوة الطقس، والحروب القبلية، ناهيك عن فترات الجفاف، وشكلت كل هذه العوامل دوافع تحرك أبناء شبه الجزيرة إلى المناطق المجاورة، لذا كانت الزيادة السكانية محدودة ولكن بدءا من عام 1960، أخذ سكان المملكة يتزايدون بسرعة نتيجة لعوامل اقتصاديةوأخرى اجتماعية، وثالثة صحيةفلقد كان عدد سكان المملكة العربية السعودية (4.1) مليون نسمة عام 1960 لكنه قفز إلى (17.8) مليون نسمة في عام 1992 (الرشيد، 1999، ص 38)، وبلغ معدل النمو السنوي للسكان 4.4 % خلال الفترة من عام 1960 إلى عام1994، وتعد هذه النسبة من أعلى نسب التزايد السكاني في العالم (الإنمائي، 1997، ص 22). وتتوقع عدة دراسات أن يتضاعف عدد سكان المملكة  العربية السعودية  ليصل إلى 35 مليون نسمة في عام 2014 (الإنمائي، 1997، ص 22). وهذا ليس بمستغرب إذاعلمنا أن المملكة تتمتع حاليا بواحدة من أعلى معدلات الخصوبة في العالم 6.2، وفق إحصاءات عام 1994، بينما يصل معدل الخصوبة الإجمالي في البلدان المتقدمة إلى 1,7 حسب إحصائيات العام نفسه الإنمائي، 1997، ص 23). إن هذا الانفجار السكاني يتطلب استثمارات ضخمة في الخدمات خاصة في ميدان التربية ومضاعفة ما يخصص لأجهزة وزارة المعارف خلال السنوات القادمةفعلى سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات أنه إن سارت الأمور على ما هي عليه، وسارت وزارة المعارف على الأسلوب نفسه في الإنفاق، فإنالأمر يتطلب من الآن البحث عن وسائل جديدة، وصيغ جديدة للتمويل (الرشيد، 1999، ص 41). والأمر نفسه ينسحب على مؤسسات التعليم العالي التي سوف تتأثر بهذه الموجات المتزايدة من مخرجات التعليم العام.

3-  إشكالية التعليم العالي
أشرنا آنفا إلى أن مؤسسات التعليم العالي تواجه صعوبات جمة في استيعاب الراغبين في الالتحاق بسلك التعليم الجامعي ومع التزايد المستمر في كلفة التعليم الجامعي وإنشاءات البنى التحتية ستتضاعف حتما هذه الإشكاليةإن هذا الضغط الاجتماعي الشديد على مؤسسات التعليم العالي ومحاولة تلبيته بصورة أو بأخرى، تؤدي إلى تردي المستوى الجامعي، وإلى تخريج أعداد تزيد عن الاحتياج الفعلي للمجتمع ونجاحه في مجال التنمية والتطويرإضافة إلى أن مناهج الجامعات بوضعها الحالي صارت بحاجة ماسة إلى إعادةنظر. (البدر، 1999، ص 34).
هذه الإشكالية تسبب عدم توازن بين العرض والطلب في سوق العملومن الإشكاليات التي تواجه أنظمة التعليم العالي إشكالية ابتعاد خريجيها عن الاحتياجات الحقيقية للتنمية المجتمعيةفالغالبية العظمى من الدارسين والدارسات يلتحقون في مجالات العلومالإنسانية والاجتماعية والتربية والتعليم ونسبة أقل بكثير، تتجه إلى التخصصات العلمية التي يحتاجها المجتمع.
وينجم عن هذه الإشكالية أمرين أساسيين أولهما زيادة مشكلة البطالة في المجتمع لأن المتخرجين لا يجدون المواصفات المطلوبة في سوق العمل، وثانيهما استمرار مشكلة العمالة الوافدة والبدء في تطبيق السعودة التي توليها الدولة عناية خاصة، إذ أن القطاعالأهلي يوظف ما لا يقل عن خمسة ملايين من غير السعوديين (البدر، 1999، ص 19).
والغريب أن أعداد الذين يتخرجون من الجامعات تفوق أعداد من يقلون  عنهم مهارة في المجالات المهنية المختلفة، ممن يساعدونهم في مهنتهمففي كليات التعليم العالي، بلغ عدد الطلاب (160 166) طالب وطالبة عام 1416 هـ (1995)، في حين أن عدد طلاب التعليم الفني 29 ألف طالب أي بنسبة 6 : 1. وإذا ما أخذنا طلاب الجامعات والكليات الجامعية الذكور فقط، فسنجد أن النسبة هي 3 : 1، أي أن المعادلة مقلوبة حيث إن النسبة العالمية 1 : 5، بمعنى أن كل متخصص على مستوى التعليم العالي من الأطباء أوالمهندسين أو غيرهم بحاجة إلى خمسة مساعدين من الفنيينوهذا الأمر يشكل خللا في بنية التعليم العالي السعودي لحداثة التعليم الفني من جهة وللوجاهة الاجتماعية التي يحظى بها الخريج الجامعي مقارنة بنظيره المتخرج من مؤسسات التعليم الفنيصحيح أن هذه المعادلة بحاجة إلى إعادة نظر ولكن إعادة النظر فيها لا يمكن أن تتم من خلال البدائل التقليدية إذ أن التعليم العالي التقني هو تعليم مكلف وبحاجة إلى تدخل مؤسسات التعليم الخاصة ومؤسسات التعليم عن بعد كما هو معمول به في الساحة الدولية، والإشكالية التي ينبغي معالجتها على مستوى التعليم العالي إشكالية عدم قبول من مضى على حصولهم على  الثانوية العامة اكثر من خمس سنواتفهذا العائق يجعل شرائح كبيرة من المجتمع من الإناث والذكور غير قادرين على مواصلة دراستهم الجامعية بالطريقة التقليدية السائدة، ولابد لهم من نماذج وصيغ أخرى تمكنهم من التغلب على هذه المشكلة.

4-  تكلفة التعليم المرتفعة
تعد كلفة التعليم في المملكة مرتفعة بكل المعايير، ورغم ذلك، يؤثر الهدر التربوي (الفاقد التربويتأثيرا واضحا في فعالية النظام التعليمي وكفاءته الداخليةولاحظت دراسة تحليلية لمؤشرات النمو الكمي للتعليم العام انخفاض معدل الكفاءة الداخلية الكمية للنظام التعليمي السعودي بسبب الاستمرار في ارتفاع نسب الرسوب والتسرب حيث تشير التقديرات إلى ارتفاع متوسط عدد السنوات  التعليمية المستثمرة لكل خريج من خريجي  التعليم العام، حيث بلغ متوسط 18 سنة دراسة للبنين و15 سنة دراسة للبنات بدلا من 12 سنة.ومعنى ذلك أن هناك ست مقاعد إضافية للبنين وثلاث مقاعد إضافية للبنات أهدرت في النظام التعليمي نتيجة للرسوب            أو التسرب (السنبل وآخرون، 1417 هـ، ص 219  220).
ومن منظور الكلفة، فلقد بلغت كلفة الطالب بوزارة المعارف، عام 1413/1414هـ (1993/1994)، حوالي 8131 ريال مقابل 7,53 للطالبة الواحدة في الرئاسة العامة لتعليم البنات، وبلغت كلفة الطالب بوزارة المعارف عام 1414/1415 هـ (1995/1996)، حوالي6341 ريالا مقابل 5579 ريالا للطالبة الواحدة في الرئاسة العامة لتعليم لبناتوبذلك يكون متوسط الكلفة للطالب الواحد في الأعوام الثلاثة على التوالي 7614 ريالا، 6757ريالا، و5964 ريالا، وقد حسبت هذه الكلفة  على أساس الميزانيات المعتمدة للجهات التعليمية وليس على أساس الإنفاق الفعلي (المعارف، تقرير وطني، ص 52).

ونظرا للطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم، نتيجة لتزايد الوعي الاجتماعي الواضح في بنية النظام  التعليمي، فمن المتوقع أن تتضاعف كلفة التعليم بعامة في المملكة العربية السعودية لتصل إلى 56,560 بليون عام 2000، وإلى 76,948 بليون عام 2005، و106,423 بليون عام 2010، وإلى 151,599 بليون عام 2015 (الفارس، 1998)، بمعنى أن موازنة التعليم لعام 2015 ستكون مقاربة لموازنة الدولة في العام الحالي، وهذا يفرض تحديات كبيرة لمواجهة هذا المطلب.
وهذه الإشكالية، أي ارتفاع الكلفة، لا تواجه مؤسسات التعليم     العام فقط، بل ينسحب أيضا على مؤسسات التعليم العالي فتشير إحدى المصادر إلى أن ميزانية التعليم العالي بلغت 55 مليون ريال لعام 1385 هـ ثم قفزت لتصل إلى 5719,4 مليون ريال عام1415 هـ أي أن الميزانية تضاعفت أكثر من 106 ضعفا خلال ثلاثين عاما (العالي، 1419/1420، ص 49). وإذا استمرت أوضاع تدفق الطلاب على الجامعات على الوتيرة الحالية، فإن وزارة التعليم العالي مطالبة بمضاعفة موازناتها لتلبي الطلب المتزايد على التعليم وما يستوجب كل ذلك من توسع رأسي وأفقي في التعليم العالي.

ويختلف متوسط النفقات المتكررة لكل طالب من عام إلى آخر ويتفاوت تفاوتا كبيرا بين الجامعات، فتكاليف الطالب أو الطالبة في كليات البنات وجامعتي الملك عبد العزيز وأم القرى أقل إلى حد كبير إذا قورنت بالجامعات الأخرى، وفي نفس الوقت فان أعلى تكلفة والتي تصل إلى    200 ألف ريال سعودي هي تكلفة الطالب في جامعة الملك فيصل تليها حوالي 134 ألف ريال متوسط تكلفة الطالب الواحد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، في حين تقف تكلفة الطالب الواحد في جامعة الملك سعود وجامعة الإمام موقفا وسطا بين الكلفة المرتفعة والكلفة المنخفضةهذه الإحصائيات تبين بما لا يدع مجالا للشك بأن متوسط كلفة الطالب الواحد في التعليم من النفقات الجارية في المملكة (61409 رياليعـد مرتفعا بكل المقاييس، وبأي معيار (السنبل وآخرون، 1417 هـ).

              إن مسألة الإنفاق على التعليم في المملكة هي مسألة ذات أهمية قصوى وينبغي أن تدرس دراسة جادة خاصة فيما يتعلق بإمكانية الاستمرار على هذا النحو في الإنفاق في ظل الإمكانات والموارد المتاحة وتدني الأسعار عموماً خلال فترة ما بعد حرب الخليج وما صاحب ذلك من تذبذب وتدني في أسعار النفط ... المصدر الرئيس للدخل الوطني في المملكة.

فقد أوضح بعض الباحثين أن أسعار النفط العالمية قد ترتفع بشكل بطئ بعد منتصف التسعينيات حتى عام 2010 إلا أنها ستبقى أقل من مستوياتها في الثمانينيات بمقدار كبير الأمر الذي قد يصعب تقدير العرض والطلب معه (الفارس، 1995، ص 13 27).  ومن جهة أخرى تشير الدلائل إلى أن التسويق الدولي للمنتجات النفطية والبتر وكيماوية الخليجية يواجه صعوبات جمة منها التطور التكنولوجي، ومزايا التكلفة ، وتمييز المنتج، والإجراءات الحكومية والمنافسة من الأسعار والشريك الأجنبي وتكنولوجيا المعلومات وعدد المنافسين وتجزئة السوق والسيطرة على المواد الخام ومعوقات البيئة وهى أمور قد تنقص فاعلية الجهود الاقتصادية المبذولة لتنويع مصادر الدخل الوطني بهذه الدولعلاوة على ذلك فان التكتلات الاقتصادية الكبرى تعمل على تحرير التجارة بين أعضائها الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بينها والسعي إلى زيادة علاقتها مع دول ومجموعات أخرى تتقلص تجارتها واستثماراتها مع الدول الخليجية التي يعد النفط المورد الأساسي للدخل فيها (الخطيب، 1999، 39).

              وإن كان التركيز على المعلوماتية يعد أمراً أساسياً للمجتمع السعودي ليساير وتيرة العصر إلا أن التحديث الأساسي المطلوب في التعليم ينبغي أن يتجه في مسارين أولهما التركيز على التخصصات العلمية عوضاً عن التخصصات الإنسانية، وتحديث التعليم ومضامينه ليتسم بالتميز والإبداع والقدرة على خلق جيل من القادرين على الإنتاج والمنافسة في عصر العولمة الكاسحة التي لا مكان فيها للمناهج التقليدية الرتيبة.

              إن هذه الحقائق تحمل في طياتها مضامين عدة للتعليم العالي في المملكة حتى يحقق جدوى اقتصادية ويواصل مسيرته بنفس الوتيرة فمن ناحية لابد لهذا التعليم أن يساير متطلبات العصر المتجهة بقوة نحو المعلومات، حيث أصبحت المعلومات هي الشكل الرئيس للاقتصاد ورأس المال، فالمعلومات أصبحت لها قوة فاعلة، قوة تحول المواد التي لم يكن لها قيمة إلى موارد جديدة للثروة، لذا فبقدر ما يتحول المجتمع إلى مجتمع معلومات، بقدر ما يزداد ثراؤه، وتقل حاجته للطاقة، والمواد والخامات معاً" (مرسي، 1999، ص97).  وفي هذا السياق يقرر "فايوزملاؤه أنه بحلول عام 2000 فإن 80% من قوة العمل في الولايات المتحدة ستتركز في صناعة المعلومات (اليونسكو، ص19)، والدلالة الثانية لهذه الإحصائيات، أن التعليم السعودي مثل غيره مطالب بالبحث عن صيغ تربوية ترفع من عوائد التعليم وتقلل كلفته وتربط التربية بعوالم العصر ومتطلباته.  وفي هذا السياق يؤكد جوليوس نيريري إن أنسب صيغة تربوية للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية الحالية والمستقبلية تكمن في تبني سياسة التعليم المستمر.  إن التعليم المستمر، والتدريب المقترن بالحياة وبالعلم هو الحل ، فكما أن العمل هو جزء من التعليم، فكذلك يجب أن يصبح التعليم جزءاً لا يتجزأ من العمل، ويجب على الناس التعلم في أثناء العمل وفي أماكن عملهم وينبغي أن تتحول أماكن العمل إلى أماكن للتعليم" (أمبو، 1985، ص 8). 

              إن ما يطرحه نيريري هو حتمية تبني بدائل أو تجديدات للعمل التربوي التقليدي، ومن هذه الصيغ التي تتلاءم مع ما طرحه نيريري وسائط وأساليب التعلم عن بعد ذات الاتصال الجماهيري الواسع وذات الكلفة التعليمية المنخفضة متى ما قورنت بمثيلاتها من أنظمة التعليم العالي التقليدية.  حيث تشير إحدى الدراسات أن متوسط تكلفة الطالب في الجامعة البريطانية المفتوحة يبلغ 251  جنيه إسترليني بينما يبلغ ذلك نحو 897 جنيهاً في الجامعات التقليدية وهو ما يعادل ربع النفقات الجارية للطالب في الجامعات التقليدية وأن متوسط النفقات الثابتة في الجامعات المفتوحة تعادل سدس نظيراتها في الجامعات التقليديةوبشكل عام، تقدر كلفة الدراسة في برامج التعليم العام المفتوح والتعليم عن بعد بثلث الكلفة المعروفة في الجامعات التقليدية (عبد الجواد، 1985، ص 93).

              إن التعليم السعودي مطالب بالبحث عن شركاء في القطاع الخاص للمساهمة معه في حل الاختناقات الكبرى التي يواجهها والتي من المتوقع أن تتزايد في قابل الأيام والتي لا يمكن للدولة ، مهما أوتيت من قوة أن تتجاوب معها بشكل فاعل يتجاوب مع متطلبات روح العصر والاحتياجات المتزايدة للمجتمع إلا من خلال البحث عن صادرات وشركاء آخرين لتأمين الإنفاق على التعليم بصورة تحافظ على جودته وكفاءته.

5-  تدريب المعلمين والمعلمات في أثناء الخدمة :
              يعد المعلم حجر الركيزة في عملية التعليم والتعلم.  فجودة المعلم ومستوى إعداده يعد من أقوى المؤثرات في إنجاح العملية التعليمية.  فالمدرسة مهما أعدت ووفرت لها التجهيزات والمختبرات والأجواء المناسبة للتعلم من تقنيات، ومنهج دراسي أحسن إعداده وتطويره إلى غير ذلك من اعتبارات تربوية، لا يمكن لها بأية حال من الأحوال أن ترقى في تأثيرها إلى دور المعلم الكفء والمخلص في إنجاح رسالته وتأدية دوره.  ونتيجة لهذه الأهمية فلقد أفرد تقرير ديلور فـي عام 1996 (ديلور، 1996، ص 40)، فصلاً كاملاً لمناقشة مسألة المعلمين وتطلعاتهم وأهمية تدريبهم للقيام بالأدوار المأمولة والمطلوبة منهم.

وانطلاقاً من أهمية المعلم لإنجاح العملية التعليمية فلقد اهتمت المملكة ببرامج إعداد المعلمين.  ومرت مرحلة إعداد المعلمين بمراحل عدة أولها المعهد العلمي السعودي الذي فتح عام 1344هـ (1925) ولم يقبل عليه أحد، ثم أعيد فتحه سنة 1346 (1927)فالتحق به أربعون طالباً.  ثم تم إنشاء كلية المعلمين بمكة المكرمة عام 1372هـ (1952) وفتحت كلية الشريعة في مكة المكرمة عام (1953) والتي كان من مهماتها إعداد معلمي المرحلة الثانويةومن ثم بدأت وزارة المعارف تسعى إلى تأمين معلم الضرورة لمواجهة التوسع الكمي الهائل فصارت تقبل خريج الابتدائية لمدة ثلاث سنوات يدرسها في معهد المعلمين الذي عدل وضعه بحيث أصبح لا يقبل إلا خريج المتوسطة.  ثم جاءت بعد ذلك المرحلة الثالثة بإنشاء الكلية المتوسطة التي لا تقبل إلا خريج الثانوية العامة ولمدة عامين والتي عدل وضعها بحيث صارت مدة الدارسة فيها أربع سنوات وتحول أسمها فيما بعد إلى كليات إعداد المعلمين (السنبل وآخرون، 1417 هـ، ص 247). هذا التطور في إعداد المعلمين سارت عليه أيضاً الرئاسة العامة لتعليم البنات التي أنشأت مؤسسات تعليمية مشابهة لأعداد المعلمات، ولعل الجامعات السعودية التي تتبع وزارة التعليم العالي كانت من أكبر الجهات التي أسهمت بإعداد رجالات التعليم من الذكور والإناث.
              وفيما يتعلق بأعداد شاغلي الوظائف التعليمية ، فلقد بلغ عدد شاغلي الوظائف التعليمية وهم مديرو المدارس والوكلاء ومرشد والطلاب ورواد النشاط ، وأمناء المكتبات ومحضرو المختبرات والعاملون بجميع مراحل التعليـم وأنواعه لكافة الجهات المشرفة علـى تعليم البنين فـي المملكــة (157148) شاغلاً للوظيفة التعليمية بزيادة مقدارها (6389) شاغلاً عما كان عليه الوضع في عام 1418/1419هـ ، وبلغ إجمالي عدد السعوديين منهم (128733) يمثلون نسبة 81.9% إلى المجموع العام لشاغلي الوظائف التعليمية (المعارف،1420 هـ).  وتتقارب هذه الأعداد والنسب مع شاغلي الوظائف التعليمية في الرئاسة العامة لتعليم البنات.

              ويوضح الجدول التالي تزايد أعداد الهيئة التدريسية حسب الجنس للسنوات الممتدة من العام الدراسي 89/1390هـ حتى عام 1416/1417هـ

جدول رقم (1)
تزايد أعداد الهيئة التدريسية
المجموع
المدرسات
المدرسين
السنة
23118
4946
18172
89/1390هـ
43777
12175
31602
94/1395هـ
78309
28120
50189
99/1400هـ
137225
54669
82556
04/1405هـ
199487
91364
108123
09/1410هـ
271511
128507
143004
14/1415هـ
300831
151341
149490
16/1417هـ
     المرجع : (الصائغ، 1999، ص21).

              ويلاحظ من الجدول أن معدل النمو السنوي المتوسط للمعلمين خلال الفترة من 89/1390هـ حتى 1416/1417هـ بلغ نسبة 8.3% مقارنة بـ (13.7%) بالنسبة للمعلمات.  ويتوقع أن يصل إجمالي عدد الهيئة التدريسية إلى نحو 479777 معلماً ومعلمة في عام 1429/1430هـ منهم (224793) من الذكور و 254984 والإناث.  وبالمقارنة لوضع الهيئة التدريسية المتوقع عام 1419/1420هـ والذي يقدر بإجمالي (430389) معلماً ومعلمة منهم (166270) من الذكور و(174119) من الإناث فإن نسبة الزيادة تبلغ(40.9%) لإجمالي الهيئة التدريسية ونحو 35.2% بالنسبة للهيئة التدريسية من الذكور و 46.4 للهيئة التدريسية من الإناث (الصايغ، 1999، ص 34). 

              ويفهم من هذه الإحصائيات أن مسألة أعداد المعلمين والمعلمات ستصبح مسألة صعبة للغاية إن سارت بنفس الوتيرة التي تسير عليها الآن، إذ أن التطورات المتوقعة من احتياجات الدولة من المعلمين والمعلمات يفرض التوسع الضخم في مؤسسات إعداد المعلمين الأمر الذي ربما لن تسمح به الظروف إذا ما اتبعت نفس المنهجيات السابقة الشيء الذي يستدعي التفكير بصيغ وبدائل جديدة لإعداد المعلمين وتهيئتهموصيغة التعليم عن بعد هي إحدى أنسب الصيغ المطروحة لتكمل المجهودات التي تقوم بها المؤسسات الرسمية الحكومية .

              هذا فيما يتعلق بمسألة إعداد المعلمين، أما فيما يتعلق بتدريبهم أثناء الخدمة فيلاحظ أن هذه الخدمة الضرورية للارتقاء بمستوى المعلمين وتطويرهم لا تزال دون مستوى الطموحات إذ أن قلة من شاغلي الوظائف التعليمية يحظون بنوع من التدريب بين سنوات متباعدة تمتد في كثير من الحالات أكثر من العقد والعقدين بسبب محدودية قنوات تدريب المعلمين.  ووضعية تدريب المعلمات أشد تعقيداً من نظرائهن الرجال.

وتتخذ مسألة تدريب المعلمين مسارين أساسيين أولهما التدريب من خلال الإدارة العامة للتدريب التربوي التي أنشأت حديثاً وتشرف على (42) مركزاً لتدريب المعلمين بواقع مركز في كل إدارة تعليموالمسار الآخر التعاون مع كليات التربية بجامعات المملكة في تقديم مجموعة من البرامج التدريبية لمديري المرحلة الابتدائية وما فوق الابتدائية تستمر مدة الدورة فصلاً دراسياً واحداً يقوم فيه المتدربون بعدة زيارات ميدانية ، بالإضافة إلى عقد الندوات والمناقشات مع المسئولين عن النظام التعليمي العام والعالي والفني، كما يتلقى المتدربون محاضرات في مجالات العلوم التربوية والنفسية وتدريباً في تكنولوجيا التعليم (السنبل وآخرون، 1417 هـ، ص 284).
              ورغم كل ما يبذل في مجال التدريب ، فإن القصور واضح في هذا الميدان وتعزز هذا القصور مع التزايد المستمر لأعداد المدرسين والمدرسات وشاغلي الوظائف التعليمية.  وواقع الحال يشير إلى أن الطرق التقليدية في تدريب المعلمين من خلال تفرغهم تفرغاً كاملاً للدراسة لن يحقق الأهداف المطلوبة في ظل وجود ما يربو على (430000) معلم ومعلمة يعملون في سلك التعليم السعودي اليوم وأعداد أخرى من شاغلي الوظائف التربوية الذين هم أيضاً بحاجة إلى تدريب متواصل ومستمر ليؤدوا أدوارهم على أكمل وجه إن الحل الذي لا مفر منه لمواجهة هذه التحديات يكمن في استخدام التقانة الحديثة وأساليب التعلم عن بعد هذا الأسلوب الذي لجأ إليه كثير من الدول لتخفيض النمو المستمر للمعلمين وهذا ما ذهبت إليه جمهورية مصر العربية التي أدركت أهمية التقانة وأسلوب الدوائر التلفزيونية المغلقة لتنفيذ برامج التدريب المستمر للمعلمينوما لم يتغير التعليم السعودي وفق هذا التوجه ستظل مشكلة تدريب المعلمين مشكلة تضعف من جودة التعليم ونوعيته وبالتالي ديمومة إشكالية ضعف مخرجاته وكفاءته الداخلية.

6-  إشكالية الأمية والتعليم الفني والتقني :
              تعد إشكالية الأمية من بين أشد الإشكاليات الاجتماعية تعقيداً وتتفاقم هذه الإشكالية مع التزايد المتسارع في أعداد السكان خاصة في المجتمعات ذات الخصوبة السكانية المرتفعة مثل المملكة العربية السعودية .  ولمواجهة إشكالية الأمية تحركت الدولة وفق خطة عشرينية ابتدأت عام 1395هـ وانتهت عام 1415هـ وشارك في هذه الخطة مؤسسات ووزارات متعددة أهمها وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والحرس الوطني ووزارة الدفاع والطيران والأمن العام ومؤسسات التعليم الأهلي.
              ومنذ بداية تنفيذ الخطة إلى يومنا هذا استطاعت المملكة تحقيق إنجازات ملموسة في ميدان محو الأمية استحقت معها الحصول على جائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لعام 1416هـ لإنجازاتها المتميزة ونجاحها في خفض نسبة الأمية إلى نسبة 15%بين الرجال و35% بين النساء .  وقد حققت المملكة ذلك من خلال جهودها في مراكز محو الأمية ، والحملات الصيفية ، ومراكز التنمية الاجتماعية والتجارب الميدانية (السنبل وآخرون، 1417 هـ، 431).
              ويتوقع أن الجهود الحميدة المستمرة لمكافحة داء الأمية ستسفر عن تحقيق إنجازات متقدمة في هذا الميدان بحيث يتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 10% كنسبة إجمالية بحلول عام 2010 إلا أن الأعداد المطلقة للأميين سوف تتزايد وفق معدلات النمو السكاني الأمر الذي يجعل الحاجة ملحة لبذل المزيد من الجهد في هذا الميدان والبحث عن صيغ وبدائل مرنة وفعالة لعلاج هذه الإشكالية.
              وفي إطار اهتمام الدولة بمسألة السعودة تولي الدولة عناية خاصة لمسألة التعليم الفني والتدريب المهني للبنين والبنات وذلك في إطار اهتمامها بإيجاد الكوادر المدربة تدريباً يؤهلها لإثبات ذاتها في سوق العمل ويستهدف هذا التعليم إعداد القوى البشرية للعمل في مجالات الهندسة الميكانيكية والكهربائية والإلكترونيات والبتروكيمائيات وصيانة الآلات المكتبية، والمعلوماتية ، وهندسة الحاسوب، والصناعات الدقيقة.
وتبين الإحصاءات المتوافرة أن عدد مؤسسات التعليم الفني قد بلغ في عام (1995-1996) 117 مؤسسة تعليمية منها 32 مؤسسة للبنات ، وتحتوى مؤسساته على 1360 فصلاً منها 111 فصلاً للإناث، ويدرس بها حوالي 35812 طالباً وطالبة يبلغ عدد الطالبات منهم 2326 طالبة ويقوم بالتدريس لهم 4886 معلماً ومعلمة وتبلغ عدد المعلمات منهم 491 معلمة (الخطيب، 1999، ص 31 32).  وعندما نقارن نسب الطلاب والطالبات الملتحقين بالتعليم الفني بنظرائهم الملتحقين بالتعليم العام وكذلك الأمر بالنسبة للمعلمين والمعلمات نجد أن المعادلة مختلفة تماماً.  "فالدراسة توضح أن الملتحقين بالتعليم العام بالمقارنة مع الملتحقين بالتعليم المهني حوالي 6-1 في البلاد النامية، و4-1 فــي البلاد الصناعية، و8-1 في البلاد العربية" (لقمان، 1985، ص 12). وهذا الخلل في بنية التعليم الفني السعودي بحاجة إلى بدائل واقعية وعملية لتعديله.
              ورغم أهمية هذا المجال خاصة بالنسبة للتغيرات المتوقعة في عمل المرأة إلا أنه يواجه مشكلات عدة ينبغي تلافيها لتوسيع رقعة الاستفادة منها، أولى هذه المشكلات جمود مناهجه وعدم ارتباطها بعالم المهن المختلفة في المجتمع، والافتقار إلى المعلم الوطني، وعدم الانفتاح على التعليم العالي، وقصور الموارد المتاحة، والافتقار إلى التقويم والأبحاث وخدمات التوجيه والإرشاد (السنبل وآخرون، 1417 هـ).  وفي يقين الباحث أنه آن الأوان لشحذ الخيال والإبداع وحسن التصرف للتفكير بآليات بطرائق حديثة تمكن من تقديم هذا النوع من التعليم عبر آليات وتقنيات التعليم عن بعد وذلك عن طريق أساليب التفرغ الجزئي والحضور الدوري وما إلى ذلك من صيغ تستخدمها كثير من الدولوتقتضي مسألة التوسع لمواجهة الطلب المتزايد عليه خلال العقود الثلاثة القادمة إلى تحقيق التكامل بين القطاع العام والخاص وتجسير الهوة بين أنظمة التعليم الفني والمهني والعام.

سادساً المشهد الحالي لبرامج الانتساب في الجامعات السعودية وكليات تعليم البنات :
              يعد نظام الانتساب أحد أنماط أساليب التعليم المفتوح والتعليم عن بعد في العديد من الجامعات العربية والنامية.  وقد وجد هذا النظام في الجامعات السعودية منذ مدة قليلة للمساهمة في حل مشكلة الطلاب ذكوراً وإناثا ، وخاصة الذين لا تمكنهم ظروفهم من الانتظام في الدراسة.
              وكانت جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سباقة في هذا المضمار في المملكة العربية السعودية.  وفي مرحلة لاحقة انضمت الجامعة الإسلامية وجامعة الملك خالد وكليات المعلمين وكليات الرئاسة العامة لتعليم البنات وكليتي الهيئة الملكية للجبيل وينبع لتقديم برامج ودراسات عن طريق الانتساب .  ويوضح الجدول التالي أعداد المنتسبين والمنتسبات حسب الجهة.
ومع أن جامعة الملك سعود قد استبعدت هذا النظام إلا أن الجامعتين الأخريين استمرتا في تطبيقه حتى الوقت الحاضروغالباً ما تلجأ هاتان الجامعتان إلى تحديد مدة معينة للحضور الفعلي ويلتزم الدارسون بهاوتمثل الكتب الدراسية والمراجع وسائل التعليم الأولى بالنسبة للطلاب المنتسبين والطالبات المنتسباتوهنا نشير إلى أن جامعة الملك عبد العزيز تسهيلاً لمهمة المنتسب أو النسبة ودعماً لبرامج الانتساب لجأت إلى تسجيل المحاضرات الدراسية على أشرطة الكاسيت والفيديو ومن ثم قامت بإرسالها إلى الدارسين والدارسات بهذا النظام.  كما عملت على الاستفادة من خبرات الجامعات الأجنبية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول في محاولة لتطوير برامج الانتساب وتمثل هذه البرامج خدمة عظيمة للقطاع النسائي بصفة خاصة، وموظفي الحكومة بشكل عام (السنبل، 1985، ص 35  36). ويوضح الجدول التالي أعداد المنتظمين والمنتسبين في الدبلوم الجامعي والبكالوريوس حسب الجهة للعام الجامعي 1419/1420هـ :

المنتسبون
المنتظمون
الجهة
جملة
طالبات
طلاب
جملة
طالبات
طلاب

0
0
0
21954
9192
12762
جامعة أم القرى
265
0
265
3748
0
3748
الجامعة الإسلامية
7287
3058
4229
26513
3828
22685
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
0
0
0
47553
17041
30512
جامعة الملك سعود
8894
3205
5689
30110
11983
18127
جامعة الملك عبد العزيز
0
0
0
7457
0
7457
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
0
0
0
10332
4756
5576
جامعة الملك فيصل
2726
1081
1645
12113
0
12113
جامعة الملك خالد
586
0
586
20417
0
20417
كليات المعلمين
1613
1613
0
14225
142225
0
كليات الرئاسة العامة لتعليم البنات
0
0
0
13869
0
13869
التعليم الفني والتدريب المهني
0
0
0
2982
985
1997
وزارة الصحة
46*
0
46*
1985
0
1985
كليتي الهيئة الملكية للجبيل وينبع
21417
8957
12460
341258
190010
151248
الإجمالي
المرجع وزارة التعليم العالي، إحصاءات التعليم العالي في المملكة العربية السعودية، العدد الثاني والعشرون، 1419/1420هـ.
*  طلبة التفرغ الجزئي.

              ويتضح من الجدول السابق أن إجمالي أعداد الدارسين في البرامج الانتظامية 341258 ألف دارساً مقارنة ب 21417 دارساً في برامج الدراسة بالانتساب بمعنى أن إجمالي الطلاب المنتظمين المقيدين بمرحلة البكالوريوس والدبلوم تبلغ 92.40% والبقية منتسبون، وتبلغ نسبة 55.85% من إجمالي الانتظام و41.83% من إجمالي الانتساب.  والطلبة المنتسبون مسجلون أساساً في مستوى البكالوريوس وفي مجالات الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية والاقتصاد والإدارة والعلوم الاجتماعية والتربية والتعليم.  أما غير ذلك فهم طلبة التفرغ الجزئي (العالي، 1419/1420، ص 26).

              وللمعلومات الواردة في الجدول السابق عدة دلالات ، أولها محدودية الجامعات المشاركة في تقديم برامج للتعليم عن طريق الانتساب أو غيره من برامج التعليم عن بعد، وضآلة أعداد المستفيدين من هذه البرامج خاصة من الطالبات اللائي هن بأمس الحاجة إلى هذا النوع من البرامجوالإشكالية الكبرى أن التخصصات المقدمة في هذا النوع من التعليم هي تخصصات بعيدة في مجملها، باستثناء تخصص الاقتصاد والإدارة والعلوم، عن الاحتياجات الحقيقية للدارسين ولسوق العمل ، الأمر الذي يجعل هذه البرامج تكرس مسألة البطالة عن طريق إعداد كوادر لا حاجة لسوق العمل بها.

              ورغم مرور العديد من السنوات على تبني بعض الجامعات لنظام الانتساب إلا أنه لم تجر حتى الآن دراسة علمية أو مراجعة دقيقة لسبر أغوار هذا البرنامج والكشف عن إنجازاته واخفاقاته وأساليب تطويره ، وقد آن الأوان لإجراء هذه المراجعة التي يتوقع أن تحرك الساكن في هذا الميدان وتتيح الفرصة لطرح رؤى وتصورات تدفع بحركة التعليم عن بعد في المملكة قدماً إلى الأمام وتشجع كثيراً من الجامعات للدخول إلى هذا الميدان الأمر الذي سيخرج التعليم عن بعد من عزلته وينتشله من صفته الهامشية .

              والأسلوب الآخر من أساليب التعليم عن بعد المستخدمة في المملكة هو أسلوب الدائرة التلفزيونية المغلقة، فنظراً للصعوبات الكبيرة التي تواجهها بعض المؤسسات العلمية في توفير هيئات التدريس من العناصر النسائية نتيجة للنقص الشديد في القوى العاملة بالتخصصات المختلفة، ونظراً لأن الشريعة الإسلامية السمحاء لا تجيز اختلاط الرجال والنساء، فقد رأت المملكة العربية السعودية الأخذ بنظام الدائرة التلفزيونية المغلقة في تعليم البنات الجامعيات ، إذ يقوم مجموعة من الأساتذة (الرجالبتدريس الطالبات المنتظمات من خلال هذه الدوائر المغلقة حيث لا يتمكن الأستاذ من مشاهدة المتعلمة بينما تشاهد المتعلمة الأستاذ وترى وتسمع شرحه بطريقة واضحة، ويمكنها أن تسأله وتناقشه عند الضرورة من خلال أجهزة الهاتف المعدة لهذا الغرض، وبعض الجامعات تستخدم أسلوب الأنتركمويقوم فريق من المعيدات والإداريات بالإشراف والمتابعة لضمان جدية الطالبات في التعلم كما أن المحاضرات ذاتها تكتب على الورق وتطبع ثم تقدم للطالبات   (السنبل وآخرون، 1417 هـ، ص 506).

              وفي إطار اهتمامات المملكة بالقضاء على إشكالية الأمية فقد فكر في توظيف التلفزيون كتقنية تعليمية للوصول إلى أكبر عدد من المستهدفين وفي إطار هذا التوجه تم في عام 1971/ إنتاج برنامج تعليمي لمحو الأمية وذلك في إطار التعاون بين وزارة المعارف ووزارة الإعلام وتم بثه عبر 52 حلقة تلفزيونية تضمنت حلقات حول اللغة العربية (الكتابة والقراءةوالحسابوخصصت 30 دقيقة لكل حلقة، وتم تقديم هذه التجربة التي أظهرت نتائج مقبولة ورصدت بعض الإشكاليات العملية كصعوبة الحصول على الكتب الخاص بمتابعة الدارسين واقتصار المسألة على التلفزيون وحده وعدم وجود آليات عملية لتقويم أداء الدارسين (السنبل، 1985، ص 32  35).

              وخلاصة القول أن مشهد التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية لا يزال مشهداً متواضعاً وراكداً ولا يتناسب إطلاقا مع القابليات التقنية والاقتصادية والمعرفية والبنى التحتية المتوافرة في المجتمع.  فالقابليات والإمكانيات المتوافرة للمجتمع السعودي متى ما تم توجيهها واستثمارها في ميدان التعليم عن بعد تكون قادرة على المساهمة في علاج كثير من الإشكاليات والاختناقات المتعددة في ميادين التعليم العالي، ومحو الأمية، والتدريب في أثناء الخدمة، والتثقيف والتوعية واستثمار أوقات الفراغ، وإعادة التأهيل العملي وغيرها من المجالاتهذه الوضعية، ونعني بها ركود مسألة التعليم عن بعد وعدم إدراجها ضمن الملفات الساخنة في المجتمع، جعلت كثيرا من الأصوات تتعالى وتطرح تصورات واعدة لتفعيل حركة التعليم عن بعدونذكر من بين هذه الأصوات الدكتور عبد الله الحميدي، وهياالرواف، وزهير السباعي، ونبيل القرشي ، ومحمد الخطيب والكثير غيرهم.

              ورغم ركود مسألة التعليم عن بعد في المملكة إلا أن هناك إرهاصات وتحركات واعدة تنبئ بأن المستقبل القريب سيشهد تغيرات نوعية في بنية وهيكلية ومضامين التعليم عن بعد في المملكة.  ومن أهم هذه التحركات التحرك لإنشاء الجامعة العربية المفتوحة المزمع أن يكون لها مركز في المملكة ، وتحرك وزارة المعارف لصياغة نظام لتدريب المعلمين من خلال شبكة محورية للاتصال الصوتي والمرئي  مرتبطة بجميع المناطق التعليمية وتوجيه معهد الإدارة العامة لإنتاج حقائب ورزم تعليمية لتدريب منسوبي النظام العام، وتوظيف العديد من المستشفيات لشبكات الربط التلفزيوني خدمة لقضايا التدريب أو المشاركة في المؤتمرات، وإنشاء راديو وتلفزيون العرب (A. R. T.) لقناة تلفزيونية تعليمية يمكن أن تستثمر في بث البرامج التعليمية لمؤسسات التعليم عن بعد الراغبة في ذلك.  هذهالإرهاصات في نظرنا قد تتطور في قابل الأيام لتخلق بيئة جديدة وعقلية جديدة وإرادة جديدة للتحرك وفق معطيات العصر وروحه وتوجهاته.  وما لم تتحرك التربية في المملكة وفق هذه التصورات فسوف تتجاوزها الأحداث ، وتقبع خارج دائرة الفعل الحضاري الواعد.

              إن الأمل إذن معقود بعد الله على مؤسسات النخبة ونقصد بذلك الجامعات السعودية ممثلة بكلياتها وعمادات خدمة المجتمع والتعليم المستمر فيها، ومعهد الإدارة العامة، ووزارة المعارف، والرئاسة العامة لتعليم البنات، ووزارة الصحة ووزارة التخطيط للتفكير الجاد في التحرك الفردي والجماعي لاستنبات مشاريع وبرامج تعليمية تأخذ بفلسفة التعليم عن بعد وتنطلق في تنفيذها وفق رؤية واستراتيجية وطنية محددة المعالم والأهداف.

سابعاً : سيناريوهات المستقبل :
              من الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون النظر إلى المستقبل على أنه شيء مطلق ليس له حدود.  ومن ثم يحدث أحياناً الخلط بين ما هو محتمل أو ممكن على المدى البعيد في المستقبل البعيد وبين ما هو متوقع الحدوث أو مرجح على المدى القريب (في المستوى القريبكذلك ينظر البعض إلى المستقبل على أنه طريق واحد (حتمية واحدةويتجاهل أننا في حقيقة الأمر أمام "مستقبلات" (احتمالات كثيرة أو قليلةوطرق متعددة ومتباينة .  وما بين المستقبل القريب أو البعيد والاحتمالات أو التخمينات، تتعدد الرؤى وتتباين الاتجاهات (نوفل، 1997، ص 187).

              وفي ضوء التطور التاريخي لمسيرة التعليم في المملكة وواقعه، وفي ضوء استقراء التغيرات الواقعة في نسيج المجتمع السعودي وما يحيط به من عالمية متسارعة في كافة الميادين يمكن رسم عدد من المشاهد المستقبلية التي تختلف في طبيعتها والقوى والمؤثرات المشكلة لهاورغم اختلاف هذه المشاهد بالنسبة لدرجة احتمالية حدوثها إلا أنها تتفق في ثوابتها، إذ أن التعليم عن بعد في جميع المشاهد، ينبثق من تعاليم الشريعة والعقيدة الإسلامية الغراء، ويؤكد على ثقافة وحضارة وتراث الأمة، ويعمل على تعزيز وترسيخ الهوية العربية الإسلامية الأصيلة والأخلاق العالمية الحميدة بعيداً عن مؤثرات الاستلاب والاغترابواللغة العربية بوصفها وعاء فكر الأمة ومكنز أصالتها وآلية التعبير عن وجدانها ستحافظ على مكانتها ودورها كلغة أولى في التدريس وفي جميع مناشط العملية التعليمية هذا الاهتمام باللغة العربية في جميع المشاهد لا يعني تغييباً للغات الأجنبية ، إذ أن المرحلة تستلزم من الدارسين ، ضمن ما تستلزم، فهماً وإدراكا واتقاناً للغات الأجنبية وبالذات اللغة الإنجليزية التي تتعاظم أهميتها يوماً بعد يوم.  وسنتناول في الصفحات التالية هذه السيناريوهات.

1-  مشهد الوضع الراهن:
              يقوم هذا المشهد على افتراض استمرارية الوضع الراهن لبرامج الانتساب دون زيادة أو نقصان ودون حدوث محاولات ومساع جادة لاستحداث هياكل أو تجديدات في آلية الممارسة الحالية أو استحداث صيغ جديدة لنظام التعلم عن بعد سواء في إطار برامج الانتساب أو التدريب في أثناء الخدمة التي تقدمه العديد من أجهزة الدولة.  والمشهد بهذه الوضعية يتجاهل الاحتياجات الملحة للمؤسسات والأفراد والمجتمع.  ويفترض في هذا المشهد أن يتم إجراء بعض المحاولات من قبل القطاع الاستثماري الخاص ذو العقلية التربوية الواعية والواعدة للحصول على تراخيص لاستحداث مؤسسات تعليمية حديثة تستخدم وسائط التعلم عن بعد إلا أن العوامل البيروقراطية والإجراءات المطولة تحول دون ترجمة هذا التوجه إلى واقع معاش.

              فرغم تطور المجتمع وأخذه بأساليب الحداثة إلا أن التغيرات في البنى التربوية تتم ببطء وبيروقراطية كبيرة لا تفعل فعلها في إحداث التغيير المطلوب وهذا المشهد ذو طبيعة وسطية فهو مهدد دائماً بالنكوص والارتداد إلى السيناريو الرابع الذي سيأتي شرحه لاحقاً أو يمكن تطويره بالاتجاه الأفضل نحو السيناريو الثاني (التوسع المحدود). والمحصلة الأخيرة لهذا المشهد هو وقف التدهورواحتمالية استمرار مشهد الوضع الراهن احتمالية واردة جداً ولكنها غير محبذة إطلاقاً لأنها لا تلبي حتى الحد الأدنى مما هو متوقع من النظام بعد هذه السنوات المديدة من التجربة والخبرة ومن ملامح هذا المشهد مايلي:
1-    استمرار هامشية مجهودات التعلم عن بعد وعدم وجود أية مبادرات رسمية من قبل الجامعات الأخرى لتطبيق هذا النوع من التعليم سواء في ضوء تجربة الانتساب المعمول بها حالياً أو في ضوء التجارب والصيغ الأكثر تقدماً والمعمول بها في أرجاء مختلفة من العالم.
2     عدم تحمس النخب والمثقفين والمسؤولين في الجامعات والقطاع الخاص لمشروع التعليم عن بعد كما هو مطبق حالياً نظراً لعدم وجود القناعة بما يطرحه من تخصصات ليست ذات صلة بالاحتياجات الحقيقية للدولة ولعدم مناسبة خريجيه لمتطلبات سوق العمل.
3     إجراء الجامعات المطبقة لبرامج الانتساب لبعض الإصلاحات على ممارسة الانتساب ولكنها إجراءات شكلية لا تلامس جوهر العمل.  ويلاحظ أن هناك غياب تام لمسألة تقويم التجربة على الرغم من مرور عقود طويلة منذ قيامها.
4      يتضح في هذا المشهد بروز مبادرات أهلية استثمارية خاصة لاستحداث صيغ عصرية وحديثة للتعليم والتدريب عن بعد، بيد أن هذه الممارسات تتعثر بسبب الإجراءات البيروقراطية المطولة والروتين وصعوبة الإنعتاق من قوالب فكرية متأصلة في الذهنية التربوية وآلية صناعة القرار.
5   غياب أي نوع من الانفتاح على المبادرات الإقليمية أو العربية أو الدولية المطروحة في مضمار التعلم عن بعد والتشدد الذي يصل إلى درجة رفض اعتماد الشهادات المتحصل عليها عبر هذا النوع من التعليم.
6       سوف يحافظ الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم العالي على وضعيته الراهنة ولكن القواعد الأساسية لمؤسسات التعليم العالي لن يطرأ عليها أي تغيير سواء في مستوى التسهيلات أو في مستوى التوسع الأفقي والرأسي.  وسوف تستمر مسألة عدم تواءم العرض والطلب بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل مما يؤدي إلى استمرارية الاعتماد على العمالة الأجنبية خاصة المتخصصة مع بطء عمليات السعودة.
7         تحافظ أسعار النفط على أوضاعها مع ظهور تدني محدد ليس ذا بال من المنظور الاقتصادي.  وتشهد المنطقة استقراراً نسبياً كما هو عليه الحال الآن الأمر الذي يؤدي إلى محافظة أجهزة التربية والتعليم العالي على موازناتها المعتمدة دون نقصان يذكر.
8       سوف تظل مشاركة المرأة في الاقتصاد وسوق العمل على ما هي عليه دون تغيير يذكرويلاحظ بروز إشكاليات حقيقية في إيجاد فرص وظيفية للخريجات الجامعيات نظراً لمحدودية مواقع العمل المتوفرة للمرأة.
9-    استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تركز على النفط وتنويع مصادر الدخل وتلتفت بشكل ملحوظ إلى مسألة تكوين القيادات والأطر العليا وتدريب العاملين في القطاع العام ويتم ذلك عن طريق الجامعات وأجهزة التدريب.  وسوف تستمر وزارة المعارف بتدريب المعلمين، ومعهد الإدارة العامة من خلال تدريب شرائح منتقاة وقيادات القطاع العام، وكذلك الوزارات الأخرى مازالت تهتم بتدريب منسوبيها وفق أساليب التدريس التقليدية التي لا توظف فيها التقنيات الحديثة المستخدمة في مؤسسات التعلم عن بعد، الأمر الذي لا يمكن من تلبية الاحتياجات التدريبية المتعددة للمؤسسات ومنسوبيها مما يخلق نوعاً من القلق حيال هذه الوضعية وبروز التفكير الجاد في تعديلها ، خاصة وأن الحاجة للتدريب المستمر سوف تصبح ذات أولوية أكثر من ذي قبل.

2- مشهد سياسة التوسع المنضبط :
              يقوم السيناريو على افتراض تنامي وعي الدولة بفداحة النتائج المترتبة على عدم قدرتها على تلبية الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم العالي خاصة من قبل الفتيات والقوى المنتجة في عوالم العمل والإنتاج، والمواطنين ذوي الاحتياجات والأوضاع الخاصة.وتتزايد قناعة الدولة بصعوبة تلبية هذه الطلبات المتزايدة عبر الصيغ التقليدية خاصة مع ظهور المؤشرات الحقيقية لتزايد تعداد السكان مع بداية العد التنازلي لأفول العشرية الأولي للقرن الحادي والعشرين.

              وينجم عن هذا الوعي المتنامي توجيه اهتمام كافة الجامعات ومؤسسات التدريب بضرورة الاستفادة من مشاركة القطاع الخاص في توفير التعليم والاستفادة من صيغ التعليم المفتوح المطروحة على الساحة العالمية واستثمارها في علاج الاختناقات التي تواجه الطلب المتزايد على التعليم وتدريب القيادات الوطنية العاملة في كافة الميادين لتصبح قادرة على العطاء في ظل تجليات العولمة ومعطياتها المتمحورة حول اقتصاد الإليكترونيات والمعلوماتية.  ويتمخض عن كل ذلك اتخاذ إجراءات وتدابير جادة وتحركات إصلاحية يتم فيها نقل وضع ملف التعليم عن بعد إلى مستوى أرقى على الأجندا التربوية وإلى حد ما على الأجندا السياسيةووفق هذا المشهد يصبح التعلم عن بعد ممارسة أكثر ترسخاً وتوسعاً وتنظيماً من ذي قبل ولكن وضعيته تظل هامشية إلى حد ما إذا ما قورنت بالمنظومات الأخرى للتعليم العام والعالي.

              وفي ظل هذه التغييرات يتوقع حدوث انفراج في نظرة الجامعات والنظرة المجتمعية نحو التعليم عن بعد نتيجة من ناحية للزخم الإعلامي والسياسي الموجه له ومن ناحية أخرى نتيجة للتغيرات الجوهرية في بنية وممارسة آلية الدراسة بالانتساب وتوسع نطاقها لتشمل تخصصات غير تقليدية وذات ارتباط مباشر بسوق العمل والإنتاج.

              وتشهد هذه المرحلة اهتماماً واضحاً بمسألة الدراسات التقويمية الموضوعية التي تجرى لأول مرة ويتم ذلك بناء على توجيه ومتابعة دقيقة من وزارة التعليم العالي.  وتصبح مسألة التوسع في برامج التعليم عن بعد وفق الرؤية المعاصرة مسألة مطروحة بجدية في مجالس الجامعات وفي المجلس الأعلى للجامعات.  والتوجه المطروح يؤكد أهمية التوسع المدروس وتوفير المستلزمات المادية والبشرية اللازمة لتحقيقه مع التأكيد على مراعاة ضوابط الجودة النوعية.

              هذه التغييرات وهذا التوجه يحفز الكثير من الجامعات للشروع في تبني صيغ حداثية لتطوير مشروع التعليم عن بعد كخيار يساهم في علاج المشكلات الاجتماعية المتفاقمة والناجمة عن الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم.  ويتوقع أن تقود جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك سعود مسيرة إصلاح وتطوير برامج التعليم عن بعد من خلال طرح صيغ متقدمة للدراسة في هذا الميدان بعيداً كل البعد عن الأساليب التقليدية المتبعة حالي، وقد تقوم جامعات أخرى بهذا الدور، وذلك حسب اهتمامات كل جامعة وظروفها والمتغيرات والقناعات التي تعيشها.

              ويتوقع في هذه المرحلة بروز صيغة النماذج التعليمية المزدوجة (dual system models) بحيث تتولى الجامعات الرسمية قيادة مشروع التعليم عن بعد في إطار تنسيق وتعاون محكم ومشترك تقوم بموجبه كل جامعة بطرح بعض من برامجها الواعدة والمتميزة للدراسة التفرغية الكاملة أو الجزئية للراغبين في الدراسة عن طريق التعلم عن بعد مع استمرارية الجامعة في برامجها التقليديةوتشبه هذه المرحلة تجربة التعليم المفتوح في جامعتي القاهرة وأسيوط، مع تأكيد التجربة السعودية المتوقعة على استخدام التقنية خاصة التلفزة والهاتف والاتصالات الإليكترونية مما يجعلها تنسجم مع توجهات وفلسفة التعلم عن بعد، وسوف تضخ وزارة التعليم العالي موازنات مقدرة لتنفيذ هذا التوجه ولا يستبعد أن يشارك الطلبة في دفع بعض الرسوم الدراسية للمشاركة في هذه البرامج .

              ونود أن نؤكد هنا أن أسلوب النمط المزدوج للجامعات ليس هو أفضل النماذج للشروع في بناء نظام للتعليم عن بعد ، فلهذا التوجه محاذيره حيث أثبتت بعض التجارب أن هذه التوليفة المزدوجة تصل إلى مرحلة تجد نفسها في تصادم مع بعضها البعض وربما تخرج المنافسة عن طورها وتكون الغلبة دائماً للنظام التقليدي الأقوى (السنبل، 1986، ص 1-8). بيد أن أسلوب النماذج المزدوجة كنظام مرحلي قد يكون مناسباً خاصة إذا ما تم التفكير في مرحلة لاحقة في ضم هذه البرامج في كينونة واحدة وهيئة واحدة لتشكل جامعة مفتوحة مستقلة.

              وعلى نفس المنوال ستشهد برامج التدريب في أثناء الخدمة خاصة للمعلمين والعاملين في حقل التعليم تغيرات واضحة حيث ستبدأ وزارة المعارف لأول مرة بتدريب كافة معلميها ومنسوبيها وبصورة مستمرة عبر تقنية المؤتمرات المتلفزة Teleconferencingوالتي يتم فيها تدريب المعلمين والكوادر التعليمية الأخرى مركزيا مع عدم اشتراط حضورهم للمركز إذ أن هذه المنهجية تتيح إمكانية الحوار عبر الصوت والصورة في آن واحد دون حاجة المعلمين إلى ترك مواقع عملهم والسفر من أجل التدرب هذه التقنية التي كانت في الماضي حلماً ستصبح ميسرة وتقلل كلفة التدريب إلى مستويات متدنية جداًوعدوى استخدام هذه التقنية سوف ينتقل إلى الرئاسة العامة لتعليم البنات ومعهد الإدارة العامةووزارة الصحة والذين يقومون بمجهودات مقدرة في ميدان التدريبولا يستبعد أن تقوم الدول ببناء شبكة  V-Sat للربط متعدد الأغراض بين الجهات الحكومية المتعددة بحيث تدار هذه الشبكة مركزياً من قبل جهاز متخصص يديره معهد الإدارة أو أية جهة أخرى تراها الدولة صالحة لتنسيق هذه المسألة.

              ولعل أهم تجليات هذا المشهد تخرج الدفعة الأولى من مشروع الجامعة العربية المفتوحة الذي يتبناه سمو الأمير طلال وتحقيق هذا المشروع لنجاحات تبشر بالخير خاصة فيما يتعلق بضبط الجودة النوعية، وتميز الكفاءة الداخلية للجامعة، وارتباط المشروع بالاحتياجات الحقيقية لسوق العمل وحاجات المواطنينهذا النجاح سيعزز من فرص انفراج النظرة المجتمعية والرسمية نحو التعليم عن بعد والتعليم المفتوح وسيحدث انفراجاً مبدئياً في نظرة الدولة لمسألة الشراكة مع القطاع الخاص والأهلي الجاد مما سيترتب عنه حدوث تحسن ملحوظ في منح التراخيص لمؤسسات القطاع الخاص للاستثمار في هذا الميدان ومنح بعض التسهيلات في نطاقات ضيقة إذ أن السياسة العامة ستظل سياسة تريث وعدم فتح الباب على مصراعيه حيث تكون هذه المرحلة مرحلة تجريب للعلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في هذا المجال وتترك الفرصة لقابل الأيام للحكم على مدى جدوى هذا التوجه والإجراءواحتمالية وقوع هذا المشهد إمكانية مرتفعة بل أنه أكثر المشاهد احتمالاً، حيث يتطابق هذا المشهد مع ما دعت إليه ندوة استشراف مستقبل التعليم العالي في المملكة العربية السعودية المنفذة عام 1988 وندوة استشراف مستقبل العمل التربوي في المملكة العربية السعودية المنعقدة في أبها عام 1988 أيضاً.  والمحصلة الأخيرة لهذا المشهد هي التمهيد لمشهد الانطلاق ... مشهد الحلم والأمل ومن أهم ملامح مشهد التوسع المنضبط ما يلي :
1-            حدوث تغيير جذري في استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتأكيدها على أهمية تطوير الكوادر البشرية المدربة تدريباً مستمراً ، وإتاحة فرص التعليم العالي لأكبر عدد من القادرين والراغبين تلبية لاحتياجات السعودة خاصة في ميادين المعلوماتية والعلوم والتقانه واللغات الأجنبية وفي إطار توجهات وزارة المعارف لتدريس اللغة الإنجليزية في المراحل المبكرة من التعليم، وتوجهاتها لتعميم تدريس الحاسوب في مراحل التعليم الأساسي والثانوي ، فإن حاجة هذه الوزارة بالذات تصبح ملحة للاستعانة بمؤسسات وجامعات أو على الأقل استخدام أساليب التعلم عن بعد لتوفير الكوادر البشرية اللازمة لترجمة هذه التوجهات إلى واقع ملموس خاصة وأن هذين التخصصين من التخصصات النادرة.  صحيح أن هناك خيارات متعددة للوصول إلى هذا الهدف ولكن معظمها خيارات مكلفة من ناحية وطويلة الأجل من ناحية ثانيةولعل أهمها وأقصرها وأقلها كلفة هو خيار التعليم عن بعد متى ما أحسن ضبط جودته النوعية.
2-            التفات الجامعات لمسألة التقويم كعنصر أساسي من أساسيات برامج إصلاح الدراسة بالانتساب مما ينجم عنه إحداث تغييرات نوعية في نسيج الممارسة يؤدي إلى توسع الجامعات في أخذها ببرامج التعليم عن بعد حسب ما هو معمول به في التجربة العالمية.
3-            زيادة استثمار التقنيات التعليمية خاصة Teleconferencing وتوظيفها في برامج التدريب في أثناء الخدمة، خاصة في تدريب المعلمين ومنسوبي ومنسوبات وزارة الصحة وتدريب موظفي القطاع العام من قبل معهد الإدارة .  وسيحدث انفراج في دخول القطاع الخاص كشريك في تقديم خدمات التعليم عن بعد تكون معتمدة من قبل الدولة وذلك عن طريق التجريب للمرة الأولى.
4-            الالتفات لمسألة التنسيق بين الجامعات السعودية تلافياً للازدواجية وتقليلاً للكلفة وضبطاً للجودة.  ويتوقع أن تطرح مسألة التنسيق مع الديوان العام للخدمة المدنية بشكل جاد يضمن الاستفادة من خريجي البرامج التي تقدمها الجامعات عبر هذه الوسائط الجديدة.
5-            زيادة عدد السكان بشكل ملحوظ وزيادة طلب المرأة على التعليم والتوظيف حتى في بعض القطاعات غير التقليدية .
6-            تحافظ أسعار البترول على مستواها الحالي مع افتراض وجود زيادات محددة ليست ذات أهمية، ووجود مؤشرات إيجابية في الوضع السياسي العام في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالوضع العربي – العربي.
7-            تضطر كثير من الشركات متعددة الجنسية لتدرب منسوبيها في مجال اختصاصاتها غير التقليدية عن طريق شركاء عامين وباستخدام الشبكة العالمية (الإنترنت).
8-            يزداد التعاون العربي – العربي في مجال التعليم عن بعد وتتخذ إجراءات لاعتماد معادلة الشهادات الممنوحة عن طريق الجامعات العربية المفتوحة وذلك بعد وضع قائمة للجامعات المعترف بها تحددها وزارة التعليم العالي بناء على ضوابط ومعايير وتشاور دقيق مع اتحاد الجامعات العربية.
9-            تتمخض هذه المرحلة عن تكوين إدارة عامة للتعليم عن بعد ضمن إطار هيكل وزارة التعليم العالي تكون مسؤولياتها التخطيط والتنظيم والتنسيق والمتابعة والتقويم لمناشط وبرامج التعليم عن بعدوينتقى العاملون في هذه الإدارة من ضمن الخبرات السعودية والعربية المؤهلة للقيام بهذه المسؤولية .
10-        تسعى الجامعات السعودية للاستعانة بالخبرات العربية والدولية خاصة تلك العاملة في المنظمات وبيوت الخبرة الدولية والعربية خاصة في مراحل وضع التصورات الأساسية لمشروعاتها وفي بناء شبكات الاتصال والتواصل وإنتاج المواد التعليمية، وتدريب القيادات التعليمية والإدارية العاملة فيها.  ويتوقع أن تلعب اليونسكو والمجلس العالمي للتعليم عن بعد، والبنك الدولي والقنوات الفضائية العربية التعليمية دوراً أساسياً في مساندة بلورة المشروعات التي يتوقع أن تقوم بها الجامعات السعودية.
11-        سوف تحرص كليات التربية في هذه المرحلة على القيام بدور ما تجاه مساندة جامعاتها في بلورة هذا التوجه وتطبيقه.  ولكن دورها على الأقل في هذه المرحلة سيكون محدداً نظراً لمحدودية الإمكانيات والموارد المتوافرة لديها ولغلبة الجانب النظري الأكاديمي على ما تقوم به من مجهودات.  وأكثر ما يمكن أن تقوم به كليات التربية في هذه المرحلة هو التدريب النظري التمهيدي لمن يتوقع أن يقوموا بمسؤوليات ترتبط بالتعليم عن بعد في الجامعات وطرح بعض المقررات المحدودة كجزء أساسي من متطلبات التخرج في هذه الكليات.

وسوف تسهم بعض كليات التربية بتطوير وبناء رزم وحقائب تعليمية يتم إنتاجها على نطاق واسع من قبل الجامعات وربما يسحب القطاع الخاص البساط من تحت أقدام كليات التربية نظراً لارتفاع كلفة الإنتاج وعدم تفرغ كليات التربية لهذه المسؤولية ولحداثة تجربة الكليات في المسائل المرتبطة بالإنتاج التقني التعليمي.
ولعل القضية الأساسية التي ستضطلع بها كليات التربية وسيكون لها دور بالغ في قابل الأيام هي قدرتها على الدفع لإنشاء الجمعية السعودية للتعليم عن بعد والتعليم المفتوح وأن تكون رسالتها "التبشيربالتعليم عن بعد ورسالته وأهميته من خلال إصدارالنشرات الدورية ومجلة علمية لنشر الدراسات وتدريب القيادات وعقد المؤتمرات والندوات ... وستنجح هذه الجمعية إلى حد كبير في بلورة الاهتمام الجامعي والمجتمعي حيال هذا النوع من التعليم وتتمكن من استقطاب كثير من القيادات المجتمعية والرسمية الفاعلة لتأييد وتبني هذا التوجه.
من المتوقع أن تبدأ في هذا المشهد إرهاصات أولية لإحداث تغيير حقيقي في طرائق التدريس لتتحول تدريجياً إلى طرائق حوارية، تفاعلية، تركز على الفهم والتحليل والنقد والبحث واكتساب مهارات التعليم الذاتي بعيداً كل البعد عن أساليب الحفظ والتلقين والاستظهار أو ما يطلق عليه "أسلوب الودائع البنكية".

هذه التغييرات تنطلق من فلسفة تؤمن بأن التعلم لكي يكون مدى الحياة لابد أن يبدأ باكتساب المتعلمين مهارات التعليم الذاتي التي تمكنهم من التعلم مدى الحياة بذواتهم.  هذا التغيير في التوجيه وان كان بسيطاً في ظاهره إلا أنه متعمق وذو دلالات بالغة الأهمية.  فمن ناحية ينظر إلى هذا التغير في التوجه أنه سيحدث انفراجاً في العلاقة القائمة بين أنظمة التعليم النظامي التقليدية وأنظمة التعليم غير النظامي (informal) والتي تتشكل برامج التعليم عن بعد في إطارهافتغير الفلسفة والتوجه نحو هذا المعنى هو اعتراف بأن المؤسسة المدرسية وظيفتها الأساسية هي تعليم الناشئة مهارات التعليم الذاتي ليواصلوا تعلمهم في الحلقات والمستويات الأخرى من التعليم المدرسية وغير المدرسية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يعني هذا التغير إعادة بناء ذهنية مجتمعية ومدرسية جديدة تؤمن بأن أنماط التعليم النظامية وغير النظامية واللانظامية جميعها حلقات أساسية لا تمايز أو تفضيل بينها إلا بقدر ما تستطيع أن تثري تجربة الفرد وخبراته وممارساته وبقدر ما تستطيع أن تستثير في كوامنه حوافز الإبداع والمنافسة والإنتاج والتميز.

وسيكون لهذا التغيير دور كبير في تغيير وبلورة الرؤية المجتمعية نحو التعليم وما ينبغي أن يكون عليه الأمر الذي يطرح مسألة التعليم المفتوح والتعليم غير النظامي والتعليم عن بعد ضمن المسائل ذات الاهتمام المجتمعي إذا أراد المجتمع أن يكون مجتمعاً حضارياً متعلماً.

3- مشهد مرحلة الانطلاق :
              يمثل هذا المشهد ما يمكن أن يطلق عليه نموذج الحلم والأمل الذي ينبغي أن تكون عليه وضعية حركة التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية، ويتوقع أن يتشكل هذا المشهد مع بدايات العقد الثالث من الألفية الثالثة أي بعد ما يقارب 19 عاماً من الآن بعد أن يكون مشهد التوسع المنضبط قد وضع القواعد الأساسية وهيأ لانطلاق هذا المشهد الحلم.

              ووفق تصورات هذا المشهد سينظر إلى التعليم عن بعد كخيار استراتيجي للدولة لامناص من الأخذ به لمواجهة التحديات السكانية والاقتصادية والثقافية التي تواجهها الدولة في زمن استفحال تجليات العولمة.  هذا الخيار الاستراتيجي المتبنى مدعم من النخب المثقفة، والمسؤولين في الجامعات السعودية ، وأصحاب الرأي العام الذين بدءوا منذ أكثر من عقد من الزمن يستشعرون حتمية هذا النوع من التعليم ودوره في إحداث قفزات نوعية في مسيرة تنمية المجتمع وتحديثة وتلبية احتياجاته واحتياجات أبنائه.
              ويفترض أن يأتي الاهتمام بمسألة التعليم عن بعد امتداداً وانعكاساً ينسجم مع التغييرات المتوقع إحداثها في صلب فلسفة وسياسة التعليم في المملكة خاصة في الجوانب المرتبطة بتبني صيغ ومفاهيم التعليم المستمر، والتعلم مدى الحياة ، والتعليم للجميع ، والتعليم الذاتي وغيرها من صيغ ومفاهيم ذات ارتباط وثيق بمسألة التعليم عن بعد وفلسفته.
              ويعتمد مشهد الانطلاق في ديناميته على مبادئ الشراكة والتكامل بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني في توفير فرص التعليم عن بعد حيث تتحول قضية التعليم إلى قضية وطنية ذات مساس بالأمن المستقبلي للوطن وبالتالي ينبغي أن تدعى كافة القطاعات إلى الاشتراك فيها في إطار محكم من التنسيق والتعاون بعيداً كل البعد عن محاولات الإقصاء أو التهميش لأية اعتبارات كانت.  وفي ضوء هذا التصور ستختفي المسائل المرتبطة بمناقشة دور القطاع الخاص أو الأهلي في الاستثمار التعليمي وستصبح هذه المشاركة نوعاً من الحقوق الطبيعية المكتسبة لهذه القطاعات .
              ويفترض في حال حدوث هذا المشهد أن تتم إجراءات وتغييرات أفقية ورأسية واسعة تمكن من فتح فرص التعليم عن بعد لكل الأعمار وفي كافة أنواع التخصصات والمراحل الدراسية بدءاً من التعليم الأساسي وبرامج محو الأمية ومروراً ببرامج التعليم الثانوي والفني ونهاية ببرامج التعليم العالي والتدريب المستمر 
              ويفترض أن يوفر هذا المشهد قدراً من المرونة للدارسين في التحرك والانتقال من منظومة التعليم عن بعد إلى المنظومات التربوية النظامية العامة أو التعليم الفني والعكس صحيح.  وسيفرز هذا المشهد بناء علاقات عضوية تتبادل فيها المنافع والمصالح بين مؤسسات التعليم المفتوح والتعليم التقليدي، وسوف تثبت التجربة أن أنظمة التعليم التقليدية سوف تستفيد كثيراً من البرامج والوسائط التعليمية التي توفرها مؤسسات التعليم عن بعد مما يؤدي بالتالي إلى تحسين مستوى أداء المؤسسات التقليدية.

              ويؤكد هذا المشهد على اعتبارات الكيف لا الكم من خلال العناية الشديدة بقضايا الجودة النوعية ، ونشر ثقافة الإبداع والتميز والإنجاز لضمان خلق جيل جديد عن طريق استخدام أساليب تعليمية مرنه ومستحدثة تؤهله للعطاء والمنافسة في عصر المعلوماتية والعولمة والتغير المتسارع في شتى جوانب الحياة ولضمان تحقيق الجودة النوعية المرغوبة يركز هذا المشهد على اعتبارات التقويم المستمر الداخلي والخارجي كمسألة ملحة وجوهرية لا يمكن الاستغناء عنها أو الاستهانة بهاوتنشأ لهذا الغرض مؤسسة متخصصة لاعتماد البرامج والمؤسسات وتخصص موازناتها من قبل الدولة ويكون لهذه المؤسسة مكاتب وفروع في شتى أنحاء المملكة وسيكون البحث والتدريب من بين اهتمامات هذه المؤسسة.

وسيتم التعليم عن بعد من هذا المشهد في ظل ظروف تتعزز فيها أواصر التعاون العربي في هذا الميدان وفي ظل مناخ دولي تشتد فيه حدة المنافسة في الأسواق العالمية وزيادة التكتلات الاقتصادية وتزايد الحاجات المجتمعية لقوى بشرية مدربة تدريباً متميزاً في مجالات المعلوماتية وحفظ المعلومات والإليكترونيات والعلوم والتقانه، وهي مجالات أثبتت التجربة الدولية إمكانية استيعابها من خلال مؤسسات التعليم المفتوح والتعليم عن بعد.

ولعل أهم التغييرات النوعية في هذا المشهد هو انطلاق تحركات برامج التعليم عن بعد من خلال استراتيجية وطنية للتعليم عن بعد تستمد معطياتها ومؤشراتها وموجهاتها من الخطط القومية والدولية المطورة في هذا الميدان.  وفي إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية سيتم افتتاح أول جامعة سعودية مفتوحة في أوائل العقد الثالث من الألفية الثالثة ويسترشد في بناء هذه الجامعة بتجربة جامعة بريطانيا المفتوحة والجامعة العربية المفتوحة.  ويتوقع أيضاً توسع استثمار القطاع الخاص في مجال التعليم عن بعد نتيجة لاختفاء ممارسات الروتين الممل في إجراءات الحصول على التراخيص الرسمية للاستثمار في ميدان التعليم عن بعد.
ومن المتوقع أن يتم تركيز برامج التعليم عن بعد في هذا المشهد على البرامج ذات الاحتياج المجتمعي والوظيفي المتزايد، خاصة البرامج العلمية والتقنية، كبرامج الهندسة والبرمجة الحاسوبية والإدارة والاقتصاد والمحاسبة، والعلوم الطبية التطبيقية واللغات الأجنبية، وغيرها من التخصصات غير النظرية.

وأهم الملامح الأساسية لمشهد الأمل ما يلي:
1-   بروز التعليم عن بعد كخيار استراتيجي للدولة يحظى بدعم حقيقي من الدولة لمواجهة تحديات العولمة ويعزز هذا الاتجاه بإصدار تشريعات رسمية تنظم مسألة التعليم عن بعد وتخصص له موازنات ضمن الميزانية العامة للدولة، وتظهر لأول مرة في المملكة مؤسسات وجامعات ومعاهد وظيفتها الأساسية هي توفير خدمات التعليم عن بعد، ويتزايد دور الجامعات السعودية في هذا الميدان مع استمرارية نموذج البرامج المزدوجة المشار إليها في نموذج التوسع المنضبط، كما يتوقع أن كثيراً من الجامعات ستلجأ إلى استخدام التعليم الإليكتروني في برامجها للتعليم عن بعد وفي بعض مقرراتها الإجبارية التي تطرحها للطلاب التقليدين تخفيفاً للضغط والعبء الأكاديمي الكبير الملقى على أعضاء هيئات التدريسويمكن أن توظف هذه التقنية كنموذج بديل للإشراف المشترك والمستخدم في بعض جامعات المملكة، وسوف تنتظم حركات التعليم عن بعد في ضوء استراتيجية وطنية للتعليم عن بعد تأخذ خصوصيتها من طبيعة المجتمع السعودي وخصوصياته وتسترشد هذه الاستراتيجية بموجهات الاستراتيجيات والتجارب العربية والدولية في هذا الميدان حتى تكون انعكاساً للواقع العالمي.
2     يتوجه اهتمام التعليم بشكل عام والتعليم عن بعد بشكل خاص لمسألة الشراكة المجتمعية والاهتمام بالكيف وجودة النوعية وإنشاء الهياكل لرصد ومتابعة وتقويم برامج التعليم عن بعد وجميع العناصر المشكلة للمنظومة التعليمية بعيداً عن أساليب التقويم التقليدية.  ويفترض أن تتأثر معونات مؤسسات وأجهزة التعليم عن بعد التي تمنحها لهم الدولة بطبيعة نتائج التقويم التي تقوم به الأجهزة الرسمية المحايدة ووفق هذا التوجه ستدخل كثير من المؤسسات في مضمار التعليم على بعد وتحاول الإبداع فيه وبذلك ستختفي سيطرة جهة أو جهتين عن هذه المسألة .
3  يتم التعليم وفق هذا المشهد في ظل أجواء عربية عربية متميزة ومناخ دولي يدعو لتجويد التعليم والتميز والإبداع والمنافسة.  وفي ضوء ذلك سيصبح في المملكة فروع للجامعات العربية والدولية وستوضع بعض الضوابط المرنة لتنظيم هذه المسألة .  وستظهر لأول مرة في المملكة مؤسسات وجامعات تدرس بلغة غير العربية وسيكون هذا الأمر مقبولاً خاصة في بعض التخصصات العلمية الدقيقة.  وستختفي في هذا المشهد أساليب الدراسة التقليدية عن طريق الانتساب إذ من المتصور أن يكون التعليم بشكله العام قائم على التكنولوجيا الإليكترونية (Technology based) والفضائيات وبطبيعة الحال المواد التعليمية المزودة بأشرطة الفيديو والكاسيت وتكون وسيلة الاتصال بين الطلاب ومعلميهم هي وسيلة البريد الإلكتروني ويتوقع أن تدار المسائل والمعاملات الحكومية الرسمية إليكترونيا في ضوء ما يسمى بالحكومة الإليكترونية.  ورغم الانفتاح على التجارب الدولية سيحافظ التعليم على هويته الثقافية.
4     نظراً للكثافة السكانية المتزايدة والإقبال المتزايد من الفتيات على التعليم نتيجة للطلب المتزايد على تشغيل الفتيات في مواقع عمل وإنتاج غير تقليدية ستواجه الدولة صعوبات في توفير فرص التعليم للجميع، وستجد صعوبة أيضاً في توفير أعداد كافية من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمدارس.  وهذا الجانب يفتح المجال أمام الجامعة السعودية المفتوحة وغيرها من الجامعات الخاصة والدولية للمساهمة في تكوين أساتذة الجامعات والمدرسين عن بعد.  إن هذه الإشكالية، أي إشكالية عدم كفاية أعضاء هيئةالتدريس لمواجهة الطلب المتزايد على التعليم ذكرت في الأدبيات العربية منذ 20 عاماً وتمت الدعوة في أكثر من توصية لإنشاء جامعة عربية للتعليم عن بعد تتولى مسألة إعداد وتكوين أعضاء هيئة التدريس في الوطن العربي ولم تترجم هذه التوصية إلى واقع عملي حتى الآن (السنبل، 1998، ص 1-10). والحاجة تتزايد يوماً بعد يوم لهذه المسألة، ولعل الجامعة السعودية المفتوحة المتوقعة تسهم في علاج هذه الإشكالية بحيث تكون آلية تساعد الكثير من أنظمة وأبناء الدول العربية للاستفادة من خدماتها في ميدان تكوين الأساتذة الجامعيين والعاملينويتوقع أن تكون هذه الجامعة مجالاً خصباً للتعاون العربي المشترك.
إضافة إلى بروز الجامعة السعودية المفتوحة سيظهر إلى حيز الوجود العديد من المؤسسات الوطنية العامة والخاصة التي تكون وظيفتها الأساسية توفير خدمات التعليم عن بعد.  ويتوقع أن تفرض رسوم دراسية على طالبي الاستفادة من الخدمات وهذه الرسوم ليست استثنائية حيث من المتوقع أن تفرض رسوم دراسية حتى على الدارسين والدارسات في المؤسسات التقليدية الحكومية.  وستنشط في هذا المشهد مسألة تقديم القروض الدراسية من قبل البنوك للطلاب وفق إجراءات مرنة وسهلة في التسديد لأجال معقولة.
5   تقوم الجامعات السعودية بدور بارز في تفعيل حركة التعليم عن بعد خاصة فيما يتعلق بتدريب أعضاء هيئة التدريس العاملين في جامعات وكليات التعليم عن بعد الخاصة والأهلية وفي إجراء البحوث الميدانية حول هذه الظاهرة وفي توفير الأساتذة التي تحتاجها الجامعات الخاصة، وفي إنتاج بعض البرامج التعليمية الخاصة بالجامعات

ويتوقع أن تحول الجامعات السعودية عمادات مراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر إلى عمادات لخدمة المجتمع والتعليم عن بعد بحيث تقوم هذه العمادات بتقديم خدمات للمجتمع حسب الطرائق المألوفة حالياً إضافة إلى تقديم برامج أكاديمية وتثقيفية مدفوعة الأجر للمؤسسات والأفراد الراغبين في الاستفادة من هذه البرامجويتوقع أن يكون للجامعات السعودية مشتركة قناة بث تلفزيوني موحدة تتاح فيها الفرصة لمراكز خدمة المجتمع والتعليم عن بعد والكليات النظرية والعلمية بث برامجها التعليمية أما لمنسوبيها أو للمستفيدين من خدماتها وذلك وفق جدولة زمنية محددة ومتعارف عليهاهذه القناة التلفزيونية الموحدة إما أن تكون ملكاً للجامعات أو مستأجرة من قبل وكالات البث الفضائي،  ويتوقع أيضاً أن تتكامل الجامعات وتتعاون في مسألة إنتاج البرامج التعليمية نظراً لارتفاع كلفة إنتاج هذه البرامجوالجدير بالذكر أن الجامعات الرسمية في هذا المشهد سوف تزيد إلى أكثر من النصف مما هي عليه الآن أي ستصبح (12) جامعة وسوف تتزايد الجامعات الأهلية وسوف تتقلص إلى حد كبير الدراسات النظرية والاجتماعية إلا في حدود ضيقة تقتضيها الحاجةوربما تقدم هذه الدراسات عن طريق برامج التعليم عن بعد.

ويتوقع أن تقوم الجامعات بابتعاث بعض المعيدين لدراسة التعليم عن بعد في عدد من الجامعات المرموقة من أجل افتتاح أقسام خاصة لهذا التخصص بعد عودة هؤلاء المبتعثين.  ومن المتوقع أن يتزايد أخذ الجامعات السعودية بنموذج الجامعة المنتجة التي يركز فيه على مسألتي خدمة المجتمع والتدريس المستمر أكثر من تركيزها على مسألة التدريس فحسب.  هذا التوجه سيغير من آلية عمل الجامعات في بروج عاجيةوفي كل الأحوال فإن نموذج التعلم المزدوج الذي أشرنا إليه في المشهد الثالثمشهد التوسع المنضبطسوف يستمر ويطور مع الجامعات وسيعتمد أكثر من ذي قبل على معطيات التكنولوجيا والفضائيات.
6     سيتعزز التنسيق والتعاون والتكامل بين أنظمة التعليم العام والفني والعالي والتعليم عن بعد الأمر الذي يحقق المرونة في التعامل بين هذه الأنظمة مما يؤدي إلى سهولة انتقال الطلبة من وإلى هذه الأنواع المتعددة من الأنظمة التعليمية دون عراقيل أو صعوبات .  وسوف تعتمد هذه الأنظمة على بعضها البعض وتتعاون سوياً في مسائل تطوير البرامج وإنتاج المواد التعليمية .  وسوف تمنح بعض التسهيلات للراغبين في دراسة التعليم العالي عن بعد نذكر منها على سبيل المثال احتساب الخبرة العملية ومعادلتها ببعض المواد الدراسية، وتمكين معيدي الثانوية العامة من الالتحاق بالجامعات بعد اجتيازهم لاختبار تحديد المستوى أو التحاقهم بمواد تكميلية
7-     يتوقع أن تعزز المواءمة بين مخرجات مؤسسات التعليم عن بعد واحتياجات التنمية ، إذ من المتوقع أن تركز جامعات ومؤسسات التعليم عن بعد على البرامج التعليمية المرتبطة بالعلوم والثقافة والطب والهندسة والمعلوماتية واللغات الأجنبية والإدارة والمحاسبة وتبتعد تماماً عن العلوم الإنسانية والاجتماعية والنظرية إلا في نطاقات ضيقة.  ولعل أبرز مظاهر هذا الأمر يتمثل في التغيير المستمر في طبيعة البرامج التي تقدمها هذه المؤسسات لتناسب احتياجات سوق العمل .  فلا يستبعد أن تظهر في المؤسسة الواحدة برامج تعليمية لفترة زمنية ومن ثم تختفي إذ ثبت أن سوق العمل لم يعد بحاجة إليها.  وهذا سيتم من خلال إشراك قوى سوق العمل في مجالس إدارة هذه المؤسسات والجامعات حتى يستأنس برأيها واستشاراتها. ويتوقع أيضاً أن يتم تعزيز التعاون بين هذه المؤسسات وديوان الخدمة المدنية والجامعات وذلك لأمرين أساسيين أولهما لضمان توفير وظائف لخريجيها وللمحافظة على مصداقية هذه الجامعات من منظور علمي.
8      نظراً للتغييرات المتلاحقة في جميع مناحي الحياة وخاصة في مواقع العمل والإنتاج ستصبح مسألة التدريب المستمر في أثناء الخدمة قضية مجتمعية ونمطاً أساسياً في حياة المجتمع إذ ستقتضي الحاجة أن يكون التدريب تناوبياً وبصورة متسارعة.  ونتيجة للتغيرات المتسارعة في ميادين العلوم والتكنولوجيا ستفرض في بعض التخصصات العلمية كالطب والهندسة والقانون إلزامية التعليم المستمر وتكون شرطاً لتجديد تراخيص مزاولة المهنة وتشرف الجمعيات العلمية والوزارات المعنية على تطبيق هذه المسألةوسيكون من المستحيل ومن غير العملي تطبيق هذا التوجيه وفق الأساليب التقليدية للتدريب .

وفيما يتعلق بأساليب التدريب أثناء الخدمة التي تقوم بها حالياً كليات المعلمين والمعلمات ومعهد الإدارة العامة بفروعه المتعددة فمن المتوقع أن تختفي أساليبه التقليدية إلا في نطاقات ضيقة وسيحل محل هذه الأساليب التقليدية أساليب تعتمد على تقنيات الـ     (Video-conferencing) والتعليم الإليكتروني والبث عبر الفضائيات واستخدام الحقائب والرزم التعليميةوستنخفض أسعار وكلفة هذه التقنيات انخفاضا جذرياً عما هي عليه الآنوتبعاً لهذه التغيرات المتوقعة سوف تنشط مؤسسات الإنتاج البرامجي التعليمي، والقنوات الفضائية، ومؤسسات بناء الشبكات الإليكترونية لتلبية الاحتياجات المجتمعية المتزايدة في ميدان التعليم بشكل عام والتعليم عن بعد بشكل خاص .
9   من المتوقع أن تسفر جهود محو الأمية في المملكة عن انخفاض واضح في نسب محو الأمية إذ لن تتجاوز نسبة الأمية 10% من إجمالي عدد السكان في أوائل العشرية الثالثة من القرن الحالي.  ورغم انخفاض هذه النسبة إلا أن الأعداد الكلية للأميين ستزيد بكثير عما هي عليه الآن نظراً للزيادة المتوقعة في أعداد السكان والذي يتوقع أن يكون عددهم 35 مليون أي ضعفي ما هم عليه اليوم.  ومن المتوقع أن تلجأ الدولة إلى أساليب التعليم عن بعد للقضاء على هذه الإشكالية إذ أن الأساليب التقليدية ستكون مكلفة وغير عملية لحل هذه الإشكالية ولذلك سيستخدم الراديو والتلفزيون بشكل واضح للقضاء على الأمية الأبجدية والحضارية من خلال بث دروس مبرمجة بشكل مستمر وستوفر للمواطنين الكتب والمراجع المطلوبة لمتابعة هذه الدروس بشكل مقنن.  وستحدد بعض الآليات لاختبار الدارسين ومعاونتهم من خلال افتتاح بعض المراكز المحددة التي تقوم بهذا الغرض.

وسوف تنشأ قناة فضائية تعليمية تكون مهمتها بث برامج محو الأمية ودروس مبرمجة للتقوية ولرياض الأطفال وللمتسربين من برامج التعليم الأساسي في سن مبكرة لتمكينهم من مواصلة الدراسة في منازلهم.  ومن المتوقع أن تنشط مسألة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من أجل إدماج العمالة الأجنبية في النسيج الثقافي والمجتمعي.
10  من المتوقع في هذا المشهد أن ترتفع أسعار النفط إلى مستويات غير معهودة وتشهد المنطقة استقراراً منقطع النظير ، وترتفع نسبة الشركات متعددة الجنسيات المستثمرة في المملكة، وتعود كثير من رؤوس الأموال المهاجرة ، وتتوسع فرص الاستثمار في مجالات الصناعات الإلكترونية، والمعلوماتية، والسياحة وبالتالي يتضاعف الطلب على القوى البشرية الوطنية المدربة تدريباً عالياً وتفتح مجالات وأبواب غير تقليدية لعمل المرأة .  ويتوقع أن يرتبط مع هذه المتغيرات بعض مظاهر العنف نتيجة للتغيرات المتسارعة والغزو الثقافي الأجنبي والعمالة الوافدة.  وسيكون للتعليم عن بعد دور في إيجاد برامج وصيغ تساهم جزئياً في وضع حلول لهذه الإشكاليات .  ومن المتوقع أن يتزايد الطلب الاجتماعي على الخدمات الصحية والترفيهية ، وتتزايد الاستخدامات الاجتماعية للوسائل الإلكترونية في التعامل والمعاملات الشخصية والرسمية.  وسوف تتزايد ظاهرة أداء الأفراد لأعمالهم من بعد أي وهم باقون في منازلهم.
11    سوف تتعدد الهياكل والأجهزة المعنية بمسألة التعليم عن بعد حيث يتوقع أن تتحول الإدارة العامة للتعليم عن بعد إلى وكالة وزارة وربما يحدث ذلك قبيل حلول العقد الثالث من الألفية بكثير.  ويتوقع كما ذكرنا سابقاً إنشاء مرصد وطني للتعليم عن بعد توكل إليه مسألة اعتماد المؤسسات والبرامج ومتابعة أنشطتها وبرامجها.  وسوف يقوى في هذه المرحلة دور الجمعية السعودية للتعليم المفتوح والتعليم عن بعد التي يفترض ، كما ذكرنا سابقاً، بأنها أنشئت في المشهد السابق "مشهد الانفتاح المنضبطوسوف تنشط هذه الهياكل والأجهزة داخلياً وخارجياً من خلال المشاركة الواعدة في الندوات والمؤتمرات الوطنية والعربية والدولية للاطلاع والتواصل ونقل الخبرات العربية والدولية حتى تتواكب حركة التعليم عن بعد في المملكة مع نظيراتها على الساحة الدولية .
12  سوف تتزايد في هذا المشهد الشبكات التخصصية النوعية والمواقع التعليمية التجارية العربية والأجنبية خاصة للاختصاصين وذوي المهن الراقية والتي يمكن الدخول عليها وفق اشتراكات متفق بشأنها بحيث تتم جميع العمليات المرتبطة بالتسجيل والتعليم وأداء الاختبارات والتغذيات الراجعة إليكترونيا ... ويصاحب هذه الشبكات بطبيعة الحال، وسائل ومواد أخرى معينة على التعلم.
13  مسألة الإعداد والتكوين الفني العالي ستظل مسألة محورية في المستقبل ولكنها ستأخذ أشكالا وأنماطاً مختلفة عما هي عليه الآن وستصبح هذه المسألة ملحة حتى بالنسبة للفتيات خاصة في المجالات التي لا تتعارض مع روح وجوهر العقيدة الإسلامية السمحة وتقاليد المجتمع.  فمعاهد التدريب المهني الموجودة اليوم ستختفي تماماً لان وجودها قد أدى أهدافه في السنوات الماضية ولكن وجودها بهذه الصورة لم يعد مقبولاً اليوم لأنه لا يتلاءم مع طبيعة المرحلة والتغيرات المتسارعة في فضاءات التقنية وعوالم الاقتصاد.  فمن المتوقع أن تتحول هذه المعاهد إلى ثانويات صناعية وتجارية مطورة وفي الوقت ذاته، تحافظ الكليات التقنية التابعة للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني على ذاتيتها وهويتها ورسالتها مع إجراء تعديلات جذرية في برامجها وتخصصاتها.

وبنوع من الإبداع والخيال والحكمة وحسن التصرف يمكن إدراج بعض التخصصات في هذه المعاهد والكليات لتدرس عن بعد لكل من الفتيات والفتيان على حد سواء.  نذكر من بين هذه التخصصات السكرتارية ، المحاسبة وإدارة الأعمال ، إدارة المنشآت الصناعية ، إدارة التجارة الإليكترونية، صيانة المعدات الإليكترونية، اللغات الأجنبية ، الحاسوب والأعمال المصرفية، الإدارة الفندقية، التغذية والإنتاج الغذائي ، فن التجميل، تصميم المجوهرات، الاقتصاد المنزلي، التصميم الداخلي والفنون الجميلة، الرعاية الطبية الأولية ، إدارة مؤسسات التأمين، أعمال الصيانة المنزلية الأولية، البستنه، صناعة الأثاث والسجاد والملابس والأزياء، التفصيل والخياطة وغيرها.  ويمكن أن تقدم الكليات التقنية هذه البرامج منفردة أو بالتعاون مع بعض الأقسام الجامعية المتخصصة.  وربما تبدأ الكليات التقنية في تقديم برامج تخصصية باستخدام وسائط ووسائل التعليم عن بعد وعلى سبيل التجربة في المشهد الثالث (مشهد التوسع المنضبط).

 مشهد النكوص والتراجع :
يمثل هذا المشهد أسوأ السيناريوهات التي يمكن – لا سمح الله – أن تؤول إليها "حركة التعليم عن بعدفي المملكة العربية السعودية حيث يبنى التصور على افتراض أن وضعية التعليم عن بعد في صورتها الحالية سوف تتراجع بسبب إلغاء برامج الدراسة بالانتساب التي تقدمها جامعتان وحيدتان هما جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وذلك بطبيعة الحال بعد إتاحة الفرصة للجيوب المتبقية من الطلاب والطالبات لإكمال دراستهم.  ولن يتم تعويض هذه البرامج الملغاة بصيغ أو برامج بديلة سواء على المستوى الحكومي أو الخاص.  ويتم هذا الوضع من غير دراسة كافية أو تقويم شمولي يستهدف النظر في هذه المسائل من منظور جاد بغية التطوير والتغيير أو التحوير نحو الأحسن.

              ولن يتبقى من ممارسات التعليم عن بعد في المملكة سوى استخدام الدائرة التلفزيونية المغلقة في تدريس الفتيات في كليات البنات والجامعات نظراً لعدم توافر أعداد كافية من عضوات هيئة التدريس اللائي يمكنهن القيام بهذه المهمة الأمر الذي يحتم استمرار الحاجة الملحة للاستعانة بالكوادر الرجالية الذين لا يحق لهم من منظور شرعي واجتماعي تدريس الفتيات بصورة مباشرة وجها لوجه .  ويتصور أن هذا النكوص والتراجع في ميدان التعليم عن بعد سيكون انعكاساً طبيعياً للنكوص والتراجع الذي سيطرأ على المشهد التربوي والاجتماعي بشكل عام ليس في المملكة العربية السعودية فحسب بل في دول الخليج المجاورة.

              ويفترض أن تقوم من حين إلى آخر بعض المحاولات لإحياء الدراسة بالانتساب في الجامعتين المذكورتين بيد أنها لن تلقي الحماس والاهتمام المطلوبين بسبب ظروف موضوعية.  ونتيجة لذلك يتوقع أن يضطر المواطنون السعوديون إلى الانتساب في البرامج التي تنتجها بعض الجامعات العربية الأمر الذي يعيد تشكيل المشهد التعليمي السعودي إلى بداياته الأولية أو ما يسمى بالرجوع إلى نقطة الصفر.   وبكل المقاييس والمعايير يعد هذا المشهد مشهداً شاذاً لما ينبغي أن يكون عليه التعليم عن بعد في المملكة العربية خاصة في ظل الاعتبارات الموضوعية التي تفرضها المرحلة التنموية للمملكة وللتغيرات المتعددة التي يفرضها المشهد العالمي للعولمة، والتجربة الدولية المتقدمة في مضمار التعليم عن بعد.  وحسب معطيات الحاضر تكاد تكون احتمالية تشكل هذا المشهد وفق هذا التصور مستحيلة حيث أن عوامل النكوص والتراجع لا تقارن إطلاقا مع القوى الدافعة للتقدم والنمو.

ومن أهم ملامح هذا المشهد الافتراضي ما يلي:
أولاً-  تراجع أسعار مبيعات النفط إلى مستويات متدنية غير معهودة وتزايد فرص الضرائب الدولية على مبيعاته وتراجع الاستثمارات الأجنبية في البلاد الأمر الذي سيؤدي إلى تأثر الميزانية العامة للدولة وبالتالي الموازنات المخصصة لميدان التربية والتعليم وتبني سياسات محكمة للترشيد وإلغاء البرامج غير ذات الأولوية كما هو الحال بالنسبة لبرامج الانتساب.
ثانياً-  زيادة حدة التوترات الإقليمية والعربية والدولية الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم استقرار المنطقة وارتفاع موازنات الدفاع والأمن وهذا بطبيعة الحال لن يتم إلا من خلال تخفيض موازنات الوزارات غير المعنية بذلك مما سينجم عنه تأثر وزارة المعارف والتعليم العالي.  هذه الزيادة في التوترات وتراجع أسعار النفط سيؤثران على طبيعة الممارسة التربوية وهو ما سيتعكس سلباً على الأداء التربوي مما ينجم عنه تفاقم لبعض الإشكاليات الأمر الذي يجعل النظام مشغولاً بالمشاكل الأساسية وتصبح مسألة التعلم عن بعد مسألة غير ذات أولوية وبعيدة عن الملفات الساخنة.
ثالثاًيتوقع في ظل هذا المشهد تراجع وتجميد الكثير من الإصلاحات التربوية الطموحة بسبب الاعتبارات الاقتصادية التي ستلقي بظلالها على مسيرة العمل التربوي.
رابعاًستظل رؤية الجامعات والمجتمع لبرامج التعليم عن بعد رؤية سالبة وسوف يقل الحماس لهذا النوع من التعلم بسبب ضعف الإعلام عنه وانصراف كليات التربية عن تبنيه وعدم قدرة الجهات المسؤولة عنه على ترقية ممارساته وجودته ونوعية خريجيه.
خامساًضعف برامج الانتساب في تلبية احتياجات سوق العمل الأمر الذي يجعل مؤسسات القطاع الخاص وحتى الحكومي لا تقبل على توظيف خريجي برامج الانتساب لعدم مناسبة اختصاصاتهم لاحتياجات السوق ، وثانياً لتدني جودتهم النوعية حيث أن البرامج المقدمة بصيغتها الحالية هي برامج موجهة لحل إشكالية الطلب والضغط الاجتماعي المتزايد على التعليم أكثر من كونها برامج تكوينية حقيقية.
سادساًبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة سيضمر الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم العالي وسوف يضطر الكثير من خريجي الثانوية للالتحاق بسوق العمل في وظائف لم تكن مقبولة أو مستساغة سابقاً، مما يضطر الجامعات لقبول الطلاب بشروط أقلصرامة بكثير مما هي عليه الآن حتى وأن أثر ذلك على نوعية أداء الجامعات.  وسوف يترتب على هاتين النقطتين وضعية تسمح للجامعات بتجاهل مسألة الانتساب أو وضعها قيد الدرس إلى أجل غير محدد.
سابعاً-  استفحال هوة العلاقة بين التخصصات التي تطرحها الجامعات والاحتياجات الحقيقية لسوق العمل مما يؤدي إلى تزايد بطالة الخريجين ، واستمرار استقدام الأيدي العاملة الأجنبية نظراً لحاجة البلاد لها بسبب الاختصاص وقلة الأجور .
ثامناً-  تشتد حدة تأثير تيارات العولمة الاقتصادية والتقنية بمستويات غير متوقعة مما يؤدي إلى تهميش الاقتصاد والثقافات العربية بشكل عام.

              إذن ، هذه السيناريوهات الأربعة هي السيناريوهات المتوقع أن تشكل المشهد المستقبلي للتعليم عن بعد في المملكة مع التأكيد عن أن المشهد الأخير هو الأقرب للاستحالة.  وفي كل الأحوال ينبغي أن نؤكد قبل أن نختتم هذا الجزء أن حركة التعليم عن بعد سوف تتأثر بعدد من المتغيرات التي ستحدد المسيرة والمشهد الذي يتخذه التعليم عن بعد في قابل الأيام ونوجز هذه المتغيرات في النقاط التالية:
  • السرعة أو البطء في اتخاذ القرارات والتشريعات الرسمية اللازمة لدعم حركة التعليم عن بعد، والإجراءات المتخذة لتعزيز هذه التشريعات بممارسات حقيقية على أرض الواقع أهمها إنشاء الهياكل وتضمين خطط التنمية القادمة برامج ومخصصات لهذا النوع من التعليم .
  • مدى نجاح الإرهاصات الأولى للتعليم عن بعد في الدول العربية وما تثبته التجربة الدولية من معطيات.
  • مستوى الإنجاز والنجاح الذي تحققه الجامعة العربية المفتوحة كنموذج يعول عليه في تحريك مسألة التعليم عن بعد ليس في المملكة فحسب بل في جميع الدول العربية.
  • التغيرات التي تطرأ على مسألة الطلب الاجتماعي على التعليم العالي.
  • التغييرات التي تطرأ عن الطاقة الاستيعابية للجامعات ومستوى توسع الدولة في إنشاء الجامعات والكليات الحكومية.
  • النتائج التي يحققها القطاع الخاص في استثماراته الجامعية ومدى تقبله الدخول كشريك في ميدان التعليم عن بعد ، وطبيعة الدعم الذي يمكن أن تقدمه الدول للهيئات المستثمرة في التعليم عن بعد .
  • مدى التوسع الذي تحققه الدولة في توسيع البنى التحتية خاصة خدمات البريد والاتصال وخدمات الإنترنت وشبكات الاتصال الثنائي والقنوات الفضائية.  مع العلم أن ما يتوافر حالياً يمثل حداً معقولاً مقارنة مع الوضع السائد في الدول العربية.
  • درجة الحماس التي تبديها الجامعات لتبني هذا النوع من أساليب التعليم والتعلم.
  • التغيرات التي تطرأ على أسعار النفطوالاستثمارات الأجنبية ، واحتياجات سوق العمل.
  • تحديات العولمة الجارفة، ومدى الاستقرار والأمن في المنطقة.
  • التغييرات التي ربما تطرأ على اقتحام المرأة لأدوار غير تقليدية في سوق العمل وسرعة حدوث هذه التغييرات .
  • قدرة أنظمة التعليم عن بعد على ضبط الجودة النوعية والتواءم مع احتياجات سوق العمل.

فهذه المتغيرات إذن من المتوقع أن تلعب دوراً جوهرياً في تشكيل مشاهد التعليم عن بعد مداً أو جزراً وقابل الأيام سيبين المسار والمشهد الذي ستؤول إليه.

ثامناً : ملامح أولية للاستراتيجية المستقبلية للتعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية
              يعد التعليم عن بعد ، كما ذكرنا سابقاً، خياراً استراتيجياً للدول العربية ، ومن أكثر الأنماط التربوية تأهلاً لأن يكون لها موقعاً متميزاً في المنظومة التربوية في أوائل القرن الحادي والعشرينففي إطار تحقيق مبادئ التربية المستمرة للجميع يمكن استخدام هذه الأنظمة لبث برامج تخصصية في إطار مستقل أو من خلال نموذج الأنظمة المزدوجة ، وبث بعض الدروس الجامعية للطلبة العاديين، وتقديم برامج لمحو الأمية والتعليم التقني، وتدريب المعلمين والعاملين في القطاع الخاص والعام، وبرامج التقوية والإرشاد الطلابي، والتثقيف الاجتماعي والصحي، وتعليم الأطفال في مراحل الطفولة المبكرة .
              وينبغي أن نؤكد في هذا الصدد، أن ما نعنيه في هذا الجزء ليس مجرد طرح بعض الصيغ والبرامج الممكن تقديمها عبر قنوات وأساليب التعليم عن بعد، إذ أن المسألة أكبر من ذلك بكثير فتقديم برنامج هنا وبرنامج هناك لن يؤدي في المحصلة الأخيرة إلى بناء حركة واعدة وصلبة للتعليم عن بعد، حركة تنطلق من تصورات وذهنية جديدة راغبة في التغيير ومؤمنة به ومستعدة للتحرك في ضوئه، حركة تؤمن بأن بناء الإنسان الجديد وخلق المجتمع الجديد بحاجة إلى صيغ ورؤى جديدة لا تلغي الأنشطة القائمة بقدر ما تتكامل معها وتتعاون معها لتحقيق الأهداف المرجوة في عالم متغير.

              إذن، فإن الخطوة الأساسية لإرساء مستقبل واعد للتعليم عن بعد لابد أن تنطلق من خلال رؤية واستراتيجية (Mann 1997, & Holmberg 1989مبنية على حوار مجتمعي موسع تطرح من خلاله الرؤى والأفكار والتوصيات وتتبلور في ضوئه معالم التغيير المطلوبة لتشكيل النظام المرغوب وأهدافه وتمويله وإعداد المستلزمات الخاصة به هذا الحوار المجتمعي التربوي لكي يكون مثمراً لابد أن يكون موسعاً وتشارك فيه القيادات الأساسية من صناع القرار، ورجالات التربية والفكر والثقافة ورجال الأعمال ويساهمون جميعاً في صياغة موجهات العمل الأساسية.

              هذه الحوارات المتعمقة تعين الباحثين والمسؤولين الرسميين في الأجهزة التربوية المعنية على رسم استراتيجية مستقبلية مستمدة من مرئيات موسعة عوضاً عن الاعتماد على مرجعية أحادية مستمدة من رؤى الأجهزة المعنية بالشأن التربوي فقطوهذه الاستراتيجية لكي تكون شمولية وواضحة المعالم لابد أن تشتمل على محاور أساسية وتجيب إجابات شافية على ما هو مطلوب ومرغوب لاستنبات مستقبل التعليم عن بعد ولعل أهم هذه المحاور الأساسية التي تتشكل الاستراتيجية على ضوئها :
  • سن التشريعات والاعتراف الرسمي بالتعليم عن بعد كمنظومة رسمية من منظومات التعليم تدرج ضمن خطط التنمية وتخصص لها موازنات مستقلة ضمن موازنات الوزارات المعنية بالشأن التربوي .
  • تحديد طبيعة الخبرات الفنية والدولية المطلوبة لتحريك مشروع التعليم عن بعد.
  • تحديد الهياكل والأجهزة الإدارية الرسمية التي ستوكل إليها مسؤولية الإشراف والمتابعة والتخطيط والتنسيق والتقويم لكل ما يرتبط بقضايا التعليم عن بعد وتحديد مستوى هذه الأجهزة والهياكل .
  • تحديد الصيغ والبرامج المراد استنباتها ضمن المدى الزمني المحدد لهذه الاستراتيجية .
  • تحديد الأساليب المزمع اتخاذها لإعداد وتدريب الكوادر الوطنية المطلوبة للقيام بالمهام والمسؤوليات المطلوبة .
  • تحديد دور مؤسسات القطاع الخاص والأهلي في هذا الميدان والامتيازات الممنوحة للراغبين في الاستثمار فيه.
  • بناء تصور موضوعي وعملي لبناء شبكة التواصل مع الدارسين التي يمكن استثمارها في أكثر من جامعة ووضع تصورات لآليات استخدامها والتعاون مع بيوت الخبرة المحلية والعربية والدولية في ذلك.
  • تحديد آليات التنسيق والتكامل بين مؤسسات التعليم النظامي والعالي ومؤسسات التعليم عن بعد .
  • تحديد آليات تمويل هذا النوع من التعليم .
  • تحديد آليات التقويم المستمر وضبط الجودة النوعية واعتماد البرامج والمؤسسات .
  • طرح بعض التصورات الأولية لأساليب التدريس وأشكالها وأنماطها وتقويم الدارسين وشروط القبول والرسوم الدراسية .
  • تحديد دور المؤسسات المعنية بخصوص الإعلام والتوعية بهذا النمط من التعليم .
  • تحديد أوجه التعاون العربي  العربي ، والعربيالدولي والآليات المنظمة لهذه المسائل .
  • تحديد الآليات لتوثيق التجارب والإحصائيات وتبادلها وتعميمها .
  • صياغة خطط زمنية ذات مراحل متعددة لتنفيذ الاستراتيجية .
  • صياغة خطة مالية توضح التقديرات المالية المطلوبة لكافة القطاعات والوزارات والأجهزة .
  • تحديد مواعيد متفق بشأنها من أجل التشاورات ، واللقاءات الفكرية والتقديرية .

إن أي تحرك واعد للتعليم عن بعد في المملكة ينبغي أن يسير وفق هذه المحاور حتى لا تصبح مسألة التعليم عن بعد مسألة هامشية تقوم بها الوزارات بطريقة لا تحكمها رؤية واضحة أو استراتيجية محددة العوالم، وإنما اجتهادات وحلول تسعى لعلاج إشكاليات مجتمعة قد تكون طارئة أو مستمرة.

ونؤكد في هذا الصدد على أن مسألة ضبط الجودة النوعية تكتسي أهمية بالغة في إدارة مؤسسات التعليم عن بعد لأنها الضمان الأساسي للمصداقية وضمان الديمومة والاستمرار ، وما لم تظهر المؤسسات التعليمية اهتماماً واضحاً والتزاماً بمعايير وإجراءات جودة النوعية فإنها ستفقد ثقة الجميع ويهجرها طلبتها بحثاً عن مؤسسات أخرى تراعي هذه المبادئ (السنبل، 2000، ص 5-25). إن الاهتمام بضبط الجودة النوعية لا يعني أن نحيل المدارس والجامعات إلى مؤسسات تجارية نبتغي من خلالها مضاعفة الإنتاج وتحسين الدخل بقدر ما نبتغي من وراء ذلك تجويد العملية التعليمية التربوية بغية تطوير كفاءة وقدرات المتعلمين بما يمكنهم من أداء أدوارهم المستقبلية بوصفهم مواطنين متنورين وعناصر مهمة من عناصر الإنتاجفالجودة في حقل التعليم تعني مدى تحقق أهداف البرامج التعليمية في الخريجين بما يحقق رضا المجتمع بوصفه المستفيد الأول من وجود المؤسسات التعليمية، وكون المجتمع هو المستفيد الأول من رسم سياسات التعليم والبرامج والأنشطة التي تقدمها المدرسة ، كما أن له حق مساءلة القائمين على تسيير شؤون المدارس عما يفعلونه ويقدمونه من برامج وأنشطة تربوية (جوهر، 2000، ص 34). 

              ولكي تصبح مسألة ضبط الجودة مسألة واقعية وعقلانية فهنالك العديد من المبادئ التي ينبغي أن تحكم مناهج المؤسسة وتحكم علاقة القائمين على المؤسسات مع المستفيدين ومع المجتمع بشكل عامإن هذه المبادئ الأساسية تتطلب وجود رؤية مشتركة للمؤسسات تعمل على توحد الجهود وعدم تضاربها في كافة المستويات ، وضرورة وجود سياسة للتحسين والتطوير المستمرين، والتركيز على العمل والمستفيدين والخدمات وفق سياسة واضحة، وأن تكون مسؤولية الجودة مسؤولية تضامنية بين كل مستويات الإدارة ، وأن تبنى القرارات على الحقائق، وأن تكون مسألة التدريب المستمر من أولويات عمل المؤسسة وأهدافها ، وأن تولي الإدارة العليا مسألة الجودة عناية خاصة ضمن اهتماماتها العملية والإدارية أو أن تنتهج المؤسسة فلسفة العمل الجماعي الذي يستشعر فيه كل فرد أهميته ومسئوليته كمسؤول عن تطور أو إخفاق هذه المؤسسة (هلال، 1996).
وتزخر أدبيات الجودة النوعية بعدد من النماذج النظرية الأساسية التي يمكن الاسترشاد والاستئناس بها لتطوير أنظمة الجودة النوعية في مؤسسات التعليم عن بعد ومن بين هذه النماذج نموذج (ISO 9000)، ونموذج الدرجة ومقياس الجودة (BS 5750) ونموذج إرفن وغيرهم الكثير.
إن هذه الروح والتوجهات هي التي ينبغي أن تحكم مسيرة التعليم عن بعد ليكتب له مستقبل واعد ومكانة تليق به في المنظومة التربوية في النظام التعليمي السعودي وليتجاوز الثغرات الكبرى التي أضرت بالتعليم النظامي العام وأصابته في مقتله ... أي في جودته ونوعيته (العلوم، 1998، ص 1).

الخاتمة والتوصيات
هدفت هذه الدراسة إلى استشراف مستقبل التعليم عن بعد في المملكة العربية السعودية من خلال محاولة صياغة سيناريوهات محتملة مبنية على دراسة حصيفة ومتأنية لتأريخ التعليم في المملكة وحاضره والصعوبات التي تواجهه، إضافة إلى الاعتبارات المرتبطة بطبيعة التحولات العالمية الكبرى والتغيرات التي يشهدها المجتمع السعودي دون إغفال لطبيعة المشهد الحالي لبرامج التعلم عن بعد في المملكة مقارنة بما هو معمول به على الساحة الدولية.
واعتمدت الدراسة على المنهج الاستشرافي الذي يعتمد على مؤشرات كمية وكيفية ترتبط بالأوضاع السكانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والثقافية، ودراسة العلاقات بينهم مما يمكّن من بناء فرضيات وتنبؤات للمستقبلوتمازج منهجية هذه الدراسة بين المقاربات الفنية والسياسية في محاولاتها للتنبؤ بالمستقبل.
وانقسمت الدراسة إلى ستة أجزاء رئيسة اشتمل الجزء الأول منها على المقدمة ومشكلة الدراسة وأسئلتها وأهميتها ومنهجيتها، وتعريف مصطلحاتها وحدودهاواشتمل الجزء الثاني على السياق التاريخي للتعليم في المملكة.وناقش الجزء الثالث التحولات العالمية الكبرى ومضامينها لحركة التعليم عن بعد، في حين ناقش الجزء الرابع التحولات الكبرى في المجتمع السعودي ومضامينها لمسألة التعليم عن بعدوالجزء الخامس من الدراسة ناقش الوضعية الحالية لبرامج التعليم عن بعد (الانتسابفي المملكة، والاتجاه الذي ينبغي أن يتغير في ضوءهواهتم الجزء السادس من هذه الدراسة برسم عدد من السيناريوهات المستقبلية للتعليم عن بعد والتأكيد على دور ضبط الجودة كعامل حاسم للمحافظة على مستقبل مشرق للتعليم عن بعدواختتمت الدراسة بالخاتمة والتوصيات.
وفي ضوء التحليل المتعمق للتطور التاريخي للتعليم في المملكة وفي ضوء معطيات الحاضر، ودراسة المؤشرات المجتمعية السعودية، توصل الباحث إلى رصد أربع سيناريوهات محتملة لمستقبل التعليم عن بعد في المملكة.وهذه السيناريوهات هي مشهد الوضع الراهن، ومشهد سياسة التوسع المنضبط، ومشهد مرحلة الانطلاق، ومشهد النكوص والتراجعوتضمنت الدراسة شرحا مفصلا للمتغيرات والدواعي التي ربما تؤدي إلى تشكيل كل مشهد من هذه المشاهد بما في ذلك الاعتبارات التربوية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والوضع العربيويقدم كل مشهد الطبيعة التي سيكون عليها، وصيغة التعلم عن بعد في ضوء هذا المشهد.
ويقوم مشهد الوضع الراهن على افتراض استمرارية الوضع الراهن لبرامج الانتساب دون زيادة أو نقصان، ويفترض أن تتم بعض المحاولات في القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، إلا أن العوامل البيروقراطية تحول دون ترجمة هذا التوجه إلى واقع معاشويقوم مشهد سياسة التوسع المنضبط على افتراض تنامي وعي الدولة بفداحة النتائج المترتبة على عدم قدرتها على تلبية الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم العالي خاصة مع التزايد المستمر للتعداد السكانيويتم في هذا المشهد وضع ملف التعليم عن بعد في مستوى راق على الأجندا التربوية والسياسية  في ظل هذه التغييرات، تولي الجامعات اهتماما متزايدا بصيغ التعليم عن بعد وبالتالي تبرز صيغة النماذج التعليمية المزدوجة بحيث تتولى الجامعات الرسمية قيادة مشروع التعليم عن بعد عن طريق طرح بعض برامجها للدراسة الجزئية للراغبين في ذلك مع استمرارها في تقديم برامجها الاعتياديةويتوقع أن تضع وزارة التعليم العالي موازنات ضخمة لتحقيق هذا التوجه.
ويمثل مشهد مرحلة الانطلاق ما يمكن أن يطلق عليه نموذج الحلم والأمل الذي ينبغي أن تكون عليه وضعية حركة التعليم عن بعد في المملكةويتوقع أن يتشكل هذا المشهد مع بدايات العقد الثالث من الألفية الثالثة أي بعد ما يقارب 19 عاما من الآنووفق هذا التصور، سينظر إلى التعليم عن بعد كخيار استراتيجي للدولة لا مناص من الأخذ بهويعتمد هذا المشهد على مبادئ الشراكة والتكامل بين القطاع الخاص والعام في توفير الفرص التعليمية للجميع، وإزالة كل العراقيل البيروقراطية، وتوفير المرونة للدارسين في التحرك والانتقال من منظومة التعليم عن بعد إلى منظومة التعليم النظامي      أو التعليم الفني والعكس صحيح.
ويفترض في هذا المشهد أن تتم إجراءات وتغييرات أفقية ورأسية واسعة تمكن من فتح فرص التعليم عن بعد لكل الأعمار وفي كافة التخصصات والمراحل الدراسية بدءا من التعليم الأساسي وبرامج محو الأمية ومرورا بالتعلم الثانوي والفني ونهاية ببرامج الدراسات العليا والتدريب المستمرويفترض في هذا المشهد قيام أول جامعة سعودية مفتوحة، وتحويل مراكز خدمة المجتمع والتعلم المستمر إلى عمادات لخدمة المجتمع عن بعد، وسيزداد استخدام قنوات التواصل عن بعد في التدريب للعاملين في القطاعات التعليمية والطبية والحكومية الأخرى، وسيبرز إلى حيز الوجود أول هيئة لاعتماد مؤسسات التعليم عن بعد، وكذلك إنشاء أول قناة فضائية تعليمية سعودية تبث دروسا مبرمجة لجميع الشرائح المجتمعية.
وبخصوص مشهد النكوص والتراجع، فإنه يمثل أسوء السيناريوهات التي يمكن ـ لا سمح   الله ـ أن تؤول إليها حركة التعلم عن بعد في المملكة حيث يبنى هذا التصور على افتراض أن وضعية التعلم عن بعد في صورتها الحالية سوف تتراجع بسبب إلغاء برامج الدراسة بالانتساب، ولن يتم تعويض هذه البرامج الملغاة ببرامج بديلة ومتطورةويعد هذا المشهد مشهدا متشائما بني في ظل تصور مستبعد لتراجع أسعار مبيعات النفط وزيادة التوترات الإقليمية والعربية والدولية مما ينعكس سلبا على أداء المؤسسات التعليمية بشكل عام، وبرامج التعليم عن بعد بشكل خاصوحسب معطيات الحاضر، تكاد تكون احتمالية تشكل هذا المشهد وفق هذا التصور مستحيلة، حيث أن عوامل النكوص والتراجع لا تقارن إطلاقا مع القوى الإيجابية الدافعة إلى التقدم والنمو.

وفي ضوء المعطيات السابقة، يوصي الباحث بما يلي :
أولا دعوة وزارة التخطيط والوزارات المعنية بالتعليم في المملكة إلى تبني التعليم عن بعد كخيار استراتيجي لا مناص من الأخذ به، وأن يعامل هذا المجال أسوة بالمجالات التنموية الأخرى بمعنى أن تتضمن خطط التنمية في المملكة إشارات واضحة وصريحة لهذا المجال التنموي، وتخصص له اعتمادات في موازنات الوزارات المعنية للتمكن من التحرك في إطار تطبيقه  فالبنى التحتية والتدريب اللازمان لبناء هذا النوع من الأنظمة لا يمكن أن يتم إلا في إطار توافر اعتمادات معقولة تمكن من تحقيق إنجاز نوعي يتناسب مع الأهداف المتوقعة والمأمولة منه.

ثانيا التأكيد على أهمية تقويم تجربة الانتساب في الجامعات السعودية للتعرف على نواحي القوة والضعف فيها، تمهيدا لتطوير هذه التجربة في ضوء التجارب العالمية، مع ضرورة أن تستفيد البرامج المطورة من التقنيات والأساليب الحديثة في التعليم عن بعد بعيدا عن أساليب المراسلة التقليدية.

ثالثا دعوة الجامعات السعودية إلى أهمية تشكيل فرق عمل تنظر في إمكانية إنشاء مراكز للتعليم عن بعد، وطرح تخصصات ومساقات تعليمية يمكن أن تقدم بطرق وأساليب التعليم عن بعد، ودراسة إمكانية توظيف صيغ التعليم عن بعد لعلاج بعض الإشكاليات التي تواجهها الجامعات في بعض التخصصات نظرا للاكتظاظ الطلابيودعوة كليات التربية إلى تركيز اهتماماتها في برامج الدراسات العليا على الموضوعات ذات الصلة بالتعليم عن بعد وحث الباحثين من الطلاب والأساتذة على تناول موضوعات التعليم عن بعد، في جوانبه المختلفة وأبعاده المتعددة.

رابعا دعوة وزارة التعليم العالي ووزارة المعارف إلى التفكير الجدي في مسألة استحداث هياكل على مستوى وكالة وزارة للتعليم عن بعد تتولى مسؤولية التخطيط والتنظيم والمتابعة لإرساء نظام واعد للتعليم عن بعد يخدم قضايا التدريب والتكوين للعاملين في القطاع التربوي، وتوفير التدريب الكافي منذ الآن لمن يتوقع شغل الوظائف القيادية والفنية في هذا المجال.

خامسا دعوة الوزارات ذات  العلاقة لاستحداث لجنة وطنية للتعليم عن بعد تكون بمثابة مرصد وطني وخلية تفكير مستقبلي للتعليم عن بعد، وتضم هذه اللجنة ممثلين عن الوزارات والأجهزة الحكومية المعنيةوينبغي أن يكون من أولى اهتمامات هذه اللجنة، وضع الأطر الأولية لتكليف فريق من الخبراء لصياغة استراتيجية وطنية للتعليم عن بعد تستقي معطياتها من الخطط القومية المصاغة في هذا الشأن.

سادسا دعوة كليات التربية وكليات المعلمين والمعلمات إلى تضمين مناهج إعداد المعلمين والمعلمات مساقات حول التعليم عن بعد، والتفكير في إقامة برامج تدريبية وتخصصية على مستويات الدبلوم والماجستير والدكتوراه لإعداد الكوادر الذين يمكن أن يؤثروا في بلورة حركة واعدة في هذا الميدان.

سابعا دعوة مؤسسات القطاع العام للتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص في مجهوداتها الرامية إلى استنبات نظام جديد للتعليم عن بعد.

ثامنا دعوة الوزارات المعنية في المملكة للاستفادة من الخبرات الفنية المتوافرة لدى المنظمات العربية والإسلامية والدولية في مجال التعليم عن بعد خاصة وأن المملكة عضو فاعل في هذه المنظمات الدولية.

تاسعا دعوة الجامعات إلى تكثيف مسألة عقد الندوات والمؤتمرات لمناقشة القضايا المتعددة المرتبطة بإنشاء نظام للتعليم عن بعد.

عاشرا دعوة مراكز خدمة المجتمع والتعلم المستمر في الجامعات السعودية لتقديم بعض برامجها التدريبية عبر القنوات التلفزيونية والراديو والإنترنت.

حادي عشر دعوة القطاع العام والخاص للتفكير سويا في مسألة انشاء قنوات فضائية تعليمية يمكن الإفادة منها في توفير فرص التعلم للجميع.

ثاني عشر التأكيد على أهمية تكوين جمعية أو رابطة أو هيئة سعودية للتعليم عن بعد تكون وظيفتها البحث والتدريب وبلورة الرؤى المساعدة على تطوير مشروع التعليم عن بعد في المملكة في ضوء التنسيق مع المنظمات الدولية والعربية العاملة في هذا الميدان.

ثالث عشر دعوة الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية لتكثيف مجهوداتها وأنشطتها في مجال التعلم عن بعد، والنظر في تشكيل فريق عمل من المتخصصين لدراسة تحريات مسألة التعليم عن بعد وتطويره.

رابع عشر التأكيد على أهمية التوسع في استخدام المعلوماتية واستخدام أساليب التعلم الذاتي في مؤسسات التعليم الأساسي باعتبار هذه المهارات مفاتيح أساسية لمواصلة التعلم عن بعد.

خامس عشر دعوة وزارات المعارف والتعليم العالي والصحة والشؤون الاجتماعية ومعهد الإدارة العامة، إلى تطوير البنى التحتية اللازمة للربط الشبكي الإليكتروني والسمعي والبصري بينها وبين المراكز التابعة لها في المحافظات، حتى يتسنى لهذه الوزارات والمعاهد تنفيذ برامج تعليمية وتدريبية تدار عبر آلية مركزية باستخدام أساليب البث عن بعد.

سادس عشر دعوة وزارة المعارف بالتعاون مع وزارة الإعلام لإنتاج برنامج تلفزيوني يجمع بين الدراما والترفيه والتعليم، ويستخدم أرقى أساليب الإنتاج وطرق التعليم إسهاما في القضاء على إشكالية الأمية التي مازالت قائمة خاصة بين النساء.

سابع عشر التأكيد على أهمية قيام مؤسسة أو هيئة للاعتماد المؤسسي والبرامجي تتولى مسؤولية وضع أسس وضوابط ومعايير لضبط الجودة النوعية في مؤسسات التعليم عن بعد.

ثامن عشر دعوة القطاع الخاص والعام إلى التفكير الجدي في إقامة جامعة سعودية مفتوحة تدار وفق أحدث أساليب التعلم عن بعد وتطرح مساقات تخصصية تتناسب واحتياجات سوق العملوالاستفادة في هذا الجانب من معطيات التجربة الدولية.

تاسع عشر دعوة مكتب التربية العربي لدول الخليج إلى إنشاء وحدة في صلب هيكليته للعناية بمسألة التعليم عن بعد خاصة فيما يتعلق بتقديم الدعم الفني في مجال التعليم عن بعد للدول الأعضاء، ودعوة مركز التدريب التابع له في دولة قطر لإيلاء عناية خاصة بهذه المسألة.

عشرون دعوة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم إلى تعزيز إسهاماتهما في مجال التعليم عن بعد وتقديم الدعم الفني للدول العربية الأعضاء بما يمكن من ترسية نظام كفؤ وفاعل للتعلم عن بعد في الدول العربية.

ـــــــــــــــ 
المراجع 
المراجع العربية :

  1. أمبو، جلوزج استراتيجيات التعليم لمرحلة ما بعد محو الأمية ومواصلة التعليم في تنزانيامعهد اليونسكو للتربية، هامبورج 1985.
  2. الإنمائي، برنامج الأمم المتحدة تقرير التنمية البشرية لعام 1997.
  3. إيليتش، إيفان مجتمع بلا مدارسترجمة ديوسف نور عوض، دار التعلم، بيروت 1986.
  4. البدر، حمود بن عبد العزيزرؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة العربية السعوديةبحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عامالأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، الرياض1999.
  5. البصام، دارم الاتجاهات المستقبلية للتعليمالمجلة العربية للتربية، المجلد السابع عشر، العدد الأول 1997.
  6. البنات، الرئاسة العامة لتعليم تعليم البنات في المملكة العربية السعودية خلال اثنين وثلاثين عاما من بداية 1380 هـ إلى نهاية 1411 هـ، كتاب بمناسبة اللقاء السنوي الأول لمسئولي تعليم البنات المعقود في الفترة من ـ 5/11/1412، الرياض 1412 هـ (1992).
  7. الثبيتي، عوض مستور ومحمد عبد الله الريح، التعليم الجامعي في الوطن العربي من منظور مستقبلي، مجلة اتحاد الجامعات العربية، العدد الخامس والعشرون، 1990م.
  8. جوهر، صلاح الدين أحمد أساليب وتقنيات الإدارة التربوية في ضوء ثورة الاتصال والمعلوماتالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 2000.
  9. حداد، وديع التعليم والتنمية الوطنية لعصر العولمة والمعلوماتورقة عمل مقدمة في ندوة استشراف مستقبل العمل التربوية في المملكة العربية السعوديةاللقاء السادس لمديري التعليم بأبها. 1418 هـ.
  10. الحريقي، سعد محمد الجامعات المفتوحة والتدريب من أجل التنمية في دول الخليج العربية، نموذج مقترح، مجلة اتحاد الجامعات العربية ، العدد السادس والعشرون، 1991م.
  11. الخطيب، محمد شحات تطور التعليم في المملكة مع رؤية مستقبليةبحوث مؤتمر المملكة العربية  السعودية في مائة عام، الرياض 1999.
  12. الخطيب، محمد شحات دراسة خلفية عن التعليم عن بعد وتطوراته والوضع الراهن له في المساحة الدوليةالندوة الدولية للتعليم عن بعد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1998.
  13. الدريج، محمد دراسة حول المؤشرات الديمغرافية والتعليمية والإعلامية ذات العلاقة بالتعليم عن بعد في الوطن العربيالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 2001.
  14. دهيش، عبد اللطيف بن التعليم الحكومي في عهد الملك عبد العزيزمكة المكرمة، 1408.
  15. دولور، جاك التعليم ذلك الكنز المكنوناليونسكو، باريس 1996.
  16. الرشيد، محمد أحمد رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة العربية السعوديةبحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، الرياض 1419هـ/1999.
  17. الرشيد، محمد أحمد من معالم استشراف المستقبل في الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين رسالة الخليج العربي، العدد 25، 1408 هـ.
  18. الرواف، هيا جامعة مفتوحة للنساء في السعودية ، المشكلات والآفاق، المجلة العربية للتربية، 1993م.
  19. زيتون، محيا مستقبل التعليم في الوطن العربي في ظل استراتيجية إعادة الهيكلة الرأسماليةمجلة التربية العربية، العدد السابع عشر، 1997.
  20. السباعي، زهير أحمد التعليم المفتوح  اتجاه عالميالندوة الدولية للتعليم عن بعد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1998.
  21. سعد الله، أبو بكر خالد تجارب في التعليم عن بعد ، مجلة التعاون، السنة العاشرة، العدد الأربعون، مجلة التعاون لدول الخليج العربية، 1995م.
  22. سعيد، محمد السيد المشروعات الراهنة للدراسات المستقبلية، صارت أكثر ميلا للجزئيةالأربعاء 15 مايو (آيار) 1996 (27 ذو الحجة 1416). انظر الملحق الصحفي الخاص بالدراسات المستقبلية المرتبط بالعدد ذاته.
  23. السلوم، حمد بن إبراهيم الإدارة التعليمية في المملكة العربية السعوديةالكتاب الثاني تطور التعليمالطبعة الأولى، الرياض 1402 هـ (1985).
  24. السليطي، حمد وأحمد الصيداوي الاتجاهات العامة للإصلاح التربوي في العالمنماذج متميزة من المنظمات والهيئات والدول الصناعية والنامية، مكتب التربية العربي لدول الخليج. 1417.
  25. السنبل، عبد العزيز بن عبد الله التربية والتعليم في الوطن العربي على مشارف القرن الحادي والعشرينالمكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية 2002.
  26. السنبل، عبد العزيز بن عبد الله التعليم عن بعد  مفهومه، أسسه، وواقعه في المجتمع العربي، مجلة تعليم الجماهير، العدد 27، 1985.
  27. السنبل، عبد العزيز بن عبد الله جامعة وسط أمريكا، نشأتها وسقوطهامجلة اتحاد الجامعات العربية، عدد متخصص 1، 1986.
  28. السنبل، عبد العزيز بن عبد الله مبادئ وإجراءات ضبط الجودة والنوعية، مجلة اتحاد الجامعات العربية ، العدد الثامن والثلاثون، عمان 2000.
  29. السنبل، عبد العزيز بن عبد الله مبررات الأخذ بالتعليم عن بعد في الوطن العربي، ورقة عمل مقدمة لندوة جامعة أبها المفتوحة، أبها 1998.
  30. السنبل، عبد العزيز بن عبد الله وآخرون نظام التعليم في المملكة العربية السعودية، دار الخريجي للنشر والتوزيع 1417 هـ.
  31. الصايغ، عبد الرحمن أحمد التعليم في المملكة العربية السعودية، رؤية مستقبليةبحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، الرياض 1419 (1999).
  32. الصايدي، يحي عبد الوهاب التعليم عن بعد نظام تعليمي جديد لعالم متغيرالمشروع العربي الموحد للتعليم عن بعد، الندوات القطرية حول التعليم عن بعدالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 2001.
  33. العالي، وزارة التعليم إحصاءات التعليم  العالي في المملكة العربية السعوديةوكالة الوزارة للشؤون التعليمية، العدد الثاني والعشرون، 1419 هـ /1420 هـ.
  34. العالي، وزارة التعليم إحصاءات التعليم العالي، الكتاب الإحصائي السنويالعدد الثلاثون.
  35. عبد الجواد، نور الدين محمد التعليم عن بعد تجديد للتعليم المدرسيمجلة تعليم الجماهير، العدد 27 ، 1985.
  36. عبد الجواد، نور الدين نظرية التربية المستمرة وتطبيقاتها في دول الخليج العربيةمكتب التربية العربي لدول الخليج، 1413 هـ.
  37. عبد الحميد، طلعت مستقبل تعليم الكبار في الوطن العربي في ظل الكوكبيةندوة مستقبل تعليم الكبار في الوطن العربيالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الرباط، ديسمبر 2001.
  38. عبد الدائم، عبد الله دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدةالثقافة العربية الإسلامية بين صدام الثقافات وتفاعلهادار الطليعة ـ بيروت 1998.
  39. العلوم، المنظمة العربية للتربية والثقافة و التقرير الختامي للمؤتمر الفكري الأول لوزارة التربية والتعليم والمعارف العرب، طرابلس 1998.
  40. الفارس، عبد الرزاق فارس التوقعات المستقبلية لاستهلاك الطاقة في دول مجلس التعاون حتى عام 2010، ومضامينها بالنسبة للسياسة النفطية المحليةمجلة التعاون، السنة العاشرة، العدد السابع والثلاثون، شوال1415 هـ (مارس 1995)، الأمانة العامة لمجلس تعاون الخليج العربي، الرياض.
  41. الفارس، عبد الرزاق فارس مؤشرات النمو الكمية التربوية في ضوء الاسقاطات السكانية والاقتصادية خلال العقدين القادمين في الدول الأعضاءمكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 1998.
  42. القباج، محمد مصطفى التعلم عن بعد كنسق تجديديالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 2001.
  43. كالنسيد روي عالم يفيض بسكانهالكويت، عالم المعرفة 1996.
  44. لقمان، فضل التعليم التقني والمهني، الاتجاهات السائدة في التعليم بالمنطقة العربية مع التركيز على منطقة الخليج العربيدراسة مقدمة إلى ندوة التعليم الفني والمهني في دول الخليج العربي، البحرين 1985.
  45. مرسي، فؤاد الرأسمالية تجدد نفسهاالكويت، عالم المعرفة، 1999.
  46. المعارف، وزارة تحليل موجز لمسيرة التعليم بوزارة المعارف لعام 1419/1420 هـنشرة التوثيق التربوي، العدد 46، الرياض 1420 هـ (2000).
  47. المعارف، وزارة تطور التعليم في المملكة العربية السعوديةتقرير وطني، الرياض.
  48. المعارف، وزارة التوثيق التربوي، العدد 42، الرياض 1420 هـ.
  49. المعارف، وزارة فصول في تاريخ التعليم في المملكةالتعليم الابتدائي، الرياض       1406 هـ.
  50. نشوان، يعقوب واقع  التعليم عن بعد في البلاد العربية دراسة تحليليةالندوة الدولية للتعليم عن بعد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1998.
  51. نصار، علي الدراسات المستقبلية المفهوم والأساليب والممارسات.  المجلة العربية للتربية، المجلد السابع عشر، العدد الأول 1996.
  52. نوفل، محمد نبيل رؤى المستقبل، المجتمع والتعليم في القرن الحادي والعشرينالمنظور العالمي والمنظور العربي، مجلة التربية العربية، المجلد السابع عشر، العدد الأول (1418) 1997.
  53. نوفل، محمد نعمان تصميم نموذج كمي لكيفية احتساب العلاقة بين التخطيط للتعليم العالي واحتياجات الخطط الاقتصادية وأسواق العملاجتماع مسئولي التعليم العالي في البلاد العربيةالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلومتونس 1998.
  54. هاشم، شريف رضا مقومات البنية المؤسسية لإرساء قواعد التعليم عن بعد في الوطن العربيالندوة الدولية للتعليم عن بعدالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1998.
  55. هلال، محمد عبد الغني حسن مهارات إدارة الجودة الشاملة في التدريب، مركز تطوير الأداء والتنمية، القاهرة 1996.
  56. اليونسكو تقرير اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن الحادي والعشرينالتعليم ذلك الكنز المكنون، منشورات اليونسكو.
  57. اليونسكو تقرير المعلومات في العالم 1997/1998، تطور الكمبيوترالطبعة الثانية، مركز مطبوعات القاهرة، القاهرة 1997.


المراجع الأجنبية :

1-    Al Homaidy, Abdulah :  Guides for Establishing an open University in the Arab Gulf States. Ph.D Dissertation, Michigan States University, 1986.
2-      Alsunbul, Abdulaziz : Issues Pertaining to Distance Education in the Arab World. Convergence, Volume xxxxv (1) – I.C.A.E. Toronto 2002.
3-     Barbieri, Masini : Why Future Studies ? London, Grey Seal, 1993.
4-   Bell, Terrell H, : Reflections on a Decade after A Nation At Risk. Phi Delta Kappan 74 : 8, April 1993.
5-    Dirr, J. Peter : Evaluation of Distance Education. Evaluation of Teaching and Learning at a Distance, vol. 1, Madison, USA, 1987.
6-   Hass, John D : Educational Futures : Six Scenarios, Future Research Quarterly, Summer 1986.
7-     Holmberg, J. : Key Issues in Distance Education. An Academic Viewpoint. European Journal of Education. 24.1, 1989.
8-     Mann, Charles : Quality Assurance in Distance Education. The surrey M.A. Experience, Proceedings of the 11th Annual conference of AAOU,   11 – 14 Number, 1997 Kuala Lampur, Malaysia.
9-    Miller, Morris : Globalization : Structural Adjustment on a planetary scale. Future Research, Quarterly, 11:3 fall, 1995.
10-  Rowntree, Derek : Exploring Open and Distance Learning. London, Kogan page, 1992.
11-          Toffler, Alvin : Power Shift. Knowledge, Wealth and violence at the Edge of the 21st Century. N.Y : Bantam Books, 1991.

حمله من هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا