التسميات

الاثنين، 1 يناير 2018

التخطيط الإقليمي وأهميته ...



التخطيط الإقليمي وأهميته

مفهوم التخطيط الإقليمي :

   عندما يدرك الإنسان أهمية المكان والزمان تتبادر إلى ذهنه هذه التساؤلات التي تطرح نفسها ألا وهي : ما هو التخطيط الإقليمي ؟ وما أهميته ؟ وكيف يستطيع الإنسان حيثما وجد على هذه الأرض أن يجعل نفسه أكثر مشاركة من أجل البناء والتخطيط ؟.

   أياً كان الأمر إذاً ، فحيثما يقطن الإنسان يكون راغباً في تحسين الموضع الذي يعيش فيه ، ويضع تصورات للكيفية التي ستتطور بها المتغيرات ، والعوامل المؤثرة في الأنشطة ، ومدى تحقيقها لرغبات السكان وحاجاتهم في المستقبل ، ويبدو الآن أن الطريق الكفيل بذلك والأفضل هو أن يدرك الإنسان مدى أهمية التخطيط حتى يتسنى له التعبير عن الأولويات الواجب إتباعها لتحسين المنطقة أو الإقليم بقدر الإمكان .

   سوف نعرض مفهوم التخطيط الإقليمي الذي يعتبر من العلوم الحديثة التي نالت اهتماماً ملحوظاً في الفترة الأخيرة بسبب المكانة الكبيرة التي يحتلها التخطيط في دول العالم ، باعتباره الأسلوب الأمثل لتقليص الفجوة بين الأقاليم من ناحية ، وتحقيق تنمية متوازنة بين أقاليم الدولة المختلفة من ناحية أخرى، هذا بالإضافة إلى أهمية التخطيط الإقليمي بالنسبة لهذه الدول في الاسراع بمعدلات التنمية للحاق بركب الدول المتقدمة ، والعلاقة بينه وبين التخطيط القومي .

  وقبل أن نبدأ الحديث في موضوع التخطيط الإقليمي يجب أن نتعرض أولا لتعريف الإقليم Region.

الإقليم Region

  إن مفهوم الإقليم يعد من المفاهيم شائعة الاستخدام في كثير من حقول المعرفة كالاقتصاد والجغرافيا والتخطيط الإقليمي والعلوم السياسية وغيرها ، ويعد الجغرافيون من أوائل من اهتموا بتحديد مفهوم الإقليم وتقسيم العالم إلى أقاليم ، حيث أن مصطلح الإقليم ذو أهمية بالغة لهم لأن علم الجغرافيا ذو ارتباط مباشر بالأقاليم ، إذ يدرس الظواهر المختلفة على سطح الأرض واختلاف هذه الظواهر من مكان لآخر.(1) كما تعني كلمة الإقليم Region منطقة معينة من الأرض تتميز عن غيرها من المناطق المجاورة.(2)

  ويرى أحمد خالد علاّم "أن الإقليم عبارة عن وحدة طبيعية جغرافية اقتصادية اجتماعية يتكون من عدة أجزاء مرتبطة مع بعضها بينها تناسق وتكامل ، كل جزء فيها له مكانه حسب أهميته ، والوظيفة التي يؤديها ".

   ويقول "ر.منشل R.Minshull " "أن الإقليم هو الحالة الواقعة التي يظهر عليها سطح الأرض بما في ذلك التضاريس والمناخ وكافة العوامل الطبيعية الأخرى التي تنحصر في نطاق جغرافي محدود".

  ويتجه "ج.رينر G.Renner " في تعريفه للإقليم حيث يقول .." أن الأقاليم هي كيانات أصيلة بحيث يعبر كل إقليم منها عن التمايز الطبيعي والثقافي بالنسبة لجيرانه من الأقاليم ، وفي هذا التعريف يؤكد رينر على الجانب الثقافي والاختلافات الموجودة في ذلك الجانب بين الأقاليم".(3)

   ويوجد هناك تعريف آخر للإقليم .." الإقليم عبارة عن رقعة من الأرض تتسم بخصائص معينة تميزها عما يجاورها من أقاليم أخرى ، والإقليم قد يكون مناخيا وفي هذه الحالة نجد رقعة الأرض تتسم بخصائص مناخية عامة تسودها وتميزها عما يجاورها من أقاليم مناخية أخرى، وقد يكون الإقليم طبيعيا أو نباتيا بصورة عامة بمعنى أن تتجانس فيه العناصر الطبيعية المختلفة من موقع جغرافي وتضاريس ومناخ وتربة ونبات وحيوان وتجعله يختلف عما يجاوره من الأقاليم الأخرى ". ( )

  وخلاصة القول ، أن مفهوم الإقليم عبارة عن قطعة من الأرض لا تعني شيئا آخر خلاف ذلك إلا إذا أضيفت إليها صفة أخرى تعطي لها مفهوم آخر ، وقد يكون إقليما طبيعيا كما أن هناك تحديداً آخر لبعـض الأقاليم تتمثـل فـي الحـدود التي صنعها الإنسان نفسه وهـي حـدود سياسيه وإدارية وحـدود القبلية. ( ) ،" وبالمثل ما فعل لابلاش La Blache في فرنسا في تحديده للأقاليم الفرنسية Pays مع اهتمامه بالعامل البشري أكثر". ( )

  وقد يكون الإقليم متسعا تتعدد فيه المظاهر الطبيعية ومظاهر الحياة البشرية ، وقد يكون صغيرا تتجانس فيه الظروف الطبيعية أو الظروف البشرية أو الاثنين معا.( )

  كما قام العديد من المختصين بتصنيف الأقاليم إلى أنواع عديدة تبعا للغرض الذي يتم بموجبه تحديد وتصنيف الأقاليم ضمن إطار اقتصاديات الإقليم والتنمية الإقليمية ومن هذه التصنيفات:

   تصنيف فريدمان Friedman حيث حدد أربعة أنواع من الأقاليم لأغراض التخطيط والتنمية الإقليمية كما يأتي :

أ. أقاليم ذات القطب Core Regions
ب. الأقاليم الانتقالية ذات النشاط الاقتصادي Upward Transitional Areas
جـ. أقاليم الثروات النائية ( الغير مستغلة ) Resource Frontier Regions
د. أقاليم التدهور الاقتصادي Down Ward – Transitional Regions

  وأما البروفيسور ريتشارد سون Richardson فقد وضع تصنيفا للأقاليم يعتمد على طبيعة نشاط الإقليم وعلاقته بالعملية التخطيطية كما يلي :

أ‌. الأقاليم الإدارية Administrative Regions
ب‌. الأقاليم التخطيطية Planning Regions
جـ. أقاليم المشاكل Problem Regions . ( )

  كما صمم البروفيسور جلاسون Glasson تصنيفا حديثا للأقاليم واعتمد على مستوى الدخل كمعيار أساسي لهذا التصنيف من خلال مقارنة مستويات الدخل الخاصة بكل إقليم مع الدخل القومي للسنة نفسها من جهة ، ومعدل الزيادة المتوقعة في الدخل الإقليمي مع معدل نمو الدخل القومي من جهة أخرى ، وهذه الأقاليم هي :

أ‌. المناطق الغنية Prosperity Areas
  وهي المناطق التي لا تحتاج إلى جهود واستثمارات حكومية لغرض تطويرها .

ب‌. المناطق الفقيرة القابلة للتنمية Developing Distresied Areas
   وهي المناطق التي تحتاج إلى إجراءات معينة لتحفيز عملية التنمية فيها .

جـ. المناطق ذات الإمكانية للتنمية Potential Distressed Areas
  وهي تمثل تلك المناطق التي يحتمل أن تواجه مشاكل اقتصادية مستقبلاُ مثل الكساد وانخفاض

معدل النمو ، لذلك من الضروري اتباع سياسة موحدة للتنمية تركز على عمليات إعادة البناء بالنسبة للأنشطة التي أصيبت بالتخلف .

د. المناطق الفقيرة Distressed Areas .
  وهي تمثل المناطق التي تحتاج إلى إعادة بناء شامل لكل الفعاليات الاقتصادية فيها.(1)

التخطيط الإقليمي (Regional Planning)

   من خـلال تعـريف لفظي التخطيط Planning والإقليم Region يمكن تعـريف التخطيط الإقليمي .

  يعـرف ألدد " Alded " التخطيط الإقليمي على أنـه التخطيط الـذي يتعامل مـع المشكـلات الاجتمـاعية والاقتصـادية والسيـاسية والإدارية والثقافية والطبيعية فـي إقليم معين أو منطقة جغـرافية محددة . (2)

  ويعرف الصقار التخطيط الإقليمي " بدراسة الموارد الطبيعية والبشرية المستغلة وغير المستغلة في منطقة محدودة من الأرض ... تتميز بميزات خاصة وتواجه مشاكل مختلفة ـ بهدف معرفة إمكانات هذا الإقليم والارتقاء به وبسكانه لتحقيق أهداف خاصة محددة ".(3)

  وتعريف سن جوبيا Sen Gubia للتخطيط الإقليمي على أنه محاولة مدروسة لاستغال الموارد الطبيعية عن طريق التخصص الإنتاجي الإقليمي بسبب المزايا الطبيعية لكل إقليم .

  أما ب. بيرلوف B. Perlof فيقول أن التخطيط الإقليمي عبارة عن محاولة لتطوير الشكل العمراني والاجتماعي للأنظمة الإنتاجية في الإقليم وذلك حتى يرتبطا بالنمو الحضري العام للدولة ، وهذا التعريف يجعل الولايات المتحدة تحدد فلسفتها بالنسبة للتخطيط الإقليمي على أنه عملية تجهيز الخطط والبرامج للمناطق البكر الغنية بمواردها الطبيعية ، وتلك التي تدهورت فيها الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في محاولة للإصلاح العمراني عن طريق الاهتمام بالإقليم من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.( )

   نستنتج مما سبق أن التخطيط الإقليمي يرتبط ارتباطا وثيقا بالحكم المحلي للإقليم واللامركزية،التى تستغل وتحمي وتستثمر كافة الموارد لمصلحة سكان الإقليم والدولة مع المحافظة على سلامة هذه الموارد والعمل على تنميتها وتحسين طرق استغلالها والترشيد في وسائل استهلاكها. ( )

  يحدد كل من Graham Haughton , Dare Counsell التخطيط الإقليمي على أساس عرض الموارد والمكان والأنشطة التي يراد لها أن تكون في هذا المجتمع.( )

   والتخطيط الإقليمي يعتبر بمثابة أسلوب تخطيطي يبحث عن حقيقة الإقليم واكتشاف كافة إمكانياته واستغلالها بقصد تنميتها بأعلى معدل ، وبأقل تكلفة وأقصر وقت لتحقيق توزيع أمثل للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وتوزيع الموارد والخدمات على أجزاء الإقليم المختلفة. ( )

  وفي ضوء ما تقدم اتضح أيضا أن مفهوم التخطيط الإقليمي يعني التنمية المتكاملة والشاملة لتوفير المناخ الطبيعي والاجتماعي والاقتصادي الملائم ، لتمكين الفرد والمجتمع من الانتفاع بإمكاناتهم بشكل كامل في الإقليم والتمتع بها .

   وتعرض هذه الدراسة مفهوم التخطيط الإقليمي الذي يطرح منهجا جديدا في النظر في عملية التخطيط الإقليمي وهو منهج يتجاوز المناهج السابقة ، والمقصود بالمناهج الجديدة مجالات التخطيط الإقليمي بما يسمح بإدراج عمليات وإجراءات وقضايا لم يكن ينظر لها أنها ذات أهمية ، وربما اعتاد الفكر تجاهلها مثل قضايا البيئة الطبيعية والثقافة والقيم والحكم الجيد والإدارة السليمة لشئون المجتمع والدولة وحقوق الإنسان والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.

   فعلى سبيل المثال لابد من الأخذ بطرق وأساليب التخطيط الإقليمي مراعاة النمو الذي يحافظ على الهوية الثقافية للمجتمع ، كما أنه على التخطيط الإقليمي أن يتعامل مع البيئة الطبيعية من منطلق أنها عنصر نادر يتعين التصرف فيه بحكمة لاستغلالها لرفاهية الجيل الحالي والأجيال القادمة أيضا. وكذلك بالنسبة للحكم الجيد والإدارة السليمة لشئون المجتمع والدولة فالتخطيط الإقليمي مثل السلسلة لابد من ترابط قوى بين حلقاتها فكل الهيئات الحكومية المركزية والمحلية اقتصادية أو اجتماعية ....الخ ، كلها ضرورية في العملية من أجل نجاح التخطيط الإقليمي . ( )

   أما المشاركة الشعبية فإنها ضرورية حتما ، لأن التخطيط الإقليمي يهتم بأحوال الناس في مجتمعاتهم وبيئاتهم المحلية ، ولابد أن تكون هناك تلبية لاحتياجات ورغبات هؤلاء الأفراد في المجتمع ، فلا شك أن بناء أي مشروع اقتصادي له أثره على أفراد المجتمع وذلك بهدف خلق علاقة سوية بين الفرد ونشاطاته الإنتاجية والاستهلاكية .

  فالتواصل بين عمليات التخطيط الإقليمي في المجتمع وبين أفراد المجتمع أمر ضروري ، لتكافل المصالح وعدالة توزيع الموارد ، والفرص بين الأفراد ، وبعبارة أخرى ينبغي على القائمين بالتخطيط الإقليمي إعطاء العمليات التخطيطية التنموية في الإقليم الأولوية في العمل ، حتى يقوم التخطيط الإقليمي على مشاركة السكان والهيئات الحكومية والمحلية في اتخاذ القرارات التخطيطية .

وبناء على تلك المقومات يمكن أن نلخص مفهوم التخطيط الإقليمي:

   هو أسلوب من أساليب التخطيط الحديث الذي يأخذ بعناية البعد المكاني(1) ، بهدف توسيع مجال النظر إلى استغلال وتنمية كافة الموارد وإمكانيات الإقليم بشكل كامل ، حتى يتمكن الناس من استخدام هذه الإمكانيات في الانتفاع بها في مختلف الأنشطة الحياتية ، مع صون هذه الموارد بعدالة توزيعها الطبيعي بين الجيل الحاضر والأجيال المستقبلية لمواصلة التنمية المستدامة في الإقليم .(2)

أهمية التخطيط الإقليمي

   إن للتخطيط الإقليمي أهمية خاصة لدى كل فرد ومنظمة ودولة ، حيث لا يوجد أي عمل ناجح بدون تخطيط جيد ، ولذا برزت أهمية التخطيط الإقليمي بازدياد الدور الذي تقوم به الدولة والإقليم ، وتنوع أنشطتها بشكل أكبر في عصرنا الحاضر، ويزداد الأخذ بالتخطيط بين دول العالم نظرا لأهميته في النهوض بالإقليم على نطاق الدولة .(3)

  ومـن الأسباب الداعية إلى التخطيط الإقليمي وجـود ما يعـرف بتعدد وتنوع الاحتياجات بين إقليم وآخر ، فبعض الأقاليم تختلف عن غيرها ، فبعضها تتميز بثرواتها ومواردها الطبيعية المتعددة ، وفي المقابل توجد أقاليم غنية بمواردها البشرية إلا أنها تعاني من قلة الموارد الطبيعية ، وهنا يأتي التخطيط الإقليمي للمساهمة في إيجاد الربط بين هذا الإقليم وذاك عن طريق تحسين طرق المواصلات وسبلها لإيجاد التوازن الإقليمي .(1)

   ويهدف التخطيط الإقليمي إلى التقليل من دور العوامل السلبية في تشكيل جغرافية المستقبل (2) ، ومن خلال وضع خطة اجتماعية اقتصادية على أساس الموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة فيه ويقوم كل إقليم من أقاليم الدولة بوضع خطته الإقليمية ، ولكنها غير منفصلة عن الخطة القومية ، تشمل مشروعات وأنشطة اقتصادية واجتماعية تساعد في تطوير جميع أقاليم الدولة ، وبالأخص الأقاليم المتخلفة منها كي تلحق بالأقاليم الأكثر تقدما ، ولهذا لا تختلف أهداف الخطة الإقليمية كثيرا عن الأهداف الرئيسية للخطة العامة للدولة ، فالهدف في الاثنين واحد وهو إحداث تنمية في المجتمع .(3)

  وقد أدخل التخطيط الإقليمي في المرحلة الأولى عام 1945، عندما خفت حدة التخطيط المركزي– وقت الحرب – واستخدم في الدفاع المدني أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية. (4)

   لقد ازداد الاهتمام بالتخطيط الإقليمي في عصرنا الحاضر، وازدادت الحاجة له في ظل استشراء مشاكل الفقر والبطالة والهجرة من الريف إلى المدن ، وازدياد حدة الفوارق الإقليمية على مستوى الدولة وعلى مستوى الأقاليم ، نظراً لإهمال البعد المكاني في عمليات التخطيط والتنمية الإقليمية والوطنية لفترات طويلة في الماضي حتى وقتنا الحاضر في كثير من دول العالم .

   وتعود فلسفة التخطيط الإقليمي في الدول الصناعية إلى العقد الثاني من القرن العشرين، حيث ظهر العديد من المشاريع في هذا المجال في كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول غرب أوربا.

   إلا أن الثورة الصناعية حملت بين طياتها آثاراً جانبية ، فلقد كانت حالة هذه المدن سيئة للغاية نتيجة تركز الصناعات بها دون توجيه أو تخطيط ، وصاحب انتشار الصناعة انتشار الأحياء المتخلفة غير الصالحة للسكنى وهبط مستوى العمارة في مدن انجلترا وأوروبا ، ثم انتقلت العدوى نحو الولايات المتحدة على مستوى أكبر ، وانتشر نوع قبيح من الإسكان والتخطيط يعرف بالمسقط القطاري.Railroad Plan

   كما ترتب على تركز الصناعة في المدن أن اختل التوازن الذي كان موجوداً قبل الثورة الصناعية بين المدينة والقرى المحيطة بها ، فنشأت مناطق ذات مستوى معيشة عال تركزت في هذه المدن الصناعية ومناطق ذات مستوى معيشة منخفض في القرى المحيطة بها ، مما ترتب عليه هجرة مستمرة من الريف إلى الحضر ، لكل هذه الأسباب استحال حل مشاكل المدينة بتخطيط المدينة فقط كما كان يحـدث فـي الماضي قبل الثورة الصناعية ، بل حتى يكون التخطيط فعالاً يجب أن يشمل مساحة أكبر من مساحة المدينة نفسها ، وهـي المساحة التي تقـع تحت دائرة تأثيرها (إقليم المدينة) وهي المساحة التي تقع فيها القرى والتجمعـات السكنية الأخـرى التي يهاجر أهلها منها إلـى هـذه المدينة ، وتسمى هـذه المساحة بالإقليم ويعتبر سير باتريك جددزSir Patrik Geddes هـو أول مـن نادى بفكـرة التخطيط الإقليمي.

أما بالنسبة للتخطيط الإقليمي في الدول النامية :

   بدأ تطبيق التخطيط الإقليمي واعتماده في الدول النامية متأخرا مقارنة بالدول الصناعية ، وقد لوحظ أن كثيرا من الدول النامية وبخاصة المستقلة حديثاً قد سارعت بعد الحرب العالمية الثانية إلى التركيز على زيادة النمو الاقتصادي كوسيلة للخروج من براثن الفقر والتخلف الذي عاشته هذه البلدان في ظل الاستعمار الأوروبي لفترات زمنية طويلة.

   وتنظر الدول النامية إلى التصنيع على أنه الطريق الوحيد إلى تحقيق النمو الاقتصادي ، وفيما بعد اكتشفت الدول النامية خطأ هذا التوجه في نهاية العقد السادس من القرن العشرين ، وقد أدى إلى تغير في مفهوم التنمية حيث بدأت فكرة إعادة التوزيعRedistribution with Growth ، كذلك أصبح ينظر إلى عملية التنمية من خلال حجم مشكلات الفقر والبطالة Unemploymentوعدم المساواة أو الفوارق الإقليمية inoqualityفي مجتمع ما.(2)

  وإذا نظـرنا إلـى هـذا التغير فـي مفهـوم التنمية نجـد أنه أدى إلى ظهـور استراتيجيات تنمـوية جديدة منها :

  إستراتيجية إشباع الحاجات الأساسية للسكان ، وإستراتيجية الاعتماد على الذات كبديل للاعتماد على المعونات الخارجية كمصدر تمويل للمشاريع التنموية ، وهذه الاستراتيجيات التنموية الجديدة عملت على تطبيق التخطيط اللامركزي كبديل للتخطيط ، وأدى ذلك إلى زيادة الاهتمام بالتخطيط الإقليمي. ( )
وتتضح أهمية التخطيط الإقليمي فيما يلي :

- التخطيط الإقليمي وسيلة لتحقيق اللامركزية الاقتصادية على المستوى القومي. ( )

- التخطيط الإقليمي يقدم صورة واقعية عن الإمكانيات والموارد الطبيعية والبشرية المستغلة وغير المستغلة لكل إقليم وكيفية استخدامها وتوظيفها بشكل فعال وايجابي.

- التخطيط الإقليمي يساعد على تحقيق أهداف الخطط القومية ،وقد جاء التخطيط الإقليمي من خلال المطالبة باللامركزية في التخطيط ، وضرورة إيجاد هيئات ومؤسسات تخطيط على المستوى الإقليمي والمحلي لكي تكون هذه المؤسسات قريبة من المشكلات الحقيقة على أرض الواقع. ( )

- التخطيط الإقليمي يحقق التوازن الإقليمي بين أقاليم الدولة، بهدف التوزيع العادل للموارد والثروات والمشاريع بين الأقاليم المختلفة.

- يعمل التخطيط الإقليمي على الحد من تفاقم المشاكل السكانية مثل مشاكل الفقر والبطالة وهجرة السكان. ( )

- يهدف التخطيط الإقليمي إلى توفير الخدمات والمرافق العامة وتوزيعها في الأقاليم ، ثم مواقع المبانى العامة كالبلديات والمحاكم والمدارس وأقسام الشرطة وفرق إطفاء الحريق 

- وتوفير الطرق وشبكات الصرف الصحي المناسبة.

- يوضح التخطيط الإقليمي الخطة العامة للتوزيع الحالي والمقترح في المستقبل لاستخدام الأرض land use بين الأغراض المختلفة ، بما في ذلك مواقع وامتداد المناطق السكنية والتجارية والصناعات التحويلية والمباني العامة وغيرها من الأغراض الخاصة والعامة.( )

- التخطيط الإقليمي يعمل كوسيلة تنسيق بين هيئات التخطيط المختلفة ، حيث يعتبر بمثابة حلقة وصل بين هيئات التخطيط المحلية والإقليمية وهيئات التخطيط المركزية ، لتحقيق التنسيق بين هيئات التخطيط والنشاطات والبرامج والمشاريع التنموية على المستوى المحلي والإقليمي من جهة وعلى المستوى الوطني من جهة أخرى ، لخلق مرونة في تخطيط وتنفيذ المشاريع التنموية في الإقليم . ( )

- التخطيط الإقليمي يهتم بالأخذ بوسائل الثورة التكنولوجية الحديثة ، حيث وجدت الإدارة المحلية أنه لا خيار أمامها إذا كانت تريد الوسائل التكنولوجية المتطورة لتقليل نفقاتها ، والإستجابة لمطالب المواطنين في الاستفادة من الثورة التكنولوجية وتحقيق كفاءة الإدارة والأخذ بنظام الأقاليم والتخطيط الإقليمي .( )

العلاقات بين التخطيط الإقليمي والتخطيط القومي :

  يتضح مفهوم التخطيط القومي على أنه«عملية تنسيق وتنظيم وحسن استخدام الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية في سائر أنحاء القطر،وتوجيهها لتحقيق أهداف المجتمع في فترة زمنية معينة.

  ويوضح أحمد خالد علام « أن التخطيط القومي يمكن تحقيقه على المستوى الإقليمي ، وذلك بتوزيع السكان والأنشطة داخل إطار موحد يتجاوب مع طبيعة ثروات الإقليم وإمكانياته الكامنة ومع الأهداف والسياسات العامة لخطط التنمية القومية » ، وفيه يكون التخطيط مركزيا تخضع له جميع أجزاء المجتمع موضوع التخطيط.

   ويعد التخطيط الإقليمي في جوهره جزءاً من التخطيط القومي ، ولا تعارض بينهما ، غير أن التخطيط القوميNational Planning مرتبط ارتباطا وثيقا بالمركزية – بينما يرتبط التخطيط الإقليمي إلى حد كبير بالحكم المحلي واللامركزية. ومركزية التخطيط القومي ترتبط ارتباطا قويا بلامركزية الاقتراح والتنفيذ ، أو بعبارة أخرى فإن مركزية التخطيط يتوقف نجاحها على لامركزية التخطيط الإقليمي.

  وارتباط التخطيط القومي بالمركزية أمر طبيعي – ذلك لأن أهداف التخطيط القومي تنسيق وتنظيم وحسن استخدام جميع الموارد الطبيعية والبشرية في سائر أنحاء الدولة ، وتوجيه هذه الموارد لتحقيق أهداف المجتمع ككل في فترة زمنية محددة ، ولذلك فإن تنمية المجتمع القومي لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق تنمية وحداته الأساسية وأقاليمه المحلية ، وهذا يعني أن الجهود التي تبذل لتنمية الأقاليم والمجتمعات المحلية هي جزء أساسي من التنمية القومية ، لأن تنمية الأجزاء تؤدي إلى تنمية الكل

  وبصفة عـامة لا يعتبر التخطيط الإقليمـي بديلا عـن التخطيط القومي الشامل ، بل هـو أحد أبعاده ، وأداة من أدواته ، وأسلوب مساعد ومكمل له على المستوى المحلي .

   ويسعى كل من التخطيط الإقليمي والتخطيط القومي إلى تحقيق هدف مشترك ، وهو إحداث تغيرات كمية ونوعية ايجابية في مؤشرات التنمية ، وإن كان التخطيط القومي يؤكد على المشروعات ذات التأثير القومي للدولة بينما يركز التخطيط الإقليمي على المشروعات ذات التأثير الإقليمي ، ولذلك فإن أهداف التخطيط القومي هي أهداف كلية قومية تشمل كل أنحاء الدولة ، أما أهداف التخطيط الإقليمي فهي أهداف جزئية إقليمية.

  ويرى الكثير من المخططين أن التخطيط الإقليمي - لكي يكون أداه فعالة ، ووسيلة خلاقة – يجب أن يعتبر جزءا من التخطيط القومي ، بحيث يصبح مكملا لوظيفته ضامنا لتحقيق مهمته ، مؤكدا لشموله وواقعيته ومحققا لأهدافه ورسالته.

  والتخطيط الإقليمي في واقع أمره سابق على التخطيط القومي ، ودراسته سابقه على دراسة التخطيط القومي ثم تتجمع هذه الدراسات الإقليمية وينسق بينها ويوفق بين ما يتعارض منها ومن ثم ترفع إلى هيئات التخطيط المركزية لتتمكن من التنسيق والتوفيق بين هذه الخطط مع بعضها البعض في خطة وطنية متكاملة واضحة الأهداف والمعالم.

  وتعتبر مشكلة التخطيط هـي توزيع المـوارد القـومية عـلى أوجـه استخداماتها المختلفة ، وفـي الأقاليم المتنوعة ، فلا بـد مـن أن يتولاها جهاز مركزي قادر على التأكد مـن توزيع المـوارد القومية وذلك لا يأتي إلا على أساس من التوازن الجغرافي والتوازن الاقتصادي بين الأقاليم والمناطق المختلفة.

  وهـذا بـدوره يتطـلب زيـادة فعـالية التخطيط الإقـليمي حـتى يتـم الاستخدام الأمـثل لمـوارد الإقـليم وإمكانياته ، الذي عن طريقه يتم تحقيق أقصى نهوض ممكن بجميع أجزاء الحيز الجغرافي للدولة ، وذلك عن طريق التعاون المشترك بين هيئات التخطيط القومية والإقليمية، بهدف مواكبة الخطط القومية مع الاحتياجات والمشكلات والخصوصيات المحلية والإقليمية في الدولة.( )

التخطيط الحضري

  يؤمن غالبية المختصين في التخطيط الحضري بأن التخطيط يلتمس التأثير في المستقبل عن طريق إجراءات معينة تتخذ فـي الـوقت الحاضر ، ودرجة التأثير في المستقبل تعتمد على نوع التخطيط المتبع : فهناك التخطيط الحضري الاستراتيجي والتخطيط الشامل والتخطيط التنفيذي . ويعرف التخطيط الحضري بأنه " وضع خطة لتحقيق أهـداف المجتمع فـي ميدان وظيفي معين لمنطقة جغرافية ما في مدى زمني محدد ... ويجب أن يكون واقعيا محققا للأهداف في الوقت المناسب. ( )

   قـد يصعب الوصول إلى تعريف شامل للتخطيط الحضري لما نلاقيه أحيانا مـن اهتمـام المختصين بالجـوانب التي يعالجونها فبعـض منهم يركز على الجوانب المادية التطبيقية لعمـلية التخطيط الحضـري ، ويراه آخرون بأنه تخصص جديد يعني بتوظيف واستخدام الموارد الطبيعية والبشرية بهدف الوصول إلى تكوين وتطوير بيئة حضرية مناسبة لحياة الإنسان بحيث يستطيع أن يشبع حاجاته المادية والمعنوية. ( )

  يسمى تخطيط المدن أحيانا التخطيط الحضري ( Urban Planning) ويعرف بأنه " فن وعلم تنظيم استخدام الأرض وتجديد صفات ومواقع الأبنية وطرق النقل والمواصلات بشكل يضمن أعلى درجة عملية من الاقتصاد والراحة والجمال.( )

  التخطيط الحضري هو إستراتيجية أو مجموعة استراتيجيات تتبعها الجهات المسؤولة لاتخاذ قرارات لتنمية وتوجيه وضبط نمو وتوسع العمران في المدينة بحيث يتاح للأنشطة والخدمات الحضرية أفضل توزيع جغرافي وللسكان أكبر فائدة. ( )

   التخطيط الحضري توجيه نمو المناطق الحضرية والذي يتحقق من خلاله أهداف اجتماعية واقتصادية تتجاوز المظهر العام لاستخدام الأرض الحضرية أو طبيعة البيئة الحضرية ويتم ذلك من خلال فعاليات حكومية لأنه يحتاج إلى تطبيق أساليب خاصة في المسح والتحليل والتنبؤ.(1)

  يختلف التخطيط الحضري في طبيعته وخصائصه نظرا للطبيعة الخاصة التي يتعامل معها وهي البيئة الحضرية المعقدة سريعة التطور والتبدل والتحول ومن هنا يمكن تحديد بعض هذه الخصائص في المظاهر التالية :

1 مراعاة الجوانب الاجتماعية والثقافية والنفسية كمكونات أساسية في المخططات التي توضع للبيئة الحضرية وبذلك يؤكد التخطيط الحضري على الربط بين الجوانب المعمارية والسلوكية.

2 التعامل مع الخصائص الطبيعية والظواهر المختلفة في المناطق الحضرية.

3 معالجة المنطقة الحضرية كوحدة مترابطة في جميع مكوناتها وعناصرها مع بعضها.

4 ارتباط التخطيط الحضري كغيره من أنواع التخطيط الأخرى بقرارات سياسية وإدارية ومالية والتي على ضوئها تحدد الصلاحيات والدور الذي تمارسه أجهزة التخطيط.

5 يتعامل التخطيط الحضري مع بيئة غير متجانسة اجتماعياً لوجود فوارق بين السكان في العادات والتقاليد والثقافة والدين وهذا ما يجب مراعاته عند وضع المخططات الأساسية والتصاميم الحضرية.

6 تحقيق توازن إقليمي بين جميع المناطق ، والمقصود بالتوازن هنا هو الميل لتوجيه استثمارات التنمية الحضرية لجميع المناطق وعلى أوسع نطاق بدلا من حصرها في مراكز محدودة فينتج عن تركزها مشاكل عديدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا