التسميات

الجمعة، 8 ديسمبر 2017

الإمكانات التخطيطية المتاحة لتطبيق نظرية الموقع الزراعي على محافظة البصرة : دراسة في التخطيط الإقليمي


الإمكانات التخطيطية المتاحة

لتطبيق نظرية الموقع الزراعي على محافظة البصرة

دراسة في التخطيط الإقليمي

أسامة إسماعيل عثمان

جامعة البصرة ــ كلية الآداب

مجلة آداب البصرة - جامعةالبصرة - العدد (٥٥ ) لسنة ٢٠١١- ص ص ٢٨٣ - ٣١٧:

ملخص :

  تعد محافظة البصرة إحدى محافظات العراق التي تحظى بأهميـة كبيرة لانها منفذ البلد الوحيد على الخليج العربي فضلا عما تحويه أراضيها من ثروات اقتصادية طبيعية و بشرية ضخمـة ساهمت بشكل كبير في موقع المحافظة الاستراتيجي بالنسبة للخارطة الاقتصادية للعراق ، وقد انعكست هذه الأهميـة على مدينتها الرئيسة (مدينة البصرة) نظرا لإرثها الحضاري الممتد في عمق التاريخ . تهدف الدراسة تحليل معطيات نظرية الموقع الزراعي وبيان مدى إمكانية نجاح تطبيق فرضياتها على الواقع البصري من عدمه خاصة.

The available planning possibilities to application the Agricultural location Theory on AL- Basrah Governorate Study in Regional Planning

Summary 

  Iraq Governorate whose have big important because it's only Governorate in Iraq have ports on the Arabian gulf , Basrah have large resources whose give Governorate location strategically in the economical Iraq map economical ,physical ,humanity

  And it main city (Basrah) have an old civilization in history The Study Aims Analysis the Data and Hypothesis of the Agricultural location Theory. 

   And Experiment Theory Hypothesis application possibility on ALBasrah Governorate can be Success. 




المقدمـــة :

  ارتبط تطور النشاط الزراعي بتطور الاستيطان البشري في المجتمعات القديمة وتحتل المسألة الزراعية مكانتها الإستراتيجية (السياسية والاقتصادية ) في العمليات التنموية Development Processes في كافة الدول بغض النظر عن النظم السياسية والاقتصادية سواء كانت متطورة Developed أو نامية Developingأو الأقل تطورا Less Developed ، وقد برزت علاقة مكانية بين مناطق الإنتاج الزراعي (الريف) ومناطق الاستهلاك (المدينة) وعادت ما تكون علاقة متبادلة تنمو وتضمحل بحسب نوع المحاصيل المنتجة من الطرف الأول وحجم السوق في الطرف الثاني وتعتبر هذه العلاقات المكانية المتبادلة المفتاح لفهم اثر الموقع ودوره في النشاط الزراعي ، وللنشاط الزراعي اهمية كبيرة بين أنواع الانشطة الاقتصادية بل انه يشكل لبعض المجتمعات عصب الدخل القومي وركيزته الرئيسة لذا لم يعد النشاط الزراعي نشاطا عفويا بل تدخل التخطيط ليؤسس لنشاط زراعي مبني على رؤى وافكار تتماشى مع متطلبات العصر فضلا عن مواكبة الانفجار السكاني وما يتطلبه هذا الأمر من وجود غذاء قادر على سد الاحتياجات الانية للسكان ويفي بتلبية الاحتياجات المستقبلية .

    من هذا المنطلق برزت العديد من النظريات التخطيطية التي تؤطر عمل النشاط الزراعي حول المدن متخذة معايير عدة ، ومن أهمها تلك النظريات التي اهتمت بقياس الحد السعري للمحاصيل الزراعية وعلاقته بعامل المسافة عن السوق وتعد نظرية الموقع الزراعي من النظريات الاقتصادية المهمة التي تناولت هذا المعيار. 

   ظهرت نظرية الموقع الزراعي في القرن التاسع عشر على يد العالم الألماني فون ثونن von thounen في العام ١٨٢٦ م وقد حاول من خلالها تفسير أنماط استخدام الأرض الزراعية التي تنمو و تتطور حول المدن أو المراكز الحضرية نتيجة تأثيرها على الرقعة الجغرافية المحيطة بها كما وتدرس هذه النظرية العلاقة بين المنتجات الزراعية والأسواق ومدى تأثير بعد مسافة المدينة عن الأرض الزراعية علي النشاط الاقتصادي ، وتعد النظرية أول محاولة أعطت البعد المكاني أهمية كبيرة في دراسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة سواء كان ذلك على مستوى التوزيع الجغرافي لهذه النشاطات أو تنظيم المكان الجغرافي بناء على أسس اقتصادية وجغرافية مثل موقع السوق وعامل المسافة وتكلفة النقل، وقد عدها البعض واحدة من النظريات التي عملت على تطوير العديد من العلوم ومنها التخطيط الإقليمي كما أنها فتحت الباب أمام الدراسات والنظريات الجغرافية (١) الجديدة من خلال استلهام أفكار النظرية .

أهمية الدراسة:

   تعد هذه الدراسة محاولة لدراسة الإمكانات المتاحة لتطبيق مبادئ نظرية الموقع الزراعي على الواقع البصري، ومما دفع الباحث لإعداد هذا البحث خلو المكتبة العراقية والعربية - حسب علم الباحث - لمثل هذه الدراسات التي تشرع في تطبيق مفاهيم بعض النظريات خاصة تلك التي تتلائم بعض فرضياتها مع الواقع الجغرافي العراقي أو العربـي بحجة انعدام الفائدة من القيام بمثل تلك الدراسات ويعزى ذلك لسببين أولهما أن معطيات الواقع الغربي الذي احتضن ظهور هذه النظريــات لا تتلائم مع معطيات الواقع العربي أوالعراقي والثاني بحجة أن بعض فرضيات هذه النظريات أصبحت لا تواكب تطورات العصر خاصـة مع التقدم التقني الذي تشهده المجالات كافة ، والمتتبع للدراسات الغربيـة في هذا الميدان يلاحظ ان الباحثين هناك ما انفكوا يولون هذه النظريات اهتمامهم من حيث التطبــيق ومن ثم العكوف على نتائج دراساتهم بالنقد والتحليل مما مكن كل باحث منهم ان يغير في بعض فرضيــات هذه النظرية التي نحن بصدد تطبيقها ، ويعتقد الباحث ان مثل هذه الدراسات قد تفتح الباب نحو التعاطي مع مثل هذه النظريات وفق اطر جديدة لا تتخلى بالكلية عن فرضياتها ولا تجعلها من المسلمـات التي لا يمكن المساس بها بل يكون الحكم بذلك لنتائج التطبيق العلمي والعملي لها على الحيز المكانـي المراد تجربته فان جاءت بالنتائج المرجوة وفق الفرضيات الأصلية للنظرية كان بها وإلا فان خروج الباحـث بفرضيات أخرى تتماشى مع الواقع المحلى يعد نجاحا للتجربــة وهذا ما نتوخى الوصول إليه في هذه الدراسة.

منطقة الدراسة :

   تعد محافظة البصرة إحدى محافظات العراق التي تحظى بأهميـة كبيرة لانها منفذ البلد الوحيد على الخليج العربي فضلا عما تحويه أراضيها من ثروات اقتصادية طبيعية وبشرية ضخمـة ساهمت بشكل كبير في موقع المحافظة الاستراتيجي بالنسبة للخارطة الاقتصادية للعراق ، وقد انعكست هذه الأهميـة على مدينتها الرئيسة (مدينة البصرة) نظرا لإرثها الحضاري الممتد في عمق التاريخ . تأسيسا على ما سبق فقد اختار الباحث محافظة البصرة ممثلة بمدينتها الرئيسة (مدينةالبصرة) لتطبيق فرضيات النظرية عليها نظرا لأنها محاطة بمساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة مما يؤهلها لان تصبح مدينة مكتفية ذاتيا من الإنتاج الزراعي بما يمكنها من إعالة سكانها دون الحاجة إلى غيرها (*) خاصة مع ما تمتلكه المحافظة ومدينتها الرئيسة (البصرة) من رصيد سكاني كبير. 

هدف الدراسة:

  تهدف الدراسة تحليل معطيات النظرية لبيان مدى إمكانية نجاح تطبيق فرضياتها على الواقع البصري من عدمه خاصة فيما لو اعتبرنا محافظة البصرة إقليما تخطيطيا تتوسطه مدينـة البصرة التي ترتبط بنهر شط العرب الصالح للملاحة الذي ينتهي عند الحدود الخارجية للدولة خارطة (١) ، وقد عد ثونن هذا الأمر شرطا أساسيا في منطوق النظرية وأحد فرضياتها الأساسية فرضية الدراسة: ولغرض تحقيق الهدف من الدراسة وضع الباحث الفرضيتين التاليتين: ١_ تتيح معطيات المكان الطبيعية والبشرية في محافظة البصرة إمكانية نجاح تطبيق نظريــة الموقع الزراعي فيها. ٢_ من الممكن اعتماد نظرية الموقع الزراعي في إعداد عمليات التخطيط الزراعي وتبني خطط للتنمية الزراعية للمناطق المحيطة بمدينة البصرة وفق فرضيات النظرية.

منهج الدراسة:

  إن الدخول في مجال تطبيق النظريات العالميـة على المجال المحلي يستدعـي تفحص منطوق هذه النظريات والعمل على تحليله وفق نظرة نقدية تكشف ما يلائم طبيعـة الواقع المحلي في هذه النظريات دون المساس في جوهرها مع عدم الإخلال بإمكانات الواقع ، عليه ستعتمد الدراســة منهـج الفرض المسبق والمنهج التحليلي في تفسير منطوق النظرية فضلا عن اعتماد المنهج التطبيقي في التخطيط الحضري والإقليمي المتضمن التركيز على مفاهيم الإدراك والخيال والواقعية عند معالجة أي ظاهرة . 

١- نظرية الموقع الزراعي:

  كانت ولا تزال نظرية الموقع الزراعي من النظريات التي دار حولها جدل كبير فعندما ظهرت في البداية علي يد العالم ثونن واجهت العديد من الانتقادات من قبل علماء عصره ، وقد شهدت النظرية الكثير من التعديلات عند إجراء التطبيقات العملية لمضمونها مما اكسبها أهمية في مجال التخطيط الإقليمي فهي تعد أول محاولة أعطت البعد المكاني أهمية كبيرة عند دراسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة سواء كان ذلك على مستوى التوزيع الجغرافي لها أو تنظيم المكان بناء على أسس اقتصادية وجغرافية مثل تكلفة النقل وعامل المسافة وموقع السوق ، لذا نعتقد أن من المفيد التطرق بشكل موجز في هذه الدراسة إلى أهداف هذه النظرية ومفاهيمها واهم النقاط الايجابية فيها فضلا عن سلبياتها واهم التعديلات التي اجريت عليها قبل الخوض في تطبيق مفاهيمها على محافظة البصرة ، ويمكن إيجاز أهداف النظرية بالنقاط الآتية:

١. توضيح اثر الموقع الزراعي بالنسبة للسوق.

٢. إدخال عوامل جديدة لتفسير التباين في الإنتاج الزراعي وكثافته.

٣. إبراز كيفية الاختلافات في الاستخدامات الزراعية بالتباعد عن السوق ويظهر في هذا نموذجان:

أولا: انخفاض كثافة إنتاج محصول معين بالتباعد عن السوق إذ تعبر كثافة الإنتاج عن كمية المدخلات في عملية الإنتاج للوحدة المساحية للأرض. 

ثانيا: اختلاف نمط استخدام الأرض الزراعي باختلاف التباعد عن السوق (المركز العمراني). 

  وكغيره من العلماء قدم فون ثونن عدة افتراضات لتحقيق نظريته في محاولة منه لتدعيمها وجعلها نظرية رصينة غير قابلة للنقض أو التشكيك وعلى النحو الآتي :

١. افترض أن هناك دولة ذات شكل دائري ومعزولة عن العالم تتوسطها مدينة تقع وسط أراضيها الزراعية ومن هنا جاء اسم النظرية (الدولة المنعزلة).

٢. تعتبر المدينة السوق الوحيد لتصريف فائض الإنتاج الزراعي للمنطقة وفى المدينة يتبادل الفلاح والتاجر السلع الزراعية .

٣. افترض تجانس الخصائص الطبيعية والبشرية للمنطقة الزراعية المحيطة بالمدينة وملائمتها للإنتاج الزراعي(النباتي والحيواني) في العروض المعتدلة (٢) .

٤. افترضها سهل لا تضرس فيه وتربته ومناخه وظروفه الحيوية متجانسة ولا توجد حواجز طبيعية تعوق الحركة عبر السهول .

٥. يسكن المنطقة مزارعون عقلانيون يرغبون في الحصول على أقصى قدر ممكن من الإرباح ، ويمتلكون من الخبرة التي تؤهلهم لتعديل وتطوير الأنماط الزراعية تبعا (٣) لمتطلبات السوق .

٦. افتراض وجود وسيلة وحيدة للنقل العربات التي تجرها الخيول.

٧. يختلف دور الموقع الجغرافي والمسافة بين السوق من جهة وبين كل مزرعة وأخرى من جهة أخرى مع تحمل المزارع تكاليف النقل لذا افترض تناسب تكلفة نقل (٤) المحاصيل مع المسافة التي تقطعها .

  ومن أهم المفاهيم الأساسية التي تعتمد عليها النظرية هو عائد الموقع الجغرافي Location rent ويتم حسابه بتطبيق المعادلة التالية : R=YP-E-FK (**) ، ويتم بموجبها تحديد مقدار الارباح العائدة على المزارعين التي غالبا ما تكون مرتفعة في الاراضي الزراعية القريبة من السوق في حين تقل هذه الارباح كلما ابتعدنا عن السوق .

١ توزيع النطاقات الزراعية (٥) :

  حدد ثونن في نظريته ستة نطاقات زراعية تحيط بالمدينة تبعا لنوع المحصول الزراعي وبعدها عن سوق المدينة حيث حدد (٥٠ ميلا اي حوالي ٨٠ كيلومتر) أبعد مسافة للأراضي الزراعية عن سوق المدينة ليكون الإنتاج الزراعي فيها مربحا ، واعتبر أن قيمة الربح الذي يحققه المزارع من بيع هذه المحاصيل الزراعية يعتمد على العناصر الآتية:

١- تكلفة إنتاج المحصول الزراعي وتشمل تكلفة حراثة الأرض وأجور المزارعين ومصروفات المزرعة.

٢- قيمة المحصول في السوق وهو عنصر متغير وفق آلية العرض والطلب.

٣- تكلفة النقل وتعتمد على متغيرين وهي كمية المحصول وطول المسافة.

النطاق الأول : وهو النطاق الأقرب للمدينة إذ يمثل نطاق الاقتصاد الحر ويتم فيه إنتاج السلع الزراعية التي لا تتحمل النقل لمسافات طويلة نظرا لسرعة تلفها كالخضروات والحليب بكافة مشتقاته والزهور( الزراعة البستانية) ويعتمد مدى اتساع هذا النطاق على مقدار الحجم السكاني للمدينة بمعنى أن مساحة هذا النطاق تتناسب طرديا مع الحجم السكاني في المدينة وحجم القدرة الشرائية للسكان فضلا عن المستوى الاجتماعي والثقافي السائد في المجتمع لذلك فان كثافة الاستثمار هنا عالية والعائدات مرتفعة . 

النطاق الثاني: يختلف هذا النطاق اختلافاً كبيراً عما سبقه حيث يتركز فيه إنتاج الخشب (للتدفئة) ويعزى ذلك إلى حجم ووزن الأخشاب وسعرها المنخفض في السوق عليه يجب أن يكون إنتاج الخشب قريبا من السوق وفق المنظور الاقتصادي. 

النطـاق الثالث : في هذا النطاق تسود الزراعة الكثيفة للحبوب مع زراعة العلف الأخضر، فضلا عن اعتماد المزارعين دورة محصولية من ست سنوات تزرع الأرض فيها بالبطاطس وغيرها من المحاصيل الدرنية والشعير والبرسيم والعدس.

النطاق الرابع (نطاق المراعى والحبوب) : وهو أوسع النطاقات ويستخدم المزارعين فيه دورة زراعية من سبع سنوات يزرع فيها كل من القمح والشوفان مرة كل سنة والسنوات الثلاث الباقية تبقى مراعى للماشية ،ويعتبر هذا النطاق الاوسع من حيث المساحة بين النطاقات الست وفقا للنظرية.

النطاق الخامس : يتميز هذا النطاق باختلاف النمط الزراعي فيه حيث تستخدم ثلث الأرض في المحاصيل الحقلية والثلث الآخر للمراعى وتربية الماشية لان هذه الحيوانات تساق سيرا على الأقدام للسوق ولا تحتاج إلى وسيلة نقل الأمر الذي يؤدي الى انخفاض تكلفة إنتاجها ، بينما تترك باقي الأرض بوراً طلباً للراحة و يتم ذلك في نظام دوري دقيق .

النطاق السادس : وهو أبعد النطاقات عن المدينة يتميز باستقلاله وتخصصه في الإنتاج الحيواني فقط وذلك لان زراعة الحبوب تعد غير مجدية فيه لبعدها عن السوق، فالحيوانات يتم نقلها بسهولة إلى السوق (سيرا على الأقدام) ويكون نهاية هذا النطاق على بعد ٥٠ ميل من السوق ( المدينة) ، وخارج هذه النطاقات يصبح اى إنتاج غير مربح على الرغم من خصوبة التربــة وبالتالي يتوقف الإنتاج من أجل السوق ينظر شكل (١).

١ نقد النظرية :

  جابهت النظرية العديد من الآراء الناقدة لها فور ظهورها إذ يرى الكثير من العلماء أنها لا تعدو كونها نظرية خيالية غير ممكنة التطبيق وبعيدة عن الواقع ، ويعد الكسندر Alexander من أكثر علماء الجغرافية الاقتصادية اهتماما بها حيث تمعن بدراسة النظرية وتحليل فرضياتها ومن ثم تعرض لها بالنقد في جوانب عدة منها تحديد وسيلة النقل المستخدمة وتكاليف النقل وتحديد التوزيع الجغرافي للسلع سريعة التلف وموقعها بالنسبة للسوق فضلا عن التغير الحاصل في مصادر الطاقة إذ لا يمكن اعتماد العربات كوسيلة لنقل المنتجات الزراعية في ظل التطور التكنولوجي في وسائط النقل كما لم يعد الخشب المصدر الرئيس للطاقة في ظل ، أما لوش Losch فقد عارض النظرية بشدة حيث انصب (٦) تنوع مصادر الطاقة انتقاده على الحتمية التي حدد بموجبها ثونن النطاقات الست كما عارض الشكل الحلقي لها مشيرا إلى أن هناك عوامل كثيرة تتدخل في تحديد نوع المحاصيل الزراعية وكثافـة زراعتها فضلا عن التوزيع الجغرافي لها حول المدن لذا خلص (٧) أن النظرية مضللة للباحثين ، كما عد جرفين Griffin النظرية لا تحقق التصنيف المفصل لاستخدامات الأرض الزراعية نظرا لعدم توافقه مع التوزيع الدائري للنطاقات وفق منطوقها وبرر ذلك أن هناك عوامل عدة تؤدي إلى تعقد هذا النمط منها تعدد المدن ضمن الإقليم الواحد لأن عملية تداخل النطاقات المركزية لها يبدو أمرا واردا كما اعترض على طبيعة العلاقـة بين تكاليف النقل والمسافة (٨) ، ويمكن إيجاز الانتقادات التي وجهت للنظرية بالاتي: 

١- ليس هناك دولة في العالم دائرية الشكل أو منطقة منعزلة عن العالم وتتوسطها مدينة كما أن تعميم النتائج المحصلة عن نموذج واحد من المدن الأوربية على سائر المدن في العالم سواء المتقدم منه أو النامي لا يعد أمرا منطقيا أو مقبولا .

٢- أهملت النظرية دور العوامل الطبيعية وخصوصا التربة والمناخ وطبوغرافية السطح في ترتيب التوزيع الجغرافي للمحاصيل الزراعية .

٣-أهمل ثونن حقيقة وجود مناطق انتقالية بين المدينة والريف .

٤- لا يمكن تصور وجود مزارعين على دراية باحتياجات السوق .

٥- العلاقة بين المسافة وتكاليف النقل ليس بالضرورة أن تكون علاقة طردية .

٦- لم تلامس النظرية الواقع بافتراضها وجود وسيلة نقل واحدة خاصة وان ثونن كان قريبا من ظهور الثورة الصناعية في أوربا كما يذكر الكسندرAlexander مفسرا ذلك بقوله " من الصعب وجود أمثلة تنطبق تماما مع النظرية فهناك أسباب كثيرة تحول دون ظهور النطاقات الست مجتمعة حول المدن بسبب التغير الكبير الذي حدث في وسائل النقل البري والمائي وعلاقتها بالسوق فضلا عن تباين (٩) الظروف الطبيعية التي افترضت النظرية تجانسها

١- ٣: الإيجابيـــات

   على الرغم من الانتقادات التي وجهت للنظرية إلا أن هناك بعض العلماء وجدوا فيها من الكثير الايجابيات وحتى أولئك الذين تعرضوا لها بالنقد فقد عدها الكسندرAlexander مثلا خطوة رائدة في تطور نظرية التوطن لأنشطة اقتصادية معينة وقد اعتبرها مقدمة لقيام نماذج نظرية مماثلة ، كما عد لوش ( ١٠) الافتراضات التي وضعها ثونن كإطار للنظرية مقبولة مؤكدا على أهمية القيمة الايجارية للأرض الزراعية في تحديد توزيع النطاقات الزراعية حول المدن ، في حين عد جريفين Griffin فرضيات النظرية صحيحة في حالة التعميم لأنماط ، ويرى كل من رانيد Raind وهدسون ١١) Hudson) استخدام الأرض الزراعية ان الإطار النظري لنموذج ثونن لا يزال يحظى بالأهمية العلمية خاصة في إمكانية المساعدة في تقدير أنماط التوطن الزراعي وان النظرية مازالت ممكنة التطبيق وفق أطروحاتها المعروفة خاصة في المجتمعات التي لا زالت تمتلك وتستخدم وسائل إنتاج بسيطة تفي بمتطلبات الزراعة المعيشية وليس الإنتاج الواسع وتستخدم في نقل الفائض من الإنتاج الى الأسواق المحلية وسائط نقل تقليدية. عليه يمكن إيجاز الايجابيات بالاتي : 

١- وضوح الهدف من النظرية الأمر الذي أدى إلى اهتمام كثير من الدارسين بتطبيق نظريته في الواقع سواء بتطبيق بعض فرضياتها التي تتلاءم ومعطيات المكان المراد دراسته أو من خلال إدخال التعديلات على بعض الفرضيات الأخرى لتتلاءم مع واقع المنطقة المدروسة .

٢- إدراكه لأهمية الدور الذي يقوم به المزارعين للمدينة لذا عمد من خلال النظرية أن يؤطر لهم تحقيق أكثر ربح ممكن ، حيث أن المشكلة التي أراد ثونن هي البحث عن النمط الزراعي الذي يتناسب وطبيعة المنطقة التي حددها ( ١٢) حلها وفق آلية العلاقة التبادلية بين عنصري المسافة والسوق .

١-٤ التعديلات التي أجريت على النظرية :

   حاول ثونن بعد تعرض النظرية للنقد أن يدخل بعض التعديلات على النظرية دون أن تمس بجوهرها حيث اقترب في الجزء الثاني من كتابه من الواقع فقد قام بتوضيح التغييرات التي يمكن أن تحدث في نظريته لو كان السوق (المدينة) واقعاً على نهر صالح للملاحة ويرى أن النظرية ستبقى في خطوطها العريضة ثابتة ، إلا أن الحلقات أو الدوائر التي كانت تحيط بالسوق سوف تتحول إلى أحزمة أو نطاقات تمتد بموازاة النهر وبأبعاد متشابهة مع سابقتها ويصح ذلك أيضاً عندما يكون هناك ( ١٣) أكثر من سـوق واحدة .

١-٥ نماذج لتطبيقات عالمية للنظرية:

حظيت النظرية باهتمام العلماء ما بين مؤيد لها ومعارض الأمر الذي دعا الكثير من العلماء الى تطبيق مفاهيمها على مناطق جغرافية مختلفـة من العالـم فقد طبق تشزولم Chisholm فرضياتها على بعض الدول الاوربية كهولندا والسويد واسبانيا فضلا عن بعض الدول النامية كالهند وغانا وخرج بنتيجة مفادها ان النظرية ممكنة التطبيق على أي مجتمع ممكن ان تتوافق طبيعته الجغرافيــة مع بعض فرضياتها مع الأخذ بنظر الاعتبار ضرورة تعديل بعضها الآخـر وبالشكل (١٤) الذي يحقق الغرض من الدراسة .

    وسنستعرض فيما يلي أهم تلك الدراسات التطبيقية والتي يبدوا فيها الجهد الذي بذله الباحثين في التحقق من صحة فرضيات النظرية ليس من خلال النقد النظري لها بل من خلال التطبيق العملي ليعزز من الآراء التي يبدونها سواء الايجابية منها أو السلبية تجاه النظرية :

١. طبق جونسون Jonasson النظرية في أوربا عام ١٩٢٥ وقد عدل في مفاهيم النظرية حيث افترض أن المدينة المعزولة تقع علي خليج وقد برزت لدية سبع نطاقات زراعية تحيط بالمدينة.

٢. في العام ١٩٤٩ طبق هوفرHoover النظرية في فرنسا ولكن مع إحداث بعض التعديلات في مفاهيم النظرية حيث عمد إلى تحديد التنوع في نمط استخدام الأرض المتوقع لثلاث سلع فقط هي الألبان والقمح والبقوليات تخدم خمس أسواق مركزية لمدن مختلفة .

٣. طبق بلاك Black النظرية في العام ١٩٥٣ في أوربا محددا نموذجا يمثل في طرحه ابسط النماذج التطبيقية للنظرية يتفق فيه مع هوفر في تحديده للسلعة ولكنه اختلف معه في تحديد عدد السلع حيث اعتمد سلعة واحدة وهي الألبان بمشتقاتها الثلاث الحليب والقشطة والزبدة .

٤. أما سنكليرSinclair فقد حدد نطاقات مختلفة بالشكل والمضمون عن سابقيه حيث اهتم بالنمو الحضري على التطور في الإنتاج الزراعي وبالتالي تحديد النطاقات الزراعية حول المدينة وخرج بخمس نطاقات تمثل الأول بالزراعة الحضرية وعبر عنه بوحدات صغيرة منتشرة في ضواحي المدن وتستخدم في تربية الدواجن والثاني نطاق رعي مؤقت يتركها أصحابها خالية لبيعها عند ارتفاع أسعار الأراضي وخصص النطاق الثالث كمنطقة انتقالية للمحاصيل الحقلية والرعي (١٥) أما النطاق الرابع فقد خصص لمنتجات الألبان والنطاق الخامس لتربية الماشية .

٥. طبق برذرو Prothero فروض النظرية على قريـة في شمال نيجيريا وظهرت لديه أربع نطاقات بمنطقة بستانية وزراعة المحاصيل الورقية ثم نطاق الحبوب والمحاصيل التجارية والنطاق الثالث يعتمد الدورات الزراعية لثلاث أو أربع سنوات ثم تترك الأرض دون زراعة والنطاق الرابع للغابات أو الأشجار الكثيفة.

٦. عند تطبيق فروض النظرية في الاراجواي تمكن جيرفين Griffin من تحديد أربع نطاقات زراعية تمثلت بالزراعة البستانية ومنتجات الألبان والحبوب وأخيرا نطاق الرعي الواسع.

٧. طبقت النظرية في الولايات المتحدة الأمريكية وقد اعتمد العالمان ويلر Wheeler ومولرMuller أمريكا كلها نطاقا للتجربة بحيث عدا التجمع السكاني الكبير في الساحل الشرقي من الولايات المتحدة الممتد من مدينة بوسطن حتى مدينة واشنطن مركزا للسوق الرئيسية لأمريكا تتوزع النطاقات حولها وقد ظهرت ستة انطقه عند تطبيق التجربة تمثل الأول بنطاق الخضر والفواكه ثم نطاق الغابات ثم نطاق المحاصيل التجارية وتربية الحيوان ثم نطاق القمح فنطاق الرعي الواسع (١٦) فالغابات.

  مما تقدم تتضح أهمية نظرية الموقع الزراعي على الرغم من التعديلات التي أجراها العلماء على بعض فرضياتها أثناء التطبيق ، وبالتالي يمكننا القول أن النظرية وإن تعرضت لكثير من الانتقادات التي تشكك في إمكانية تطبيقها العملي إلا أن انتشار التطبيق على دول تنتمي إلى مناطق جغرافية عديدة تختلف في موقعها الجغرافي ومستواها الاقتصادي وأيدلوجيتها الاقتصادية يؤكد اهمية النظرية، وهذا يعزز ما ذهبنا إليه بضرورة إعداد هذه الدراسة كما أنها اوحت للباحث خارطة الطريق التي سيتبعها عند تطبيق النظرية على محافظة البصرة. 

١- ٦ - انتقادات الباحث : 

  يعتقد الباحث إن تحديد التوزيع الجغرافي للمحاصيل الزراعية حول المدن ليس بهذه البساطة التي بينها ثونن بل هي غاية في التعقيد إذ تلعب عوامل عدة في تحديد اتجاهاته ومستوياته بحيث تبدو هذه العوامل متداخلة بالشكل الذي يكمل احدها الآخر، فبعضها طبيعي كالتربة والمناخ والمورد المائي والعامل البيولوجي فيلاحظ ان ريكاردو مثلا وضع نموذجا حدد بموجبه العوامل المؤثرة في التوطن الزراعي حول المدن واعتبر فيه خصوبــة التربة إحدى العوامل المهمة في (١٧) تحديد توطن أنواع المحاصيل الزراعية بالقرب من المدينة ، فضــلا عن بعض العوامل التي تحمل طابعا بشريا أو تاريخيا أو حضاريا كالقوى العاملة والعادات والتقاليد وأنماط التغذية المعتمدة لكل مجتمع في حين يكون بعضها اقتصادي كملكية الأرض ورأس المال والســوق والنقل ، ومن هذا المنطلق لا يمكن أن نعد مثلا إن كلفة الإنتاج وكلفـة النقل ( المسافة) إلى السوق هما المحددين الأساسين لنجاح الزراعة أو بمعنى اصح نجاح التوزيع الجغرافي للمحاصيل الزراعية وفق ما قرره ثونن .

   ولعل من أهم الملاحظات التي استوقفت الباحث عند قراءته للنظريــة هي عــدم إشارة ثونن إلى الثروة السمكية في نظريته مع انها تعد واحدة من مكونات الإنتاج الزراعي وخاصة بشقها الحيواني وفق المنهج الحديث لمفهوم الإنتاج الزراعي ، فثونن افترض لمدينته انها تقع على نهر ولا نستطيع ان نفهم سبب هذا التجاهل لهذا المورد الغني بعناصره الغذائية فضلا عن سهوله الحصول عليه كونه الاقرب للمدينة فهو يعيش في النهر الذي يخترق المدينة ، قد يكون للسلوك الاجتماعي في المجتمع الذي كان يعيش فيه ثونن الأثر في ذلك لكن لا يمكن الجزم بذلك أو تبريره لأن ما من مدينة تقع على مسطح مائي أياً كان نوعه لا يفضل سكانها الأسماك بل غالبا ما تكون الطبق الرئيس في وجباتهم .

   فالسؤال إذاً لماذا لم يتطرق ثونن للثروة السمكية كإحدى المعايير التي حدد على أساسها نطاقاته الزراعية حول المدينة ؟ وإذا كان قد أغفل ذلك في النسخة الأولى فلم لم يدرجه في تعديله للنظرية ؟ ثم لماذا لم يعد المنتقدون للنظرية ذلك مثلبة فيها وهم الذين ما إنفكوا من توجيه الانتقادات لها . 

  يعتقد الباحث أن الإجابة على هذه الأسئلة لا تخرج عن إجابتين الأولى أن الثروة السمكية لا تعد محورا من محاور الإنتاج الزراعي من وجهة نظر ثونن ومن عاصره من علماء الزراعة والاقتصاد الزراعي ، بل إنها محورا مستقلا بذاته كون أن البيئة التي تعيش فيها الأسماك تختلف كليا عن البيئة التي تتطلبها النباتات والحيوانات للعيش وبالتالي لم يأتي ثونن على ذكرها في نظريته ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد لدى الباحث أن أياً من العلماء الذين طبقوا النظرية وكما ظهر سابقا لم يشيروا إلى الثروة السمكية عند تحديدهم للنطاقات الزراعية للمدن التي أتوا على تطبيق مفاهيم النظرية عليها ، أما الإجابة الثانية فتقسم إلى محورين الأول أن الأسماك لم تكن تحظي بالأهمية على المستوى الغذائي لسكان المدن الأوربية حيث افترض ثونن مدينته المنعزلة فبالتالي لم يأتي على تحديدها كنطاق زراعي أو لأنه يتم الحصول عليها من النهر الذي يخترق المدينة وبالتالي فهي قريبة من السوق مما يعني انعدام عنصر المسافة الذي يعد ركنا رئيسا في تحديد النطاقات وبالتالي لم يتم تحديد نطاق يحدد اهميتها بالنسبة للسوق ، اما الثانــي ان الانهار لا تعد من المصادر الرئيسة للأسماك على المستوى الاقتصادي حيث أن كمية المخزون السمكي فيها لا يكاد يسد حاجـة السكان كما هو الحال في البحار والمحيطات لذا لم يشر ثونن إلى الأسماك في النظرية . 

   ويعتقد الباحث أن الرأي الأول هو الاقرب للصحة عند محاولة تفسير أسباب تجاهل ثونن للأسماك كمورد غذائي عند تحديده للنطاقات وفق النظرية فتبعا للمنطق فكما ذكرنا سابقا ليس من المقبول عقلا ومنطقا أن لا يفضل سكان المدن التي تقع على الأنهار والبحار الأسماك كمورد غذائي كما أنه ليس من المعقول ألا تأخذ الأسماك حيزا من السلع المعروضة في سوق المدينة لا سيما أن الأسماك عادة ما تكون رخيصة الثمن كما أن عملية الحصول عليها يكون أمرا ميسورا في مثل المدن التي افترضها ثونن (يخترقها نهر ) في ظل استخدام وسائل الصيد البدائية التي عادة ما يقتنيها سكانها .

الخلاصـــــة :

  بعد استعراض الإمكانات الطبيعية والبشرية في محافظة البصرة التي اعطت الصورة الواضحة لحجم تلك الإمكانات نستطيع القول أن هناك الكثير من الإمكانات تتوفر في المحافظة التي تؤهلها لتحقيق نسبـة كبيرة من احتياجاتها الغذائيـة فيما لو تم استغلال الأراضي الصالحـة للزراعــة فيها أو تلك التي من الممكن استصلاحها زراعيا واستثمارها بالشكل الأمثل من خلال اعتماد إستراتيجية زراعية ضمن مشروع شامـل للتنمية الريفية للنهـوض بالواقع الزراعي في المحافظـة ، ونعتقد أنه بالإمكان اعتمـاد نظريـة الموقـع الزراعي في وضـع مبادئ تلك الإستراتيجيــة من خلال اعتماد بعض فرضياتهـا لا سيما التي تستوجب قدرة المزارعين على التعاطـي مـع احتياجات السـوق ( المحلية أو الخارجية ) ويتأتـى ذلك من خلال وجهتيـن الأولى اعتماد نظام الإرشاد الزراعي من خلال تفعيل هذا النظام المهم لتثقيف المزارعين الحاليين باقتصاديات السوق الزراعي عبر دورات تدريبية وتثقيفية موسمية تسبق الموسم الزراعي ، اما الوجهـة الثانيـة فتقوم على مبـدأ زج خريجي كليات الزراعـة للعمــل في المجال الذي درسوا علومه وفهموا متطلبات الزراعة الناجحــة فبهذه الشريحــة يمكن استصلاح الكثير من الاراضي الممكن زراعتها في المحافظة لاسيما التـي في القسم الغربي منها لأنهم يمتلكون من الخبرة العلمية التي تؤهلهم للقيام بهذا العمل وبذلك تتمكن الدولة من تحقيق جملة من النتائج منها:

١- التقليل من نسبة البطالة في المجتمع لاسيما في الفئات العلمية التي يمكن استخدامها في العمل الميداني في المشاريع الصغيرة.

٢- تطوير الجانب الزراعي للتقليل من الاعتماد على المحاصيل المستوردة من الخارج .

٣- إعادة توطين السكان في الأجزاء الغربية من المحافظة للتقليل من التكدس الحضري في مدينة البصرة.

٤- رفع المستوى المعاشي للسكان مما يسهم في تطور المستوى الاقتصادي للمحافظة. 

   لذا يعتقد الباحث أن نظرية الموقع الزراعي من الممكن أن تستخدم في التخطيط للتنميـة الزراعيـة لأي منطقة من خلال الملائمة النظرية أو العملية بين فرضياتها والمعطيات الطبيعية والبشرية لتلك المنطقــة حتى لو تطلب الأمر إجراء التعديلات على بعض الفرضيات وخاصة فيما يتعلق بوسيلة النقل المعتمـدة في إيصال المحاصيل إلى السوق أو عدد النطاقات حول المدينـة ونوع المحاصيل الزراعيـة في كل نطاق ، فالمهم تحقيق الغاية من النظرية وهو جعل الإنتاج الزراعي يسير بوتيرة متصاعدة خدمة للمجتمع بشكل عام والمزارعين بشكل خاص أي بمعنى آخر العمل على إحداث عملية تنميــة اقتصاديـة ـ تكون الزراعة محورها الأساس ـ في المجتمع الطرف الأول فيها مزارع واع لكيفية التعامل مع الأرض التي يملكها من خلال تحكمه في تحديد نوع وكمية المحصول الزراعي الواجب زراعتـه خلال الموسم والطـرف الثاني سوقا يخدم حجما سكانيا يتميز بقدرة شرائية عاليه.

  أما فيما يتعلق بالنطاقات الزراعية الممكن استظهارها حول مدينة البصرة فقد استنتجت الدراسة وجود نطاق زراعي رئيسي يحيط بمدينة البصرة نستطيع أن نطلق عليه (النطاق الزراعي المختلـط) الذي يمتاز بتنوع المحاصيل المزروعة فيه والتي تضم أشجار النخيل والخضروات والألبان والحبوب وهو النطاق الذي يتماثل في مكوناته مع النطاق الأول وفق النظريـة إلا أن وجه الاختلاف مع النظرية يكمن في أن النطاق الزراعي المحيط بمدينة البصرة لم يكن نطاقا دائريا تتساوى فيه المسافات عن مركز المدينة بل يكاد يأخذ شكلا غير منتظما - يميل للشكل النجمي غير متساوي الاضلاع تقريبا - ولقد ساهمت عــدة عوامل في ظهور هذا الشكل منها تداخل الأراضي الصالحة للزراعة حول المدينـة مع الأراضي غير الصالحة للزراعة وأراضي الاستعمالات السكنية والصناعية والتجارية ، ويبدو أكثره شذوذا في المناطق الواقعــة في القسم الغربي من المحافظة لنظرا لوجـود مدينـة الزبير بين مدينـة البصـرة والأراضي الزراعية في هذا القسم كما ساهم وجود الأراضي البور(السباخ) إلى الشرق من خور الزبير وحتى الطريق العام (بصرة _ فاو) على طـول الأراضي الممتدة في قضائي أبي الخصيب والفاو في حصر الأراضي الزراعية على ضفاف شط العرب مما انعكس على شكل النطاق الزراعي في هذه المنطقة ويبدو نفس السبب يتكرر في الأجزاء الشمالية الشرقية من المحافظة لا سيما ضمن الأراضي غير الصالحة للزراعة في ناحيـة النشوة في حين كان للأجزاء المغمـورة بالمياه من هور الحمار سببا في ظهور شكل النطاق الأجزاء الشمالية الغربية من المحافظـة ، هذا ويظهر في الأطراف الشمالية من هذا النطاق نطاقا ثانويا تزرع فيه الحبوب (القمح والشعير) (*********) يكون على شكـل قوس يلتصق بالنطاق الأول ويمتد من الأطراف الوسطى والجنوبية من قضاء المدينة غربا حتى ناحية النشوة شرقا مرورا بالأراضي الزراعية في قضاء القـرنة شكل (٢) .

الهوامـــــــش

١_ عثمان محمد غنيم ، مقدمة في التخطيط التنموي الإقليمي،دار الصفاء للطباعة والنشر،ط ٣ ، عمان، ٢٠٠٥.ص .١٣٧

٢_ صلاح حميد الجنابي، جغرافية الحضر، دار الكتب للطباعة،جامعة الموصل ،١٩٨٧، ص٤٠٨.

٣_ محمد علي الفرا، مناهج البحث الجغرافية بالوسائل الكمية،ط٢، الكويت،١٩٧٥.ص ص ٣١٣_٣٠٦

٤_ سيف سالم القايدي ، المدخل إلى الجغرافيا الاقتصادية،الطبعة الأولى، مطبعة الفلاح،الكويت، ٢٠٠٣. ص ٢٠٧

٥_ ينظر :علي علي البنا، الجغرافية التطبيقية _المضمون _التطور_ المنهج ،دار الفكر القاهرة، ٢٠٠٣. ص ١٨٥ _ صلاح حميد الجنابي، جغرافية الحضر، مصدر سابق ، ص٤١٠

٦_ علي علي البنا، الجغرافية التطبيقية _المضمون _ التطور _ المنهج ،دار الفكر القاهرة،٢٠٠٣. ص١٨٧

٧_ علي علي البنا، المصدر نفسه ، ص١٨٨

٨_ علي علي البنا، المصدر نفسه ، ص١٨٨

9-Alexander, J .W , Economic Geography ,New Jersy ,USA ,1963.P 616 10-Alexander, J .W , Economic Geography .614 .

١١_ علي البنا، الجغرافية التطبيقية _المضمون _التطور_ المنهج، مصدر سابق، ص١٨٩

١٢_ محمد محمود إبراهيم الديب، جغرافية الزراعة تحليل في التنظيم المكاني، مكتبة الانجلو المصرية، ط٩ ، مصر ،٢٠٠٣،ص.٧٢٤

١٣_ صلاح الجنابي ، جغرافية الحضر ، مصدر سابق ،ص٤١٣

14 _Chisholm,M.RuralSettement and Land Use,London,1962.p195 

15_Wheeler,J.O.andMuller.P.O,EconomicGeography,2d.J.Wiley,USA ,1986.p338 

16- Wheeler,J.O.andMuller.P.O,EconomicGeography,.p303 

١٧_ مهدي علي الوحيد وهلال ادريس مجيد ،مقدمة في التنمية والتخطيط ، هيئة المعاهد الفنية ،مطبعة التعليم العالي ،بغداد ،١٩٨٨.ص ص ١٢٨_١٢٧ . _ ينظر ايضا :محمد محمود ابراهيم الديب، جغرافية الزراعةـ تحليل في التنظيم المكاني ـ ، مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة ،١٩٩٥، ص٧٣٢

١٨_ سعدي محمد صالح السعدي ،التخطيط الاقليمي نظرية _توجه_ تطبيق، بيت الحكمة ، بغداد ،١٩٨٩ . ص١٠٥

١٩ _ نصر عبدالسجاد عبدالحسن، مقومات الإنتاج الزراعي في محافظــة البصرة دراسة في الجغرافية الزراعية ، رسالة ماجستير،كلية الاداب جامعة البصرة،١٩٩١. (غير منشورة) ص ٧ .

٢٠_ مديرية زراعة البصرة ، قسم التخطيط والمتابعة، بيانات غير منشورة. .٢٠٠٧ ٢١_ بشرى رمضان ياسين، العلاقات المكانية بين مستويات السطح والزراعة في محافظـــة البصرة ، اطروحة دكتوراه ، كلية الاداب، جامعة البصرة،١٩٩٨. (غير منشورة) ص ٤٦

٢٢_ داود جاسم الربيعي، الواقع الجيولوجي والسطح في محافظة البصرة ، موسوعة البصرة الحضارية ، المحور الجغرافي ، كلية الاداب ،جامعة البصرة ،البصرة،١٩٨٨.ص١٢

٢٣_ داود جاسم الربيعي ، الواقع الجيولوجي والسطح في محافظة البصرة ،المصدر نفسه ، ص١٥ .

٢٤_ بشرى رمضان ياسين، العلاقات المكانية بين مستويات السطح والزراعة في محافظة البصرة ، مصدر سابق ،ص٤٦

٢٥_ داود جاسم الربيعي ، الواقع الجيولوجي والسطح في محافظة البصرة ، مصدر سابق ،ص ١٥.

٢٦_ احمد جاسم الحسان ، تأثير الظواهر الجوية المتطرفة في المحاصيل الزراعية لمحافظات البصرة وميسان وذي قار _ دراسة في المناخ الزراعي، رسالة ماجستير، كلية الاداب ،جامعة البصرة، ٢٠٠١.(غير منشورة) ص١٢

٢٧_ بشرى رمضان ياسين، العلاقات المكانية بين مستويات السطح والزراعة في محافظة البصرة ،مصدر سابق .ص ٦٩

٢٨_ داود جاسم الربيعي ،من خصائص الترب في محافظة البصرة ، موسوعة البصرة الحضارية، المحور الجغرافي ، جامعة البصرة ،البصرة،١٩٨٨.ص٤٤

٢٩_ نصر عبدالسجاد، مقومات الإنتاج الزراعي في محافظة البصرة دراسة في الجغرافيــة الزراعية ، مصدر سابق ، ص١٥

٣٠_ بشرى رمضان ياسين، العلاقات المكانية بين مستويات السطح والزراعة في محافظـة البصــرة ، مصدرسابق.ص ٦٩. ٣١_ صلاح الدين الشامي ،الجغرافية دعامة التخطيط، منشاة المعارف، الاسكندرية ،١٩٧٦. ص٢٤٤ 

٣٢_ نصر عبد السجاد، مقومات الإنتاج الزراعي في محافظة البصرة دراسة في الجغرافيـة الزراعيـة ، مصدرسابق، ص ٢٠

٣٣_ محمود بدر علي، اثر العوامل الجغرافية في التباين المكاني لزراعة الطماطـة في محافظـة البصرة، رسالة ماجستير،كلية الاداب ،جامعة البصرة،١٩٨٧. (غير منشورة) ص ١٢٠

٣٤_ بشرى رمضان ياسين، العلاقات المكانية بين مستويات السطح والزراعة في محافظة البصرة ، مصدرسابق.ص ١٠٤

٣٥_ نصر عبد السجاد، مقومات الإنتاج الزراعي في محافظة البصرة دراسة في الجغرافية الزراعية، مصدرسابق، ص ١٠٣

٣٦_ محمود بدر علي، اثر العوامل الجغرافية في التباين المكاني لزراعة الطماطة في محافظة البصرة، مصدر سابق.ص .١٢١

٣٧_ محمد رمضان محمد ،التحليل الجغرافي لمشكلات الزراعة في قضاء أبي الخصيب ، اطروحـة دكتوراه ، كلية الاداب ،جامعة البصرة ،٢٠٠٢. (غير منشورة) ص .١٥٦

٣٨_ عبدالوهاب مطر الداهري ،اقتصاديات الإصلاح الزراعي ،الطبعة الأولى، مطبعة العاني، بغداد ، ١٩٧٠.ص٤٧٨

٣٩_ محمود بدر علي، اثر العوامل الجغرافية في التباين المكاني لزراعة الطماطة في محافظة البصرة ، مصدر سابق.ص ص ١٣٠_١٢٨ .

٤٠_ مديرية زراعة البصرة ، قسم الاراضي ، بيانات غيرة منشورة ، ٢٠٠٧.

٤١_ بشرى رمضان ياسين، العلاقات المكانية بين مستويات السطح والزراعة في محافظة البصرة ، مصدرسابق.ص ١٢١.

(*) لا يعد التطلع إلى ذلك من باب الامل بل ان لذلك اساسا يمكن الركون إليه فالبصرة عبر عقود سابقة لتسعينيات القرن الماضي كانت تعيل سكانها من الناحية الزراعية بشقيها النباتي والحيواني وبحالة من الاكتفاء الذاتي ، بل ان هناك فائضا زراعيا متاحا للمدينة اسهم انذاك في عد البصرة من أهم المصدرين لبعض أنواع المحاصيل الزراعية. (**)حيث أن : R = العائد الموقعى للوحدة المساحية المطلوب إثباته ، Y = الإنتاج المحصولي للوحدة المساحية . P = الثمن التسويقي لكل وحدة سلعية منتجة ، E = تكلفة الإنتاج لكل وحدة مساحية ، F = تكلفة النقل لكل وحدة سلعية منتجة ،K = البعد من السوق .


ينظر: _ علي علي البنا، الجغرافيا التطبيقية المضمون_ التطور _ المنهج ،دار الفكر العربي، ط١، القاهرة،٢٠٠٣. ص١٨٣ 
_ صلاح الجنابي ، جغرافية الحضر، مصدر سابق ص ٤٠٨.

  مما تجدر الاشارة اليه بهذا الصدد قام الباحث بمحاولة لتطبيق المعادلة بيد ان قلة البيانات المتاحة لاغلب معطيات المعادلة خاصة في ظل التذبذب في مستوى الأسعار لها حال دون الوصول إلى أي نتيجة تذكر.

(***) نعني بعملية التسويق جميع الوسائل والاساليب التي يتم بواسطتها جلب المحاصيل الزراعية من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك وتشمل عملية النقل إلى مراكز التجميع المحلية والمركزية كما عمليات تصنيف وتنظيف وتخزين وتعبئة المحاصيل الزراعية من عمليات التسويق الضرورية .
ينظر أيضا: محمود بدر علي، اثر العوامل الجغرافية في التباين المكاني لزراعة الطماطة في محافظة البصرة، مصدر سابق ،ص ١٧٩

(****) مقابلة شخصية مع بعض تجار الألبان في شارع أبي الاسود( السوق الرئيس لتجارة الألبان بالجملة في منطقة العشار) بتاريخ ٢٠٠٧/١٠/٥.

(*****) مقابلة شخصية مع السيد مؤيد محمود احد المزارعين في قضاء الفاو فضلا عن بعض مزارعي ناحية الخليج العربي الملغاة و مزارعي ناحية البحار .٢٠٠٧/١١/١٣ بتاريخ ، الملغاة

(******) لم يستطع الباحث الحصول على معلومات دقيقة بهذا الخصوص الا ان مقابلتنا مع بعض تجار الألبان والتي سبق الاشارة اليها سابقا خلصت إلى هذه المعلومة التي تؤكها الملاحظة الشخصية للسوق المحلية ، هذا وتخلو المصادر الرسمية من المعلومات بهذا الشان.

(*******) مقابلة شخصية مع السيد حسن علي صاحب احد محال الجزارة في سوق مدينة البصرة بتاريخ ٢٠٠٧/١٢/١٤ وقد ذكر ان هذا التفضيل يسري على اصحاب محال الجزارة.


(********) مقابلة شخصية مع السيد شهاب احمد صاحب احد محال بيع الاسماك في سوق مدينة البصرة بتاريخ ٢٠٠٨/١/١٦ وقد ذكر السيد شهاب ان الاسماك المجمدة والتي تستود من خارج البلاد كما ان بعض الاسماك الطازجة المستوردة من جمهورية ايران الاسلامية تنافس الاسماك المحلية لرخص اسعارها .

(*********) تجدر الاشارة ان هذين المحصولين لا يسوقان الى مدينة البصرة بشكل مباشر بل يقوم المزارعون بتسويقه الى مخازن الحبوب التابعة الى وزارة التجارة لتدخل ضمن مفردات البطاقة التموينية المصدر: مديرية زراعة البصرة ، قسم الارشاد الزراعي ، بيانات غير منشورة. 


للقراءة والتحميل اضغط هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا