التسميات

الأربعاء، 13 نوفمبر 2019

فعالية التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية في مواجهة ظاهرة البطالة: دراسة استقرائية في المنظور الإسلامي


فعالية التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية في مواجهة ظاهرة البطالة 

(دراسة استقرائية في المنظور الإسلامي) 


د. نعيمة يحياوي 

كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير –جامعة الحاج لخضر باتنة- 

yahiaoui966@gmail.com 



الملخص: 

  يهدف البحث إلى عرض قضايا البطالة والتنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية من منظور إسلامي، استناداً إلى ما ورد من آيات القرآن الكريم وفي السنة النبوية من أحاديث شريفة ذات صلة بهذه القضية، وما ورد في المراجع العلمية الحديثة المتعلقة بهذه القضية.وعرض بعضا من السبل الاسلامية في رسم سياسات تشغيل فعالة لتعظيم التشغيل المنتج والحد من البطالة بصورها المختلفة بما في ذلك البطالة المقنعة والتشغيل الجزئي، ومتابعة تغير سوق العمل والتوافق بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات التنمية.ومن أهم النتائج المتوصل إليها في هذا البحث ضرورة صياغة إستراتيجية إسلامية مشتركة ومتكاملة للتنمية المستدامة وتبني برامج المسؤولية الاجتماعية لمواجهة أهم التحديات التي تواجه دول العالم الإسلامي في مجال التنمية المستدامة التي تتمثل بالأساس في البطالة. 

الكلمات المفتاحية: البطالة، التنمية المستدامة، المسؤولية الاجتماعية، الاقتصاد الاسلامي. 

Abstract: 

  The research aims to presentissues of unemployment andsustainable developmentand social responsibilityfrom an Islamic perspective, based on the provisionsof the verses ofthe Holy Quranandthe Sunnahof the conversationsdishonestRelatedto this issue,andreported inthe scientific literatureof modernrelating to this issue. And displaysome Islamic effectivepoliciesemploymentto maximizeoperatingtheproductand reduce unemploymentinitsvariousforms, whetherincludingdisguised unemploymentandpartialoperation, andfollow-up ofthe labor market andchangethe compatibilitybetween the outputs ofeducation, training anddevelopment needs.Among the most importantresults obtainedin this researchneed toformulateacommonstrategyIslamicandintegrated sustainable developmentand the adoption ofsocial responsibility programstoaddressthe most importantchallengesfacing thecountriesoftheIslamicworldin the field ofsustainable development, whichisprimarilyin unemployment. 

Keywords: 

Unemploymen, sustainable development, social responsibility, Islamic economic. 

المقدمة: 

  عرفت أغلب المجتمعات الإنسانية وعلى مر كل العصور ظاهرة البطالة إذ لا يكاد مجتمع من المجتمعات الإنسانية باختلاف مستويات تقدمها وأنظمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يخلو من هذه الظاهرة أو المشكلة بشكل أو آخر. وبات من المؤكد أن البطالة داء خطير إذا أصاب اقتصاد أي بلد فانه حتما سوف يصيبه في مقتل فيما لو غض الطرف عنه وتباطأ وتعثرت جهود الحد من انتشاره ومعالجته بشكل علمي مدروس. وليس من المنطقي والعدل أن تلقي تبعات وتكاليف المعالجة على قطاع ما بعينه دون بقية القطاعات الأخرى، حيث أنه كما هو معروف في علم الاقتصاد أن جميع القطاعات المنتجة للسلع والخدمات بشقيها العام والخاص ترتبط بمصير مشترك تؤثر وتتأثر فيما بينها. وعليه فان طرق معالجة البطالة تتقاسمها جميع القطاعات دون استثناء لان الجميع تقع عليه واجبات والتزامات كما لهم من حقوق. وبالتالي فإن الأمر يحتاج منا التأمل في نتائج هذه المشكلة وتحليل أثارها وفق منظور المنهج العلمي لمعرفة حجمها وتحديد أسبابها وآثارها في المجتمع والعمل على تقليص حجم الضرر إلى اقل ما يمكن عن طريق البحث المستمر عن الطرق الناجحة والملائمة اجتماعيا واقتصاديا وتربويا من اجل تطويق تلك المشاكل ومعالجتها في مهدها. 

   إن هذا الاهتمام الكبير بقضية البطالة يأتي بلا شك من أهمية ظاهرة البطالة نفسها وما يترتب عليها من آثار جسيمة ذات مساس ببنية المجتمع وبخاصة تلك المتعلقة بالآثار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية على أفراد المجتمع ومؤسساته، فضلا عن الانعكاسات السلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، وأكثرها تضرراً في ذلك الدول النامية التي ليست لها القدرات والإمكانيات الكافية لا على صعيد الوقاية ولا على صعيد العلاج. 

ولعل من أبرزالحلول المقترحة لمعالجة هذه الظاهرة ومواجهة آثارها فلسفة التنمية المستدامة وثقافة المسؤولية الاجتماعيةوالتي من الطبيعي بمكان أن تهتم بالعنصر البشري وتقيه من شر إصابته بداء البطالة باعتباره من أحد أهم أبعادها، وذلك عن طريق المزيد من التطوير والتأهيل وإعداد السياسات التخطيطية الرشيدة المعالجة للمشكلة وإقامة البدائل والحلول الضرورية لتفادي تفاقمها في المستقبل القريب والبعيد، وذلك من خلال تحقيق التكامل النوعي والكمي مابين هذه السياسات بما يتوافق وحاجات المجتمع من نوعية وكفاءة رأس المال البشري. 

غير أننا إذا استقرأنا جيدا تطبيقات هذه الحلول وبالرغم من الجهود المبذولة إلا أنها لم تؤتي ثمارها والسبب في ذلك أنها لم تبنى على أسس سليمة. 

وفي المقابل نجد أن الإسلام كان سباقا من أي نظرية وضعية في التعرض لهذا الموضوع، لكن بالرغم من ذلك لم يأخذ حظه الوافر من التأصيل والدراسة. ومن هنا جاءت هذه الورقة البحثية المتواضعة كمحاولةلاستنباط كل الأحكام الشرعية المتعلقة بها والواردة في النصوص الشرعية، وكذلك الإشارة للدلائل الإسلامية التي تبرز الروابط بين مفهومين هما وجهان لعملة واحدة، التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية للمؤسساتومدى مساهمتهما في مواجهة ظاهرة البطالة.ومحاولة الاستلهاممن المنظور الإسلامي ومفاهيمه الداعية إلى تعزيز كرامة الإنسان وتحقيق عمارة الأرض بالعمل الصالح والمنتج الذي يشكل الدعامة الأساسية للتنمية المستدامة وترسيخ قيم التكافل الاجتماعي وخدمة الأجيال الحالية والمستقبلية. 

مشكلة البحث: 

ما يزال موضوع التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات من منظور إسلامي لم ينل حظه الكافي من التأصيل الشرعي، بالرغم من رسوخ مفاهيمه في تعاليم الشريعة الإسلامية، يأتي هذا البحث كمساهمة لتلافي هذا النقص العلمي و لتبيان الأصالة الإسلامية لهذا المفهوم، و ذلك من خلال محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية: 

- ما هي الأسباب المنشئة للبطالة وما هي آثارها على اقتصاديات الدول والمجتمع؟ 

- ما هي رؤية الفكر الإسلاميللتنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات؟ 

- كيف تعالج التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية لمشكلة البطالة لتضمن توفير فرص عمل لكل قادر عليه؟. 

أهداف البحث: 

يهدف البحث إلى دراسة: 

1. مفهوم البطالة والأسباب المؤدية إلى ظهورها في اقتصاديات العالم سواءا المتقدم منها أو تلك الاقتصاديات التي في طور النمو، فضلا عن التعرف على التأثيرات المباشرة منها وغير المباشرة وما تلحقه تلك الظاهرة من أضرار اقتصادية واجتماعية تطال شرائح واسعة من الموارد البشرية التي تشكل العنصر الأساسي من العناصر الرئيسية في بناء سياسة اقتصادية ناجحة، تضع نصب عينيها تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة وصولا إلى حالة من الرفاهية التي هي غاية كل سياسة اقتصادية تنموية. 

2. المفهوم الاسلامي للتنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات ، و ليؤكد على الريادة الإسلامية فيما يتعلق بهذين المفهومين وخصائصهما، بل أكثر من ذلك سنظهر تميز الفكر الإسلامي و اختلافه النوعي في نظرته للتنمية المستدامة وللمسؤولية الاجتماعية مقارنة بالأفكار الوضعية. 

3. بعضا من أساليب التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية من منظور اسلامي في رسم سياسات تشغيل فعالة لتعظيم التشغيل المنتج والحد من البطالة بصورها المختلفة بما في ذلك البطالة المقنعة والتشغيل الجزئي، ومتابعة تغير سوق العمل والتوافق بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات التنمية. هذه السياسات تبدي اهتماما في تطوير الاقتصاد ووسائل الإنتاج من خلال تحقيق أفضل استثمار في الموارد البشرية وإعدادها الإعداد الصحيح من حيث التعليم والتدريب وصقل المهارات وتوفير الرعاية الصحية وتحقيق العدل والمساواة في فرص العمل والمشاركة الفاعلة في الإنتاج من اجل الوصول إلى هدف التنمية الجوهري في تحقيق مجتمع الرفاهية المنشود في ظل سياسات تسودها الديمقراطية الحقيقية والشفافية المطلقة في مراكز صنع واتخاذ القرارات والإجراءات ناهيك عن تنشيط دور المسائلة والمحاسبة الدائمتين. 

منهج البحث: 

يقوم البحث على المنهج العلمي الاستقرائي الاستنباطي، فقد عنينا فيه ببيان مفهوم البطالة ووالمفهوم الإسلامي للتنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية والذي تم استنباطه من خلال استقراء آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة المرتبطة بعناصر التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية. وقمنا بتأصيل المفاهيم الواردة في البحث تأصيلاً علمياً استناداً إلى ما ورد في المعاجم اللغوية. كما قمنا بعزو الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور الكريمة، وتخريج الأحاديث الواردة في البحث من غير الصحيحين. 
خطة البحث: 

اتساقا مع طبيعة المشكلة والهدف من دراستها تم تقسيم البحث إلى مقدمة وأربعة محاور وخاتمة وذلك على النحو التالي: 

المحور الأول:التعرف على مفاهيم وأسباب وآثار البطالة وذلك كما وردت في الأدبيات والوثائق التي عنيت بالبطالة. 

المحور الثاني:دلائل التنمية المستدامةفي الإسلام. 

المحور الثالث: دلائل المسؤولية الاجتماعية في التشريع الإسلامي. 

المحور الرابع: التعرف على سياسات التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية الاسلامية في معالجة ظاهرة البطالة. 

أولا:البطالة: مفهوم، أسباب وآثار: 

1.مفهوم البطالة: عرفت منظمة العمل الدولية العاطل عن العمــل بأنه "ذلك الفرد الذي يكون فوق سن معينة بلا عمل و هو قادر على العمل و راغب فيه و يبحث عنه عند مستوى أجر سائد لكنه لا يجده "( زكي،1997).ومن خلال هذا التعريف يتضح أن ليس كل من لا يعمل يمكن اعتباره عاطل عن العمل فنجد إذن أن كلا من: 

- العمال المحبطين الذين هم في حالة بطالة فعلية و يرغبون في العمل، و لكنهم لم يحصلوا عليه وفقدوا الأمل في العثور على عمل من كثرة ما بحثوا، لذا فقد تخلوا عن عملية البحث عن عمل. 

- الأفراد الذين يعملون مدة أقل من وقت العمل الكامل و هم يعملون بعض الوقت دون إرادتهم، في حين أنه بإمكانهم العمل كامل الوقت. 

- العمال الذين لهم وظائف ولكنهم أثناء عملية إحصاء البطالة تغيبوا بصفة مؤقتة لسبب من الأسباب كالمرض العطل وغيرها من الأسباب. 

- العمال الذين يعملون أعمالا إضافية غير مستقرة ذات دخول منخفضة، و هم من يعملون لحساب أنفسهم. 

- الأطفال، المرضى، العجزة، كبار السن و الذين أحيلوا على التقاعد. 

- الأشخاص القادرين عل العمل و لا يعملون مثل التلاميذ والطلبة، و الذين هم بصدد تنمية مهاراتهم. 

- الأشخاص المالكين للثروة و المال القادرين عن العمل و لكنهم لا يبحثون عنه. 

- الأشخاص العاملين بأجور معينة و هم دائمي البحث عن أعمال أخرى أفضل. 

وينظر إلى مفهوم البطالة لدى البعض من علماء الاقتصاد على أنها عدم القدرة على استيعاب أو استخدام الطاقات أو الخدمات البشرية المعروضة في سوق العمل الذي يعتمد على العرض والطلب والذي يتأثر بقرارات أصحاب العمل والعمال والأنظمة التي تفرضها الدول من أجل التقيد بها وفي سوق العمل تتلاقى هذه القرارات مع قرارات هؤلاء الذين هم في حاجة إلى خدمات الأفراد. فالبطالة بهذا المفهوم تعني عدم استخدام القوى البشرية التي تعتمد في حياتها المعيشية اعتمادا كليا على الأجر أي على تقييم الغير لها بالرغم من حريتها القانونية. 

ولهذا تعتبر البطالة سمة من سمات نظام السوق ومرتبطة بهيكله ويتوقف حجمها على مدى فاعلية رجال الأعمال والدول ممثلة في سياساتها في القضاء على البطالة والتقليل من آثارها في الوقت المناسب. ولذلك فان معظم الاقتصاديون في هذه الأنظمة يقرون أن البطالة هي الثمن الذي تدفعه هذه المجتمعات لاهتمام النظم في الإبقاء على حرية سوق العمل فهي تعتبر ثمنا للحرية والتخلص من الرق والاستعباد والإقطاع(ويكبيديا الموسوعة الحرة،). 

كما يمكن تعريف البطالة بالمفهوم الاقتصادي أنها التوقف عن العمل أو عدم توافر العمل لشخص قادر عليه وراغب فيه، وقد تكون بطالة حقيقية أو بطالة مقنعة، كما قد تكون بطالة دائمة أو بطالة جزئية وموسمية، وتتضاعف تأثيراتها الضارة إذا استمرت لمدة طويلة، وخاصة في أوقات الكساد الاقتصادي. 

وللحصول على معدل البطالة (Unemployment Rate) يتم استخدام المعادلة التالية: 

معدل البطالة = (عدد العاطلين عن العمل/ إجمالي القوة العاملة)100 

و هو معدل يصعب حسابه بدقة وذلك لاختلاف نسبة العاطلين حسب الوسط (حضري أو قروي) و حسب الجنس و السن و نوع التعليم و المستوى الدراسي(الغريب، 2005) 

2.أنواع البطالة:لم تعد البطالة في تعريفاتها ومفهومها الاقتصادي يقتصر فقط على تعريف العاطل عن العمل هو الشخص الفاقد للعمل بل تجاوز مفهوم البطالة إلى مستويات أوسع وأكثر شمولية بحيث تم تصنيف أنواع عديدة من البطالة وإدخالها ضمن تعريفات البطالة ولكي نتعرف على أشكال البطالة ارتأينا أن نلقي الضوء على البطالة بجميع أنواعها وهي تصنف كالتالي: 

- البطالة الاحتكاكية:وهي عبارة عن التوقف المؤقت عن العمل وذلك بسبب الانتقال من وظيفة لأخرى أو التوقف المؤقت للبحث عن وظيفة أخرى، وتحدث كذلك بسبب التنقلات المستمرة للعاملين بين المناطق و المهن المختلفة الناتجة عن تغيرات في الاقتصاد الوطني. وتنجم أيضا عن عدم ملائمة بعض مهارات الأيدي العاملةلطبيعة التقنية السائدة في وقت معين بسبب تسارع وتيرة التقدم التقني. ومثل هذا النوعمن البطالة يكون قصير المدى على الأرجح إذ لا يستغرق سوى الوقت اللازم لإدخال هذهالفئات من الأيدي العاملة في دورات تدريب مهني سريعة لإكسابها المهارات اللازمةالتي تؤهلهم للانخراط مرة أخرى في النشاط الاقتصادي(الدباغ و الجرمود، 2003). 

- البطالة الهيكلية:تعتمد هذه الأخيرة على حجم التأثير الذي تتركه البطالة الاحتكاكية، فعندما تتزايد وتستديم الأسباب المؤدية إلى البطالة الاحتكاكية تصبح هناك بطالة هيكلية تصيب الهيكلالاقتصادي. تعرف البطالة الهيكلية بأنها "البطالة التي تنشأ بسبب الاختلاف والتباين القائم بين هيكل توزيع القوى العاملـــة وهيكل الطلب عليها(الدباغ والجرمود، 2003).وهي البطالة الناجمة عن تحول الاقتصاد من طبيعة إنتاجية معينة إلى أخرى، ينشأ هذا النوع من البطالة نتيجة للتحولات الاقتصادية التي تحدث من حين لآخر في هيكل الاقتصاد كاكتشاف موارد جديدة أو وسائل إنتاج أكثر كفاءة، ظهور سلع جديدة تحل محل السلع القديمة(البشير، 2004)إلا أن مثل هذا النوع من البطالة يمكن التغلب عليه عن طريق اكتساب المهارات الإنتاجية المطلوبة والتدريب على مستلزمات الطبيعة الإنتاجية الجديدة للاقتصاد. 

- البطالة الدورية:وهي البطالة الناجمة عن تقلب الطلب الكلي في الاقتصاد حيث يواجه الاقتصاد فترات من انخفاض الطلب الكلي مما يؤدي فقدان جزء من القوة العاملة لوظائفها وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة في الاقتصاد. إلا أن هذه النسبة تبدأ بالانخفاض عندما يبدأ الطلب الكلي بالارتفاع مجدداً. 

- البطالة الموسمية: وهي البطالة الناجمة عن انخفاض الطلب الكلي في بعض القطاعات الاقتصادية (وليس الاقتصاد ككل). فقد تشهد بعض القطاعات الاقتصادية (كقطاع السياحة مثلاً أو الزراعة أو الصيد) فترات من الكساد مما يؤدي إلى فقدان العاملين في هذه القطاعات إلى وظائفهم مؤقتاً. 

- البطالة المقنعة:لا يعني هذا النوع من البطالة وجود قوة عاملة عاطلة بل هي الحالة التي يمكن فيها الاستغناء عن حجم معين من العمالة دون التأثير على العملية الإنتاجية حيث يوجد هناك نوع من تكدس القوة العاملة في قطاع معين وغالباً ما تتقاضى هذه العمالة أجوراً أعلى من حجم مساهمتها في العملية الإنتاجية. 

- البطالة السلوكية:وهي البطالة الناجمة عن إحجام ورفض القوة العاملة عن المشاركة في العملية الإنتاجية والانخراط في وظائف معينة بسبب النظرة الاجتماعية لهذه الوظائف. 

- البطالة المستوردة:وهي البطالة التي تواجه جزء من القوة العاملة المحلية في قطاع معين بسبب إنفراد أو إحلال العمالة غير المحلية في هذا القطاع. وقد يواجه الاقتصاد هذا النوع من البطالة في حال انخفاض الطلب على سلعة معينة مقابل ارتفاع الطلب على سلعة مستوردة. 

- البطالة الإجبارية: وتتعلقبالأفراد العاطلين عن العمل الذين يبحثون عن العمل وبالأجر السائد ولا يجدونه ويعدهذا النوع من اشد أنواع البطالة حيث تظهر اغلب الفئات إلى الهجرة خارج بلدانهمللبحث عن فرص عمل لها وهناك البطالة الاختيارية التي يكون فيها الأفراد مجبرين بتركالعمل، حيث توجد فرص عمل وبأجور مناسبة ولكن لا توجد لديهم الرغبة في العمل. 
3.أهم أسباب تفشي البطالة: 
وصلت نتائج التقديرات الإحصائية إلى أن ما يفوق المليار عاطل عن العمل يتوزعون على مختلف أنحاء الأرض وهذا الرقم المهول بحد ذاته يمثل نذير خطر ومصدر قلق حقيقي لمستقبل المجتمع العالمي الذي ينشده الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والسبل الكفيلة بتحقيق القدر المكن من الاستقرار النسبي في المعيشة الحرة(الحيالي، 2003). 

ولم تنحصر نتائج مشكلة البطالة على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية بل تعدى ذلك إلى وقوع دول بالكامل في أسر القوى الغنية سواء كانت هذه القوى أفراداً أو مجموعات أو دولاً حيث أن سوق العمالة خضع هو الآخر للاحتكار من قبل هذه القوى لأغراض سياسية، ولا يعني بالضرورة أن هذه الأخيرة هي سبب في انتشار هذه الظاهرة لتشابك العوامل والأسباب التي أصّلتها ي مجتمع دون غيره(النجار، 2004). 

البطالة لا تخلق من العدم بل هناك أسباب لنشوئها في المجتمعات، غير أنه من الصعب حصر كافة أسباب تفاقم ظاهرة البطالة في العالم خلال السنوات الأخيرة نظرا لتداخل هذه الأسباب والأبعاد ذات الحساسية الكبيرة التي تكتسبيها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لذا سنحاول استعراض بعض أهم الأسباب المباشرة لتفاقم هذه الظاهرة وليس جميعها، فإن استقصاء ذلك يطول، ويخرج عن طبيعة البحث الذي مقصده الأساس هو إبراز دور وفعالية التنمية المستدامة في مواجهة ظاهرة البطالة، وأهم هذه الأسباب: 

1.3. نظرة الدولة لسياسات التشغيل والتوظيف: تبدأ البطالة من النقطة التي ترتكز عليها نظرة الدولة إلى سياسات التشغيل العام، فنجد أن انتشار البطالة بشكل أكثر في البلدان التي تكون فيها الحكومات ملتزمة بسياسات التعيين والتشغيل وبالذات عندما تعجز الدولة عن إنشاء مشروعات جديدة لاستيعاب العاطلين، فتلجأ إلى حشو الجهاز الحكومي بالعاملين التي تفوق قدرة تلك القطاعات على استيعاب هذا العدد الضخم من العمالة، مما تشكل ضغطا على التكاليف وإهدارا في النفقات الأمة نتيجة لتلك الممارسات الخاطئة لمثل هكذا سياسات. وقد نجد انتشار نوعا من أنواع البطالة الذي يطلق عليه بالبطالة المقنعة وهي تلك البطالة التي تتسم بالتوظيف والتشغيل لإعداد كبيرة من القوى العاملة مع تدني مستوياتهم الإنتاجية بسبب رغبة الدولة في مجرد تشغيل هؤلاء العاطلين، فيتم تعيينهم في وظائف غير حقيقية ودون حاجة إليهم في هذه الوظائف. الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل جزء هام بل من أهم عناصر الإنتاج هو عنصر العمل والإنتاج على الصعيد الاقتصادي، أما على الصعيد السياسي فستؤدي تلك السياسات إلى خلق حالة من التحلل من المسؤولية اجتماعياً وسياسياً وحالة من السلبية إذ إن هذه القوى العاملة تكون في الشكل كقوة عاملة ولكنهاً عاطلة واقعياً ولا تقوم بأي عمل إيجابي ومنتج ونتيجة الأجور التي تمنح في ظل مثل تلك السياسة - وهي أجور متدنية للغاية - الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الرشوة والفساد(عبد الرسول و الخطيب، 2007). 
2.3.سياسات التعليم والتوجيه التربوي:تعتبر سياسات التعليم من العوامل التي تساعد على نشوء ظاهرة البطالة في المجتمعات خصوصا فيما لو أخذنا بنظر الاعتبار الاختلال الذي ينتج نتيجة إلى عدم تناغم السياسة التعليمية لبلد ما مع متطلبات النمو الاقتصادي لذلك البلد. ففي البلدان المتقدمة هنالك نوعا من التكامل مابين مخرجات التعليم ومتطلبات احتياجات التنمية من القوى البشرية ويتبع لذلك من إتباع سياسات تخطيط منهجية لقطاعات التعليم فيها.كما أن الحاجة إلى التعليم العالي أمرا ضروريا الأمر الذي يعتبره المنظرون بأنه دعامة رئيسية من دعامات التقدم والرقي، وليس العبرة بعدد الخريجين منهم بقدر نوعيتهم ومستوى كفاءتهم في الأداء مستفيدين من البرامج التعليمية المتطورة التي تم تلقيها على مقاعد الدراسة بما يتناسب وحاجة العمل وطبيعته إلى المهارات والكفاءات اللازمة له. 

إن الخلل في النظام التعليمي في البلدان النامية أدي إلى عدم تأهيل المتخرجين لدخول سوق العمل، ويصبح الكثير من حملة الشهادات والتي يفترض بأنها تشكل جواز مرور بالنسبة لهم للحصول على عمل، هي أقل بكثير مما يطلبه صاحب العمل سواء من حيث طبيعة التخصصات المطلوبة أو طبيعة المواد التطبيقية والمهارات التي تؤهل حاملها للانخراط المباشر في العمل.إنعدم المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل تساهم إلى حدٍ كبير في انتشار البطالة بين المتخرجين كما أن ضعف التخطيط للمؤسسات القائمة على العملية التربوية والتعليمية يتحمل الجزء الأكبر من ظاهرة انتشار البطالة بين المتعلمين. ونخلص من القول في هذا المجال أن سوء التخطيط والتوجيه التربوي والتعليمي يعدان البيئة المثالية لانتشار ظاهرة البطالة وهي من مقومات نموها في المجتمع(عبد الرسول و الخطيب، 2007). 

3.3.فشل برامج التنمية الاقتصادية: في العناية بالجانب الاجتماعيبالقدر المناسب وتراجع الأداء الاقتصادي، وتراجع قدرة القوانين المحفزة علىالاستثمار في توليد فرص العمل بالقدر الكافي وتراجع دور الدولة في إيجاد فرص عمل فيمؤسسات الدولة والمرافق العامة وانسحابها تدريجياً من ميدان الإنتاج. 

4.3. التغيرات الفصلية: تخضع بعض الأعمال لتغيرات فصلية فتحدث أثرها فيها، وتتركها ضعيفة كاسدة في أوقات معينة، ونشيطة رائجة في أوقات أخرى، وهذا بالتالي ينجم عنه كثرة العمال في وقت لا يجدون فيه عملاً، فيؤدي ذلك إلى البطالة. 

5.3.اضطراب التوازن الاقتصادي: ينجم عن هذا الاضطراب تغيير يطرأ على حركة الاستثمار، فإذا حدث هذا وراجت الصناعات الإنتاجية ففي الغالب يؤثر على الصناعات الاستهلاكية أيضاً، ونلاحظ أنه خلال فترة الرواج تبدو ظاهرة النشاط في الصناعات الإنتاجية جلية، وذلك بارتفاع أثمان الخامات والمواد اللازمة لتلك الصناعات، كما أنه أثناء الكساد تهبط حركة الأعمال وتنخفض أثمان الخامات فيؤدي ذلك إلى الاستغناء عن عدد كبير من العمال فتتفشى البطالة. 

6.3.الركود في الأسواق: إذا كانت حالة الأسواق جيدة زاد الطلب على الإنتاج، وبالتالي زاد الطلب على العمال، وإذا كانت حالة السوق في ركود، فإن القائم بالعمل يقوم بتسريح بعض العمال في حالة إطالة فترة الركود، فيؤدي ذلك إلى البطالة والتسول أيضاً. 

7.3. تبعات تنفيذ برامج الخصخصة:أدى تطبيق هذه البرامج إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال في شركـات و مؤسسات القطاع العام. نتج عن خصخصة مشروعات القطاع العام موجة تسريح هائلة من العمالة الموظفة لديها، و خاصة العمالة ذات الأجور المرتفعة أو خفض رواتب العمال الذين بقوا في وظائفهم. و قد أصبحت عمليات الخصخصة التي تجرى على نطاق واسع أكبر مصدر لنمو البطالة، و يضاعف من حرج الموقف قيام الشركات الأجنبية التي أصبحت تمتلك هذه المؤسسات بترحيل أرباحها للخارج مما يؤثر سلبا موازين المدفوعات و القدرة التراكمية. 

8.3.الممارسات والسلوكيات الاجتماعية السيئة: تعتبر الممارسات السلوكية في معظم المجتمعات النامية من الأسباب الرئيسية التي تساعد في تهيئة الظروف لتفشي البطالة في مجتمعاتها. حيث تؤكد الدراسات التي قامت بها منظمة العمل العربية[1] على الدور السلبي الذي تلعبه السلوكيات الاجتماعية في تحديد أشكال وصور سوق العمل لدى المجتمعات العربية ، من خلال الإشارة إلى أن 64% من المشاركين في الدراسة أكدوا أن أُسرهم تحبذ أن يعمل أبناءها في "وظيفة راقية" حتى لو كان دخلها محدود والأخطر من ذلك أنها تحبذ أن يبقى ابنها عاطلاً عن العمل وألا يعمل في عمل يدوي حتى لو كان الدخل فيه أعلى من مدخول الوظيفة الراقية.كما غلبت روح الوساطة والمحسوبية على مفاهيم العمل الجاد والصبر والمثابرة، وإشاعة روح اللامبالاة والإحجام والعزوف عن العمل. هذا النمط من السلوكيات الاجتماعية تحمل في طياتها أخطارا كبيرة ليس فقط على الشباب ولا على سوق العمل بل تتعدى ليكتسح حياة امة بأكملها حيث تتجذر ظواهر الفساد. وهكذا تتهلهل العلاقات في المجتمع ويصبح مجتمعاً تسوده الأنانية الفردية التي تقدم على المصالح الوطنية العامة. وعندما يؤكد الشباب العربي في هذا المسح الميداني أن الشهادة الجامعية لا تؤهل إلى إيجاد فرص عمل جيدة وأن السبيل الوحيد إلى ذلك هو الوساطة والمحسوبية فهذا مؤشر قويا ليس إلى البطالة وانتشارها فحسب بل إلى توطن التخلف. 

4. أهم آثار البطالة: 

تنجم عن البطالة آثار عديدة منها الآثار الاقتصادية والاجتماعية بل وحتى السياسية وعلى الفرد وعلى المجتمع. ولكي نفهم مدى خطورة البطالة ارتأينا إن نتدارس تأثيرات البطالة على الأعمدة والمكونات الرئيسية لأي مجتمع سواء أكان متقدما أم ناميا. ولهذا الغرض فإننا سوف نتناول تلك الآثار وفق السياق التالي: 
1.4.الآثار الاقتصادية:من الآثار الاقتصادية الهدر الكبير في الموارد البشرية الإنتاجية غير المستغلة ونجد أيضاً انخفاض مستوى الدخل الشخصي وما يترتب على ذلك من انخفاض القوة الشرائية وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي وانخفاض حجم الادخار وما قد ينتج عن ذلك من كساد وفائض في الناتج الكلي للاقتصاد. كما للبطالة تأثيرات اقتصادية عديدة نوجزها في الآتي: 

- تؤدّي البطالة إلى إهدار في قيمة العمل البشري وخسارة البلد للناتج القومي. 

- تؤدّي البطالة إلى زيادة العجز في الموازنة العامّة بسبب مدفوعات الحكومة للعاطلين ( صندوق دعم البطالة ). 

- تؤدّي البطالة إلى خفض في مستويات الأجور الحقيقيّة. 

- تؤدي البطالة إلى انخفاض في إجمالي التكوين الرأسمالي والناتج المحلي وهذا ما يؤدي بمرور الزمن إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. 

- تؤدّي البطالة إلى شلّ الحياة في بعض القطّاعات الإنتاجية بسبب لجوء العمّال أحياناً إلى الإضرابات والمظاهرات. 

- تؤدي البطالة إلى دفع العديد من الكفاءات العلمية وشريحة واسعة من المتعلمين إلى الهجرة الخارجية بحثا عن مصادر دخل جديدة لتحسين قدرتهم المعيشية ولتلبية طموحاتهم الشخصية التي يتعذر تحقيقها في مجتمعاتهم التي تعج بأعداد العاطلين عن العمل. حيث ساعدت البطالة على جعل الهجرة والسفر إلى الخارج حلما يراود أذهان الكثير من الشباب وتقول الإحصائيات انه خلال الـ15 سنة الماضية تزايد عدد من يعبرون الحدود سعيا وراء حياة أفضل بشكل مستمر ونحن في أوائل القرن الحادي والعشرين هناك فرد واحد من كل خمسة وثلاثين شخصا حول العالم يعيش كمهاجر وإننا إذا جمعنا كل المهاجرين في مكان واحد فإنهم سيكونون دولة هي الخامسة على مستوى العالم من حيث تعداد السكان. كما يقدر الخبراء أن ما تجنيه الولايات المتحدة من جراء هجرة الأدمغة إليها بنصف ما تقدمه من قروض ومساعدات للدول النامية وبريطانيا 56 % أما كندا فان العائد الذي تجنيه يعادل ثلاثة أضعاف ما تقدمه من مساعدات للعالم الثالث(المطوع، 2006). 

- وقوع المجتمع تحت سيطرة التبعية، فعند وجود الكساد الاقتصادي والركود والبطالة في بلد ما يضطر إلى الرجوع إلى عدوه، ليسد كفايته وحاجته، والعدو يتحكم فيه، فلا يعطيه إلا بشروط، فيفقد هذا البلد شخصيته وقراره ومرجعيته، فيصبح قراره نابعاً من غيره، وقد قيل: (ما لم يكن الطعام من الفأس، فلا قرار من الرأس). 

2.4. الآثار الاجتماعية:تعتبر البطالة من الأمراض الاجتماعية التي يواجهها المجتمع لما يترتب عليها من آثار اجتماعية سيئة، تتمثل في أمراض وشرور اجتماعية ومشاكل عائلية قد تؤدي إلى تفكك المجتمع الذي تنشر فيه وتستفحل ويؤدي إلى انقسام هذا المجتمع وتشوه القيم الأخلاقية والاجتماع. 

حيث تمثل البطالة إن قدر لها الانتشار بشكل واسع بين صفوف الفئات العمرية القادرة على العطاء والتي تملك مخزونا من الطاقة الإنتاجية خطرا حقيقيا على صحة المجتمع الأمر الذي يعيق أي مجتمع متخلف إلى أن ينموا ويرتقي إلى مصاف المجتمعات المتقدمة فنيا وعلميا واقتصاديا وكما أن لهذا الداء اثأرا نفسية مدمرة على صحة المجتمع وعافيته وبكل قطاعاته المتنوعة حيث تفيد الإحصاءات العلمية أن للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية والجسدية وأن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل تعتريهم جملة من الخصائص النفسية التي نتوقف عند البعض منها: 

- يفتقد العاطلون عن العمل إلى تقدير الذات ويشعرون بالفشل. 

- يستشري الإحساس بانخفاض قيمتهم وأهميتهم الاجتماعية وأنهم أقل من أقرانهم الذين يزاولون أعمالا وأنشطة إنتاجية. 

- وقد وجد أن نسبة منهم يسيطر عليها الملل وأن يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة. 

- أن البطالة تعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو والنضوج العقلي. 

- أن البطالة تولد عند الفرد شعورا بالنقص بالإضافة إلى أنه يورث الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالرذيلة والسرقة والنصب والاحتيال. 

- الاضطرابات الأسرية إذ تترك البطالة أثراً سيئاً عند العاطلين، فتتوتر أعصابهم، فتزداد سوء الحالة النفسية عندهم، فيؤثر ذلك على نفسية أسرهم وأولادهم، فتزداد بذلك قوائم المنحرفين، كما أن الزوجات لا يسلمن من أذى أزواجهن العاطلين، فيقع الخصام والتشاجر بينهم الذي هو بداية الطلاق والفراق. 

- كما وأن الفرد العاطل عن العمل يشعر بالفراغ وعدم تقدير المجتمع فتنشأ لديه العدوانية والإحباط وكما أن البطالة تحرم المجتمع من الاستفادة من طاقة أبنائه. 

- تسبب البطالة معاناة اجتماعيّة وعائليّة ونفسيّة بسبب الحرمان وتدني مستويات الدخل. 

- تدفع البطالة الأفراد إلى تعاطي الخمور والمخدّرات وتصيبه بالاكتئاب والاغتراب الداخلي. 

- تدفع البطالة الأفراد إلى ممارسة العنف والجريمة والتطرّف. 

- البطالة تؤدّي إلى انتقاد الأمن الاقتصادي حيث يفقد العامل دخله وربّما الوحيد، ممّا يعرضّه لآلام الفقر والحرمان. 



إن البطالة لا يقتصر تأثيرها على تعزيز الدافعية والاستعداد للانحراف وإنما تعمل أيضاً على إيجاد فئة من المجتمع تشعر بالحرية في الانحراف. ووفقاً لهذه القناعة والإيمان فإن انتهاك الأنظمة والمعايير السلوكية العامة أو تجاوزها لا يعد عملاً خطأ أو محظوراً في نظرهم لأنهم ليسوا ملزمين بقبولها أو الامتثال لها(البكر، 2004). 

كما تحدث حالة البطالة خللاً في عملية التكيف النفسي الاجتماعي للفرد مع مجتمعه، الأمر الذي يؤصل الشعور الدائم بالفشل والإخفاق مما يدفع إلى العزلة وعدم الانتماء وبهذا يصبح الفرد عرضة للإصابة بحالة الاكتئاب التي تؤدي بالفرد إلى اللجوء لتعاطي المخدرات وسيلة للخروج أو الهروب من معاناة الواقع ومواجهته علماً أن الاكتئاب يعد من أهم العوامل النفسية الدافعة إلى الإدمان وذلك لما يلازم حالة الاكتئاب النفسي من توتر وإحساس بالعجز عن مواجهة الضغوط الخارجية(البكر، 2007). 
3.4. الآثار السياسية: إن الوضع السياسي والأمني يلعب أيضا دورا كبيرا في تغيير معدلات البطالة بشكل عام حيث أن الدول التي يكون فيها النظام السياسي نظاما مستقرا ويتمتع بنوع من الأمن والهدوء لتحكمه أمزجة فردية أو أحزاب أحادية المنهج والتكوين ويتمتع بقدر معقول من التعددية الحزبية التي تمارس دور الرقيب على مجمل السياسات المحلية والقرارات التي تخص امن وسلامة واقتصاد المجتمع ككل. في مثل هكذا نظام سياسي تعددي قائم على أساس الكفاءة والعدل والشفافية سنجد حتما أن معدلات البطالة تشهد انخفاضات وانحدارات ملحوظة بل على العكس قد نلحظ نشاطا ملحوظا في ارتفاع معدلات العمالة والتوظيف في القطاعات الإنتاجية المختلفة كقطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والتعليم والصحة والبيئة وما إلى ذلك. 

أكثرية علماء الاجتماع يعتبرون البطالة والفقر سببان رئيسيان في زيادة العنف الاجتماعي بمختلف أشكاله وطرقه ومؤشران على نهج السياسة التسلطية التي تمارسها الدولة وقيادتها السياسية. 

في ظل وضع كهذا وتفاقم أعداد البطالة وزيادة الضغوط النفسية على المواطن الكادح البسيط فانه لا يتوقع أي مظهر من مظاهر النزاهة والشفافية بل على العكس تجد أن شبح البطالة قد ألقى بظلاله على قطاعات واسعة من المجتمع بحيث تنجم عن تلك البطالة والاستقرار الأمني المظاهر التالية: 

- انتشار واتساع دائرة الفساد المالي والإداري. 

- تفشي المحسوبية والتزلف والتملق للمسؤلين وأصحاب القرارات. 

- تفكك أواصر اجتماعية كانت فيما مضى من أهم وابرز صفات ومكونات المجتمع بحكم الفتن والعوز والفاقة. 

- انخفاض مستوى التعليم كما ونوعا. 

- تزايد ظاهرة عمالة الأطفال وهجرة المقاعد الدراسية مبكرا كنتيجة طبيعية لتدني الحياة المعيشية وانتشار الفقر. 

- تدني مستوى الخدمات والوعي الصحي نتيجة إلى انعدام الأمن والاستقرار السياسي. 

- تؤدي البطالة إلى خلق اختلال كبير في مفهوم المواطنة والارتباط بالوطن حيث يسود الفهم الخاطئ إذا لم يكن الوطن قادرا على إعالتي أو حمايتي فلماذا انتمي إليه. 



من هنا ومن واقع هذه المعاينة لأسباب والآثار المدمرة للبطالة، بات مؤكدا أنه من الضروري أن ننطلق إلى تبني السياسات الاقتصادية السليمة التي تمكن المجتمع من الاستمرار في طريقه نحو التطور والتقدم وتحقيق معدلات نمو اقتصادية تضفي على سياسة التنمية المزيد من فرص تحولها من سياسة تنموية بحتة إلى تحقيق عامل الاستدامة الكفيل برفد الاقتصاد بجميع العناصر الضرورية لتامين النمو الاقتصادي وبالنسب المعقولة. مع ضرورة عدم ترك الأمر كله للقطاع الخاص لاتخاذ عنصر المبادرة وحيدا دون ضوابط وقوانين تحد من طموحاته وتهذبها باتجاه السياسة التنموية المنشودة وكما لا يمكن إطلاق يد القطاع العام هكذا دون وجود عامل المنافسة من قبل القطاع الخاص والرقابة النوعية لكي يتمكن القطاع العام من مواصلة التطور والاندفاع نحو الأمام تحت مظلة التطور وتحسين الجودة الإنتاجية. 

إن إتباع سياسات تنموية سليمة مستديمة ستمكن الاقتصاد من تدعيم فرص نموه وثباته حتى في حالة وقوع الأزمات. ومن بين جملة تلك السياسات السليمة سنتطرق إلى بعضا منها بعجالة ويمكن أن تندرج أيضا تحت تعريف السياسات الوقائية والمواجهة لتفشي واستشراء البطالة، وقبل ذلك يجدر بنا أولا التعرف مفهوم ومؤشرات التنمية المستدامة. 

ثانيا: دلائل التنمية المستدامة في الإسلام: 

على الرغم من حداثة مصطلح (التنمية المستدامة) فإن مفهومه ليس بجديد على الإسلام والمسلمين. فقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالعديد من النصوص التي تمثل الركائز الأساسية للتنمية المستدامة، وتضع الضوابط التي تحكم علاقة الإنسان بالبيئة من أجل ضمان استمرارها صالحة للحياة إلى أن يأتي أمر الله. ومن الجدير بالذكر أن مفهوم التنمية المستدامة في الإسلام أكثر شمولا، بل إنه أكثر إلزاما من المفهوم المناظر الذي تم تبنيه في أجندة القرن الحادي والعشرين المنبثقة عن قمة (ريو). فالنظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامةتوجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، لأن هذه الضوابط هي التي تحول دون أية تجاوزات تفقد التنمية المستدامة مبررات استمرارها. وفي الوقت نفسه فإن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة تعنىبالنواحي المادية، جنبا إلى جنب مع النواحي الروحية والخلقية، فلا تقتصر التنميةالمستدامة علىالأنشطةالمرتبطةبالحياة الدنيا وحدها، وإنما تمتد إلى الحياة الآخرة، بشكل يضمن تحقيق التوافق بين الحياتين، ويجعل صلاحية الأولى جسر عبور إلى النعيم في الحياة الأخروية التي هي الحيوان، أي الحياة الحقيقية المستمرة بلا انقطاع وبلا منغصات. 

وهكذا، فإن مهمة التنمية المستدامةفي المنظور الإسلامي هي توفير متطلبات البشرية حاليا ومستقبلا، سواء أكانت ماديةأوروحية، بما في ذلك حق الإنسان في كل عصر ومصر في أن يكون له نصيب من التنميةالخُلقية والثقافية والاجتماعية. وهذا بُعد مهم تختلف فيه التنمية المستدامةفي المنظور الإسلامي عن التنمية المستدامة في النظم والأفكار الأخرى، لأنه يعتمد على مبدأ التوازن والاعتدال في تحقيق متطلبات الجنس البشري بشكل يتفق مع طبيعة الخلقة الإلهية لهذا الكائن. والتنمية المستدامة في المنظور الإسلامي لا تجعل الإنسان ندا للطبيعة ولا متسلطا عليها، بل تجعله أمينا عليها محسنا لها، رفيقا بها وبعناصرها، يأخذ منها بقدر حاجته وحاجة من يعولهم، بدون إسراف، وبلا إفراط ولا تفريط وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[سورة الأعراف: آية31] كما أنها تُعَدّ لونا من ألوان شكر المنعِم على ما أنعم به على خَلقه، انطلاقا من كون العمل في الأرض نمطا من أنماط الشكر لله، كما قال تعالى:(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )[سورة سبأ: آية 13]. 

والتنمية المستدامة من هذا المنظور توجب على الأغنياء مساعدة الفقراء، فالمال مال الله، وهم مستخلفون فيه، قال تعالى: ()وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِوَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) [سورة النور: آية 33]، وقال: (مِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [سورة الحديد: آية 7].، ولأن الأغنياء إن لم يفعلوا قد يضطرون الفقراء إلى الضغط على الموارد الطبيعية واستنـزافها من أجل الحصول على قوتهم وقوت أولادهم. وما تقوم به الدول الفقيرة من قطع جائر لغاباتها، وإقامة للصناعات الملوثة للبيئة على أراضيها يُعَدّ مثالا لما يمكن أن يفعله الفقر من دمار بيئي. 

ومنه يبقى تحقيق أغراض التنمية رهين البيئة وما توفره من موارد، حيث لا مجال للأولى بدون الثانية. وهذا يعني أن العلاقة بينهما وطيدة واستمرار توازنها يستدعي العقلانية وبعد النظر في الممارسات والتصرفات والسلوكات. 

ثالثا: دلائل المسؤولية الاجتماعية في التشريع الإسلامي: 

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن صورة، خلقه للعبادة وكلفه بأن يكون خليفة في هذه الأرض، و قد عرف الدكتور عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الناصر الاستخلاف بأنه "تمكين الله للبشر عامة ولبعضهم خاصة في إحلالهم محل من قبلهم في ملكية الأرض والمال"، فالخلافة تحدد مكانة المسلم و دوره و تتحدد من خلالها مسؤولياته، والتكليف يدل على أن كل فرد مسئول عما يقوم به، ذلك أن المسلم ينظر إلى المال على أنه مستخلَفٌ فيه من قِبل مالكه الحقيقي عزَّ وجلَّ، استخلفه فيه عمن سبقه بفضله وكرمه، وسيستخلف فيه من يأتي بعده، ومن ثمَّ فإن عليه القيام بحق هذا الاستخلاف المنوط به، فالاستخلاف هو أمانة يجب أداؤها ويجب إدارة هذه الأمانة بما يحقق المنفعة للأمة كلها (المجتمع)، ومن هذا المنطلق (الاستخلاف) يتعين على رجال الأعمال ممارسة المسؤولية الاجتماعية للشركات، ذلك أن الشركات تعتبر مؤسسات بشرية و هي جزء من الأمة الإسلامية. 

وتبين الكثير من الدلائل القرآنية أن الإسلام أعطى أولوية للعمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية كما في قوله تعالى ( وتعاونوا على البر و التقوى) (سورة المائدة:3)، وقوله عز وجل (آتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى و المساكين وابن السبيل) (البقرة : 177)، (و في أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذاريات: 19) وذلك كله ابتغاء مرضاة الله وليس لأي غرض دنيوي كقوله تعالى (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره) (سورة الزلزلة-7)، فضلا عما يمكن أن يناله المتطوع في الحياة من بركة وسكينة نفسية وسعادة روحية لا تقدر بثمن (فمن تطوع خيرا فهو خير له) (سورة البقرة: 184) ، كما أن عمل الخير وإشاعته وتثبيته من المقاصد الشرعية أو الضرورات الأصيلة التي تم حصرها في خمس وهي: المحافظة على الدين، وعلى النفس، والنسل، والعقل، والمال وزاد بعضهم سادسة و هي المحافظة على العرض، فحقوق المسلم كلها مسؤوليات اجتماعية، وإن كان الفرد مطالبا بمسؤولية اجتماعية، فعلى مستوى الجماعات والشركات والبنوك تكون المسؤولية أعظم (مركز مراس للاستشارات الإدارية، 2010). 

إضافة إلى هذه الدلائل القرآنية نجد كذلك مثلها في السنة النبوية الشريفة، فنجده صلى الله عليه و سلم يقول"لا ضرر و لا ضرار" (رواه ابن ماجة و الدراقطني)، ويشير "كل سلامي من الناس عليه صدقة: كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، و تعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، و الكلمة الطيبة صدقة، و كل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، و تميط الأذى عن الطريق صدقة" (متفق عليه). 

ويبين "كلكم راع و مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع و هو مسئول عنهم، و الرجل راع على أهل بيته، و هو مسئول عنهم، و المرأة راعية على بيت بعلها وولده، و هي مسئولة عنهم، و العبد راع على مال سيده، و هو مسئول عنه، ألا و كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته"(رواه البخاري). 

ويشير إلى الأخوة والعدالة الاجتماعية اللذين يعكسان مفهوم المسؤولية الاجتماعية في قوله (ص) "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، و من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، و من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" (متفق عليه). 

ويؤصل مفهوم المسؤولية الاجتماعية ويدعمها بقوله (ص) "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (متفق عليه). 

بالتطبيق السليم والالتزام الحرفي بالمسؤولية الاجتماعية التي نص عليها التشريع الإسلامي يمكن الوصول إلى مجتمع متقدم ومزدهر خال من الآفات سواء في الأفراد أو المجتمع أو البيئة التي تحويهم، فمبدأ العدالة الاجتماعية هو الأساس الذي يقوم عليه الإسلام، و به يرتدع المسلمين عن القيام بالحرام، كما أن مفهوم الأخوة يجعل المسلمين مسئولين أمام بعضهم بعضا. 

ففي ظل العقيدة السليمة والتوحيد الخالص لله تنظم العلاقات بين العبد بربه، وعلاقة الإنسان مع غيره من الناس، وعلاقة الإنسان مع البيئة والمحيط، فعلاقةالمسلم مع الله سبحانه وتعالى يسودها الحب والطاعة، ورغبته الأكيدة في نيل رضاه واجتناب غضبه وسخطه وعلى كل مسلم أن يلتزم بالشريعة الإسلامية من أجل التماس البركة فينهاية المطاف، وتحقيق الفلاح. 

أما علاقة المسلم مع غيره، فيجب أن تكون مؤسسة على القيم الأخلاقيةالإسلامية، مثل الثقة والصدق والحزم والعدل واحترام القانون، والعطفوالتسامح،وينبغي على كل مسلم أن يكون واعيا اجتماعيا، ويوفر لمن هم تحت مسؤوليته ما يحتاجونه بلا إسراف، و فيما يتعلق بمنظمات الأعمال فإنه ينبغي أن تحترم الحق الشرعي لجميعالأطراف المعنية المتعاملة معها، مثل المساهمين والموظفين والموردين، فضلا عن البيئة (2007,Rusnah). 

مما سبق تتحدد المسؤولية الاجتماعية في الإسلام من خلال ثلاثة جوانب هامة (العسل،1996): 

- مسؤولية الفرد تجاه نفسه: إن تكريم الله للإنسان وتفضيله على غيره من المخلوقات، وتسخيره له ما في السماوات والأرض، هي دعوة لهذا الإنسان لأن يحافظ على بدنه وحياته وبقائه، باعتماد النظافة والطهارة في الجسم والثوب والمكان، وممارسة الرياضة، والأكل من الطيبات والوقاية من الأمراض ومعالجتها، وأن يعمل على ضبط غرائزه و أن يصرف همته إلى اكتساب الصفات الحميدة، و أن يحسن أخلاقه في تعاملاته مع الغير، ليكون في النهاية محلا لأمانة التكليف و القيام بالعمل الصالح الذي يساعده على التعايش مع الجماعة و يوطد علاقات التماسك و التعاون. 

- مسؤولية المجتمع عن بعضه بعضا: الفرد المسلم مسئول عن المجتمع الذي يعيش فيه فهو جزء منه و الجزء لا ينفصل عن الكل، و الغاية العليا هي سعادة الكل، و ربط القلوب بأواصر المحبة والأخوة، لقد اجمع الفقهاء على وجوب نفقة الموسر على قريبه المعسر و انه يجب على الأغنياء أن يقوموا بكفاية فقرائهم إذا لم تكف الزكاة. 

- مسؤولية الدولة تجاه الفرد والمجتمع: بالرغم من الواجبات المالية التي فرضها الله على المسلمين للفقراء، فان الدولة مسئولة عن الفقراء والمحتاجين، ويحق لكل فقير أن يطالب الدولة بالإنفاق عليه، وهذه المسؤولية تجعل الدولة مسئولة عن جميع أفراد المجتمع. 

رابعا: سياسات التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية الاسلامية في معالجة ظاهرة البطالة: 



عالج النظام الإسلامي مشكلة البطالة وقطع دابرها بعدة إجراءات ووسائل وآذنت السنة النبوية الشريفة الحرب على البطالة وحاصرتها حصاراً محكماً، لتدفع بذلك الخطر عن العقيدة والدين والسلوك والأخلاق، ولتحفظ الأسرة، وتصون المجتمع عن المهاوي والمنزلقات، وعن المفاسد والمساوئ التي يمكن أن تخلفهما البطالة والتسول في حياة الأمة الإسلامية. 

ومن أجل تحقيق الخير للأمة، وتحقيق الحياة الطيبة بعيدة عن البطالة، اتخذت السنة النبوية إجراءات في الوقاية، وسبلاً في العلاج، وذلك بالطرق الآتية: 

1. الدعوة إلى العمل وترك التواكل: إن المسلم في المجتمع الإسلامي مطلوب منه أن يعمل، ومأمور أن يمشي في مناكب الأرض، ليكسب حلالاً يسد به حاجته، ويحفظ به ماء وجهه، ويكون عزيز النفس، عفيف الطبع، ولا يجوز الإعراض عن العمل، فإذا لم يكن عنده عمل لنفسه فعليه أن يعمل لغيره. ومنه فالشريعة أوجدت الدافع الذاتي لدى الإنسان للعمل وجعل السعي على الرزق عبادة تكفر بها الذنوب. 

2. تهيئة فرص العمل: من الناس من يدع العمل والسعي عجزاً عن تدبير عمل لنفسه مع قدرته على العمل وذلك لقلة حيلته، وضعف معرفته بوسائل العيش وطرائق الكسب، وربما كان أهون شئ عليه أن يقعد عن السعي، ويضع عبء نفسه وأسرته على الحاكم المسئول، الذي عليه أن يدبر له معونة تكفيه وتغنيه، فقد بينت السنة أنه إن تيسر له فرصة للعمل ولو كانت متدنية، إذا كانت تسد فاقته، وتحفظ له ماء وجهه فهو خير له من التسول أو البطالة. 



3. تحريم الصدق على غنى أو قادر على العمل: وفي ذلك يقول الرسول (ص) )لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوى(. وذو المرة السوي: هو السليم الأعضاء، القوي، المتبطل، الكسول الذي لا يعمل، ويعيش على صدقات الناس وزكواتهم، ويأكلها حراماً، لأنها مال الفقراء والمساكين، والمتبطل القادر على العمل، لا تحل له الصدقة. 



4. الوقف الخيري: والوقف في اللغةالحبس، وشرعاًهو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح وهذا أول وقف في الإسلام، وهو من خصائص هذا الدين، وكان له أثر كبير ملموس في كل العصور الإسلامية، حيث وجد المحرمون فيه ما يقيهم الجوع، والعرى، والأمراض، وحيث قلل من البطالة وجعل الحياة تنشط بالعمل. 



5. تحريم الربا والحث على القرض الحسن: الربا: وسيلة محرمة، يكرهها الإسلام كراهة واضحة، ويقبحها تقبيحاً شديداً، وينذر أصحابها بأشنع مصير، قال تعالى ]يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون[ ذلك أن الربا وسيلة لتضخم رؤوس الأموال تضخماً شديداً لا يقوم على الجهد، ولا ينشأ من العمل، مما يجعل طائفة من القاعدين، يعتمدون على هذه الوسيلة وحدها في تنمية أموالهم وتضخيمها، فيشيع بينهم الترهل والبطالة والترف على حساب الكادحين، الذين يحتاجون للمال، فيأخذونه بالربا في ساعة العسرة. 



6. الهجرة في طلب الرزق الحلال: لا يجوز للمسلم أن يتذرع بأنه متبطل أو متعطل لا يجد عملاً، لأنه في بلد لا يجد العمل فيه، فالسنة النبوية أمرته بالسفر في بلاد الله الواسعة، يبحث عن رزقه الذي قدره الله له وربط الرزق بالسعي عليه قال تعالى" فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه " وقال صلى الله عليه وسلم" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتعود بطانا "، وجعل الله تعالى الرزق بيده حتى لا ييأس أحد في طلبه. 



7. جعل من مسئولية الحاكم والمسئول أن يوفر فرص عمل لرعيته: يقولصلى الله عليه وسلم" كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته " وقال عمر بن الخطاب لأحد ولاته " إن الله استعملنا على الناس لنوفر حرفتهم ونستر عورتهم ". 

الخاتمة: 

تعد مشكلة البطالة هي من اخطر المشكلات التي تواجه اقتصاديات العالم عموما واقتصاديات البلدان النامية خصوصا نظرا لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية فعلى المستوى الاقتصادي تفقد الأمة عنصرا هاما من عناصر التنمية ألا وهو عنصر الموارد البشرية وذلك سواء من خلال تعطيل قدراتهم نتيجة البطالة أو من خلال هجرتهم إلى الخارج أما على المستوى الاجتماعي فان البطالة توفر الأرض الخصبة لنمو المشكلات الاجتماعية وجرائم العنف والسرقة والقتل والاغتصاب والانتحار . 

وبما أن التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية هي الاستعمال المثالي الفعال لجميع المصادر البيئية ، الحياة الاجتماعية والاقتصاد للمستقبل البعيد مع التركيز على حياة أفضل ذات قيمة عالية لكل فرد من أفراد المجتمع في الحاضر والمستقبل. فإنها بالتالي تتطلب تغييرا جوهريا في السياسات والممارسات الحالية، لكن هذا التغيير لن يتأتى بسهولة، ولن يتأتى أبدا بدون قيادة قوية وجهود متصلة ونضالا مستمرا من طرف القوى العاملة والشعوب المقهورة في بلدان كثيرة. 

ومن استقراءنا لبعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية نجدأن الإسلام كان السباق في وضع قواعد وقيم عظمى لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز المسؤولية الاجتماعية ومحاربة البطالة،وأنه حث على العمل وتحقيق التنمية المتكاملة بمختلف صورها، وعمل على حماية المخلوقات التي تعيش على الأرض والإحسان إليها، بما في ذلك حماية الإنسان من شرور نفسه ومن ظلم أخيه الإنسان، مع الاستفادة مما في الأرض من موارد ومقدرات وفق ضوابط خاصة من غير إفراط ولا تفريط. ولم يقتصر ذلك على تحديد أساليب الثواب للمتقنين للعمل والعقاب للمسيئين، بل تعدّت ذلك إلى جعل أخلاقيات العمل سلوكا حميدا يجب أن يلتزم به المسلم ويراقب في أدائه ربه. 

أوجد الإسلام نظاما ماليا يمنع تكدس الثروة في أيدي قلة من الناس حتى لا تمنع نمو مشاريع صغيرة وظهور كفاءات جديدة ومن أمثلة هذه التشريعات: تشريع الميراث ليوزع الثروة، تحريم الاحتكار والربا، تحريم الأعمال التي تدر دخلا دون عمل مثل القمار . 



كما ضمن الإسلام تمويلا ذاتيا للفقراء لإيجاد فرص عمل لهم من خلال تشريع الزكاة والصدقات والوقف وغيرها، وأوجد مواسم رواج للتسويق والتسوق مثل موسم الأعياد والحج وغيرها. 



المراجع: 

1. القرآن الكريم. 

2. صحيح البخاري. 

3. سنن بن ماجة. 

4. البشير، عبد الكريم. (2004). تصنيفات البطالة ومحاولة قياس الهيكلية والمحبطة منها. مجلة اقتصاديات شمال إفريقيــا. العدد الأول. 

5. البكر، محمد عبد الله. (2004). أثر البطالة في البناء الاجتماعي. مجلة العلوم الاجتماعية. جامعة الكويت. المجلد 32. العـدد 2. 

6. البكر، محمد عبد الله. (2007). اثر البطالة في البناء الاجتماعي (دراسة تحليلية للبطالة وأثارها في المملكة العربية السعودية. مجلة المال والاقتصاد. 12 – 10. 

7. الدباغ، بشير وعبد الجبار الجرمود. (2003) مقدمة في الاقتصاد الكلي. الأردن. دار المناهج للنشر والتوزيع.الطبعة الأولى. 

8. العسل، إبراهيم. (1996). التنمية في الإسلام (مفاهيم، مناهج، تطبيقات). بيروت. لبنان. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 

9. الغريب، مصطفى. (2 مايو 2005). البطالة اكبر تحدي تواجهه دول الخليج منذ عقود. موقع قناة العربية الإخباري, صفحة الأسواق. منقول من وليد ناجي الحيالي، دراسة بحثية حول البـــطــالـــــة مقدمة الى الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك. 

10. المطوع، خليل احمد. (2006). المشروعات الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون الخليجي. مؤتمر منتدى الدوحة السادس للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة، المنعقد في الدوحة من ( 11 – 13 ابريل – 2006. 

11. النجار، احمد السيد, (2004).تقرير اقتصادي يحذر من البطالة المقنعة في العالم العربي, مجلة الجزيرة تصدر عن صحيفة الجزيرة, العدد 102. 

12. رمزي، زكي. (1997). الاقتصاد السياسي للبطالة. الكويت. مجلة عالم المعرفة. العدد226. 

13. عبد الرسول والخطيب. (2007). البطالة والتعليم ( دراسة). الجامعة الأهلية. مركز الدراسات الإنسانية والاجتماعية. 

14. مركز مراس للاستشارات الإدارية. (2010). تحرير مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات. سلسلة تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات. مجلس المسؤولية الاجتماعية بالرياض. 

15. ويكبيديا الموسوعة الحرة. اقتصاديون أمريكيون: إسهامات ادموند فيليبس حول التضخم والبطالة. 

16. RusnahMuhamad.(2007).Corporate Social Responsability : an Islamic perspective.Bangkok; Thailand. research presented to : the international conference on global research in business and economics. 

[1]جاءت هذه المعطيات في الدراسة الميدانية التي بادرت وقامت بإعدادها د. سوزان القليني من جامعة عين شمس وطاقم مساعدين لها من خلال إجراء مسح ميداني على مجموعة من الشباب العرب من العالم العربي حول" دور الإعلام في ترسيخ قيمة العمل وتوعية النشء في المجتمعات العربية " بما يتعلق بالبطالة وأسواق العمل خاصة وانهم ضحايا البطالة المُستشرية لمجتمع يهتم بالمظاهر والمراكز المُجتمعية وان الوظيفة تعبير عن المركز الاجتماعي والجاه . 

للتحميل اضغط              هنا



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا