الدراسة الحقلية في التعليم الجغرافي
الدكتور سعد محمد الزليتني
قسم الجغرافيا ــ كلية الآداب - جامعة قاريونس
مجلة كلية الآداب - جامعة قاريونس (جامعة بنغازي) - العدد 35 - 2011 - ص ص 40 - 54 :
الملخص
يحتل علم الجغرافيا موقعاً متوسطاً بين العلوم الطبيعية/التطبيقية والعلوم الإنسانية/الاجتماعية، ويتعامل مع عناصر طبيعية وأخرى بشرية من حيث خصائصها وتوزيعاتها وتفاعلاتها والتأثيرات المتبادلة بينها، وما تخلفه هذه التفاعلات والتأثيرات من علامات بارزة على سطح الأرض. وضمن هذا المجال المعرفي الواسع ينظر إلى الدراسة الحقلية على أنها أحد الأساليب الأساسية للتدريس الفعال والبحث الجاد في الجغرافيا، فالدراسة الحقلية في المجال الجغرافي تماثل التدريب العملي في الاختصاص الطبي، فهي بالنسبة للطالب الذي يسعى ليصبح جغرافياً تناظر التدريب الذي يتلقاه الطبيب في المستشفى، فالجراح على سبيل المثال لا يمكنه إجراء العمليات الجراحية ما لم يتدرب عليها تدريبا عملياً كافياً تحت إشراف متخصص في المجال، وهذا هو واقع الحال بالنسبة للجغرافي، فهو لا يستطيع أن يمارس عمله باقتدار ما لم يتلق تدريباً كافياً في مجال العمل الجغرافي. وتعرف الدراسة الحقلية بأنها "نشاط تعليمي منظم ومخطط يتم خارج جدران القاعة الدراسية ويهدف إلى إكساب الطلاب الخبرة العلمية المباشرة، ويمارس تحت إشرف معلمين مختصين".
وعلى الرغم من أهمية الدراسة الحقلية في التدريس والبحث الجغرافي، فإن الأهداف والأغراض المتوخاة منها لم تنل حظها من الدراسة والتحليل، كما أن نواحي الإرشاد والتوجيه المعنية بتصميم وتنفيذ الدراسة الحقلية وتطبيقاتها هي الأخرى لم تحظ بالاهتمام المناسب من قبل الباحثين، وتسعى هذه الدراسة إلى توضيح أهمية الدراسة الحقلية وكيفية صياغة أهدافها وتحديد عناصرها ومكوناتها وأساليب تنظيمها، ودورها في تجويد التعليم الجغرافي وتحسين مخرجاته، وتتجلَّى أهميتها في كونها تسعى إلى توجيه الاهتمام إلى الأهمية التعليمية والتربوية للدراسة الحقلية التي تمثل العمود الفقري للتدريس والبحث الجغرافي.
الدراسة الحقلية في التعليم الجغرافي
مقدمة
تحتل الجغرافيا موقعاً متوسطاً بين العلوم الطبيعية/التطبيقية والعلوم الإنسانية/الاجتماعية، وهي تركز على دراسة الظواهر الطبيعية والبشرية من حيث خصائصها وتوزيعاتها وتفاعلاتها والتأثيرات المتبادلة بينها، وما تخلفه هذه التفاعلات والتأثيرات من علامات بارزة على سطح الأرض62. وضمن هذا المجال المعرفي ينظر إلى الدراسة الحقلية على أتها أحد الأساليب الأساسية والمهمة في التدريس الفعال والبحث المعمق، حيث يفيد المختصون في هذا المجال بأن إعداد الجغرافي وتكوينه لا بد أن يتضمن القيام بسلسلة من الدراسات الحقلية63، فالدراسة الحقلية في المجال الجغرافي تماثل التدريب العملي في الاختصاص الطبي، فهي بالنسبة للطالب الذي يسعى ليصبح جغرافياً تناظر التدريب الذي يتلقاه طلاب العلوم الطبية في المستشفى، فالجراح على سبيل المثال لا يستطيع القيام بالعمليات الجراحية ما لم يتدرب عليها تدريباً عملياً كافياً تحت إشراف متخصصين في المجال، وهذا هو واقع الحال بالنسبة للجغرافي، فهو لا يستطيع أن يمارس عمله باقتدار ما لم يتلق التدريب المناسب في مجال العمل الجغرافي الميداني. وعلى الرغم من أهمية التدريب الحقلي سواء في التدريس أوالبحث الجغرافي، فإن الأهداف والأغراض المتوخاة منه لم تنل حظها من الدراسة والتحليل، كما أن نواحي الإرشاد والتوجيه المعنية بتصميم وتنفيذ مقررات الدراسة الحقلية، وكذلك العناصر والمحتويات التي ينبغي أن تتضمنها هي الأخرى لم تحظ بالاهتمام المناسب من قبل الباحثين، وتحاول هذه الدراسة توضيح أهمية الدراسة الحقلية وكيفية صياغة أهدافها وأساليب تنظيمها وتحديد عناصرها ومكوناتها، ودورها في تجويد التعليم الجغرافي وتحسين مخرجاته. وتتجلَّى أهميتها في كونها تسعى إلى توجيه اهتمام الجغرافيين وأقسام الجغرافيا إلى الأهمية التعليمية والتربوية للدراسة الحقلية التي تمثل العمود الفقري سواء في التدريس أوالبحث الجغرافي، ولتحقيق أهداف الدراسة استخدم المنهج الكيفي القائم على استنباط المعلومة المطلوبة من الدراسات المتخصصة، مما يتيح الحصول على معلومات أوفر، ووصف أغنى، ويزيل الغموض والالتباس خاصة في الموضوعات التي لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسة والبحث.
الإطار النظري والدراسات السابقة
الخروج إلى البيئة الطبيعية للتعرف المباشر على الظواهر الجغرافية تمثل جزءاً أساسياً من إعداد الباحث الجغرافي
ــــــــــــــــــــــــــــــ
62 حسن الخياط (1995). الأبعاد الجغرافية في استراتيجيات التخطيط العمراني لدول الخليج. حولية كلية الانسانيات والعلوم الاجتماعية، العدد 18، الصفحات 261-237.
63 J. R. Gold et al (1991). Teaching geography in higher education: a manual of good practice. Oxford: Blackwell Publishers, p. 21.
وهي تعيد إلى الأذهان نشأة هذا التقليد في زمن الكشوف الجغرافية لأقاليم العالم المختلفة. لقد تعزز هذا التقليد بفضل جهود علماء وجمعيات علمية ومؤسسات أكاديمية توزعت في مناطق عديدة من العالم، هذه الجهود التي أسهمت في إثراء هذا المجال الحيوي وأبرزت أهميته العلمية والعملية (الشكلان 2،1)، وتتمثل الفائدة العلمية للدراسة الحقلية في تنشيط أسلوب الملاحظة وإثارتها من الوجهة الجغرافية التي تتعزز من خلال تفعيل البرامج الحقلية التي تمثل أساس المقررات التطبيقية وجوهرها، وفي هذا الخصوص تفيد العديد من الدراسات والبحوث ذات العلاقة أن الأسس المستقاة من مفهوم المشاهدة والملاحظة تنبثق أساسا من الفلسفة التربوية التي تنادي بضرورة التعلم في أحضان الطبيعة، فالباحث الجغرافي يستطيع بالمشاهدة والملاحظة أن يجمع الحقائق والشواهد التي تساعده في التعرف على الأبعاد المختلفة لمشكلة البحث عن طريق استخدام حواس السمع والبصر والشم والشعور والتذوق، فالملاحظة تعني أن يوجه الباحث كل حواسه للظاهرات قيد الدراسة للتعرف على الصفات والخصائص التي تميزها، وقد زادت في السنوات القليلة الماضية التطبيقات الحقلية في الدراسات الجغرافية التي تطورت نتيجة التطور الحاصل في النواحي النظرية، وبروز تقنيات وأساليب مساندة سواء في التدريس أو البحث الجغرافي64.
الشكلان 2،1: الدراسة الحقلية أسلوب أساسي في التدريس والبحث الجغرافي
لقد تطورت برامج الدراسة الحقلية أساساً من تقاليد علمية أصيلة مثلت أدواراً مهمة في تاريخ تطور علم الجغرافيا، وأسهمت في تعزيز دورها الفعال سواء في التدريس أو البحث العلمي. فمن المعلوم أن الدراسات القائمة على الملاحظة المباشرة ليست وليدة العصر الحاضر، وإنما تعود إلى فترات موغلة في التاريخ، فقد ورد أن المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت (485- 430 ق.م.) طاف العديد من مناطق العالم قبل أن يتفرغ لكتابة مؤلفه الشهير "عرض للتاريخ" الذي تضمن وصفاً شاملاً عن جغرافية العالم آنذاك، وعادات الشعوب وتقاليدهم وتنظيماتهم الاجتماعية وشعائرهم الدينية65. وفي العصور الوسطى زمن ازدهار الحضارة الإسلامية اعتمد الجغرافيون من أمثال الإدريسي والمقدسي وابن حوقل وابن بطوطة على المشاهدة والبحث الميداني للأقاليم والمجتمعات التي تناولتها مؤلفاتهم، وفي هذا الصدد ذكر المقدسي (990 -947 م) في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" أسلوبه ومنهجه في البحث والتقصي عن المعلومات والحقائق، حيث يقول: إعلم أن جماعة من أهل العلم ومن
ــــــــــــــــــــــــــ
64 أحمد البدوي الشريعي (2004). الدراسة الميدانية: أسس وتطبيقات في الجغرافيا البشرية. القاهرة: دار الفكر العربي.
65 حسين فهد حماد (2003). موسوعة الآثار التاريخية. عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع.
الوزراء صنفوا في هذا الباب، وإن كانت مختلة غير أن أكثرها، بل كلها سماع، لهم ونحن فلم يبق إقليم إلا ودخلناه وأقل سبب إلا وعرفناه... فقد تفقهت وتأدبت وتزهدت وتعبدت وفقهت وأدبت وخطبت على المنابر وأممت في المساجد وذكرت في الجوامع واختلفت إلى المدارس ودعوت في المحافل وتكلمت في المجالس وأكلت مع الصوفية الهرائس ومع الخانقاءيين الثرائد ومع النواتي العصائد وطردت في الليالي من المساجد وسحت في البراري وتهت في الصحاري... وركبت الكنائس والخيول ومشيت في السمائم والثلوج... ذكرنا هذا القدر ليعلم الناظر في كتابنا أنا لم نصنفه جزافاً ولا رتبناه مجازاً، فكم بين من قاسى هذه الأسباب وبين من صنف كتابه في الرفاهية ووصفه على السماع66. وقد سار على هذا النهج العديد من جغرافيي العصور الحديثة، ومنهم العالم الألماني همبولدت 1859 -1769) Humboldt) الذي كرس كل ما يملك من إمكانيات في البحث والترحال حيث زار معظم أمريكا الوسطى والجنوبية والأراضي الروسية، مؤكداً على أهمية العمل الحقلي في البحث الجغرافي، وقد وصف رحلاته واكتشافاته في أربعين مؤلفا67. وقد ظل هذا التطور في الدراسات الحقلية يسير بخطى حثيثة حتى أصبح البحث والتدريب الحقلي يمثلان العمود الفقري للدراسات الجغرافية. وقد أكد على ذلك العديد من المختصين ومنهم روبرت بلات Robert Platt حيث يفيد بالآتي: "لقد طور المختصون ضمن المجال المعرفي الواسع لعلم الجغرافيا موضوعاً له مفاهيمه ونظرياته وأساليبه وتقنياته الخاصة التي ميزته عن بقية العلوم، وضمن هذا المجال الواسع يبرز العمل الحقلي على أنه جوهر الدراسة الجغرافية وأساسها68."
فالعمل الحقلي يتيح فرصة التعامل المباشر مع الظاهرات الجغرافية والحصول على المعلومات والبيانات الخام من مصادرها الأصلية، ويتم تطبيق أسلوب العمل الحقلي من خلال سلسلة نظريات ومفاهيم ومناهج بحث مختلفة متنوعة تطورت عبر الزمن لتعكس جهوداً متواصلة هدفت أساساً إلى الربط بين المعارف النظرية والتطبيقات العملية. إن المبادئ الأساسية للتعلم النشط Active Learning التي ينادي بها التربويون المتمثلة في: (1) الأساس المعرفي، (2) التطبيق المعرفي، (3) ربط المعارف ودمجها، (4) الأبعاد الإنسانية، (5) توليد الاهتمام، (6) تعلم كيفية التعلم69، يمكن تحقيقها من خلال الدراسة الحقلية، فالدراسة الحقلية تساعد على فهم مظاهر سطح الأرض أو ما يعرف باللاندسكيب Landscape الذي يعد أساس علم الجغرافيا، ويحصل الطلاب على الأسس النظرية من خلال ما يعرف بمنهج حل المشكلات، الذي يتم من خلال تحليل وعرض المعلومات والبيانات المتحصل عليها من التطبيق الحقلي، ومن خلال الدراسة الحقلية أيضا فإن الطلاب يستطيعون ربط الأسس والمفاهيم الجغرافية المختلفة ببعضها البعض، ويتحقق ذلك من خلال الفهم الواقعي للظواهر الجغرافية الذي يتم من خلال مراقبة نواتج العمليات الطبيعية والبشرية. بالإضافة إلى ذلك فإن طبيعة التطبيقات والتدريبات الحقلية تضع الطلاب في مواقف استثنائية تمكن من اختبار استجاباتهم وقدراتهم على التعامل مع الآخرين، مما يحقق الأبعاد الإنسانية للتعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
66 المقدسي (1991). أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، الطبعة الثالثة. القاهرة: مكتبة مدبولي، الصفحات 45-43. 67 أحمد البدوي الشريعي (2004). مرجع سابق، ص 60.
68 Robert S. Platt (1959). Field study in American geography: the development of theory and method exemplified by selections. The University of Chicago, Department of Geography, Research Paper No. 61, 1959, Chicago, Illinois.
69 D. Fink (2003). Creating significant learning experiences: An integrated approach to designing college courses. San Francisco: Jossey-Bass.
فيما يتعلق بالدراسات السابقة، فقد تنوعت هذه الدراسات خاصة منها المتعلقة بالتطبيقات في المجالات الجغرافية، وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من توفر ثروة هائلة من الدراسات المنشورة باللغات الأجنبية، فإنه يلاحظ ندرة واضحة في الدراسات المنشورة باللغة العربية، حيث لم يتم العثور إلا على دراستين في هذا المجال أولاها كتاب مترجم بعنوان "أساليب البحث والدراسات الميدانية في الجغرافيا". هذا الكتاب يتضمن وصفا لتقنيات جمع البيانات والمصادر التي يمكن الرجوع إليها للحصول على المعلومات والبيانات التي يتطلبها البحث الجغرافي، وكذلك الأساليب المستخدمة في معالجة البيانات وتحليلها. أما الدراسة الثانية فتحمل عنوان "الدراسة الميدانية: أسس وتطبيقات في الجغرافيا البشرية"، وهي أيضا كتاب يهتم بتوضيح الأنماط المختلفة للدراسات الحقلية، وطرق وأساليب تنظيمها والمناهج المطبقة فيها خاصة في الجانب البشري من الجغرافيا70. أما في اللغة الإنجليزية فتتعدد الدراسات وتتنوع ضمن هذا المجال، ومن بين هذه الدراسات العديدة نجد دراسة كنت وزملائه (Kent et al (1997 التي تتضمن مراجعة دقيقة وشاملة critical review للعديد من المراجع والمصادر المتعلقة بالموضوع، كما أنها تهتم بتوضيح أساليب تخطيط الدراسات الحقلية والإجراءات الواجب اتباعها لتحقيق الأهداف المنشودة منها، وكذلك الفصل الخاص بالدراسة الحقلية الوارد في كتاب جولد وزملائه (Gold et al (1991 الذي يوفر معلومات وافية عن الخطوات الواجب اتباعها عند الإعداد للدراسات الحقلية وتطبيقاتها71.
تعريفات ومفاهيم
تتعدد التعريفات والمفاهيم المتعلقة بالدراسة الحقلية وتتنوع بصورة واضحة، فمصطلح الدراسة الحقلية يتضمن طائفة واسعة من الأساليب والنشاطات التعليمية، مثل التدريس الحقلي، والرحلات الحقلية، والبحث الحقلي، والمعسكر الحقلي. وتفيد بعض المصطلحات أن الدراسة الحقلية تتضمن أنواعاً ونشاطات مختلفة وتسعى إلى تحقيق أغراض متنوعة وتتميز بخصائص معينة. وبصفة عامة يمكن تعريف الدراسة الحقلية بأنها نشاط تعليمي منظم ومخطط يطبق خارج جدران القاعة الدراسية ويهدف إلى إكساب الطلاب خبرات علمية وعملية مباشرة ويمارس تحت إشراف معلمين مختصين72. وضمن هذا التعريف يمكن تصنيف
ــــــــــــــــــــــــــــــ
70 بارني لينون وبول كليفز (2007). أساليب البحث والدرسات الميدانية في الجرافيا. ترجمة منصور البابور وأبوالقاسم اشتيوي. طرابلس: المكتب الوطني للبحث والتطوير. وأحمد البدوي الشريعي، مرجع سابق.
71 R. Gerber and G. K. Chuan, eds. (2000). Fieldwork in geography: Reflections, perspectives, and actions. Dordrcht, The Netherlands: Kluwer Academic Publishers. J.R. Gold, et al (1991). Teaching geography in higher education: A manual of good practice. Oxford: Blackwell. M. Kent et al (1997). Fieldwork in geography teaching: Acritical review of the literature and approaches. Journal of Geography in Higher Education, Vol. 21, No. 3, pp. 313-332. C. Harrison, and L. Luithlen (1983). Fieldwork for land use students: An appraisal. Journal of Geography in Higher Education, Vol. 7, No. 1, pp. 23-32.
72 عايش زيتون (1993). أساليب تدريس العلوم. عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع.
بعض العمليات التعليمية حسب الآتي:
- الطرق والأساليب: يوجد اختلاف واضح بين أسلوب التدريس المتمركز حول المعلم -teacher centered approach الذي يتحقق من خلال أسلوب المحاضرة، والأسلوب المتمركز حول الطالب student-centered approach المتمثل في أسلوب الدراسة الحقلية والمشروع البحثي.
- المكان: تختلف أماكن تطبيق الدراسة الحقلية، فهي على المستوى الأصولي systematic level تتمثل في البيئة قيد الدراسة التي قد تكون بيئة حضرية أو ريفية، مألوفة أو غير مألوفة، فريدة أو واسعة الانتشار، أما على المستوى العملي والتطبيقي practical level فإن الفرق يتعلق باختيار المكان ضمن البيئة المحلية أو في مكان بعيد عن مكان المؤسسة التعليمية ولكن ضمن حدود الوطن، أو قد يكون في دولة أخرى أو حتى في قارة أخرى.
- الفترة الزمنية: تختلف الفترة الزمنية التي تستغرقها الدراسة الحقلية، ففي حين أن رحلة تبلغ أسبوعاً واحداً تعد شائعة في أقسام الجغرافيا، فإن الفترة الزمنية قد تكون قصيرة لا تزيد عن يوم واحد أو طويلة تستغرق ستة أسابيع تتضمن القيام بجولة واسعة، أو معسكراً تخييمياً.
- العلاقة بالمقرر الدراسي: مقررات الدراسة الحقلية قد تكون إلزامية أو اختيارية، مرتبطة بمقررات معينة أو منفصلة تماما عن بقية المقررات الدراسية، كما أنها قد تكون مركزة حول مجال محدد من الجغرافيا، أو تكون شاملة تنطوي على مجالات مختلفة.
- العلاقة بتنمية الجوانب الاجتماعية والمعرفية: تسعى بعض التدريبات الحقلية إلى تنمية المهارات الفردية وترسيخ بعض السلوكيات الايجابية لدى الطلاب، فمقررات الدراسة الحقلية التي تسعى إلى تنمية هذه المهارات تكون مختلفة عن تلك التي تسعى بالدرجة الأولى إلى محاولة مساعدة الطلاب على اكتساب المعرفة وتعلم الأساليب البحثية73.
- دور الخريطة الجغرافية: لعل أفضل ما يبدأ به الطالب في الدراسة الحقلية هو إعداد خريطة تخطيطية Sketch Map لمنطقة الدراسة تتوزع عليها الظاهرات المختلفة. فالظاهرة الجغرافية سواء أكانت طبيعية أم بشرية تظل مجردة من معناها حتى يتم توقيعها على الخريطة فتكتسب مغزى قوياً، وهذا يعنى أن توقيع المعالم الجغرافية على الخريطة يمنح المعلومات الجغرافية أساساً قوياً ومستنداً هاماً عند تحليلها. ومن المعروف اهتمام الجغرافيين منذ زمن بعيد بالظاهرات الجغرافية واختلافاتها المكانية، وكيف تجتمع هذه الظاهرات على الخرائط مما يمنح مناطق العالم سماتها وخصائصها المتميزة74.
أهداف الدراسة الحقلية
استخدام الدراسة الحقلية في العملية التعليمية يستند بدرجة كبيرة على الأهداف المرسومة لها، فقد يكون الهدف هو تنمية وتعميق المعرفة عن أحد عناصر البيئة الطبيعية، وقد يكون الهدف هو تنمية مهارات أكاديمية أو اجتماعية، أو خبرات تعليمية مبنية على نشاط تعليمي من خلال البيئة الطبيعية. من ناحية أخرى قد يكون الهدف هو تعزيز الوعي البيئي من خلال تطبيقات تهدف إلى محاولة إحداث تغيير اجتماعي يقود إلى أسلوب حياتي أكثر استدامة. يتضمن الجدول (1) ملخصا لأنواع الدراسة الحقلية وأهدافها وخصائصها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
73 J.R. Gold, et al, op. cit. pp. 22-24.
74 أحمد البدوي الشريعي (2004). مرجع سابق، الصفحات 96-85.
وبصفة عامة يمكن القول أن الدراسات الحقلية تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف التعليمية، التي يمكن إجمالها في الآتي:
- تنمية مهارات الملاحظة: يفيد بعض المختصين بأن الخبرة الحقلية الفعلية تكتسب بواسطة حلقات النقاش التي تعقد في الخلاء وتعتمد على المشاهدة والملاحظة (الشكلان 2،1). فالحقل هو المكان الذي يتيح المشاهدة المباشرة لما تم مناقشته نظريا في القاعة الدراسية، فبالنسبة للمهتمين بدراسة أشكال سطح الأرض على سبيل المثال، فإن الهدف من التدريس الحقلي هو تنمية قدرة الطلاب على فهم ما تحتويه البيئة الطبيعية من أشكال ومظاهر مورفولوجية.
- تعزيز التعلم الذاتي: ويتم ذلك من خلال تشجيع الطلاب وتعويدهم على تعليم أنفسهم، إذ أن أهمية الدراسة الحقلية وجدواها تنبع من كونها تركز على العملية التعليمية بحد ذاتها، فالطلاب في الحقل يتولد لديهم إحساس بالمسؤولية تجاه تعليم أنفسهم أكثر مما لو قدمت لهم المادة التعليمية نظريا في قاعة الدرس.
- تنمية مهارة التحليل والتعليل: وهي من الأساليب الشائعة في المقررات الدراسية التي تهم بتعليم مناهج البحث وأساليبها، ووفقا لذلك فإن المقررات الدراسية ذات الطبيعة العملية التي يعتمد في تدريسها على الدراسة الحقلية يمكن تصميمها لكي تخدم عدداً من التخصصات الجغرافية لتنمية مهارة التحليل والتفسير الجغرافي.
الجدول 1: أنواع النشاطات الحقلية وأهدافها وخصائصها75
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
75 D. Baladerstone, 2000. Teaching styles and strategies. In: A. Kent, (ed.). Reflective practice in geography teaching, London: Paul Chapman Publishing Ltd, p. 14.
- التدرب على إجراء البحوث: تسهم الدراسة الحقلية في تعريف الطلاب بالمشكلات والصعوبات المتعلقة بعمليات البحث، وفي التدرب على الجمع المنظم للبيانات والمعلومات وتوظيفها في إعداد المشاريع البحثية، ويتم ذلك من خلال تكليف الطلاب بتجميع البيانات من مصادرها الأولية وفق أسلوب التعلم بالممارسة Learning by doing، هذه الممارسة العملية تسهم في تنمية نزعة النقد لديهم عند تقييم نتائج البحوث، وتجعلهم أكثر احساساً بقيمة الدراسة والبحث.
- تنمية قيم الحفاظ على البيئة: يرى المختصون أن الدراسة الحقلية تلعب دوراً حيوياً في توليد الاهتمام والإحساس بالمسؤولية تجاه المحافظة على البيئة الطبيعية، الأمر الذي يتحقق من الاحتكاك المباشر مع هذه البيئة، فلا شك في أن للدراسة الحقلية دوراً أساسياً في ترسيخ هذا الاتجاه الإيجابي.
- تنمية المهارات الفردية: إن التدريس المبني على العمل الحقلي له قيمة فعلية في إكساب الطلاب سلوكيات ومهارات إيجابية، فالأثر الذي يتركه عليهم شبيه بتأثير المدرسة الداخلية والمخيمات الشبابية الصيفية، فالتدريس الحقلي يعزز الثقة في النفس، والتقدير الذاتي لدى الطلاب، كما يسهم في تنمية المهارات والسلوكيات الاجتماعية الإيجابية لديهم مثل الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، والعمل الجماعي وروح القيادة.
- كسر الحواجز النفسية والاجتماعية: تفيد الدراسات ذات العلاقة أن الرحلات الحقلية تسهم في إزالة الحاجز النفسي ورفع الكلفة بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، مما يؤثر ايجابياً في العلاقات داخل القاعة الدراسية بعد الانتهاء من البرنامج الحقلي والعودة للمؤسسة التعليمية. فالدراسة الحقلية تعزز العلاقات بين الطلاب وتجعلهم يتجاوزن الفروق الاجتماعية فيما بينهم، وكذلك بينهم وبين أعضاء هيئة التدريس، كما تجعلهم يقبلون على التعلم واكتساب الخبرات التعليمية عن طيب نفس مما يجعل العملية التعليمية تتم بصورة أكثر فاعلية وسلاسة76.
تخطيط الدراسات الحقلية
تفترض المناقشات السابقة أن الدراسة الحقلية تتضمن إمكانيات تعليمية وتدريبية عالية، غير أنها بنفس القدر قد تكون عقيمة وغير ذات جدوى إذا لم يتم التخطيط لها بعناية ودقة، فالدراسة الحقلية مثل أي أسلوب من أساليب التدريس لها إمكانيات محدودة، ومهمة المعلم أو المشرف هي تحديد الأهداف التعليمية التي يمكن تحقيقها من خلال استخدام هذا الاسلوب. الشكل (3) يوضح المراحل التي تتخذها الدراسة الحقلية والعناصر والتقنيات التي تتضمنها، والتي تتمثل في طرح الأسئلة الجغرافية والإجابة عليها، وتجميع وتنظيم وتحليل المعلومات الجغرافية77.
شكل 3: مراحل الدراسة الحقلية
في الجزء التالي نقترح بعض الخطوط العريضة التي التي قد تسهم في انجاح برامج ونشاطات الدراسة الحقلية، التي تم
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
76 J.R. Gold, et al, op. cit. pp. 25-27.
77 G. A. Rice and T. L. Bulman, 2001, loc. cit., p. 4.
استخلاصها من الدراسات ذات العلاقة78:
- الإعداد والتحضير: مثل أي أسلوب تعليمي، فإن الدراسة الحقلية تكون مثمرة وبناءة حينما يتوفر لها الإعداد الجيد، وبما أن الدراسة الحقلية عادة ما تكون مكلفة مادياً، فإنه ينبغي أن يكون المردود والاستفادة عالية، لذا ينبغي تمضية وقت كاف في الإعداد والتحضير في قاعات الدرس مما يسمح بتوضيح وتطوير وتنمية الموضوعات المتعلقة بالدراسة الحقلية، فالمقرر الحقلي يكون مجدياً إذا تم تحديد مواضيع معينة للتطبيقات الحقلية، تتضمن إطاراً نظرياً وفكرياً معقولاً يمكن ترجمته إلى أهداف واضحة. فالطلاب يحتاجون إلى التعرف والفهم الدقيق للكيفية التي يتم بها الربط بين مكونات الدراسة الحقلية وبقية المقررات الدراسية، وكيفية تنسيق عمل مختلف المجموعات البحثية الطلابية مع بعضها البعض.
- تصميم المقررالحقلي: ينبغي أن تتوفر في المقرر أهداف وأغراض واضحة، وأن تكون طريقة التدريس والتقييم موجهة لتحقيقها، كما ينبغي توجيه اهتمام خاص للتعاقب المنطقي للنشاطات الحقلية، فمقرر الدراسة الحقلية الذي يصمم لإثارة اهتمام الطالب نحو البيئة الطبيعية يختلف عن المقرر الذي يصمم لتنمية الكفاءة والمهارة البحثية لديه، وتختلف مقررات الدراسة الحقلية عن المقررات النظرية في كونها تتضمن وضع مواقف تعليمية معينة أمام الطلاب تهدف اختبار نزعة حب الاستطلاع والاستقلالية في التعلم. بناء على ذلك فإن تصميم مقرر حقلي ذي فاعلية يختلف عن تصميم ووضع مقررات في مجالات أخرى.
- العلاقة بالمقررات الشاملة: للدراسة الحقلية خصوصية تميزها عن غيرها من البرامج التعليمية، فهي إن صممت بعناية فستساعد الطلاب على اكتساب خبرات متعددة وذات جدوى لا توفرها المقررات التي تمارس داخل القاعات الدراسية، غير أن ذلك لا يعني فصلها عن بقية المقررات الأخرى، فالدراسات الحقلية التي ترتبط بمقررات معينة بإمكانها أن تساعد في تنمية ما يتم تعلمه في قاعة الدرس، ولكنها تكون فاعلة فقط إذا تم تحديد وتوضيح الكيفية التي تحقق هذه الروابط .
- اختيار المكان: إن اختيار المكان الملائم لتطبيق برنامج الدراسة الحقلية يعد أهم القرارات التي يتم اتخاذها، فزيارة مكان طبيعي جذاب، يمكن أن يترك أثراً معنوياً في نفوس الطلاب ويمنح استقلالية أكاديمية للمقرر الدراسي، كما قد يسهم حتى في جلب المزيد من الطلاب للانخراط في أقسام الجغرافيا، غير أنه ينبغي التشديد على أن الإثارة الناتجة عن مكان جذاب ينبغي ألا تأتي على حساب الجانب التعليمي والتدريبي للدراسة الحقلية، فالدراسة الحقلية المطبقة في مناطق بعيدة عن المكان الذي تقع فيه المؤسسة التعليمية، تسهم في توفير فرصة لزيارة أماكن غير تقليدية والتعرف على ثقافات مختلفة، غير أنها قد تصاحبها مشكلات معينة. فعلى الرغم من أن زيارة هذه الأماكن يمثل إغراءً لا يقاوم، فإنه يحتم جلوس الطلاب على مقاعد الحافلات لفترات طويلة مما قد يولد لديهم إحساساً بالملل، لذلك لا بد من تطبيق بعض الأساليب العملية لتجاوز الملل والإجهاد الذي يتولد عن السفر الطويل، مثل استبدال الطلاب لمقاعدهم بحيث يقضي كل منهم بعض الوقت بالمقاعد المجاورة للنوافذ، ومنها أيضا تزويد الطلاب بخريطة توضيحية لخط سير الرحلة مما يجعلهم على علم بالأماكن التي يمرون بها.
- الموازنة بين الاستقلالية والإشراف: تحقيق التوازن بين استقلالية الطلاب وضرورة إشراف أعضاء هيئة التدريس يعد معضلة في أغلب المقررات الدراسية ومتطلباتها، إلا أنه يكون أكثر أهمية في الدراسة الحقلية، حيث يتم تدريب الطلاب على ممارسة الاستقلالية نحو التعلم، الذي يمثل متعة التعلم الذاتي، أي التعلم بالمشاهدة والممارسة التي تحقق الإثارة الناتجة عن الاكتشافات غير المتوقعة أو غير المخططة، ولتحقيق أكبر قدر من الاستفادة فإنه على المشرفين والطلاب في البداية تحديد المواضيع التي تتطلب جوانب نظرية، وتلك ذات الطبيعة الإجرائية التطبيقية ضمن الوقت المتاح. والأمر المهم الثاني هو المحافظة على الإحساس بالاكتشاف الشخصي بينما مايزال مرتبطا بالموضوع العام للمقرر.
- تنمية المهارات الفردية والاجتماعية: بالإضافة إلى الأهداف التعليمية والتطبيقية المحضة، فإن المقررات الحقلية توفر فرصاً فريدة لتنمية العديد من المهارات والسلوكيات الفردية والاجتماعية التي سبق الإشارة إليها، والتي منها على سبيل المثال مهارات تحسين التواصل مع الآخرين، وتعزيز الثقة في النفس، وتنمية روح القيادة والعمل الجماعي وأسلوب اتخاذ القرار وغيرها من المهارات، إلا إنه ينبغي التأكيد على أن هذه المهارات والسلوكيات لا تتولد ذاتيا نتيجة المشاركة في الدراسة الحقلية، بل يجب التخطيط والتنظيم لها والتأكد من أن مجموعة من المواقف والظروف التي تحقق ذلك قد ادرجت ضمن البرنامج مسبقاً.
- إجراءات الأمان والسلامة: المسؤولية القانونية المتعلقة باصطحاب الطلاب إلى نشاطات خارج مؤسساتهم التعليمية تعتبر قضية بالغة الحساسية والتعقيد، وإجراءات تنظيمها وتنفيذها تختلف من دولة إلى أخرى، فمن القضايا ذات العلاقة على سبيل المثال، الفئات العمرية وكذلك النوعية (ذكور وإناث) للمشاركين، ومسؤولية حق التخلي أو التنازل والتوقيع على المستندات القانونية، وبصفة عامة ينبغي القول أنه من الواجب التعاطي مع موضوع السلامة بجدية بالغة، وتشجيع الاعتماد على النفس، وأن يكون كل مشارك مسئولاً في المقام الأول عن سلامته وأمنه الشخصي ومن ثم سلامة الآخرين، ومنع سلوكيات التهور وفرض الانضباط والنظام من خلال وضع المشاركين تحت السيطرة. فالعديد من المخاطر يمكن تجنبها بالعناية والإشراف الواعي، وأغلب المؤسسات التعليمية لديها مسؤول عن إجراءات الأمان والسلامة الذي بالإمكان استشارته بالخصوص. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الحوادث رصدت أثناء القيام بالدراسات الحقلية وبعضها كان في غاية الخطورة، وهذا لا يعني أن هذه الحوادث قد لا تتكرر في دراسات حقلية قادمة، لذا لابد من توخي الحيطة، ورسم الخطط اللازمة لمجابهة الحالات الطارئة للتعامل معها في حالة حدوثها.
- تشجيع التحليل الملائم للبيانات: فمن المهم الشروع في إدخال البيانات وتحليلها بعد جمعها مباشرة، فقد أتاحت التقنيات الحديثة هذه الإمكانية، حيث يمكن استخدام الحاسوب النقال في إجراء التحليل الفوري للبيانات الكمية Quantitative data المجمعة من الحقل. أيضا وبصورة مشابهة فإن البيانات غير الكمية Qualitative data يمكن تجهيزها وتنظيمها لتحليل أعمق، كما يجب بث روح المثابرة لدى الطلاب وحثهم على ضرورة الإسراع في إتمام الأعمال المنوطة إليهم ضمن الوقت المحدد.
ــــــــــــــــــــــــــــ
78 J.R. Gold, et al, op. cit; G. A. Rice and T. L. Bulman, 2001, op. cit; R. Gerber and G. K. Chuan, eds. op. cit.
الخاتمة
لا شك في أن الدراسة الحقلية تعتبر أسلوباً تعليمياً عالي التكلفة، غير أنها في المقابل تعد أحد الأساليب الأكثر فاعلية، فإرثها التاريخي يفيد بأنها مازالت أداة مهمة وفاعلة تسهم في إعداد الجغرافيين وإكسابهم المهارات والمعارف الجغرافية، ووفقاً لبعض المختصين فإن البرامج الحقلية تتحكم بها عوامل جذب وعوامل دفع تمثل عناصر قد تشجع على القيام بها أو تعرقلها، التي من أهمها ضعف المخصصات المالية وكثرة التزامات أعضاء هيئة التدريس وقلة خبرتهم في مجال تنظيم البرامج الحقلية والإشراف عليها (الشكل 4).
شكل 4: عوامل الجذب وعوامل الدفع المؤثرة في البرامج الحقلية 79
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
79 D. Smith (2004). Issues and trends in higher education biology fieldwork. Journal of Biological Education. Vol. 39, No. 1, p. 8.
ففي الوقت الحاضر هناك العديد من الأقسام الجغرافية التي تعتبر هذا النوع من البرامج التعليمية من المقررات الإلزامية، وهي تناضل لتتأقلم مع الاقتطاع الجائر في المخصصات المالية، غير أنها في أجزاء أخرى من العالم نتيجة لدرجات متباينة من الضغوط الإدارية والمالية فإن البرامج الحقلية هي أقل إلزامية من البرامج التعليمية الأخرى التي تظهر كمقررات دراسية اختيارية، وسواء أكانت برامج الدراسة الحقلية إلزامية أم اختيارية، ففي كل عام هناك آلاف من طلاب الجغرافيا الذين يشاركون في برامج حقلية بعيدا عن مؤسساتهم التعليمية، هذه البرامج الحقلية تستقطع نسبة عالية من وقت أعضاء هيئة التدريس وطاقاتهم سواء في فترات الإعداد، أو خلال التنفيذ والتطبيق الفعلي، من خلال كل هذا النشاط والأهمية المتوخاة من الدراسة الحقلية، فإنه من المستغرب. أن لا توجد دراسات تهتم بتقويم درجة فعاليتها وأثرها التعليمي.
إن غياب مثل هذه الدراسات، يجعلنا نميل إلى الشك حول القيمة الحقيقية للدراسة الحقلية وأهميتها. لا شك لدينا في أن الغالبية العظمى من طلابنا يستمتعون بهذه البرامج وأنهم يتعلمون الكثير بواسطتها، غير أننا نشعر أيضا أن منافع وفوائد مشابهة يمكن أن تنشأ وتتعاظم من خلالها. في ختام هذه الدراسة نورد بعض المقترحات التي نبعت من خلال المناقشات السابقة والتي من الممكن أن تفيد في هذا المجال:
- تقييم البرامج الحقلية: في أغلب الأحيان فإن القائمين على الدراسات الحقلية والزيارات الميدانية يعودون بحكم العادة إلى ذات الأماكن، ويتبعون نفس الأساليب باعتبارها الطريقة التي يتم بها إنجاز الأمور، غير أنه بالنظر إلى الوقت المستقطع والمصروفات التي تنفق على مثل هذه النشاطات، فإنه من الجدير الجلوس ومناقشة ما إذا كانت هناك أساليب أخرى يمكن أن تحقق نتائج أفضل.
- فحص الأهداف التعليمية بعناية: حيث أن الدراسة الحقلية تعد نشاطاً سنوياً، فإن هناك متسع كاف من الوقت لتخطيطها من الناحيتين التعليمية والتربوية، إذ ينبغي ايلاء المزيد من الاهتمام، وإلى التدرج في النشاطات وتنمية المهارات لدى الطلاب خلال فترة تطبيق الدراسة الحقلية، إلى جانب ذلك، فإنه بالإمكان تركيز الدراسة حول موضوع محدد، والاستعانة بالدراسة الحقلية كأسلوب تعليمي مساعد.
- توفير المراجعة المناسبة: يمكن تحقيق قدر أكبر من الاستفادة من الدراسة الحقلية من خلال توفير وقت مناسب لحلقات النقاش التي تساعد في استخلاص المعلومات وتعزيز الخبرات المكتسبة، فلو جمع الطلاب أي بيانات ومعلومات أثناء العمل الحقلي، فإنه من المهم أن يحصلوا على الوقت الكافي لمناقشة هذه البيانات والمعلومات وتحليلها بصورة مناسبة.
- تشجيع الطلاب على الاجتهاد والمثابرة: حتى في الرحلات العلمية القصيرة، فإن الطلاب يتعلمون ويستفيدون أكثر إذا طلب منهم إعداد أوراق عمل، أو أعمال مماثلة لتعويدهم على كتابة التقارير وإجراء البحوث العلمية.
- تقييم أداء الطلاب: إن أداء الطلاب يكون أفضل حينما يدركون أن أعمالهم تخضع للتقييم الجدي مثل أي عمل ضمن المقررات الدراسية الأخرى، وأنهم خلال عملية التقييم يلقون الاهتمام والتقدير والمكافأة نظير ما يقومون به من أعمال، ويتحقق ذلك أيضا من خلال تشجيع الطلاب على تقديم مقترحاتهم حول الكيفية التي ينبغي أن يتم بها تطوير مشاريعهم البحثية في دراسات حقلية مستقبلية.
مجلة كلية الآداب - العدد 35 لسنة 2011
حمله
للقراءة والتحميل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق